الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقسم الْخَامِس: يكون من غَلَبَة البلغم. كمن يرى أمطاراً، أَو غيوماً، أَو مياهاً، أَو بَيَاضًا، نَحْو ذَلِك. وَلَا يعقل شَيْئا.
[فصل: 3] الْفَصْل الثَّالِث
فِي أَنْوَاع الرُّؤْيَا
[7]
أَنْوَاع الرُّؤْيَا أَرْبَعَة: أَحدهَا: المحدودة ظَاهرا، وَبَاطنا. كَالَّذي يرى أَنه يكلم الْبَارِي عز وجل أَو أحد الْمَلَائِكَة، أَو الْأَنْبِيَاء عليهم السلام فِي صفة حَسَنَة، أَو بِكَلَام طيب. وَكَمن يرى أَنه يجمع جَوَاهِر، أَو مآكل طيبَة. أَو يرى كَأَنَّهُ فِي أَمَاكِن الْعِبَادَة مُطيعًا لرَبه عز وجل. وَنَحْو ذَلِك. قَالَ المُصَنّف: لما أَن كَانَت الرُّؤْيَا لَا يعرف / جيدها من رديها إِلَّا الْخَبِير بِهَذَا الشَّأْن، فبينت للمعلم أَن لَا يلْتَفت على مَا اعتقدته النَّفس خيرا لفرحها بِهِ حِين الرُّؤْيَا. وَلَا أَن ذَلِك ردياً لكَونهَا فزعت مِنْهُ. بل يعْتَمد على الَّذِي يَنْبَغِي فِي أصُول هَذَا الْعلم على مَا بَيناهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
[8]
النَّوْع الثَّانِي: محمودة ظَاهِرَة، مذمومة بَاطِنا. كسماع الملاهي، أَو شم الأزهار. فَإِن ذَلِك هموم وأنكاد. أَو كمن يرى أَنه يتَوَلَّى منصباً عَالِيا - لَا يَلِيق بِهِ - فَهُوَ رَدِيء.
قَالَ المُصَنّف: لما كَانَ سَماع الملاهي غَالِبا لذهاب الهموم - وشم الأزهار فِيهِ إِلَّا أَنه عَقِيبه - كَانَ ذَلِك ردياً. وَأَيْضًا: من كَون ذَلِك يحْتَاج إِلَى نفقات وكلف - وَلَا ثَمَرَة لذَلِك يرجعُونَ إِلَيْهِ فِي مُقَابلَة مَا أَنْفقُوا - كَانَ غَرَامَة بِلَا فَائِدَة؛ فَأعْطى النكد. وَأَيْضًا: فَإِن الأزهار غَالِبا تطلب لأَصْحَاب الْأَمْرَاض؛ فَأعْطى النكد أَيْضا. لِأَن كل مَا هُوَ مرصد لشَيْء، كَانَ إعلاماً بِوُجُود ذَلِك. وَرُبمَا دلوا على الْفرج.
[9]
النَّوْع الثَّالِث: المذمومة ظَاهرا، وَبَاطنا. كمن يرى حَيَّة لدغته، أَو نَارا أحرقته، أَو سيلاً غرقه، أَو تهدمت دَاره، أَو تَكَسَّرَتْ أشجاره. فَإِن ذَلِك ردياً، ظَاهرا وَبَاطنا. لدلالته على الْهم، والنكد. النَّوْع الرَّابِع: المذمومة ظَاهرا، المحمودة بَاطِنا. كمن يرى أَنه ينْكح أمه، أَو يذبح وَلَده: فَإِنَّهُ يدل على الْوَفَاء بِالنذرِ، وَالْحج إِلَى أكبر أَمَاكِن
الْعِبَادَة، وعَلى أَنه ينفع أمه، أَو يُزَوّج وَلَده، وعَلى مُوَاصلَة الْأَهْل والأقارب، وعَلى رد الْأَمَانَات. قَالَ المُصَنّف: لما أَن كَانَ الْوَطْء مُوَاصلَة وَلَذَّة بعد مَوَدَّة ومؤانسة غَالِبا أعْطى مَا ذَكرْنَاهُ من الْإِحْسَان إِلَى من ذكرنَا فِي مَوْضِعه. وَكَونه وَطْء محرما بِكُل وَجه أعْطى - وطأه فِي الْبَلَد الْحَرَام عَلَيْهِ، ومشيه إِلَيْهِ - الْعَزِيز عِنْده كالكعبة عِنْد الْإِسْلَام، والقدس عِنْد الْيَهُود وَالنَّصَارَى، وَبَيت النيرَان عِنْد من يَعْتَقِدهُ، وَنَحْو ذَلِك، فأفهم وَقس عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا دلّ ذبح الْوَلَد على مَا ذَكرْنَاهُ قِيَاسا على قصَّة الْخَلِيل عليه السلام.
صفحة فارغة
[فصل: 4] الْفَصْل الرَّابِع
[10]
الْغَالِب من الرُّؤْيَا المليحة أَن يتَأَخَّر تَفْسِيرهَا. وَذَلِكَ من كرم الله تَعَالَى يبشر بِالْخَيرِ قبل وُقُوعه، لتفرح النَّفس بوصوله. وَرُبمَا يقدم تَفْسِيره لأمر ضَرُورِيّ يحْتَاج إِلَيْهِ الرَّائِي. مِثْلَمَا ذكر
جالينوس فِي كتاب " حِيلَة البروء " أَن إنْسَانا ورم
لِسَانه، حَتَّى مَلأ فَكَّيْهِ، واستفرغ الْأَطِبَّاء مَا فِي قدرتهم من المعالجة؛ فَلم ينفع. فتركوا معالجته. وَسلم الرجل نَفسه للْمَوْت. فَرَأى فِي النّوم شخصا قَالَ لَهُ: تمضمض بعصارة الخس. فَفعل ذَلِك، فبريء. وَالْغَالِب من الرُّؤْيَا الردية: أَن يَرَاهَا قريب وُقُوعهَا، أَو بعد وُقُوعهَا. لن لَا يضيق صَدره قبل ذَلِك. فَإِذا رأى أحد ذَلِك فاسأل؛ هَل جرى لَهُ شَيْء من الشَّرّ مِمَّا دلّ الْمَنَام عَلَيْهِ. فَإِن كَانَ جرى قبله قَلِيلا فَهُوَ تَفْسِيره، وَإِلَّا فَيجْرِي. قَالَ المُصَنّف: إِنَّمَا قدم الله سبحانه وتعالى الْبشَارَة فِي الْمَنَام: ليأمن الْخَائِف، ويرجوا القانط، ويفرح ذُو الْحزن، ويفرج عَن المهموم، وَنَحْو ذَلِك. لِأَن الله تَعَالَى إِذا وعدنا بِخَير كَانَ كَمَا وعد سُبْحَانَهُ لَا يرجع عَمَّا
وهب. وَإِذا تواعد بِالشَّرِّ لَهُ أَن يعْفُو أَو يصفح. يمحوا الله مَا يَشَاء وَيثبت. وَهَذَا هُوَ عين الْكَرم وَالْفضل الَّذِي يَلِيق بجلاله سبحانه وتعالى.
[فصل: 5] الْفَصْل الْخَامِس
[11]
وَرُبمَا كَانَت الرُّؤْيَة مُخْتَصَّة بالرائي وَحده. كمن يرى أَنه طلع إِلَى السَّمَاء وَلم ينزل مِنْهَا، وَكَانَ مَرِيضا: مَاتَ. وَإِن لم يكن مَرِيضا: سَافر. وَإِن كَانَ يصلح للولاية: تولى، أَو دخل دور الأكابر. وَإِن كَانَ من أَرْبَاب التهم: تلصص، أَو تجسس على الْأَخْبَار.
وَرُبمَا كَانَت لَهُ وَلغيره. كمن يرى أَن نَارا أحرقت دَاره، ودور النَّاس: فأمراض، أَو ظلم من املك، أَو موت، أَو عَدو، أَو فتْنَة تعم الْجَمِيع. وَرُبمَا لَا تكون لمن رؤيت لَهُ، لَكِن تكون لغيره من أَوْلَاده، أَو أَبَوَيْهِ، أَو أَقَاربه، أَو معارفه المتعلقين بِهِ. كَرجل رأى أَن أَبَاهُ احْتَرَقَ بالنَّار: فَمَاتَ الرَّائِي، وَاحْتَرَقَ أَبوهُ بِنَار غمه. وكآخر رأى أَن أمه / مَاتَت: فتعطلت معيشته. لِأَنَّهُ أمه كَانَت سَبَب دوَام حَيَاته، كالمعيشة. وكآخر رأى أَن آدم مَاتَ: فَمَاتَ أَبوهُ. الَّذِي كَانَ سَبَب وجوده. وَكَمن رأى أَن بَصَره تلف: فَمَاتَ وَلَده، الَّذِي هُوَ قُرَّة عينه.
[فصل: 6] الْفَصْل السَّادِس
[12]
وَرُبمَا دلّت أَشْيَاء على شَيْء وَاحِد. كَرجل رأى أَن الشَّمْس انكسفت، وَرَأى آخر كَأَن الْبَحْر نشف، وَرَأى آخر الْبَلَد أَو سُورَة؛ أَو مَوضِع عِبَادَته خرب، وَرَأى آخر جبلا عَظِيما تهدم، رُبمَا دلّ الْجَمِيع على: موت كَبِير، كملك، أَو عَالم، أَو مُتَوَلِّي. فَيكون تكْرَار ذَلِك دَلِيلا على موت أَو هَلَاك من ذكرنَا. وَرُبمَا دلّ الشَّيْء الْوَاحِد على أَشْيَاء. فَإِن من أكل من المرضى رمانة: مَاتَ. وَهِي للْملك: بَلَده. وزوجه للأعزب. وَهِي لمن عِنْده حَامِل: ولد. وَهِي للتاجر: عقده مَال. وَهِي للْفَقِير: دِينَار أَو دِرْهَم. وَهِي: مركب؛ لمن تصلح لَهُ المراكب. وتدل على: الدَّابَّة، والمملوك، وعَلى الدّور، لِأَن حَيَاتهَا بَينهُنَّ حَائِل كالبيوت.
صفحة فارغة
قَالَ المُصَنّف رحمه الله: إِذا اشتركت أَشْيَاء فِي وصف وَاحِد؛ وتكررت فِي الْمَنَام؛ الْغَالِب أَن يكون الحكم وَاحِدًا فِي الْأَشْيَاء الردية. فَإِن الشَّمْس، وَالْبَحْر، وَالْخَيْل، وَالنَّار الْعَظِيمَة، وَالْحجر الْكَبِير، وَالْبناء الْمعد لنفع النَّاس، كل مِنْهُم دَال على: الْجَلِيل الْقدر النافع للنَّاس، وَالْحَاكِم عَلَيْهِم. فَإِذا نزل بِمثل أُولَئِكَ آفَة فِي الْمَنَام الْغَالِب أَنه رُبمَا هلك فَرد إِنْسَان كَذَلِك. وَإِن هلك جمَاعَة فخلاف الْعَادة. وَأما إِذا رُؤِيَ فيهم مَا يدل على الصّلاح دلّ على رَاحَة تحصل للْجَمِيع. وَهُوَ الْمُنَاسب لكرم الله تَعَالَى ولطفه بعباده.
[فصل: 7] الْفَصْل السَّابِع
[13]
الْمَنَام الْوَاحِد يخْتَلف باخْتلَاف لغتين. كالسفرجل: عز وجمال وراحة، لمن يعرف بلغَة الْفرس. لِأَنَّهُ بلغتهم: بهي. وَهُوَ للْعَرَب وَلمن يعاشرهم دَال على: السّفر، والجلاء. وَيخْتَلف باخْتلَاف الْأَدْيَان. كمن يرى أَنه يَأْكُل الْميتَة، الْميتَة: مَال حرَام، أَو نكد عِنْد من يعْتَقد تَحْرِيمهَا، وَهِي رزق وَفَائِدَة عِنْد من يعْتَقد حلهَا. وَيخْتَلف باخْتلَاف الزَّمَان. فَإِن الاصطلاء بالنَّار، والتدفي بالشمس، وملبس الشتَاء، وَاسْتِعْمَال المَاء الْحَار، وَنَحْوه لمن مَرضه بالبرودة، أَو فِي الزَّمن الْبَارِد: خير وراحة. وَهُوَ فِي الصَّيف: أمراض، أَو نكد. كَمَا أَن اسْتِعْمَال الرفيع من القماش، أَو المَاء الْبَارِد، وَنَحْوه، فِي الصَّيف: رَاحَة وَفَائِدَة. وَفِي الشتَاء: عَكسه. وَيخْتَلف باخْتلَاف الصَّنَائِع. فَإِن لبس السِّلَاح، أَو الْعدَد، للجندي البطال: خدمَة. وللمقاتل: نصر. وللرجل العابد: بطلَان عبَادَة. ولغيرهم: فتْنَة، وخصومة.
وَيخْتَلف باخْتلَاف الْأَمَاكِن. فَإِن التعري فِي الْحمام، وَفِي الْمَكَان الْمُعْتَاد فِيهِ " جيد. للْعَادَة. وَهُوَ فِي غَيره من مجامع النَّاس: رَدِيء، وشهرة دونه. خُصُوصا إِن كَانَ مَكْشُوف الْعَوْرَة. وَيخْتَلف باخْتلَاف عادات النَّاس. فَإِن حلق اللِّحْيَة، أَو الرَّأْس، عِنْد من يستحسن ذَلِك: خير، وَذَهَاب نكد. كَمَا أَن ذَلِك: نكد، وخسران، عِنْد من يكرههُ. وَيخْتَلف باخْتلَاف المعايش، والأرزاق، فَإِن لبس القماش الْوَسخ، أَو المرقع، أَو الْعَتِيق، للطباخين، والوقادين، وأمثالهم: دَال على إدرار مَعَايشهمْ. لأَنهم لَا يلبسُونَ ذَلِك إِلَّا وَقت مَعَايشهمْ. وَهُوَ رَدِيء فِي حق من سواهُم. كَمَا أَن لبس النَّظِيف: يدل على بطلَان معيشتهم. لكَوْنهم لَا يلبسونه إِلَّا أَوْقَات بطالتهم. وَهُوَ، والرائحة الطّيبَة، لغَيرهم: رفْعَة، وَخير. وَطيب قلب، وثناء جميل، فِي حق من سواهُم. وَيخْتَلف باخْتلَاف الْأَمْرَاض. فَإِن الحلاوات لأرباب الْأَمْرَاض الحارة: طول مرض، ونكد. وَهُوَ: جيد لأَصْحَاب البرودات. كَمَا أَن الحامض، لَهُم: جيد. ونكد لأَصْحَاب البرودات. وَيخْتَلف بِالْمَوْتِ والحياة. فَإِن لبس الْحَرِير، أَو الذَّهَب: مَكْرُوه، لمن لَا يَلِيق بِهِ من الرِّجَال. وَهُوَ على الْمَيِّت: دَلِيل على أَنه فِي حَرِير الْجنَّة. وَيخْتَلف باخْتلَاف الْفُصُول. فَإِن الشَّجَرَة فِي إقبال الزَّمَان: خير، وَفَائِدَة / مقبلة. وَكَذَلِكَ ظلها فِي زمن الْحر. وَيدل على النكد فِي غير
ذَلِك. قَالَ المُصَنّف: الشَّيْء الْوَاحِد اعْتَبرهُ باخْتلَاف حَال رائيه. فَإِن لبس الرفيع فِي الشتَاء، أَو لمريض بالبرودة: نكد. وبالضد من ذَلِك فِي الصَّيف. ولأرباب الْحَرَارَة وللعزب: تَزْوِيج حسن هَين لين. ولأرباب البنايات: أَمَاكِن حَسَنَة، وَيدل على معاشرة من فِيهِ خلق حسن. ولأرباب الْأَسْفَار: طَرِيق سهلة. ولأرباب الْحَوَائِج: تيسير أُمُور. ولأرباب الخراجات، والقروح فِي الْبدن: عَافِيَة. وَنَحْو ذَلِك. وَبِالْعَكْسِ عَكسه. فَعلمنَا بذلك أَنه إِذا أرَاهُ إِنْسَان طرقاً، أَو رَآهُ جمَاعَة مُخْتَلفُونَ الْأَحْوَال، اخْتلف الحكم باخْتلَاف الْحَال كَمَا ذَكرْنَاهُ. وَالله تَعَالَى أعلم. فَافْهَم ذَلِك.
وَإِذا اشتركت أَشْيَاء فِي وصف وَاحِد، وتكررت فِي الْمَنَام؛ الْغَالِب أَن يكون الحكم وَاحِدًا فِي الْأَشْيَاء الردية. وَاعْتبر أَلْفَاظ النَّاس بِالنِّسْبَةِ إِلَى اصْطِلَاح جنس الرَّائِي. كَمَا إِذا دلّ الْبِطِّيخ على النكد من بطاط أَو خائن لاشتقاق ذَلِك. وَهُوَ عِنْد بعض لُغَة الْحجاز دَال على النكد من محبَّة وَعشرَة. لِأَنَّهُ بلغتهم حب حب. وَنَحْو ذَلِك فَافْهَم. وَذَا كَانَ لأحد عَادَة بحلق رَأسه أَو لحيته وَقد طَالَتْ فِي الْيَقَظَة - وَلم يكن حدث نَفسه بِزَوَال ذَلِك - فَهُوَ دَال من الْخَيْر على مَا ذكرنَا. وَلَو كَانَ محلوقاً أَو حدث نَفسه بزواله فَلَا حكم لَهُ. كَمَا أَنَّهَا إِذا كَانَت فِي الْيَقَظَة
محلوقة وَلم يكن أضمر بَقَاء الشّعْر دلّ على الدَّيْن والهموم والأمراض وَالْكَلَام الردي. وَنَحْو ذَلِك وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى. وَحلق اللِّحْيَة أَو الرَّأْس عِنْد من يستحسن ذَلِك: خير وَذَهَاب نكد. كَمَا أَن ذَلِك نكد وخسران عِنْد من يكرههُ. وَهَذَا الحكم أصل كَبِير. وَهُوَ مِمَّا يغْفل عَنهُ أَكثر أَرْبَاب هَذَا الشَّأْن. وَلَا يجوز إهماله أصلا. فَإِن أَكْثَرهم حكم برداة ذَلِك، وَلَيْسَ بِصَحِيح. بل اعْتبر مَا ذَكرْنَاهُ من أَحول أُولَئِكَ كَمَا تقدم. وَلَا تغفل عَنهُ تخطيء. وَالله سبحانه وتعالى أعلم. وَاعْتبر الحلاوات على مَا ذكرنَا. واليابسة للصحيح إِذا جرحت فَاه، أَو كسرت شَيْئا من أَسْنَانه، أَو لوثت شَيْئا من ثِيَابه، أَعْطَتْ الرداة، والنكد فَافْهَم ذَلِك. وَإِنَّمَا كَانَ الحامض ردياً لما ذكرنَا؛ لانقباض البشرية وتغيرها عِنْد أكله، ولنفور النُّفُوس مِنْهُ عِنْد أكله خَالِيا عَن غَيره. لِأَن مُجَرّد الحامض لَا
يُؤْكَل بِلَا وَاسِطَة إِلَّا لضَرُورَة. والحلو بِخِلَافِهِ. فَهُوَ كالمر وَالْملح لَا يُؤْكَل كثيرا إِلَّا لضَرُورَة أَو بِوَاسِطَة. والشجرة فِي إقبال الزَّمَان: خير وَفَائِدَة مقبلة. وإقبال زمَان كل شَجَرَة قرب انْتِفَاع النَّاس بهَا فِيمَا هِيَ مرصدة لَهُ. فَافْهَم جَمِيع مَا يُمكن النَّفْع فِيهَا فَذَلِك إقبال زمانها، حَتَّى أَنَّك تَقول لمن يُرِيد الْحَطب عَن الشَّجَرَة الْيَابِسَة: رَاحَة مقبلة ميسرَة. وَلمن يطْلب وَرقهَا كالتوت وَقت ظُهُور الْوَرق: فَائِدَة مقبلة. وَلمن يطْلب ثَمَرهَا: فَائِدَة وَقت ذَلِك على مَا شرحناه فِي مَوْضِعه.
[فصل: 8] الْفَصْل الثَّامِن
[14]
وَتعْتَبر عادات النَّاس وأديانهم. كمن يرى أَنه يَأْكُل الباقلاء الْأَخْضَر، فَإِنَّهُ عِنْد الصائبة: مَال حرَام، ونكد، لِأَنَّهُ محرم عَلَيْهِم. وَالْمَجُوس يحرمُونَ لُحُوم الْبَقر، وَالْيَهُود يحرمُونَ الْخمر، فَهَذَا وَمَا أشبهه: حرَام عِنْد من يرى ذَلِك، وأرزاق وفوائد عِنْد من يحلهَا. كَمَا أَن الْمَرْأَة إِذا رَأَتْ أَنَّهَا تَزني، وَالنَّاس يبصرونها: فَهِيَ شهرة ردية، ونكد. فَإِن كَانَت بِالْهِنْدِ: دلّ على أَنَّهَا تتقرب، وتشتهر بِعبَادة، وبر، وَيكون لَهَا ثَنَاء مليح، لأَنهم يَتَقَرَّبُون إِلَى الله تعلى بِالزِّنَا. جلّ الله / تَعَالَى عَن ذَلِك. كَمَا أَن الْمَجُوس تعبد النَّار، فَإِذا رأى أحدهم كَأَنَّهُ قد أوقد نَارا، أَو صرف عَنْهَا الْأَذَى، أَو سجد لَهَا: كَانَ ذَلِك عِنْدهم جيدا، وَفَائِدَة، وَعبادَة. وَكَذَلِكَ عباد الشَّمْس إِذا رأوها: فِي صفة حَسَنَة.
وَأما إِن نزلت بأحدهم آفَة: فنقصان يَقع فِي دينهم، وبلادهم. وَكَذَلِكَ كل من يعبد شَيْئا، كَانَ حكمه كَذَلِك، سَوَاء كَانَ فِي السَّمَاء، أَو فِي الأَرْض، أَو تعظمه. فَإِن نزلت بأحدهم نُقْصَان: فَإِنَّهُ يدْخل عَلَيْهِم فِي دينهم، أَو بِلَادهمْ، أَمر ردي. قَالَ المُصَنّف: الباقلاء الْأَخْضَر تحرمه الصائبة لكَون من يعظمونه كَانَ يَقُول: مبدأي من نواره، وقوتي من أخضره، ويابسه مُبَاح لكم. وَجَمِيع أهل الْأَدْيَان كلهم رسموا عادات لتباعهم ضبطاً لَهُم عَن التَّعَدِّي عَن شرعهم، فَصَارَت قَائِمَة مقَام الدّين الْمَشْرُوع عِنْدهم. وَإِنَّمَا ذكر ذَلِك لِئَلَّا يَقُول قَائِل هَذَا لَيْسَ بِمحرم فِي أصل الشَّرْع فَكيف حكمت عَلَيْهِ بِأَنَّهُ حرَام، أَو بِدعَة، أَو أَنه مُخَالف. فَيكون الْجَواب مَا ذَكرْنَاهُ لِئَلَّا يهمل فِي التَّأْوِيل نفع الحكم عِنْدهَا، أَو قَرِيبا مِنْهَا، فَاعْلَم ذَلِك. والهنود اتَّخذت بيُوت البد وَهُوَ من كَانَ لَهُ مَال بنى مَكَانا، وأوقف عَلَيْهِ جواري يمدحونه فِي أَوْقَات مَخْصُوصَة بِمَا كَانَ يفعل. وعبادهم يقصدون هَذِه الْأَمَاكِن ليترحموا على صَاحبه. فَلذَلِك العابد أَن يَزْنِي مَعَ أَي من اخْتَار من تِلْكَ الْجوَار خَاصَّة، يقْصد بذلك إِيصَال الثَّوَاب لتِلْك الْجَارِيَة، فَصَارَ ذل غير منكور عِنْدهم. وَلما أَن عظم عباد الشَّمْس وَالنَّار بِالسُّجُود لَهَا ولسائر الْأَنْوَار إِكْرَاما لخالقها عز وجل إعتقد جهالهم أَنَّهَا آلِهَة، صَار حكمهم حكم الدّين، فَلذَلِك مِمَّا حدث فيهم من خير أَو شَرّ رَجَعَ إِلَى دينهم فاعرف ذَلِك.
[فصل: 9] الفص التَّاسِع
[] وَتعلم أَنه رُبمَا رأى إِنْسَان لنَفسِهِ مَا يدل على الْخَيْر، عَاد حكمه إِلَى أَقَاربه وَأَصْحَابه، المغتمين لغمه، الفرحين لفرحه. وَيكون ذَلِك شرا، ونكداً، فِي حق عدوه. لكَونه يغتم بخيره، ويفرح بنكده. كَمَا أَنه إِذا رأى لنَفسِهِ مَا يدل على النكد، عَاد إِلَى أَقَاربه، وَأَصْحَابه. وَيكون خيرا لعَدوه، وراحة. وَكَذَلِكَ إِذا نزل بعدوه فِي الْمَنَام أَمر ردي، حصل للرائي فَائِدَة، وراحة. كَمَا أَنه إِذا رئي لَهُ مَا يدل على الْخَيْر: حصل للرائي نكد، لكَون الْإِنْسَان يتنكد براحة عدوه. قَالَ المُصَنّف: لما أَن اشْترك الرَّائِي مَعَ ألزامه ومحبيه فِي الْخَيْر وَالشَّر صَارُوا كالشيء الْوَاحِد. كَمَا أَن صديق الْعَدو ومحبه كالعدو. فَإِذا أردْت أَن تعرف أَحْكَام أُولَئِكَ فمثاله أَن يَقُول لم الرَّائِي كَانَ عَليّ ملبوس حسن من حَرِير يَلِيق بِهِ فَتَقول: هُوَ للعزب زوجه، وراحة للْفَقِير، وغنى من جليل الْقدر، وَفَائِدَة من أَصْحَاب وألزام مشتملين عَلَيْك. ثمَّ تَقول: يحصل
لعدوك نكد. فَإِن كَانَ من عمل إقليم مَخْصُوص، تَقول: رجل من ذَلِك الإقليم، أَو من تَاجر يَجِيء من ذَلِك الْمَكَان، أَو من أجل تِجَارَة. وَإِن جعلت ذَلِك امْرَأَة فَتَقول: نكد من امْرَأَة، أَو من معارفك، أَو من غلمانك، أَو من جليل الْقدر، وَنَحْو ذَلِك؛ لكَونه يتألم إِذا رأى عَلَيْك مَا يحسدك عَلَيْهِ. أَو تَقول: يحصل لمعارفه كَذَلِك. فَإِن قيل: فَأَي شَيْء فِيهِ من العلائم. فَإِن قَالَ: كَانَ طوق الفرجية فِيهِ عيب. فَقل: فِي وَجهه، أَو رَأسه عَلامَة. وَكَذَلِكَ إِن قَالَ فِي الْكمّ: تكون الْعَلامَة فِي يَده. وَفِي الصَّدْر: تكون فِي فَوَائده. وَمن وَرَائه: يكون كلَاما فِي عرضه، أَو عَيْبا فِي ظَهره. وَبِالْعَكْسِ من ذَلِك لَو كَانَ الْعَدو فِي صفة لَا تهون على الرَّائِي حصل لَهُ من النكد على مَا ذَكرْنَاهُ، كَمَا لَو كَانَ فِي صفة ردية، فاحكم كَمَا ذَكرْنَاهُ. وَهَذَا فصل مليح جدا فاعمل على مَا شرحت لَك فَهُوَ من غَرِيب التَّفْسِير لم أسبق إِلَيْهِ وَلَا شَرحه أحد كَذَلِك غَيْرِي من فضل الله تعلى وَكَرمه /.
صفحة فارغة
[فصل: 10] الْفَصْل الْعَاشِر
[16]
الْمَنَام الْوَاحِد رُبمَا كَانَ للرائي وَحده. وَرُبمَا كَانَ لمن يحكم عَلَيْهِ. كمنام الْأَوْلَاد، والأزواج، وَالْعَبِيد، والشركاء. لاشتراك من ذكرنَا فِي الْخَيْر، وَالشَّر، غَالِبا. وَكَذَلِكَ الحكم لكل جمَاعَة معاشهم، أَو كسبهم، بِجِهَة وَاحِدَة، أَو فِي مَكَان وَاحِد. كأرباب الْمدَارِس، والخوانك، والزوايا، وَنَحْوهم. فَمَا أصَاب أحدهم من خير أَو شَرّ، رُبمَا رَجَعَ إِلَى الْجَمِيع.
قَالَ المُصَنّف " لما أَن اشْترك من ذَكَرْنَاهُمْ فِي الْفَائِدَة والراحة على مَا ذَكرْنَاهُ صَارُوا كَأَنَّهُمْ كَالرّجلِ الْوَاحِد فِي غَالب الْحَال. فَإِذا رأى أحد مِنْهُم مناماً فأعطه من الْخَيْر وَالشَّر مَا يَلِيق بِهِ فِي نَفسه وأمواله وَأَوْلَاده وملازماً. فَإِن لم تَجِد لذَلِك وَجها فاردده إِلَى الْجَمَاعَة المشتركين فِي المكسب والراحة على مَا ذكرنَا. وَرُبمَا احْتمل التَّفْسِير لَهُ وَالْأَوْلَاد ولأمواله وألزامه وَلمن هُوَ شريك مَعَهم فِي الْفَائِدَة فَافْهَم ذَلِك.
[فصل: 11] الْفَصْل الْحَادِي عشر
[17]
وَاعْتبر الِاشْتِقَاق فِي الْأَسْمَاء. فَإِن السوسة: تدل على السوء،
والسيئة. وكما أَن الرياحين إِذا أكلهَا الْعَالم: دلّ على الرِّيَاء، وتدل للْمَرِيض: على الْخَيْر. وَمن هُوَ خَائِف، وَرَأى النارنج، قيل لَهُ: النَّار، فاطلب النجَاة لنَفسك. والنمام: يدل على النميمة. وَمن طلب حَاجَة، وَرَأى الياسمين: دلّ على الْإِيَاس، والمين الَّذِي هُوَ الْكَذِب. والفرجية: تدل على الْفرج، والرجية. ورؤية الْفرج، لمن هُوَ فِي شدَّة: فَرح، وسرور. كَمَا أَن لبس الْحَصِير، أَو الْجُلُوس عَلَيْهَا، لمن لَا يَلِيق بِهِ ذَلِك، وَأكل الحصرم، فَذَلِك وَشبهه: دَال على الْحَسْرَة، والحصر، والحصار، وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ المُصَنّف رُبمَا أخْفى الله تَعَالَى الحكم مضمراً فِي الِاشْتِقَاق. وَهُوَ من أصُول الرُّؤْيَا. فَتَارَة تَأْخُذ جَمِيع الْكَلِمَة كمن مَعَه عَصا وَهُوَ يُؤْذِي النَّاس
بهَا بِغَيْر حق، فَتَقول: هَذَا رجل عاصي لكَونه عصى بإساءته بِغَيْر حق. وكمريض قدمت لَهُ دَوَاة، فَتَقول: جَاءَتْهُ الْعَافِيَة. لِأَن دواءه قد جَاءَهُ. وَتارَة يكون الِاشْتِقَاق من بعض الْكَلِمَة. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان كَأَنَّهُ وَقع على عَيْني غمامة بَيْضَاء. فَقلت: يَقع بِعَيْنَيْك عماءُ، وَرُبمَا يكون من بَيَاض. فَكَانَ كَمَا قلت. لِأَن الغمامة بَعْضهَا عَمَّا وأسقطنا الْبَاقِي. وَرُبمَا كَانَ فِي الْكَلِمَة اشتقاقان. كفرجية فَتَقول: فرج من شدَّة، وَأمر ترجوه يحصل لَك على قدر الفرجية، على مَا يَلِيق بِهِ. وَتارَة يكون بالتصحيف كَمَا قَالَ شخص ظَاهره ردي رَأَيْت أنني سرقت برغيف، وأكلته فِي فَرد لقْمَة، حَتَّى كدت أَمُوت. فَقلت لَهُ: يحصل لَك
نكد لأجل سَرقَة فَكَانَ كَمَا قلت.
[فصل: 12] الْفَصْل الثَّانِي عشر
[18]
وَاعْتبر المعكوس، كاللوز للمتولي، أَو لمن هُوَ فِي شدَّة: زَوَال، لِأَن عَكسه زول. كَمَا أَن نجم: مجن. وَدِرْهَم: هم درّ. وقباء: أبق. وكما قَالَ لي إِنْسَان: وَقع على رجْلي عسل فأحرقها، فَقلت لَهُ:
تتْلف رجلك بلسع. وكما قَالَ آخر: رَأَيْت كَأَنِّي آكل لَحْمًا من خمر، وَأَنا فِي غَايَة مَا يكون من الْجُوع، فَقلت لَهُ: تحْتَاج فتأكل لحم رخم. وكما قَالَ آخر: رَأَيْت كأنني وَقعت فِي الْجب الْمَعْمُول للسبح، فَقلت لَهُ: رُبمَا تقع فِي جب حبس. وكما قَالَ آخر: كأنني اشْتريت دلواً، فَقلت لَهُ: ترزق ولدا. فَكَانَ الْجَمِيع كَمَا قلت. بِحَمْد الله تَعَالَى. وعَلى هَذَا فقس. قَالَ المُصَنّف: قد ذكرنَا الِاشْتِقَاق من أول الْكَلِمَة إِلَى أَن ذكرنَا فِي هَذَا الْفَصْل عكساً من آخر الْكَلِمَة بِالْكِتَابَةِ إِلَى أَولهَا. كَمَا قَالَ لي إنسا: رَأَيْت كَأَن قِطْعَة لِيف من لِيف النّخل قد / أدمت يَدي، قلت لَهُ: نخشى عَلَيْك من الْفِيل. فَمَا مضى قَلِيل حَتَّى ضربه الْفِيل ضَرْبَة كَاد يهْلك مِنْهَا. وَرَأى آخر كَأَنَّهُ يجمع حبرًا من بَحر فِي وعَاء، فَقلت لَهُ: يحصل لَك ربح من جليل الْقدر، وَرُبمَا يكون يعرف الْكِتَابَة. وَقَالَ آخر: رَأَيْت كَأَنِّي أودع أَقْوَامًا، وهم الْآن غياب، قلت لَهُ: أبشر قد قرب مجيأهم. لِأَن عكس الْوَدَاع عَادوا. فَذكر أَنهم وصلوا عقيب مَا ذكرته. فَافْهَم جَمِيع مَا ذكرت فِي الِاشْتِقَاق طرداً وعكساً موقفا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
[فصل: 13] الْفَصْل الثَّالِث عشر
[19]
وَأما المعكوس الْخَفي. فَإِن الْبَحْر يدل على النَّار، وَالنَّار: تدل على الْبَحْر. والحجامة: كِتَابَة، وَالْكِتَابَة: حجامة. وَالْمُشْتَرِي: بَائِع، وَالْبَائِع: مُشْتَرِي. فعلى هَذَا إِذا رأى الْإِنْسَان كَأَنَّهُ دخل النَّار: رُبمَا سبح فِي الْبَحْر، فَإِن احْتَرَقَ: غرق، فَإِن مَشى على الصِّرَاط: ركب فِي مركب. كَمَا قَالَ لي
إِنْسَان: رَأَيْت كَأَن رجْلي تلفت بِمَاء الْبَحْر، فَقلت لَهُ: نخشى عَلَيْهَا حريق. فَكَانَ كَمَا قلت. وَرَأى آخر كَأَنَّهُ يحتجم، فَقلت لَهُ: يكْتب مَكْتُوب لأجل مَال. وكما قَالَ آخر: رَأَيْت كَأَنِّي أكتب على بدني، فَقلت: تحتجم. فَكَانَ كَمَا ذكرت. وَأما المُشْتَرِي: بَائِع، وَالْبَائِع: مُشْتَرِي، فَهُوَ لما خرج من يَده وَدخل إِلَيْهَا. قَالَ المُصَنّف: لما أَن دلّ الْبَحْر على الْجَلِيل الْقدر وَدلّ على الرجل النافع وَكَذَلِكَ النَّار وَدلّ على قَاطع الطَّرِيق والمؤذي وَكَذَلِكَ النَّار وعَلى الْعَالم وَكَذَلِكَ النَّار وَمَا أشبههما، قَامَ كل وَاحِد مقَام الآخر فِي الحكم. فَإِذا رأى أحد أَن الْبَحْر آذاه أَو أغرقه وَكَانَ الرَّائِي فِي مَكَان لَا بَحر فِيهِ كأكثر أَرض الشَّام والحجاز وَنَحْو ذَلِك تكلمنا عَلَيْهِ بِحَسب مَا يَلِيق بِهِ، ثمَّ نقُول وَرُبمَا يَحْتَرِق لَك شَيْء. لِأَنَّهُ لما عدم ذَلِك الْبَحْر قَامَت النَّار مقَامه لكَونهَا عَامَّة فِي مَوضِع عدم فيع المَاء لما ذكرنَا من إشتراكهما فِي تِلْكَ الْأَحْكَام. وَلِأَن الْحجام يمسك بأنامله ويجعله سطوراً وَيبقى الدَّم يجْرِي كالمداد فَأشبه الْكتاب فِي ذَلِك، فَقَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا مقَام الآخر. فَهُوَ معكوس فِي الحكم، وَهُوَ خَفِي لقلَّة اسْتِعْمَال النَّاس لَهُ، بل لعدم معرفَة أَكْثَرهم لَهُ. فَافْهَم ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
[فصل: 14] الْفَصْل الرَّابِع عشر
[20]
من رأى رب صَنْعَة، أَو شَيْئا من عدته، عبر إِلَى عِنْده، أَو خالطه: احْتَاجَ إِلَيْهِ، أَو إِلَى مثله، لأمر ينزل بِهِ. كمن يرى أَن عِنْده فَقِيها، أَو كتاب فقه: رُبمَا تعلم، أَو احْتَاجَ إِلَى فَتْوَى، أَو حُكُومَة، أَو عقد نِكَاح. وكالطبيب، للْمَرِيض: عَافِيَة، وللمتعافي: مرض، يحْتَاج فِيهِ إِلَى طَبِيب. وكالبيطار: يحْتَاج إِلَى تُدَارِي أَرْبَاب الْجَهْل، أَو يَقع بِبَعْض دوابه مَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى البيطار. وكالجرائحي أَو بعض عدته: رُبمَا نزل بِهِ ألم يحْتَاج إِلَيْهِ. وكالمجبر: يحْتَاج إِلَيْهِ فِي كسر ينزل بِهِ. كَمَا حكى جالينوس أَن إنْسَانا رأى فاصداً، يفصده فِي الْعرق، الَّذِي بَين الْخِنْصر والبنصر من الرجل الْيُسْرَى، فَقَالَ لَهُ الرَّائِي: لم فعلت هَذَا. قَالَ: لِأَنَّهُ ينفع الورم الَّذِي بَين الْحجاب والكبد. قَالَ فَمَا مضى على الرَّائِي قَلِيل إِلَّا وَقع بِهِ ذَلِك الْمَرَض، وَعجز الْأَطِبَّاء عَن مداواته. فَلَمَّا ذكر الْمَنَام وافتصد بَرِيء.
هَذَا بِشَارَة بعافية من مرض شَدِيد لم يكن حدث بعد وَلم تكن الْأَطِبَّاء تعرفه قبل فكشف الله تَعَالَى لَهُ ذَلِك فِي الْمَنَام. والمنام الثَّانِي بِشَارَة بِخَير تفيده من غير إنذار بِشدَّة وَلَا ألم يَقع فَإِذا ورد عَلَيْك الْمَنَام فَاعْتبر الْأَحْوَال كَمَا ذَكرنَاهَا موقفا إِن شَاءَ الله.
[21]
وَرَأى آخر أَنه أعطي حَدِيدَة لشق الأَرْض كالسكة: فَصَارَ زراعاً، وَأفَاد من ذَلِك. وَآخر رأى أَن كحالاً عبر عِنْده فَضَاعَت مكحلته: أَنه وَقع بِعَيْنِه رمد فَذَهَبت عينه. لِأَنَّهُ لما ضَاعَت مكحلته الَّتِي تَبرأ الْعين مِنْهَا، كَانَ دَلِيلا على تلاف عينه. وكمريض رأى كنفاً، أَو مغسلاً، عبر إِلَى عِنْده: فَمَاتَ. وعَلى هَذَا فقس. / قَالَ المُصَنّف: لما أَن عرف الصَّانِع لما يعمله من الصَّنْعَة بالعدة
الْمَذْكُورَة وَصَارَت عَلامَة عَلَيْهِ وعَلى صَنعته دلّ وجود ذَلِك فِي الْمَنَام على حَادث يحدث للرائي إِن كَانَ غير مُحْتَاج إِلَى ذَلِك فِي الْيَقَظَة، فَإِن كَانَ الصَّانِع يعْمل الصَّنْعَة بشرطها أَو الْعدة مليحة دلّ على حسن الْعَاقِبَة، وَإِن كَانَ رأى ذَلِك مُحْتَاجا إِلَى مثله فِي الْيَقَظَة دلّ على بُلُوغه مُرَاده وعَلى سرعَة زَوَال شدته، وَإِن كَانَت الْعدة أَو الصَّنَائِع ردياً دلّ على تَأْخِير ذَلِك لعدم حسن مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي مثله. وَالله تَعَالَى أعلم.
[22]
قد ذكرنَا الْفُصُول الْمَقْصُودَة قبل الْأَبْوَاب، وَنحن الْآن
صفحة فارغة
صفحة فارغة
صفحة فارغة
صفحة فارغة
صفحة فارغة
صفحة فارغة
صفحة فارغة