الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يجعل عاليه مفتقرًا إلى سافله، فالهواء فوق الأرض، وليس مفتقرًا إلى أن تحمله الأرض، والسحاب أيضًا فوق الأرض، وليس مفتقرًا إلى أن تحمله، والسموات فوق الأرض، وليست مفتقرة إلى حمل الأرض لها - فالعلي الأعلى رب كل شيء ومليكه إذا كان فوق جميع خلقه كيف يجب أن يكون محتاجًا إلى خلقه، أو عرشه! أو كيف يستلزم علوه على خلقه هذا الافتقار وهو ليس بمستلزم في المخلوقات! وقد عُلم أن ما ثبت لمخلوق من الغنى عن غيره فالخالق سبحانه أحق به وأَوْلَى.
[صفة "العلو
"]
وكذلك قوله: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} من توهم أن مقتضى هذه الآية أن يكون الله في داخل السموات، فهو جاهل ضال بالاتفاق، وإن كنا إذا قلنا: إن الشمس والقمر في السماء، يقتضي ذلك، فإن حرف «في» متعلق بما قبله وما بعده، فهو بحسب المضاف والمضاف إليه.
ولهذا يُفرَّق بين كون الشيء في المكان، وكون الجسم في الحَيِّز، وكون العَرَض في الجسم، وكون الوجه في المرآة، وكون الكلام في الورق، فإن لكل نوع من هذه الأنواع خاصية يتميز بها عن غيره، وإن كان حرف «في» مستعملا في ذلك كله.
فلو قال قائل: العرش في السماء أم في الأرض؟ لقيل: في السماء. ولو قيل: الجنة في السماء أم في الأرض؟ لقيل: الجنة في السماء. ولا يلزم من ذلك أن يكون العرش داخل السموات، بل ولا الجنة.
فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا سألتم الله الجنة فسلوه الفردوس، فإنها أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وسقفها عرش الرحمن) .
فهذه الجنة، سقفها الذي هو العرش فوق الأفلاك، مع أن الجنة في السماء، والسماء يراد به العلو، سواء كان فوق الأفلاك أو تحتها، قال تعالى:{فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إلى السَّمَاءِ} وقال تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} .
ولما كان قد استقر في نفوس المخاطبين أن الله هو العلي الأعلى، وأنه فوق كل شيء، كان المفهوم من قوله:{مَن فِي السَّمَاءِ} : أنه في السماء، أنه في العلو وأنه فوق كل شيء.
وكذلك الجارية لما قال لها: (أين الله؟) . قالت: في السماء،
إنما أرادت العلو مع عدم تخصيصه بالأجسام المخلوقة وحلوله فيها.
وإذا قيل: «العلو» ، فإنه يتناول ما فوق المخلوقات كلها، فما فوقها كلها هو في السماء، ولا يقتضي هذا أن يكون هناك ظرف وجودي يحيط به، إذ ليس فوق العالم شيء موجود إلا الله، كما لو قيل: إن العرش في السماء، فإنه لا يقتضي أن يكون العرش في شيء آخر موجود مخلوق.
وإذا قُدِّر أن «السماء» المراد بها الأفلاك كان المراد أنه عليها، كما قال:{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} ، وكما قال: