المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مقدمة المصنف لكتابه] - قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر

[صديق حسن خان]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة الناشر قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر]

- ‌[مقدمة المحقق]

- ‌[ترجمة المصنف]

- ‌[تعريف المحقق بكتابه "قطف الثمر في عقيدة أهل الأثر

- ‌[مقدمة المصنف لكتابه]

- ‌[فصل الأدلة على إثبات اليدين لله عز وجل من القرآن والسنة]

- ‌[بعض ما في رسالة الشيخ محمد ناصر الحازمي في مسألة العلو]

- ‌[الفرقة الناجية]

- ‌[فصل الأدلة على صفة النفس من القرآن والسنة]

- ‌[فصل الأدلة على صفة الكلام لله عز وجل]

- ‌[معنى قولهم عن القرآن منه بدأ وإليه يعود]

- ‌[فصل الحروف المكتوبة والأصوات المسموعة هي عين كلام الله]

- ‌[فصل الله عز وجل يتكلم بحرف وصوت]

- ‌[فصل علم الله تعالى بجميع المخلوقات وقدرته على جميع الممكنات]

- ‌[فصل الإيمان قول وعمل]

- ‌[فصل عودة إلى مبحث الإيمان والإسلام]

- ‌[فصل القضاء والقدر]

- ‌[درجات الإيمان بالقدر]

- ‌[القدرية مجوس الأمة تحقيق ذلك]

- ‌[فصل بعض خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌[شفاعة الرسول وأنواعها]

- ‌[فصل سلامة قلوب أهل السنة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فصل وجوب محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم]

- ‌[من أصول السنة التصديق بكرامات الأولياء]

- ‌[تعريف المعجزة والكرامة]

- ‌[بيان ما آل إليه أمر المتصوفة من الاستعانة بغير الله]

- ‌[فصل كيفية التوسل بالصالحين]

- ‌[فصل حكم النذر وأنواعه]

- ‌[كلام هام لأهل العلم فيما ينذر به على القبور]

- ‌[فصل الرؤيا من الله وحي ما لم تكن ضغثا]

- ‌[فصل الإجماع على الإسراء والمعراج]

- ‌[فصل وجوب الإيمان بما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فصل الإيمان بالموت وملك الموت]

- ‌[عذاب القبر]

- ‌[فصل الميزان له لسان وكفتان]

- ‌[أصناف ما تضمنته الدار الأولى والآخرة]

- ‌[فصل الحوض المورود وصفته]

- ‌[الصراط وحال الناس يومئذ]

- ‌[فصل رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة]

- ‌[فصل الملائكة وأعمالهم]

- ‌[فصل لا يخلد صاحب كبيرة في النار]

- ‌[جواز الاستثناء في الإيمان غير ألا يكون في الشك]

- ‌[فصل من عقائد أهل السنة والجماعة]

- ‌[فصل من السنة هجر أهل البدع]

- ‌[مقصود الإجماع]

- ‌[فصل الاعتقاد بالكتاب والسنة]

- ‌[وصايا المصنف لطلبة العلم]

- ‌[خاتمة الكتاب من المصنف]

- ‌[أهم المصادر والمراجع]

الفصل: ‌[مقدمة المصنف لكتابه]

[مقدمة المصنف لكتابه]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي هو كما وصف نفسه، فوق ما يصفه به خلقه، والصلاة والسلام على رسوله محمد، عبده الذي تبين في كل شيء رشده وصدقه، وعلى آله وصحبه الذين تمسكوا بهديه، واتبعوا سبيله، كما كان حقه. وبعد، فاعلم أن جملة ما عليه أصحاب الحديث والسنة، هو الإيمان بالله، وملائكته وكتبه ورسله (1) .

ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف الله به نفسه المقدسة في كتابه العزيز، وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف (2) ولا تعطيل (3) ولا تكييف (4) ولا تمثيل (5) ولا تأويل (6) فيؤمنون بالله سبحانه وتعالى وبأسمائه الحسنى

(1) واليوم الآخر والقدر خيره وشره.

(2)

أي بدون تغيير ألفاظ أسماء الله الحسنى وصفاته العليا أو تغيير معانيها إلى معانٍ باطلة لا يدل عليها الكتاب والسنة.

(3)

التعطيل: نفي أسماء الله وصفاته وترك عبادة الله أو الشرك معه وتعطيل المخلوقات من خالقها جل وعلا كتعطيل الفلاسفة الذين قالوا بقدم هذه المخلوقات وزعموا أنها تتصرف بطبيعتها وأول من ابتدع التعطيل في دين الله الجعد بن درهم وأخذها عنه الجهم بن صفوان حيث تنتسب إليه الجهمية، وقيل إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان وأخذها أبان من طالوت بن أخت لبيد بن الأعصم وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم وانظر:" الفتوى الحموية "(ص 95) و " لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية "(1 / 23) .

(4)

التكييف: أن يقال بأن الصفة على هيئة كذا وكيفية معينة.

(5)

التمثيل: التشبيه بين الخالق والمخلوق.

(6)

التأويل في التنزيل الحميد الحقيقة التي يؤول إليها الخطاب كما في قوله تعالى:. . ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (الكهف: 82) ويستعمل عند قدماء المفسرين كابن جرير الطبري بمعنى " التفسير " فيقال: تأويل ما جاء في قوله تعالى أي: تفسيره ومثل هذا التأويل يعلمه من يعلم التفسير. وأما التأويل المنفي الذي نفاه المصنف والذي يرده أهل السنة والجماعة فهو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح كتأويل من أول " الاستواء " بمعنى الاستيلاء ونحوه، وتأويل " اليد " بالقدرة، وتأويل الرؤية وغير ذلك، فهذا عند سلف الأمة باطل لا حقيقة له بل هو من التعطيل لأن المؤول يشبه أولا ثم يلجأ إلى التأويل وانظر لبسط ذلك " درء تعارض العقل والنقل "(5 / 381 فما بعدها) و " الفتوى الحموية "(ص 105 - 107) و " مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة "(1 / 52) .

ص: 33

وصفاته العليا، ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون (1) في أسمائه وآياته، ولا يكيفون، ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه، ولا يعطلونها، لأنه سبحانه لا سمي له، ولا كفؤ له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه (2) لأنه. . . {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] وهو سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلا، وأحسن حديثا من خلقه، ورسله صادقون مصدقون، بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون، ولذلك قال:{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ - وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 180 - 182] فسبح نفسه عما وصف به المخالفون للرسل وسلم على المرسلين، لسلامة ما قالوه من النقص والعيب والخلل والزلل. وقد جمع الله سبحانه وتعالى فيما وصف به نفسه بين النفي والإثبات، فلا عدول لأهل السنة والجماعة عما جاءت به المرسلون، فإنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

ومن هذه الجملة ما وصف به نفسه في سورة الإخلاص، التي تعدل ثلث القرآن (3) على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فقال:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ - اللَّهُ الصَّمَدُ - لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ - وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1 - 4] وما

(1) الإلحاد في الأسماء والصفات الميل بها عن الحق الثابت إلى الشرك والكفر والتعطيل وله أقسام خمسة: 1 - تسمية الله بما لا يليق بجلاله وعظمته تبارك وتعالى 2 - تسمية بعض المخلوقات ببعض ما سمى الله به نفسه 3 - وصفه عز وجل بما يتنزه ويتقدس عنه 4 - تعطيل الأسماء عن معانيها وجحد حقائقها وزعم أنها ألفاظ مجردة لا معاني لها 5 - تشبيه صفات الله تبارك وتعالى بصفات الخلق. انظر " مختصر الصواعق (2 / 110) .

(2)

لقوله تعالى: فَلَا تَضْرِبُوا لله الْأَمْثَالَ. . [النحل: 74] واعلم أن كل ما وصف به المخلوق من كمال فالخالق أولى به وكل ما نزه عنه المخلوق من نقص فالخالق أولى بالتنزه لقوله تعالى:. . . وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى. . . [الروم: 27] والله أعلم. انظر " الكواشف الجلية عن معاني الواسطية "(ص 102) .

(3)

كما في الصحيحين: البخاري (5 / 59 فتح الباري) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ومسلم (812) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولفظ البخاري: " والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن ".

ص: 34

وصف به نفسه في أعظم آية في كتاب الله (1) حيث يقول: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] ولهذا كان " من قرأ هذه الآية في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح "(2) .

ومنه قوله: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3] وقوله:. . {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم: 2](3)[التحريم: 2] .

وقوله. . . {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [سبأ: 1]

وقوله: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [الحديد: 4]

وقوله: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59]

وقوله:. . {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فاطر: 11]

وقوله:. . {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12]

(1) كما في " صحيح مسلم "(810) من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبا المنذر! أتدرى أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ " قال قلت: الله ورسوله أعلم قال: " يا أبا المنذر! أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ " قال قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم. قال. فضرب في صدري وقال: " والله لِيَهْنِك العلم أبا المنذر ".

(2)

قطعة من حديث رواه البخاري (4 / 487 فتح الباري) ، عن أبي هريرة.

(3)

وقع في الأصل: " وهو العليم " وهو تصحيف عن " وهو الحكيم ".

ص: 35

قوله: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الفرقان: 58]

وقوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58]

وقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]

وقوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58]

وقوله: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف: 39]

وقوله:. . {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة: 1]

وقوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125]

وقوله: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]

وقوله:. . {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9]

وقوله:. . {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]

وقوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]

وقوله: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54]

وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} [الصف: 4]

وقوله: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج: 14]

وقوله: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل: 30]

وقوله: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: 7]

وقوله: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43]

وقوله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]

وقوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54]

ص: 36

قوله: {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 107]

وقوله: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 64]

وقوله: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119]

وقوله: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء: 93]

وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} [محمد: 28]

وقوله: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف: 55]

وقوله: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} [التوبة: 46]

وقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: 210]

وقوله: {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} [الأنعام: 158]

وقوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: 22]

وقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27]

وقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]

وقوله: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]

وقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64]

وقوله: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48]

وقوله: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14]

وقوله: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39]

وقوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46]

وقوله: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14]

ص: 37

قوله: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} [الشعراء: 218]

وقوله: {فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105]

وقوله: {وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد: 13]

وقوله: {وَمَكَرْنَا مَكْرًا} [النمل: 50]

وقوله: {وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق: 16]

وقوله: {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} [النساء: 149]

وقوله: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ} [المنافقون: 8]

وقوله عن إبليس: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82]

وقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65]

وقوله: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} [البقرة: 22]

وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا} [البقرة: 165]

وقوله: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: 111]

وقوله: {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التغابن: 1]

وقوله: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا - الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 1 - 2]

وقوله: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ - عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون: 91 - 92]

ص: 38

قوله: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 74]

قوله: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]

وفي سورة يونس [3] : مثله.

وفي سورة الرعد [2] : {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الرعد: 2] وفي سورة طه [5] : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]

وفي سورة الفرقان [59] : {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الفرقان: 59]

وفي سورة السجدة [4] : {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [السجدة: 4]

وفي سورة الحديد [4] : {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4]

فهذه سبعة مواطن، أخبر فيها بأنه سبحانه استوى على العرش، وفي هذه المسألة أدلة من السنة والآثار الصحيحة الكثيرة يطول [بذكرها](1) الكتاب، فمن أنكر كونه سبحانه في جهة العلو بعد هذه الآيات والأخبار فقد خالف الكتاب والسنة.

وقد ثبت بالأدلة الصحيحة، أن الله خلق سبع سماوات بعضها فوق بعض، وسبع أرضين، بعضها أسفل من بعض. و " بين الأرض العليا والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام وبين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة عام والماء فوق

(1) في الأصل (ذكرها) ولعل الصواب ما أثبته. وتعليق المراجع: بل إن الأصل صواب وكلمة ذكرها فاعل. أي يطوِّلُ ذكرُها الكتاب.

ص: 39

السماء العليا السابعة وعرش الرحمن عز وجل فوق الماء والله عز وجل على العرش " (1) و " الكرسي موضع قدميه " (2) وهو يعلم ما في السماوات والأرضين السبع، وما بينهما، وما تحت الثرى، وما في قعر البحر، ومنبت كل شعرة وشجرة، وكل زرع ونبات، ومسقط كل ورقة، وعدد كل كلمة، وعدد الرمل والحصى والتراب، ومثاقيل الجبال، وأعمال العباد وآثارهم وكلامهم وأنفاسهم، ويعلم كل شيء، لا يخفى عليه

(1) جاء نحو هذا موقوفًا على ابن مسعود كما في " الرد على الجهمية " للدارمي (ص 21) و " التوحيد " لابن خزيمة ص (70 و75 و106) والبيهقي في الأسماء والصفات (ص 401) والطبراني في الكبير (87 - 89) وصححه ابن القيم في " اجتماع الجيوش "(ص 100)[وصححه الذهبي في العلو ص 63، 64] .

(2)

روى هذا مرفوعًا الضياء بسند ضعيف كما في تخريج " ما دل عليه القرآن "(ص 142) وأشار للرواية المرفوعة الدارقطني في " الصفات "(36) فقال لما رواه من طريق عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: " رفعه " شجاع إلى النبي ولم يرفع الرمادي ". قلت: شجاع هو ابن مخلد الفلاس ذكره العقيلي في الضعفاء كما في التهذيب - وأورد له عن أبي عاصم عن سفيان عن عمار الدهني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعًا " كرسيه موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره " رواه الرمادي والكجي عن أبي عاصم فلم يرفعاه وكذا رواه ابن مهدي ووكيع بن سفيان موقوفًا " وانظر التهذيب (4 / 313) والميزان (2 / 165) وتاريخ بغداد (9 / 252) .

وفي " التقريب " عن شجاع: " صدوق وهم في حديث فرفعه وهو موقوف فذكره بسببه العقيلي في الضعفاء " والحديث الذي وهم فيه مروي في " جزء فيه أحاديث أبي الحسن علي بن عمر بن محمد السكري الختلي الحربي " المتوفى سنة (386 هـ) وأحاديثه معروفة بـ " الحربيات " كما في التعليق على " الصفات " للدارقطني للدكتور علي ناصر. وأما الموقوف فرواه الدارقطني في " الصفات (36) وعبد الله في " السنة " (ص 71، 142) والدارمي في " الرد على المريسي " [وقال: صحيح مشهور] (ص 71 و73) وابن جرير في التفسير (3 / 110) والحاكم (2 / 282) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه " ووافقه الذهبي، [وقال في العلو ص: 61 " رواته ثقات "] وأشار له البيهقي في " الأسماء والصفات "(ص 404) ، وجاء الأثر موقوفا أيضا على أبي موسى كما في الأسماء والصفات " (ص 404) وتاريخ بغداد "(8 / 2) و (9 / 252) . [وسنده صحيح] .

ص: 40

من ذلك شيء، وهو على العرش فوق السماء السابعة، دونه " حجب من نار ونور وظلمة "(1) وما هو أعلم به.

فإن احتج مبتدع ومخالف بقول الله عز وجل:. . {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16]

وبقوله:. . {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7] ونحو هذا من متشابه القرآن فقل إنما يعني العلم لأن الله عز وجل فوق السماء السابعة العليا يعلم ذلك كله وهو بائن (2) من خلقه، لا يخلو عن علمه مكان، وليس معنى ذلك أن

(1) روى مسلم في صحيحه (179) عن أبي موسى الأشعري قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال: إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل حجابه النور (وفي رواية في مسلم أيضا النار) لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " وروى الدارمي في " الرد على المريسي " (ص 173) عن المثنى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: احتجب ربنا عز وجل عن خلقه بأربع بنار وظلمة ثم بنور وظلمة. . . " وفي سنده: المثنى بن الصباح وهو ضعيف اختلط بأخرةٍ كما في " التقريب " وروى البيهقي في " الأسماء والصفات "(ص 402) مرفوعًا " دون الله تعالى سبعون ألف حجاب من نار وظلمة. . . " وفي سنده: موسى بن عبيدة الربذي وهو عند أهل العلم بالحديث ضعيف كما قال البيهقي. وجاء نحو حديث عمرو بن شعيب موقوفًا على ابن عمر في " الرد على المريسي " ص (172) والرد على الجهمية (ص 30) للدارمي وشرح اعتقاد أصول السنة " (729) وانظر تفسير ابن كثير (2 / 304 ط الشعب) تفسير سورة الأنعام الآية: 103 وانظر " الأسماء والصفات " (ص 402 و 403) و " شرح العقيدة الطحاوية " (ص 214)[والحاكم في المستدرك (2 / 319) وصححه، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا] .

(2)

قد يقول قائل إن هذا اللفظة " بائن " لم ترد في الكتاب والسنة فلم تذكر وقد أجاب عن هذه وغيرها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني بقوله في " مختصر العلو "(ص 18 - 19) ما خلاصته أن هذه اللفظة " بائن " لا بأس من ذكرها للتوضيح ولقد كثر ورودها في عقيدة السلف وقال بها جماعة وإن لم تكن معروفة في عصر الصحابة رضي الله عنهم ولكن لما ابتدع الجهم وأتباعه القول بأن الله في كل مكان اقتضت ضرورة البيان أن يتلفظ هؤلاء الأعلام بلفظ " بائن " دون أن ينكره أحد منهم وهذا تماما كقولهم في القرآن إنه غير مخلوق فإن هذه الكلمة لا تعرفها الصحابة أيضًا وإنما كانوا يقولون فيه: " كلام الله تبارك وتعالى " لا يزيدون على ذلك وكان ينبغي الوقوف فيه عند هذا الحد لولا قول جهم وأشياعه من المعتزلة إنه مخلوق، ولكن إذا نطق هؤلاء بالباطل وجب على أهل الحق أن ينطقوا بالحق ولو بتعابير وألفاظ لم تكن معروفة من قبل وإلى هذه الحقيقة أشار الإمام أحمد رحمه الله تعالى عندما سئل عن " الواقفة " الذين " يقولون في القرآن إنه مخلوق أو غير مخلوق، هل لهم رخصة أن يقول الرجل " كلام الله " ثم يسكت؟ قال: ولم يسكت؟ لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت ولكن حيث تكلموا لأي شيء لا يتكلمون؟ ! سمعه أبو داود منه كما في " مسائله " (ص 263 - 264) ".

ص: 41

الله في جوف السماء، وأن السماء تحصره وتحويه فإن هذا لم يقله أحد من سلف الأمة وأئمتها بل هم متفقون على أن الله فوق سماواته على عرشه، بائن من خلقه ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته.

وقد قال مالك بن أنس: " إن الله في السماء وعلمه في كل مكان "(1) وقيل لابن المبارك بماذا تعرف ربنا؟ قال " بأنه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه "(2) وبه قال أحمد بن حنبل (3) وقال الشافعي: " خلافة أبي بكر قضاها الله في سمائه وجمع عليها قلوب أوليائه "(4) .

(1) أخرجه الإمام عبد الله في " السنة "(ص 5) وأبو داود في " مسائل الإمام أحمد "(ص 263) .

(2)

رواه عبد الله في " السنة "(ص 5 و 72) والدارمي في الرد على المريسي (ص 24 و 103) وفي " الرد على الجهمية "(ص 50) وقال ابن القيم في " اجتماع الجيوش "(ص 84) : قد صح عنه صحة قريبة من التواتر.

(3)

قيل لأبي عبد الله - الإمام أحمد - الله فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه وقدرته وعلمه بكل مكان؟ قال " نعم هو على عرشه ولا يخلو شيء من علمه " رواه الخلال في " السنة " كما في " اجتماع الجيوش "(ص 77) .

(4)

ذكره ابن القيم في " اجتماع الجيوش "(ص 59) وصدره بقوله صح عن الشافعي. . . وقال الإمام الشافعي رحمه الله: " القول في السنة التي أنا عليها ورأيت عليها الذين رأيتهم مثل سفيان ومالك وغيرهما الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأن الله على عرشه في السماء يقرب من خلقه كيف شاء وينزل إلى السماء الدنيا كيف شاء. . . وذكر سائر الاعتقاد. رواه أبو الحسن الهكاري وأبو محمد المقدسي كما في " العلو " (مختصره ص 176) وانظر " اجتماع الجيوش " (ص 59) .

ص: 42

فمن اعتقد أن الله في جوف السماوات محصور محاط، أو أنه مفتقر إلى العرش، أو غير العرش، من المخلوقات أو أن استواءه على عرشه كاستواء المخلوق على كرسيه، فهو ضال مبتدع جاهل، ومن اعتقد أنه ليس في السماوات إله يعبد ولا على العرش إله يصلى له ويسجد وأن محمدًا لم يعرج به إلى ربه، ولا نزل القرآن من عنده، فهو معطل فرعوني، فإن فرعون كذب موسى في أن ربه فوق السماوات فقال:{يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ - أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: 36 - 37] ومحمد صلى الله عليه وسلم صدق موسى، فأقر أن ربه فوق السماوات، فلما كان ليلة المعراج، عرج به إلى الله، وفرض عليه ربه خمسين صلاة، وذكر أنه رجع إلى موسى، وأن موسى قال:«ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك» . وهذا الحديث في الصحاح (1) فمن وافق فرعون وخالف موسى ومحمدًا فهو ضال، ومن مثل الله بخلقه فهو ضال، ومن جحد شيئًا مما وصف الله به نفسه فهو كافر.

وليس ما وصف الله به نفسه، وما وصفه به رسوله تشبيها، وقد قال تعالى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] وقال تعالى: {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55] وقال: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ} [النساء: 158] وقال: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [الأنعام: 114] وقال: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الزمر: 1] وقال تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} [الأنبياء: 19]

(1) انظر صحيح البخاري (1 / 459 فتح الباري) ومسلم (162) . وسيأتي تواتره في التعليق [250] .

ص: 43

فدل ذلك على أن الذين عنده قريبون إليه، وإن كانت المخلوقات تحت قدرته، فالقائل الذي قال من لا يعتقد أن الله في السماء [فهو ضال](1) إن أراد بذلك أن الله في جوف السماء بحيث تحصره وتحيط به، فقد أخطأ، ن أراد بذلك من لم يعتقد ما جاء به الكتاب والسنة، واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها أن الله فوق سماواته على عرشه، بائن من خلقه، فقد أصاب، فإنه من لم يعتقد ذلك يكون مكذبًا للرسول، متبعا غير سبيل المؤمنين بل يكون في الحقيقة معطلًا لربه نافيًا له فلا يكون له في الحقيقة إله يعبده، ولا رب يسأله ويقصده وهذا قول الجهمية (2) ونحوهم من أتباع فرعون المعطل.

والله قد فطر العباد، عربهم وعجمهم، على أنهم إذا دعوا الله توجهت قلوبهم إلى العلو، ولا يقصدونه تحت أرجلهم، ولهذا قال بعض العارفين:" لم يقل عارف قط يا الله إلا وجد في قلبه أن يتحرك لسانه يعني يطلب العلو ولا يلتفت يمنة ولا يسرة "(3) .

والقائل الذي يقول: " إن الله لا ينحصر في مكان " إن أراد بذلك أن الله لا ينحصر في جوف المخلوقات أو أنه [لا](4) يحتاج إلى شيء منها فقد أصاب، وإن أراد أن الله ليس فوق السماوات، ولا هو على العرش، وليس هناك إله

(1) في هذه زيادة اقتضاها السياق.

(2)

نسبة إلى " جهم بن صفوان السمرقندي " الضال المبتدع رأس الجهمية الذي هلك في زمان صغار التابعين. وقد سبق التعليق رقم (2) أنه أخذ آراءه عن الجعد بن درهم من نفي الصفات والقول بخلق القرآن، وانظر ميزان الاعتدال (1 / 426) .

(3)

نقل هذا أبو جعفر الهمداني عندما حضر مجلس أبي معالي الجويني كما في " الاستقامة " لشيخ الإسلام ابن تيمية بتحقيق د. محمد رشاد سالم (1 / 167) .

(4)

سقطت (لا) من الأصل.

ص: 44

يعبد، ومحمد لم يعرج به إلى الله، فهذا جهمي فرعوني معطل. ومنشأ الضلال أن يظن الظان أن صفات الرب كصفات خلقه، فيظن أن الله سبحانه على عرشه كالملك المخلوق على سريره، فهذا تمثيل وضلال، وذلك أن الملك مفتقر إلى سريره، ولو زال سريره لسقط، والله غني عن العرش، وعن كل شيء (1) وكل ما سواه فقير إليه وهو حامل (2) العرش وحملته، وعلوه لا يوجب افتقاره إليه، فإن الله قد جعل المخلوقات عاليًا وسافلًا، وجعل العالي غنيًا عن السافل، كما جعل الهواء فوق الأرض، وليس هو مفتقرًا إليها، وجعل السماء فوق الهواء، وليست محتاجة إليه، فالعلي الأعلى رب السماوات والأرض وما بينهما أولى أن يكون غنيًا عن العرش وسائر المخلوقات، وإن كان عاليًا عليها سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرا.

والأصل في هذا الباب أن كل ما ثبت في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وجب التصديق به، مثل علو الرب، واستوائه على عرشه، ونحو ذلك. وأما الألفاظ

(1) قال تعالى: وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر: 15] وقال أبو جعفر الطحاوي (ص 313)" شرح العقيدة الطحاوية ": " وهو مستغن عن العرش وما دونه محيط بكل شيء وفوقه وقد أعجز عن الإحاطة خلقه ".

(2)

قال ابن أبي العز في " شرح الطحاوية "(ص 313) شارحًا قول الطحاوي: " وهو مستغن عن العرش وما دونه. . . ": ". . . وكون العالي فوق السافل لا يلزم أن يكون السافل حاويًا له محيطًا به حاملًا له ولا أن يكون الأعلى مفتقرًا إليه فانظر إلى السماء كيف هي فوق الأرض وليست مفتقرة إليها؟ فالرب أعظم شأنًا وأجل من أن يلزم من علوه ذلك بل لوازم علوه من خصائصه وهي حمله بقدرته للسافل وفقر السافل وغناه هو سبحانه عن السافل وإحاطته عز وجل به فهو فوق العرش مع حمله بقدرته العرش وحملته وغناه عن العرش وفقر العرش إليه وإحاطته بالعرش وعدم إحاطة العرش به وحصره للعرش وعدم حصر العرش له. وهذه اللوازم منتفية عن المخلوق. . . ".

ص: 45

المبتدعة في النفي والإثبات (1) مثل قول القائل في جهة، وهو متحيز، أو ليس بمتحيز، ونحوها من الألفاظ التي تنازع فيها الناس، فليس مع أحدهما نص لا عن الرسول ولا عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا أئمة المسلمين. فإن هؤلاء لم يقل أحد منهم إن الله في جهة، ولا قال ليس هو في جهة، ولا قال هو متحيز، بل ولا قال هو جسم، أو جوهر. ولا قال ليس بجسم ولا جوهر، فهذه الألفاظ ليست منصوصة في الكتاب ولا السنة ولا الإجماع، والناطقون بها قد يريدون معنى صحيحًا وقد يريدون معنى فاسدًا، فمن أراد معنى صحيحًا موافق الكتاب والسنة كان ذلك مقبولًا منه، وإن أراد معنى فاسدا مخالف الكتاب والسنة، كان ذلك المعنى مردودا عليه. فإذا قال القائل: إن الله في جهة، قيل له: ما تريد بذلك؟ أتريد أنه سبحانه في جهة موجودة تحصره وتحيط به مثل أن يكون في جوف السماوات أم تريد بالجهة أمرًا عدميًا وهو ما فوق العالم فإنه ليس فوق العالم شيء من المخلوقات، فإن أردت الجهة الوجودية، وجعلت الله محصورًا في المخلوقات، فهذا باطل، وإن أردت الجهة العدمية، وأردت أن الله وحده فوق المخلوقات بائن عنها فهذا حق، وليس في ذلك أن شيئًا من المخلوقات حصره ولا أحاط به ولا علا عليه العالي بل هو العالي المحيط بها وقد قال تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67]

(1) قال ابن أبي العز في " شرح الطحاوية "(ص 109) : " والتعبير عن الحق بالألفاظ الشرعية النبوية الإلهية هو سبيل أهل السنة والجماعة. والمعطلة يعرضون عما قاله الشارع من الأسماء والصفات، ولا يتدبرون معانيها، ويجعلون ما ابتدعوه من المعاني والألفاظ هو المحكم الذي يجب اعتقاده واعتماده وأما أهل الحق والسنة والإيمان فيجعلون ما قاله الله ورسوله هو الحق الذي يجب اعتقاده والذي قاله هؤلاء إما أن يعرضوا عنه إعراضا جميلا أو يبينوا حاله تفصيلا ويحكم عليه بالكتاب والسنة لا يحكم به على الكتاب والسنة ". وانظر " شرح الطحاوية "(ص 108 - 109) لبيان أن طريقة القرآن في مجيء الإثبات للصفات مفصلا والنفي مجملا عكس طريقة أهل الكلام المذموم.

ص: 46

وقد ثبت في الصحيح (1)«عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يقبض الأرض يوم القيامة ويطوي السماوات بيمينه ثم يهزهن فيقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟» وقد قال ابن عباس: " ما السماوات والأرضون السبع وما فيهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم "(2) وفي حديث آخر «أنه يرميها كما ترمي الصبيان الكرة» (3) فمن يكون جميع المخلوقات بالنسبة إلى قبضته تعالى مع هذا الصغر والحقارة كيف تحيط به وتحصره؟

(1) رواه مسلم (2787) من حديث أبي هريرة بلفظ " يقبض الله تبارك وتعالى الأرض. . . الحديث "[والبخاري في صحيحه (11 / 372) ح 6519] وليس فيه " ثم يَهُزُّهُن ". ولكن جاء في مسلم (2786) من حديث ابن مسعود مرفوعًا " إن الله تعالى يمسك السماوات يوم القيامة على إصبع والأرض على إصبع والجبال والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع ثم يَهُزُّهُن فيقول أنا الملك أنا الملك. . . " وروى البخاري نحوه (13 / 474 فتح الباري) .

(2)

رواه الطبري في تفسيره (21 / 324) عن معاذ بن هشام قال ثني أبي عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس ومعاذ صدوق ربما وهم، ووالده ثقة ثبت وقد رمي بالقدر وعمرو ابن مالك النكري صدوق له أوهام كما قال الحافظ في " التقريب " وقال الذهبي في " الكاشف ":" وُثِّق " وقال ابن حبان في " الثقات " - كما في " التهذيب "(8 / 96) -: " يعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه يخطئ ويغرب ". [إنما قال ابن حبان هذه العبارة في راوٍ متأخر في الطبقة عن عمرو هذا يقال له: عمرو بن مالك النكري أيضا، انظر الثقات (7 / 228) و (8 / 487) وأما المذكور هنا فقد وثَّقه ابن معين والذهبي وقال ابن حبان: يعتبر به من غير رواية ابنه. فالأثر حسن]، قلت: وهذا الأثر رواه عنه غير ابنه وهو هشام. وأبو الجوزاء ثقة لكنه يرسل كثيرا وله في البخاري حديث واحد من روايته عن ابن عباس كما في " هدي الساري "(ص 392) .

(3)

قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري "(13 / 396) في شرحه لحديث ابن عمر مرفوعًا " إن الله يقبض يوم القيامة الأرض وتكون السماوات بيمينه ثم يقول أنا الملك ": " وزاد في رواية ابن وهب عن أسامة بن زيد عن نافع وأبي حازم عن ابن عمر " فيجعلهما في كفة ثم يرمي بهما كما يرمي الغلام بالكرة "

قلت: رواية ابن وهب هذه عند الطبري في تفسيره (21 / 325) .

ص: 47

ومن قال إن الله ليس في جهة قيل له ما تريد بذلك؟ فإن أراد أنه ليس فوق السماوات رب يعبد، ولا على العرش إله، ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يعرج به إلى الله، والأيدي لا ترفع إلى الله تعالى في الدعاء، ولا تتوجه القلوب إليه، فهذا فرعوني معطل، جاحد لرب العالمين، وإن اعتقد أنه مقرّ به فهو جاهل متناقض في كلامه، ومن هنا دخل أهل الحلول والاتحاد وقالوا: إن الله في كل مكان وأن وجود المخلوقات [هو](1) وجود الخالق، وإن قال إن مرادي بقولي: إنه ليس في جهة أنه لا تحيط به المخلوقات بل هو وجود الخالق فقد أصاب في هذا المعنى، وكذلك من قال: " إن الله متحيز أو قال ليس بمتحيز إن أراد بقوله متحيز أن المخلوقات تحوزه وتحيط به فقد أخطأ وإن أراد أنه منحاز عن المخلوقات بائن عنها عالٍ عليها فقد أصاب ومن قال: ليس بمتحيز إن أراد أن المخلوقات لا تحوزه فقد أصاب، وإن أراد أنه ليس مباينا عنها بل هو لا داخل فيها ولا خارج عنها فقد أخطأ. والناس في هذا الباب ثلاثة أصناف: أهل الحلول، وأهل النفي والجحود، وأهل الإيمان والتوحيد والسنة.

فأهل الحلول يقولون: إنه بذاته في كل مكان، وقد يقولون بالاتحاد والوحدة فيقولون: المخلوقات وجود الخالق.

وأما أهل النفي والجحود، فيقولون: لا هو داخل العالم ولا خارجه، ولا مباين له، ولا حال فيه، ولا فوق العالم، ولا فيه، ولا ينزل منه شيء، ولا يصعد إليه شيء، ولا يتقرب منه شيء، ولا يدنو منه شيء، ولا يتجلى لشيء، ولا يراه أحد، ونحو ذلك، هذا قول متكلمة الجهمية المعطلة، كما أن

(1) في الأصل (هي) .

ص: 48

الأول قول عباد الجهمية. فمتكلمة الجهمية لا يعبدون شيئا، وعباد الجهمية يعبدون كل شيء، وكلامهم يرجع إلى التعطيل والجحود، الذي هو قول فرعون. وقد علم أن الله كان قبل أن يخلق السماوات والأرض ثم خلقهما فإما أن يكون داخلا فيهما وهذا حلول باطل، وإما أن يكونا داخلين فيه، فهو باطل وأبطل، وإما أن يكون الله بائنا عنهم لم يدخل في شيء ولم يدخل فيه شيء، وهذا قول أهل الحق والتوحيد والسنة.

ولأهل الجحود والتعطيل في هذا الباب شبهات يعارضون بها كتاب الله وسنة رسوله، وما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها، وما فطر الله عليه عباده، وما دلت عليه الدلائل العقلية، فإن هذه الأدلة كلها متفقة على أن الله فوق مخلوقاته، عال عليها، قد فطر الله على ذلك العجائز والأعراب والصبيان في الكتاب كما فطرهم على الإقرار بالخالق تعالى وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:«كلُّ مولود يولد على الفطرة - أي فطرة الإسلام - فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء» ثم يقول أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30] الروم: [30](1) وهذا معنى قول عمر بن عبد العزيز:

(1) رواه مسلم (2658) من حديث أبي هريرة والبخاري (9 / 213 فتح الباري) بلفظ " ما من مولود. . . الحديث ". ورواه البخاري أيضا (3 / 246) بلفظ قريب من لفظ مسلم ولكن ليس فيه قراءة أبي هريرة للآية. تُنتج: تلد، جمعاء: سليمة من العيوب مجتمعة الأعضاء كاملتها فلا جدع بها ولا كي، الجدعاء: مقطوعة الأطراف أو أحدها. والمعنى أن البهيمة تولد مجتمعة الخلق سوية الأطراف سليمة من الجدع لولا تعرض الناس إليها لبقيت كما ولدت سليمة كما في " النهاية في غريب الحديث "(1 / 247) .

ص: 49

" عليك بدين الأعراب والصبيان في الكتاب "(1) يعني: عليك بما فطرهم الله عليه فإن الله فطرهم على الحق.

والرسل بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها، لا بتحويل الفطرة وتغييرها، وأما أعداء الرسل كالجهمية الفرعونية ونحوهم، فيريدون أن يغيروا فطرة الله ودين الله، ويوردون على الناس شبهات بكلمات متشابهة، لا يفهم كثير من الناس مقصودهم بها، ولا يحسن أن يجيئهم [بما ينقضها] وأصل ضلالتهم تكلمهم بكلمات مجملة لا أصل لها في كتاب الله ولا سنة رسوله، ولا قالها أحد من أئمة المسلمين، كلفظ التحيز والجسم والجهة ونحو ذلك. فمن كان عارفًا بحال شبهاتهم بينها، ومن لم يكن عارفًا بذلك، فليعرض عن كلامهم، ولا يقبل إلا ما جاء به الكتاب والسنة كما قال تعالى:{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام: 68] ومن تكلم في الله وأسمائه وصفاته بما يخالف الكتاب والسنة، فهو من الخائضين في آيات الله بالباطل، وكثير من هؤلاء ينسب إلى أئمة المسلمين ما لم يقولوه، فينسبون إلى الشافعي وأحمد بن حنبل ومالك وأبي حنيفة الاعتقادات الباطلة مما لم يقولوه، ويقولون لِمن اتبعهم هذا الذي يقوله اعتقاد الإمام الفلاني، فإذا طولبوا بالنقل الصحيح عن الأئمة، تبين كذبهم في ذلك فيما ينقلونه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويضيفونه إلى سنته من البدع والأقوال الباطلة، ومنهم من إذا طولب بتحقيق نقله يقول: هذا القول قاله العلماء، والإمام الفلاني لا يخالف العقلاء، ويكون العقلاء طائفة من أهل

(1) ذكره في " شرح السنة "(1 / 217) فقال: سأل رجل عمر بن عبد العزيز عن شيء من الأهواء فقال: " الزم دين الصبي في الكتاب والأعراب " وجاء نحو هذا عن عمر بن الخطاب. انظر التعليق رقم (344) لشرحها. (وعمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين عُدَّ كالخلفاء الراشدين مات سنة 101 هـ (التقريب) .

ص: 50

الكلام الذين ذمهم الأئمة فقد قال الشافعي: " حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في القبائل والعشائر ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام "(1) فإذا كان هذا حكمه فيمن أعرض عنهما فكيف حكمه فيمن عارضهما بغيرهما؟ وكذلك قال أبو يوسف القاضي: " من طلب الدين بالكلام تزندق "(2) وكذلك قال أحمد بن حنبل: ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح، وقال: علماء الكلام زنادقة (3) وكثير من هؤلاء قرأوا كتبًا من كتب الكلام فيها شبهات أضلتهم ولم يهتدوا لجوابها فإنهم يجدون في تلك الكتب أن الله لو كان فوق الخلق للزم التجسيم والتحيز والجهة، وهم لا يعرفون حقائق هذه الألفاظ، ولا ما أراد بها أصحابها، فإن ذكر لفظ الجسم في أسماء الله وصفاته بدعة، لم ينطق بها كتاب ولا سنة، ولا قالها أحد من سلف الأمة وأئمتها، ولم يقل أحد منهم إن الله جسم ولا إن الله ليس بجسم، ولا إن الله جوهر، ولا إن الله ليس بجوهر، ولفظ الجسم لفظ مجمل، ومعناه في اللغة البدن، ومن قال إن الله مثل بدن الإنسان، فهو مفتر على الله، بل من قال: الله يماثل شيئًا من المخلوقات، فهو مفتر على الله، ومن قال: إن الله ليس بجسم، وأراد بذلك أنه لا يماثل شيئًا من المخلوقات، فهو مفتر على الله، ومن قال: إن الله ليس بجسم، وأراد بذلك أنه لا يماثل شيئًا من المخلوقات، فالمعنى صحيح وإن كان اللفظ بدعة، وأما من قال إن الله ليس بجسم، وأراد بذلك أنه لا يرى في الآخرة وأنه لم يتكلم بالقرآن العربي، بل القرآن العربي مخلوق، أو هو تصنيف جبريل، ونحو ذلك، فهذا مفتر على الله فيما نفاه عنه، وهذا أصل ضلال الجهمية

(1) إحياء علوم الدين (1 / 164) و " درء تعارض العقل والنقل "(7 / 147) .

(2)

الإحياء (1 / 164) و " درء التعارض "(7 / 158) و " شرح أصول اعتقاد أهل السنة "(145) و " الحجة في بيان المحجة "(ص 13) .

(3)

القولان في " الإحياء "(1 / 164) . وفي " درء التعارض "(7 / 147) القول الأول فقط.

ص: 51

من المعتزلة، ومن وافقهم على مذهبهم، فإنهم يظهرون للناس التنزه، وحقيقة كلامهم التعطيل، فيقولون، نحن لا نجسم، بل نقول: إن الله ليس بجسم، ومرادهم بذلك نفي حقيقة أسمائه وصفاته، فيقولون: ليس لله علم ولا قدرة، ولا حياة ولا كلام، ولا سمع ولا بصر، ولا يرى في الآخرة، ولا عرج النبي صلى الله عليه وسلم إليه، ولا ينزل منه شيء، ولا يصعد إليه شيء، ولا يتجلى لشيء ولا يقرب منه شيء إلى غير ذلك وهو سبحانه لا مثل له في شيء من صفات كماله، بل هو الأحد الصمد ولم يكن له كفوًا أحد.

فالمعطل يعبد عدمًا، والممثل يعبد صنمًا، والمعطل أعمى، والممثل أعشى (1) ودين الله بين الغالي فيه، والجافي عنه، وكما أن ذاته ليست كالذوات المخلوقة، فصفاته ليست كالصفات المخلوقة، بل هو سبحانه موصوف بصفات الكمال، منزه عن كل نقص وعيب، وهو سبحانه في صفات الكمال لا يماثله شيء.

فمذهبنا مذهب السلف: إثبات بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل، وهو مذهب أئمة الإسلام، كمالك (2) والشافعي (3) والثوري (4) والأوزاعي (5) وابن المبارك (6) .

(1) الأعشى مرادف للأعمى أو هو سيئ البصر بالليل والنهار وانظر " القاموس المحيط "(1 / 364) مادة ع ش ي.

(2)

هو ابن أنس أبو عبد الله الفقيه إمام دار الهجرة رأس المتقين وكبير المتثبتين مات سنة (179 هـ) . تقريب التهذيب.

(3)

هو محمد بن إدريس أبو عبد الله المجدد لأمر الدين على رأس المائتين مات (سنة 204 هـ) . تقريب.

(4)

اسمه سفيان بن سعيد بن مسروق ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة وكان ربما دلس مات سنة (161 هـ) . تقريب.

(5)

هو عبد الرحيم بن عمرو بن أبي عمرو الفقيه ثقة جليل مات سنة (157 هـ) . تقريب.

(6)

هو عبد الله بن المبارك المروزي ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد جمعت فيه خصال الخير مات سنة (181 هـ) . تقريب.

ص: 52

والإمام أحمد (1) وإسحاق بن راهويه (2) وهو اعتقاد المشايخ المقتدى بهم، كالفضيل (3) بن عياض وأبي سليمان الداراني (4) وسهل (5) بن عبد الله التستري، وغيرهم. فإنه ليس بين هؤلاء الأئمة نزاع في أصول الدين، وكذلك أبو حنيفة (6) رضي الله عنه، فإن الاعتقاد الثابت عنه، موافق لا اعتقاد هؤلاء، وهو الذي نطق به الكتاب والسنة، قال الإمام أحمد (7)" لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ولا نتجاوز القرآن والحديث " وهكذا مذهب سائرهم، فنتبع في ذلك سبيل السلف الماضين، الذين هم أعلم الأئمة بهذا الشأن، نفيًا وإثباتًا، وهم أشد تعظيما لله وتنزيهًا له عما لا يليق بحاله، فإن المعاني المفهومة من الكتاب والسنة لا ترد بالشبهات، فيكون ردها من باب تحريف الكلم عن مواضعه، ولا يقال: هي ألفاظ لا تعقل معانيها، ولا يعرف المراد منها، فيكون ذلك مشابهة للذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني بل هي آيات بينات، دالة على أشرف المعاني وأجلها، قائمة حقائقها في صدور الذين أوتوا العلم.

(1) وهو ابن حنبل المروزي ثقة حافظ فقيه حجة مات (سنة 241 هـ) . تقريب.

(2)

ثقة حافظ مجتهد قرين أحمد بن حنبل ذكر أبو داود أنه تغير قبل موته بقليل مات سنة (238 هـ) . تقريب.

(3)

ثقة عابد إمام زاهد مشهور مات (سنة 187 هـ) . تقريب.

(4)

واسمه عبد الرحمن بن أحمد بن عطية العنسي زاهد مشهور مات (سنة 215 هـ) . انظر تاريخ بغداد، (10 / 249) و " الحلية "(9 / 254) .

(5)

مات سنة (283 هـ) انظر " الحلية "(10 / 189) و " الوفيات "(1 / 18) وانظر " مختصر العلو "(ص 220) لترى عقيدته السلفية.

(6)

وهو النعمان بن ثابت الفقيه المشهور الإمام مات (سنة 150 هـ) على الصحيح. تقريب.

(7)

انظر التعليق رقم (1) .

ص: 53

والإيمان إثبات بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل، كما قامت حقائق سائر صفات الكمال في قلوبهم، كذلك فكان الباب عندهم بابًا واحدًا، قد اطمأنت به قلوبهم، كذلك وسكنت إليه نفوسهم فأنسوا من صفات كماله ونعوت جلاله مما استوحش منه الجاهلون المعطلون وسكنت قلوبهم إلى ما نفر منه الجاحدون المتكلمون وعلموا أن الصفات حكمها حكم الذات، فكما أن ذاته سبحانه لا تشبه الذوات، فكذا صفاته لا تشبه الصفات، فما جاءهم من الصفات عن المعصوم تلقوه بالقبول، وقابلوه بالمعرفة والإيمان والإقرار، لعلمهم بأنه صفة من لا تشبيه لذاته ولا لصفاته، وأن ما جاء مما أطلقه الشرع على الخالق والمخلوق لا تشابه بينهم في المعنى الحقيقي إذ صفات القديم بخلاف صفات الحادث، وليس بين صفاته وصفات خلقه إلا موافقة اللفظ للفظ. والله سبحانه وتعالى قد أخبر أن في الجنة لحمًا ولبنًا وعسلًا وماءً وحريرًا وذهبًا، وقال ابن عباس:" ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء "(1) فإذا كانت هذه المخلوقات الفانية ليست مثل هذه الموجودة، مع اتفاقهما في الأسماء فالخالق جل وعلا أعظم علوا، وأعلى مباينة لخلقه، من مباينة المخلوق للمخلوق وإن اتفقت الأسماء. وأيضًا فقد سمى الله سبحانه نفسه حيًا عليمًا سميعًا بصيرًا ملكًا رؤوفًا رحيمًا، وسمى بعض مخلوقاته حيًا وبعضها عليمًا وبعضها سميعًا بصيرًا وبعضها رؤوفًا رحيمًا وليس الحي كالحي، ولا العليم كالعليم، ولا السميع كالسميع، ولا البصير كالبصير، ولا الرؤوف الرحيم كالرؤوف الرحيم.

(1) رواه البيهقي بإسناد جيد كما قال المنذري في " الترغيب والترهيب "(6 / 332) . ورواه ابن حزم أيضًا في " الفصل في الملل والنحل "(2 / 108 هـ) وقال: " وهذا سنده في غاية الصحة وهو حديث في قطعة وكيع المشهورة ".

ص: 54

قال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]

وقال تعالى: {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [آل عمران: 27]

وقال تعالى: {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف: 83]

وقال تعالى: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 28]

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58]

وقال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان: 2]

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحج: 65]

وقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]

وليس بين صفة الخالق والمخلوق مشابهة، إلا في اتفاق الاسم، وهذا كتاب الله من أوله إلى آخره، وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا كلام الصحابة والتابعين وسائر الأئمة، قد دل ذلك بما هو نص أو ظاهر، على أن الله سبحانه فوق العرش، فوق السماوات استوى على عرشه، بائن من خلقه، سميع لا يشك (1) بصير لا يرتاب (2) عليم لا يجهل، جواد لا يبخل، حفيظ لا ينسى،

(1) أي أن الله تبارك وتعالى يسمع بسمع يليق بجلاله وعظمته تبارك وتعالى ولا يعتريه شك في سماعه كما هو شأن المخلوق إذ قد يشك في السمع.

(2)

هذه العبارة وسابقتها جاءت في كتاب " السنة " للإمام أحمد (ص 76) أيضًا وكذا في عقيدة الحازمي (ص 5) . وأفاد شيخنا العلامة عبد المحسن العباد - حفظه الله من شرور العباد - ما معناه عن هذه العبارة " بصير لا يرتاب ": أي أن الله عز وجل يبصر ببصر يليق بجلاله وعظمته تبارك وتعالى وهو منزه عن ما يعتري المخلوق من الريبة والتردد في المرثي وعدم التمييز أحيانا ولله المثل الأعلى.

ص: 55

ولا يسهو، قريب لا يغفل، ولا يلهو (1) يتكلم، ويبسط، وينظر، ويضحك، ويفرح، ويحب، ويكره، ويبغض، ويسخط، ويرحم، ويعفو، ويغفر، ويعطي، ويمنع، وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، كيف شاء، وهو معهم أينما كانوا. قال نعيم بن حماد (2) لما سئل عن معنى هذه الآية:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] معناها: أنه لا يخفى عليه خافية بعلمه (3) وليس معناه أنه مختلط بالخلق، فإن هذا لا توجبه اللغة، وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، بل القمر آية من آيات الله، من أصغر مخلوقه، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر والمقيم أينما كان، فهو سبحانه فوق العرش رقيب على خلقه مهيمن عليهم ومطلع. وأخبر أنه {ذِي الْمَعَارِجِ - تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 3 - 4] وأنه {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 18] وأن الملائكة يخافونه من فوقهم (4) وهذا المعنى حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف ولكن يصان عن الظنون الكاذبة وقال: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: 186] وقال: {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» (5) وقال تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7]

(1) أي أن الله لا يغفل وهي كبيان لنفي الغفلة أيضًا. وفي النهاية. (4 / 282) : " اللهو: اللعب يقال: لهوت بالشيء ألهو لهوًا وتلهيت به إذا لعبت به وتشاغلت وغفلت به عن غيره وألهاه عن كذا أي شغله ".

(2)

هو أبو عبد الله المروزي صدوق يخطئ كثيرا فقيه عارف بالفرائض مات سنة (228 هـ) على الصحيح. تقريب.

(3)

ذكره الذهبي في العلو (ص 1 / 94 مختصره) وسنده صحيح كما في تخريجه.

(4)

قال تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل 50] .

(5)

رواه مسلم في صحيحه (2704) من حديث أبي موسى رضي الله عنه ولفظه: " والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلة أحدكم ".

ص: 56

فكل ما في الكتاب والسنة من الأدلة الدالة على قربه ومعيته، لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته، فإنه سبحانه علي في دنوه، وقريب في علوه. والأحاديث الواردة في ذلك كثيرة جدًا، وذكرنا بعضها في " الانتقاد الرجيح "(1) وفي الصحاح والسنن جميعًا، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم في أعظم مجامعه في حجة الوداع، وفي آخر عمره إلى السماء، يقول بإصبعه -:«اللهم اشهد» (2) وفي الصحيحين قصة المعراج وهي متواترة (3) وفيه أعظم دلالة على علوه تعالى فوق سبع سماوات. وسؤال السائل كيف استوى وكيف نزل بدعة قال ابن قتيبة (4)" ما زالت الأعم عربهم وعجمهم، في جاهليتها وإسلامها، معترفة بأن الله في السماء "(5) وقد جمع طائفة من العلماء في هذا الباب مصنفات منها: كتاب " العلو "(6) للذهبي (7) وكتاب " النزول "(8) لشيخ الإسلام ابن تيمية (9) .

(1)" الانتقاد الرجيح في شرح الاعتقاد الصحيح " طبع في لكهنو بالهند.

(2)

رواه مسلم (8 / 184 من شرح النووي) من حديث جابر الطويل.

(3)

انظر التعليق الآتي رقم (3) بحاشية ص 117.

(4)

هو الإمام عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري الشهير مات (سنة 276 هـ) وهو صدوق كما في " ميزان الاعتدال "(2 / 503) .

(5)

انظر " مختصر العلو "(ص 16) .

(6)

وهو مطبوع، ونشرته المكتبة السلفية بالمدينة المنورة وغيرها 1388 هـ / 1968 م ط 2.

(7)

هو الإمام المؤرخ الشهير شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي مات سنة (748 هـ) .

(8)

كتاب " شرح حديث النزول " مطبوع متداول.

(9)

وهو (وارث علم الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين) - كما وصفه العلامة محب الدين الخطيب رحمه الله في مقدمة " التوسل والوسيلة (ص 3) " - الإمام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام شيخ الإسلام ابن تيمية مات (سنة 728 هـ) .

ص: 57

وكتاب " الاستواء "(1) لابن القيم (2) و " النونية "(3) له و " عقيدة ابن قدامة "(4) ورسالة (5) الشيخ محمد بن ناصر الحازمي (6) ورسالة (7) الشيخ محمد فاخر الإله آبادي (8) ثم المكي ورسالة " إجراء الصفات على ظاهرها "(9) للشوكاني (10) و " الانتقاد الرجيح "(11) للعبد الفقير و " الاحتواء "(12) له عفا الله عنه إلى غير ذلك.

(1) لم أقف على كتاب لابن القيم بهذا الاسم ولعله يريد كتابه " اجتماع الجيوش الإسلامية " إذ هذا هو موضوعه والله أعلم.

(2)

وهو الإمام الشهير صاحب الكتب القيمة العلامة محمد بن أبي بكر بن القيم الجوزية ت (سنة 751 هـ) .

(3)

طبعت مع شرحها (توضيح المقاصد) للشيخ أحمد بن إبراهيم الشرقي في المكتب الإسلامي بيروت، 1382 هـ / 1962م.

(4)

المسماة " لمعة الاعتقاد "، طبعت في المكتب الإسلامي، بيروت.

وابن قدامة هو موفق الدين عبد الله بن قدامة المقدسي مات (سنة 630 هـ) . وللشيخ محمد بن صالح العثيمين شرح مختصر نافع للمعة الاعتقاد، طبع في بيروت.

(5)

وهي رسالة قيّمة طبعت في الهند على الحجر وهي جواب لسؤال وجه للشيخ عن عقيدته في آيات من آيات الصفات ونحو ذلك وعن عقيدة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وضمن رسالته جل أقوال الأئمة الأعلام في العلو مما في كتاب " العلو للعلي الغفار " للذهبي.

(6)

مات (سنة 1283 هـ) كما في " إتحاف النبلاء المتقين بإحياء مآثر الفقهاء المحدثين "(ص 419) وهو من تلامذة وأصحاب الشوكاني.

(7)

وهي رسالة " النجاة " في العقيدة السلفية - انظر " جهود مخلصة في خدمة السنّة "(ص 56) . وقد طبعت في باكستان مع ترجمتها بالأردية كما في " مجموعة نور السنّة ".

(8)

وهو من تلاميذ الشيخ محمد حياة السندي رحمه الله مات (سنة 1164 هـ) كما في " إتحاف النبلاء "(ص 404) نقلًا عن ترجمته في مقدمة كتابه " مجموعة نور السنّة وقرة العين في إثبات سنيّة رفع اليدين " بالفارسية طبع في باكستان.

(9)

لم أقف عليها. والمعروف له في هذا الباب " التحف في مذهب السلف " وهي مطبوعة ضمن " مجموعة الرسائل المنيرية ".

(10)

هو محمد بن علي بن محمد الشوكاني العلامة المفسر الشهير مات (سنة 1250 هـ) .

(11)

انظر التعليق السابق رقم (1) ص 57.

(12)

لعلها بالفارسية ويغلب على ظني أنها مطبوعة بالهند.

ص: 58

وليس في كتاب الله، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من السلف، لا من الصحابة ولا من التابعين، ولا عن أئمة الدين، حرف واحد يخالف ذلك. ولم يقل أحد منهم إن الله ليس في السماء، أو أنه ليس على العرش، أو أنه في كل مكان، وأنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا متصل به، ولا منفصل، وأنه لا تجوز الإشارة الحسيه إليه بالأصابع، ونحو هذا.

ومن ظن أن نصوص الصفات لا يعقل معناها، ولا يدرى ما أراد الله تعالى ورسوله منها، وظاهرها تشبيه وتمثيل، واعتقاد ظاهرها كفر وضلال، وإنما هي ألفاظ لا معاني لها وأن لها تأويلًا وتوجيهًا لا يعلمه إلا الله، وأنها بمنزلة الم وكهيعص وظن أن هذه طريقة السلف، ولم يكونوا يعرفون حقيقة قوله:{وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 67] وقوله: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] وقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ونحو ذلك. فهذا الظان. من أجهل الناس بعقيدة السلف وأضلهم عن الهدى، وقد تضمن هذا الظن استجهال السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، وسائر الصحابة، وكبار الذين كانوا أعلم الأمة علمًا وأفقههم فهمًا، وأحسنهم عملًا، وأتبعهم سننًا. ولازم هذا الظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتكلم بذلك ولا يعلم معناه، وهو خطأ عظيم وجسارة قبيحة نعوذ بالله منها.

ص: 59