المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر من اسمه الفتح - قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان - جـ ٤

[ابن الشعار]

الفصل: ‌ذكر من اسمه الفتح

/251 ب/

‌ حرف الفاء

‌ذكر من اسمه الفتح

[572]

الفتح بن تميمٍ الهاشميُّ الحمويُّ

أنشدني هذه القصيدة المولى القاضي الصدر السعيد بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد -أيده الله تعالى- عن نظامها الفتح بن تميم الهاشمي الحموي: [من البسيط]

يا ربع أهلك بعد البين ما فعلوا

وأيَّ منزلة بعد الحمى نزلوا

ساروا بقلبي أسيرًا في رحالهم

لمَّا استقلَّت بهنَّ الأينق الذُّل

لا يبعد الله أحبابي الَّذين هم

غيثي الملثُّ وروضي المخصب الخضر

وساحر الطَّرف يقضي العاشقون به

نحبًا ويحيا عليه اللُّوم والعذل

في خلقه ترفٌ في خلقه صلفٌ

في عطفه هيفٌ في ردفه ثقل

إذا بدا ظلت من فرط الغرام جوى

كأنَّني من صدامٍ شاربٌ ثمل

سقى دمشق وأيامًا بها سلفت

إن لم تصبها دموعي مسبلٌ هطل

/252 أ/ حيث الرِّياض بها النُّوَّار مبتسمٌ

والغيث باك بدمع ماله مقل

وللسَّواجع رجيعٌ يهيج جوى

وللجداول في أقطارها جدل

كأنَّ جود بها الدِّين باكرها

حتَّى تروَّض منها السَّهل والجبل

ندبٌ له الجدُّ والمجد الأثيل إذا

تفاخر النَّاس ثمَّ العلم والعمل

مازال يخطب منَّا المدح نائله

حتَّى تنافس فيه المدح والغزل

أعيت على كلِّ مدَّاح فضأئله

من أن يحيط بها التَّفصيل والجمل

بالجدِّ متَّشحٌ والجود منتطقٌ

والفضل متَّرزٌ والعدل مشتمل

تثنى البلاد أهلوها عليه كما

تثنى الرِّياض سقاها العارض الهطل

كم قائل زر فتى الخشَّاب إنَّ له

مواهبًا صحَّ فيها الظَّن والأمل

جودٌ يبخِّل جود املعصرات ندى

يظلُّ متَّصلا والغيث منفصل

ص: 295

وعزمةٌ لا يرى في جدِّها لعبٌ

طول الزَّمان ولا في حدِّها ملل

تريك أراؤه ليل الخطوب ضحى

فما بآرائه زيغٌ ولا ميل

مناقبٌ أضحت الأيَّام مشرقةً

بهنَّ حاليةً أجيادها العطل

أبا محمَّد سدت النَّاس قاطبةً

فضلاً به في البرايا يضرب المثل

أجريت في كل قطر بحر مكرمة

عذبًا تضيق به الأقطار والسُّبل

/252 ب/ أسرعت في صنعك الخيرات مبتدئًا

ومن عوائدك الإسراع والعجل

وقد أقمت صفي الأيَّام فاعتدلت

من بعد ما ظلنَّ قومٌ ليس تعتدل

إيَّاك يعني ابن أوس في مقالته

إذ قال حقًا وبعض القوى منتحل

(يدي لمن شاء رهنٌ لم يذق جرعًا

من راحتيك درى ما الصَّاب والعسل)

أنت المؤمَّل دون النَّاس كلِّهم

على عطاياك بعد الله نتَّكل

[573]

الفتح بن عبد الله بن محمد بن عليٍِّ بن هبة الله بن عبد السلام بن عبد الله بن يحيى، أبو الفرج بن أبي منصورٍ البغداديُّ.

كانت ولادته ببغداد يوم عاشوراء سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. وتوفي بها في المحرّم سنة أربع وعشرين وستمائة، وصلي عليه بجامع القصر، ودفن من الغد في مقابر قريش.

ص: 296

وكان من أبناء المحّدثين الكتاب، وكتب الحديث ورواه هو وأبوه وجّده وأبو جدّه. سمع الحديث على مشايخ بغداد: كأبي عبد الله الطرائفي، وأبي غالب بن الداية، وجدّه أبي الفتح محمد بن /253 أ/ علي بن هبة الله، والقاضي علي بن الحسين الزينبي؛ وهو آخر من حدّث عنه فيها بعلم، وأبي الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموي، وأبي القاسم هبة الله بن الحسين بن علي الحاسب، وأبي الفضل أحمد بن طاهر بن سعيد المديني، وسعيد بن أحمد بن الحسن بن البناء، وأبي الكرم المبارك بن الحسن الشهرزوري وغيرهم.

وكان يتولّى النظر بطريق خراسان في زمن الناصر لدين الله أبي العباس أحمد- رضي الله عنه وكان يرجع إلى فطنة وأدب وسلامة قريحة في قرض الشعر، ويحفظ القرآن، ويحكي الحكايات في مواضعها وعمِّر حتى تفرّد بشيوخ يروي عنهم؛ كتب عنه أبو الحسن محمد بن أحمد القطيعي.

وكان مشتهرًا بالميل إلى التشيّع على مذهب الإمامية، وكفّ بصره في آخر عمره؛ وفي ذلك يقول، وكتبه إلى الإمام الناصر لدين الله –رضي الله عنه:

[من الكامل]

مولاي عبدك قد أضرَّ وقد غدا

في قعر منزله طريحًا كالحجر

لا يستطيع السَّعي فيما فاته

لمصابه بالعين مع وهن الكبر

والعبد عبدك شاكرٌ لمصابه

إذا كان من دون البصيرة بالبصر

فامنن أمير المؤمنين ببرِّه

واجبره يا خير الورى فقد انكسر

/253 ب/ فالنَّاس كلُّهم لبرِّك عيلةٌ

ولمثل هذا اليوم برك يدَّخر

فالموت اهون من تقلُّد منّة

لسوى أياديك الشَّريفة ذي الغرر

لا زال أمرك في البريَّة نافذًا

أبدًا وفي الأرضين ياخير البشر

وقال في عماه أيضًا: [من الطويل]

ص: 297

سئمت حياتي بعد فقدي لناظري

وصرت أرى الأشياء بالَّلمس والسَّمع

أسيرٌ لمن يقتادني غير حاجتي

له الحكم في ضرِّس وإن شاء في نفعي

ولم يبق وهن الشَّيب منِّي بقيّة

لدفع أذى عنِّي إذا مسَّ أو منع

أقوم إذا رمت القيام لحاجتي

على أربع تلوى من الضَّعف كالشَّمع

أقضِّي نهاري والَّليالي ترقُّباً

لداعي الفنا مصغ إلى قوله سمعي

نديمي أحزاني على ما اقترفته

من الذَّنب في جهلي وسرِّي من دمعي

فياربِّ جد لي منك لطفًا برحمةٍ

أفوز بها يا مالك الضُّر والنَّفع

وقال أيضًا: [من المنسرح]

يا من شكاني فلم أنم جزعًا .. ز أدعو له بالشِّفاء مقتبلا

يا ليت ما تشتكيه من ألم

يكون بي أو إليَّ منتقلا

وأنشدني الشريف أبو نصر: /254 أ/ محمد بن أبي طاهر الهاشمي، قال: أنشدني أبو الفرج لنفسه: [من البسيط]

أقول للنَّفس إذا همَّت بمسألة

لغير خالقها في العسر والعد

كفِّي فلو متَّ صبرًا لم أكن سمحًا

بماء وجهي لمخلوق من الأمم

لكنَّني أسأل المعني لهم كرمًا

عنِّي بأن يغنيني عنهم غنى كرم

وقال أيضًا: [من الكامل]

ولقد وددت بأن أراك فأجتلى

أنوار وجهك فهو بدرٌ مشرقٌ

لكن أوقات اللِّقاء غزيزةٌ

الله يحرمها العباد ويرزق

وقال أيضًا: [من البسيط]

مالي رجاءٌ سوى نعماك من أحد

في سائر النَّاس في الدُّنيا ولا أمل

فانعم بتحقيقه نقدًا بلا عدِّة

فالوقت سيف وما في الحالم حتمل

وانهض إلى النذَضر فالأعداء لا سلموا

بصارم الخوف من لقياك قد قتلوا

وقال أيضًا: [من الطويل]

إذا أنا لا أحظى بقرب محمَّد

فموتي عندي والحياة سواء

فتى هو ذخري في الحياة وعندما

أموت فلي آباؤه شفعاء

ص: 298

/254 ب/ قال أبو الحسن القطيعي، أنشدني أبو الفرج الفتح بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد السلام لنفسه، وكتب بها إلى المستضيء بأمر الله. يستقيل من خدمته بالتركات:[من البسيط]

يا ابن الخلائف من آل النَّبي ومن

يفوق علمًا ونسكًا سائر النَّاس

يا مستضيئًا بأمر الله مقتديًا

يا خير مستخلف من آل عبَّاس

يا من إذا رمت أمرًا عزَ مطلبه فاجابه منعمًا من غير إحباس

وإن دجى زمني في مقلتي أملي

سعيت من جوده فيه بمقياس

أشكو إليك معاشي إنه كدرٌ

ما بين ناعٍ وحفَّار لأرماس

مذ صرت فيه جغاني النَّاس كلُّهم

وأنكرتني تصاريفي وأجانسي

إذا مررت بقوم ساءهم نظري

كأنَّني أعورٌ والبوم جلَاّسي

يذمُّني منهم من لم ألمَّ به

يقول بالظَّن: هذا قلبه قاسي

تأتي إليَّ صباحًا كلُّ ناحيةٍ

يضيق من كربها صدري وأنفاسي

فآه من حالتي، ضرٍّ بليت بها

سواد بختي وشيب الشَّعر في راسي

وبحر جودك ينجيني وينقذني

من بحر همٍّ وأفكار ووسواس

/255 أ/ بقيت مالك اهل الأرض قاطبة

تفني الإادي شديد البطش والباس

في دولة وهب الله الخلود لها

كأنَّ أيامها أوقات أعراس

وكتب إليه أيضًا في المعنى: [من الوافر]

إمام العصر يا خير البرايا

تهنَّ بمقدم العام الجديد

تهنَّ به فقد وافى ببشرى

لملكك بالتَّأبد والخلود

وإن كان الهناء به حقيقًا

إذا ماكنت ذا عمر مديد

رماه الحظُّ في التَّركات رغمًا

بلا رزق ولا عيش رغيد

يصبِّح كلَّ يوم بالرَّزايا

ويلعن لعن عادً أو ثمود

بقيت على الإمامة والرَّعايا

بقاء النَّجم في فلك السُّعود

ص: 299

[574]

الفتح بن موسى بن حمّاد بن عليِّ بن إبراهيم بن اسماعيل، أو بنصرٍ الأمويُّ الأندلسيُّ.

من أهل الجزيرة الخضراء أصلاً.

ومولده بقصر كتامة بين فاس وسلا في الثالث عشر من شوال سنة أربع وثمانين وخمسمائة، كذلك أخبرني من لفظه.

فقيه شافعي المذهب، أصولي عالم له معرفة /255 ب/ بالنحو والعروض، ونظر في علم الحكمة والمنطق. قرأ المقدمة الجزولية على مصنفها قراءة إتقان وفهم، ونظم كتاب "المفصل" لأبي القاسم الزمخشري أرجوزة، وعمل كتاب "الإشارات" لأبي علي بن سينا شعراً، ونظم كتابًا في العروض لطيفًا. ورحل إلى مدينة السلام سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وسمع بها الحديث على أبي الفضل الداهري وغيره.

نزل برأس عين، وتولى بها تدريس المدرسة النظامية على الفرق الأربع، ثم فوض إليه امر ديوانها. شاهدته بإربل في شوال سنة خمس وعشرين وستمائة في محبة فلك الدين أبي القاسم عبد الرحمن بن هبة الله بن علي المسيري المصري. وكان حينئذ قد وردها رسولاً.

أنشدني لنفسه يمدح إربل ويصفها: [من الكامل]

يا إربلٌ ما أنت إلَاّ جنَّة

خصَّت بأكرم جيرة وقرار

لو لم تكوني جنَّة الدُّنيا لما .. ز كان الصِّراط إليك بيت النَّار

سلطانها الملك المعظَّم قدره

في قلب كلِّ معظَّم جبَّار

يكفيه عند الله وهي عظيمةٌ

تعظيم مولد أحمد المختار

/256 أ/ فليحمدَّ إذا التَّقى بمحمَّد

آثار ما أولاه من آثار

ص: 300

وهذه الخطبة من إنشائها، وتلاها بالقصيدة الدالية يمدح بها القاضي زين الدين عبد الله بن عبد الرحمن الأسدي الحلبي، قاضي حلب –رحمه الله وذلك حين أنفذ رسولاً إلى الديار المصرية إلى السلطان الملك الكامل –رحمه الله:

"الحمد لله الذي كشفت عن الأمة ظلمه الغمة، وأفاض عليهم ما استفاض من سوابع النعمة وسوائغ النعمة، ومد عليهم من جلال العصمة وكمال النعمة وظلال الرحمة رواقًا فيأهم من أماني ظلاً ظليلاً و {خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً} وقضى لخلقه أجلين؛ اجلاً اختراميًا مسمى عنده، وأجلاً مستفادًا بتقديره مؤجلاً فأمات وأحيا بالأجلين: الإخترامي، والمستفاد دولاً وخولاً {سنة الله الَّتي قد خلت من قبل ولن تجد لسنَّة الله تبديلاً} .

اخترم النفس النفيسة الملكية الملكة العزيزة –قدس الله روحها- /256/ب ونور ضريحهل –لأجلها المحتوم، والحق جزءها الحقيقي، الموجود بالجزء المجازي، لا بل بحر المعدوم. وكأن تصورات المحن، وتصديقات الأحن، تلبس المجهول بالمعلوم وتتخاذل العزائم الإنسانية {وكان الشَّيطان للإنسان خذولاًَ}

فصعدت العزائم الصاحبية القاضوية الدينية الأسدية والأسدِّية عن أنوار الهداية، وسطعت آيات آياتها ببوارق سوابق الحمامة والدعاية، وأشارت العناية الصريحة بما هو اهله من الاختصاص باصطفاء العناية، فبعث رسولاً كريمًأ كفيلاً بسعادته، ان يبلغ ما شاء املاً وسؤلاً. فنهض –أيده الله- بأعباء الرسالة نهوضًا واجبًا، وأثبت أسباب الملك الصلاحي بسبب موانعه عنه فكان بحكمية المتقابلين موجبًا وسالبًا. وأسفر صباح سفارته عن صلاح بشارته/ ونجاح رسالته آيبًا وذاهبًا، فقال:{إنّي عبد الله أتاني الكتاب وجعني نبيًا * وجعلني مباركًا أين ما كنت} وبعثني رسولا.

فامن من سبقت له الحسنى من رأى رايات صدقة الباهرة، وصنفت موارد وسعود

ص: 301

الرعايا بتسخير الله له ملوكًا، قبلت إشارته وامتثلت /257 أ/ أوامره، وأسبغ الله على الكافة بحسن تدبيره، وحسنى تقديره، نعمه الباطنة والظاهرة، وهدى به سواء السبيل {فربُّكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً} فألف الله به الكلمة على أحسن نظام وأثبت أساس، واستقر به أمراء من الرعية، .... عنهم لباس البأس، وتكفل تأييد الملك وتأبيده في خير أمة أخرت للناس، ولسان حال الملوك يقول: وكفى به قائلاً، وبكافله كفيلاً".

وهذه القصيدة: [من البسيط]

ما شئت يا دهر فاصنع غير مقتصد

وعدِّ عن قصد مقصودي ولا تعد

واستجلب العذر عن عذر وفيت به

وخذ أمانك عن خوفٍ يدًا بيد

فقد حللت حمى لو يستجير به

حمى كليب لاضحى في حمى الأسدي

الصَّاحب الصَّدر زين الدِّين من بلغت

به علاً أمدًا أربى على أمد

قاضي القضاة الَّذي أضحت مناقبه

مؤسَّساتٍ من التَّقوى على عمد

يهدي عقول الورى من علم علمٌ

اناف فوق شناخيب النُّهى الجدد

تضيء أنواره من نار فكرته

فتنجلي الحكم القدسيَّة المدد

وتستقلُّ أياديه وإن كثرت

فكم أياد له عند الورى ويد

/257 ب/ صدرٌ أقام قناة الملك عن أودٍ

في صدرها فانثنت عن ذلك الأود

نائي المحلِّ تراه من تواضعه

للخلق في صبب من ذلك الصُّعد

سدَّ الثُّغور وقد سدَّت مسالكها

عن العقول برأي صائب سدد

ومهَّد الملك حتَّى أصبحت حلبٌ

في درِّ ضرع المنى للوقذ في الصَّفد

مضى لمصر فأمضى من عزائمه

بيضًا تقدُّ قلوب الأسد في الزَّرد

بدت لهم معجزاتٌ من مناقبه

فأرسلوه لها في طالع السعد

فقام بالحقِّ لا يلوي مناصحة

فيما تنال به الأخرى على أحد

فآمنت بهداه أمَّةٌ سبقت

لها من الله حسنى الفوز والرَّشد

فاستوسق الملك وانجابت بهمَّته

دجى الخطوب ودام الملك للأبد

ص: 302

وعاش من كان يخشى الموت في حلبٍ

ومات أعداؤه من شدَّة الكمد

وكان أكبر عيد يوم مقدمه

مهنَّأ بالمنى في النَّفس والولد

تباشر النَّاسفي لقياه واحتشدوا

له بأجمل ما يلقى من الحشد

قل للمحدِّث عن أخباره سؤدده

حدِّث حديثًا صحيحًا عالي السَّند

وانثر على صفحات الدذَهر من مدحي

فيه بديع نظام اللؤلؤ البدد

وقابل العالم العوي أجمعه

منه بكلِّي فضل فيه متَّحد

/258 أ/ وعفِّر الوجه في ناديه إنَّ به

مسكيَّ ترب به يشفى من الرَّمد

وراجع الفكر وارجع عن مهابته

حسير طرفك والحظ لحظ متَّئد

تلحظ جلال جناب تقشعرُّ له

جلود كلِّ عظيم الجأش والجلد

وهمَّةً ضاقت الدُّنيا بما رحبت

عن حملها وسطا الصَّمامة الفرد

وقاضيًا أحكمت أحكامه حكمًا

جلَت فحلَّ ت ظلام الظُّلم والفند

مؤيِّدًا حكم دين الله مجتهدًا

فيه بما يرتضيه كلُّ مجتهد

ياذا الَّذي صيغ من طيب ومن زبدٍ

وغيره صيغ من طين ومن زبد

تبارك الله ما اولاك من رجلٍ

بفضل ما حزت من سمتٍ ومن رشد

كم اجتهدنا على عيبٍ نعيذ به

كمال مجدك من عين فلم نجد

لفظ الفضيلة لم توضع حقيقته

إلَاّ عليك فمن ينقله لم يفد

وحلَّة المحد مذ ألبستها يفعاً

ساودت علاك فلم تنقص ولم تزد

أعيذ يا وحد الدُّنيا وصاحبها

فضلاً خصصت به بالواحد الصَّمد

ونلت في قرَّتي عين الفضائل ما

تختار من أملٍ يبقى مدى المدد

ففي الكمال كمالٌ جلَّ مبدعه

وفي البهاء بهاء غير منتقد

فلله حركة أوجبت سكون ما انزعج من الخواطر، وبركة ردت /258 ب/ سحائب الفتن وهي قواطر مواطر، وهمّة أسدية قامت مقام القَّنا والقنابل، والبواتك البواتر حين كادت ترجف الأرض والجبال {وكانت الجبال كثيبًا مهيلاً} فغلب

ص: 303

بحمد الله على ما أراده من إصلاح الدولة الصلاحية. وكان من حزب الله عالبًا، واحكم ما حكم به من مصالح النصائح شاهدًا وغائبًا، وقضى للغائب وعليه كان قضاءً نافذًا واجبًا. والقاضي إذا قضى للغائب وعليه كان قضاؤه جائزًا مقبولاً".

وأنشدني لنفسه مهنيًا الملك الأشرف بفتح دمياط من قصيدة أوِّلها: [من البسيط]

الله أكبر هذي أكبر الرُّتب

شاهت لها أوجه الاوثان والصُّلب

وحصحص الحقُّ وانجابت غياهبه

واجتثَّ دابر أهل الشِّرك والرِّيب

وصدَّقت عزمات السِّيف ما كتبت

أيدي الغيوب من الأنباء في الكتب

كادت تنوب بني الإسلام نائبةٌ

من الفرنج فكادتهم يد النُّوب

من بعد ما شام أهل الشَّام قاطبةً

منهم بمصر بروق الأين والوصب

وغادروا ثغر دمياط وبرزخه

تبكي عليه جفون الدِّين والحسب

/259 أ/ طمَّت عليهم سجالٌ منك زاخرةٌ

فلجَّجت بهم في لجَّة العطب

غضبت لله يا موسى وما علموا

بأن رضوانه في ذلك الغضب

وأجَّجت يدك البضاء بينهم

نارًا فكانوا لها من جملة الحطب

هم الفراش فمهما ألهبت لهبًا

أنوارها سقطوا في ذلك اللَّهب

يا للعجائب! عيسى وهو عندهم

ربٌ دعاهم إلى التَّقوى فلم يجب

ولم يزل وهو روح القدس ينذرهم

آيات موسى وما فيها من العجب

فجاء عيسى رسولاً من محمَّده

إلى أبي الفتح موسى البطش والرَّهب

علمًا بأنَّ اليد البيضاء ما برحت

تبدي لموسى بمصر آية العجب

فجاء موسى لدمياط على قدر

والنَّصر يقدمه في حجفل لجب

وحال ما بين دمياط وبينهم

بكلِّ مرتقب للهول مرتكب

بكل قلبٍ كأنَّ السُّمر أضلعه

لم يهف قلبٌ له يومًا ولم يجب

قجاء فرعون عكَّا خائفًا وجلاً

يبغي إمامًا ينجِّيهم من الرُّعب

مستيقنين بأنَّ الله خاذلهم

وأنَّ مرجعهم للسَّيف والهرب

وأين يهرب من موسى وفي يده الدُّنيا جميعًا وحبل الله في الطَّلب

فسلَّموها وما جادوا بهعا كرما

لكنَّهم فدوا المسلوب بالسَّلب

ص: 304

[575]

/259 ب/ الفتح بن عليّ بن محمّد بن الفتح بن أحمد بن هبة الله بن عليَّ أبو إبراهيم بن أبي الحسن البنداري، الكاتب الاصفهاني المنشيء، نزيل دمشق.

اخبرني أنَّه ولد بأصبهان في منتصف شعبان سنة ستٍّ وثمانين وخمسمائة. من أبناء الرؤساء الأصفهانيين وأشراف أماثلها وأرباب النعم والجلالة.

وأبو ابراهيم هذا صدر نبيل، ذو قدر جليل، من أصحاب الهيئات والمروءات في أموره واعتراف بأقدار الناس مع سكون وعقل، ووفور أدب وفضل، وتواضع مبين، ودين مبين، وصلاح وسداد.

سمع الحديث الكثير في بلده، وقرأ فقهًا وأدبًا، وله اليد الطولي في الكتابة الإنشائية بالفارسية والعربية. فارق وطنه وقدم دمشق في المحرم سنة سبع عشرة وستمائة في أيام الملك المعظم شرف الدين أبي الفتح عيسى بن أبي بكر بن أيوب صاحب دمشق.

وصنّف عدّة تصانيف، واختصر منها كتاب "نجوم الهدى وأعلام التُّقى" في أسماء العلماء الشافعية، مجلد. /260 أ/ وكتاب "سنا البرق" اختصره من كتاب العماد الكاتب المسمى "البرق الشامي"، واختصر كتاب "خريدة القصر" وسمّاه "وشاح الخريدة وطراز الجريدة" واختصر كتاب "نصرة الفترة" سماه "نخبة النصرة" في وزراء الملوك السلجوقية، وكتاب "منتهى الآمال من كتاب الاكمال" لابن ماكولا مختصر منه. وكتاب "التذكرة الأشرفية والصناعة الطبية"، وديونا نظمه ونثره بالفارسية والعربية، وعرّب كتاب "شاه نامه" ونقله إلى العربي وأهداه إلى الملك الأشرف موسى بن أبي بكر بن أيوب –رحمه الله واختصر كتاب "الأنساب لأبي سعد السمعاني، ولقبه

ص: 305

"بكتاب اللباب في الأنساب"، وكتاب نقله في ترجمة أخبار ملوك العجم خمس مجلدات عمله للملط المعظم عيسى بن أبي بكر.

لقيته بدمشق في سنة أربعين وستمائة، فرأيت منه رئيسًا كافيًا، وحبرًا كاملاً –فأكرمني وأفضل عليّ وأحسن إليّ، فبلّغه الله تعالى امنيته، وهو أحد الكتاب المترسلين بدولة الملك الصالح أبي الفداء إسماعيل /260 ب/ بن أبي بكر بن أيوب.

وأنشدني لنفسه في أواخر ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة، وقد نزل تبوك: -[من البسيط]

لمَّا نزلنا تبوك انتابني طربٌ

حتَّى لقد خلت بي مسّاً من اللَّمم

فظلت ألصق خدِّي بالثَّرى كمدًا

وأمتري منشدًا من دمعي السَّجم

لم لا أدوس برأسي ترب منزلة

قد ادسها خير خلق الله بالقدم

يا أرض طيبة لازالت مرفرفة

عليك أجنحة الانواء بالدِّيم

لله تربك أنَّى ضمَّ في جدث

بحر الفضائل والإفضال والكرم

جعلت هالة بدر يستضيء به

أهل البسيطة من عرب ومن عجم

لو استطاعت بلاد الأرض أجمعها

سعين نحوك للإجلال عن أمم

وأنشدني لنفسه، وقد أراد أن يزور النبي –صلى الله عليه وسلم من الشام فلم يقدّ {له ذلك في تلك السنة:

إشتقت طيبة أعوامًا فإذ قربت

منذِي مسالكها أقصاني القدر

وكنت كالحائم الحيران حين دنت

منه موارده اودى به الصَّدر

قد كدت أدرك صفو العيش مغتبطًا

لكن أبى ذاك دهرٌ كلُّه كدر

/261 أ/ وقال فيه –صلى الله عليه وسلم وأنشدنيه: [من الطويل]

نبيَّ الهدى لولا علائق شقوة

علقن بذيلي ما تركت مزاركًا

نعم عفوك الفضفاض ضاف إزاره

فأسبل على التَّقضير مني إزاركا

وأنشدنيه حين تشرف بزيارة إبراهيم الخليل –صلوات الله عليه- سنة سبع عشرة وستمائة: [من الطويل]

أيا رافعًا للحقِّ شمَّ قواعدٍ

بها شاد من أركان بنيانه الدّين

ص: 306

نشرت على الآفاق نورًا من الهدى

وأدم في طيِّ الثَّرى بعد مكنون

وأظهرت للأبصار بدر .... الورى

فلا حمأ فيما تروق ولا طين

نعم طينك النُّور المبين وإنَّه

بماء من الوادي المقدَّس معجون

اتاك خليل الله تذرف عينه

خليلٌ كصادٍ ورده الكاف والنون

تشفَّع إلى الرَّحمان يطلق رحمةً

فها هو في حبس الجرائم مسجون

عليك سلام الله ما ذرَّ شارقٌ

ولاح هلالٌ مثل ما اعوجَّ عرجون

نعم وعلى أولادك الغرِّ بعده

صلاةٌ لها صوت الملائك تأمين

وأنشدني لنفسه في القاضي بهاء الدين أبي المحاسن يوسف بن رافع بن تميم بعد منصرفه من مصر: [من الطويل]

/261 ب/ لقد سرَّ سرُّ الشَّافعيِّ وأشرقت

أسرَّته بشر الوجه ابن رافع

قناواه من دون الصَّفائح معلنًا

نداء وعاه القلب قبل المسامع

لك الخير من ضيف أتاني مسلًَّماً

ومن زائدٍ نائي المنازل شاسع

بعلمك ذكري ف المحافل شائعٌ

لشعيك قد أنشرت بين المجامع

أنرت منار الحقِّ بعدي في الورى

ببرهان فضلٍ ساطعٍ النور صادع

وصيَّرت ما بين المذاهب مذهبي

كشرع رسول الله بين الشَّرائع

فلازلَّت ذا قدر يعزُّ مناله

ولازلت ذا فضل على الخلق واسع

وهذا خطابٌ ذا قدر يعزُّ مناله

ولازلت ذا فضلٍ على الخلق واسع

وهذا خطابٌ عنه أفصح حاله

لكلِّ أخي فهمٍ من الحقِّ سامع

ويكفيك ما بين الأنام دعاؤه

وذلك عند الله أعلى الشَّوافع

وأنشدني لنفسه لمّا نزل السلطان الملك الأشرف بعين الفارسية متوجهًا إلى البلاد الشرقية: [من الوافر]

ولمَّا إن رحلنا من دمشقٍ

وخيَّمنا بعين الفارسيَّه

تقدَّم من مهابتنا سريعًا

إلى أعدائنا ألفا سريَّة

/262 أ/ وأنشدني أيضًا وكتبه إلى الملك: [من الوافر]

أيا ملكًا رحيب الباع سمحًا

حططت ببابه العالي رحالي

ص: 307

لقد قرَّت غداة رأتك عيني

وفازت من لقائك باكتحال

رعاك الله من مدرار فضل

بوصف علاه جيد الفضل حالي

أؤمِّل منك أن تسعى لرزق

على نعماك في الدُّنيا محال

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الطويل]

إذا شئت أن تسمى وتصبح مالكًا

رقاب قلوب الخلق في الأرض قاطبة

فأوسعهم لطفًا وبشرًا ولا تكن

عبوس المحيَّا كالح الوجه قاطبه

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الوافر]

أيا ملكًا ملوك الأرض طرّاً

لهم بنواله في الأرض أسوه

إذا قسننا بحار الأرض كلاًّ

إلى جدواك كانت مثل حسوه

عزمت على الرَّحيل إلى دمشق

وأرجو من نداك الغمر كسوه

وقد هجمت جيوش البرد تترى وغادرت الرِّجال الغلب نسوه

بميمنة وميسرة وقلبٍ

علينا لم يزل يزداد قسوه

وإن لم تكسني شيئًَا فأيقن

بأنِّي لست الحق أرض ....

/262 ب/ وأنشدني أيضًا من شعره: [من الكامل]

لا تحملنَّ أمانةً فلربما

لعبت بحاملها يد الإتلاف

قد أودع الصدف السَّحائب قطرةةً

وبها تشقُّ خواطر الأصداف

وأنشدني أيضًا قوله: [من الوافر]

إذا ما النَّائبات غزتك يومًا

وهمَّت بالحوادث أن تدوسك

فعذ بالله متًّكلاً عليه

ولا تنزع من التَّقوى لبوسك

ولا تقصد من الأمراء إلَاّ

عماد الدِّين داد بن موسك

هو المولى الذي إن ناب خطبٌ

يفرِّج عنك بالإفصال بؤسك

وأنشدني أيضًا من شعره في غرض: [من الكامل]

وحنتني الأيَّام لمّا أثقلت

ظهري على جلدي بفادح همٍّها

فالظهر قوسٌ والصا وترٌ لها

وكلامي المستدُّ ضائب سهمها

وأنشدني لنفسه: [من الطويل]

ص: 308

كريم المحيّا أبلج الوجه ماجدٌ

زكت منه أرضُ في السعادة أعراق

طلاقته تجري سحائب أنعمٍ

بها قسمت بين الخلائق أرزاق

وأنشدني له: [من الكامل]

/263 أ/ ذو الفضل لا يعدوه نقص حظوظه

وأولوا التناقص حظهم متناسق

مثل اليمين تراه عينك عاطلاً

وعلى الشِّمال يرى الطِّراز الرَّائق

وأنشدني لنفسه: [من البسيط]

يا من نأى فدموعي فيه مطلقةٌ

والقلب في أسر أشجانٍ وأشواق

أبقيت منِّي على طول المدى رنقًا

لكن فراقك ما أبقى على الباقي

فالآن لم يبق لي عينٌ ولا أثرٌ

سوى رجاء التَّلاقي من إخفاق

وقال أيضًا: [من الكامل]

تبّاً لدهر ظلمه كظلامه

ما إن يزال يجور في أحكامه

متلوِّنٌ كالغول يلبس دائمًا

فينا لياليه على أيَّامه

يستنزل العصم العواقل مثلما

يستخرج الضَّرغام من آجامه

فيذل هذا لللكلاب نواحًا

ويشكُّ ذاك بنبله وسهامه

بينا العقاب تراه عينك في السَّما

إذ حطَّه بنباله من رامه

وأنشدني لنفسه: [من الطويل]

وأمٍّي لمشتاقٌ إليك وذاكرٌ

مدى الدَّهر عهدًا كان للشَّمل يجمع

تمثِّلك الذكرى لعيني ساهرًا

وطيفك يأتيني إذا العين تهجع

/263 ب/ وأنشدني لنفسه في القوس ملغزًا: [من الوافر]

ألا يا عالمًا لم تلق عينٌ

ولن تلقى مدى الدُّنيا قرينه

حللت المشكلات بنور ذهنٍ

أشغَّته كدنيا مستبينه

فما محنَّية الأضلاع تطوى

جوانحها على حسك الضَّغينه

إذا صحَّفتها فهي اسم جمعٍ

لواحدة بها دعيت مدينة

وأنشدني من قوله: [من الطويل]

ذكرتكم فاهتزَّ عطفي كأنَّما

أديرت بذكراكم عليَّ شمول

ص: 309

وعاود عودي رونقٌ ونضارةٌ

وقد مسَّه بعد الفراق ذبول

فياليت شعري هل أرى لي عودةٌ

إليكم وهل لي بالعقيق نزول

وأنشدني لنفسه من قصيدة أوّلها: [من السريع]

قد زمِّت العيس صابرًا

إنِّي إذاً في حسن عهدي ضنين

هيهات أين الصَّبر من عاشق

ما إن له غير الأسى من قرين

يبيت موقوذ الحشا ساهرًا

بليلة في الطُّول تحكي سنين

يدٌ على القلب وأخرى على

الرَّأس حليفٌ للجوى والحنين

/264 أ/ يذري دموعًا لو جرى فيضها

ظلَّ الورى ما بين ماء وطين

لله بيضاء هضيم الحشا

أصبح قلبي بهواها رهين

ذات نطاق خصرها تحته

يشبه شكّاً قد حواه يقين

تدير عيني رشأ أغيد

يصمي بسهم اللَّحظ أسد العرين

يرقُّ لي صمُّ الصفاً رحمةً

وقلبها ذو قسوةٍ ما يلين

ص: 310