الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَرق، فَصَارَ كَذَلِك. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تتعلم عمل الرقَاق والكفافة، فَصَارَ كَذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني صرت جلاء، قلت: تصير كحالاً تجلي أبصار النَّاس، فَصَارَ كَذَلِك. فَافْهَم ذَلِك موفقاً إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
( [بَاب: 11] الْبَاب الْحَادِي عشر)
(فِي الأدوات)
[178]
الْمُذكر مِنْهَا: رجال. والمؤنث: نسَاء. فالمسبحة: امْرَأَة صَالِحَة، أَو معيشة حَلَال، أَو عَسَاكِر نافعة، لمن ملكهَا أَو سبح بهَا. والدواة: منصب، وَعز، أَو امْرَأَة، أَو مركب، أَو معيشة. وَأما إِن تلوث بهَا: صَارَت نكداً، مِمَّن تدل عَلَيْهِ. من كتب بقلم، أَو ملكه: تحكم من جليل الْقدر، أَو يرْزق ولدا كَاتبا. وَهُوَ ولَايَة، ومنصب. وَيدل على العَبْد، وَالْجَارِيَة؛ لِكَثْرَة الرواح والمجيء، والمطلع على الْأَسْرَار.
قَالَ المُصَنّف: اعْتبر الأدوات واحكم فِيهَا على مَا يَلِيق بالرائي فِي وقته. وتدل المسبحة أَيْضا على
…
وَقَالَ لي تَاجر: رَأَيْت أَن فِي يَدي سبْحَة من لُؤْلُؤ، قلت: أَنْت تُسَافِر فِي طلب مماليك وتكسب فِيهَا. وَقَالَ آخر مثله، غير أَنه قَالَ سبْحَة من أنبوش، قلت: أَنْت مُتَوَلِّي وستغير على بِلَاد وَتَأْخُذ جمَاعَة / أُسَارَى مربوطين فِي الحبال، فَجرى ذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت كَأَن فِي يَدي سبْحَة عقيق، قلت: ستعمل ساقية بدولاب وَتَكون بقواديس حمر، وتفيد فِي ذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت كَأَن فِي يَدي سبْحَة من دموع دَاوُد عليه السلام وَهِي معمولة فِي وسطي، قلت: عنْدك امْرَأَة صَالِحَة كَثِيرَة الْبكاء، قَالَ: صدقت. ودلت الدواة على المناصب لن أَرْبَاب المناصب لَا يستغنون عَنْهَا، وعَلى الْمَرْأَة لِأَن الْقَلَم كالذكر فِيهَا لكَونهَا تحمل فِي بَطنهَا، وَكَذَلِكَ أَيْضا دلّت على المراكب والأقلام فِيهَا شبه مقاذيف. وَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أنني أتيت إِلَى دَوَاة عَلَيْهَا غطاء ففتحتها ورميت مَا فِيهَا من الأقلام، قلت لَهُ: نبشت قبوراً مدفونة ورميت مَا بهَا من موتى لتعمل لَك قبراً أَو بِئْرا أَو بركَة وَنَحْو ذَلِك، قَالَ: صدقت. وَقَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني أعطي كل من يَجِيء إِلَى عِنْدِي دَوَاة مليحة، قلت لَهُ: تتعلم الطِّبّ وكل مَرِيض يَجِيء إِلَى عنْدك يلقى دواءة كَمَا يجب، فَصَارَ كَذَلِك. وَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أَن فلَانا وَقع فِي دَوَاة بغطاء وانطبقت عَلَيْهِ، قلت: الدواة قَبره فَمَاتَ ثَانِي يَوْم. وَقَالَ آخر:
رَأَيْت أَنِّي قد سرق من بَيْتِي دَوَاة بغطاء، قلت: يروح من عنْدك صندوق فراح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني نفضت دَوَاة فِيهَا أَقْلَام وَقع مَا فِيهَا، قلت: ضربت حَامِلا واسقطت مَا فِي بَطنهَا، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ لي مُتَوَلِّي: رَأَيْت أَنِّي كسرت رَأس قلم: قطعت لِسَان إِنْسَان وَرُبمَا كَانَ كَاتبا، قَالَ: صدقت. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني قطعت قلمي ورميته، قلت لَهُ: تعرف الْخط، قَالَ: لَا، قلت: قد خصيت نَفسك، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني صرت قَلما مبرياً، قلت: تصير سباحاً وَتَكون كثير الغطس على رَأسك، وَتصير فِي ذَلِك أستاذاً، فَصَارَ كَمَا ذكرنَا. فَافْهَم ذَلِك موفقاً إِن شَاءَ الله.
[179]
فصل: الأسرة والمنابر والكراسي والمراتب: عز، وجاه،
لمن ملكهم، أَو جلس عَلَيْهِم. أَو تَزْوِيج، وَمَال، وَفَائِدَة،. وَكَذَلِكَ من تحكم فيهم. كَمَا أَنهم: هُوَ، ونكد، لمن لَا يَلِيق بِهِ الْجُلُوس عَلَيْهِم. الشمعة: امْرَأَة، أَو جَارِيَة حسناء. فَإِن كَانَت على نور: كَانَت بجهاز، أَو من بَيت كَبِير، وَهِي: غنى للْفَقِير، وهداية للجاهل. وَكَذَلِكَ الْقنْدِيل والسراج. ويدلوا على الْأَوْلَاد، وَالْعُلَمَاء، والأقارب، لمن ملكهم، أَو اهْتَدَى بنورهم، فِي الظلام. وَإِن كَانُوا موقودين بِالنَّهَارِ: دلّ على ضيَاع المَال، بِلَا فَائِدَة. أَو علم، عِنْد من لَا يحْتَاج إِلَيْهِ. وهم بِالنَّهَارِ، بِلَا وقود: تجائر، أَو عُلُوم. أَو أَوْلَاد، ومعايش، ومتاجر، ترجى منفعتهم فِيمَا بعد. قَالَ المُصَنّف: دلّت الأسرة والمنابر والكراسي وَنَحْو ذَلِك على الْعِزّ والجاه لاخْتِصَاص الأكابر بهم فِي خاصتهم، ويدلوا على غير ذَلِك. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني أَمِير على سَرِير مشبك وَهُوَ على وَجه المَاء، قلت:
تصير أَمينا على مركب حطب، فَصَارَ كَذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن فلَانا على سَرِير، قلت: هُوَ مَرِيض، قَالَ: نعم، قلت: يحمل على سَرِير المنايا، فَمَاتَ عقيب الْمَنَام. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني رَاكب على سَرِير صَغِير على جمل فِي بَريَّة، قلت: تُسَافِر فِي تِجَارَة. وَقَالَت امْرَأَة: رَأَيْت أنني أَخطب بِالرِّجَالِ، قلت: تشتهرين بمحبة واعظ أَو خطيب أَو فَقِيه، وتتنكدي من ذَلِك، فَجرى عَلَيْهَا نكد بذلك السَّبَب. وَمثله قَالَت أُخْرَى غير أَنَّهَا قَالَت أَخطب بِالنسَاء، قلت: تتزوجين بِرَجُل كَذَلِك، فَتزوّجت. وَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أنني صرت شمعة أَو قِنْدِيلًا، قلت لَهُ: بَين النَّاس، قَالَ: نعم، قلت: بِالنَّهَارِ، قَالَ: نعم، قلت: تعزر أَو تضرب وتسيل دموعك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني صرت سِرَاجًا على مَنَارَة نُحَاس مليحة، قلت: بِاللَّيْلِ، قَالَ: نعم، قلت: تصير مُؤذنًا أَو واعظاً وَينْتَفع بك النَّاس. وَمثله قَالَ آخر، قلت: أَيْن كنت، قَالَ: فِي دكان، قلت: تصير منادياً أَو حارساً على
…
للَّذي كَانَ فِي الدّكان وتجلب النَّاس إِلَى ذَلِك الْجِنْس. وَقَالَ آخر: رَأَيْت / أنني صرت سراج معصرة أدور حَيْثُ دَار الْحجر، قلت: تصْحَب جليل الْقدر وتسافر حَيْثُ يُسَافر وَرُبمَا تحمل قدامه نورا وَتَكون لَا تُفَارِقهُ، فَصَارَ يحمل الشمع قُدَّام الْملك. وَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أنني أسبح فِي قناديل ملآنة حَتَّى آتِي إِلَى فتائلها آكلها وطعمها طيب، قلت: ترزق من أَخذ النوفر الَّذِي
تحارف فِي برك المَاء رزقا جيدا. فَافْهَم ذَلِك موفقاً إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
[180]
فصل: لبس الْحلِيّ لمن يَلِيق بِهِ: دَلِيل على تَزْوِيج العزاب، وَأَوْلَاد للمزوجين، وغنى للْفُقَرَاء. أَو أَعمال حَسَنَة، وَعز، وجاه، ومعايش، وَعبيد، ودور، وَنَحْو ذَلِك. وَأما الحياصة: فخدمة للبطال، وعساكر، وغلمان، لمن يَلِيق بِهِ ذَلِك. وتعاليقها: كبراء غلمانه. وَإِن جعلناها امْرَأَة، فتعاليقها: جهازها. فَمن عدمت حياصته، أَو انْكَسَرت، أَو تلف شَيْء مِنْهَا: دلّ على نكد. وَإِن كَانَت للْملك: ذهبت جيوشه، أَو بَعْضهَا. وَلغيره: غلمانه، وللمزوج: زَوجته، أَو جَارِيَته، أَو معيشته، وَنَحْو ذَلِك. والمذكر من الْحلِيّ، كالسوار والخلخال، والقرط: ذُكُور. والمؤنث، كالحلقة، والجوهر، وَنَحْوهَا: إناث.
قَالَ المُصَنّف اعْتبر مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْحلِيّ وَالْحلَل. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن فِي يَدي سواراً وَالنَّاس يبصرونه، قلت لَهُ: سوء يبصره النَّاس فِي يدك، فَعَن قَلِيل طلع فِي يَده طُلُوع. وَمثله قَالَ آخر لَكِن لم يبصره النَّاس، قلت: تتَزَوَّج امْرَأَة حَسَنَة وَتَكون رقيقَة. وَمثله قَالَ آخر غير أَنه قَالَ كَانَ منفوخاً، قلت: عنْدك امْرَأَة بهَا مرض الاسْتِسْقَاء. وَقَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَنِّي أتيت إِلَى شَجَرَة لآكل من ثَمَرَتهَا فَلم أقدر فَلَقِيت على الأَرْض دملجاً مرمياً فَجَعَلته تَحت رجْلي وأكلت من الثَّمَرَة، قلت: أَنْت تطلب حَاجَة من جليل الْقدر وَتخَاف أَن لَا تقضى، قَالَ: نعم، قلت: دم ولج فِي طلبَهَا تقضى، وَتَكون على يَد امْرَأَة وخادم، فَجرى ذَلِك. ودلوا على تَزْوِيج العزاب لكَوْنهم من آلَات التَّزْوِيج، وَأَوْلَاد لتجمل
النَّاس بهم وَطول بقائهم عِنْده، وعَلى الْغنى لِأَن ذَلِك لَا يعْمل إِلَّا بعد فَضله وغنى عَنهُ، وَيدل على الْأَعْمَال لِأَنَّهُ غَالِبا من أَعمال الرَّائِي إِمَّا بِنَفسِهِ أَو بِامْرَأَة، وعَلى الْعِزّ والجاه لِأَن ذَلِك غَالِبا مُخْتَصّ بذوي الْقدر، وعَلى المعايش لكَوْنهم يباعوا، وعَلى العبيد لخدمتهم لمالكهم بِاسْتِعْمَالِهِ لذَلِك، وعَلى الدّور لكَون الْأَعْضَاء تعبر فِي ذَلِك. ودلت الحياصة على الْخدمَة لِأَنَّهَا غَالِبا لَا تكون إِلَّا فِي وسط من يخْدم، والبطال لَا يلبس ذَلِك، وعساكر وغلمان لمن يصلح لَهُ ذَلِك لكَونه يشد وَسطه بهَا، وَمِنْهَا الأعمدة الواقفة إِلَى جَانب بَعْضهَا بعض كالجيوش والغلمان، وعَلى جهاز الْمَرْأَة لِأَنَّهَا مُؤَنّثَة، وعمدها والتعاليق كالسيور والأواني المصفوفة والمعلقة، وتدل أَيْضا للْمَرْأَة على زَوجهَا وللرجال على ملبوسه. وَقَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت كَأَن فِي عنقِي
…
لَازِما، قلت لَهُ: فِي رقبتك حق لإِنْسَان وسيلازمك فِي طلبه، فَقَالَ: صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت كَأَن فِي رجْلي خلخالاً، قلت: تتخلخل رجلك بألم، فَكَانَ كَذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَنِّي قد سرق لي خلخال، قلت: يعْدم لَك قبقاب، أَو مداس لَهَا صَوت. وَقَالَ آخر: رَأَيْت كَأَن فِي يَدي خلخالاً وَآخر قد مسكه وَأَنا ماسكه وأزعق عَلَيْهِ وَأَقُول أترك خلخالي فَتَركه، قلت: فَكَانَ الخلخال أملس فِي يدك، قَالَ: بل كَانَ تألمت مِنْهُ مرّة بعد مرّة وَفِيه شراريف، قلت: أمك شريفة وَكَذَلِكَ خَالك، وَأَنت
لست بشريف، قلت: واسمك عبد القاهر، قَالَ: صدقت، قلت: ولسان خَالك لِسَان نحس ردي يتَكَلَّم فِي عرضك وَيَأْخُذ مِمَّا فِي يدك، قَالَ: نعم، قلت: ثمَّ نه يَقع فِي يَد ظَالِم متعدي فيحتمي بك فتشد أَنْت مِنْهُ وَتقول: خل خَالِي، فَعَن قَلِيل جرى ذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن الشَّمْس عِنْدِي وَكَأن سحاباً أخفاها عني فدورت عَلَيْهَا / فلقيتها مخبوءة فِي وسط عقد جَوَاهِر، قلت لَهُ: كَانَ عنْدك قِطْعَة ذهب فِيهَا نقش أشبه شَيْء
بالدينار /، والنقش: مَنْفَعَة كَبِيرَة، جَعلتهَا فِي شَيْء معجون لتأكل ذَلِك، والمعجون لمَنْفَعَة طلبتها فَلم تجدها، فَبعد قَلِيل عرفت أَن سنوراً إبتلع ذَلِك فَصَارَ الضائع جَوَاهِر، فراح من عِنْدِي، فَوجدَ ذَلِك صَحِيحا. وَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أَن فِي أنفي قِطْعَة ذهب وفيهَا حب مليح أَحْمَر، قلت لَهُ: يَقع بك رُعَاف شَدِيد، فَجرى ذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت كلاب كلابنذ مُعَلّق فِي شفتي، قلت لَهُ: يَقع بك ألم تحْتَاج إِلَى الفصد فِي شفتك لأجل ذَلِك، فَجرى ذَلِك. وَقد مضى بعض الْكَلَام فِي الْخَاتم خَاصَّة، وَذكر مَا فِيهِ فِي " الْحلِيّ ". وكل مَوضِع دلّ الْحلِيّ وَالْحلَل على الْخَيْر وَالشَّر فطول ذَلِك وقصره على قدر ثبات ذَلِك وذهابه، كَمَا تَقول الْحلِيّ من الزّجاج لَا ثبات لَهُ، وَكَذَلِكَ من الرصاص، وَكَذَلِكَ من الشمع، وَنَحْو ذَلِك. بِخِلَاف الذَّهَب وَالْفِضَّة والنحاس وَالْحَدِيد اسْتَعْملهُ أَكثر النَّاس. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن فِي يَدي خَاتمًا من رصاص، قلت: عنْدك امْرَأَة تلوث عرضهَا - لِأَن الرصاص يلوث الْإِنْسَان - وَلَا ثبات لَهَا عنْدك - لعدم بَقَائِهِ -. فَافْهَم ذَلِك موفقاً إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
[181]
فصل: وَلبس الْحلِيّ، وَالْحلَل، لمن لَا يَلِيق بِهِ: دَال على
النكد، والذلة من الأكابر. وَأما لبس الْخَاتم، فَيدل لمن لبسه، مِمَّن يصلح لَهُ: على تَزْوِيجه، إِن كَانَ أعزب. أَو يتسرى بِجَارِيَة. فَإِن كَانَ بفص: رزق ولدا. وَرُبمَا تكون الْمَرْأَة ذَات جهاز وَمَال. وَيدل على الْولَايَة، لختم الْأَمْوَال، والكتب، وَنَحْوهَا. فَمن كسر خَاتمه أَو ضَاعَ: زَالَت ولَايَته. وَإِلَّا فَارق زَوجته، أَو جَارِيَته، أَو بعض أَوْلَاده، وأقاربه، أَو معارفه. أَو تعطلت معيشته. وَنَحْو ذَلِك.
[182]
فصل: ربط الْيَدَيْنِ، أَو الرجلَيْن، أَو الْقَيْد، أَو اللبنة، وَنَحْو ذَلِك: دَال على عزل المتصرفين، وتعويق الْمُسَافِرين، وَطول سجن المسجونين، وَمرض المرضى، وتزويج العزاب، وتعطيل عبَادَة العابدين،
وتوبة الْفَاسِقين، وكف أكف الظَّالِمين. وَذَلِكَ فِي الْيَدَيْنِ: فقر الْأَغْنِيَاء. وَأما الغل، والربط، فِي الْعُنُق: دَال على الذُّنُوب، والأنكاد. قَالَ المُصَنّف: دلّ الرَّبْط والقيد على مَا ذكرنَا من الْعَزْل وَترك السّفر وَطول الْمَرَض والسجن لكَون ذَلِك يمْنَع الحركات، وَمن ذَلِك أَيْضا ترك عبَادَة العابد، وَدلّ على التَّزْوِيج لكَون الْيَدَيْنِ أَو الرجلَيْن اجْتمعَا وهما ذكر
وَأُنْثَى، وَدلّ على تَوْبَة الْفَاسِقين وكف ظلم الظَّالِمين لكَون كل وَاحِد انكف عَمَّا هُوَ فِيهِ من الحركات. وَانْظُر صفة الْقَيْد وَالَّذِي ربط بِهِ وَتكلم عَلَيْهِ. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن فِي رجْلي قيد ذهب، قلت: يمنعك عَن سفرك شَيْء يذهب لَك، فَجرى ذَلِك. وَمثله قَالَ آخر، قلت: يمنعك جليل الْقدر. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تتَزَوَّج من بَيت جليل الْقدر. والقيد أَهْون من اللبنة كَمَا رَآهَا إِنْسَان فِي رجله، قلت: تتقيد بجليل الْقدر ويمنعك عَن تصرفك كَمَا تُرِيدُ. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن يَدي مربوطة بخيط حَرِير، قلت: يذهب مَالك على إِنْسَان جليل الْقدر. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تتوب على يَد رجل هَين لين. فَافْهَم ذَلِك موفقاً.
[183]
فصل: الذَّهَب، وَالدَّرَاهِم، والفلوس، وَنَحْوهم، لمن ملكهم، مِمَّن يَلِيق بِهِ: دَلِيل على أَخْبَار، أَو غَائِب، أَو ولد، أَو معرفَة. وَيكون فيهم نفع. وَأما من أَخذهم، مِمَّن لَا يَلِيق بِهِ، أَو كَانُوا فِي الْكَثْرَة خَارِجا عَن الْعَادة: فأنكاد، وهموم، وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ المُصَنّف: دلّ الذَّهَب وَالدَّرَاهِم والفلوس وشبههم على الْكتب لكَون الْكِتَابَة عَلَيْهِم، وعَلى الْأَخْبَار لن بهم يعلم الْإِنْسَان ذَلِك، وعَلى مَجِيء الغياب لِأَن الْحَاجة غَائِبَة حَتَّى يروح أحد من أُولَئِكَ يحضر، وعَلى الْأَوْلَاد والأقارب لنفعهم، وعَلى المعارف النافعين لما ذكرنَا. فَإِن خَرجُوا فِي الْكَثْرَة عَن عَادَة مثل ذَلِك أعْطوا الأنكاد لوجوه: الأول: لثقل حملهمْ، ولتعسر حفظ مثل ذَلِك على من / ملكه مِمَّن لَا يصلح لَهُ ذَلِك، الثَّالِث: لكَون الْحُقُوق ترَتّب فِيهَا، الرَّابِع: لطلب اللُّصُوص والحرامية والطماعين لمن مَعَه ذَلِك. وَكَذَلِكَ الحكم إِذا كَانُوا فِي الْقلَّة عِنْد من لَا يَلِيق بِهِ ذَلِك، كالفلوس وَالدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فِي يَد ملك وَهُوَ يفتخر بَين النَّاس بذلك، وَكَذَلِكَ من دونه من ذَوي الرتب الَّذين لَا يصلح لَهُم، يدل على: الأنكاد والفقر ونزول الْمرتبَة وَنَحْو ذَلِك. فَافْهَم ذَلِك.
[184]
فصل: أواني الْبَيْت، كالمسرجة، والزبدية، والطبق، وَالْقُدْرَة، والمكنسة، وأمثالهم: كل وَاحِد مِنْهُم دَال على صَاحب الدَّار، وَزَوجته، وَأَوْلَاده، وعبيده، وداوبه، وفوائده، ومعايشه. كَمَا أَن المطارق، والمنفخ، والكلبتين، وأمثالهم، للبيطار، والحداد، والنجار، والصائغ، وأمثالهم: دَال على مَعَايشهمْ، وغلمانهم، وَأَوْلَادهمْ. وَرُبمَا كَانَ الْمِنْشَار، والمثقب، والمنقار، والإبرة، ومكوك الحائك، وَسَهْم المنسج، وأمثالهم: أَصْحَاب سفر، ومدخلات فِي الْأُمُور. وَرُبمَا دلوا على الجواسيس، لدخولهم فِي البواطن، وخروجهم. قَالَ المُصَنّف: إعتبر مَا فِي الْبيُوت، وهم دالون على صَاحب الدَّار وَالزَّوْجَة وَالْأَوْلَاد وَالْعَبِيد وَالدَّوَاب والمعايش، وَنَحْو ذَلِك، لانتفاع أهل الْمنزل بذلك، والأواني المعمولة من النّحاس دَالَّة على طوال الْأَعْمَار وَذَوي الْقدر، وَدون ذَلِك الْحَدِيد لكَونه لَا يسْتَعْمل غَالِبا، وأضعف من ذَلِك وَأَرْفَع
منزلَة الرصاص فِي الْأَوَانِي كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن عِنْدِي قدرا برأسين، قلت: عنْدك امْرَأَة حَامِل بتوأم، فَعَن قَلِيل وضعت توأما. وَقَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن قدامي زبدية كَبِيرَة وَأَنا أعمل فِيهَا الشّعْر فِي الرّقّ، قلت: تصير تبيض الْغَزل. وَمثله قَالَ آخر، قلت لَهُ: تملك مبلة فِيهَا، قلت لَهُ: تنكسر مِنْك زبدية وَيذْهب مَا فِيهَا. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن قدامي طبقًا فِيهِ ططماج وَأَنا آكل مِنْهُ دَرَاهِم ودنانير، قلت لَهُ: أَنْت صنعتك تعْمل الْوَرق، قَالَ: صَحِيح، قلت: تفِيد مِنْهُ. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني وَقعت فِي طبق ططماج انْكَسَرت رجْلي، قلت لَهُ: تضمن الْوَرق أَو وراقة وتنكسر فِي ضَمَانهَا، فَجرى ذَلِك كُله. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن منفخي إنكسر، قلت: تقع باذهنجك. وَمثله قَالَ آخر: قلت: يَقع فِي أَنْفك زكام. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَنِّي قد رَاح مِنْهُ كلبتين، قلت: يَمُوت لَك أَوْلَاد توأم، فماتا. وَقَالَ لي ملك رَأَيْت أَن منشارا لي إنكسر، قلت: تقع بعض شراريف السُّور، فَوَقع ذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني صرت مثقبا، قلت: تصير تحفر الْآبَار. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني صرت منشارا وَاثْنَانِ ينشران بِي، قلت: تقع بَين إثنين فِي رِسَالَة وتتعب بَينهمَا، فَجرى ذَلِك. فافهمه موقفا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
[185]
فصل: الْمبرد، والفأرة، والمصقلة، وَآلَة التبيض، وأمثالهم:
يدلوا على المصلحين، والمهدين. والمفتاح: دَال على الْحَاكِم على الْأَمْوَال، وَغَيرهَا. وعَلى الْخَبِير بِفَتْح الْأَمَاكِن، وتسهيل الْأُمُور الصعاب. وَيكون صَاحب أَمر، وَنهي. كَمَا أَن الْميل: صَاحب سفر، لكَونه يغيب، وَيَجِيء بالمطلوب. وَأما المغرفة، والغربال، والمنخل،
والمصفاة: فأقوام متوسطون بِالْخَيرِ. قَالَ المُصَنّف: قَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أنني صرت مبردا، قلت: يطلع عَلَيْك جرب، فطلع. وَمثله قَالَ لي جليل الْقدر؛ قَالَ: كنت أبرد الْحَدِيد، قلت تلبي جوشنا فِي حَرْب وتنتصر. وَمثله قَالَ آخر؛ غير أَنه قَالَ كنت أبرد حوافر الْخَيل، قلت لَهُ: تصير بيطارا. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تصير ركاب دَار. وَمثله قَالَ آخر؛ غير أَنه قَالَ كنت أبرد خشب قرب السيوف والسكاكين، قلت: تعْمل / الْحُصُون وَالْعدَد للأكابر. وَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أنني صرت مفتاحا لباب، قلت: تصير بوابا، فَصَارَ كَذَلِك. وَمثله قَالَ جليل الْقدر، قلت: تتولى منصبا عَالِيا على قدر حسن الْبَاب. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني صرت سنا فِي مِفْتَاح، قلت: فتحت شَيْئا، قَالَ: نعم، قلت: ستعبر نقبا وتقاوم أَصْحَاب الْمَكَان وهم من فَوْقك ثمَّ يَأْخُذ النقب من أَسْفَل وتصعد وينفتح لَك الْمَكَان. وَقَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت إِن مفتاحي بِلَا أَسْنَان، قلت: تتْلف أَصَابِع يَديك، فَجرى ذَلِك. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تذْهب أسنانك. وَمثله قَالَ آخر، قلت: يعْدم شجر بستانك. والمنقار إِنْسَان مَغْصُوب على الدُّخُول فِي الْأَمَاكِن الصعبة، وإبر الَّذِي
يعْمل الْجُلُود كالخفاف والمدسات وَنَحْو ذَلِك دَال على الغلامين الَّذِي يمشي كل وَاحِد ضد مَا يمشي صَاحبه فِي طلب الْمصلحَة. والميل الذَّهَب أَجود من الْفضة، وَالْفِضَّة أَجود من النّحاس، ودونهم الْميل من الزّجاج. وَقَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن عِنْدِي بعض ميل ذهب وَأَنا أكحل بِهِ أعين الدَّوَابّ، قلت: عنْدك صبي تعلمه بيطارا فاسأل عَنهُ فَهُوَ ابْن ملك، فَسَأَلَ عَنهُ فَوَجَدَهُ كَذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن معي ميلًا من ذهب وَأَنا أَلعَب بِهِ فِي التُّرَاب، قلت: عنْدك جليل الْقدر تستعمله فَاعِلا فِي عمل التُّرَاب. وَقَالَ آخر: رَأَيْت معي أميلا عديدة، قلت: يكثر الرمد ووجع الْعُيُون عنْدكُمْ، فَجرى ذَلِك. وَمثله قَالَ آخر، قلت: عنْدك جمَاعَة عزمت على سفرهم. وَمثله قَالَ آخر، قلت: عزمت على أَخذ مطامير. وَقَالَت امْرَأَة: رَأَيْت أَن ميلي ضَاعَ، قلت: يَأْخُذ زَوجك غَيْرك، فيهجرك فِي الْفراش، فَجرى ذَلِك. وَالله أعلم.
[186]
فصل: كل مَا كَانَ معدا للخبايا، أَو للْحِفْظ: فَهُوَ دَال على الْأُمَنَاء، والحراس، والأماكن الحصينة. كالخزائن، والصناديق، وأمثالهم. والقبان، وَالْمِيزَان: يدلان على الْقُضَاة، والولاة، وكل من يقبل قَوْله. فلسانه: هُوَ الْمُتَوَسّط، وَالشَّاهِد بِالْحَقِّ. والصنج: غلمانه، وأعوانه.
قَالَ المُصَنّف: وَقَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني أزن ذَهَبا فِي قبان مَا هُوَ معد لَهُ، قلت: تسلم أَقْوَامًا أكَابِر إِلَى من لَا يعرف قدرهم، وَلَا يلْتَفت عَلَيْهِم ليختبرهم، وَمَا يحصل لَك مَقْصُود. وَقَالَ لي إِنْسَان قيم مَسْجِد: رَأَيْت أنني أزن فِي ميزَان الدَّرَاهِم فُلُوسًا وَقد تلف، قلت: تبدل الْقَنَادِيل الْجِيَاد بِدُونِهَا، فَارْجِع إِلَى الله عَن ذَلِك. وَالله أعلم.
[187]
فصل: النّظر فِي الْأَشْيَاء الصقلة، كالزجاج، وَالْمَاء، والمرآة، وأمثالهم: دَال على تَزْوِيج العزاب، وَمَوْت المرضى، والأسفار. وَرُبمَا رزق الرَّائِي ولدا، على شكله. وَأما إِن نظر ليصلح وَجهه، أَو حَاله، فَإِن أصلحه: تعافى الْمَرِيض، وخلص المسجون، وَقدم الْغَائِب، وقضيت حَاجَة الْمُحْتَاج. قَالَ المُصَنّف: دلّ النّظر فِي الْأَشْيَاء الصقلة على: تَزْوِيج العزاب لكَونه يبْقى وَجه مُقَابل وَجه يُحِبهُ، وعَلى موت المرضى لكَونه صَار وَجهه فِي مَكَان لَا تصل يَده إِلَيْهِ وَلَا يقدر عَلَيْهِ، وَمن ذَلِك دلّ على السّفر. فَإِذا كَانَ لَهُ عَادَة بِالنّظرِ فِي شَيْء مليح كمرآة مليحة فَرَأى أدون من ذَلِك؛ فَإِن جعلته تزويجا أَو تسريا فَهِيَ امْرَأَة دونه، وَإِن جعلته موتا فحذره من الْآخِرَة الردية، وَإِن جعلته سفرا فَمَنعه من ذَلِك؛ فَهُوَ غير مرضِي. وَقَوْلنَا يرْزق النَّاظر مثله إِن
كَانَت امْرَأَة وَهِي حَامِل فالحمل أُنْثَى، وَإِن كَانَ النَّاظر رجلا وَعِنْده حمل فَالْوَلَد ذكر، وَإِن لم يكن عِنْده حمل فالمرأة تحمل بذلك.
[188]
فصل: كل مَا يغْتَسل بِهِ، من الْأَوَانِي، كالإبريق، والطاسة، والشربة، وأمثالهم: دَال على الْأَصْحَاب، المطلعين على الْأَسْرَار، الكاتمين لَهَا، الدافعين الْأَذَى. والغلاية: امْرَأَة، أَو بنت، أَو جَارِيَة، فِيهَا نفع. وَرُبمَا تكون تعرف صنعتين /. وَرُبمَا تكون كَثِيرَة الْأَمْرَاض، لجمعها المَاء وَالنَّار فِي بَطنهَا. قَالَ المُصَنّف: قد سبق الْكَلَام فِي الْأَوَانِي، والإبريق دَال على الْكثير السُّجُود والخدمة. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني آكل إبريقا، قلت لَهُ: بِعْت ديكا وأكلت ثمنه، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أنني صرت إبريقا، قلت: تصير صَاحب صَوت كالمؤذن والحارس وَالْمُغني وَنَحْو ذَلِك، فَصَارَ مُؤذنًا، وَكَانَ دَلِيله أَن المَاء إِذا قلب فِيهِ يبْقى لَهُ صَوت. دلّت أواني الإغتسال على المطلعين على الْأَسْرَار لقربهم من العورات، الدافعين الْأَذَى لزوَال الْوَسخ بهم، الكاتمين الْأَسْرَار لكَوْنهم لَا ينطقون بِمَا يجاوروه. وَاعْتبر الْجمع فِي الْأَوَانِي. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت إنْسَانا أهْدى لي شربات، قلت: كَانُوا ملاحا، قَالَ: لَا، قلت: احْتَرز مِنْهُ فَإِنَّهُ بَيت لَك على شَرّ. وَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أنني ملكت غلاية، قلت: تملك حَماما،
فملكه. وَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أَن وَلَدي يشرب من غلاية، قلت: تمرض أمه بالحمى ويرضع ذَلِك. وَمثله قَالَ آخر، قلت: ابْنك مَرِيض بالحمى الْبَارِدَة، قَالَ: نعم، قلت: فَشرب من الغلاية مَاء حارا، قَالَ، نعم: قلت: يتعافى، فَعُوفِيَ. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن عِنْدِي نعَامَة آكلها، قلت: عنْدك غلاية، والساعة تبيعها وتأكل ثمنهَا، فَجرى ذَلِك. وأشبهت النعامة لِأَن النعامة تَأْكُل النَّار، وتشرب المَاء فِي بَطنهَا، فَأَشْبَهت الغلاية الَّتِي جمعت فِي بَطنهَا بَين المَاء وَالنَّار. وَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أنني صرت غلاية، قلت: تمرض بوجع الْفُؤَاد، وَتصير أَيْضا ضَامِن حمام، فَجرى لَهُ ذَلِك. وَمثله قَالَ آخر، قلت لَهُ: تَأْكُل أَمْوَال الْيَتَامَى، فَكَانَ كَذَلِك، لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {إِن الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما إِنَّمَا يَأْكُلُون فِي بطونهم نَارا وسيصلون سعيرا} . وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني صرت خابية ملآنة مَاء، قلت: نخشى عَلَيْك الاسْتِسْقَاء، فَجرى ذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني صرت زبرا كَبِيرا والسقاؤون يقلبون فِي المَاء وَهُوَ كدر، قلت: نخشى عَلَيْك أَن تعذب بسقاية الْحل والجير وَنَحْو ذَلِك، فَجرى لَهُ ذَلِك. وَقد سبق الْكَلَام على الحكم فِي الزرابيل والقباقيب وَنَحْو ذَلِك فافهمه.
[189]
فصل: الجرار، والخوابي، وآنية المَاء: دالون على أهل النَّفْع، وَالْخَيْر. والقبقاب: ولد، أَو عبد، أَو دَابَّة، أَو مَال طَوِيل الْإِقَامَة. وَهُوَ لمن لَا يعتاده: نكد، وتعويق من أُمُور. وَيدل على إِظْهَار الْأُمُور
الْخفية. وَهُوَ لمن يمشي بِهِ فِي الطين: خلاص من نكد، أَو سفر فِيهِ رَاحَة. فَجمع مَا ذكرنَا فهم أَيْضا: دالون على الدَّوَابّ، والدور، وَالْعَبِيد، والملابس، والمعايش، والأقارب. وهم للعزاب زَوْجَات. وَكَذَلِكَ كل مَا أشبههم. فَمَا حدث فيهم من صَلَاح، أَو فَسَاد: عَاد إِلَى ذكرنَا.
[190]
فصل: وَأما المالهي، كالطبل، وَالزمر، والدف، وشبههم: فَلَهو وأخبار بَاطِلَة. وَأما الْعود، والجنك، وأمثالهم: فأناس مسموعون القَوْل، لَا دين لَهُم. وَأما النقارات: فأخبار، وتجهيز جنود. وَكَذَلِكَ البنود. وَأما من غنى فِي الْمَنَام: فَكل من سمع صَوته، اطلع على أسراره. وَأما الرقص، لمن لَا عَادَة لَهُ بِهِ: هموم، وأنكاد، وأسفار مشقة. قَالَ المُصَنّف: دلّت أصوات الطَّرب على الْبَاطِل من القَوْل لِأَنَّهُ لَا حَقِيقَة لذَلِك، فالطبل يدل على الرجل الجسيم المنظر العديم الْمخبر؛ بَاطِنه
ولاش. وَالزمر: ناقل للْكَلَام، لكَونه مُخْتَصًّا بالفم، وَيكون كلَاما غير مُفِيد، وَرُبمَا كَانَ الزمر ترجمانا. والدف: رجل مَرْفُوع على الرؤوس. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني أَسجد لدف، قلت: تحب غُلَاما فِي آذانه حلق وَهُوَ كثير الضحك مدور الْوَجْه وَكثير الْبكاء أَيْضا لِكَثْرَة مَا يضْرب، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أَسجد / لجنك، قلت: أَنْت تحب إنْسَانا تركمانيا أَو بدويا على رَأسه طرطور، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ لي ملك: رَأَيْت أنني نصبت جنوكا على الْبَلَد، قلت: تحاصر بَلَدا وتنصب المناجنيق عَلَيْهِ، لِأَن الأوتار فِيهِ شبه حبال المنجنيق. وَقَالَت امْرَأَة: رَأَيْت فِي حجري عودا أضْرب بِهِ، قلت: ترزقين ولدا وتناغيه وَهُوَ فِي حجرك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني صرت عودا، قلت: تلوي عَلَيْك المعاصير وتزعق من ذَلِك. وَالْمُغني فِي الْمَنَام هُوَ شاكي مظهر لما فِي قلبه من ألأسرار، فَإِن كَانَ يُغني لغيره بِصَوْت مليح فَهُوَ رجل حُلْو اللِّسَان، خَبِير بِإِخْرَاج مَا فِي الْقُلُوب والبواطن من الْأَسْرَار، وَيدل ايضا على أَنه يَقع بفؤاده ألم أَو بحلقه أَو بِرَأْسِهِ؛ لتألم أُولَئِكَ من كَثْرَة الْغنى. كَمَا دلّ الرقص على كَثْرَة التَّعَب من كَثْرَة الترداد، وعَلى وجع الرَّأْس لغَلَبَة الدوخة فِي الرَّأْس عِنْد كَثْرَة الحركات، والأسفار. فَافْهَم ذَلِك موفقا.
[191]
فصل: اللّعب بالنرد، وَالشطْرَنْج، وَمثله: يدل على الْمُقَاتلَة مَعَ غَيره، وعَلى الشّبَه فِي المكاسب. وعَلى تعطل الْعِبَادَة، والانتقال من مَكَان إِلَى آخر فِي طلب غَرِيم. وَإِن كَانَ مَرِيضا، وَتمّ اللّعب: مَاتَ، لِأَن آخِره شاه مَاتَ. وَإِن كَانَ سليما: بلغ مُرَاده. ورؤية الملاهي، والنوائح، أَو
الصوائح، أَو اللَّطْم، أَو السوَاد، فِي الْمَكَان الَّذِي لَيْسَ لَهُ عَادَة بذلك: فَهُوَ دَال على الهموم، وَالْأَحْزَان، وخراب الْمَكَان، وفراق الْأَحِبَّة. قَالَ المُصَنّف: دلّ اللّعب بالشطرنج والنرد وَشبهه على الْمُقَاتلَة لكَون كل خصم مُجْتَهدا فِي غلب غَرِيمه، وعَلى الشُّبْهَة فِي المكاسب لكَون أَخذ الرَّهْن عَلَيْهِ بِغَيْر حق، وعَلى ترك الْعِبَادَة لكَونه لعبا واللعب ضد الْعِبَادَة، وعَلى كَثْرَة الْأَسْفَار فِي طلب الْغُرَمَاء لِأَن اللاعب ينْقل مَا بَين يَدَيْهِ شبه الْغُرَمَاء الطالبين بَعضهم بَعْضًا، فافهمه. ودلت الملاهي على الأنكاد لما يغرم عَلَيْهَا، وَلما يحصل من تغير الْعقل والحركات عِنْد سماعهَا، وَلما يلهي الْإِنْسَان عَن أشغاله، وَلِأَن الْعُقَلَاء يرَوْنَ تَركهَا إِلَّا من
ضَرُورَة، وتذهل سمع السَّامع، وترجف من لَا عَادَة لَهُ بهَا، وَإِذا كَانَت هَذِه مَعَ اسْتِعْمَال النَّاس لَهَا تُعْطِي الأنكاد فَمن طَرِيق الأولى عَلَامَات الْحزن الَّتِي ذَكرنَاهَا على الأفراح. كَمَا قَالَت لي امْرَأَة حَامِل: رَأَيْت عِنْدِي زمرا وطبلا، قلت: ترزقين ولدا ذكرا، وتفرحين بِهِ. وَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت عِنْدِي نقارات وبنودا، قلت: أَنْت جندي تتقدم وترزق الإمرة، فَجرى ذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن عِنْدِي جنكا وعودا يضربان خفيه، قلت: أَنْت تشرب خُفْيَة، قَالَ: نعم.
[192]
فصل: وَأما السكر من أكل شَيْء، أَو شرب شَيْء، لمن يحرمه: هموم، وأحزان، وَزَوَال عز، ومطالبات بديون، وَغَيرهَا. لكَونه
فَاعل ذَلِك يطْلب بالتعزير، أَو بِالْحَدِّ. وَأما السكر، من غير شَيْء: يدل على قَضَاء الدُّيُون، والخلاص من الشدائد. بِكَوْنِهِ لَا يُكَلف من حَال سكره بِشَيْء. هَذَا إِذا لم يتخبط. وَأما إِن تخبط كَانَ رديا. قَالَ المُصَنّف: اعْتبر السكر من الجامدات والسائلات، وَتكلم عَلَيْهِ. وَمن الْأَصْوَات أَيْضا. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن هدهدا يترنم بِصَوْت مليح وَأَنا أطرب، قلت: تمايلت، قَالَ: نعم، قلت: قُدَّام النَّاس، قَالَ: نعم، قلت: خلاف عادتك، قَالَ: نعم، قلت: يحصل لَك نكد من جليل الْقدر، وَرُبمَا تكون رَسُولا بِكَلَام يهددك بِهِ، قَالَ: جرى ذَلِك، قلت: وَكَانَ عَلَيْهِ ثوب ملون، قَالَ نعم. وَمثله قَالَ آخر - غير أَنه قَالَ مَا كَانَ بَين النَّاس - قلت: قدم عَلَيْك بِشَارَة على يَد إِنْسَان على رَأسه طرطور، وَمَعَهُ كتاب، قَالَ: نعم. وَقَالَ آخر: رَأَيْت / أنني أكلت من رطب نَخْلَة فسكرت مِنْهُ، قلت: يحصل لَك نكد من امْرَأَة، وَرُبمَا تكون اسْمهَا مَرْيَم، أَو لَهَا بنت اسْمهَا كَذَلِك، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أكلت زيتا
فسكرت مِنْهُ، قلت لَهُ: تتنكد بِمَرَض فِي رَأسك أَصله صفراء. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن نَخْلَة ضربتني فسكرت من ضربتها، قلت لَهُ: يَقع فِي رَأسك سهم نشاب أَو حجر فتتنكد مِنْهُ، فَجرى ذَلِك. وعَلى هَذَا فقس.
[193]
وَأما السكر من خوف الله تَعَالَى، أَو قِرَاءَة قُرْآن، أَو سَماع موعظة: فدال على الْعِبَادَة، والرفعة. قَالَ المُصَنّف: دلّ السكر من خوف الله تَعَالَى وَقِرَاءَة كَلَامه الْعَزِيز واستماعه الموعظة على الْعِبَادَة والرفعة لاشتغال الْبَاطِن وحجب الظَّاهِر عَن أُمُور الدُّنْيَا، وَيدل على الرَّاحَة، وَقَضَاء الدُّيُون، وتوبة الْفَاسِق، والإنتقال من دين إِلَى دين أحسن مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ فِي حق الْكَافِر، وَيدل فِي ذَلِك أَيْضا على أَنه قَالَ لي بعض المتعبدين: رَأَيْت أنني سَكرَان من خوف الله تَعَالَى وَأَنا أتواجد، قلت: تزداد عبَادَة وَبرا ويتجدد لَك فِي اعتقادك أحسن مِمَّا كنت عَلَيْهِ، قَالَ: صَحِيح، قلت: وتوت شَهِيدا، فَمَاتَ قتل الْكفَّار فِي سَبِيل الله تَعَالَى. وَمثله رأى آخر، قلت: يَأْتِي إِلَيْك أحد نواب الْمُلُوك ويعطيك رَاحَة من الدُّنْيَا تبقى فرحان بهَا، فَجرى لَهُ ذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني اقْرَأ {تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا} وَأَنا سَكرَان من قرائتها، قلت لَهُ: أَنْت رجل مُتَوَلِّي، وَلم أَمْلَاك ودور، وَقد تحدثت أَنْت وشخص مِمَّن يَتْلُو الْكتاب الْعَزِيز فِي أَن تتْرك الْولَايَة، وَتوقف أحسن أملاكك، قَالَ: نعم، قلت: وَصفَة الْفَقِيه مصفر اللَّوْن طَوِيل الْقَامَة، واسْمه سُلَيْمَان، قَالَ: نعم، وَهُوَ يصنع المراوح، قَالَ: نعم، وَكَانَ دَلِيله أَن الْمُتَّقِينَ غَالِبا عِنْدهم خوف، وَفِي وَجه الْخَائِف أبدا إصفرار، وَكَونه طَوِيل الْقَامَة لِأَن
الْقُرْآن كثير الْإِقَامَة بَين أظهر النَّاس إِلَى يَوْم الدّين، وَالْبَاقِي فِي سُورَة النَّمْل وفيهَا سُلَيْمَان وَعَمله. فَافْهَم ذَلِك.
[194]
وَأما الْجُنُون: فدال على النكد، من أَقوام كفار، أَو فساق. قَالَ المُصَنّف: دلّ الْجُنُون على النكد من قوم كفار لكَوْنهم مستورين؛ وَالْكفْر فِي اللُّغَة هُوَ السّتْر، أَو من لِأَن الْغَالِب على الْجِنّ الَّذين يُؤْذونَ الْفسق.
[195]
فصل: الْإِغْمَاء، وَالنَّوْم: كل مِنْهُم دَال على رَاحَة التعبان، وخلاص من هُوَ فِي شدَّة. وتعطيل الْمُسَافِر عَن سَفَره، وللعابد عَن عِبَادَته. وعَلى النكد يَقع بالحراس. وعَلى أَمن الْخَائِف. فَإِن نَام فِي مَوضِع لَا يَلِيق بِهِ: دلّ على النكد. وَرُبمَا: دلّ ذَلِك على السّفر. قَالَ المُصَنّف: دلّ النّوم وَالْإِغْمَاء على مَا ذَكرْنَاهُ لما علمنَا أَنه يرِيح الْأَبدَان، ونكد بالحراس لِأَن من شَأْنهمْ السهر فَإِذا نَامُوا عوقبوا، وَدلّ على السّفر لكَون روح النَّائِم تسرح فِي أَمَاكِن غير مَكَانَهُ الَّذِي هُوَ فِيهِ.
[196]
فصل فِي الطَّاعَات: الصَّلَوَات الْمَشْرُوعَة: دَالَّة على التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى، وعَلى الْعِزّ، والجاه، والرفعة، والغنى، وَقَضَاء الْحَوَائِج، والديون. فَإِن تمت لَهُ: تمّ لَهُ مَا ذكرنَا. وَأما النَّوَافِل، والتطوعات: يدلوا على زِيَادَة الْخيرَات، وَدفع البلايا من حَيْثُ لَا يحْتَسب. ويدلوا على مَا دلّت عَلَيْهِ الْفُرُوض. وَأما الْوضُوء: فدال على شرح الصَّدْر، وَقَضَاء الدّين والحوائج، وخدمة الأكابر. وعَلى التَّوْبَة. فَإِن صلى: حصل لَهُ مَا ذكرنَا، وَإِلَّا: تَأْخُذ
أكبر مَطْلُوبه. قَالَ المُصَنّف: دلّت الطَّاعَات على التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى، دليلها ظَاهر. ودلت على الْعِزّ والرفعة لكَون مخدومه رَاض عَلَيْهِ، وَمن واضب ذَلِك أحبه الله وأحبه النَّاس، وَأعْطى الْعِزّ والرفعة. وَدلّ على الْغنى لِأَن الطَّاعَات مدخرة للْإنْسَان إِلَى يَوْم الْحَاجة، فَهُوَ كالغني الَّذِي لَهُ ذخائر يجدهَا. وَدلّ على قَضَاء الْحَوَائِج لتقربه من ربه / عز وجل، أَو لمن دلّ الْبَارِي عَلَيْهِ، وَمن تقرب قبل فِي غَالب الْأَحْوَال. وعَلى قَضَاء الدُّيُون لِأَنَّهَا وَاجِبَة فِي ذمَّته، وَقد برأت ذمَّته بأدائها. وَإِذا رأى كَأَنَّهُ يقْضِي مَا فَاتَهُ من الْفُرُوض دلّ على اسْتِدْرَاك مَا فَاتَهُ من
الْفَوَائِد؛ كالخاسر فِي مكاسبه دلّ على الْخلف عَلَيْهِ مِمَّا فَاتَ، وكالغافل عَن زَكَاته وَحفظ مَاله دلّ على بَرَاءَة ذمَّته بعد شغلها وحرز مَاله بعد ضيَاعه، وإيصاله بالخدم والأكابر بعد انْقِطَاعه عَنْهُم وادراك من سبقه فِي الْعَمَل. حَتَّى قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت كأنيي أَقْْضِي فوائت كَثِيرَة، قلت: تهاونت فِي عمَارَة مَكَان حَتَّى سَبَقَك خصمك وَعمر، قَالَ: نعم، قلت: عزمت على الْعِمَارَة، قَالَ: صَحِيح. وَمثله قَالَ آخر، قلت: طلبت سفرا وكسلت فسبقك الْقَوْم ثمَّ تجهزت للسَّفر، قَالَ: نعم، قلت: يحصل لَك. وَمثله قَالَت جَارِيَة، قلت لَهَا: كنتي بعيدَة من مولاكي مهجورة غافلة عَن خدمته، قَالَت: صَحِيح، قلت: تقربي بعد بعد، وَتصلي بعد هجر. والنوافل دَالَّة على زِيَادَة الْخيرَات لِأَن الْفُرُوض رُؤُوس الْأَمْوَال والنوافل زِيَادَة على ذَلِك فَهُوَ ربح، وَدفع البلايا، فَإِن كَانَ لَهُ أَوْلَاد رزق عَلَيْهِم وَلدين ذكرين، وَرُبمَا يكونَانِ توأما؛ لقَوْله تَعَالَى {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب نَافِلَة} ، وَدلّ على بَاقِي الْخيرَات لِكَثْرَة مَا ورد عَن الله تَعَالَى فِي ثَوَاب ذَلِك.
وَدلّ الْوضُوء على شرح الصَّدْر لزوَال الْوَسخ، وَحسن الْبدن بعد رداءة منظره. وَكَذَلِكَ الْغسْل من الْجَنَابَة وَالْحيض. وَدلّ على بَاقِي أَحْكَامه من قَضَاء الدُّيُون والحوائج وَنَحْو ذَلِك كَمَا دلّت الْفُرُوض. فَإِن صلى لما تَوَضَّأ لَهُ بلغ مُرَاده وَإِلَّا فَلَا. وَتكلم على مَا تَوَضَّأ. كَمَا قَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أنني أتوضأ لأصلي صَلَاة الْكُسُوف، قلت: عزمت على السَّعْي فِي خلاص مسجون، قلت: نعم. وَمثله قَالَ آخر، قلت: صليت، قَالَ: نعم، قلت: خلصت غريقا. وَمثله قَالَ آخر، قلت: سعيت فِي رد مَعْزُول إِلَى منصبه، قَالَ: نعم، وَمثله قَالَ آخر، قلت: شفعت فِي عود إِنْسَان إِلَى بَلَده أَو منزله، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني تَوَضَّأت لأصلي على جَنَازَة، قلت: شفعت فِي مُسَافر إِلَى عِنْد مخدومه، قَالَ: نعم. وَقَالَ آخر: تَوَضَّأت لأصلي صَلَاة الاسْتِسْقَاء، قلت: أنقذت إنْسَانا من ألم الْعَطش، قَالَ: نعم. وَقلت لآخر: شفعت فِي خلاص حق لإِنْسَان من الْمِيَاه، قَالَ: نعم. وَإِذا فسد وضوءه أَو صلَاته بِمَا سَيَأْتِي لم يتم لَهُ شَيْء مِمَّا قَصده.
[197]
فصل: فَإِن تَوَضَّأ بِمَا لَا يَصح الْوضُوء بِهِ، أَو صلى إِلَى غير الْقبْلَة، أَو على غير طَهَارَة، أَو قَرَأَ بالأعجمية لمن يقدر على الْعَرَبيَّة، أَو
بالأشعار: لم يتم لَهُ شَيْء من ذَلِك. وَيكون على بِدعَة، أَو ضَلَالَة، وَهُوَ يعْتَقد أَنه على الصَّوَاب. وَأما التَّيَمُّم: دَال على مَا دلّ عَلَيْهِ الْوضُوء، إِلَّا أَنه أنقص مِنْهُ. وَيدل على السّفر، وعَلى مرض السَّلِيم، وعافية السقيم. وَأما الْيَتِيم، مَعَ وجود المَاء: يدل على الْأَعْمَال الْبَاطِلَة.
قَالَ المُصَنّف: قَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أنني أَقرَأ فِي الصَّلَاة بالأشعار،
قلت: تتقرب إِلَى الأكابر بالشعر، وَلَا يقبلوك. وَآخر قَالَ: كنت أَقرَأ بالأعجمية، قلت: تصير ترجمانا، وتقف قُدَّام جليل الْقدر، وتتكلم بِخِلَاف الْمَقْصُود مِنْك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أُصَلِّي إِلَى غير قِبْلَتِي، قلت: يَأْمُرك كبيرك بِأَمْر تفعل خِلَافه، وتعتقد أَنَّك ممتثل. وَمثله قَالَ آخر، قلت لَهُ: ينْتَقل دينك إِلَى الْجِهَة الَّتِي صليت إِلَيْهَا. وَدلّ التَّيَمُّم على مَا دلّ الْوضُوء عَلَيْهِ لكَونه تُؤَدّى بِهِ الْفُرُوض والنوافل، وَدلّ على السّفر لِأَن الْغَالِب اسْتِعْمَاله فِي الْأَسْفَار، وَلمن هُوَ فِي عَافِيَة دَال
على مَرضه إِذا لم يكن مُسَافِرًا؛ لِأَن الْمَرِيض يُبَاح لَهُ اسْتِعْمَال ذَلِك إِذا عجز عَن الْوضُوء كَمَا قلت لمن صلى جَالِسا إنذار بِمَرَض، وَدلّ التَّيَمُّم على عَافِيَة الْمَرِيض لِأَن التَّعَب فِي حركات الْوضُوء كثير وَالتَّيَمُّم أنزل مِنْهُ، وَإِذا بَطل عَنهُ التَّعَب زَالَ عَنهُ تَعب / الْمَرَض فَافْهَم ذَلِك.
[198]
فصل: من قَرَأَ الْقُرْآن، أَو شَيْئا من الْكتب الَّتِي يعْتَقد فِيهَا: فَانْظُر فَإِن كَانَت آيَات رَحْمَة فبشره، وَإِن كَانَت تخويفا فحذره، وَإِن لم يعرف مَا كَانَت فَذَلِك خير وَفَائِدَة. خُصُوصا إِن كَانَ بِصَوْت مليح، وَالنَّاس يَسْتَمِعُون، ويتلذذون بِهِ: فَإِنَّهُ يدل على الْمنزلَة، والذيت الْحسن. وَأما الْأَذَان، أَو رفع الصَّوْت بِذكر الله تَعَالَى، وَهُوَ مَكْشُوف الْعَوْرَة: دَال على اشتهار، ونكد ردي.
قَالَ المُصَنّف: إِنَّمَا دلّ الْأَذَان وَالذكر على مَا ذكرنَا لِكَثْرَة ميل النُّفُوس الشَّرِيفَة إِلَى استماعه وَالْعَمَل بِهِ، فَإِن فعل ذَلِك من لَا يَلِيق بِهِ دلّ على النكد. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: أرى كثيرا أنني أءذن فِي غير الْوَقْت، قلت: لَهُ أَنْت كثير الْكَذِب فِي أقويلك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أَذِنت على دَار عالية فِي بلد كفر بِصَوْت ردي، قلت لَهُ: يَقع لَك نكد بطرِيق امْرَأَة فِي ذَلِك الْمَكَان. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أءذن فجَاء إِنْسَان فَقطع عَليّ الْأَذَان وضربني وأسال دمي، قلت لَهُ: تقع فِي حَرْب وَتذهب أذناك، فَجرى ذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن امْرَأَتي تؤذن، فَقلت: هِيَ عَجُوز، قَالَ: نعم، وَهِي ذَات دين وَصَلَاح، قلت: هِيَ تستأذن النَّاس فِي فَرح، قَالَ: نعم. فافهمه.
[199]
فصل: الْحَج، أَو زِيَارَة الْأَمَاكِن الشَّرِيفَة، كالقدس، وقبور الْأَنْبِيَاء وَالصديقين: فَهُوَ دَال على مَا دلّت عَلَيْهِ الصَّلَوَات. وعَلى رفع
فارغة
الْمنزلَة، والأمن من الْخَوْف، وعَلى خدمَة الأكابر، والتقرب مِنْهُم. وعَلى
التَّزْوِيج، وَكَثْرَة الْفَوَائِد. وَقَضَاء الدُّيُون، والحوائج. فَإِن ثمَّ ذَلِك: ثمَّ لَهُ مُرَاده، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ المُصَنّف: اعْتبر بِمَا يَلِيق أَن تفعل كل أمة فِي حَجهَا، وأعطه من أَحْكَامه على مَا يَلِيق بِهِ. كَمَا قَالَ مُسلم: رَأَيْت أنني سجدت لقبر مُوسَى بن عمرَان، قلت لَهُ: تذل فِي خدمَة ليهودي أَو سامري. وَقَالَ لي يَهُودِيّ: رَأَيْت أنني أكنس حول قبر مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، فَقلت لَهُ: تسلم وتجاور عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ كَمَا ذكرت. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أبني قبر أَيُّوب عليه السلام، قلت لَهُ: أصلحته جيدا، قَالَ: نعم، قلت لَهُ: أَنْت تداوي مَرِيضا، وَهُوَ يتعافى، فَكَانَ كَذَلِك.
[200]
فصل: وَأما السُّجُود إِلَى غير جِهَة الْعِبَادَة، أَو مِمَّن هُوَ جَالس،
أَو نَائِم، وَهُوَ قَادر على الْقيام: فدليل على فَسَاد دينه، وبدعته. وَرُبمَا دلّ السُّجُود للأصنام، أَو الشّجر، أَو الْقُبُور: على الْخدمَة لمن لَا يَنْفَعهُ. قَالَ المُصَنّف: إِذا سجد لغير جِهَة الْعِبَادَة من غير عذر: دلّ على التَّقْصِير فِي دين الساجد، وَرُبمَا دلّ ذَلِك على السّفر أَو الْمَرَض الَّذِي يُوجب ذَلِك. كمن رأى أَنه سجد بَين قِبْلَتِي الْمُسلمين وَالنَّصَارَى، قلت لَهُ: تخْدم مَكَانا فِيهِ مُسلم وذمي، قَالَ: نعم. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أَسجد لصنم وَأَنا أبْكِي، قلت لَهُ: تخْدم مَيتا، وتبكي عَلَيْهِ. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تخْدم رجلا جَاهِلا لَا ينفع مَعَه الْخَيْر. وَمثله قَالَ آخر، قلت لَهُ: كَانَ الصَّنَم لَك، قَالَ: نعم، قلت: عنْدك ولد أَو قرَابَة أخرس أَو زمن، وَأَنت تعبان فِي خدمته، ضيق الصَّدْر لأَجله، قَالَ: صَحِيح.
[201]
وَأما صَلَاة الْخَوْف: فتدل على الحروب، والمخاوف. وَأما صَلَاة الْكُسُوف: فتدل على أَن الْمُصَلِّي يسْعَى فِي خلاص من دلّ الشَّمْس، أَو الْقَمَر، عَلَيْهِ.
قَالَ المُصَنّف: اعْتبر الْخَوْف هَل هُوَ من بني آدم؛ أَو من غَيرهم، أَو خَافَ أَن يُدْرِكهُ غَرِيمه؛ أَو يفوتهُ بهربه، فاحكم عَلَيْهِ بِمَا يَلِيق بِهِ. كَمَا رأى إِنْسَان أَن غزالة تطلبه وَهُوَ هارب مِنْهَا وَصلى صَلَاة الْخَوْف، قلت: تُسَافِر من خوف امْرَأَة. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني صليت كَذَلِك من خوف أَشجَار تطلبني، قلت: تهرب من ضَمَان بُسْتَان أَو ثمن خشب أَو فواكه، فَكَانَ كَذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت كأنني صليت صَلَاة الْخَوْف فِي طلب نُجُوم تهرب مني حَتَّى أمسك وَاحِدًا مِنْهُنَّ، فَقلت لَهُ: لَك على أحد من أَرْبَاب / نجامة حق وَقد هرب مِنْك، قَالَ: نعم، قلت إِن كنت مسكت مِنْهُنَّ شَيْئا حصل لَك قصدك وَإِلَّا فَلَا. وَمثله قَالَ آخر، قلت لَهُ: لَك حق على منجم بأشهر وَقد اسْتحق وَهُوَ يهرب مِنْك، فَكَانَ كَذَلِك. وَأما الصَّلَاة من خوف الله تَعَالَى تدل على الْأَمْن وَالظفر بِالْحَاجةِ فَافْهَم ذَلِك. وَاعْتبر صَلَاة الْكُسُوف. كمن رأى أَن الثريا انكسفت، قلت لَهُ: تسْعَى فِي خلاص امْرَأَة من شدَّة. وَقَالَ آخر: رَأَيْت الهقعة كسفت وَصليت لذَلِك، قلت: يذهب لَك ميزَان، ثمَّ تَلقاهُ. وَمثله قَالَ آخر، قلت: يعْدم لَك صَغِير ثمَّ مليقيه، فَكَانَ كَذَلِك، لِأَنَّهَا كالميزان عِنْد الْعَامَّة وشكلها كَابْن آدم. فَافْهَم ذَلِك.
[202]
فصل: الصّيام: يدل على مَا دلّت الْعِبَادَات عَلَيْهِ. وَهُوَ لمن يطْلب سفرا: بطالة من سَفَره، أَو شدَّة يلقاها فِي سَفَره. وَيدل على عَافِيَة
الْمَرِيض، الَّذِي لَا يصلح لَهُ الْأكل. وَلمن يصلح لَهُ الْأكل: موت. وَرُبمَا دلّ الصّيام: على قطع علائق الدُّنْيَا، أَو بطلَان المعايش. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر حَال الصَّائِم. كمن رأى أَنه كثير الصَّوْم وَهُوَ لَا يَلِيق بِهِ ذَلِك، قلت لَهُ: يَقع فِي فمك عيب يمنعك الْأكل. وَقَالَ آخر: رَأَيْت كل من عِنْدِي صِيَام، قلت لَهُ: دوابك وكل من عنْدك لم يحصل لَهُم شَيْء من الْأكل، فَقَالَ: نعم، لِأَن الشَّاعِر يَقُول:
(خيل صَائِم وخيل غير صَائِمَة
…
)
وكآخر قَالَ: رَأَيْت أنني صمت يَوْم الْعِيد، قلت: تفعل مَكْرُوها عكس ذَلِك. وَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أنني استفرغت جَمِيع أواني الْبَيْت وبطون الْأَوْلَاد والأهل، قلت: ألزمتهم جَمِيعًا بِالصَّوْمِ، قَالَ: صَحِيح. وَمثله قَالَ آخر، قلت لَهُ: غضِبت على من عنْدك فمنعتهم الْأكل، قَالَ: نعم. وعَلى هَذَا فقس.
[203]
فصل: وَأما الِاعْتِكَاف والرباط: فيدلان على مَا دلّت عَلَيْهِ الْعِبَادَات. وعَلى خدمَة الأكابر، مِمَّن فيهم الرَّاحَة. وعَلى تَعْطِيل المعايش. وَرُبمَا دلّ الرِّبَاط على حُدُوث حروب.
قَالَ المُصَنّف: اعْتبر الِاعْتِكَاف والرباط. كَمَا قَالَ ذمِّي: رَأَيْت أنني اعتكفت فِي مَسْجِد، قلت: يحسبك مُسلم على حق، فَكَانَ كَذَلِك. وَمثله قَالَ آخر، قلت لَهُ: فَكنت تخْدم الْمَسْجِد وَأَنت فرحان فِي النّوم، قَالَ: نعم، قلت: تحب مُسلما؛ إِمَّا مقرئ أَو مُؤذن، فَقَالَ: صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت كأنني مرابط فِي مركب فِي بَحر، فأعجبك الْمركب، قَالَ: نعم، قلت: تحب إِمَّا رَئِيس مركب أَو نوتيا، فَقَالَ: أَنا أحب صَبيا نوتيا. فَافْهَم.
[204]
وَأما الْجِهَاد للْكفَّار، أَو لعدو ظَاهره ردي: فدليل على تَعب، ونكد، وَمن ذَوي الْبدع. لَكِن الْعَاقِبَة سليمَة، لمن كَانَ لَهُ الغلب. قَالَ المُصَنّف: اعْتبر الْمُجَاهِد وَلمن يُجَاهد. كمن قَالَ: رَأَيْت أنني أجتهد مُسلمين وأعتقد أَنهم قد صَارُوا مجوسا، قلت: يحصل لَك خصام مَعَ أَقوام يَعْتَقِدُونَ حل نِكَاح الْمَحَارِم؛ كالأم وَالْأُخْت وَنَحْو ذَلِك، قَالَ: جرى ذَلِك. وَمثله قَالَ آخر، قلت لَهُ: يَقع لَك نكد مَعَ منجمين وَمِمَّنْ يتعانى الشَّمْس وَالنَّار، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أقَاتل الْمَلَائِكَة، قلت لَهُ: أَنْت تتعانى صيد الطُّيُور، قَالَ: صَحِيح. وَمثله رأى آخر جليل الْقدر، قلت لَهُ: يَقع لَك خصام مَعَ حَاشِيَة الْملك، قَالَ صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أجاهد الحواريين، قلت لَهُ: تخاصم أَقْوَامًا قصارين، فَكَانَ كَذَلِك. وَقَالَ لي نَصْرَانِيّ: رَأَيْت أنني أقَاتل النَّصَارَى وكأنني مُسلم، قلت لَهُ: أَنْت
تتعانى الْعُلُوم، قَالَ: نعم، قلت لَهُ: تخاصم أَرْبَاب دينك على التَّوْحِيد، قَالَ: صَحِيح.
[205]
فصل: وَأما الزَّكَاة، وَالصَّدَََقَة، والهدية، يدلوا لمن فعلهم: على كَثْرَة الْفَوَائِد، والراحات، وَرفع الْمنزلَة. وعَلى دفع البلايا، لِأَنَّهُ يُقَال فِي الْمثل السائر: الْهَدِيَّة تدفع بلَاء الدُّنْيَا، وَالصَّدَََقَة تدفع بلَاء الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر الْمخْرج لِلزَّكَاةِ، وَعَمن زكى، وَمن أَيْن أخرج. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني أخرج بَعِيرًا من ثَلَاثَة أَبْعِرَة زَكَاة، قلت لَهُ: أَنْت مُتَوَلِّي، / قَالَ: نعم، قلت: سلمت غزلا إِلَى غير مُسْتَحقّه، أَو عبدا إِلَى غير مَالِكه، لِأَن الثَّلَاثَة لَا زَكَاة فِيهَا. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أسرق وَأخرج مِنْهُ الزَّكَاة، قلت: أَنْت تتقرب إِلَى الله عز وجل بالحرام. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أخرج من الْفضة وَالذَّهَب حَيَوَانا، قلت لَهُ: عنْدك عبيد أَو مَاشِيَة للتِّجَارَة وَأَنت تكاسر عَن الزَّكَاة فأخرجها، فَفعل ذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أخرج الزَّكَاة تَمرا وأرجع آكله، قلت: تعْمل حِيلَة على الْفُقَرَاء فِيمَا تعطيهم وتصالحهم عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا بقيت أَعُود إِلَيْهِ. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أخرج الزَّكَاة وازرعها، قلت: أَنْت حَاكم تتصرف فِي أَمْوَال الْأَيْتَام وَالْمَسَاكِين بِمَا لَا يحل لكز فافهمه.
[206]
وَأما من أَخذ الصَّدَقَة، مِمَّن لَا تحل لَهُ: دلّ على عزل الْمُتَوَلِي، وفقر الْغَنِيّ. وعَلى الْأَمْوَال الْحَرَام. قَالَ المُصَنّف: اعْتبر من أَخذ الصَّدَقَة. كمن قَالَ: رَأَيْت أنني أخذت غنمة من الصَّدَقَة، قلت: يحصل لَك نكد لأجل امْرَأَة. وَأما دلَالَته على عزل الْمُتَوَلِي وَمَا ذَكرْنَاهُ؛ فلكونه فعل مَا لَا يَلِيق بِهِ. وَرَأى بعض الأكابر أَنه عبر إِلَى غنم للحسين رضي الله عنه فَأخذ مِنْهَا رَأْسا قهرا وَقَالَ: هَذِه زَكَاة، قلت لَهُ: تظلم بعض الْأَشْرَاف وَتَأْخُذ مَا لَيْسَ لَك، فَكَانَ كَذَلِك. وَرَأى شرِيف: أَنه أَخذ نَاقَة من الزَّكَاة وأعجبته وَركب عَلَيْهَا مقلوبا، قلت: أَنْت تحب امْرَأَة أَصْلهَا من الْبَوَادِي وتركب مِنْهَا مَا لَا يَلِيق ذكره، فَقَالَ: صَحِيح، وَرجع عَن ذَلِك. فافهمه.
[207]
فصل: وَأما من تصدق، أَو أهْدى، مَا لَا نفع فِيهِ - كالجيف، واللحوم الْمُحرمَة -: فَإِن كَانَ مُتَوَلِّيًا كَانَ ظَالِما، يحصل للنَّاس مِنْهُ أنكاد، وعَلى بِدعَة الْمهْدي إِلَيْهِ: نكد من الْمهْدي. وَأما الْوَدِيعَة: فَهِيَ سر الْمُودع، يطلع عَلَيْهِ الْمُسْتَوْدع. قَالَ المُصَنّف: اعْتبر مَا أودع، وَلمن أودع. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن إنْسَانا أودعني قَضِيبًا وَهُوَ يُغني، قلت: أجرك صَغِيرا غير أَنه يضْرب بِالْعودِ، قَالَ: صَحِيح، وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن إنْسَانا أودع عِنْدِي شَيْئا فِيهِ
جمَاعَة من الْحَيَوَان وَبني آدم؛ وَقَالَ: هَذَا علمي، قلت: اطَّلَعت على أَنه يصور، قَالَ: نعم. وَقَالَ آخر: أودع عِنْدِي إِنْسَان أقفاصا فِيهَا طيور ذَوَات صَوت، قلت: اطَّلَعت على أَن عِنْده أَرْبَاب طرب وغنى، قَالَ: نعم. وَمثله قَالَ آخر، قلت: اطَّلَعت على أَنه يحكم على سجون ومعتقلين، قَالَ: صَحِيح. فافهمه.
[208]
فصل: الدُّعَاء، وَالِاسْتِغْفَار، وَالتَّسْبِيح: دَال على النَّصْر، وَدفع البلايا، وَرفع الْمنزلَة، وغنى المحتاجين، وَقَضَاء الْحَوَائِج. لقَوْله تَعَالَى:{ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم} . وَرُبمَا دلّ الدُّعَاء: على نزُول حَادِثَة، لقَوْله تَعَالَى:{فلولا إِذْ جَاءَهُم بأسنا تضرعوا} . وَالله أعلم. قَالَ المُصَنّف: اعْتبر بِمَا دعى، وَلمن دعى، وأعطه مَا يَلِيق بِهِ، كَمَا ذكرنَا. وَإِن دعى بِغَيْر الله تَعَالَى كَانَ الْأَمر مِمَّا ذكرنَا. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت كأنني أدعوا الشَّمْس وأطلب مِنْهَا، قلت: تذْهب إِلَى اعْتِقَاد عباد الشَّمْس. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تطلب من امْرَأَة حَاجَة، وَيبعد أَن تقضى. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أدعوا إِلَى الْفلك، قلت لَهُ: تحْتَاج إِلَى أَرْبَاب طواحين أَو دواليب تَدور، فَكَانَ كَذَلِك.
وَأما إِن اسْتغْفر أَو طلب الْمَغْفِرَة من غير الله تَعَالَى فَاعْتبر ذَلِك على مَا يَلِيق، كمن رأى أَنه يسْتَغْفر من صنم وَيَقُول اغْفِر لي؛ فَإِنَّهُ يتَعَذَّر إِلَى من لَا يفعل مَعَه ذَلِك. وَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أنني أَقُول لشَجَرَة اغفري لي، قلت لَهُ: أَنْت أفسدت بمَكَان فِيهِ شجر، فَاسْتَغْفر الله تَعَالَى، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أَقُول لحيوان اغْفِر لفُلَان، قلت لَهُ: يشفع عنْدك جَاهِل فِي ستر عيب لمن طلبت الْمَغْفِرَة لَهُ فَكَانَ كَذَلِك.
( [بَاب: 12] الْبَاب الثَّانِي عشر فِي رُؤْيَة بني آدم)
[209]
وَهِي على خَمْسَة أَقسَام: فالصغير الَّذِي لَا ينفع - كأربع سِنِين فَمَا دونهَا - من حمله أَو صَار لَهُ أَو تحول فِي صفته: دلّ على النكد، لِأَنَّهُ صغَار، وَيحْتَاج إِلَى كلفة، وَلَا ينفع فِي شَيْء، وَلِأَن عِنْده من الْجَهْل مَا لَا يعرف الْجيد من الردي. قَالَ المُصَنّف: كَلَام / فِي رُؤْيَة بني آدم يحْتَاج إِلَى فكرة كَثِيرَة لِكَثْرَة
مَا يجب فِيهِ من الْجِنَايَات والديات وَنَحْو ذَلِك. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني ملكت جمَاعَة من بني آدم، قلت: تحسن أَن النَّاس. وَمثله قَالَ آخر غير أَنه قَالَ صَارُوا تماسيح، قلت: يكافؤك من تحسن إِلَيْهِ مُكَافَأَة التمساح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني ملكت جمَاعَة صغَارًا عرايا، قلت: عَلَيْك نذر كسْوَة الصغار أَو المحتاجين، قَالَ: صَحِيح. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تفتح مكتبا أَو دكانا تعلم فِيهِ صغَارًا، فَكَانَ كَذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت إنْسَانا قد ملكوه جمَاعَة من الصغار، قلت: يَقع بِهِ جُنُون ويعبث بِهِ الصغار. وَمثله قَالَ آخر، قلت لَهُ: تبتلى بحب الصّبيان وَيحصل لَك نكد، فَكَانَ كَذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني صَغِير، قلت: يخْشَى عَلَيْك زَوَال عقل أَو سجن، فَكَانَ كَذَلِك.
[210]
الْقسم الثَّانِي: من لَهُ خمس سِنِين فَصَاعِدا: فَهُوَ دَال على الْفَوَائِد والراحة، لكَونه ينفع فِي قَضَاء الْحَوَائِج. قَالَ المُصَنّف: إِذا ملك ابْن الْخمس فَصَاعِدا إِن كَانَت لَهُ حوائج قضيت وتيسرت أُمُوره. فَإِن خَرجُوا فِي الْكَثْرَة عَن عَادَة لَا تلِيق بِمثلِهِ دلّ على النكد والغرامة، لكَونه يجب عَلَيْهِ نَفَقَتهم. وَأما إِن ملك جمَاعَة من الشَّبَاب تمكن من أَعدَاء وأطاعوه.
[211]
الْقسم الثَّالِث: إِذا بلغ: صَار عدوا، لكَونه لَا يلْتَفت على
قَول من تَأمر عَلَيْهِ وينهاه.
الْقسم الرَّابِع: الكهل: إِن كَانَ السوَاد فِي لحيته أَكثر: فالجهل فِيهِ أَكثر وَإِن كَانَ الشيب أَكثر: فالخير وَالْعقل أَكثر. قَالَ المُصَنّف: إِذا حكم على كهول إِن كَانَ يطْلب حَاجَة تيَسّر بَعْضهَا، وَإِن كَانَ يحكم على جَيش أَو جمَاعَة حصل لَهُ نكد من بَعضهم، وَإِن كَانَ يطْلب علما أَو صَنْعَة حصل لَهُ أَكْثَرهَا.
[212]
الْقسم الْخَامِس: الشَّيْخ - من صَاحبه أَو كَلمه أَو حكم عَلَيْهِ وَكَانَ فِي صفة حَسَنَة -: دلّ على الْعِزّ والجاه، لكَونه فِي منزله الْعَارِف بالأمور، المجرب الَّذِي لَا يَأْمر إِلَّا بِمَا فِيهِ نفع. هَذَا كُله فِي الْآدَمِيّ الْمَجْهُول. قَالَ المُصَنّف: المشائخ يدلون على كَمَال مَا يطْلب، واتفاق أَصْحَابه وجنده، هَذَا إِذا كَانَ المشائخ فِي صفة حَسَنَة. وَأما إِن كَانُوا فِي الضعْف أَو
الْمَرَض إِلَى حَال ردي؛ انعكس ذَلِك كُله. وَأما إِن رأى الشَّيْخ أَنه اسودت لحيته سوادا مليحا كَانَ جيدا. كَمَا قَالَ لي شيخ: رَأَيْت أَن لحيتي اسودت، قلت لَهُ: لَك بساتين أَو زراعات أشرفت على التّلف من عَطش أَو غَيره وَقد رجعت انصلحت، قَالَ: صَحِيح. وَمثله قَالَ آخر، قلت: بَيْنك وَبَين امْرَأَة منافرة ثمَّ زَالَ ذَلِك، قَالَ: صدقت. وَمثله قَالَ آخر، قلت: غلب عَلَيْك أَرْبَاب الْجَهْل، قَالَ: صَحِيح. وَمثله قَالَ آخر وَكَانَ مَرِيضا، قلت: تعافى من مرضك، فَكَانَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ عَاد من بعد الضعْف قُوَّة. فَافْهَم ذَلِك.
[213]
فصل: من رأى من الصّبيان أَو النِّسَاء لَهُ لحية مليحة - وَلم يستحيي بهَا وَلَا أبصرهَا من يُنكر عَلَيْهِ ذَلِك -: فَإِن كَانَ أعزب تزوج، وَهِي للحائل حمل، وللحامل ولد، وَلمن لَهُ غَائِب يقدم عَلَيْهِ، وللفقير كسْوَة أَو زراعات، أَو أقَارِب أَو معارف يعتز بهم. لِأَن اللِّحْيَة جمال وهيبة. وَأما إِن رَآهَا ردية، أَو فِي مجامع النَّاس، أَو بَين من يُنكر عَلَيْهِ ظُهُورهَا: فَهِيَ وَالْعِيَاذ بِاللَّه هموم، وأنكاد، وَأمر يستحيي فِيهِ.
قَالَ المُصَنّف: وَأما أَن يتعانى حلق اللِّحْيَة فطلوعها لَهُم دَال على الردي. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان يتعانى حلقها: رَأَيْت أَن لحيتي طَالَتْ، قلت لَهُ: يَقع بزرعك أَو بستانك خراب وَيكثر فِيهِ الشوك والحشيش. وَمثله قَالَ آخر، قلت: يطلع بِوَجْهِك أَو برأسك طُلُوع ردي، فَكَانَ كَذَلِك. وَمثله قَالَ آخر، قلت: يضيع الموسى أَو المقص الَّذِي تحلق بِهِ، قَالَ: ضَاعَ. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تُسَافِر إِلَى بلد لَا تتمكن من حلق ذَلِك، أَو تعاشر قوما يمنعوك عَن حلقها، فَكَانَ كَمَا قلت. فَافْهَم ذَلِك. وَاعْتبر الرداءة فِي اللِّحْيَة واحكم بذلك. / كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رايت أَن أَوْلَادِي شُيُوخ بذقون طوال، قلت: تمرضون مَرضا طَويلا ثمَّ تعافون. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني عبرت على نسْوَة ولهن ذقون ردية، قلت لَهُ: تدخل على نسَاء مفسدات، فَكَانَ كَذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت لحيتي قد طَالَتْ زَائِد عَن الْحَد وَبهَا قمل وصيبان، قلت: ينزل
بزرعك أَو بستانك أَو دورك مفسدون وتتألم لذَلِك، فَكَانَ كَذَلِك. فافهمه.
[214]
فصلك من رأى من الشَّبَاب من يصلح لَهُ الشيب - كالعلماء والفقراء وأرباب الدّين - أَن لحيته قد شابت: حصل لَهُ خير وجاه ورفعة، لِأَن الْخَلِيل عليه السلام لما رأى ابْتِدَاء الشيب فِي لحيته قَالَ: يَا رب مَا هَذَا؟ فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن أشقك وقارا يَا إِبْرَاهِيم، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا وقاري فزدني وقارا، فَأَصْبَحت لحيته بَيْضَاء كالقطنة. وَأما من لَا يُؤثر الشيب - كالجند وَالنِّسَاء وأمثالهم - فَذَلِك لَهُ: هموم ونمد، وتبطيل معايش، وخصام بَين الزَّوْجَيْنِ، لكراهية النِّسَاء فِي الشيب. قَالَ المُصَنّف: اعْتبر من شَاب فِي الْمَنَام على مَا ذكرنَا. وَكَمن رأى أَنه شَاب - وَكَانَ مِمَّن يَلِيق بِهِ ذَلِك - قلت: يحصل لَك ثوب أَبيض، فَكَانَ كَذَلِك. وَمثله قَالَ آخر، قلت: يحصل لَك من جليل الْقدر ملبوس. وَمثله قَالَ آخر - وَكَانَ لَا يُؤثر ذَلِك - قلت: يَمُوت من تلبس عَلَيْهِ أَبيض للحداد. وَمثله قَالَ آخر، قلت: يشتعل لَك مَكَان بالنيران. وَمثله قَالَ صبي، قلت: يتْلف لكم زرع. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني آكل شيبتي، قلت: تبيع شجرك وَقت نواره؛ أَو زرعك قبل استوائه، وتأكل ثمنه، فَكَانَ كَذَلِك.
[215]
فصل: من جَاءَهُ بنت أَو ملكهَا أَو افتضها - وَلم ينزل فِي
الْيَقَظَة -: دلّ على دنيا طائلة، على قدر حسنها، وَتَكون هنيَّة، لذاذة افتضاض الْأَبْكَار، وَرُبمَا كَانَ فِيهَا صعوبة، لِكَثْرَة ممانعتهن. وَكَذَلِكَ حكم الْمَرْأَة، إِلَّا أَنَّهَا أَهْون. وَأما الْعَجُوز: فدنيا ذَاهِبَة أَو فَائِدَة قَليلَة.
قَالَ المُصَنّف: انْظُر من أَيْن جَاءَتْهُ الْبِنْت، وَفسّر لَهُ على قدر ذَلِك. كمن قَالَ: رَأَيْت أنني وضعت بِنْتا مليحة، قلت: تفِيد زرع ونبات، قَالَ: عزمت على ذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني جَاءَتْنِي بنت من فيلة وَالْبِنْت حَامِل، قلت: يقدم مركب موسق من بِلَاد فِيهَا سودان. وَقَالَ لي بعض الْمُلُوك: رَأَيْت أَن خنازير حِبَالًا وَقد وضعُوا لي بناتا ملاحا، قلت لَهُ: تفتح عدَّة أَمَاكِن للْكفَّار وتغنم مَا فِيهَا من مَال، فَكَانَ كَذَلِك. وَقَالَ لي مرّة أُخْرَى: رَأَيْت أنني أخرج من بطُون الْخَنَازِير غزلانا، قلت: تَأْخُذ جمَاعَة من الأسرى. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن بِنْتا خرجت لي من إِنَاء المَاء وَهِي وَحْشَة وَقد كسوتها بقماش مليح، قلت: إِلَى جَانب دَارك بَحر أَو بِئْر، قَالَ: نعم، قلت: يطلع إِلَيْك من ذَلِك لص يَأْخُذ أثاث الْبَيْت، فَجرى لَهُ ذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن قد جَاءَتْنِي بنت وحشه من قَوس الْقطن، قلت: يحصل لَك نكد من جنكي أَو جنكية؛ قلت: وَهِي كَبِيرَة وصوتها متغير، قَالَ: صَحِيح. وَأعْطِ لمن ملك الْعَجَائِز على مَا يَلِيق بِهِ. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن لي عَجَائِز كَثِيرَة، قلت: ييبس شجرك أَو زرعك أَو يبطل حمله. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن لي بَنَات وَقد وطأهن إِنْسَان، قلت: أَنْت تبيع الأوان، قَالَ: نعم، ققلت: ينكسر لَك أواني على قدرعددهن. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أَطَأ الْعَجَائِز كثيرا، قلت: أَنْت مغرم بوطئ الأعاجز، قَالَ: مَا بقيت أَعُود إِلَى ذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن عَجَائِز يقطعوني، قلت: نخشى عَلَيْك فِي أَيَّام الأعجاز إِمَّا موت بِبرد أَو مرض بَارِد يمنعك من الحركات، فَكَانَ كَذَلِك.
[216]
فصل: وَأما وطئ الْمُحرمَات عَلَيْهِ - الْأُم، وَالْأُخْت، وَالْبِنْت، والعمة، وَالْخَالَة، ونحوهن -: يدل على الْحَج، لكَون كل وَاحِدَة حَرَامًا، كالبلد الْحَرَام. وَإِن كَانَ عَلَيْهِ دُيُون: قَضَاهَا. أَو عِنْده ودائع، أَو أمانات، أَو نذور: أَدَّاهَا، لكَون الذّكر عَاد إِلَى أَهله. / وَإِن كَانَ غَائِبا عَن بَلَده: اجْتمع بهم، أَو رَجَعَ إِلَى بَلَده، لِأَنَّهُ اجْتِمَاع. وَإِن كَانَ مَرِيضا: مَاتَ، لقَوْله تَعَالَى:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وفيهَا نعيدكم} وَإِن كَانَ عاقيا لوَالِديهِ، أَو بَينه وَبَين أَقَاربه خُصُومَة، أَو منافرة: واصلهم، وَأحسن إِلَيْهِم، لكَون الوطئ إِحْسَان إِلَى النِّسَاء. وَإِن كَانَ خلص من سجن، أَو مرض: عَاد إِلَيْهِ. وَيدل على: بطلَان عبَادَة العابد، أَو فَائِدَة تحصل لَهُ، لِأَن النِّكَاح من ملاذ الدُّنْيَا.
قَالَ المُصَنّف: اعْتبر صفة وطئ الْمُحرمَات. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني قد وطِئت أُمِّي وتلوثت بدمها، قلت: تحج وَيجب عَلَيْك دم. وَمثله قَالَ آخر، قلت: عَلَيْك نذر ذبح حَيَوَان، قَالَ: صَحِيح. وَمثله قَالَ آخر مَرِيض، قلت: يَمُوت ويذبح فِي عزائه دم. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أَطَأ جدتي وبنتي وأختي وَلَا أجد لَذَّة لِكَثْرَة الدَّم فِيهِنَّ، قلت: بَيْنك وَبَين أقاربك خصام لأجل دِمَاء وقتلى بَيْنكُم وَكلما أردْت الصُّلْح كَمَا ينْفق كَمَا يَنْبَغِي، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أَطَأ أُمِّي وَهِي بِمَسْجِد وآكل مَا يخرج من فرجهَا، قلت: تحج وتأكل الْحَرَام فِي حجك، قَالَ: صدقت. وَقَالَ رجل متعبد: رايت أنني أَطَأ عدَّة من نسَاء الْمَحَارِم، قلت: تبطل عبادتك بزرع أَشجَار ونبات وَسقي ذَلِك، فَكَانَ كَمَا قلت. فَافْهَم ذَلِك.
[217]
فصل: وطيء الْمَيِّت للْمَرْأَة الْحَيَّة: رَاحَة وَفَائِدَة، من جِهَة ذَلِك الْمَيِّت، أَو من ورثته. وَأما وطيء الْحَيّ للميتة: فدليل على برهَا، وصدقته عَنْهَا، أَو قُرْآن يهديه لَهَا، أَو دُيُون يوفيها عَنْهَا، أَو إِحْسَان إِلَى ورثتها.
قَالَ المُصَنّف: أما كَون الوطيء من الْمَيِّت للْمَرْأَة الْحَيَّة رَاحَة لِأَن الْمَنِيّ بِمَنْزِلَة المَال، وَلِأَنَّهُ يخلق مِنْهُ الْوَلَد الَّذِي يفرح بِهِ. وَرُبمَا دلّ أَيْضا على النكد، كَمَا قَالَت لي امْرَأَة: رَأَيْت أَن مَيتا وطأني وحبلت مِنْهُ، قلت: يقدم عَلَيْك غَائِب يحصل لَك مِنْهُ كَلَام يؤلم باطنك، فَجرى ذَلِك. وَمثله رَأَتْ أُخْرَى إِلَّا أَنَّهَا قَالَت: ولدت مِنْهُ غُلَاما، قلت: لَك ولد غَائِب وَقد أَيِست مِنْهُ، قَالَت: نعم: نعم، قلت: السَّاعَة يقدم عَلَيْك، فَكَانَ كَذَلِك. وَرُبمَا دلّ وطيء الْحَيّ للميتة على ضيَاع مَال وَوضع الشَّيْء فِي غير مَحَله. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني وطِئت امْرَأَة ميتَة وأنزلت فِيهَا منيا كثيرا، قلت: تدفن مَالا لَك فِي مَقْبرَة وَيروح عَلَيْك، فَكَانَ كَذَلِك. وَمثله قَالَ آخر، قلت: عزمت على أَنَّك تسير مَالا إِلَى غَائِب، قَالَ: نعم، قلت: لَا تفعل يروح عَلَيْك، فسيره فعدمه.
[218]
فصل: وَأما وطيء الْمَيِّت للميتة: فورثة كل وَاحِد مِنْهُمَا، تحصل لَهُ رَاحَة من الآخر. وَأما من وطيأهم فِي الدبر: فدليل على أَن الواطيء يسيء إِلَى وَرَثَة الْمُوَطَّأ، أَو يتَكَلَّم فِي عرضه.
[219]
فصل: وَأما من وطيء ذكرا فِي الدبر: فَإِن كَانَ مَعْرُوفا أَسَاءَ إِلَيْهِ، أَو تكلم فِي عرضه، أَو اطلع مِنْهُ على عيب. وَإِن كَانَ مَجْهُولا: أحسن إِلَى من لَا ينفع مَعَه الْإِحْسَان، وَرُبمَا انتصر على عدوه.
قَالَ المُصَنّف: وَرُبمَا دلّ وطيء الدبر على ضيَاع المَال فِيمَا لَا فَائِدَة فِيهِ، وعَلى تلاف مَا يبذره أَو يغرسه، لكَون النُّطْفَة وَقعت فِي مَكَان لَا ينفع. وَقَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني أَطَأ فِي الدبر وآكل مِمَّا يخرج مِنْهُ، قلت: أَنْت صنعتك كنس المراحيض، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أَطَأ دبرا وَانْقطع ذكري فِيهِ، قلت: يَقع لَك ولد فِي مرحاض، فَكَانَ كَذَلِك. فافهمه.
[220]
فصل: وَأما الْمُسَاحَقَة بَين النِّسَاء: فَهِيَ كوطيء الذّكر للذكور؛ يحسن كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى من لَا ينفع مَعَه ذَلِك، أَو يطلع كل وَاحِد مِنْهُمَا على عيب الآخر، أَو تقع بَينهمَا خُصُومَة. وَأما التَّزْوِيج - بِغَيْر ملاهي وَلَا لعب -: فَخير وَفَائِدَة، على قدر حسن الزَّوْجَة. قَالَ المُصَنّف: إِنَّمَا دلّت الْمَرْأَة على الدُّنْيَا لِكَثْرَة ميل النَّاس إلَيْهِنَّ، وَكَذَلِكَ الزَّوْج للْمَرْأَة. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني تزوجت امْرَأَة وَحْشَة وَعَلَيْهَا ثوب أصفر، قلتك تغرم فِي شَيْء للصبغ. وَقَالَت امْرَأَة: رَأَيْت أنني تزوجت رجلا قَبِيح المنظر وَعَلِيهِ زردية، فَقلت: يحصل لَك نكد مِمَّن يُقَاتل أَو من حداد، فَجرى ذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني تزوجت امْرَأَة مليحة، قلت: أَنْت مشتغل بِالآخِرَة، قَالَ: نعم، قلت: ستترك / الْعِبَادَة وتشتغل بالدنيا، فَكَانَ كَذَلِك.
[221]
فصل: حَبل الرجل: هموم، وأحزان، وَكَلَام ردي، فِي قلبه. أَو عَدو وسط دَاره. والولادة - إِذا لم تكن بعياط وَلَا بَين النَّاس -: خلاص وَفرج، وَإِن كَانَ بَين النَّاس زَالَ النكد بنكد. وَأما حَبل الْمَرْأَة أَو الطلق فِي مَكَان يَلِيق بهَا: فَذَلِك للعزبة زوج، وَحمل للحائل، وللحامل ولد. والولادة: خلاص من شدَّة، أَو يقدم عَلَيْهَا غَائِب. قَالَ المُصَنّف: رُبمَا دلّ الْحَبل على الْمَرَض، كَمَا قَالَ لي رجل: رَأَيْت أنني حبلت، قلت: نخشى عَلَيْك مرض الإستسقاء، فَمَرض بذلك. وَأما الْولادَة - بالصراخ أَو فِي الْمَكَان الَّذِي يَلِيق بِهِ -: فهم ونكد. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني أطلق بصراخ، قلت: يحصل لَك مغص فِي فُؤَادك. وَمثله قَالَ آخر، قلت: ينزل بمكانك لص، وَيَقَع ثمَّ عياط، فَكَانَ كَذَلِك.
والولادة قدوم غَائِب. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني ولدت ثورا، قلت: لَك حَيَوَان غَائِب وسيحضر، فَكَانَ كَذَلِك. وَقَالَت امْرَأَة: رَأَيْت أنني ولدت غزالا، قلت: لَك ولد غَائِب سيقدم، فَقدم. وَيدل الطلق على الطَّلَاق. فافهمه.
[222]
فصل: فِي الْفرج: دَال على الْفرج، لمن هُوَ فِي شدو. وَأما من صَار لَهُ فرج: إِن كَانَ أعزب تزوج. وَإِن رَآهُ النَّاس: نزلت بِهِ آفَة ونكد، وَرُبمَا رزق بِنْتا. وَأما الذّكر للْمَرْأَة؛ الْعزبَة زوج، وللحائل حمل، وللحامل ولد ذكر، وَإِن أبصره النَّاس فشهرة ردية. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر الْفرج وَالذكر؛ إِن كَانَ فِي مَكَانَهُ ففسره بِمَا يَلِيق بِهِ. كَمَا قَالَت لي امْرَأَة: رَأَيْت أَن قد طلع فِي رَأْسِي ذكر، قلت: يطلع بِهِ طُلُوع، فَجرى ذَلِك. وَقَالَت أُخْرَى: رَأَيْت أَن ذكرا طلع فِي رجْلي، قلت: تطئين على ثعبان. وَقَالَ رجل: رَأَيْت قد طلع لي فرج بَين كَتِفي وَفِيه نمل، قلت: تنقب دَارك وَينزل بهَا سراق، فَكَانَ كَذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْته صَار فِي
رَأْسِي، قلت: يَقع بِهِ ضَرْبَة تفتحه، فَجرى ذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن ذكري فِي دَاخل فَرجي، قلت: عنْدك ولد مَرِيض يعبر قَبره، فَمَاتَ من ليلته. وَقَالَت امْرَأَة: رَأَيْت فَرجي فِي كفي، قلت: تَشْتَكِي أَنْت أَو بنت لكَي فِي برج، لَهُ شرافات. وعَلى هَذَا فقس موفقا إِن شَاءَ الله.
( [بَاب: 13] الْبَاب الثَّالِث عشر فِي أَعْضَاء بني آدم وَمَا يحدث مِنْهُم)
[223]
الرَّأْس: دَال على رَئِيس الْإِنْسَان، وَالْحَاكِم عَلَيْهِ، كوالديه، وأستاذه ومعلمه، ووصيه، يدل على الْوَلَد، وَالْأَخ، والقرابة، وَالصديق، وعَلى رَأس المَال، والدور، والمعايش. فَمن رأى أَن رَأسه صَار مليحا: حسن حَال من ذكرنَا. وَإِن قطع رَأسه، أَو نزلت بِهِ آفَة: فَارق من ذكرنَا، أَو تنكد، أَو افْتقر بعد غناهُ. وَإِن كَانَ الرَّائِي مَرِيضا، أَو فِي حَرْب: مَاتَ.
قَالَ المُصَنّف: إِنَّمَا دلّ الرَّأْس على مَا ذكرنَا لكَونه قوام الْبدن، وَرُبمَا دلّ على غير مَا ذكرنَا. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني بِعْت رَأْسِي وَهُوَ
مَقْطُوع، قلت: تبيع ملبوسا على الرَّأْس. وَقَالَت امْرَأَة: رَأَيْت أنني قد قلعت رَأْسِي وَجعلت مَكَانَهُ رَأْسا جَدِيدا، قلت: جرى لَك ثَلَاثَة أُمُور: حصل لَك كسْوَة على الرَّأْس، وَمَات لكَي ولد وَرزقت غَيره، وَفَارَقت رجلا وَأخذت غَيره، قَالَت: صَحِيح ذَلِك كُله. وَقَالَ فَقير: رَأَيْت رَأْسِي قد تكسر، قلت لَهُ: أَنْت سَاكن فِي قبَّة والساعة تنهدم، فَكَانَ كَذَلِك. وَقَالَ لي صَغِير: رَأَيْت أَن وَقع من يَدي رَأس وتكسر، قلت لَهُ: وَقع فِي يدك قدرَة لَهَا آذان وتكسرت، قَالَ: صَحِيح. وَمثله قَالَ آخر، قلت لَهُ: وَقع مِنْك رَأس بطيخ وانكسر، قَالَ: صَحِيح.
[224]
فصل: وَأما حسن الشّعْر وَطوله - لمن يَلِيق بِهِ -: فَائِدَة ورواحة، وَكِسْوَة، وللأعزب: زوج، وَفَائِدَة من زراعات، أَو بساتين. وَأما إِن دهنه دهنا مُعْتَادا - بِحَيْثُ أَنه لَا يسيل على وَجهه، وَلَا ثِيَابه - فَإِن كَانَ الداهن مُتَوَلِّيًا: أحسن إِلَى غلمانه، ورعيته. وَإِن أخرج الْقمل مِنْهُ: أخرج المفسدين من بِلَاده. وَإِن كَانَ صَاحب تِجَارَة، أَو معايش، أَو زراعة: إنصلحت، أَو تنصلح / أَقَاربه، ومعارفه.
قَالَ المُصَنّف: إِنَّمَا دلّ الشّعْر على مَا ذكرنَا ارغبة النَّاس فِيهِ، وَدلّ على المعايش لكَون الْغُلَام وَالْجَارِيَة يكثر الرَّغْبَة فيهم؛ وَيزِيد ثمنهم، فافهمه.
[225]
فصل: وَأما إِن سَالَ الدّهن حَتَّى لوث ثِيَابه، أَو على وَجهه، أَو طَال شعره طولا رديا، أَو نزل على عَيْنَيْهِ، أَو قصر شعره، أَو حلقه، - لمن لَا يَلِيق بِهِ ذَلِك -: دلّ على الهموم، والأنكاد. وَأما إِن كَانَ يَلِيق بِهِ حلق الشّعْر، أَو تَقْصِيره، أَو مَرِيض يصلح لَهُ ذَلِك: دلّ على فَائِدَة، أَو رَاحَة، وخلاص من شدَّة، أَو من مرض. وَكَذَلِكَ إِذا سرح شعره: تساقط. وَرُبمَا دلّ ذَلِك على طَلَاق الزَّوْجَة. وَأما كَثْرَة الْقمل، والصيبان، أَو الْوَسخ: فهم، ونكد، وَشدَّة، وعيال. فَإِن غسله: إستراح من ذَلِك. قَالَ المُصَنّف: وَرُبمَا دلّ طُلُوع الشّعْر الردي على الْمَرَض. كَمَا قَالَ إِنْسَان: رَأَيْت قد طلع عَليّ شَعْرَة طَوِيلَة وَحْشَة، قلت: تقع فِي مرض فِيهِ رعشة. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني يخرج من فمي شعر كثير وَالنَّاس يَأْخُذُونَ مِنْهُ، قلت: تصير شَاعِرًا. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أَسجد لشعرة وَهِي تتلون، قلت: أَنْت تخْدم النَّجْم الَّذِي يُقَال لَهُ الشعرى بالأبخرة، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَت امْرَأَة: رَأَيْت أَن عَليّ شعرًا كثيرا وَهُوَ يطير بِي، قلت: تتزوجين بِمن يسكن الْبَادِيَة وتبقي فِي بَيت شعر. فَافْهَم ذَلِك.
وَاعْتبر لما دهن وَلمن دهن. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني أدهن رَأْسِي وَهُوَ ينزل من فمي وأنفي، قلت: ينزل برأسك نزلة. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تلف عَلَيْك سقف الْبَيْت. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أدهن رُؤُوس النَّاس بِشَيْء يصْبغ، قلت: أَنْت تتعانى طلاء الخوذ. وَعَكسه قَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أنني صبغ لون الخوذ، قلت: أَنْت قيم حمام تعْمل فِي رُؤُوس النَّاس شَيْئا من الصبغة. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أدهن قبَّة بَيت الْمُقَدّس، قلت: تغسل رَأس ملك أَو رجل صَالح عَظِيم. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أدهن رَأس ملك دمشق، قلت: تعْمل عملا فِي قبَّة الْجَامِع بهَا، فَكَانَ كَذَلِك. وَأما كَثْرَة الْقمل فِي الرَّأْس والصيبان والوسخ فنكد لضَرَر الْإِنْسَان بِهِ. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني أقتل قملا من رَأْسِي، قلت: تقتل جمَاعَة من المفسدين وَرُبمَا كَانُوا فِي أَرض ذَات شجر أَو قصب كثير. وَمثله قَالَ آخر، قلت: يخرج عَلَيْك مِنْك جمَاعَة يؤذوك وتنتصر عَلَيْهِم. وَدلّ الْقمل والصيبان على الَّذين والمطالبة من الْعِيَال لكَون لَهُم أقمام يطالبون مَا عِنْدهم من الدَّم. وَدلّ الْوَسخ على الدّين لِأَنَّهُ يُقَال عَليّ شَيْء من وسخ الدُّنْيَا. وتساقط الشّعْر بالتسريح: طَلَاق، لقَوْله تَعَالَى {تَسْرِيح بِإِحْسَان} .
[226]
فصل الْجَبْهَة: يدل على: جاه الْإِنْسَان، وغناه، وثناه
الْمليح، وَتَمام فَرَائِضه، وعلومه. وقبحها ورداءتها: دَال على عكس ذَلِك. قَالَ المُصَنّف: دلّت على الْفَرَائِض لِأَن مَا كتب على جبين الْإِنْسَان مَطْلُوب بِهِ، ولسجوده عَلَيْهِ لله عز وجل. وَرُبمَا دلّ على مكاتيبه. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن جبهتي إنكسرت، قلت: يذهب لَك كتاب أَو لوح. وَمثله قَالَ آخر، قلت: إِن كَانَت وَحْشَة يروح عنْدك مَكْتُوب ردي. وَعَكسه قَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أَن لوحي إنكسر، قلت: يَقع بجبهتك ألم، فَكَانَ كَذَلِك.
[227]
فصل: الحاجبان: يدلان على تجمله بولدين، أَو أبوين، أَو أُخْتَيْنِ، أَو زَوْجَتَيْنِ، أَو غلامين، أَو قرابتين، وَيدل للْملك: على حجابه وعساكره. فالميامن: ذُكُور، والمياسر: إناث. وَأما قبحهما: فدال على فِرَاق، أَو نكد، مِمَّن دلوا عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ الحكم لكل مَا فِي الْإِنْسَان مِنْهُ إثنان كالأذنين، والعينين، والخدين، والشفتين، وَالْيَدَيْنِ، وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ المُصَنّف: وَرُبمَا دلّ حسن الحاجبين على عَافِيَة مَرِيض مَخْصُوص. كمن خيف عَلَيْهِ الجذام وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى فَرَأى أَن حاجبيه قَوِيا وحسنا، قلت: تعافى، فَعُوفِيَ. وَآخر رأى أَنَّهُمَا قد سقطا، قلت: نخشى عَلَيْك الجذام، فَكَانَ كَذَلِك. وَكَذَلِكَ فِي الْأَهْدَاب للعين وَالْأنف حكم الحاجبين، لِأَن عَلامَة نزُول الجذام تغير أُولَئِكَ مَعَ بَاقِي الْوَجْه. كَمَا أَن قوتهم وحسنهم يدل على الْعَافِيَة من ذَلِك غَالِبا. وَقَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن عَيْني صَارَت فِي أُذُنِي، قلت: لَك غَائِب / وعينك إِلَى مَا تسمع عَنهُ من الْأَخْبَار. وَقَالَ لي ملك: رَأَيْت أَن عَيْني صَارَت فَوق حاجبي، قلت: تجْعَل على مقدم عَسَاكِر عينا، قَالَ صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن خدي قد تقطع، قلت لَهُ: أَنْت تضرب بالبوق، قَالَ: نعم، قلت: تبطل معيشتك لِأَن الخد يجمع لَك الْهَوَاء وَقد تمزق. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن شفتي السُّفْلى قد نبت عَلَيْهَا شعر، قلت: تهجر دَارك حَتَّى تنْبت فِي عتبتها الْحَشِيش. وَمثله قَالَ آخر، قلت لَهُ: ترزق عمل الْأَشْعَار. وَمثله قَالَ آخر، قلت: يحصل لَك نكد لأجل كَلَام.
[228]
وَأما الْأنف: فولد، أَو وَالِد، أَو أَخ، أَو زوج، أَو صديق، أَو مَنْفَعَة، أَو قرَابَة، أَو مَال، أَو صَنْعَة. فَمَا نزل بِهِ من حسن، أَو قبح: عَاد إِلَى
من دلّ عَلَيْهِ. قَالَ المُصَنّف: وَرُبمَا دلّ الْأنف على مَوَاضِع الرِّبْح وَبَيت الرَّاحَة. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن أنفي سقط، قلت: ينهدم لَك مرحاض. وَمثله قَالَ آخر، قلت: ينهدم لَك باذهنج، فَكَانَ كَذَلِك.
[229]
فصل: السّمع وَالْبَصَر والذوق والشم: كل وَاحِد مِنْهُم دَال على الْعِزّ، والراحة، وَالْهِدَايَة، والمكاسب، والفوائد، والأمن، والفرح، والغنى. فَإِن ذهب أحدهم: خشِي عَلَيْهِ من مرض، أَو سجن، أَو شدَّة أَو نكد. كَمَا أَنهم إِذا حسنوا، أَو أحدهم: نَالَ صَاحبه عزا، وجاها، وخلاصا من شدَّة، أَو مرض. وَرُبمَا دلّت الأذنان: على أَصْحَاب الْأَخْبَار. والعينان: على الجواسيس. قَالَ المُصَنّف: إِنَّمَا دلّ السّمع وَالْبَصَر والذوق والشم على مَا ذكرنَا
لزِيَادَة قيمَة من لَهُ ذَلِك، ولتعب من يعْدم أَحدهمَا. كَمَا قَالَ لي واعظ: رَأَيْت أَن ذوقي قد عدم، قلت: مَا يبْقى لكلامك ذوق. وَرَأى من يتعانى التِّجَارَات أَن سَمعه قد انسد، قلت: يبطل سفر مركبك وتتعطل معيشتك، لعدم الرِّبْح الَّذِي تَجِد مِنْهُ رَاحَة. وكمسافر رأى أَن بَصَره تلف، قلت: يقطع عَلَيْك الطَّرِيق وتنهب وتقاسي شدَّة. كَمَا أَن حسنهم دَال على الْخَيْر.
[230]
فصل: من رأى فِي عُنُقه مَا يَلِيق بِهِ - كالقلائد، والعنابر، والهياكل، وَنَحْوهم - أَو قد حسن: فَإِن كَانَ أعزب: تزوج، وللحائل: حمل، وللحامل: ولد. فَإِن كَانَ ذَلِك مذكرا: كَانَ الْوَلَد ذكرا، وَإِلَّا فأنثى. وَإِن كَانَ يصلح للولاية: تولى، وَإِلَّا درت أرزاقه، ومعايشه. وَأما إِن رأى عُنُقه قد رق، أَو نبت فِيهِ خراجات، أَو قُرُوح، أَو فِي صفة ردية: فهموم، وديون، وأعمال ردية، وتعطلت عَلَيْهِ معايشه، وفوائده. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر الْحَوَادِث فِي الْعُنُق. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن عَيْني فِي عنقِي، قلت: يطلع فِيهِ طلوعات. وَقَالَت امْرَأَة: رَأَيْت شخصا عينه فِي عنقِي، قلت: لَهُ أَوْلَاد عنْدك؟ قَالَ: نعم، قلت: فاعملي مَعَهم خيرا. وَمثله رَأَتْ أُخْرَى، قلت: هَذَا عينه فِيك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن جلد عنقِي قد سقط، قلت: تقع قناة دَارك. وَرَأى قَاضِي أَن عُنُقه قد رَاح، قلت: تعزل وَيُؤْخَذ مَا فِي عُنُقك من الْأَمَانَات والودائع. وَرَأى رجل مسخرة أَن عُنُقه قد تمزق، قلت: تتوب وَيبْطل صفعك عُنُقك. وَرَأَتْ امْرَأَة أَن عُنُقهَا
ملآن جدري؛ وَهُوَ مليح وَلم يؤلمها، قلت: يفتح عَلَيْك برزق تشتري قلادة فِيهَا جَوَاهِر أَو خرز مليح، فَكَانَ كَذَلِك.
[231]
فصل: لاكف والأصابع: يدلوا على مَا دلّت عَلَيْهِ الْيَد، وعَلى الصَّلَوَات. فَمن رأى أَن أَصَابِعه تقطعت، أَو نزل بهَا آفَة: فَذَلِك ضعف فِي عساكره، أَو أَوْلَاده، أَو معايشه، أَو أَقَاربه، أَو معارفه. وَرُبمَا بطلت عباداته. فالإبهام: صَلَاة الظّهْر، والسبابة: الْعَصْر، وَالْوُسْطَى: عشَاء الْمغرب، والبنصر: عشَاء الْآخِرَة، والخنصر: الصُّبْح لقصرها. وَرُبمَا دلّ قطع الْيَد: على الْعَزْل من التَّصَرُّفَات، وللفقير: يُغْنِيه - من قطعهَا - على الطّلب.
قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر فضل الْكَفّ والأصابع لكل إِنْسَان على قدره. كَمَا قَالَت لي امْرَأَة: رَأَيْت أَنه قد صَار على كل أصْبع من أَصَابِع يَدي مئذنة مَبْنِيَّة، قلت: كَانَ لَك أَوْلَاد وماتوا، لكَون الْأَصَابِع إِذا دعى أحد أَو تمنى رَفعهَا؛ فقد رفع أَوْلَادهَا على أَعْوَاد المنايا، وَقلت لَهَا: أَنْت تعرفين الْخط وَقد كتبت أَربع مصاحف وَالْخَامِس لم يتم، قَالَت: / نعم، لِأَن المنارة مَبْنِيَّة كالسطور وَكَونهَا مصاحف لكَون المنارة مُخْتَصَّة بِذكر الله وَكَون الْإِبْهَام دون الثَّلَاث عقد هُوَ الْمُصحف الَّذِي لم يتم، قلت: وَقد بَقِي من الْأَوْلَاد بنت؛ لقصر الْإِبْهَام، وَأَنت مَعَك موآذان يستأذنون فِي تَزْوِيجهَا، قَالَت: صَحِيح.
وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أكلت كف ابْن آدم، قلت: أخذت ملعقة أَو مغرفة حَرَامًا وبعتها وأكلت ثمنهَا. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني قطعت كفا لمن لَا أعرفهُ وأحرقته، قلت: قطعت شَجَرَة بِغَيْر أَمر صَاحبهَا. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني آكل كفي الْيَمين، قلت: تحلف يَمِينا كَاذِبَة. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تَرث أَخا لَك أَو أولادك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني بِعْت كفي، قلت: عنْدك ترس أَو طارقة تروح مِنْك. وَمثله قَالَ آخر، قلت: عنْدك شَيْء تعلق فِيهِ الْحَوَائِج والكيزان يذهب مِنْك.
[232]
فصل: من رأى أَنه يشرب من ثدييه لَبَنًا، أَو عسلا، أَو رأى كَأَنَّهُ يَأْكُل مِنْهُمَا شَيْئا حسنا: فَإِن كَانَ أعزب: تزوج، وَإِن كَانَ مزوجا: رزق أَوْلَادًا، ومعايش، وَإِن كَانَ لَهُ أَوْلَاد: عَاشَ حَتَّى يَأْكُل من كسبهم، أَو من كسب أَقَاربه، أَو معارفه، أَو من أملاكه. وَأما إِن أكل مِنْهُمَا مَا لَا يصلح - كالمرارة، والحوامض، وَالدَّم، والصديد -: حصل لَهُ نكد مِمَّن دلوا عَلَيْهِ، أَو تعطلت معايشه. وَأما إِن أكلهما، أَو أَحدهمَا: مَاتَ من دلوا عَلَيْهِ، وَأكل مِيرَاثه، أَو بَاعَ دوره، أَو بساتينه، وَأكل أثمانها، أَو رَأس مَاله. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر رُؤْيَة الأبزار. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني
أَسْقِي النَّاس من بزِي لَبَنًا حلوا، قلت: ستعمل أبزازا فِي حَائِط يتجرع النَّاس مِنْهَا المَاء كاللبن من الْبَز. وَقَالَ آخر: رايت أنني أصنع للنَّاس أبزازا فِي صُدُورهمْ وَهِي تجْرِي بِاللَّبنِ، قلت: أَنْت تعْمل نوفرا لبرك يَنْبع المَاء مِنْهَا. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أشْرب لَبَنًا من أبزاز النَّاس متغيرا، قلت: أَنْت تحجم النَّاس وتفصدهم، قَالَ: نعم. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني عبرت إِلَى دَار وَقطعت مِنْهَا بزا وأكلته، قلت: سرقت نوفرة بركَة، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أقطع أبزاز النَّاس وآكلها، قلت: أَنْت جرائحي تَأْكُل من قطع الطلوعات فِي الْبدن. فافهمه.
[233]
فصل: اتساع الصَّدْر، أَو الْبَطن، وحسنهم: دَلِيل على الْفَوَائِد، والراحة، وَالْأَخْبَار الْحَسَنَة، والخلاص من الشدَّة. وضيقهما، ورداءتهما: دَال على الْهم، والنكد. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر الصَّدْر والبطن. كَمَا قَالَت لي امْرَأَة: رَأَيْت أنني عبرت صدر رجل، قلت: تقع محبتك فِي صَدره. وَقَالَت أُخْرَى: رَأَيْت أنني عبرت فِي صدر ديك، قلت: يحبك رجل لَهُ صَوت وعياط. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أرمي فِي صُدُور النَّاس شَيْئا أسود، قلت: أَنْت تعلم النَّاس العقائد
الردية وتلقي فِي صُدُورهمْ من الْكَلَام الَّذِي يُغير خواطرهم. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أَجْلِس على صدر إِنْسَان وَلم يؤذه وَلَا أعرفهُ، قلت: يحصل لَك منصب تصدير. وَأما الْبَطن: فَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أنني أكل من بطن إِنْسَان شَيْئا حسنا، قلت: بِغَيْر أمره، قَالَ: نعم، قلت: تَأْخُذ لَهُ من كيس شَيْئا وَهُوَ لَا يعلم. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني آكل جلد بَطْني، قلت: تبيع بطانة أَو كيسا وتأكل ثمنه. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أوقد نَارا على بطُون النَّاس، قلت: أَنْت تداوي أَفْئِدَة النَّاس بكي النيرَان. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أضْرب على بطُون أنَاس لَا أعرفهم، قلت: أَنْت تضرب بالطبول. وَقَالَ آخر: رايت أنني أخرق بطُون النَّاس وهم لَا يعلمُونَ وآخذ مَا فِيهَا من دم، قلت: أَنْت رجل بطاط فتب إِلَى الله تَعَالَى.
[234]
فصل: طُلُوع الشّعْر على الْبدن: للأعزب: زوج، وللمزوج: حمل، وَلمن عِنْده حَامِل: ولد. فَإِن أبصره على الْمَرْأَة، من لَا يَلِيق بِهِ أَن يبصره عَلَيْهَا: فنكد، وشهرة ردية. وَأما إِن طلع على الْفَقِير - وَكَانَ / ذَلِك فِي زمن الشتَاء -: فكسوة، وَفَائِدَة، وخلاث من مرض، أَو شدَّة. وطلوع ذَلِك فِي الصَّيف، أَو لمن مَرضه بالحرارة: فهموم، وديون، أَو طول مرض. وزواله: عكس ذَلِك كُله. قَالَ المُصَنّف: إِذا طلع الشّعْر الردي؛ كالشيب لمن لَا يَلِيق بِهِ. كامرأة رَأَتْ أَنه طلع عَلَيْهَا شعر أَبيض، نكد من شيخ. وَمثله قَالَت أُخْرَى؛
وَكَانَت فقيرة غير أَنَّهَا قَالَت كَانَ فِي زمن الشتَاء، قلت: يحصل لكَي كسَاء أَبيض وَرُبمَا يكون من عِنْد شيخ. وَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أَن قد طلع فِي كفي شعر - وَكَانَ مِمَّن يفتل الحبال والخيوط بكفه - قلت: تبطل معيشتك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت قد طلع شعر على جبيني وغطى عَيْني وَهُوَ شعر مليح، قلت: ترمد وتحتاج إِلَى شعرية على عَيْنك. وَعَكسه رجل رأى أَن على جسده شعر وَهُوَ يتساقط، قلت: يذهب لَك شَيْء من النَّبَات. وَمثله قَالَ آخر - وَكَانَ فِي زمن الشتَاء - قلت: يذهب لَك ملبوس وَرُبمَا يكون كسَاء. فَافْهَم ذَلِك.
[235]
فصل: ذكر الْإِنْسَان: دَال على ذكره، وجاهه، وَولده، وَزَوجته، وَمَاله، ومعايشه، وحياته. فَمن رأى ذكره قَائِما، أَو طَويلا، أَو مليحا، - وَلم يكن مكشوفا عِنْد من لَا يَلِيق بِهِ كشفه عِنْدهم -: دلّ على الرّفْعَة، والمنزلة، وَولد يرزقه، وللأعزب: زَوْجَة، وللمريض: عَافِيَة، وغنى للْفَقِير، وَفرج لمن هُوَ فِي شدَّة، لكَون إنتشاره لَا يكون إِلَّا عِنْد فرَاغ الخاطر. فَإِن شرب مِنْهُ مَا يدل على النكد: كَانَ مَكْرُوها، وَأما إِن أكله كُله: كَانَ كَأَكْل الثديين. وَأما إِن نبت عَلَيْهِ ذكر آخر لَا يمْنَع نَفعه، أَو طلع عَلَيْهِ زرع أَو شجر وَلم يؤذه، فَذَلِك: أَوْلَاد، وفوائد، ورزق. وَأما إِن أضره ذَلِك: صَار رديا. وَقطع الذّكر: يدل على عكس ذَلِك. وَأما إِن انْقَطع فِي فرج امْرَأَة:
حملت، أَو أخذت ولد الْمَذْكُور، أَو مَاله. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر الْحَوَادِث فِي الذّكر. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن ذكري حَدِيد وَهُوَ قَائِم وَلَا أقدر أجامع بِهِ، قلت: يَقع بِهِ فالج أَو يزمن لَك ولد. وَقَالَ آخر: رَأَيْت ذكري وَعَلِيهِ بناية، قلت: يَمُوت لَك من تبني عَلَيْهِ مَكَانا. وَقَالَ آخر: رايت أَن ذكري يشرب من دم حَيَوَان، قلت: أَنْت جامعت فِي الْحيض أَو وطِئت دَابَّة، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أكلت ذكري، قلت: احتجت حَتَّى بِعْت نوفرة بركَة. وَمثله قَالَ آخر، قلت: بِعْت ولدك وأكلت ثمنه. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن ذكري فِي يَدي وَأَنا أكنس بِهِ القنى ومجاري الْمِيَاه، قلت: أَنْت تداوي النَّاس بالحقن النافعة. وَمثله قَالَ آخر غير أَنه تلوث بالوسخ، قلت: أَنْت كثير النِّكَاح، وَرُبمَا يكون أَكْثَره حَرَامًا. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن معي ذُكُورا عدَّة وَالنَّاس يفزعون مِنْهَا، قلت: أَنْت تلعب بالحيات. وَقَالَ لي مزارع: رَأَيْت ذكري قد قطع، قلت: تنكسر الحديدة الَّتِي تحرث بهَا. وَقَالَ آخر - وَكَانَ كَاتبا -: رَأَيْت أَن ذكري قد ضَاعَ، قلت: يعْدم لَك قلم عَزِيز. وَمثله قَالَ كَحال، قلت يعْدم لَك ميل. وَمثله قَالَ آخر - وَكَانَ نجارا -، قلت: يذهب لَك مثقب. وَمثله قَالَ آخر، قلت: يعْدم لَك مِفْتَاح. وَقَالَ لي فَقير: رَأَيْت ذكري قد رَاح، قلت: يذهب لَك سواك. وَمثله قَالَ جندي، قلت: يعْدم لَك رمح كنت تطعن بِهِ. وَمثله قَالَ آخر، قلتك يروح لَك دبوس، فَكَانَ كَذَلِك.
[236]
فصل: طول الْعَانَة والشارب والأظفار أَو شعر الْإِبِط: هموم وأنكاد، وديون، لكَون ذَلِك مُخَالفا للشرائع. وَحلق ذَلِك وقصه: فرج من
الهموم، وَالْأَحْزَان، وَزِيَادَة فِي المَال، وَقَضَاء الدُّيُون، وَاتِّبَاع الشَّرَائِع. وَكَذَلِكَ الْخِتَان عِنْد من يرى أَنه قربَة. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر النكد من الْعَانَة والشارب وَنَحْوهمَا. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن عانتي قد طَالَتْ كثيرا، قلت: / يَقع بَيْنك وَبَين زَوجتك نكد. وَمثله قَالَت امْرَأَة، قلت: تفارقين الزَّوْج. وَمثله قَالَت امْرَأَة زَانِيَة، قلت: ترزقين تَوْبَة. وَأما طول الشَّارِب فنكد من كَلَام، وَيدل على الْمَرَض لكَون طوله يمْنَع لَذَّة الْأكل. وَأما الْأَظْفَار وزوالها؛ كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت يَدي بِلَا أظفار، قلت: تصلي الْفُرُوض غير مكملة. وَمثله قَالَ بعض الْأُمَرَاء، قلت: يذهب لَك عدد وَرُبمَا تكون طوارق، لِأَن الْأَظْفَار إِذا عدمت ضعف حيل الْيَد؛ لِأَنَّهَا وقاية لَهَا. وَمثله قَالَ خياط، قلت: تبطل معيشتك. وَأما طول ذَلِك ردي على نقص فِي صلَاته لكَون الْوَسخ يبْقى تحتهن يمْنَع وُصُول المَاء إِلَى ذَلِك. وَقَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني أقطع أظفار النَّاس، قلت: أَنْت تخطف مَا على الرؤوس. وَأما شعر الْإِبِط فدون ذَلِك فِي النكد، وَكَذَلِكَ الْخِتَان، لِأَن غَالب
النَّاس يقصون الشَّارِب والأظفار وَيَأْخُذُونَ مَا تَحت الْإِبِط، وَطَوَائِف كَثِيرُونَ لَا يختتنون وَلَا يرونه قبيحا فَكَانَ أخف فِي النكد.
[237]
فصل: والخصيتان والفخذان والساقان وَالْقَدَمَانِ: يدلوا على مَا ذكرنَا، وعَلى العبيد، وَالدَّوَاب، وَالْأَشْجَار، والغلمان. فَمَا نزل بهم من قُوَّة، أَو ضعف: عَاد إِلَى من ذكرنَا. وأصابع الرجلَيْن: أَوْلَاد من دلوا عَلَيْهِ، وَقطع ذَلِك: كَقطع الْيَد على مَا ذكرنَا. وَأما قطع الْقدَم: فَيدل على موت الْمَرِيض، وَفسق التائب، وتوبة الْفَاسِق، وَإِسْلَام الْكَافِر، لكَونه قطع الْقدَم الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا. وقطعها للفير: غنى عَن السَّعْي. كَمَا أَن حسنها: يدل على عكس ذَلِك كُله. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر مَا فِي الْإِنْسَان مِنْهُ اثْنَان. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن خصيتي قد قطعت، قلت: يعْدم لَك خرج. وَقَالَ صَغِير: رَأَيْت أنني أخذت خصيتي رجل، قلت: سرقت بيضًا من تَحت دجَاجَة. وَقَالَ آخر: رَأَيْت بيضتي الْوَاحِدَة قد راحت، قلت: عنْدك امْرَأَتَانِ تذْهب أَحدهمَا. وَقَالَ آخر: رَأَيْت كَأَن خصيتي قد صارتا فَوق ذكري، قلت: تحكم عَلَيْك امْرَأَتَانِ. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أحمل خصيتي على كَتِفي وَقد التقطهما طَائِر
أسود، قلت: يخطف لَك خرج عَن كتفك وَرُبمَا يَأْخُذهُ أسود. وَأما الفخذان والساقان: فَقَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن فَخذي قد وقعتا، قلت: كَانَ لَك دَار تحتهَا عِنْد؛ وَقد وَقع الْعمد، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن ساقي الْوَاحِد قد ذهب، قلت: يعْدم من عنْدك رجل ساقي. وَمثله قَالَ آخر، قلت: يذهب أحد عبيدك أَو دوابك. وَأما أَصَابِع الرجلَيْن: قلت: أَنْت معاشك من السّفر، قَالَ: نعم، قلت: أَنْت تتقوت من النَّبَات الَّذِي لم يزل فِي الأَرْض. وَمثله قَالَ آخر وَزَاد أَن لَهُم هيونا، قلت: أَنْت تَأْكُل من الْحَيَّات الَّتِي رؤوسهن فِي الأَرْض دَائِما، قَالَ: صَحِيح.
[238]
فصل: الْأَسْنَان: يدلوا على الْأَوْلَاد، والأهل، والأقارب، والفوائد، والغلمان، والمعارف، وَالدَّوَاب، وكل شَيْء فِيهِ نفع. فالميامن: ذُكُور. والمياسر: إناث. وَأما الأضراس: أكَابِر من دلوا عَلَيْهِ. فَمن رأى أَن أَسْنَانه حسنت، أَو قويت: فَإِن كَانَ أعزب: تزوج، وَإِلَّا فَرح من جِهَة من دلوا عَلَيْهِ. وَأما إِن اسودت، أَو سوست، أَو سَقَطت، أَو إنكسرت، أَو نزلت بهَا آفَة: تنكد مِمَّن ذكرنَا. وَكَذَلِكَ إِذا قلع وَاحِد مِنْهُم: مَاتَ، أَو فَارق من دلّ عَلَيْهِ. وَأما تلافهم للْمَرِيض: موت وَرُبمَا كَانَ سقوطهم: دَال على الْأَسْفَار، لكَونه بَطل رزقه من الْمَكَان
الَّذِي فِيهِ. قَالَ المُصَنّف: قد ذكرنَا جَمِيع ظَاهر الْبدن فرجعنا إِلَى بَاطِنه، فابتدأت بِذكر الْأَسْنَان والأضراس، فَاعْتبر مَا يَلِيق بالرائي. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن أسناني قد سقطوا، قلت: يتفرق أنَاس كَانُوا ينفعوك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني عبرت فَم إِنْسَان فَأخذت مَا فِيهِ من أَسْنَان، قلت: دخلت إِلَى بَيت وقلعت مَا بِهِ من مسامير وأوتاد، قَالَ: نعم. وَأما الأضراس: فَرَأى إِنْسَان أَن ضرسه انْكَسَرَ، قلت: يبطل لَك طاحون. / وَمثله قَالَ آخر، قلت: يبطل لَك حجر معصرة. عكس ذَلِك رأى إِنْسَان أَن طاحونه إنكسرت، قلت: يعْدم لَك ضرس. وَكَون سُقُوط الْأَسْنَان دلّ على الْمَرَض لإمتناع الْأكل غَالِبا، وَدلّ على السّفر لكَونه لما بَطل أكله لعدمهم فَهُوَ ضرب مثل بِانْقِطَاع الرزق من ذَلِك الْمَكَان فَدلَّ على التَّحَوُّل مِنْهُ.
[239]
فصل: وَأما ضرس الْأَسْنَان: فإم جعلناهم جيوشا، أَو غلمانا: فهم مخامرون، لَا ينفعون وَقت الْحَاجة. وَإِن جعلناهم أقَارِب، أَو معارف: فَلَا خير فيهم. وَرُبمَا دلّ ضرسهم: على الْمَرَض. وَأما وجع وَاحِد
مِنْهُم: فنكد مِمَّن ذكرنَا. قَالَ المُصَنّف: وَأما ضرسهم فَكَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن أسناني ضرست، قلت: يَقع بدوابك مرض، ثمَّ يَزُول. وَمثله قَالَ آخر، قلت: لَك دَوَاب وَقد أمرت بإنعالهن، قَالَ: نعم؛ هن حُفَاة إِلَى الْآن.
[240]
فصل: اللِّسَان: دَال على الْوَالِد، وَالْولد، والقرابة، وَالصديق، والجاه، وَالْكَسْب، وَالْعِبَادَة. فَمَا رؤى فِيهِ من خير: عَاد إِلَى من ذكرنَا. وَأما إِن قطع، أَو أسود، أَو تعطل نَفعه، أَو تقطع، أَو نزلت بِهِ آفَة: بطلت عِبَادَته، أَو فَارق وَلَده، أَو وَالِده، أَو استاذه، أَو صديقا، أَو قرَابَة فِيهِ نفع، أَو زَالَ جاهه، أَو تعطلت معيشته، أَو غلب فِي مخاصمته. وَأما الْحلق: فدال على مَا دلّت عَلَيْهِ الْعُنُق. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر اللِّسَان. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني عبرت فَم إِنْسَان وأكلت لِسَانه، قلت: سرقت ميزانا أَو قبانا وبعته وأكلت ثمنه. وَمثله قَالَ آخر، قلت: سرقت طائرا ناطقا كالدرة أَو من لَهُ صَوت كَغَيْرِهَا من
الطير. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن لي لسانين ملاح لم يمنعوني الْكَلَام، قلت: يبْقى لَك ترجمانان. وَرَأى آخر أَن لِسَانا آذاه، قلت: تتنكد لأجل كَلَام. وَمثله قَالَ آخر، قلت: يلسعك حَيَوَان. وَمثله قَالَ آخر، قلت: ينقرك طَائِر لَهُ صَوت كالديك وَنَحْوه. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أعمل للنَّاس أَلْسِنَة، قلت: تتعلم عمل المبارد. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تصنع الموازين. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تعلم النَّاس حجتهم فِي الْكَلَام. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تعْمل أسنة الرماح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أخرج من الْأَلْسِنَة مَاء حلوا وَالنَّاس يَنْتَفِعُونَ بِهِ، قلت: أَنْت تستخرج مَاء اللِّسَان والماورد وَنَحْو ذَلِك، قَالَ: نعم. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أجيء إِلَى أَفْوَاه النَّاس وأحتال على أَخذ الْأَلْسِنَة، قلت: أَنْت رجل حاوي تطلب الْحَيَّات فِي أماكنها، قَالَ: نعم.
[241]
فصل: وَأما الْقلب، والكبد، وَالطحَال، والمعدة، والرئة، والمصارين، والأضلاع: فَكل وَاحِد مِنْهُم دَال على الْأَوْلَاد، والمعايش، والأقارب، والأصدقاء، والجاه، والدور، وَالدَّوَاب، وَالْعَبِيد، والآباء، والأستاذين. فَمن رأى وَاحِدًا مِنْهُم تقطع، أَو سقط، أَو احْتَرَقَ، أَو اختطفه شَيْء، أَو نزلت بِهِ آفَة: عَاد حكمه على ذكرنَا، وَرُبمَا مَاتَ رائي الْمَنَام.
قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر الْحلق وَالْقلب والكبد وَنَحْو ذَلِك. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني أعمل للنَّاس حلوقا، قلت: أَنْت تحلق شُعُور النَّاس. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني وَقعت فِي حلق إِنْسَان، قلت: تسْقط فِي قناة. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تقع فِي تنور. وَقَالَ لي ملك: رَأَيْت أنني أعمل للنَّاس حلوقا وَأَجْعَل فِيهَا مَأْكُولا، قلت: ستعمل حلقا على الصيود وَتطعم النَّاس مِنْهَا. وَأما الْقلب: فَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أنني أغسل قُلُوب النَّاس، قلت: تَنْفَع وتطيب قُلُوبهم بِخَير تَفْعَلهُ. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أبْصر قُلُوب النَّاس، قلت: أَنْت كثير الإطلاع على الْأَسْرَار.
وَأما الكبد فَقَالَت امْرَأَة رَأَيْت أنني أدخلت رَأْسِي فِي فَرجي وَأخذت بفمي من كَبِدِي قِطْعَة وقطعتها ثَلَاث قطع، قلت: لَك ولد بِدِمَشْق، قَالَت: نعم، لِأَن الكبد ولد؛ وحواليها دم؛ والفرج شقّ؛ فَدلَّ على أَن الْوَلَد فِي بلد فِي اسْمه دم وشق، قلت: وَقد بلغك أَنه مَرِيض، قَالَت: نعم، / لِأَن الكبد ولد وَقد نقصت بأخذها مِنْهَا؛ والكبد إِذا نقصت دلّت على الْمَرَض، قلت: وَقد سير إِلَيْك شَيْئا تقوتي بِهِ نَحوه - وَكَانَت يَوْمئِذٍ بِمصْر - قَالَت: نعم. قلت: ثَلَاثمِائَة دِرْهَم وأزيد، قَالَت: نعم، لِأَن الكبد مِمَّا يدّخر فِي القلاع للقوت؛ والثلاثمائة الثَّلَاث قطع؛ وَالزَّائِد لكَون الْقطع لم يكن على حد سَوَاء، قلت: وَوصل إِلَيْك ثوب أَحْمَر وأبيض، لِأَنَّهَا لما قطعت الكبد وَهِي رطبه تبقى حمرتها على بَيَاض الْأَسْنَان؛ شبه الثَّوْب الْأَحْمَر والأبيض، قلت: وَرُبمَا يكون ولدك سَاكِنا عِنْد بَاب الْفرج، قَالَت: صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أكلت كَبِدِي، قلت: بِعْت مطبخا أَو فرنا وَنَحْو ذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أطبخ كبود النَّاس، قلت: تؤذي كبود النَّاس بكلامك. وَأما الطحال: فَهُوَ يروح على الكبد. قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني أبيع الأطحلة، قلت: أَنْت تبيع المراوح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت كأنني حملت
طحالي وأثقلني، قلت: يحصل لَك نكد من محبوبك، لِأَن مَحْبُوب الْإِنْسَان يُسمى طحالة. وَأما الْمعدة: فَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أَن معدتي تقطعت، قلت: ينكسر لَك قدر. وَمثله قَالَ آخر، قلت: يخرب لَك مطبخ، لِأَن الكبد تطبخ كل مَا يَجِيء إِلَيْهَا. وَرَأى إِنْسَان أَنه عبر دَار إِنْسَان أَخذ مِنْهَا مصارين، قلت: سرقت خيوطا أَو حِبَالًا. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني آخذ من تَحت التُّرَاب مصارين، قلت: معاشك من نبش القنى. وَأما الأضلاع: فَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أنني آكل أضلاع إِنْسَان، قلت: عبرت إِلَى دَار وَأخذت خشبها وبعته وأكلت ثمنه، قَالَ: صَحِيح.
[242]
فصل: وَأما مَا رُؤِيَ فيهم من قُوَّة، أَو حسن، أَو صَلَاح: رَجَعَ إِلَى من دلّ عَلَيْهِ. وَإِن كَانَ مَرِيضا: تعافى. وَرُبمَا دلّ زَوَال الْقلب، أَو قطعه: على الْخَوْف وَترك الْعِبَادَة. وَكَذَلِكَ إِذا تكسر وَاحِد من الأضلاع.
[243]
فصل: وَأما الدبر: دَال على مَنَافِع صَاحبه، ومواضع رَاحَته. فَإِن إنسد، أَو تقطع، أَو نزلت بِهِ آفَة: مَاتَ إِن كَانَ مَرِيضا، وَإِلَّا حصل لَهُ نكد. وَإِن كَانَ مِمَّا يفْسد بِهِ: دلّ ذَلِك على تَوْبَته. وَإِن وَقع بِهِ نَار أَو دود أَو حكة: فدليل على الدَّاء النحس. وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى. وَكَذَلِكَ إِذا وَقع فِي
فرج امْرَأَة ذَلِك: دلّ على الزِّنَا، وعَلى النكد مِمَّن دلّ الْفرج عَلَيْهِ. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر الدبر والفرج. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني وَقعت فِي دبر إِنْسَان، قلت: تسْقط فِي مستراح. وَمثله قَالَ آخر، قلت: نخشى عَلَيْك أَن تجامع فِي الدبر. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن دبري قد انسد، قلت: تنسد قناة مرحاضك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني آكل لحم الدبر، قلت: معاشك من المراحيض. وَمثله قَالَ آخر، قلت: أخذت خرزة بِئْر وبعتها وأكلت ثمنهَا. وَأما الْفرج: فَقَالَ لي بعض الْمُلُوك: رَأَيْت أنني صرت دَابَّة وكأنني آتِي فروج النِّسَاء أقبلهن وآخذ الْأَوْلَاد، قلت: تتحايل على أَخذ عدَّة حصون وتفتحها، لِأَن الْمَرْأَة كالقلعة، وَالْولد: كمن فِيهَا؛ والفرج: بَاب القلعة؛ والقابلة: كل من يخرج من بطن الْمَرْأَة ويشده بالقماط مثل الأساري الَّذين يخرجُون من القلاع ويربطونهم؛ وَدم الْولادَة: الْقِتَال. وَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أنني عبرت فرج امْرَأَة من الْخَوْف، قلت: تختبئ فِي وَاد من الْخَوْف. وَمثله قَالَ مَرِيض، قلت: تَمُوت، لِأَنَّهُ قد عَاد إِلَى مَوضِع خلق مِنْهُ. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تحبس فِي مَكَان عَلَيْهِ بَابَانِ.
[244]
فصل: فِي الْحَوَادِث فِي ابْن آدم وَمِنْه: الْمَرَض: دَال على تعويق الْمُسَافِر وَبطلَان المعايش، وعَلى تَوْبَة
الْفَاسِق، وَفسق التائب، لكَون الْمَرِيض يبطل عَن فعله. وَأما إِن كَانَ الْمَرَض فِي فَرد عُضْو: نزلت آفَة بِمن دلّ الْعُضْو عَلَيْهِ. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر كل مرض. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت / أَن عَيْني عميت، قلت: تروح لَك مرْآة تبصر بهَا. وَقَالَ آخر: رَأَيْت كَأَن عَيْني رمدت، قلت: تصدأ لَك مرْآة. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن عَيْني انفقأت، قلت: تنكسر لَك مرْآة. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن عَيْني سَالَتْ، قلت: يتْلف شجرك أَو زرعك، لكَون الْعين بقيت بِلَا مَاء. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن عَيْنَايَ سالتا، قلت: يَمُوت لَك من تسيل الْعُيُون عَلَيْهِ دموعا كَثِيرَة. وَرَأى ملك أَنه عمي، قلت: تَنْقَطِع عَنْك الْأَخْبَار بمسك جواسيس. وَرَأى فَقير أَن عينه ذهبت، قلت: يعْدم لَك سراج أَو قنديل.
[245]
فصل: والسعال: دَال على مَا دلّ عَلَيْهِ الْمَرَض، وَرُبمَا دلّ على الْأُمُور المزعجة، وعَلى أَن من أَرَادَ أَن يخفي عملا ظهر عَلَيْهِ. قَالَ المُصَنّف: وَرَأى إِنْسَان أَنه وَقع بِالنَّاسِ سعال شَدِيد، قلت: يَقع بِالنَّاسِ زلازل كَثِيرَة. وَرَأى آخر أَن زلازلا كَثِيرَة فِي الصَّيف، قلت: يَقع بِالنَّاسِ سعال.
[246]
وَأما العطاس: فدال على الْفرج من الشدائد، وَأما المخاط والبصاق: إِذا سالا كثيرا: فهموم، وأنكاد، خُصُوصا إِن لوثا ثِيَابه. وَرُبمَا دلّ البصاق: على الْكَلَام الردي. قَالَ المُصَنّف: وَرَأى إِنْسَان أَنه يبصق على النَّاس، قلت: أَنْت كثير الْأَذَى لَهُم بالْكلَام الردي. وَرَأى إِنْسَان أَن يمخط كثيرا، قلت: عنْدك قناة مسدودة وعزمت على إِزَالَته، قلت: يَقع بك ضيق النَّفس. فَافْهَم ذَلِك.
[247]
فصل: القي: يدل على عَافِيَة الْمَرِيض الَّذِي يَنْفَعهُ ذَلِك. فَإِن لم يَنْفَعهُ: طَال مَرضه، أَو مَاتَ. وَيدل على رد الْمَظَالِم، والودائع، وَإِظْهَار مَا فِي الْقلب، وعَلى فطر الصَّائِم، وعَلى إِظْهَار شَيْء من المَال. فَإِن كَانَ الْقَيْء بِاخْتِيَارِهِ: كَانَ ذَلِك بأَمْره. وَإِن تقيأ فِي مَكَان لَا يَلِيق بِهِ - مثل بَين النَّاس، أَو على الثِّيَاب، أَو الْبسط -: حصل لَهُ نكد من غَرَامَة مَال، أَو إِظْهَار سر، أَو لأجل كَلَام يتَكَلَّم بِهِ. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر الْقَيْء، وَمَا تقايأه. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني تقايأت جَمِيع مَا فِي فُؤَادِي من الأمعاء، قلت: تذْهب جَمِيع حوائجك
من بَيْتك. وَمثله قَالَ لي بعض الْمُلُوك، قلت: تخرج جمَاعَة من السجون. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أتيت إِلَى فَم إِنْسَان مَجْهُول فتقيأ عَليّ ولوثني، قلت: تنفتح عَلَيْك قناة وسخ فتلوثك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني تقايأت بِغَيْر اخْتِيَاري، قلت: بَين النَّاس، قَالَ: نعم، قلت: يظْهر عَنْك سر ردي. وَرَأى جليل الْقدر كَأَنَّهُ يقيي النَّاس، قلت: تتحايل على إِخْرَاج المخبأ والمدفون.
[248]
فصل: وَأما طُلُوع الدمامل والجدري والبثور فِي الْبدن - إِذا لم تلوث الثِّيَاب -: ففوائد، وَخير، وهموم ذَاهِبَة، لِأَنَّهَا مذهبَة للأوجاع من الْبدن. وَأما إِن كَانَ فِي الْوَجْه، أَو الْعُنُق، أَو تسيل منتنا، أَو لوثت ثِيَابه: دلّت على الدُّيُون، والهموم، وَالْكَلَام الردي فِي الْعرض، لِكَثْرَة نفور النَّاس من ذَلِك. وَأما من أكل مَا تقيأه، أَو مَا خرج من الزَّوَائِد فِي الْبدن: فأموال حرَام، وفقر بعد الْغنى، وَرُجُوع فِيمَا وهبه، أَو وَقفه، أَو ترد عَلَيْهِ سلع بَاعهَا بوكس، أَو تقدم عَلَيْهِ غيابا يجد لَهُم ألما. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر الطلوعات فِي الْبدن. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت
أَن قد صَار لي حدبة من خلف، قلت: يخرج بعض حيطانك؛ ونخاف يَقع، قَالَ: قد خرج. وَمثله قَالَ آخر: كَانَ بَين كَتِفي حدبة وَقد جَاءَ شَيْء اختطفها، قلت: كنت حَامِلا شَيْئا على ظهرك فجَاء إِنْسَان فخطفه، قَالَ: نعم. وَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أنني أعمل للنَّاس دماميل وَأخرج مِنْهَا الْمِيَاه المليحة، قلت: أَنْت تستخرج مَاء الْورْد وَغَيره بزجاج وإناء ببق، قَالَ: صَحِيح. وَعَكسه قَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أَن لي نسَاء كثيرات عَلَيْهِنَّ / دماميل وخراجات كبار وَأَنا أغسلهن فِي المَاء، قلت: تملك أَو تضمن بستانا فِيهِ أترنج ونارنج ورمان وتتولى سقيه وعمارته، لِأَن النِّسَاء على الصّفة الْمَذْكُورَة كالشجر، والدماميل والخراجات كالثمر الْمَذْكُور. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني قتلت امْرَأَة وقطعتها وَعَلَيْهَا خراجات كبار، قلت: قطعت شَجَرَة عَلَيْهَا ثَمَرَتهَا. وَقَالَ آخر: رَأَيْت كأنني آخذ من لُحُوم النَّاس وَمن دماميلهم وَأطْعم لحم كل وَاحِد لآخر، قلت: تَتَكَلَّم فِي عرض هَذَا عِنْد هَذَا. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تتعلم تركيب الْأَشْجَار وَتطعم بَعْضهَا فِي بعض. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تسرق ثمار النَّاس وتطعمها لبَعْضهِم بَعْضًا. وَمثله قَالَ آخر تَاجر، قلت: تَأْخُذ من مَال هَذَا فتضعه فِي مَال هَذَا. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أشْرب مَا فِي دماميل النَّاس، قلت: أَنْت حجام تمص كاسات الفصاد، قَالَ: نعم.
[249]
فصل: خُرُوج الدَّم بالحجامة، أَو الفصد، أَو التشريط فِي الْأذن:
عَافِيَة للْمَرِيض الَّذِي يَنْفَعهُ خُرُوج الدَّم، وَقَضَاء الدُّيُون، وَزَوَال النكد. وَهُوَ لمن لَا يصلح لَهُ: نكد، وَذَهَاب مَال، أَو موت. وَكَذَلِكَ خُرُوجه للصحيح. فَإِن كَانَ ذَلِك بأَمْره: كَانَ عَن اخْتِيَاره. وَإِن كَانَ فِي زمن الصَّيف، أَو كَأَنَّهُ فِي الْمَنَام كَانَ مَرِيضا: كَانَ خُرُوج المَال مِنْهُ لأجل فَائِدَة. وَإِن كَانَ فِي الشتَاء: كَانَ ذَلِك كلَاما رديا، لكَون الْأَجْسَام محتاجة إِلَى حفظ الدِّمَاء. وَأما إِن كَانَ الْخَارِج مِنْهُ الدَّم فِي حَرْب، أَو سفر: جرح، أَو قطعت عَلَيْهِ الطَّرِيق. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر خُرُوج الدِّمَاء بِمَا ذكرنَا وَغَيره. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن الدَّم يخرج من عَيْني، قلت: تفارق من تحبه وتبكي عَلَيْهِ كثيرا؛ كَمَا يُقَال: بَكَيْت بدل الدمع دَمًا. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني احتجمت فِي لساني، قلت: يكْتب عَلَيْك مَكْتُوب لأجل كلامك. وَمثله قَالَ آخر، قلت: يكْتب عَلَيْك لأجل ميزَان أَو قبان. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني قد ركبت كاسات للحجامة كَثِيرَة على بدني، قلت: يطلع عَلَيْك طلوعات أَو حريق فِي بعض بدنك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أشرط أَلْسِنَة النَّاس بمشراط الْحجامَة واستخرج مِنْهَا زيتا، قلت: يصير لَك أَمر على اسْتِخْرَاج دهن البلسان،
فَكَانَ كَذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أشرط النَّاس فِي آذانهم، قلت: تسمع النَّاس كلَاما رديا.
[250]
خُرُوج الْعرق أَو الْبَوْل أَو الْغَائِط: دَال على الرَّاحَة، والفرج. فَإِن كَانَ كثيرا خلاف الْعَادة، أَو تلوث بِهِ، أَو رَائِحَته ردية أَو بَال وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْهِ - وَهُوَ لَا يَلِيق بِهِ ذَلِك -: فنكد، وَإِظْهَار سر يفتضح بِهِ. وَكَذَلِكَ إِن سمع النَّاس صَوت خُرُوج الرّيح، أَو وجدوا لَهَا رَائِحَة ردية وتدل على الْبناء الردي. وَإِن لم يكن شَيْء من ذَلِك، كَانَ خُرُوجهَا: رَاحَة، وَفَائِدَة. وَأما أكل الْغَائِط، أَو شرب الْبَوْل: فَيدل على الشّبَه، وَالْأَمْوَال الردية، وعَلى وُقُوع الشدائد، لكَونه لَا يسْتَعْمل إِلَّا وَقت الشدَّة. وَالله أعلم. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر خُرُوج الْعرق. كَمَا قَالَ لي صعلوك فِي زمن الشتَاء: رَأَيْت أنني عرقت عرقا كثيرا، قلت: يحصل لَك كسْوَة، لِأَن الْعرق لَا يكون إِلَّا عِنْد دفء الْجِسْم. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني عُريَانا بَين النَّاس وَقد
عرقت، قلت: يخْشَى على جسمك أَن يسيل دَمًا من ضرب أَو غَيره. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني عرقت وَأَنا سابح فِيهِ سباحة شَدِيدَة، قلت لَهُ: فخلصت مِنْهُ، قَالَ: نعم، قلت: يخْشَى عَلَيْك الْغَرق ثمَّ تنجوا. وَأما الْبَوْل: فَقَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني أبول فِي فمي فَيَقَع على النَّاس، قلت: تَتَكَلَّم بِكَلَام ردي فِي أعراضهم. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن النَّاس يَبُولُونَ فِي آنِية وَأَنا أحركها وأشرب مِنْهَا، قلت: تصير طَبِيبا وَتَأْتِي / إِلَيْك قَوَارِير الْبَوْل تنظرها، وتأكل من أجرتك على ذَلِك. وَأما الْغَائِط إِذا لوث، أَو أبصره النَّاس، أَو كثر خلاف الْعَادة، فَكل ذَلِك نكد كَمَا ذكرنَا، لنفور النَّاس مِنْهُ، ولقبح منظره وريحه. وَالْبَوْل أَهْون مِنْهُ لِأَن الْغَالِب من النَّاس أَنهم يَبُولُونَ فِي الطرقات وَبَين النَّاس، وَلَا يستحيى من ذَلِك غَالِبا، وَيذْهب عَاجلا، وَالْغَائِط مَا يَفْعَله فِي هَذِه الْأَحْوَال إِلَّا من لَا خلاق لَهُ، وَكَذَلِكَ لَا يخرج ريحًا بَين النَّاس، وَيبقى أثر الْغَائِط فِي الْمَكَان مضرا لمن يَقع عَلَيْهِ. وَإِذا لم يكن شَيْء من ذَلِك فَاعْتبر الرَّاحَة بِخُرُوجِهِ. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني تغوطت كثيرا وَوجدت بِهِ رَاحَة، قلت: تفرح بِخُرُوج مسجون. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أرقت بولا كثيرا من ذكري بعد تَعب وَوجدت بِهِ رَاحَة، قلت: تَبرأ من هَذَا الاسْتِسْقَاء الَّذِي بك، فبريء. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني فِي شدَّة من كَثْرَة ريح فُؤَادِي فَأتيت بَين حيوانات فأخرجتها واسترحت، قلت: تستريح قَلِيلا بِإِخْرَاج مَا فِي فُؤَادك من الْكَلَام الَّذِي يؤلم، ويطلع على سرك من لَا يَنْقُلهُ عَنْك. فَافْهَم ذَلِك.
( [بَاب: 14] الْبَاب الرَّابِع عشر فِي الْمَوْت والنزاع)
[251]
النزاع: دَال على قرب فرج من هُوَ فِي شدَّة، وَعتق العَبْد، أَو بَيْعه، وعَلى تَوْبَة الْفَاسِق، وَإِسْلَام الْكَافِر، وعَلى الْمُنَازعَة، وحدوث خوف للآمن، وَأمن للخائف، والنقلة من مَكَان إِلَى آخر، وَرُبمَا دلّ على الإجتماع بالغياب.
[252]
فصل: الْمَوْت: مُحَقّق لما دلّ عَلَيْهِ النزاع، مِمَّا ذكرنَا. وَيدل: على سجن، أَو مرض الأصحاء، وعَلى التجهز إِلَى ملاقاة الأكابر، وَمَا أشبه ذَلِك. فَإِن كَانَ فِي مَوته مُتَوَجها إِلَى جِهَة يعْتَقد أَنَّهَا تقربه إِلَى ربه عز وجل، أَو كَانَ صورته حَسَنَة، أَو طيب الرَّائِحَة، أَو أَن حواليه أَرْبَاب صَلَاح، أَو نور: حصلت رَاحَة للْمُسَافِر، وخلاص من مرض، أَو سجن، أَو ملاقاة الأكابر بِكُل خير، وَنَحْو ذَلِك. وَإِن كَانَ خلاف ذَلِك: حصل لَهُ نكد فِيمَا ذكرنَا.
قَالَ المُصَنّف: الْمَوْت والنزاع: يدل على الشَّيْء وضده فيهمَا، لمن لَا
هُوَ فِي شدَّة دَال على النكد، وَلمن هُوَ متنكد على قرب زَوَال ذَلِك، لِأَن
الْمَوْت خلاص والنزاع قريب من الْمَوْت. وعَلى عتق العَبْد لكَونه لم يبْق عَلَيْهِ حكم لأحد، وعَلى بَيْعه لكَونه ينْتَقل من مَوْضِعه. وعَلى الْمُنَازعَة للاشتقاق. وعَلى التَّوْبَة لِأَن من قرب من هَذِه رَجَعَ غَالِبا عَن الردي. وعَلى الْأَسْفَار. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني أنازع، قلت: أَنْت تتجهز للسَّفر. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني مت ثمَّ عِشْت، قلت: سَافَرت ثمَّ رجعت. وَمثله قَالَ آخر، قلت:
سجنت ثمَّ خلصت. وَمثله قَالَ آخر - إِلَّا أَنه قَالَ: وقفت بَين يَدي رب الْعِزَّة سُبْحَانَهُ ثمَّ عِشْت - قلت: رحت اجْتمعت بكبير الْقدر ثمَّ رجعت، قَالَ: نعم. وَقَالَ آخر: كل وَقت أبْصر أنني أَمُوت ثمَّ أعيش، قلت: تصرع كل وَقت ثمَّ تفيق، قَالَ: صَحِيح. وَمثله قَالَ آخر، قلت: أَنْت كثير الرمد حَتَّى مَا تبصر بِعَيْنِك شَيْئا، ثمَّ تعافى، قَالَ: صَحِيح. وَقد ذكرنَا الشُّرُوط قبل الْمَوْت وَبعده فَافْهَم ذَلِك.
[253]
فصل: من اغْتسل غسل الْمَوْت بِمَاء نظيف بَارِد فِي الصَّيف، أَو يسخن فِي الشتَاء: دلّ على وَفَاء الدُّيُون، وَقَضَاء الحوائد، وملاقاة الأكابر بِكُل خير. وَأما إِن اغْتسل بِالْمَاءِ الكدر، أَو بالبارد فِي الشتَاء، أَو بالحار فِي الصَّيف: دلّ على الأنكاد، والفقر، والأمراض، أَو سجن، أَو سفر ردي. قَالَ المُصَنّف: دلّ غسل الْمَوْت بِشُرُوطِهِ الْمَذْكُورَة على قَضَاء الدُّيُون والحوائج، لذهاب الأوساخ الَّتِي تضيق الصَّدْر. وعَلى حسن ملاقاة الأكابر، لكَونه يقف بَين يَدي ربه عز وجل بِهَذِهِ الصّفة المليحة. وَكَذَلِكَ الحكم لكل مِلَّة وَدين يجهزون / موتاهم بِغَيْر الْغسْل. وَاعْتبر الْغَاسِل. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني أغسل الْمَوْتَى، قلت: تصير قيمًا فِي حمام. وَمثله قَالَ آخر - وَكَانَ متعبدا - قلت: تكْثر من تطلب
التَّوْبَة والأعمال الصَّالِحَة على يدك، وتطهر بواطنهم وظواهرهم بِحسن مداراتك لَهُم، لِأَن التلميذ بَين يَدي معلمه كالميت بَين يَدي الْغَاسِل. وَمثله قَالَت امْرَأَة، قلت: تصيرين قَابِلَة تدورين بالصغار الَّذين لَا حكم لَهُم وَلَا عقل، فَصَارَت كَذَلِك.
[254]
فصل: من تكفن فِي الْمَنَام بكفن مليح: تزوج إِن كَانَ أعزب، أَو اسْتغنى إِن كَانَ فَقِيرا، أَو اشْترى جَارِيَة، أَو دَارا، أَو اكتسى إِن كَانَ عُريَانا. وَإِن كَانَ كريضا: مَاتَ. وَأما إِن كَانَ الْكَفَن رديا، أَو كره الرَّائِحَة، أَو ممزقا: انعكس ذَلِك كُله. قَالَ المُصَنّف: دلّ الْكَفَن على التَّزْوِيج لِأَنَّهُ لِبَاس. وَالله تَعَالَى يَقُول: {هن لِبَاس لكم وَأَنْتُم لِبَاس لَهُنَّ} . وَدلّ على الْغنى لكَونه استتر حَاله. وَدلّ على الدَّار لكَونه بَقِي دَاخل الْكَفَن كَالدَّارِ. وعَلى موت الْمَرِيض لِأَنَّهُ من عَلَامَات الْمَوْت. وَرُبمَا دلّ الْكَفَن على مَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني تكفنت، قلت: عنْدك مَكَان تُرِيدُ أَن تبيضه أَو تليسه، قَالَ: نعم. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تنعزل من منصبك، لكَون الْكَفَن يرْبط على الْمَيِّت فَلَا تتحرك أعضاؤه. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تسجن.
[255]
فصل: الْحمل فَوق النعش - بِلَا صُرَاخ وَلَا عياط -: دَال على الْولَايَة، والرفعة، وَالسّفر الْمليح، وعَلى غنى للْفَقِير، وَزِيَادَة فَائِدَة الْغَنِيّ،
والإجتماع بالأحبة. وَكَذَلِكَ الصلب. وَجَمِيع ذَلِك بالعياط، أَو اللَّطْم، أَو سَواد الْوَجْه، أَو كَونه مَكْشُوف الْعَوْرَة، أَو كَأَنَّهُ يضْحك ضحكا مَكْرُوها، أَو يكون رَأسه إِلَى مَوضِع رجلَيْهِ، أَو كَأَنَّهُ ملقا على وَجهه، وَمَا أشبه ذَلِك: دلّ على الفضائح، والأنكاد. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر من حمل على النعش. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني على نعش وَقد طارت بِهِ الرّيح، قلت: تُسَافِر فِي مركب. وَقَالَ آخر كأنني على نعش تحمله الْحَيَوَانَات: قلت تركب على عجل. وَدلّ ركُوبه بِالشُّرُوطِ المليحة على الْولَايَة لكَون النَّاس يَمْشُونَ بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه، وعَلى الرّفْعَة لِأَنَّهُ ارْتِفَاع، وعَلى السّفر لكَونه ينْقل الأجساد إِلَى أَمَاكِن أخر، وعَلى غنى الْفَقِير لكَون النَّاس يعلمُونَ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ، وعَلى الِاجْتِمَاع بالأحبة والغياب لكَوْنهم يؤديهم إِلَى الْمَقَابِر الَّتِي هِيَ منزل الْأَحِبَّة والغياب. وَمثله الصلب. وَرُبمَا دلّ الصلب على مرض يَقع بالعنق، كالخانوق وَنَحْوه. والجميع فِي الصِّفَات الردية دَال على ذَكرْنَاهُ فِي بَاقِي الْفَصْل.
[256]
فصل: الدّفن فِي الْقَبْر موت للْمَرِيض، وتزويج للأعزب، لِأَنَّهُ
ستْرَة، وسفر؛ لِأَنَّهُ انْتقل إِلَى أَرض أُخْرَى، وعزل للمتولي، وفقر للغني، وَمرض للصحيح، أَو سجن. فَإِن كَانَ قبرا وَاسِعًا، أَو وجد رَائِحَة طيبَة، أَو خضرَة مليحة، أَو ثوبا، أَو مَأْكُولا، حسنا: كَانَ عَاقِبَة ذَلِك كُله إِلَى خير. كَمَا أَنه إِذا كَانَ ضيقا، أَو فِيهِ دُخان، أَو حَيَوَان مؤذي، أَو ضربه مُنكر، أَو نَكِير، أَو احْتَرَقَ بِنَار، أَو رأى جيفا، وَمَا أشبه ذَلِك: كَانَ رديا. فَإِن جَعَلْنَاهُ موتا: كَانَ عاقبته إِلَى الْعَذَاب. وَإِن جَعَلْنَاهُ سفرا: قطعت عَلَيْهِ الطَّرِيق. وَإِن جَعَلْنَاهُ تزويجا: كَانَ عاقبته خصاما. وَإِن جَعَلْنَاهُ أمراضا: كَانَت أمراضا مؤلمة، أَو موتا. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر الْقَبْر وأحواله. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني هارب من ثعبان كَبِير فرمتني امْرَأَة فِي قبر، قلت: عبرت عِنْدهَا وَخفت فجعلتك فِي صندوق خوفًا من عَدو، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَت امْرَأَة: رَأَيْت أنني فِي قبر مليح، قلت: السَّاعَة تتزوجين. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أدفن نسَاء كَثِيرَة فِي قُبُور، قلت: أَنْت كثيرا مَا تجهز العرائس. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أنبش صناديق النَّاس وَأخرج مَا فِيهَا، قلت: أَنْت نباش الْقُبُور / وَتَرْمِي الْمَوْتَى. وَقَالَ بعض الْمُلُوك: رَأَيْت أنني انبش الْقُبُور وأخرجت من فِيهَا من الْمَوْتَى، قلت: تطلق أهل السجون. وَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أنني أكسر الْبيض وأرمي صفره وآكل بياضه، قلت: أَنْت تَأْخُذ أكفان الْمَوْتَى وَتَرْمِي بالموتى
وَقَالَ صَغِير: رَأَيْت أنني أكلت عشْرين قبرا، قلت: تعرف أَصْحَاب الْقُبُور، قَالَ: نعم، قلت: سرقت لَهُم عشْرين بَيْضَة، قَالَ: صَحِيح.
[257]
فصل: حكم الحفائر إِذا وَقع فِيهَا: حكم الْقَبْر، إِلَّا أَنَّهَا أَهْون مِنْهُ. وَأما إِذا حفرهَا ليؤذي بهَا إنْسَانا، أَو فِي مَوَاضِع تؤذي النَّاس: فَهُوَ رجل ردي. وَرُبمَا وَقع فِي الْمَكْر، والخديعة الَّتِي عَملهَا. قَالَ صلى الله عليه وسلم " من حفر لِأَخِيهِ قليبا أوقعه الله عز وجل فِيهِ قَرِيبا ". وَقَالَ الشَّاعِر:
(يَا حافر الْبِئْر وسع فِي مراقيها
…
من حفر الْبِئْر يُوشك أَن يَقع فِيهَا)
وَالله أعلم.
( [بَاب: 15] الْبَاب الْخَامِس عشر فِي السَّاعَة وأشراطها)
[258]
طُلُوع الشَّمْس أَو الْقَمَر من الْمغرب: دَال على رُجُوع الغياب، والأكابر من أسفارهم، وعَلى عود الْمُتَوَلِي إِلَى ولَايَته، وَالْمَرِيض إِلَى مريضه، وَمن خرج من سجن: عَاد إِلَيْهِ، وعَلى تَوْبَة الْفَاسِق، وعَلى الْأَخْبَار المؤلمة، وَالْخَوْف، وعَلى نصر المظلومين. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر أَشْرَاط السَّاعَة. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت فِي زمن الْبرد أَن الشَّمْس رجعت ودفئت بحرها، قلت: قد ضَاعَ لَك ثوب أَو كسَاء سيعود. وَمثله قَالَ آخر، قلت: أَنْت مَرِيض بالحمار والباردة، السَّاعَة تعوج إِلَى الْعَافِيَة، فَعَاد. وَقَالَ آخر: رَأَيْت الْقَمَر قد غَابَ ثمَّ عَاد، قلت:
ضَاعَت لَك مرْآة، قَالَ: نعم، قلت: ستعود فَعَادَت. وَمثله قَالَ آخر، قلت: ضَاعَ لَك قِطْعَة فضَّة، وستعود. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني فرحت بمغيب الشَّمْس فِي الْمَنَام ثمَّ طلعت فحزنت لذَلِك، قلت: أردْت أَنَّك تعْمل شَيْئا مخيفا مَا تمّ لَك مُرَاد، قَالَ: صَحِيح. فافهمه.
[259]
فصل: ظُهُور الدَّابَّة أَو عَصا مُوسَى عليه السلام: دَال على مَا دلّت عَلَيْهِ الشَّمْس أَو الْقَمَر، وعَلى ظُهُور ملك جَدِيد عَادل، وعَلى أَخْبَار غَرِيبَة. وَأما ظُهُور يَأْجُوج وَمَأْجُوج: فدليل على ظُهُور عَدو يخرج من الْجِهَة الَّتِي قدمُوا مِنْهَا. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر الدَّابَّة. كَمَا قَالَ لي ملك مصر: رَأَيْت أَن الدَّابَّة قد ظَهرت، قلت: يقدم عنْدك حَيَوَان غَرِيب، فَعَن قَلِيل قدم الكركيد وَلم يكن أبصره. وَقد تدل على الْجَرَاد أَيْضا. وَقَالَ بعض الْعَامَّة: رَأَيْت الدَّابَّة تحكمي وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْهَا، قلت: أَنْت تفرج النَّاس على الدب، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن بِنْتي قد صَارَت الدَّابَّة الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن الْعَزِيز، قلت: تصير واعظة فَصَارَت. وَقَالَت أُخْرَى: رَأَيْت أنني صرت الدَّابَّة وَالنَّاس يهربون مني، قلت: تصيرين نائحة فِي الأعزية، فَصَارَت. وَأما عَصا مُوسَى: فَقَالَ إِنْسَان رايت أَنَّهَا فِي يَدي وَهِي ملوية، قلت:
أَنْت رجل تعلب بالحيات. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أَسجد لَهَا، قلت: يفْسد دينك لأجل يَهُودِيّ. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني ركبتها، قلت: أَنْت تجامع امْرَأَة يَهُودِيَّة. وَمثله قَالَ آخر، قلت: أَنْت تتعانى السيمياء. ودلت الدَّابَّة والعصا على الْمُلُوك لكَون الدَّابَّة تَأمر وتنهى والعصا انتصر بهَا مُوسَى عليه السلام. وَاعْتبر ظُهُور يَأْجُوج وَمَأْجُوج. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن يَأْجُوج وَمَأْجُوج قد كَثُرُوا فِي الْبَلَد، قلت: نزل مَكَانك مِنْهُم أحد، قَالَ: نعم، قلت: ينزل بهَا لصص أَو أَقوام مفسدون فاحترز. وَمثله قَالَ آخر، قلت: يخرج من فِي السجون من المفسدين. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تنكسر طَائِفَة من دين النَّصْرَانِيَّة، فَكَانَ كَذَلِك، لِأَن عِيسَى عليه السلام يهرب بِالنَّاسِ من يَأْجُوج وَمَأْجُوج إِلَى الطّور.
[260]
فصل: النفخة الأولى: تدل على / أَخْبَار وأراجيف، وعَلى قرب عَافِيَة الْمَرِيض، وخلاص المسجونين؛ وكل من هُوَ فِي شدَّة. والنفخة الثَّانِيَة: تدل على حركات تقع بِالنَّاسِ، وَرُبمَا تجهزت عَسَاكِر لحادث يحدث، وَيدل ذَلِك على عَافِيَة المرضى، وخلاص كل من هُوَ فِي شدَّة، وأمراض وسجن لمن هُوَ خَالص مِنْهَا، وَهُوَ فقر للأغنياء، وعَلى الْأَسْفَار الطَّوِيلَة، وعَلى شَدَائِد وَفتن عَظِيمَة. فَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك نور، أَو رَائِحَة طيبَة، أَو يذكرُونَ الله تَعَالَى: فالعاقبة فِي ذَلِك سليمَة. قَالَ المُصَنّف: دلّت النفخة الأولى على عَافِيَة الْمَرِيض لِأَنَّهَا تجمع
الْأَجْسَام. وعَلى خلاص المسجون لقرب خُرُوجه من الْقَبْر، كالسجن. وتدل على الْحَوَائِج. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت النفخة الأولى وَهِي قَوِيَّة، قلت: تسْقط ثمار الْبَسَاتِين لأجل ريح شَدِيدَة. وَمثله قَالَ آخر، قلت: عنْدك حَامِل، قَالَ: نعم، قلت: يسْقط الْحمل. وَمثله قَالَ آخر، قلت: يَقع بَيْنك وَبَين أقاربك أَو معارفك نكد ويتبرؤون مِنْك، لقَوْله تَعَالَى {فَإِذا نفخ فِي الصُّور فَلَا أَنْسَاب بَينهم يَوْمئِذٍ وَلَا يتساءلون} . وَأما النفخة الثَّانِيَة: على مَا ذكرنَا. وكما قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت النفخة الثَّانِيَة عَظِيمَة، قلت: يعْدم ملك كَبِير ويطلع فِي السَّمَاء شَيْء غَرِيب ويعجب النَّاس من نظر ذَلِك، لقَوْله تَعَالَى {ثمَّ نفخ فِيهِ أُخْرَى فَإِذا هم قيام ينظرُونَ} .
[261]
وَأما إِن وجد الله متغيرا عَلَيْهِ، أَو وجد ظلاما، أَو دخانا، أَو نَارا، أَو شمسا أحرقه ضوؤها، أَو اسود وَجهه، أَو أَخذ كِتَابه بِشمَالِهِ، أَو من وَرَاء ظَهره، أَو ختم على فِيهِ، وَنَحْو ذَلِك: كَانَ عكس ذَلِك.
[262]
فصل: الْمِيزَان: رجل متوسط بَين النَّاس، وَبَين من دلّ الْبَارِي عز وجل عَلَيْهِ. فَإِن رجح مِيزَانه: نَالَ خيرا، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر حكم الْمِيزَان، فَإِن رجح لمن يطْلب فَائِدَة، وَإِلَّا فَلَا. وَأما من حكم على ميزَان الْآخِرَة، فَالْحكم فِيهِ، كَمَا قَالَ لي إِنْسَان:
رَأَيْت أنني أزن بميزان الْآخِرَة، قلت: تَأْخُذ الْحق من حمام، لِأَن النَّاس يَوْم الْقِيَامَة عرايا، وهم فِي حر الشَّمْس والعرق كالحمام. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تبقى ضَامِن أَو كَاتب سجن يعرض عَلَيْك أَصْحَاب الذُّنُوب والحسنات. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أزن بميزان الْآخِرَة، قلت: أَنْت تصنع الصغار فِي مرجوحة كالميزان، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني حكمت على ميزَان الْآخِرَة، قلت: تبقى تعدل النَّاس وتجرحهم عِنْد مُتَوَلِّي. فَافْهَم ذَلِك.
[263]
فصل: العبور على الصِّرَاط: دَال على الْأَسْفَار، وعَلى الدُّخُول فِي الْعمَّال الخطيرة، وعَلى الْأَمْرَاض، والسجون، والشدائد. فَإِن عبره سليما: كَانَ عَاقِبَة ذَلِك سليمَة، وَإِن وَقع عَنهُ: حصل لَهُ نكد على مَا ذكرنَا. قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر الصِّرَاط. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني حَاكم على الصِّرَاط، قلت: تصير حَاكما على جسر أَو معدية. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني أمنع النَّاس العبور على الصِّرَاط، قلت: أَنْت قَاطع طَرِيق. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني نصبت الصِّرَاط، قلت: تعْمل جِسْرًا أَو معدية. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني نصبته ومشيت عَلَيْهِ، أَنْت تنصب الحبال وتمشي عَلَيْهَا كالبختيار. وَدلّ عبوره على الْأَعْمَال الخطيرة لقلَّة من يسلم عَلَيْهِ، وعَلى الْأَمْرَاض والشدائد لِأَن النَّاس يقاسون عَلَيْهِ شَدَائِد كالمرضى والسجون.
[264]
فصل: وَأما الْوُقُوف بَين الْجنَّة وَالنَّار: فدال على تعويق الْمُسَافِرين، ووقوف الْحَوَائِج، والمعايش، وَطول الْمَرَض، والشدة، لمن هُوَ فِي ذَلِك. وَيدل: على الْأَعْمَال الجيدة، والردية. وعَلى معاشرة أهل الْخَيْر،
وَالشَّر. قَالَ لامصنف: دلّ الْوُقُوف بَين الْجنَّة وَالنَّار على تعويق الْمُسَافِرين، وتعطيل المعايش والحوائج، لكَونه لم يبلغ مُرَاده من الْجنَّة. وَدلّ على الْأَعْمَال الجيدة والردية لِأَن حَسَنَاته تَمنعهُ عبور النَّار، وسيئاته تَمنعهُ عبوره إِلَى الْجنَّة. وَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أنني وَاقِف بَين الْجنَّة وَالنَّار، قلت: / يحسبك كبيرك فِي مَكَان لَا رَدِيء وَلَا جيد. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تعاشر أَقْوَامًا فيهم خير وَشر. وَمثله قَالَ آخر، قلت: لَا تُسَافِر؛ تعوق فِي بعض الطَّرِيق.
[265]
فصل: دُخُول النَّار: دَال على الْأَمْرَاض، والسجون، والشدائد، وفقر الْأَغْنِيَاء، وعزل المتولين، وفراق الْأَحِبَّة، والأسفار المتلفة، ومعاشرة أَرْبَاب الجرم، وَالْفساد. فَإِن أحرقته فِي أُذُنه: كَانَ لأجل سَمَاعه. أَو فِي فَمه: فلأجل كَلَامه، أَو مَا أكله. وَكَذَلِكَ بَطْنه. أَو فِي عَيْنَيْهِ: فلأجل نظره. أَو فِي يَده: فلأجل مَا أخذت، أَو أَعْطَتْ، أَو ضربت. أَو فِي صَدره، أَو قلبه: فلأجل اعْتِقَاده. أَو فِي فرجه: فلأجل نِكَاحه. أَو فِي رجله: فلأجل سَعْيه. وَأما إِن احْتَرَقَ جَمِيعه: كَانَ رديا.
قَالَ المُصَنّف: وَاعْتبر النَّار. وَالْعِيَاذ بِاللَّه. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت
أنني حَاكم على جَهَنَّم، قلت: أَنْت رجل سجان. وَمثله قَالَ آخر، قلت:
أَنْت رجل شوى أَو طباخ. وَمثله قَالَ آخر، قلت: أَنْت تتولى عَذَاب النَّاس،
فَاتق الله. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تحكم على مارستان. وَمثله قَالَ آخر، قلت: أَنْت قَاطع طَرِيق تقتل النَّاس وتطمرهم. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن جَهَنَّم قد جَاءَت وصرخت صَوتا عَظِيما، قلت: يدل على عزل الأكابر، لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ:" تزفر جَهَنَّم يَوْم الْقِيَامَة فتساقط الْأَنْبِيَاء عَن منابرهم ". وَمثله قَالَ آخر، قلت: يَجِيء حر شَدِيد يتْلف الغلات وَيكثر الحمايات. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني سَقَطت فِي النَّار، قلت: تقع فِي أتون أَو فرن وَنَحْوهم، فَوَقع. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني متصرف فِي جَهَنَّم، قلت: أَنْت رجل مُخْتَلف قد ضمنت دَار فسق وقمار، فَتَابَ وَرجع عَن ذَلِك. نَعُوذ بِاللَّه الْكَرِيم الرؤوف
الرَّحِيم من خزي الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة إِنَّه على كل شَيْء قدير.
[266]
فصل: دُخُول الْجنَّة: دَال على عكس مَا دلّت عَلَيْهِ النَّار، وعَلى تَزْوِيج الأعزب، والأعمال الجيدة، وتوبة الْفَاسِق، والتمكن من دور الأكابر. فَإِن كَانَ مَعَه فِي الْجنَّة كتاب فتعلمه: دَخلهَا. وَإِن كَانَ مُصَليا، أَو مسبحا، أَو مُؤذنًا، وَنَحْو ذَلِك من آثَار الدّين: فبالعبادة دَخلهَا. وَإِن كَانَ بِشَيْء من الْعدَد: فبالجهاد نالها. وَيدل دُخُولهَا: على الْأَمْن من الْخَوْف، والاجتماع بالغياب، وَنَحْو ذَلِك. نسْأَل الله الْفَوْز بِالْجنَّةِ، والنجاة من النَّار.
قَالَ المُصَنّف: دُخُول الْجنَّة دَال على الضِّدّ مِمَّا دلّت عَلَيْهِ النَّار. وَأعْطِ
كل إِنْسَان مَا يَلِيق بِهِ. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أنني ملكت الْجنَّة، قلت: تملك أَو تحكم على بُسْتَان. وَمثله قَالَ آخر، قلت: تحكم على كتاب فِيهِ مَنَافِع وَفرج. وَقَالَ كَافِر: رَأَيْت أنني طردت من الْجنَّة، قلت: لَك دَار مليحة مزوقة فِيهَا نَبَات ستؤخذ مِنْك وتتنكد عَلَيْك دنياك، لِأَن الدُّنْيَا سجن الْمُؤمن وجنة الْكَافِر. وَقَالَ إِنْسَان: رَأَيْت أنني عبرت الْجنَّة وَأخذت مِنْهَا شَيْئا وهربت، قلت: عبرت دَار جليل الْقدر أَو بستانا وسرقت شَيْئا، قَالَ: صدقت. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني دخلت فِي الْجنَّة مَعَ أَهلهَا، قلت: تعبر بَلَدا فِيهِ مسافرون من مل مَكَان وتطلع على أَخْبَار غَرِيبَة. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني فِي الْجنَّة وَهِي متغيرة، قلت تعبر مَكَانا فِيهِ تزاويق وأصوات حَسَنَة وصور ملاح. وَقَالَ لي مَرِيض بالحرارة: رَأَيْت أنني عبرت الْجنَّة، قلت: تعافى، فَكَانَ كَذَلِك. نسْأَل الله الْفَوْز بِالْجنَّةِ والنجاة من النَّار بفضله وإحسانه.
[267]
فصل: من ضرب من هُوَ أكبر مِنْهُ أَو أَعلَى قدرا: تكلم فِي
عرضه، أَو يحصل للضارب نكد. وَكَذَلِكَ إِن جلس فِي مَوضِع لَا يَلِيق بِهِ الْجُلُوس فِيهِ. وَأما إِن ضرب الْأَكْبَر، أَو الْأَعْلَى لمن هُوَ دون - وَلم يجرحه، وَلَا قطع ثِيَابه، وَلَا كَانَ بَين النَّاس -: فَذَلِك خير، وَفَائِدَة للمضروب، وَرُبمَا كَانَ كسْوَة. وَأما إِن جرحه، أَو كسر فِيهِ شَيْئا، أَو كشف عَوْرَته، وَنَحْو ذَلِك: نزل بالمضروب آفَة. قَالَ المُصَنّف: كَون الضَّارِب يتَكَلَّم فِي عرض الْمَضْرُوب لِأَنَّهُ مِمَّا يؤلمه. وَحُصُول النكد للمضروب لكَون الْأَعْلَى لَا يسكت عَن مجازاة الضَّارِب / فِي غَالب مَا يُؤْذِيه. وَأما إِن كَانَ الضَّارِب هُوَ الْأَعْلَى إِذا ضرب الْأَدْنَى ظلما: ينْدَم وَيحسن إِلَى الْمَضْرُوب، وَلَو بِكَلَام طيب. وَكَون الْمَضْرُوب يحصل لَهُ كسْوَة - خُصُوصا إِن كَانَ فِي الشتَاء - لثوران الْحَرَارَة وورم الْبدن، كالكسوة. فَافْهَم ذَلِك.
[268]
فصل: من ملك - من الْأَمْوَال أَو الْمَوَاشِي أَو المآكل أَو الملابس - مَا لَا يقدر على حفظه، أَو على حمله: كَانَ نكدا. قَالَ المُصَنّف: إِنَّمَا دلّ ملك مَا لَا يقدر على حمله أَو حفظه على النكد لِأَنَّهُ يتَعَلَّق بِهِ حُقُوق الله تَعَالَى من الزكوات وَالْعشر فَيُطَالب بذلك. وَأَيْضًا يكثر طمع النَّاس فِيمَا عِنْده، فَهُوَ أَيْضا يُرِيد مداراة لأرباب الطمع. وَكَونه لَا يقدر على حفظه وَلَا حمله يضيق صدر مَالِكه مَا يهون عَلَيْهِ أَن يَأْخُذ أحد مِنْهُ شَيْئا وَهُوَ لَا يسلم لَهُ، وَالْعشر وَالزَّكَاة مَا يتركان نكدا.
[269]
فصل: لَفْظَة الثَّلَاثَة أَو الثَّلَاثِينَ أَو الثلاثمائة أَو الْأَرْبَعَة أَو
الْأَرْبَعين، أَو الأربعمائة، وَنَحْو ذَلِك: تدل على الْوَفَاء بالمواعيد، وَقَضَاء الْحَوَائِج، لقَوْله تَعَالَى {ثَلَاثَة أَيَّام ذَلِك وعد غير مَكْذُوب} . ولدليل الْآيَة فِي الْأَرْبَعين. قَالَ المُصَنّف: لَفْظَة: الثَّلَاثَة والثلاثمائة، وَنَحْوهمَا، لقَوْله تَعَالَى:{ثَلَاثَة أَيَّام ذَلِك وعد غير مَكْذُوب} . وَالله أعلم.
[270]
فصل: من دخل فِي بعض أَعْضَائِهِ: فَإِن كَانَ فِي أُذُنه: فخبر من قرَابَته، أَو صديق يَجِيء. فَإِن سد أُذُنه: كَانَ خَبرا رديا، وَإِلَّا فَلَا. فَإِن دخل فِي عينه فأتلفها: فنكد يبصره فِي أَقَاربه، أَو مَاله، أَو معارفه أَو نَفسه. وَإِن لم يتلفها: فغائب يقدم. وَإِن دخل فِي أَنفه، وَلم يمنعهُ النَّفس، وَلَا تلوث بمخاطه: فركوب فِي بحار، أَو طرق صعبة. وَأما إِن مَنعه النَّفس: سجن، أَو مرض، أَو قهر فِي خُصُومَة. وَإِن دخل فِي فِيهِ، وَلم يؤذه: أكل رَأس مَاله، أَو قدم عَلَيْهِ كَلَام طيب، أَو غَائِب فِيهِ نفع. وَإِن آذاه كَانَ رديا.
وَإِن دخل فِي ذكره، وآذاه: تنكد مِمَّن دلّ الذّكر عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ الدبر والفرج. وَإِن لم يؤذه ذَلِك: دخل الرَّائِي فِي مدَاخِل لَا تلِيق بِهِ. وَرُبمَا دلّ ذَلِك جَمِيعه: على أَنه رُبمَا عبر دَاره، من غير بَابهَا، وَنَحْو ذَلِك. قَالَ المُصَنّف: أما دُخُول ابْن آدم فِي بعض أَعْضَائِهِ فَلم أعلم أَن أحدا ذكره من الْمُتَقَدِّمين، وَلَا من الْمُتَأَخِّرين. وَلما تكَرر رُؤْيَة بعض النَّاس لذَلِك فسرت بِمَا ذكرته فِي الْفَصْل. وَالْمُنكر لذَلِك معترض على الله، جَاهِل بِأَحْكَام الرُّؤْيَا، فَاعْتبر مَا ذكرنَا. كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن رَأْسِي مدهون وكأنني نزلت فِيهِ إِلَى وسطي، قلت: لَك أَشجَار أَو زرع وَقد سقيته بِالْمَاءِ وجلت فِي طين ذَلِك، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني وَقعت بَين أَصَابِع يَدي وَوجدت مشقة، قلت: تقع من بَين شرافات مَكَان عَال. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني وَقعت فِي كفي والطبق عَليّ أصابعي، قلت: يتعصب عَلَيْك أولادك أَو أَوْلَادهم أَو أَوْلَاد أَخِيك، فَكَانَ كَذَلِك. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني دَاخل فُؤَادِي بَين أمعائي وَقد عرقت كثيرا، قلت: عبرت مَعَ عِيَالك وصغارك ونسائك حَماما وَكَانَ الْجَمِيع عرايا وَأَنت بَينهم، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني دَاخل جوفي وَقد قطعت جَمِيع الأمعاء بالسكين، قلت: أَنْت رجل قتلت جمَاعَة من أهل دَارك، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني عبرت فمي وأكلت أضراسي وأسناني، قلت: بِعْت جَمِيع مَالك من طواحين ورفوف ومجارف وقداديم وأوتاد وَنَحْو ذَلِك، وأكلت ثمنه. وَقَالَت امْرَأَة: رَأَيْت أنني أدخلت يَدي فِي فَرجي خلاف الْعَادة، قلت: قد
وطيأك بعض من تحزنين عَلَيْهِ، قَالَت غصبني عَن نَفسِي، وَاعْتَرَفت بذلك أمهَا عِنْدِي. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أَن ذكري عبر فِي دبري وَلم أعلم، قلت: قد وطأت بعض الْمُحرمَات عَلَيْك - وَرُبمَا كَانَ ذكرا - وَأَنت لَا تعلم، قَالَ: كنت سكرانا. / وَقَالَ آخر رَأَيْت أنني آخذ الْحَيَوَانَات وأعبرها جوفي وأذبحها وآخذ جلودها، قلت: أَنْت تعْمل الْحِيلَة على النَّاس تقتلهم فِي مَنْزِلك وَتَأْخُذ مَا عَلَيْهِم، فَمَا كَانَ عَن قَلِيل حَتَّى مسكه ملك مصر لأجل ذَلِك. وَأما دُخُول بعض أَعْضَائِهِ فِي بعض: كَمَا قَالَ لي إِنْسَان: رَأَيْت أَن عَيْني الْيَمين تدخل فِي الْيَسَار واليسار تدخل فِي الْيَمين، قلت: اطَّلَعت على امْرَأتَيْنِ عنْدك يتساحقان، قَالَ: صَحِيح. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أُصْبُعِي أتلفت عَيْني، قلت: عنْدك ولد وَقد كشف وَجه أُخْته، قَالَ: نعم. وَقَالَ آخر: رَأَيْت أنني انسلخت مني، قلت: حفظت شَيْئا من الْكتاب الْعَزِيز ثمَّ أنسيته، قَالَ: نعم، لقَوْله تَعَالَى {واتل عَلَيْهِم نبأ الَّذِي آتيناه آيَاتنَا فانسلخ مِنْهَا} . وَقَالَ لي بعض الْمُلُوك: رَأَيْت أنني بدلت أسناني، قلت: تغير جمَاعَة من بابك وعسكرك. وعَلى هَذَا فقس موفقا إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَقد ذكرت مَا يسر الله تَعَالَى عَليّ من شرح كتابي " الْبَدْر الْمُنِير فِي علم التَّعْبِير ". وَلم أذكر فِيهِ شَيْئا من الْكَلَام والحكايات إِلَّا مَا فتح الله عَليّ من بعض مَا جرى من تَفْسِير النَّاس. وَلم أَرغب فِي التَّطْوِيل فِي ذَلِك ليسهل تنَاوله على حافظه والناظر فِيهِ. وَالله أعلم بِالصَّوَابِ. نَسْتَغْفِر الله من كل ذَنْب، ونعوذ بِهِ من الْعَمَل الَّذِي لَا يقرب إِلَيْهِ، وَهُوَ
حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل. وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم. وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين. وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين /.