الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه من الصفات، وجعل مدلولها هو التمثيل بالمخلوقات، فيجمع في الله وفي كلام الله بين التعطيل والتمثيل، يكون ملحدًا في أسمائه وآياته.
[توضيح ذلك في صفتي "الاستواء" و"العلو
"]
مثال ذلك أن النصوص كلها دلّت على وصف الإله بالعلو والفوقية على المخلوقات، واستوائه على العرش؛ فأما علوه ومباينته للمخلوقات فيُعلم بالعقل الموافق للسمع، وأما الاستواء على العرش فطريق العلم به هو السمع، وليس في الكتاب والسنة وصف له بأنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا مباينه ولا مداخله.
[صفة "الاستواء
"]
فيظن المتوهم أنه إذا وصف بالاستواء على العرش كان استواؤه كاستواء الإنسان على ظهور الفلك والأنعام، كقوله:{وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ • لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} فيتخيل أنه إذا كان مستويًا على العرش كان محتاجًا إليه كحاجة المستوي على الفلك والأنعام، فلو انخرقت السفينة لسقط المستوي عليها، ولو عثرت الدّابة لخر المستوي عليها. فقياس
هذا أنه لو عدم العرش لسقط الرب تبارك وتعالى، ثم يريد - بزعمه - أن ينفي هذا فيقول: ليس استواؤه بقعود ولا استقرار.
ولا يعلم أن مسمى «القعود» و «الاستقرار» ، يقال فيه ما يقال في مسمى «الاستواء» !، فإن كانت الحاجة داخلة في ذلك فلا فرق بين الاستواء والقعود والاستقرار، وليس هو بهذا المعنى مستويا ولا مستقرا ولا قاعدا، وإن لم يدخل في مسمى ذلك، إلا ما يدخل في مسمى «الاستواء» فإثبات أحدهما ونفي الآخر تحكُّم.
وقد عُلم أن بين مسمى «الاستواء» و «الاستقرار» و «القعود» فروقا معروفة، ولكن المقصود هنا أن يُعلم خطأ من ينفي الشيء مع إثبات نظيره.
وكان هذا الخطأ من خطئه في مفهوم استوائه على العرش، حيث ظن أنه مثل استواء الإنسان على ظهور الأنعام والفلك.
وليس في اللفظ ما يدل على ذلك، لأنه أضاف الاستواء إلى نفسه الكريمة، كما أضاف إليها سائر أفعاله وصفاته، فذكر أنه خلق
ثم استوى، كما ذكر أنه قدر فهدى، وأنه بنى السماء بأيد، وكما ذكر أنه مع موسى وهارون يسمع ويرى، وأمثال ذلك. فلم يذكر استواءً مطلقا يصلح للمخلوق، ولا عاما يتناول المخلوق، كما لم يذكر مثل ذلك في سائر صفاته، وإنما ذكر استواءً أضافه إلى نفسه الكريمة.
فلو قُدِّر - على وجه الفرض الممتنع - أنه هو مثل خلقه - تعالى الله عن ذلك - لكان استواؤه مثل استواء خلقه. أما إذا كان هو ليس مماثلا لخلقه، بل قد عُلم أنه الغني عن الخلق، وأنه الخالق للعرش ولغيره، وأن كل ما سواه مفتقر إليه، وهو الغني عن كل ما سواه، وهو لم يذكر إلا استواءً يخصه، لم يذكر استواءً يتناول غيره ولا يصلح له، كما لم يذكر في علمه وقدرته ورؤيته وسمعه وخلقه إلا ما يختص به - فكيف يجوز أن يُتوهم أنه إذا كان مستويًا على العرش كان محتاجًا إليه، وأنه لو سقط العرش لخرّ من عليه! سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوًا كبيرًا.
هل هذا إلا جهل محض وضلال ممن فهم ذلك، أو توهمه، أو ظنه ظاهر اللفظ ومدلوله، أو جوَّز ذلك على رب العالمين الغني عن
الخلق. بل لو قُدِّر أن جاهلا فهم مثل هذا، أو توهمه لبُيِّن له أن هذا لا يجوز، وأنه لم يدل اللفظ عليه أصلا، كما لم يدل على نظائره في سائر ما وصف به الرب نفسه.
فلما قال سبحانه وتعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} فهل يتوهم متوهم أن بناءه مثل بناء الآدمي المحتاج، الذي يحتاج إلى زُبُل ومجارف وأعوان وضرب لبن وجَبْل طين؟
ثم قد عُلم أن الله تعالى خلق العالَم بعضه فوق بعض، ولم