الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر من اسمه عيسى
[555]
عيسى بت سليمان بن عبد الله بن عبد الملك بن عبد الله بن محمد الرُّعينيُّ الرُّنديُّ، أبو محمدٍ، وقيل أبو موسى، الأندلسيُّ.
من أهل مالقه.
كان من .... الحديث، وسمع منه كثيرًا، وكتب بخطه. ولقي رجال أهل العلم والفضل، وأخذ عنهم وسار واجتهد وحصل بعد أن طاف قطعة من البلاد. ثم استقر مقامه بدمشق ثم كرَّ راجعًا إلى مدينته فلما وصلها بقي بها مدة يسيرة، ومات في سنة /226 أ/ ثلاثين وستمائة.
وكانت ودلاته في شهر ربيع الأول من سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، بقرية من قرى الأندلس يقال له "بلمالة" من كورة بشقير. توغل في ديار مصر وأقام مدة ببلاد الشام، وطوف قطعة من البلاد الجزرية ثم عاد إلى وطنه فمات به.
وكان حافظًا للقرآن العظيم؛ شاعرًا فاضلاً. وعمل كتابًا سماه "الحنين إلى الأوطان الغالب على النفس هواه والهوى سلطان" ونظم معشرات.
أنشدني الشيخ تاج الدين أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن أبي بكر القرطبي، ثم الدمشقي بها سنة أربعين وستمائة في المحرم، قال: أنشدنا الشيخ تاج الدين أبو محمد عيسى بن سليمان العريني لنفسه، وذكر بعض ما أتى به المصطفى
-صلى الله عليه- من الآيات: [من الطويل]
لك الحمد يا الله والشُّكر دائبًا
…
كثيرًا على كلِّ الَّذي أنت فاعل
وسبحانك اللَّهم أنت هديتني
…
لنظم به تزهو لعمري المحافل
مننت بنظم في الحبيب محمَّد
…
فمن بترحالي فقلبي راحل
وهبني أصحابًا كرامًا أعفَّةً
…
لهم قدمٌ في الجدّش والعزم طائل
/226 ب/ تشدَّ بهم أزري فإنِّي مدنفٌ
…
حليف اشتياق للرسول وناحل
ألا ليت شعري هل أزور محمَّدًا
…
أم اعتال موتٌ دون ذلك حائل
لعمري لئن طال المقام ولم أزر
…
بلادًا بها بدر الهداية كامل
لأيقنت أنَّي بالذنوب مقيَّد
…
وأني عن الإرشاد والخير غافل
توسلت للرحمن لا ربَّ غيره
…
بخير الورى طرأ وأنِّي سائل
بمن نبع الماء القراح بكفِّه
…
بمن أورقت فيه الغصون الذَّوابل
بمن وجهه يزهو على البدر في الدُّجى
…
بمن جمعت حقًا لديه الفضائل
بمن كلَّمته الشَّاة وهي سميطةٌ
…
وذلَّت له أسد الشَّرى والمقاول
بمن حنَّ جذغ النَّخل شوقًا لصوته
…
وأخصب النَّاس إذ هو ماحل
بمن كلَّم الضَّبَّ البهيم حقيقة
…
بمن كلَّمته الجامدات الجنادل
بمن أخبر الكهَّان دهرًا ببعثه
…
بمن بشَّرت حقًأ بذاك الأوائل
بمن ارتجي في الحشر منه شفاعة
…
نعم والرِّجال الصَّالون الأفاضل
بمن خصَّه الرَّحمن بالنَّصر في الوغى
…
وذلَّت له ياصاحبيَّ الجحافل
فذاك الذي أسرى به الله ليله
…
إلى المسجد الأقصى فما إن يساجل
وذاك الذي قد كلَّم الله ربَّه
…
إذ أسرى به حقًا وما هو باطل
/227 أ/ وذات الذي جاء بالنور والهدى
…
وذاك الذي تزجى لديه الرَّواحل
وذاك رسول الله يا صاح أحمدٌ
…
وذاك الَّذي تطوي إليه المراحل
وذاك الذي من أجله الشَّمس أشرقت
…
ولاح هلال الدِّين أو هو آفل
توسلت يا ربِّي إليك بفضله
…
فأنت الَّذي ترجى لديك الوسائل
فما أبلغ .... من عشر فضله
…
فإنَّ لساني بالمآثم عاطل
لتغفر زلَاّتي وترحم ذلَّتي
…
فإنِّي أنا العبد الضَّعيف المواصل
وبلِّغني يا الله قبر محمَّد
…
ولا تحزني ربِّي إذا سأل سائل
وهب والديَّ منك أعظم رحمةً
…
تعمهما دأبَا لمجدك شامل
وللمسلمين اغفر فأنت مؤمَّل
…
وفضلك معلومٌ وجودك سائل
وصلِّ على خير البريَّة أحمد
…
وأصحابه طرأ فدمعي هامل
ودارًا وشوقًا للرَّسول وصحبه
…
وحبُّهم في مضمر القلب حاصل
عليهم سلامي ما ترنَّم طائرٌ .. وما قطعت أفق السّماء المنازل
وأنشدني أيضًا، قال: انشدنا لنفسه وقد سأله بعض مشايخه بدمشق شيئًا مما يتعلق بأصحاب الحديث: [من البسيط]
/227 ب/ قل للذين بعلم الرَّأي قد ولعوا
…
وأهملوا السُّنة الغرَّاء واخترعوا
مسائلاً جمَّة ما مثلها وردت
…
في الشَّرع لكنهم في وصفها ابتدعوا
وصوبوا رأيهم حتَّى لقد زعموا
…
أن ليس علمٌ سوى هذا الَّذي وضعوا
العلم ويحكم ما فيه حدَّثنا
…
خير الأنام رسول الله فاستمعوا
والقائلون به والنَّاقلون له
…
هم الرِّجال وأنتم خلفه تبع
ياشانيًا لهم مهلاً عليك فكم
…
تبغي ببغض أهيل الفضل يالكع
الله فضلهم حقًأ وأهَّلهم
…
لنقل قيل رسول الله فقاتَّبعوا
آثاره فغدوا والله يكلؤهم
…
مستمسكين لواء العلم قد رفعوا
كافاهم شرفًا والله أنَّهم
…
في سلك إسناد خير الخلق قد جمعوا
من ذا يضاهيهم أم من يساجلهم
…
أم من يفاخرهم يومًا وقد رتعوا
في روضة من رياض العلم مؤنقة .. أزهارها وجناها العلم والورع
.أهل الخديث العلم أنَّهم
…
تمسَّكوا بعرى ما ليس ينقطع
حتَّى تبوءهم دار الخلود على
…
خير الانام الذي طاحت به البدع
صلى الله عليه إله الخلق ما طلعت
…
شمس النَّهار ولاح البرق يلتمع
وأنشدني تاج الدين أبو الحسن /228 أ/ محمد بن أحمد بن علي القرطبي، قال: أنشدنا أبو محمد الرعيني، قال: انشدني أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أبي بكر لنفسه بدمشق: [من الكامل]
من لم تنله غربةٌ من الرِّدى
…
فهو القناة وتلك حد سنان
وحروفها من كلِّ بؤسٍ ركبت
…
لتعمَّ من يغشاه بالأشجان
فالغين من غمٍّ وغبن دائمٍ
…
والرَّاء من رزء على الأوطان
والبناء من برحٍ وبينٍ أوبلى
…
والهاء من همٍّ وهلك داني
وأنشدني تاج الدين أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن أبي بكر بن إسماعيل القرطبي الدمشقي بها، قال: أنشدني أبو محمد عيسى بن سليمان بن عبد الله بن عبد الملك بن عبد الله بن محمد الرعيني، في الجزء الأول من تأليفه الذي سماه "كتاب الحنين إلى الأحباب والأوطان الغالب على النفس هواه والهوى سلطان" فمن ذلك ما أنشأه في وصفه، وهو عشرون بابًا:[من البسيط]
/228 ب/ هذا كتاب قصيِّ الدَّار ممتحن
…
بفرقة الأهل والأخدان والوطن
صبِّ مشوق براه البين فاضطرمت
…
أحشاؤه فغدا والهمّ في شطن
كذاك كلُّ غريب الدَّار منتزحٍ
…
ما عن له حيث ما قد حلَّ من سكن
يشكو البعاد وما قد ظلَّ يرمقه
…
من سوء فعل النَوى في السِّرِّ والعلن
طال الثَّواء بأرض الشَّام وأسفي
…
ماذا منيت به من غدرة الزَّمن
فالله يجبر ثكلي ثمَّ يجمعني
…
قبل الممات بمن أهوى بلا محن
برحمة منه ما أرجو سواه كذا
…
سبحانه جلَّ ذو الإحسان والمنن
وأنشدني، قال: انشدني لنفسه في الباب الأول؛ وهو باب في ذم الغربة والاغتراب وبيان كون الغريب أذل من التراب: [من الوافر]
أبت لي همَّتي وأبى انتخابي
…
سوى حفظ المودَّة والإخاء
ألا إنِّي بشتَّل مستهامٌ
…
أدين لساكنيها بالوفاء
شتَّل: اسم ضيعة من ضياع مالقة بها أهله وولده.
/229 أ/ أهيم بمن بشتَّل قد أقاموا
…
ونابهم بلا مين شقائي
إذا الأقدار لم تسمح بقرب
…
سأقني في ودادهم ذمائي
أنوح لغربتي ولفقد أهلي
…
فدهري لا أملُّ من البكاء
أبيت خليف وجد واشتياقٍ
…
وليلي قد فزعت إلى الدُّعاء
أنادي في بلاد الشَّرق ....
…
إله العالمين أرتح شفائي
أذا العرش المجيد إليك أشكو
…
نزوح أبَّتي والهمُّ دائي
ألا إنِّي غريب الدَّار صبُّ
…
إلى كم ذا التَّغرُّب والتَّنائي
ألا إنَّ الغريب مدى اللَّيالي
…
أذل من التَّراب بلا ....
إلى الله العظيم شكوت حالي
…
عساه بفضله يدني لقائي
وأنشدني، قال: انشدني لنفسه: [من الطويل]
خليليَّ إنِّي قد نصحتكما جهدي
…
وإن كان نصحي لا يفيد ولا يبدي
ولكنَّ نصح الخلق في الشَّرع قد أبى
…
فذاك حداني أن أبثَّ الذي عندي
فدونكما كم ذا التَّغرب في الورى
…
وحتَّى متى لا تنزعان إلى الرُّشد
ألا غنَّ سبل الرُّشد للمرء أوبهُ
…
لأوطانه اللَاّتي بها كان في المهد
فلا تسمعا ممَّن يبهرج قوله .... وإن زعموا أنَّ الفوائد في البعد
/229 ب/ .... أنَّ البعد
…
لفظه
…
ذوو الدِّين والدُّنيا ذوو الحلِّ والعقد
فكلُّ غريب الدذار لا بدَّ أن يرى
…
ذليلاً حقيرًا لا يعيد ولا يبدي
ولو كان ذا مال عريض وثروةٍ
…
فلابدَّ أن يلقى كثيرًا من الجهد
وما إن يزال الدّضهر حلف صبابةٍ
…
ولو مالك الدُّّنيا إلى آخر الهند
فمن كان ذا عقلٍ غزير وهمَّةٍ
…
فلا يلتفت يومًا إلى العلم الفرد
ولا يحفلن بالظَّاعنين إلى الحمى
…
ولا يصبون للسَّاكنين ربى نجد
ولكنَّ طرف العزم يركب متنه
…
نؤومٌ به الأوطان بالنَّصِّ والوخد
ويتحف أهليه برؤية وجهه
…
فما منهم إلَاّ مشوقٌ ومستجدي
إلى الله يشكون الغرام وفقده
…
فيا بؤس ما يلقون من شدَّة الوجد
فلله من يرعى قلوب أهيله
…
ويكسب في ذاك الثَّناء مع الحمد
[556]
عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت البردكيُّ، خطيب الجامع بمراكش، أبو موسى الجزليَّ.
منسوب إلى قبيلة من البربر مشهورة تسمى "جزولة" أصلها بين الكاف والقاف فعربها الكتاب، وكتبوها بالجيم.
/230 أ/ من أهل مراكش.
الشيخ الأديب النحوي الفقيه الخطيب.
رحل إلى مصر وأدرك أبا محمد عبد الله بن بري النحوي، وقرأ عليه أصول أبي بكر بن السراج، وقرأ على أبي منصور ظافر بن الحسين المالكي المصري كتابًا في أصول الدين، فنال عندهم حظوة، وتقبلوه وحسن موقعه عندهم، وقاسى مدة إقامته بمصر ضرًا من الفقر والفاقة، ولم يدخل في مدرسة.
وكان يخرج إلى الضياع فيحصل ما يقوم بنفقته، وهو غاية من القلة وضيق المعيشة، ثم رجع إلى المغرب فقيرًا مدقعًا فوصل إلى المرية وغيرها من البلاد. وصاحب ابني عبد المؤمن المستولين على تلك البلاد، فنال عندهم حظوة، وتقبوله وحسن وموقعه عندهم، فتمشت احواله معهم، واكتسب رزقًا متوافرًا من صحبتهم.
وكان قد ندبه الأمير أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن عبد المؤمن لكشف أحوال القضاة الولاة على البلاد، ثقة بعدالته وأمانته، فتوفي في تلك السفرة في دولة الأمير محمد بن يعقوب قبل السنة العاشرة والستمائة، والله أعلم بصحة ذلك. وكان نحويًا /230 ب/ حاذقًا بصيرًا بعلم العربية، إمام زمانه في معرفتها وإتقانها؛ وهو صاحب المقدمة الجزولية المشهورة في علم الأعراب التي سارت وانتشرت في الآفاق، واستجادها أهل هذا الشأن، واستحسنوها غاية الإستحسان، وشهدوا لمصنفها بالتبريز والسبق على أبناء جنسه استخاروها على مصنفات القدامى من النحاة، وكتبت بها النسخ لكونها فريدة في معناها. وكانت وفاته في حدود سنة خمس وستمائة بهسكورة من بلد مراكش.
أنشدني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله الفقيه المدرس الحنفي بمحروسة حلب، بمنزله المعمور في سنة أربع وثلاثين وستمائة، قال: أنشدني أبو الحسن يحيى بن معطي بن عبد النور المغربي النحوي، قال: أنشدني أبو موسى لنفسه، يذكر فضل شيخ من العلماء، وكان رجلاً صالحًا يعرف بأبي العباس الفقيه:
[من السريع]
أقول قولاً ماله منكر
…
إلإَّ امرؤٌ أحمق مستكبر:
إنَّ أبا العبَّاس ممَّن به
…
يستنزل الرِّزق ويستمطر
/231 أ/ بقيَّةٌ من سلف صالحٍ
…
كان كما كانوا فما يكدر
كنت لعمري إن جري ذكره
…
أظنُّه من بعض من يذكر
فاليوم لا أرتاب في فضله
…
صدَّق عندي الخبر المخبر
جالست منه الشَّمش في قدرةٍ
…
وأبحرًا في العلم لا تعبر
هم بنو الدُّنيا بما ناله
…
في العلم والتَّقوى فلم يقدروا
أبصر ما لم يبصروا بعدما
…
شاركهم في كلِّ ما أبصروا
[557]
عيسى بن المعلَّى بن مسلمة، أبو إبراهيم الرافقيُّ.
الشيخ الأديب الفاضل النحويُّ.
كان له مكتب قد فتحه يعلم فيه الصبيان الخط، ويؤدبهم بالعربية والأدب، وله عدّة تصانيف منها "تبيين الغموض في علم العروض"، وكتاب "المنتخب من لغة العرب"، وكتاب "الجامع في شرح الكافي في معرفة القوافي"، وكتاب "تحفة المجالس وغبطة النديم والمؤانس" ألّفه للملك الظاهر صاحب حلب عمله على ألسنة الشعراء المتقدمين. /231 ب/ ومن ذكر من الفتيان والقيان المجيدين، وكتاب "الإقناع في الرسائل" وصنّف في النّحو كتابًا لطيفًا سماه "المعونة" وشرحه بكتاب آخر سماه "القرينة في شرح كتاب المعونة".
وكانت وفات ليلة الجمعة ثالث ربيع الآخر من سنة خمس وستمائة، وصار ديوان شعره في مجلدتين كبيرتين، مشروحًا افتتحه بخطبة من إنشائه، ورتبة أبوابًا يشتمل على ستة أبوب "باب في المديح والاتفحارات"، "باب في الزهديات والمسائل الفقهية والأحاجي النحوية"، "باب في
…
الصلات"، "باب في الاعتذارات والشكر على ابتداء الحسنات"، "باب التشوقات وما يكتب في المراسلات"، "باب المودات في الآداب والمعاني المختلفات"، "باب في الاحاجي وما فيه من اللغز والأحاجي".
ولم يكن شعره رقيقًا مطبوعًا بل مرذولاً ظاهر التعجرف، بادي الركاكة لكثرة ما يستعمل فيه من الألفاظ الحوشية تبنى عليه الرثاثة. وكان خبيرًا باللغة العربية، عالمًا بأخبار العرب وأمثالها ووقائعها، ذا فضائل جمّة /232 أ/ وداب كثيرة وعلم واسع.
ومن شعره ما كتبه إلى صديق له، يعتذر إليه من انقطاعه عن عيادته:
[من المتقارب]
أعيذك من ألم حادث
…
يكون لجسمك يومًا مهيضًا
ولازلت عمرك في صحَّة
…
تنال الثَّناء الطَّويل العريضا
وليس انقطاعي عن أن أراك إلَاّ كمن لا يودُّ الفروضا
بلى إنَّ قومًا ما رأوا قبلنا
…
بأن لا يعود مريضٌ مريضا
وقال في غلام أزرق: [من المتقارب]
لقد لامني في هوى اغيد
…
أناسٌ لمعناه ما حقَّقوا
وقالوا: بمقلته زرقةٌ
…
فذَّمُّوه عندي ولم يصدقوا
وهل يبلغ المشرفيُّ مرادًا وما متنه أزرق
ومن ثقة الماء إن قيل فيه أزرق في لونه مشرق
ولون السَّماء إذا كان في العيون فمن حقِّها تعشق
فلست أبالي بلوم الأنام
…
ولو أرعدوا فيه أو أبرقوا
وقال في غلام ضرير: [من البسيط]
قالوا: عشقت ضريرًا قلت: ويحكم
…
لا تعذلوني على عشق الأضرَّاء
/232 ب/ لو كان ببصر لم آمن ملالته
…
قربي ودان يرى رأيًا سوى رائي
ماذا انتفاعي بعينية وفي فمه
…
ووجنتيه دواءٌ لي من الدَّاء
وقال: [من المجتث]
قل للأحبَّة ها قد
…
جئنا فهل تقبلونا
يا هاجرينا إلى كم
…
يكون ما تعدونا
يا واجدين علينا
…
ما آن أن ترحمونا
جئنا نحاول قربًا
…
منكم فلا تبعدونا
وقد وقفنا على بابكم فلا تطردونا
ما ترحممون كئبًا
…
بحكبّكم مفتونا
وقوله أيضًا: [من الطويل]
ألا ربَّ طمرين أرضاه ربُّه
…
وحلَاّه في جنَّاته بجواهر
فألبسه في الخلد من كلِّ حلَّه
…
تراها عليه زينة للنَّواظر
وكم من زريِّ الحال أصبح ظاهرًا
…
يحلَّى بها من عسجد بأساور
وكم من غنيٍّ في قرار جهنَّم
…
بوجه عبوس أسود اللَّون باسر
أقام بها يلقى هوانًا وذلَّةً
…
وأخلده فيها ذنوب الكبائر
/233 أ/ وقال: [من مجزوء الرجز]
صاح غرابٌ بينهم .. فبتُّ أبكي أسفا
ولست أشكو من أحبَّائي سوى طول الجفا
ما ضرَّ من غذَّبنا
…
بهجره لو عطفا
من لي بعيش كدَّرته الحادثات لو صفا
ما بالكم لا تقبلون من أتى معترفا
هلَاّ رحمتم من على
…
أبوابكم قد وقفا
أما ترون جسمه
…
لهجركم قد دنفا
صافوه إذ عادكما
…
تهوون من أهل الصَّفا
وقوله: [من الخفيف]
يا أخي هكذا تكون العباده
…
لا تراد الدُّنيا بها والزياده
لا ترد غير وجهه بالعبادات ولا غيرها بعدلك عاده
لا ترم طالب السِّيادة في الدُّنيا ورم في الجنان تلك السِّياده
صلِّ فوق التُّراب لا تحسبَّن الزُّهد بسط الصِّقاع والسجاده
ودع الكبر والرِّئاسة والمال ليشقى بجمعه من أراده
/233 ب/ زوِّد النَّفس بالبقيًّة فالرَّاحل يبغي لنفسه ....
لا ترد غير وجه ربِّك بالأعمال حتَّى تنال منه الإراده
فاللَّبيب الأريب من يترك الدُّنيا ويبغي لما أحبَّ معاده
ما السَّعيد الَّذي تراه كثير المال بل في التُّقى تكون السَّعاده
وقوله: [من المجتث]
لا تكثرنَّ كلامًا
…
فالصَّمت فيه السَّلامه
كم من كلامٍ كثيرٍ .. ز جنى عليك ندامه
وقال يصف التقويم: [من الوافر]
أرى التَّقويم ذا علم جليل
…
يروق لكلِّ ذي فهم جليل
إذا طلَّعت فيه وكنت حبرًا. بمعرفة الطُّلوع من الأفول
علمت بسيرة الأفلاك منه
…
مواقيت الإقامة والرَّحيل
وتدبير الأمور محقَّقات
…
بعاقبة القبيح من الجميل
وأقرب مايفاد المرء منه
…
على الأيَّام معرفة الفصول
وأعياد اليهود مع النَّصارى
…
وقد يعزبن عن عقل الجهول
/234 أ/ كثير النَّفع تحسبه قليلاً
…
فيا حسن الكثير من القليل
وقال يصف حمامًا: [من الخفيف]
قد رأينا من لطف صنع الباري
…
منزلاً في نهاية الغختصار
فيه مثل السَّعير من سورة النَّار تلظَّى من جاحم نوَّار
وجحيمًا جنيت منه نعيمًا في غدوِّ
…
بابتكار
أرضه مرمرٌ نزلُّ به الأقدام محفوفة بماء جاري
مرلاً طاب ظلُّه بسماء
…
رفعت فهي نزهة الأبصار
تنظر اللَّيل والكواكب منه
…
طالعات من جوِّه بالنَّهار
وحشتي أن أزار منه وماكدت أراه يخلو من الزُّوَّار
ما سمعنا من قبله بنعيم
…
في جحيٍم وجنَّةٍ في نار
[558]
عيسى بن محمّد بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب، الملك المعظم، أبو الفضائل بن الملك العادل أبي بكرٍ
صاحب دمشق.
كان أشدَّ اخوته بأسًا، وأقواهم جأشًا، له السياسة والشجاعة والشهامة /234 ب/ والصرامة، ذا همّة وحزم شديد.
وحدّثته نفسه بتملك البلاد فعاث في بعضها، وسلط عليها العرب فقطعوا الطرق وأخافوا السبيل، وذهبت بسببه الأموال والأنفس، فتقلدها في عنقه، ولقي الله تعالى بها، وامتدت يده في الظلم والمصادرات، وظلم جماعة ووصل جوره وظلمه إلى خلق كثير، فأخذه الله –تعالى- في أغفل حاله حيث لم يشعر. وصار رهنًا بعمله.
وتعصّب على مذهب الشافعي –رضي الله عنه وعلى الائمة على مذهبه للنحفية، وقرب الأطراف، وأبعد الأماثل، ودرس من فقه الإمام أبي حنيفة –رضي الله عنه وناظر الفقهاء وتكلّم معهم في المسائل الخلافية. وكان يقرّب العلماء وأهل الأدب ويباحثهم، ويقبل عليهم ويكرمهم. ونظ شعرًا كثيرًا، ودوّن شعره ومعظمه في الإفتخار ووصف نفسه بالفروسية والإقدام والحروب والوغى.
وتوفي بدمشق يوم الجمعة سلخ ذي القعدة سنة أربع وعشرين وستمائة. وكانت ولادته سنة ست وسبعين وخمسمائة.
أنشدني منقد بن سالم /235 أ/ بن رافع الدمشقي الشاعر، قال: أنشدني الملك
المعظم لنفسه: [من الكامل]
ومورَّد الوجنات أغيد خاله
…
بالحسن من ماء الملاحة عمَّه
كحل الجفون وكرَّ في لحظاتها
…
غنجاً فقلت: سقى الحسام وسمَّه
وأنشدني أبو الطليق معتوق بن أبي بكر بن سعد الشاعر الخزاعي، قال أنشدني الملك المعظم لنفسه:[من الطويل]
نزلنا ضميرًا والجياد ضوامرٌ
…
وقد حان من شمس النَّهار غروبها
ففاضت دموع العين شوقًا إليكم
…
وليس عجيبًا أن تفيض غروبها
وقال أيضًا: [من المنسرح]
ناولني في الدُّجى كوجنته
…
ظبيٌ سباني بحسن طرَّته
لو بشرٌ يسجد الأنام له
…
يومًا سجدنا لحسن صورته
سكري ثلاثًا من خمر راحته
…
وخمر فيه وخمر مقلته
وقال أيضًا: [من الكامل]
الجسم مذ هجر الحبيب سقيم
…
والجفن من فيض الدُّموع كليم
يا من جفا بعد الوصال فقلت من
…
يهواه من ألم الفراق سليم
/235 ب/.
/236 أ/ بي منك ما بو أنَّ عشر عشيرة
…
بالخلق لم يحيوا وأنت عليم
كيف السَّبيل إلى رضاب سلسل
…
مسكٍ كأنَّ مزاجه تسنسم
[559]
عيسى بن محمّد القمراويُّ
مشارف رأس العين.
أنشدني القاضي أبو القاسم الحنفي، قال: أنشدني عيسى بن محمد لنفسه:
[من الطويل]
إذا كان في وسط الحشا مستقركم
…
والعين منكم حظُّها ونصيبها
فما ثمَّ هجرانٌ ولا ثمَّ جفوةٌ
…
فدامت لنا هذي اللَّيالي وطيبها
[560]
عيسى بن محفوظ بن الطيِّب، أبو الفضل الأصفهانيُّ الطَّرقي
من ناحية أصفهان – النحوُّي الأديب.
أخذ النّحو عن المفيد القاشاني، والرفيع اللبناني. وكان أستاذًا في الآداب بصيرًا بها، وله تصانيف ومن تصانيف ومن تصانيفه كتاب "شرح اليميني العتبي".
وكان مع تفرّده بعلم الأدب والعربية، ناقص العقل ذا غفلة وبله يعتريه في وقت.
/236 ب/ وتوفي بأصبهان عاشر المحرم سنة خمس عشرة وستمائة، عن ثلاث وستين سنة.
انشدني أبو القاسم محمد بن ثابت بن غانم بن عبديل الأصفهاني، قال: أنشدني عيسى بن محفوظ الطرقي لنفسه: [من الكامل]
في كلِّ جارحة هواك يبين
…
كلِّي بكلِّك ..... رهين
أعددت حبَّك للبقاء فغيره
…
شخص تماسك ماؤه والطِّين
الجسم يبلى والحياة وديعةٌ
…
والرُّوح تذهب والفؤاد يبين
قالوا: تماسك بالذَكاء فإنَّه
…
كلٌّ بمذخور الحياة ضنين
ومفلّج الأسنان في حلفاته
…
وعدٌ إذا رمت الوفاء يمين
لم يتَّسم إلا وأنشد دونه
…
نظري إلى لمعلٌ الوميض حنين
هذا هو .... الّذي يبقى معي
…
إن عطِّلت دارٌ وخفَّ قطين
وأنشدني، قال: أنشدني الطرقي لنفسه: [من البسيط]
هب انَّ سرِّي بفيض الدَّمع ما انتثرا
…
وهاتف البان ما أملى له الخبرا
والبرق ما شبَّ نار الوجد في خلدي
…
والرَّوض ما أطربتني ريحه سحرا
ماذا أقول وقد زمِّت جمالهم
…
تكاد زفرة صدري تفلق الحجرا
ووجدت له قول من قصيدة: [من الطويل]
/237 أ/ ترنُّم ورق أيكها متشابك
…
ورنَّة باكي المزن والبرق ضاحك
وأنفاس صبح دون نفثة ناسٍم
…
إليهنَّ يهفو صبري المتماسك
[561]
عيسى بن محمد بن موسى بن محمد بن عبد الله بن إبراهي بن خليل الحميريُّ الاندلسيُّ التاكرنّيُّ أبو الروح.
وتاكرنا من أعماله قرطبة.
قدم إربل في شوال سنة سبع وعشرين وستمائة للاستجداء، ولم أكن ذلك الوقت مقيمًا بها. كتب عنه جماعة من أهلها. وكان يروي شيئًا من أشعار الأندلسيين، وله عناية بحفظها وأنساب قائليها. ثم سافر عنها إلى مدينة آمد فلم يمكث بها إلَاّ مدّة قريبة.
وكانت وفاته بارزن من ديار بكر في سنة تسع وعشرين وستمائة عائدًا من آمد، كذلك أخبرني البدر أبو الوفاء الحسن بن علي بن الموصلي الكاتب بحلب المحروسة.
/237 ب/ وله أشعار انشدني منها الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي، قال: أنشدني أبو الفرج عيسى ابن محمد لنفسه: [من الطويل]
سلامٌ لساعات التَّلاقي في الهوى
…
محلاًّ وأيَّام الشَّباب من العمر
أخصُّ به معنى الكمال وشخصه
…
ويبَّاق غايات الفضائل والفخر
أبا البركات الألمعيَّ الَّذي غدا
…
له شرفٌ يربي على الشَّمس والبدر
وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط]
ياربَّ أضحية سوداء حالكة
…
لم ترع في البيد إلَاّ الشَّمس والقمرا
تخال باطنها في اللَّون ظاهرها
…
فهي العداة لزنجيٍّ إذا كفرا
وانشدني، قال: أنشدني قوله: [من الكامل]
يا قلب مالك لا تفيق من الهوى
…
أوما يقرُّ بك الزَّمان قرار
الكلِّ ذي وجه جميلحنَّةٌ
…
ولكلِّ عهد سالف تذكار
وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من البسيط]
إن اودع الطِّرس ما وشَّاه خاطره
…
أبدى لعينيك أزهارًا وأسحارا
وإن تهدَّد فيه أو يعد كرمًا
…
بثَّ البريَّة آجالاً وأعمارا
[562]
عيسى بن أقبوري بن علي /238 أ/ بن علي بن بكتكين بن محمدٍ، الأمير أبو سعيدٍ.
وهو إبن أخي الملك المعظم مظفر الديم كوكبوري بن علي –رضي الله عنه له شعر ضعيف.
أنشدني أبو علي محمد بن علي بن سلار الإربلي الكردي الهذباني، قال:
أنشدني الأمير عيسى بن أقبوري لنفسه: [من مجزوء الكامل]
دنيا أراك وزهوكي
…
سجنًا لمن فيه فضيله
سحقًا لزهو جمالك الفاني وحلَّتك الرَّذيله
إذ لا تدومي لا تكوني في التَّحكُّم مستطيله
يكى الورى من حلمك الموت الَّذي ما فيه حيله
وانشد أبو نصر أحمد بن إسماعيل بن أحمد الإربلي، قال: أنشدني الأمير عيسى لنفسه: [من البسيط]
ياذا الَّذي قال قولاً صادقًا ووفى .. ز وأفخر النَّاس قدرًا حيثما وقفا
إن كان للصَّبر حدٌّ في نهايته
…
حد النِّهاية في الصَّبر الجميل كفى
لا زال بابك للرَّاجين ملتجأ
…
فضلُّ عزمك للمعنى به كنفا
ما لاح صبحٌ وأضحت في .....
…
شمسٌ وأمسى ظلام اللَّيل منعكفا
[563]
/238 ب/ عيسى بن الفضل بن بشر بن عيسى بن مواهب، أبو الفتح، المعروف بابن البحريِّ النصرانيُّ الموصليُّ.
كانت ولادته بالموصل في ذي القعدة من سنة إحدى وثلاثين وخمسامائة. وتوفي بمدينة إربل ليلة الثلاثاء التي صباحها اليوم التاسع من المحرم من سنة اثنتين وعشرين وستمائة.
انتقل إلى مدينة إربل، وخدم الأمير قرطايا بن عبد الله المظفري، فحين قبض عليه الملك المعظم مظفر الدين كوكبوري بن علي –رضي الله عنه حبس في جملة أصحابه وحاشيته. ثم أخرج فتولى الإشراف بالديوان ثم عزل عن ذلك، وصار عارض الجيش وتمكن من الدولة تمكنًا لم يتمكنه أحد من أبناء زمانه.
وكان خبيثًا رديء الباطن فيه شراسة خلق مع تهوّر وإقدام على الأمور. وكان يحفظ جمل من أشعار المتأخرين؛ معتنيًا بفن النثر. وله شعر كثير ولم يكن عنده شيء من الأدب؛ فلذلك جل شعره يوجد فيه لحن فاحش.
أنشدني الصاحب الوزير /239 أ/ شرف الدين أبو البركات المستوفي باربل، قال: أنشدني أبو الفتح بن البحري لنفسه: [من البسيط]
إن غبت عنك فلي روحٌ بربعكم
…
موقوفةٌ بين إخلاص وأشواق
وإن دهتني من الأيَّام نائبة
…
فليس عيركم ياسادتي واقي
وإن جفوتم فمالي عنكم عوضٌ
…
وإن نسيتم فظنِّي فيكم باقي
وأنشدني أيضًا، قال: كتب إلي عيسى بن البحري من الحبس، وأنشدنيه بعد ذلك:[من البسيط]
يا سادةًَ أشرقت لطفًا خلائقهم
…
أنتم وجودٌ وكلٌّ غيركم عدم
ما نال من عبدكم سجنٌ أضرَّ به
…
ما نال منه أليم الشُّوق نحوكم
وأنشدني، قال: كتب إلي أيضًا لنفسه: [من الطويل]
وعدتكم وعدًا وما كنت مضمرًا
…
وفاء به إذ لم أكن قلت عن جدّ
وكم مرَّة وعد الكذوب وعدتكم
…
فمن بعدها لا تزلموني بالوعد
وقال الصاحب أبو البركات فأجبته: [من الطويل]
وقيت الرَّدى ما ردَّها فيك خبرةٌ
…
فيحمل هزل الوعد منك على الجدذِ
كذلك مازالت وعودك كلُّها
…
على سائر العلَاّت كابية الزَّند
/239 ب/ متى فهمت مضطرًا بوعد مسوَّف .. .فعجلت عقد الحلف من أوَّل العهد
وأنشدني الحسن بن علي بن شماس، قال: أنشدني عيسى بن البحري لنفسه:
[من المتقارب]
على الهمِّ انفقت شرخ الشَّباب
…
وفي النَّائبات رماني الزَّمان
وفي كلِّ يوم حماي يباح
…
ومالي يصاب ونفسي تهان
فياربِّ قد طال وقع الأذى
…
أما لي من صرف دهري أمان
[564]
عيسى بن سلامة بن سليم –بفتح السين- بن عبد الوراث بن عليِّ بن سليمان بن عبد الرحمن، أبو موسى الحضرميُّ الحميريُّ.
كانت ولادته بصقلية سنة سبعين وخمسمائة، ونشأ بالإسكندرية، وحفظ القرآن
العزيز. وكنا فقيهًا أصوليًا محدثًا قارئًا؛ لقيته باربل في شهر رمضان سنة خمس وعشرين وستمائة.
وانشدني لنفسه، وذكر أنه أول شعر قاله في صباه:[من الوافر]
إلى كم ذا اخلمول وأي عيش
…
يطيب لمن يصاحبه الخمول
/240 أ/ بليت بمعشر سفهوا حلومًا
…
وإن سفهوا فعالمهم جهول
معاشرهم يذمِّم ما ارتضاه
…
معاشرهم فكثرهم قليل
فحظِّي إذ اماسهم مهيضٌ
…
وعيشي إذ أماشهم محيل
وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل]
وإذا أبتلاك بفاقة زمنٌ فلا
…
ترفع بها إلَاّ إلى سلطان
فندى الملوك ورفدهم لمؤمل
…
أسنى وأشرف من ندى الأخوان
أخوان دهرك ربما منوا وما
…
ترضى الملوك سجيَّه المنَّان
[565]
عيسى بن سنجر بن بهرام جبرائيل بن خمارتكين بن طاشتكين، أبو الإربليُّ المعروف بالحاجريِّ.
وعرف بذلك لأنه يكثر "حاجر" في شعره، قلّما يخلو له قصيدة إلَاّ ويعرّض
بذكره فيها.
وهو شاب من أبناء الاتراك باربل وقدماء أجنادهم. وكان جنديًا ثم صار بعد ذلك صوفيًا. وهو ذو مفاكهة ومحاضرة، جيد القريحة في الشعر. وله أشياء حسنة /240 ب/ في الغزل والهجاء، ومعان يجيد استنباطها بلا رأس مال في النحو، ولا قرأ منه شيئًا إلَاّ تأتيه طبعًا.
لقيته باربل سنة خمس وعشرين وستمائة؛ وتأكدت بيننا صحبة. وخبرت أنه قتل يوم الخميس ثالث شوال باربل سنة اثنتين وثلاثين وستمائة.
انشدني لنفسه: [من الطويل]
بدا فأرانا الظّبي والغصن والبدرا
…
فتبًا لقلب لا يبيت به مغرى
نبيُّ جمال كلُّ ما فيه معجزٌ
…
من الحسن لكن وجهه الآية الكبرى
أقام بلال الخال من فوق خدِّه
…
يراقب من لالاء غرَّته الفجرا
سرى طيفه ليلاً إليَّ مجدِّداً
…
عهود الهوى يا حبَّذا ليلة الإسرا
ترفَّع عن حدِّ الملاحة رتبة
…
فأجملت فعلاً ................
أعاذل هل أبصرت من قبل خدِّه
…
وسالفه نارًا حوت جنَّة خضرا
من الترك لم يترك لقلبي تجلُّدا
…
فتورٌ بعينيه المراض ولا صبرا
أعلط أخواني إذا ذكروا له
…
حديثًا كأني لا أحبُّ له ذكرا
وأصغي إذا جاءوا بغير حديثه
…
بسمعي ولكِّي أذوب به فكرا
سقاني بعينه المدام وكأسه
…
فلم أدر أيُّ الرَّاح أعقبني سكرا
/241 أ/ أرى العدل معروفًا بكسرى فكم ترى
…
ظلمت بأجفان شهدت بها كسرا
كأنَّا تعادينا السَّقام لحاجةٍ فأمرضني جسمًا وانحلته خضرا
وأنشدني لنفسه: [من البسيط]
ياواحد الحسن إرحم واحد الكمد
…
حاشاك من حرق يصلى بها كبدي
في كل جارحة منِّي لسان هوى
…
يشكو إليك رسيس الوجد والكمد
واطول سقمي وفي فيك الشِّفاء ويا
…
ظلمي وأنت أمير الحسن في البلد
إن كان تعذيب قلبي فيك أو تلفي
…
ممَّا يسؤُّك ياكلَّ المنى فزد
أنت الذي ما بدت للعين صورته
…
إلَاّ وعوَّدته بالواحد الصَّمد
كم من أسير غرام فكاك له .. لمقلتيك ومقتول بلا قود
روحي الفداء لظبي من بني أسد
…
وأعجب الأمر ظبيٌ من بني أسد
كيف السَّلامة لي ممن محاسنه
…
جاءت لقتلي بأنواع من العدد
الطرَّرف بالنَّبل والقدُّ المرنَّح بالخطِّي والسَّالف المصقول بالزَّرد
وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الكامل]
صنم عليه لللملاحة رونق
…
ريَّان من ماء الشَّباب مقرطق
كالرُّمح فتَّاك الطَّعينة قدُّه
…
لكنَّ ناظره السِّنان الأزرق
/241 ب/ نادمته والعيش برد نعيمه
…
ضاف وشمل الحادثات مفرَّق
في ليلة سمح الزَّمان بطيبها
…
ليلاً ونشر القرب منها يعبق
ما خلت قبل تمتُّعي بنغيمها
…
أن أعتراضات الأماني تصدق
لله أي لبانة قضَّيتها لو
…
لم ينغصها الصَّباح المشرق
بأبي وأمي من إذا عاينته
…
لم أدر من دهش بماذا أنطق
مالأبن مقلة صاد مقلته ولا
…
نونٌ كنوني حاجبيه معرق
لام العذار محقَّقٌ في خدِّه
…
لكنَّ واو الصُّدع منه معلَّق
بين السُّيوف المرهفات وطرفه
…
عهدٌ على سفك الدِّماء وموثق
وأنشدني لنفسه من مبدأ قصيدة: [من الطويل]
لوى جيده كالظَّبي عنَّ لسربه
…
وأقسم تيهًا لا يرقُّ لصبِّه
حبيبٌ له عند العناب تعذُر البريِّ ولي ذل المقرَّ بذنبه
إذا راءني أودى بقلبي فرحةً
…
فأذهل عن فوزي بلذَّة قربه
أعانقه والطَّرف يفتك في دمي .. فديت حبيبًا سلمه مثل حربه
وكيف أرى لي في هواه تخلُّصاً
…
وآخر وجدي فيه أول حبِّه
/242 أ/ وبي سقمٌ من جفن عينيه بعضه
…
عياءٌ لبقراط وعجزٌ لطبه
ألا يا أمير الحسن هل أنت كاشفٌ
…
ظلامة شاك نهب طرفك سلبه
هواك الذي لم يبق منه بقيَّةٌ
…
يعرِّفه كيف الخلاص لقلبه
كأن دموغي من لماك مجاجةٌ
…
فما راق لي مذ ذقته غير شربه
ومعتدل أغناه عن مل رمحه القوام وغنج الطَّرف عن سلِّ عضبه
أودُّ لخدِّي أن يكون ترابه
…
إذا مرَّ يثني عطفه بين تربه
ولما اعتقنا للوداع بحاجر
…
وقد أزمع الحادي المسير بركبه
تمنَّيت لو أجدى التَّمنِّي وقفةً
…
أشاهد قلبي كيف يقضي بنحبه
ونشر يضوع المسك من نفحاته
…
يخبِّر عن بان الغوير وكثبه
شكوت إليه ما أجن فرق لي
…
فيا برد مسراه وطيب مهبه
ألا إنَّ بالجرعاء لو تعلم الصَّبا
…
لأكرم من هام الفؤاد بحبِّه
سلامٌ على الوادي الَّذي تسكنونه
…
وإن كنت لا أحظى بساكن شعبه
كأنَّ وميض البرق من هضباته
…
تعمَّد قلبي فاستطار بلبه
وأنشدني أيضًا قوله: [من الكامل]
أنا والأحبَّ منجدٌ مغوِّرٌ
…
فعلام لا أحنو ولا أتذكر
/242 ب/ لبكاي هذا اليوم صنت مدامعي
…
وكذا العزيز لكلِّ خطب يذخر
يا ساكني وادي العقيق فدتكم
…
عين مدامعها عقيق أحمر
بنتم فما استعذبت بعد حديثكم
…
لفظًا ولم يحسن لعيني منظر
ليت اللَّيالي بالحمى رجعت لنا
…
ولها من
…
ما تخبر
وصبًا تأرَّج نشرها من حاجرٍ
…
أنفاسها كالمسك بل هي أعطر
وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل]
بنفسي وروحي ذلك العارض الَّذي
…
فدا عنبرًا فوق السَّوالف سائلاً
دري خدُّه أنِّي أجنُّ من الأسى
…
فأظهر لي قبل الجنون السَّلاسلا
وانشدني قوله أيضًا: [من الكامل]
ومهفهف من شعره وجبينه
…
يغدو الورى في ظلمة وضياء
لا تنكروا الخال الَّذي في خدِّه
…
كلُّ الشَّقيق بنقطةٍ سوداء
وأنشدني أيضًا من شعره: [من الخفيف]
قلت لمَّا تصفَّرت وجنتاه
…
مرضًا تحت خضرة العارضين
ذهب الخدِّ واسمه إربليٌّ .. فلهذا بدا بسلسلتين
وأنشدني أيضًا قوله: [من الخفيف]
/243 أ/ قلت لمَّا بدا وأعرض غنِِّي:
…
هكذا من هواك يلقى الهوانا
قال: أن العزيز بل ذاك كي لا
…
يفهم الكاشحون منَّا هوانا
وأنشدني لنفسه: [من الرمل]
كيف حرَّمت على الطَّرف الوسن
…
ما كذا من فرض العشق وسن
يا غزالاً حلفت مقلته
…
أنَّها تشهر أسياف الفتن
قل لخدَّيك متى كان الحيا
…
بجحيم النَّار ربعًا ووطن
كلفاً كلَّفتنيه مظهرًا
…
من صبابات غرامي كلَّ فن
مذ هويناك علمنا أنَّ في
…
مركز الإسلام عبَّاد الوثن
وأنشدني أيضًا قوله: [من السريع]
بمهجتي الظَّبي الَّذي حسنه
…
تحار في معناه بلقيس
لا تحسبوا أنَّ عيون المها
…
أحسن من عينيه بل فيسوا
وأنشدني من شعره أيضًا: [من الكامل]
وافى شبيه الغصن يخطر مائلاً
…
ثمل القوام فديته من خاطر
لا شيء أبلغ من هواه من الرَّدى
…
يا نفس دونك فاعسفيه وخاطري
وأنشدني لنفسه /243 ب/ في إنسان يعرف بزبالة بن مقدار النميري. وكان قصيرًا من الرجال: [من الكامل]
لبس ابن مقدار الزّيالة فروةً
…
حسناء تنعت بالجمال وتوصف
فعذ 1 رته إذ ظلَّ .... بها
…
جعس المخنَّث بالحرير ملفَّف
وقال فيه أيضًا: [من الخفيف]
قال ثوب الشُّجاع وهو جميلٌ
…
تعشق العين نظرةً منه عشقًا
صرت في فروة النُّميريِّ سجفًا
…
كيف لا أستلذُّ قرضًا وخرقا
لو أراد الزَّمان تعظيم قدري
…
لم يعدني على الزّبالة ملقى
وله فيه، وقد شتمه شخص اسمه بلدق. وكان فراشًا:[من مخلّع البسيط]
بلدق بالقذف مستطيلٌ
…
على النُّميريِّ لا محاله
وليس في ذا عليه عيبٌ
…
فرَّاش دار رأى زباله
وقال؛ وأنشدنيه أيضًا: [من الطويل]
أيا مولاي قد فصَّلت لي العام فروة
…
لألقي بها في ظلِّ خدمتك القرَّا
وقد عراني فيها لتنجز سبعة
…
هويَّته تعمى يديك بها أخرى
/244 أ/ عشاءٌ وخيَّاطٌ وفروٌ وقندرٌ
…
وسمُّورةٌ سودا وجودك والفرا
وكتب إلى الأمير شمس الدين أبي الفضائل باتكين المستنصري، وكان يومئذ متوليًا مدينة إربل قبل قتله، وكان قد أحسن بأنه ييقتل:[من الكامل]
أشكوك يا ملك البسيطة حالة
…
لم تبق رعبًا فيَّ عضوًا ساكنا
إن تستبح إبلي لقيطة معشرٍ
…
ممَّن أؤمِّل غير حاشاك مازنا
ياللعجائب كيف يصبح خائفًا
…
من بات في حرم الخلافة قاطنا