الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاتحته إلى خاتمته أقف عند كل آية وأسأله عن تفسيرها.
[التوفيق بين القولين ببيان معاني لفظ "التأويل
"]
ولا منافاة بين القولين عند التحقيق، فإن لفظ «التأويل» قد صار بتعدد الاصطلاحات مستعملا في ثلاثة معان:
أحدها - وهو اصطلاح كثير من المتأخرين من المتكلمين في الفقه وأصوله - أن التأويل هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن به؛ وهذا هو الذي عناه أكثر من تكلم من المتأخرين في تأويل نصوص الصفات وترك تأويلها، وهل هذا محمود أو مذموم، وحق أو باطل؟
الثاني - أن التأويل بمعنى التفسير، وهذا هو الغالب على اصطلاح مفسري القرآن، كما يقول ابن جرير وأمثاله من المصنِّفين في التفسير:«واختلف علماء التأويل» . ومجاهد إمام المفسرين، قال الثوري: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به. وعلى تفسيره يعتمد الشافعي وأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهم - فإذا ذكر أنه يعلم تأويل المتشابه، فالمراد به معرفة تفسيره.
الثالث - من معاني التأويل - هو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، كما قال تعالى:{هَلْ يَنظُرُونَ إِلَاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} .
فتأويل ما في القرآن من أخبار المعاد هو ما أخبر الله تعالى به فيه، مما يكون من القيامة والحساب والجزاء والجنة والنار ونحو ذلك، كما قال في قصة يوسف لما سجد أبواه وإخوته قال:{وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ} فجعل عين ما وجد في الخارج هو تأويل الرؤيا.
فالتأويل الثاني هو تفسير الكلام، وهو الكلام الذي يُفسَّر به اللفظ حتى يُفهم معناه أو تُعرف علته أو دليله، وهذا التأويل الثالث هو عين ما هو موجود في الخارج، ومنه قول عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي) يتأول
القرآن. تعني قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} . وقول سفيان بن عيينة: السُّنة هي تأويل الأمر والنهي.
فإن نفس الفعل المأمور به هو تأويل الأمر به، ونفس الموجود المخبَر عنه هو تأويل الخبر، والكلام خبر وأمر، ولهذا يقول أبو عبيد وغيره: الفقهاء أعلم بالتأويل من أهل اللغة. كما
ذكروا ذلك في تفسير اشتمال الصَّمَّاء، لأن الفقهاء يعلمون نفس ما أُمر به ونفس ما نُهي عنه، لعلمهم بمقاصد الرسول صلى الله عليه وسلم، كما يعلم أتباع أبقراط وسيبويه ونحوهما من