الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[عامة الضلال من جهة التشابه]
وما من شيئين إلا ويجتمعان في شيء، ويفترقان في شيء، فبينهما اشتباه من وجه وافتراق من وجه، ولهذا كان ضلال بني آدم من قبل التشابه - والقياس الفاسد لا ينضبط - كما قال الإمام أحمد رحمه الله: أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس، فالتأويل في الأدلة السمعية، والقياس في الأدلة العقلية، وهو كما قال، والتأويل الخطأ إنما يكون في الألفاظ المتشابهة، والقياس الخطأ إنما يكون في المعاني المتشابهة.
[مذاهب طوائف ضلت من هذه الجهة]
وقد وقع بنو آدم في عامة ما يتناوله هذا الكلام من أنواع الضلالات، حتى آل الأمر بمن يدعي التحقيق والتوحيد والعرفان منهم إلى أن اشتبه عليهم وجود الرب بوجود كل موجود فظنوا أنه هو، فجعلوا وجود المخلوقات عين وجود الخالق، مع أنه لا شيء أبعد عن مماثلة شيء، أو أن يكون إياه، أو متحدًا به، أو حالا فيه من الخالق مع المخلوق.
فمن اشتبه عليهم وجود الخالق بوجود المخلوقات - حتى ظنوا وجودها وجوده - فهم أعظم الناس ضلالا من جهة الاشتباه، وذلك أن الموجودات تشترك في مسمى «الوجود» فرأوا الوجود واحدًا، ولم يفرقوا بين الواحد بالعين والواحد بالنوع.
وآخرون توهموا أنه إذا قيل: الموجودات تشترك في مسمى «الوجود» ، لزم التشبيه والتركيب، فقالوا: لفظ «الوجود» مقول بالاشتراك اللفظي، فخالفوا ما اتفق عليه العقلاء مع اختلاف أصنافهم، من أن الوجود ينقسم إلى قديم ومحدث، ونحو ذلك من أقسام الموجودات.
وطائفة ظنت أنه إذا كانت الموجودات تشترك في مسمى «الوجود» لزم أن يكون في الخارج عن الأذهان موجود مشترك فيه، وزعموا أن في الخارج عن الأذهان كليات مطلقة: مثل وجود مطلق، وحيوان مطلق، وجسم مطلق، ونحو ذلك؛ فخالفوا الحس والعقل والشرع، وجعلوا ما في الأذهان ثابتًا في الأعيان، وهذا كله من أنواع الاشتباه.
ومن هداه الله سبحانه فرّق بين الأمور وإن اشتركت من بعض الوجوه، وعلم ما بينها من الجمع والفرق، والتشابه والاختلاف، وهؤلاء لا يضلون بالمتشابه من الكلام لأنهم يجمعون بينه وبين المحكم - الفارق الذي يبين ما بينهما من الفصل والافتراق.
وهذا كما أن لفظ «إنّا» و «نحن» وغيرهما من صيغ الجمع يتكلم بها الواحد الذي له شركاء في الفعل، ويتكلم بها الواحد العظيم، الذي له صفات تقوم كل صفة مقام واحد، وله أعوان تابعون له، لا شركاء له. فإذا تمسك النصراني بقوله:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} ونحوه على تعدد الآلهة، كان المحكم كقوله:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَاّ إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}