الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
/ 287 أ/
…
حرف القاف
ذكر من اسمه القاسم
[590]
القاسم بن القاسم بن عمر بن منصورٍ، أبو محمدٍ الواسطيُّ.
كان مولده بواسط العراق سنة خمسين وخمسمائة في ذي الحجة، ومات بحلب في يوم الخميس رابع ربيع الأوّل سنة ستٍّ وعشرين وستمائة بظاهرها، ودفن قبليها في بستان كان له بمقام إبراهيم- عليه السلام.
كان أديبًا نحويًا لغويًا فاضلًا أريبًا، مصنفًا له تصانيف في الأدب حسان، ومعرفة بهذا الشأن. قرأ النحو بواسط وبغداد على أبي الخير مصدق بن شبيب بن الحسين الواسطي، ودرس اللغة على الرئيس عميد الرؤساء أبي منصور بن أيوب الحلي، وقرأ القرآن الكريم على أبي بكر الباقلاني بواسط، ثم على الشيخ علي بن هيّاب الجماجمي.
وسمع كثيرًا من كتب اللغة والنحو والحديث على جماعة يطول شرحهم منهم:
أبو الفتح محمد بن أحمد بن بختار المندائي، /287 ب/ وأبو الحسن علي بن
أحمد بن الحسين بن المبارك بن نغوبا، وسمع عليه المقامات عن أبي محمد الحريري.
وانتقل أبو محمد من بغداد إلى حلب سنة تسع وثمانين وخمسمائة، فأقام بها يقرئ العلوم ويفيد أهلها: نحوًا، ولغة، وضروب علوم الأدب. وصنّف بها تصانيف عدّة منها: كتاب "شرح اللُّمع" لأبي الفتح بن جني، وكتاب "شرح التصريف الملوكي" لابن جني، وكتاب "فعلت وأفعلت" بمعنى على حروف المعجم، وكتاب في اللغة لم يتمه، وكتاب «شرح المقامات» على حروف المعجم ترتيب كتاب العزيزي، وكتاب «شرح المقامات» آخر على ترتيب آخر، وكتاب «الخطب» ، وكتاب رسالة أخذ فيها على الراشد أبي محمد عبد الرحمن بن النابلسي الشاعر في قصيدة نظمها في الناصر لدين الله أبي العباس أحمد- رضي الله عنه وأشعار في فنون مختلفة.
ذكره الصاحب الوزير أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم في تاريخ النحويين /288 أ/ من تصنيفه، وظلم فضله وبخسه حقَّه؛ ثم قال: أولًا كان من أهل واسط. وكان كيّالًا بها، ولقي أدباء أهلها وأخذ عنهم طرفًا قريبًا من النحو، وقال شعرًا هو أجود من شعر النحاة، وقصد به الناس وارتزق منه أكثر أوقاته، وانتقل إلى حلب وأقام بمدرسة الحلاويين، يرتزق على طلب فقه أبي حنيفة. ثم قرّر له على إقراء العربية رزقٌ في جامعها فأقرأ جماعة ما فيهم من جاد ولا ساد. وكان نحوه عجيبًا في نزارته، واعجابه به يسقط منه فيما يحترز منه الأطفال المبتدئون.
ثم أورد له خبرًا قضية جرت له أعرضت عنها. وكان كثير الإعجاب بنفسه، يرى أنّه لم يوف حقّه فلا يزال شاكيًا متأوّهًا متعنتًا على القضاء والقدر. وكان مع هذا مذموم الطريقة والاستهتار بشرب الخمر، واتخاذ علوج ليسوا بحسان الخلق. يتحشر في محاشر ردية من محلل الفسوق، ويخالط جماعة على ذلك- نعوذ بالله من النظر إليهم-.
وفي آخر أمره سافر إلى الجهة الشمالية يروم تصدراُ وارتزاقًا من بيت قليج أرسلان، /288 ب/ فلم يقدر له على ذلك، وعاد إلى حلب متلافيًا العيشة، الذي كان قديمًا فلم تحصل له فسألني النظر في حاله مع عتب كان يبلغني عنه فصرفته في باب
الخان السلطاني يرتزق برزق، فلم يزل قانعًا به إلى أن توفي، ولقد كان له شيء كما قيل وهبه لغلامين له- نعوذ بالله من النظر إليهما-.
وصنَّف شرحًا لديوان المتنبي، غاية أمره أنَّه اختاره من شرح الواحدي وأضاف إليه من مصنف ابن وكيع في سرقات المتنبي.
أنشدني أبو عبد الله محمد بن فضلون الفقيه العقري، قال: انشدني أبو محمد لنفسه: [من الخفيف]
لا ترد من خيار دهرك خيرًا
…
فبعيدٌ من السَّراب الشَّراب
رونقٌ كالحباب يعلو على الكأس ولكن فوق الحباب الحباب
عذبت في اللِّقاء ألسنة القوم ولكن تحت العذاب العذاب
وأنشدني الصاحب أبو البركات المستوفي- رضي الله عنه قال: أنشدني أبو محمد القاسم بن القاسم الواسطي باربل سنة ثمان وتسعين /289 أ/ وخمسمائة يتشوّق وسطّا: [من الطويل]
ولمَّا تداعى بالفراق عشيَّةً
…
غراب النَّوى من واسطٍ ودعاني
ولم يقض من توديعكم لي حسرةٌ
…
وإن كنت مالي بالفراق يدان
تمنيَّت خفَّاق النَّسيم لعلَّة
…
يعلِّل قلبًا دائم الخفقان
فلا عيش لي أو تجمع الَّدار بيننا
…
ويسمح لي بالقرب منك زماني
سلام كنشر الرَّوض رقَّ نسيمه
…
على أربعٍ تزهو بكم ومغاني
وأنشدني، قال: أنشدني لنفسه: [من المتقارب]
فدتك العلا إنَّ وعد الكريم دينٌ وطالبه كالغريم
وحاجة مثلي من المكرمات
…
وما للمكارم غير الكريم
وقوله: [من الطويل]
ومالي إلى العلياء ذنبٌ عملته
…
ولا أنا عن كسب المحامد باعد
ولكنَّني لمَّا نهضت إلى العلا
…
بأسبابها لم يجد في الجدِّ قاعد
وأنشدني القاضي الإمام الصدر السعيد كمال الدين أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة بحلب- حرس الله مدته- قال: أنشدني الشيخ العالم أبو محمد القاسم بن القاسم الواسطي /289 ب/ في شهر شعبان سنة سبع وستمائة لنفسه بحلب يمدح السلطان الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب بن شاذي- رحمه الله: [من الطويل]
وقفنا على حكم الهوى نعلن الشَّكوى
…
بألفاظ دمعٍ تفضح السِّرَّ والنَّجوى
وكانت لنا دعوى من الصَّبر قبلها
…
ولكن دموع العين أبطلت الدَّعوى
وقد كنت قبل البين جلدًا تهزني
…
تباريح شوقٍ سرها في الحشا يطوى
وأحمل ثقل الوجد والرَّبع آهلٌ
…
ولكن إذا ما الرَّبع أقوى فلا أقوى
ولي وقفةٌ بين الحمول تقسَّمت
…
فؤادي أقسام النَّوى بينهم تنوى
ذويت بها واهتزَّ غصني وربما
…
يعود اهتزاز الغصن من بعدها يذوى
وما ساعة التَّوديع إلَّا بغيضةٌ
…
ولكنَّها تهوى لتقبيل من يهوى
وفي الحلَّة الحمراء ظبيٌ كناسه
…
فؤادي فلا يبرين يرعى ولا حزوى
تخيره روضًا أريضًا وموردًا
…
نميرًا فما تغشاه ريَّا ولا أروى
له فتكاتٌ بالحجى بابليَّةٌ
…
أحاديثها عن جفنه فى الورى تروى
نوافث في الألباب سحرًا ونشوةً
…
إذا خطرت في خاطر أنشأت بلوى
/290 أ/ فلا تنكروا خمرًا حوته لحاظه
…
من الأشنب المعسول والمبسم الأحوى
وما ضعف جسمي من ضعاف جفونه
…
ولكنَّها تقوى فتسطو أنا الأقوى
ولم أر خمرًا قبلها في كؤوسها
…
تخامر ألباب الرِّجال فتستهوى
كأنَّ غياث الدِّين غازي بن يوسفٍ
…
أسرَّ إليها من خلائقه نجوى
دع الشَّمس واستطلع شموس صفاته
…
تجد عند تمييز النُّهى أنَّها أضوا
فمستحسن الأعطاف يغني عن الغنى
…
ومستعذب الألفاظ يسلي عن السَّلوى
أخو الرُّشد يستغوى لمجدٍ وسؤود
…
ويا رشد من بالمجد والسُّؤدد استغوى
لقد ساد حتَّى لم يجد طالبًا علًّا
…
وجاد إلى أن لم يدع طالبًا جدوى
وبرَّز في فقه المعالي بعلمه
…
فمن عنده في مشكلات العلا الفتوى
رمى مقتل الآمال بالمال فانتدى
…
نداه وقد أصمى الرَّمايا وما أشوى
ندّى فاق في الآفاق حتَّى لوانَّه
…
سحابٌ أرانا الحرث في موضع الإروا
وما ضرَّنا ان تبخل السُّحب دونه
…
ومن سحب كفَّيه لنا أكرم المثوى
شكونا فأعدانا على الدَّهر نصره
…
وعدنا فلا دعوى علينا ولا عدوى
بجأشٍ تضيق الأرض عن جيش عزمه
…
إذا ماد لا يرضى لأركانه رضوى
يخفُّ إلى داعي الطَّعان كأنَّه
…
عقابٌ رأت صيدًا وأفلتها المهوى
/290 ب/ فيستخرج الأرواح عامل رمحه
…
ويلوي ديون الثأر للباسل الألوى
ويبسط من فوق البسيطة قبضةً
…
نفوس عدًا كانت بأنفاسها تروى
ويسقي القنا قاني النَّجيع كأنَّما
…
يرى العار أن يروى السِّنان ولا تروى
وما صدرت من ريِّها عن صدورهم
…
ثعالبها إلَّا عوى الذِّئب واستعوى
فللمجد ما أبنى وللمال ما أفنى
…
وللحمد ما أقنى وللشكر ما أحوى
مناقب مستقصى على المجد ما انثنى
…
عن السَّعي حتَّى جاوز الغاية القصوى
لها أثرٌ في المأثرات كأنَّها
…
مواسم في وجه الزَّمان بها تكوى
فلولا معانٍ فيه للمد أوضحت
…
معاني القوافي ما عرفنا لها فحوى
ولولا المغاني الغانيات بمدحه
…
عفا منزل التَّقوى وربع الهدى أقوى
فلا برحت أيَّامنا بدوامه
…
مهيمنةً للملك والدِّين والتَّقوى
ومن موشحاته:
أيُّ عنبريَّه .. في غلائل الغلس من زبر جديه .. تنبه النَّفس
جادها الغمام
…
فانتشى لها الزَّهر
[وابتدا الكمام
…
أعينًا بها سهر]
وشدا الحمام
…
حين صفَّق النَّهر
وارتدت عشيَّه .. كملابس العروس حللًا سندسيَّه .. ما دنت من الدَّنس
/291 أ/ فاملأ الكؤوسا
…
فضةً من الذَّهب
واجلها عروسا
…
توِّجت من الشُّهب
تطلع الشُّموسا
…
في سنّى من اللَّهب
فلها مزيَّه .. في الدُّجى على القبس بحلّى شهيَّه .. كمحاسن اللعس
مخبرٌ سناها
…
عن تطاير الشّرر
فازمن جناها
…
من قلائد الدُّرر
فإذا تناهى
…
في الخلائق الغرر
قلت ظاهريَّه
…
أظهرت لملتمس من علًا أبيَّه
…
ما تغال بالخلس
أخرى:
في زهرةٍ وطيب
…
بستاني
…
من أوجه الملاح
أجلو على القضيب
…
ريحاني
…
والورد والأقاح
ما روضة الرَّبيع
…
في حلَّة الكمال
تزهو على ربيعٍ
…
مرَّت به الشَّمال
في الحسن كالبديع
…
بالحسن والجمال
ناهيك من حبيب
…
نشوان
…
بالدَّلِّ وهو صاح
/291 ب/ إن قلت وآلهيبي
…
حيَّاتي
…
من ريقهٍ براح
كم بت والكؤوس
…
تجلى من الدِّنان
كأنَّها عروس
…
زفَّت من الجنان
تبدو لنا الشُّموس
…
منها على البنان
لم أخش من رقيب
…
ينهاني
…
الهوى إلى الصَّباح
مع شادنٍ ربيب
…
فتَّان
…
زندي له وشاح
خيل الصَّبا بركضي
…
تجري مع الغواه
في سنَّتي وفرضي
…
لا أبتغي سواه
وحجَّتي لعرضي
…
ما تنقل الرُّواه
عن عالمٍ لبيب
…
أفتاني
…
إنَّ الهوى مباح
والرَّشف من شنيب
…
ريَّان
…
ما فيه من جناح
أخرى:
سلت لنا الغزلان
…
صوارم الأجفان
…
من العيون
واهتَّزت الأغصان
…
وارتجَّت الكثبان
…
تحت الغصون
فكيف للصبِّ
…
وأيمّا قلب
…
يرجو الخلاص
/292 أ/ من أعين السِّرب
…
وأسهم الحبِّ
…
ولا مناص
وحاكم الحبِّ
…
عن شرعه ينبي
…
أن لا قصاص
نصر الهوى خذلان
…
ليناصر الشجعان
…
فتستكين
للنَّاظر الوسنان
…
والويل للإنسان
…
من الجفون
هاروتها نفثا
…
في عقد الصَّبر
…
ما يأتلي
وزاده خبثا
…
ما فيه من خبر
…
بالمقتل
يرثي ولا يرثى
…
بالتِّيه والكبر
…
ويبتلي
ما أقتل الإنسان
…
قتاله فتَّان
…
للعاشقين
كأنَّما العينان
…
حبائل الشَّيطان
…
إلى المنون
فالأحور الأحور .. بطرفه السَّاجي
…
إذا رنا
يستضعف الأقوى .. في ليله الدَّاجي
…
على الضَّنى
يا ويح من يهوى
…
في يأسه راجى
…
وبالمنى
يسول عن السُّلوان
…
ويهجر الهجران
…
عسى يهون
صاحي الجوى سكران
…
تبدي له الأشجان
…
حرَّ الأنين
أسرفت في الغدر
…
يا منية النَّفس
…
والمنتهى
/292 ب/ وطلعة البدر
…
ونزهة الإنس
…
والملتهى
وبيضة الخدر
…
وروضة الأنس
…
والمشتهى
وقيل لي بستان
…
أزهاره ألوان
…
للنَّاظرين
النَّرجس الرَّيَّان
…
والورد والرَّيحان
…
والياسمين
حديقة فيها
…
من خدِّك التَّفاح
…
ما يقطف
والنار يطفيها
…
من الرُّضاب الراح
…
والقرقف
وكيف يخفيها
…
ومسكها فيَّاح
…
إذ يرشف
والدُّرُّ والمرجان
…
من حبب الأسنان
…
عقد ثمين
على قضيب البان
…
بصدره
…
رمَّان .. في كلِّ حين
***
يكفيك من وجدي
…
وفرط وسواسي
…
ما تعلم
وهان ما عندي
…
من حرِّ أنفاسي
…
لو أسلم
والفتك ما يجدي
…
في قلبك القاسي
…
والمسلم
يخشى من الرَّحمن
…
وسطوة السُّلطان
…
في الظَّالمين
/293 أ/ المطعم المطعان
…
والمنجد المعوان
…
عليّ المعين
أخرى: -
ما تفعل السِّهام
…
ما تفعل الحدق
…
تصمي القلوب رشقا
…
والجلد ما انخرق
***
لي شادن ربيب
…
في جفنه وطف
أردافه كثيب
…
والخصر مختطف
وعطفه الرَّطيب
…
إن مال وانعطف
راقت لنا المدام
…
من كأسه النفق
…
وخلت منه شرقا
…
في كفِّه شفق
***
في وجهه المفدَّى
…
آس وجلَّنار
وزان منه خدَّا
…
ماء به ونار
صبح إذا تبدَّى
…
يعلو له منار
بدر له تمام
…
في فرعه غسق
…
نظما به فنسقى
…
من ثغره النَّسق
***
قد أمرض المعنَّى
…
الحاظه المراض
وفي السَّواد معنى
…
يزهن به البياض
والقدُّ إن تثنَّى
…
أو كان في الرِّاض
/293 ب/ غنَّى به الحمام
…
واكتن في الورق
…
يا حسن ذاك خلقا
…
سبحان من خلق
***
يا من به يلوذ
…
حاذر من الرَّدى
فسهمه نفوذ
…
ما يقبل الفدا
ينضو لمن يعوذ
…
سيفًا مجرَّدا
في خدِّه الحسام
…
للفتك ممتشق
…
يزداد منه عشقا
…
للقتل إن رمق
***
وقال أيضًا: [من مجزوء الرجز]
أيُّ عيون هنَّه
…
أمضى من الأسنَّه
ترشقنا بأسهم
…
لا تتَّقى بجنَّه
فتستبيح مهجًا
…
في الحجب مستكنَّه
ضعائف قد جعلت
…
قتل النُّفوس سنَّه
ليت الغواني لعبت
…
أيدي الهوى بهنَّه
فغيَّرت ورد الخدود بها رهنَّه
فكم جنت من زفرة
…
موصولة بأنَّه
جنة حسن رتعتً
…
الحاظنًا فيهنَّه
/294 أ/ فأورثتً قلوبنا
…
نار لظى مكتنَّه
فمن رأى نار جحيم نشأت عن جنَّه
وقال أيضًا: [من الوافر]
أقول لمعشر حمدوا الفا
…
وذابت من حقودهم الصُّدور
تعبِّس في وجوههم المعالي
…
إذا ابتسمت لغيرهم الثُّغور
وموتي في الحياة بغير دفن
…
جسومهم لأنفسهم قبور
يغطُّون الصَّباح بكلِّ كفٍّ
…
لها دون العلا باع قصير
ويبدون الطَّلاقة من وجوه
…
كما برقت لرائيها الصُّخور
سعى للمجد سعي النَّمل يعلو
…
على الدُّولاب وهو به يدور
فكان صعودهم فيه نزولا
…
كما لنشاطهم فيه فتور
طلابكم العلا زور بعيد
…
لأنَّ الأكرم القاضي وزير
وقال أيضًا، وأنشدنيه عنه أبو عبد الله الحافظ:[من الكامل]
ديباج وجهك بالعذار مطرَّز
…
برزت محاسنه وأنت مبرِّز
وبدت على غصن الصبا لك روضة
…
والغصن ينبت في الرِّض ويغرز
/294 ب/ وجنت على وجنات خدِّك حمرة
…
خجل الشَّقيق بها وحار القرمز
لو كنت مدَّعيًا نبوَّة يوسف
…
لقضى القياس بأنَّ حسنك معجز
[أو كان عطفك مثل عطفك ليِّنًا
…
ما كان منك تمنُّع وتعزُّز]
وله في إبن النابلسي الشاعر، ويلقب مدلويه:[من مجزوء الكامل]
لا تعجبنَّ لمدلويـ
…
ـه بدا من الخلق البغيض
وتكسَّرت أسنانه
…
بالعضِّ في جعس القريض
وتقطَّعت أنفاسه
…
عرضًا بتقطيع العروض
وله فيه أيضًا يهجوه: [من مجزوء الكامل]
يا من تأمَّل مدلويه وشكَّ فيما يسقمه
أنظر إلى بخر بفيه وما أظنك تفهمه
لا تحسبن بأنَّه
…
نفس يغيِّره فمه
لكنَّما أنفاسه
…
نتنت بشعر ينظمه
وأنشدني الصاحب مؤيد الدين أبو نصر إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم بن القفطي –أدام الله سعادته- /295 أ/ قال: أنشدني القاسم بن القاسم الواسطي لنفسه:
[من مجزوء الرمل]
حقُّ دود القزِّ يبني
…
فوقه ثمَّ يموت
بعدما سدَّى وقد ثار يسدِّي العنكبوت
وقال من قصيدة: [من الخفيف]
زهر الحسن غير زهر الرِّياض
…
منه للغصن حمرة في بياض
قد حمة ورده ونرجسه الغضَّ سيوف من الجفون مواضي
فإذا ما اجتنيت باللَّحظ فاحذر
…
ما جنت حصَّة العيون المراض
فلها في القلوب فتكة باغ
…
رويت عنه فتكة البرَّاض
وإذا ما رمت سهامًا من الهدب رمين السِّهام بالأغراض
واغتنم بهجة الزَّمان وقابل
…
شمس أيَّامه الطِّوال العراض
بشموس الكؤوس تحت نجوم
…
في طلوع من أفقها وانقضاض
واجل من جوهر الدِّنان عروسًا
…
لطفت عن جواهر الأعراض
كلَّما أبرزت أرتك لها وجه انبساط يعطيك وجه انقباض
فعلى الأفق للغمام ملاء
…
طرَّزتها البروق بالإيماض
/295 ب/ وكأنَّ الرُّعود أرزام نوق
…
فصلت دونها بنات المخاض
أو صهيل الجياد للملك الظَّاهر تسري بالجحفل النَّهاض
وقال أيضًا؛ وأنشدنيها المولى القاضي الإمام بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد بمحروسة حلب –أيده الله تعالى-: [من الطويل]
فوا أسفا مات الكرام وعطِّلت
…
شرائع سنَّت للعلا والمكارم
ولم يبق من رسم النَّدى وطلوله
…
سوى ذكر من عهده المتقادم
سأندبه ما عشت جهدي وإن أمت
…
أقمت بأشعاري صفوف المآتم
وله قصيدة يمدح بها: [من البسيط]
جد الصِّبا في أباطيل الهوى لعب
…
وراحة اللَّهو في حكم النُّهى تعب
وأقرب النَّاس من مجد يؤثِّله
…
من أبعدته مرامي العزم والطَّلب
ةقارها كظلام اللَّيل حاملة
…
أهلَّة طلعت من بينها الشُّهب
منقضَّة من سماء النَّقع في أفق
…
شيطانه بغمام الدِّرع محتجب
وأسودَّ وجه الضُّحى ممَّا أثار به
…
وأشرق الأبيضان الوجه والنَّسب
/296 أ/ في موقف يسلب الأرواح سالبها
…
حيث المواضي قواض والقنا سلب
لا يرهب المرء ما لم تبد سطوته
…
لولا السِّنان استوى الخطِّي والقضب
إنَّ النُّهوض إلى العلياء مكرمة
…
لها التذاذان: مشهود ومرتقب
والملك صنفان: محصول وملتمس
…
والمجد نوعان: موروث ومكتسب
والنَّاس ضدَّان: مرزوق ومحترم
…
تحت الخمول ومغصوب ومغتصب
والطَّاهر النَّفس لا ترضيه مرتبة
…
في الأرض إلَاّ إذا انحطَّت له الرُّتب
والفضل كسب فمن يقعد له نسب
…
ينهض به الأفضلان: العلم والحسب
لله درُّ المساعي ما استدرُّ بها
…
خلف السِّيادة إلَاّ أمكن الحلب
وحبذا همَّة في العزم ما انتدبت
…
لمبهم الخطب إلَاّ زلَّت الحجب
وموطنا يستفاد العزُّ منه كما
…
أفادت العزَّ من سلطانها حلب
ومنها يقول:
مؤيد الرَّأي والرَّايات قد ألفت
…
ذوائب القوم من راياته العذب
إن نازلوه وقد حق النِّزال فمن
…
أنصاره الخاذلان: الجبن والرُّعب
أو كاتبوه فخيل من كتائبه
…
تجيب لا المخبران: الرُّسل والكتب
مغاور يذهب الأعمار ذابله
…
في غارة الحرب والأموال تنتهب
/296 ب/ في جحفل قابلوا شمس النَّهار على
…
مثل البحار بمثل الموج تضطرب
حتَّى كأنَّ شعاع الشَّمس بينهم
…
فوق الدُّروع على غدرانها لهب
ما أنكر الهام من أسيافه ظبة
…
وإنمَّا أنكرت أسيافه القرب
ما يدفع الخطب إلَاّ كل مندفع
…
في مدحه الأفصحان: الشِّعر والخطب
ومن إذا ما انتمى في يوم مفتخر
…
أطاعه العاصيان العجم والعرب
وله من قصيدة أولها يمدح بها كمال الدين بن العديم: [من الطويل]
أفي البان إن بان الخليط مخبِّر
…
عسى ما انطوى من عهد لمياء ينشر
عسى حركات في اعتدال سكونها
…
أحاديث يرويها النَّسيم المعطَّر
يودُّ ظلام اللَّيل وهو ممسَّك
…
لذاذتها والصُّبح وهو مزعفر
أحاديث لو أنَّ النُّجوم تمنَّعت
…
بأسرارها لم تدر كيف تسيَّر
يموت بها داء الهوى وهو قاتل
…
ويحيا بها ميت الجوى وهو مقبر
فيا لنسيم صحّتي في اعتلاله
…
وصحوي إذا ما مرَّ بي وهو مسكر
كأنَّ به مشمولة بابلَّية .. صفت وهي من غصن الشَّمائل تعصر
إذا نشأت مالت بكِّفك نشوة .... كما مال مهزوز من البام يمطر
وقال يمدح الوزير /297 أ/ القاضي الأكرم أبا الحسن علي بن يوسف القفطي، ويلتمس منه أن يرتبه في خدمة:[من المنسرح]
يا سيِّدي قد رميت من زمني
…
بحادث ضاق عنه محتملي
وأنت في رتبه إذا نظرت
…
إلىَّ صًار الزَّمان من قلبي
والنَّظم والنَّثر قد أجدتهما
…
فيك فلا تترك الإجادة لي
فداك قوم إذا وقفت بهم
…
رأيتني واقفًا على ظلل
تشغل أموالهم مساعيهم
…
فهم عن المكرمات في شغل
تحمي حماها أعراضهم فإذا
…
ماتت حماها سور من البخل
معاول الذَّم فيه عاملة
…
إعمالهم في مغاير الحيل
نعلك تاج إذا رفعتهم
…
لرأس حاف منهم ومنتعل
فاسمع حديثي فلي مغازلة
…
تبثُّ شكواي موضع الغزل
قد كنت في راحة مكمَّلة
…
أحيي المعال بميِّت الأمل
أرفل في عزَّة القناعة في
…
ذيل على النَّائبات منسدل
فعندما طالت البطالة لي
…
وصار لي حاجة إلى العمل
فقال ناس نبِّه لها عمراً
…
فقلت: حسبي رأي الوزير علي
/297 ب/ قد بتُّ من وعده على ثقة
…
أمنت في حليها من العطل
فالأكرم ابن الكرام لو سبقت
…
وعوده بالشَّباب لم يحل
يفرُّ من وعده المطال كما
…
تفرُّ آراؤه من الزَّلل
أخلاقه حلوة المذاق فلو
…
شبَّهتها ما ارتضيت بالعسل
بمنطق لو سرت فصاحته
…
في اللُّكن لا ستعصمت من الخطل
تمجُّ أقلامه إذا كتبت
…
ماء المنى من أسنًّة الأسل
وإن سطت في ملمّة نسيت
…
صفين منها ووقعة الجمل
تنظم درّاً على الطُّوس كما
…
ينظم درّ الحلي في الحلل
مبيِّن علمه لسائله
…
مسائلاً أشكلت على الأول
لكل علم في بابه علم
…
يهدي إلى قلبه من القبل
أيُّ جمال ما فيه أجمله
…
على وجوه التَّفصيل والجمل
جلَّ الذَّي أظهرت بدائعه
…
منه معاني الرِّجال في رجل
[591]
القاسم بن الحسين بن أحمد /268 أ/ الخوارزميُّ النحويُّ الملقَّب صدر الأفاضل.
كان بارعًا في علم العربية والآداب، مشاراً إليه في معرفة النحو والإعراب، ذا قريحة حاذقة، ونحيزة صادقة. أخذ النحو عن أبي الفتح ناصر بن عبد السيد المطرزيّ، وعليه يعتمد في علمه.
وكان مشغوفًا بكتب الإمام أبي القاسم الزمخشري، كثير الميل إليها، والتحفظ منها. وله تصانيف كثيرة منها "التجميز في شرح المفصل" في نحو ثلاثة أجلاد، وكتاب "السبيكة" في شرحه أيضًا وسط، وشرحه أيضًا شرحًا صغيراً، وكتاب "شرح سقط الزند"، وكتاب "شرح الأنموذج" لأبي القاسم الزمخشري، وكتاب "التوضيح في شرح المقامات" وكتاب "بهجة الشرع في شرح ألفاظ الفقه" وكتاب "شرح المفرد والمؤلّف"، وكتاب "حلوة الرياحين في المحاضرات"، وكتاب "عجائب النحو"، وكتاب "السّر والإعراب" /298 ب/ وكتاب "شرح الأنبية"، وكتاب "الزوايا والخبايا في النحو"، وكتاب "بدائع الملح"، وكتاب "شرح اليمين" للعقبي. وإلى غير ذلك من المصنفات، وشعر كثير ليس بالرائق المستحين، يظهر فيه التعجرف والركالة.
وكانت ولادته في الليلة التاسعة من شعبان سنة خمسين وخمسمائة، وقتل ثاني عشر ربيع الأول سنه سبع عشرة وستمائة. قلته التتر بخوارزم –رحمه الله تعالى-.
أنشدني المؤيد بن محمد .... الخوارزميُّ، قال: أنشدنا أبو محمد لنفسه في
الشيخ فخر الدين أبي الفضل الرازي –رحمه الله: [من مجزوء الرمل]
قد نسنا قد نسينا
…
حكمة الشَّيخ ابن سينا
بإمام الرَّي صرنا
…
مذ زمان مؤيسينا
إنَّنا بعنا حصاةً
…
واشترنياً طور سينا
وقال أيضاً: [من الكامل]
يا زمرة الشُّعراء دعوة ناصح
…
لا تأملوا عند الكرام سماحا
إنَّ الكرام بأسرهم قد أغلقواً
…
باب السَّماح وضيَّعوا المفتاحا
/299 أ/ وله قد سأله قاضي القضاة بخوارزم، أن ينظم له أبياتًا يكتبها على جدران دار له بناها:[من البسيط]
من كان يفخر بالبنيان والشُّرف
…
فليس فخر بغير المجد والشَّرف
ما قيمة الدَّار لولا فضل ساكنها
…
وأيُّ وزن بدون الدُّر للصدف
إن كان يعجبني خشب مسنَّدة
…
فلست أكرم نجل من بني خلف
قد صح لي باتِّفاق النَّاس كلِّهم
…
رواية العدل والإنصاف عن سلفي
إنِّي لمن معشر كانت معايشهم
…
بالقصد أمَّا عطاياهم فبالسَّرف
قوم متى طلعت ليلاً مآثرهم
…
رأيت بدر الدُّجى في زيِّ منخسف
بدولة الملك الميمون طائره
…
أنَّى توجَّهت فالإقبال مكتنفي
وقال أيضًا: [من الطويل]
أيا سائلي عن كنه علياه إنَّه
…
لأعطي ما لم يعطه الثَّقلان
فمن يره في منزل فكأنَّما
…
رأى كلَّ إنسان وكلّ مكان
وله في شيخ الإسلام الرشتاني، ورشتان من قرى مرغينان:[من الطويل]
/299 ب/ فديت إمامًا صيغ من عزَّة النَّفس
…
أنامله والسُّحب نوعان من جنس
أشدُّ ارتياحًا نحو طلعة معتف
…
من المفلس الحاوي المدين إلى الفلس
وأفقه في تدريسه من محمَّد
…
وأجود من كعب وأخطب من قسَّ
مناقب لو أنَّ الحرابىَّ مرة
…
بصرن بها استنكفنً عن خدمة الشَّمس
ويغدو على طرف من الشقر كلَّما
…
رأته إماء الحيِّ وافته للقبس
على سابح من خلفه الوهم طالع
…
وأهون شيء عنده درك الأمس
فتًى سار منه خلفه وهو فاغم
…
ولا فغمة المسك الخرائد للعرس
له الصَّفو من ودِّي وإخوته الألى
…
غدوا من سهام الرِّبع للدين حكالتُّرس
لفتيان صدق ما اقتنوا طول عمرهم
…
سوى البحث والإفتاء والوعظ والدَّرس
لأربعة شادوا العلا بعد شيخهم
…
فقد بني الإسلام منهم على خمس
بنور إلهيٍّ عليهم وزهدهم
…
وعلمهم أضحوا ملائكة الإنس
فعاشوا لترشيح الهدى ويراعهم
…
بصائبة الأحكام يقطر في الطِّرس
قال أيضًا: [من الطويل]
أيجمل منِّي نحو ذيَّالك الرَّشا
…
سلامًا لصدغيه وحالي مشوَّشا
وإنِّ لوجدي أستضيء لدى الحمى
…
بشعلة أنفاسي إذا اللَّيل أغطشا
/300 أ/ ويرحمني العذَّال حتَّى يقول لي
…
أموقد ناربين جنبيك أم حشا
وهل يرد الجرعاء منِّي تحيَّة
…
على طرفيهاً رونق العهد قد مشى
وإنِّي قد كتَّمت سرِّي وإنَّما
…
برغمي صوب المدمعين به فشا
كما أنَّ صدر الشَّرق أخفى سخاءه
…
ولكنَّه بشر الجبين به وشى
متى جحدت نعماه أنهض جوده
…
شهوداً من الإحسان لا تقبل الرِّشا
وإن هزَّة الإطراء ثم تبجسَّت
…
أياديه لم تشكر له فقد انتشا
أيلحقه الوهم القطوف إذا سعى
…
لإدراك غايات العلا متكمِّشا
لك المنهل المكسيُّ مازال نقعه
…
يعلَّل صلَاّ في يمينك أرقشا
فيلفظ في منسابه ولعابه
…
حتوفًا وأرزاقًا على حسب ما تشا
وقال أيضًا: [من الطويل]
سرى ناشداً أنسي قضيبًا من الآس
…
فناولني الصَّهباء والشَّهد في كاس
وأرشدني وهنًا لتقبيل خاله
…
وميض ثناياه وشعلة أنفاسي
ولو لم يكن يلقى على حرِّ خدِّه
…
من الطُّرَّة السَّوداء ظلمة أنفاسي
إذاً لأضاء اللَّيل حتَّى انجلت لنا
…
هواجس تخفيهنَّ أفئدة النَّاس
وقال أيضًا: [من البسيط]
/300 ب/ سناجبينك مهما لاح في الظُّلم
…
بتنا نطالع منه فسحة الكرم
إن يزرع النَّاس في أخلاقهم كرمًا
…
فالبدر من جودك الطنان بالدِّيم
تبدو على أشقر خضر حوافره
…
بحراً تلاطم أمواجًا على ضرم
تشمُّ عندك صيد العجم لخلخةً
…
من الرُّغا بآناف من القمم
كادت لحبِّك تأتي وهي ساعية
…
على الرُّؤوس بدون الرَّأس والقدم
من ظنَّ غير نظام الملك ذا كرم
…
نادى به لؤمة "استسمنت ذا ورم"
أفديك ذا منظر بالبشر ملتحف
…
عن صبحي اليمن والإقبال مبتسم
يد الجلال وشت في لوح بهجته
…
"النَّاس من خولي والدَّهر من خدمي"
فلو أناف على هام السُّها وطني
…
لما لوت نحوه أجيادها هممي
على النِّداء وقفت أيَّامه وعلى
…
نشر المحامد منه السن الأمم
ما جئت أخدمه إلَاّ وقد سحقت
…
يدا تلطُّفه عطراً من الشِّيم
رفَّ النِّدا نحوه عطراً مخدَّرة
…
لولاه زفَّت إلى كفء من العدم
يريه شعري نجوم اللَّيل طالعة
…
والنَّيرين معًا في مشرق الحلم
لا زال مثل هلال العيد حضرته
…
في الحسن واليمن والإقبال والنِّعم
وعاش للملك يحميه وينصره
…
فالملك من دونه لحم على وضم
/301 أ/ ودام كاليم للعافين ملتطمًا
…
بنانه وهو مرشوف بكلِّ فم
[592]
القاسم بن هبة الله بن محمد بن الحسين بن أبي الحديد، أبو المعالي بن أبي الحسين المدائنيُّ، القاضي الكاتب.
درس فقه الإمام الشافعي –رضي الله عنه ببغداد والموصل، نظر في علوم الحكمة، وأتقن منها طرفًا جيداً، ولقي المشايخ واجتهد في طلب العلم، وتميّز وناظر حتى فاق أبناء زمانه، وقرأ الأصول وتكلم في المسائل الخلافية. وله شعر حسن.
وتقلّد القضاء بالمدائن في أيام أمير المؤمنين الظاهر بأمر الله أبي نصر محمد- رضي الله عنه ثم قدم بغداد من المدائن، فولَاّه الإمام المستنصر بالله –رحمه الله كتابة الإنشاء بالديوان العزيز –مجدّه الله تعالى.
وكنت أتمنى لقياه إلى أن وردت مدينة السلام في سنة تسع وثلاثين وستمائة، فلقيته بها بجامع القصر الشريف سلخ جمادى الأولى يوم الجمعة في العام المذكور، فوجدته من أطيب الناس مفاكهة، وأحسنهم محاضرة، وأكثرهم /301 ب/ بشراً، وأجملهم خطابًا؛ يجمع أدبًا ولطفًا ونبلا وفضلاً وكيسًا. وذكر أنَّه ولد في جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة؛ وصنّف كتابًا سمّاه "الحاكم في اصطلاح العراقيين
والخراسانيين في معرفة الجدل والمناظرة".
أنشدني أبو المعالي من شعره، ونقلته من خط يده:[من البسيط]
اسعد بدير سعيد أيُّها السَّاقي
…
وامزج وخذ وأعطني من غير اشفاق
من خندريس كأنِّي حين أشربها
…
ملسوع همٍّ تحسَّى كأس درياق
نار ولكنَّها للماء عاشقة
…
تزداد من وصله ضوءاً بإشراق
شجَّت فألبست السَّاقي بصبغتها
…
ثوبًا وألبسنيه ذلك السَّاقي
تجري الكؤوس ولا تجري محاثة
…
مع الَّذي زاد في همِّي وأشواقي
لم أقض في عمري الماضي هوى حلب
…
يا ليت شعري فهل أقضيه في الباقي
وذي قوام تثنَّى في غلائله
…
مثل القضيب تثنَّى بين أوراق
نظمت من غزلي في حسن صورته
…
عقداً تقوم به الدُّنيا على ساق
يا عقرب الصُّدغ في الخدِّ الأسيل أما
…
لمن لسبت شفاء منك أوراقي
ونقلت من خطّه قوله: : 302 أ/ يمدح تاج الدين محمد بن الحسين الأرموي بحلب وأنشدنيه: [من الكامل]
لو كان ينفع عاشقًا تذكاره
…
لخبت من القلب المعنَّى ناره
زمن الحمى لا جاد غير حماك لي
…
دمع ولا بلَّ الثَّرى مدراره
أين الشُّموس المشرقات لدى الضُّحى
…
حسنًا وهن من الدُّجى أقماره
النَّاسيات نفوسهنَّ وإنَّما
…
أودى بهنَّ من الشَّباب خماره
لا غرو أن حنَّ الغريب صبابة
…
وتزايدت لفراقه أوطاره
متقسَّم الأحشاء لا أوطانه
…
هذي البلاد ولا الدِّيار دياره
ومهفهف كالغصن تعطفه الصَّبا
…
وسنان أسكر طرفه خمَّاره
يا مسعدي علامة في حبِّه
…
جهلاً وفي إسعاده إقصاره
لو لم أجد عذراً صحيحًا في الهوى
…
لو في بعذري في هواه عذاره
وجه لو احظنا مجوس زمانه
…
سجدت له لمَّا أضاءت ناره
وقوام غصن ما تعرَّض عاشق
…
إلَاّ رأى أنَّ الصُّدود شعاره
عرفت لواحظك المريضة مقتلي
…
وقتيل لحظك ليس يطلب ثاره
فكأنَّ تاج الدِّين أودع عندها
…
حمل الغيوب فإنَّها أسراره
/302 ب/ يا ابن الحسين لقد بنيت لفارس
…
مجداً ينيف على النُّجوم نجاره
ونقلت من خطه أيضًا، وهو ما قاله بالموصل بدير ميخائيل، وأنشدنيه في التاريخ المذكور:[من البسيط]
كلُّ الورى فيك حسَّادي وعذَّالي
…
يا فاقد المثل ما العشَّاق أمثالي
بكاي وقف عليكم بعد فرقتكم
…
لا للوقوف على ربع وأطلال
رضا العواذل سخطي في هواك وفي
…
وفاقهم خلف أغراضي وآمالي
يا ساكني دير ميخائيل لي قمر
…
لكنَّه بشر في شكل تمثال
قريب دار بعيد في مطالبه
…
غريب حسن وألحان وأقوال
سكرت من صوته لمَّا أشار به
…
ما لست أسكر من صهباء جريال
ما رمت إمساك نفسي عند رؤيته
…
إلَاّ تغيرت من حال إلى حال
يا ليلتي بفناء الدَّير لست كم
…
يقول: يا ليلتي بالشِّيخ والضَّال
قد صرت أنشد بيتًا صار لي مثلاً
…
لولا وصالك لم يخطر على بالي:
(لو اشتريت بعمري ساعة سلفت
…
من عيشتي معكم ما كان بالغالي)
وقال أيضًا وأنشدنيه: [من البسيط]
/303 أ/ أردد لثامك حتَّى يستر اللَّعس
…
وقف ليبعد عن أعطافك الميس
إنِّي أغار على حسن حبيت به
…
إصابة العين إنَّ العين تختلس
يا غاضب الخشف أوصافًا مكملةً
…
لم يبق للخشف إلَاّ السُّوق والخنس
وفاضح البدر إنَّ البدر مقتبس
…
من الَّتي هي من خدَّيك تقتبس
معدَّل الخلق لا طول ولا قصر
…
مكمَّل الخلق لا هين ولا شرس
يصحُّني حبُّه طوراً ويمرضني
…
فكم أبل من البلوى وأنتكس
حموه عن كلِّ ما يشفى الغليل به
…
حتَّى على طيفه من شكله حرس
قد كنت أبصر صبحًا في محبَّته
…
فعاد وهو بعيني كلُّه غلس
مالي وللحب يلهي القلب عن مدح
…
أوصافها فصح أضدادها خرس
كيف الذُّهول وتاج الدِّين هير فتى
…
خير المديح لخير النَّاس يلتمس
حبر تفيض له نفس بهمَّتها
…
لم يبق للشُّر لا روح ولا نفس
نور تلقَّته نفس منك طاهرة
…
لولاه لم يبد فينا ذلك القبس
شاركت في الرُّوح عيسى ما استبَّد بها
…
كلاكما في البرايا روحه قدس
حكمت في العالم العلويِّ عن نظر
…
صاف من الشَّك ما في فكره دنس
فلو رأى منك جالينوس معجزةً
…
ما قال في الكلِّ إنَّ الأمر ملتبس
/303 ب/ وكاد يؤمن من بقراط الحكيم بما
…
يلقى إليه ولا يرتاب برقلس
وحومة مزجت شكًّا جوانبها
…
فما درى الحبر فيها كيف ينغمس
أعيى الخواطر فيها حادث جلل
…
واستعبد النُّطق في أرجائها الخرس
حتَّى إذا جاء تاج الدِّين فرَّجها
…
تغضي البيادق مهما عدًّت الفرس
وقال أيضًا وأنشدنيه: [من الخفيف]
مرحبًا بالخيال إذا زار وهنا
…
وشفى لوعة المحبِّ المعنَّى
وقضى حاجةً فسرَّ وسرَّى
…
همم القلب عن لبانات لبنى
كلَّما قلت: قد تسلَّيت عنه
…
عادني طيفه وعنَّ فعنَّى
شادن لو بدا يفاخر بدراً
…
أخجل البدر بالملاحة حسنا
وإذا ما انثنى رأيت كثيبًا
…
تحت بند القبا يحمل غصنا
ترك الرُّمح والحسام وأبدى
…
سيف لحظ وهزَّ بالقدِّ لدنا
ليلة الدَّير حيث تسمع لحنًا
…
حسن النَّظم ما يقارب لحنا
سعدت ليلة رأيت بها الشَّمـ
…
ـس وجنح الظَّلام ينجاب عنَّا
بين صرعسى محاجر وعيون
…
بات يحييهم إذا ما تغنَّى
أيَّها الشَّمس من يقل فيك معنّى
…
لم يصب فيك أنت كلُّك معنى
/304 أ/ قد تمنَّت جوارح النَّاس طرّاً
…
أنَّها صيِّرت لأجلك أذنا
وقال أيضًا وأنشدنيه: [من الكامل]
لحظات طرفك أم شفار مهنَّد
…
هزمت جيوش تصبُّري وتجلُّدي
ما رنَّقت عيناك من سنة الكرى
…
إلَاّ لشقوى عاشق لم يرقد
عجبًا لطرفي لا يزال يعوم في
…
ماء الملاحة وهو كالعطش الصَّدي
ولنور وجهك وهو قد هتك الدُّجى
…
بضيائه إذ ضلَّ فيه المهتدي
يا قاسم العشَّاق من متقلقل
…
سكن الفناء وساكن مستسعد
ته كيف شئت فحسن وجهك قد غدا
…
متودِّداً فينا بغير تودُّد
أهوى النَّحافة والشُّحوب لأنَّني
…
أجد النَّحافة من صفات محمَّد
كالغصن في حقف إذا جرت الصَّبا ............. تأطُّر وتأوُّد
وكأنَّ خطَّ عذاره في خدهِّ
…
سبج أذيب على صفيحةً عسجد
وقال أيضًا وأنشدنيه: [من الكامل]
اللَّوم فيك لجاجه من عاشق
…
وافى يخادعني بلفظ العاذل
ما كنت مجهولاً لديه فلم أقل:
…
أمط اللِّثام عن العذار السَّائل
وقال، وأنشدنيه:[من البسيط]
/304 ب/ بيت من الشِّعر في تشبيه وجنته
…
لمَّا أحاط بها سطر من الشَّعر
كالظِّل في النُّور أو كالشَّمس عارضها .... خطٌّ من الغيم أو كالمحو في القمر
وقال أيضًا وأنشدنيه: [من البشيط]
قالوا: على خدَّه خال، فقلت لهم:
…
تخفى الحقائق في عقل المجانين
تكوين مقلته صاد وحاجبه
…
نون المنال وهذا نقطة النُّون
وقال أيضًا وأنشدنيه: [من الكامل]
يا هجري لمَّا رأى شغفي به
…
ما كان حقُّ متيّّم أن يهجرا
إنَّ الَّذي خلق الغرام هو الَّذي
…
خلق السُّلو فلا يغرُّك ما ترى
وقال أيضًا وأنشدنيه: [من الكامل]
لو يعلمون كما علمت لما لحوا .... في حبِّه ولأقصروا إقصارا
هلَاّ أحدِّثكم بسرّ لطيفة
…
دقَّت إلى أن فاتت الأبصارا
حادت صقال خدوده أصداغه
…
فتمثَّلت للنَّاظرن عذارا
[593]
القاسم بن محمد بن سعيد بن النداء، أبو محمد الجزريُّ
من بيت كبير بالجزيرة/ 305 أ/ العمرّية.
قلَّدة الأمير معز الدين محمود بن سنجر شاه بن غازي بن مودود بن زنكي بن آقسنقر –صابحها- وزارته، ففارقه وقصد حضرة الملك الأشرف شاه أرمن مظفر الدين موسى بن أبي بكر، وانضمّ إليه، وحظي عنده.
وكان قد قرأ فقها وأدبًا، وحفظ شيئًا من الأشعار وله يد في الكتابة والإنشاء وعمل الشعر.
أنشدني أبو الفضائل جعفر بن محمد بن أحمد الخسرسابوري، قال: أنشدني القاسم بن محمد لنفسه: [من الكامل]
إقدح زناد اللَّهو بالقدَّاح
…
وأضف إليه لطائف الأرواح
هذا الرَّبيع ووجه من أحببته
…
فاشرب على الرَّيحان صفو الرَّاح
[594]
القاسم بن أحمد بن زيد بن محمّد بن محمّد زيد بن أحمد بن محمّد بن محمد بن عبد الله بن عليِّ بن عبد الله بن عليِّ بن الحسن بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب، أبو الحسين بن أبي جعفر العلويُّ الحسينيُّ الموصليُّ.
أخبرني أنّه ولد في صفر سنة تسعين وخمسمائة بالموصل.
وهو من أبناء النقباء /305 ب/ الأشراف، حفظ القرآن المجيد، وقال شعراً صالحًا أنشدني لنفسه يمدح مولانا وسيدنا الإمام المفترض الطاعة على كافة الأنام خليفة الله في العالمين المستنصر بالله أمير المؤمنين أبا جعفر المنصور- صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين-:[من البسيط]
حطُّوا الرِّجال فهذا منتهى الطَّلب
…
وها هنا معدن التَّمجيد والحسب
أرض غدت كعبة القصَّاد ما قصدت
…
إلَاّ وأعقبت الإفضال عن كثب
سمت بخير إمام ليس لي وزر
…
سواه كلاً ولا في غيره أربي
ومن يكن بإمام العصر معتصمًا
…
لم يخش حادثة الأيَّام والنُّوب
آليت لم تثنني عن قصده
…
ولم أغب برقم المدح في الكتب
ما أمَّه من مخفِّ المال ذو ضرع
…
إلَاّ وأوقر بالإعزاز والنَّشب
ولا هززنا له عزمًا لمعضلة
…
إلَاّ ونفَّس عنَّا أعظم الكرب
ولا رجونا به ما عزَّ مطلبه
…
إلَاّ بلغنا الَّذي نرجو ولم نخب
وإن تغرَّب عن أهل وعن وطن
…
باغي معاليه أمسى غير مغترب
أشهى إليه من الأصوات قاطبة
…
صوت الوفود إذا أمُّوه للطلب
صبٌّ إلى المكرمات الغرِّ وهي له
…
ترب وصبٌّ إلى ترب من العجب
/306 أ/ قرَّت به العين فالدُّنيا به حسنت
…
والدِّين فهو متين الرُّكن والطُّنب
من دوحة المصطفى المختار منبته
…
أكرم بذلك من أصل ومن شعب
لن تُّقبل الصَّلوات الخمس إن عريت
…
من ذكره وهو فيها أوكد السَّبب
فلتشمخ الأرض ولتفخر بأخمصه
…
على السَّماء وما فيها من الشُّهب
وخصَّه الله إجلالاً بمرتبه
…
دانت له عظماء العجم والعرب
فقام فينا بما جاء الرَّسول به
…
كأنَّ عنَّا نبيُّ الله لم يغب
في محكم الذكر قد جاءت مناقبه
…
ما جهد مادحه بالشِّعر الخطب
وإنَّه قد تردَّى كلَّ مكرمة
…
لم يستطعها ذوو الإفضال والأدب
لا عاصم اليوم من بأس الإمام فماً
…
تغني المعاقل واللَاّجي إلى العرب
وهكذا للَّذي يعصي أوامره
…
ما إن يؤول بغير الويل والحرب
فلو أراد النُّجوم الزُّهر أدركها
…
ولم نطق هربًا منه من الرَذهب
ولو رأته ملوك الأرض لاستبقت
…
إلى السُّجود له من شدَّة الرُّعب
يا من علا قدره فوق السِّماك ومن
…
حاز الفخار ويا ابن السَّادة النُّجب
لم أرض غيرك ملاجوّ أؤمله
…
ولم أجد غير ما أوليت أليق لي
رفعت قدري بعطف منك يا أمل الرَّاجي وقد كان قبل اليوم في صبب
/306 ب/ فما ولائي مصروفًا ومنحرفًا
…
إلى سواك ولا قلبي بمنقلب
أما الغنى فهو في دار السَّلام وفي
…
ظلِّ الإمام العظيم الشُّأن ذي الحسب
أصبت في حسن ظنِّي في عواطفه
…
لكنَّني مثله في الخلق لم أصب
يا مفلق البيد بالإدلاج مجتهداً
…
لكي يفوز بغرٍّ غير محتجب
يمِّم أبا جعفر المنصور تلق فتًى
…
ملء الصُّدور كريم الأصل والنَّسب
معظَّمًا منح التَّبجيل والشَّرف الجمُّ النَّبيل وأعطى أرفع الرُّتب
وهو الرَّؤوف يقضي العمرتين تقىً
…
وبين عدل وبرٍّمنه منسكب
المقتني الحمد والموفي بنائله
…
على البحار ومن أربى على السحب
ووسَّع الرِّزق إحسان يكرِّره
…
فالضِّيق عنَّي ناء غير مقترب
أعطى وواصل حتَّى قلَّ ذو أمل
…
وزاد فوق الَّذي في نفس محتسب
من الثنَّاء ومنه نائل علقت
…
يداي منه بحبل غير منقضب
فالشُّكر منِّي لما أولاه من نعم
…
شكر يخلِّد أو يفني يد الحقب
ما جحفل لجب ضاق الفضاء به
…
كثُّ الجوانب في أمن من العطب
يسري فيظفر بالأشياء يقصر عن
…
إدراكها كلُّ ذيّ عزِّ وذي شغب
أغنى بعزمته عن كلِّ ذي شطب
…
ماضي المضارب والخطِّيِّ واليلب
يومًا بأمنع منه للنَّزيل إذا
…
قلَّ المحامي وخاف الذُّل كلُّ أبي
فاسلم لنا في سرور لا يعادله
…
الدَّهر في أيامك القشب
مخولاً مدحً من لم ينو عنك ونى
…
وسوف يحمد ما يلقاه من نصب
وقال أيضًا يمدحه –صلوات الله عليه- حين سلطن المولى الملك الرحيم بدر الدنيا والدين عضد الإسلام والمسلمين، مرزبان العراق شهريار الشام أبا الفضائل المستنصري، غرس أمير المؤمنين –خلد الله دولته-:[من الطويل]
خذوا عن رواة العشق حالي وما ألقى
…
فعندهم علم بمن يدَّعي العشقا
وقصَّا على من همت فيه قضيَّتي
…
عساه يرى عطفًا على دنف ملقى
بعيدة عهد بالرُّقاد جفونه
…
فلو شاء طيفًا ما أطاق لها طبقا
كراحة مولانا الإمام ومن غدت
…
خزَّائنه تتلو تسأله رفقا
هو المرتجى في سورة الدَّهر والَّذي
…
مناقبه المدَّاح علَّمت النُّطقا
وما جهد ما يأتي المجيد بوصفه
…
وقد جاءت الآيات وصفًا له حقَّا
/307 ب/ فلو أنَّه شاء افتخار أبلوغ ما
…
حوى الشُّهب والأفلاك أدركه خرقا
فقل إن تقل ما يستحيل لغيره
…
من المكرمات الغرِّ لن تعدم الصِّدقا
إذا ما احتبى يومًا لكسب محامد
…
كفى النَّاس برّاً طبَّق الغرب والشَّرقا
وإن هو لم يحبس سحائب كفِّه
…
رأيت الورى من فيض أنعمها غرقى
غدا ذخر بدر الدَّين ذي الرُّتبة الَّتي
…
تسنَّم أعلى رتبة أنجما ترقى
فتى جلَّ عن وصف ومدح جميلة
…
وسدَّ على من يرتجى غيره طرقا
نؤلمِّله طوراً لكشف ملمَّة
…
تنوب وطوراً نستدرُّ به الرِّزقا
وإن يك أمضى العزم يوم كريهة
…
رأيت الموالي الصَّيد تنظره زرقا
فترهب في الحرب العوان رعوده
…
إذا هزَّ فجراً أو إذا ركب البرقا
سعيد إذا ما دَّبر الملك رأيه
…
لطيف إذا ساهلته طيِّب الملقى
مليك الورى فافخر بحلَّتك الَّتي
…
بها أنهج الله النَّواحي والأفقا
فإنَّك فتَّ سبقا إلى العلا
…
وأكرم بمن فات الورى للعلا سبقا
فأنت يمين للإمام إذا سطا
…
لك الله من مستنصريٍّ علا الخلقا
فأولادكم ملكًا تأسَّس ركنه
…
وأوضح في ثغر المعادي لكن فتقا
فدم ما حدا حاد إليك وما شدت
…
على فنن قمريَّة ودعت ورقا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
/308 أ/ فقدت عزائي واصطباري لفقده
…
فآهًا لمسلوب العزاء فقيده
فلو أنَّني كنت استطعت فديته
…
بروحي ومالي والورى وجدوده
وقال: [من الوافر]
وذي قلب حديد ليس يقوى
…
على هجرانه القلب الجليد
وقام بكًأسه فظللت ساه
…
ولا أدرى لأنهم ورودي
اللخمر الَّتي في الكأس أو ماً
…
بفيه أو لخمر في الخدود
وله في الشيب: [من المتقارب]
وطارق شيب أتى تالداً
…
فجار على الأسود التَّالد
فنغَّض عيشي تلافيهما
…
إلى أن رثى رحمةً حاسدي
ولمَّا شكوت الَّذي حلًّ بي
…
من الشَّاكيين إلى عائدي
فلام وعنَّفني ثم قال
…
وفي قوله الحقُّ للنَّاقد
أتشكو وأنت الَّذي قد جمعـ ..... ـت ضرائر في منزل واحد
وقال: [من مجزوء الكامل]
لا تعجبنَّ لساقط
…
إن نازل منزلة رفيعة
أعلى الكواكب منزلاً
…
زحل ورتبته وضيعه
/308 ب/ وقال: [من الطويل]
صبرت ومن يرزق حميد اصطباره
…
على حادثات الدَّهر فهو سعيد
تصبَّر فإنَّ الصَّبر يعقب راحة
…
وليس الَّذي ترجوه منه بعيد
وله في الشيب: [من الخفيف]
لم يشب مفرقي لطول زمان العمر لكن لصرف دهر عنيد
شيَّبتي الخظوب فاعجب لأن صار بياضًا إثر الخطوب السُّود
وقوله: [من الطويل]
بكيت .. اببضاضًا رأيته
…
بفودي ومن أهوى سوادا بخدِّه
ومن عجب والدَّهر يبدي عجائبًا
…
من الشَّيء أبكيه وأبكى لضدَّه
وله يصف نهراً: [من الطويل]
ونهر كظهر السَّيف إن ولعت به
…
يد الرِّيح أضحى ذلك العضب مبردا
وإن قابلته الشَّمس عند غروبها .... أرتك لجين الماء ألبس عسجدا
وروض إذا ما صوَّحت زهراته
…
كساها انسكاب المزن وشيًا مجدَّدا
ويودع درُّ الغيث في عنبر الثَّرى
…
فيظهره فصل الرَّبيع زبر جدا
وقوله في العذار: [من الطويل]
/309 أ/ وقبَّلت خداً للحيب مورَّداً
…
بنفسي أفدي منه خدّاً موردّا
فمن حرِّ أنفاسي علا فوق خدِّه
…
دخان فخالوه عذاراً مزرَّدا
وله يمدح الكرم: [من الطويل]
وقى حاتم الطَّائيَّ جود يمينه
…
دخول حجيم كان أوجبها الكفر
فقل للَّذي يلحى على الجود أهله
…
ألم يك في هذا لفاعله عذر
وله فيمن اسمه إبراهيم: [من السريع]
خوفته سكناه قلبي لما .... أودعته من حراف كار
فقال إبراهيم إسمي وهل
…
يحفل إبراهيم بالنَّار
وقوله: [من الخفيف]
قل لمن قد أصاب حبَّة قلبي
…
إذ رماه بسهم لحظ مريض
قد أخذت الفؤاد منِّي صحيحًا
…
ثمَّ صيَّرته كبيت العروض
وقال: [من الخفيف]
عاتبتني على بياض دموعي
…
بعتاب أصمَّ منه سمعي
قلت لا تعتبي فليس سلوّاً
…
ذاك منِّي ولا تغيَّر طبعي
ما تنقَّلت عن هواك ولكن
…
طول عمر البكاء سيَّب دمعي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[من الخفيف]
/309 ب/ [لا] نهي من وقي الما [ل] بالعرض عن الجود والفه غير راضي
واحرس العرض ما استطعت بجود .... إنَّما الجود حارس الأعراض
وله في الخمر: [من الخفيف]
قلت لمَّا بدت كشعلة نار
…
من دنان سود كليل بهيم
خلَّفت في العيون ناراً وفي الأحشاء نوراً فيالها من نعيم
فهي برد على القلوب وفي النَّفس كنار الخليل إبراهيم
وله: [من الرمل]
وبدا ينكر دمعي إذ جرى
…
كسقيط اللُّؤلؤ المهتتن
قلت لا تنكر هذا إنَّه
…
بعض ما أودعنه في أذني
أتمنَّى مذ نأيتم قربكم
…
وتمنِّي قربكم تيَّمني
وله في المقص: [من الوافر]
ومعتنقين من حسد التَّلاقي بيننا كل ما اتَّصلا إليه
ولا يسعين إلَاّ في افتراق
…
وقطع للَّذي قدرا عليه
وله: [من الرمل]
إن يرد كفَّا يباريك بها
…
في النَّدى لم ير كفًا ذا هبة
/310 أ/ وأنشدني لنفسه وزعم أنه صنعها لبديهة، وقد اقترح عليه هذا المعنى:
[من السريع]
وأسمر الحاظه كالسِّهام
…
تصمي فؤاد الحائر المستهام
إذا تبدَّى قال كلُّ الورى
…
سبحان من صوَّر هذا الغلام
يظلم إن قيل سنى وجهه
…
كالصُّبح والطُّرَّة مثل الظَّلام
وإن تثنى غصنه خجل الأغصان حقًّا لين ذاك القوام
منعَّم الرِّدف لقد أردف الجسم سقامًا وفؤادي غرام
وأنشدني لنفسه يمدح مولانا الملك الرحيم بدر الدين عضد الإسلام غرس أمير المؤمنين –أدام الله أيامه-: [من الطويل]
ارفَّق بصبٍّ ما يقُّر عن الهجر
…
أسير هوى ما أن له عنك من صبر
كئيب أصابته الصَّببابة والجوى
…
يقلِّبه فرط الغرام على جمر
يبيت على فرش الضَّنى مذ هجرته
…
ويذري مصون الدَّمع فيك وما يدري
بلوت عظيمات الأمور فلم أجد
…
أمرَّ وأدهى في الفؤاد من الهجر
ثنى الدَّنف المغرى به عن سلوِّه
…
تثنِّيه عن غصن حوى أحسن الزَّهر
/310 ب/ به نرجس غضٌّ وفيه بنفسج
…
وورد جني والأقاحي من الثَّغر
جفا فدموعي ما تفيض كأنَّها
…
مواهب بدر الدِّين ي النًّائل الغمر
هو المرتجى في سورة الدَّهر والَّذي
…
مناقبه جلَّت عن العدِّ والحصر
هو الواهب المطلوب والماجد الَّذي
…
علا قدره فوق السِّماكين والنَّسر
وما هو إلَاّ كالزَّمان تطيعه
…
وتتبعه الأقدار في النَّهي والأمر
هزبر إذا لا قى الكماة لدى الوغى
…
تسلَّت مواضي البيض منه مع السُّمر
إذا ما احتبى في كلِّ ناد لسؤدد
…
فكن موقنًا من فيض كفَّيه باليسر
تجود بما تحوي يداه وإنَّه
…
ليتبعه باللُّطف منه وبالبشر
فلولاه ما قضيَّيت ليلي ساهراً
…
تسامرني الجوزاء للنَّظم والنَّثر
وما الأبحر السَّبع الغزار إذا طمت
…
بأغزر فيضًا من أنامله العشر
وأنشدني لنفسه: [من الوافر]
ألا ليت المعاطف في عواطف
…
وليت قوامه الألفى آلف
ويا ليت الحبيب درى نحولي
…
فيرحم مدنقًا وجداً يحالف
يطيعني الغرام وعنه صبري
…
عصيٌّ لم يزل أبداً يخالف
[595]
القاسم بن محمد بن سراج /311 أ/ بن أبي عبد الله بن سعد بن منصور الحلبيُّ
من إنشاء حلب وأبنائها، وسروات أهلهما وكبرائه قدراً وحزمة وجاهًا ونعمة. وكان في بدء أمره، واقتبال شبابه يعاني التجارة والسفر إلى الديار المصرية، ثم إلى البلاد الرُّومية، ولا يتعدّى في سفره أكثر من ذلك. وكان من مهامه في الأسفار والتنقل قد حصل انموذجًا جيداً من الأدب، وكتب خطًا حسنًا.
ورأى جماعة من الشعراء والفضلاء، واستظهر من أقوالهم وروى عنهم، وخالطهم في تلك المدّة، وإتباع كثيراً من الكتب الأدبيات والشعريات، ولهج بمطالعتها، وشغف بتحصيلها والاقتباس من فوائدها حتى صار على خاطره صدر صالح من بدائع الأشعار، ورائق الملح والحكايات. ونظم الفائق من الشعر وضمنه المعاني النادرة.
ثم ترك السفر له بأخرة حانوتًا في سوق البنّ يتَّجر فيه، وهو على سيرة جميلة في بيعه وشرئاه وأخذه وعطائه مع الناس ذو كلام مقبول، وقول مسموع، واحترام وافر.
وجمعني وإياه مجلس الوزير مؤيد الدين أبي نصر إبراهيم بن يوسف الفقطي بمحروسة حلب عدة مرار، وتأكدَّت /311 ب/ بيننا معرفة وكيدة، فوجدته من أكمل الرجال نباهة قدر، وسعة نفس وصدر، وغزارة مروءة وسماحة بنان. وطيب عشرة، وحسن صحبة. يتعصب لمن يرد عليه تعصبًا زائداً، وينفعه بجاهه وماله، ويجتهد في قضاء حوائجه، ويتوصل إلى أغراضه بكّ طريق.
وهو نعم الرجل عقلاً وسكونا وخيراً وصلاحًا فالله تعالى أن يبلغه أمانيه ويرزقه سعادة الدنيا والآخرة بمحمد وآله أجمعين، أنه جواد كريم.
أخبرني أنه ولد في ذي القعدة سنة تسع وثمانين وخمسمائة، ومما أنشدني
لنفسه، حرس الله اقباله وأدم عزّه وجلاله بمحروسة [حلب] في سنة سبع وثلاثين وستمائة، في غلام اسمه بدران:[من البسيط]
داعي الهوى بالهوى يا صاح ناداني
…
ومطرب الحيِّ بالمحبوب غنَّاني
وساقي الشَّوق عاطاني على ظمأ
…
كأسًا فأسكرني من قبل أسقاني
تبًا له ساقيًا في السُّكر طاوعني
…
بالوصل منه وعند الصَّحو عاطاني
كم شفَّني وشفاني في هواه وكم
…
أماتني حبُّه طوراً وأحياني
ما يعذب القرب إلَاّ بالبعاد ولا
…
يلتذُّ بالوصل إلَاّ بعد هجران
/312 أ/ وربَّ خلو من الخلَاّن قلت له
…
إذ جاء يعذلني جهلاً ويلحاني
في القلب شيطان ذكر لا يفارقني إلاّ بعوذة وصل من سليمان
ليس إبن داود ما أعني به لكم
…
وإنَّما هو سليمان بن زيدان
وأنشدني لنفسه أسعده الله تعالى: [من الطويل]
أيا زائراً يختال من غير ما وعد
…
حبيب كبدر في قضيب من الرَّند
فعانقت من أعطافه خوط بانة .... وقبلت من وجناته يانع الورد
وأنشدت بيتًا قاله متعزِّل
…
وعلمي أن لا عنده منه ما عندي:
"خليليَّ هل أبصر تما وسمعتما
…
بأكرم من مولًى يمشِّي إلى عبد"
وله: [من الوافر]
دليل قام في نحس الوزير
…
حقيقًا إنَّه بعض الحمير
يسوم إلى الخيانة كلَّ عدل
…
عزيز الدِّين من بيت كبير
ويعتقد الأمانة عند لصٍّ
…
وقوَّاد وعشَّار حقيًر
لذلك قيل منجذب إليه
…
حنين الكلب للكلب العقور
[596]
أبو القاسم بن أبي حامد /312 ب/ بن عليٍّ البعقوبيُّ الخريميُّ.
هو من بعقوبا قرية كبيرة بنواحي بغداد على عشرة فراسخ منهما.
ورد بغداد وسكنها إلى أن مات بها سنة إحدى وستمائة. وكان شاعراً، فاضلاً،
حسن الشعر رقيقه، جيّد الألفاظ والمعاني.
أنشدني أبو القاسم بن أبي الفرج بن أبي منصور البعقوبي المغربي، قال: أنشدني أبو القاسم بن أبي حامد الخريمي لنفسه: [من الطويل]
إذا ما خلا طفُّ الجنينة منكم
…
فلا أخضرَّ واديها ولا فاح طيبهما
ولا جادها قطر السمَّاء ولا اكتسى
…
من الورق الصَّافي العميم سكيبهما
ولا حركت ريح الصَّبا شجراتها
…
ولا ناح في أغصانها عندليبها
وكنَّا نراها أطيب الأرض منزلا
…
فبان بعيني مذ نأيتم عيوبها
وصحَّ لنا قول الَّذي قال قبلنا:
…
(هوى كلِّ نفس حيث حلَّ حبيبها)
[597]
أبو القاسم بن محمد بن فتيان الموصليُّ.
كان بعد الستمائة كما أخبرت، يقول في غلام محموم:[من البسيط]
قالوا: به حرُّ حمَّى أعقبت ألمًا
…
فبات منها سليم القلب مكتئبا
/313 أ/ فقلت: نفسي الفدا ممَّا يحاذره
…
لأنَّني كنت فيما ناله سببا
قبَّلت فاه وأنفاسي بها شرر
…
تزداد من زفرات في الحشا لهبا
ثمَّ اعتنقنا فأعداه على عجل
…
حرُّ الجوى من ضلوعي فاشتكى الوصبا
حاشاك يا محرضي ممَّا تحاذره
…
فقم بنا اليوم نقضي في الهوى أربا
[598]
أبو القاسم بن أبي جعفر بن عطية، الوزير الكاتب.
حدثني شيخ الشيوخ بن حمويه، قال: أبو القاسم هذا كان كاتبًا للشيخ أبي محمد عبد الواحد بن عمر. وكان أحد أشياخ الموحدين. وأركان دولتهم.
رأيته بمراكش وهو يتولى أكثر أموره، وإليه الترسل والإنشاء في كتاب رقاعه ودرجه، وولاية نفقات دخله وخرجه، وهو المستولي على أمره والمستودع لسرِّه، وله كتابة حسنة، ورسائل وجيزة وأشعار يسيرة. وكان من ذوي المروءات والهيئات، ومن المسارعين إلى إغاثة الملهوف، وقضاء الحاجات.
وكان والده أبو جعفر وزير آل عبد المؤمن نهض بأعباء الدولة في مباديها، وأحكم قواعدها ومبانيها، وله الكتب البليغة /313 ب/ في الجمع والتأليف والاجتماع للدولة المستقبلية، والإدحاض للدولة الماضية، والمبالغات في الترغيب والترهيب، والاقتدار التام في حسن التدبير وعلى التبعيد والتقريب.
وأما ولده هذا فهو متوسط في فنه موافق طبقة سنه، بيني وبينه بمراكش مجاورة ومزاورة ومحاورة؛ ثم قال: وأنشدني يومًا لنفسه وقد جرت مقارضة في إختيار العزلة والخمول وإيثار الانزواء، فقال:[من المتقارب]
تنازعني النَّفس أعلى الأمور
…
وليس من العجز لا أنشط
ولكن بمقدار قرب المكان
…
يكون سلامة من يسقط
تم الجزء الخامس من قلائد الجمان
والحمد لله أوّلاً وآخراً
ويتلوه في الجزء الذي يليه
ذكر مفاريد الأسماء في حرف القاف
إن شاء الله تعالى