الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: فهم الأحاديث السابقة
المبحث الأول: العلماء وموقفهم من الكتابة للحديث على ضوء ما ورد
…
الفصل الخامس: فهم الأحاديث السابقة وحكم كتابة الحديث
المبحث الأول: العلماء وموقفهم من الكتابة للحديث على ضوء ما ورد
بعد عرض الأحاديث التي وردت في النهي عن الكتابة، والأحاديث التي فيها الإذن بها، وقد تضمنت الأحاديث أمراً مطلقاً ونهياً مطلقاً فحصل التعارض الظاهر بينها، وقد سار العلماء في مثل هذه الأحاديث على خطوات محددة وهي: ـ
1-
الجمع بين الحديثين إن أمكن ذلك، وحينئذ يعمل بهما جميعاً.
2-
فإن لم يمكن الجمع، فيصار إلى نسخ أحد الخبرين بالآخر إن عرف التاريخ، فيعمل حينئذ بالناسخ ويترك المنسوخ.
3-
فإن لم يعرف التاريخ ولم تقم دلالة على النسخ، فيصار إلى ترجيح أحدهما على الآخر بوجه من وجوه الترجيح.
4-
فإن لم يمكن الترجيح توقف عن العمل بأحد الخبرين حتى يظهر (1) .
وإذا تأملنا الأحاديث الواردة في الفصل السابق نجد أن الأحاديث الواردة في النهي لم يصح منها إلا حديث أبي سعيد رضي الله عنه المخرج عند الإمام مسلم، وأما الأحاديث الباقية فلا تصلح للحجة، وكانت الأحاديث الواردة في الإباحة أكثر عدداً وأصح سنداً. فكيف كان تعامل الأئمة مع هذه الأحاديث؟
لقد تعددت أقوال أهل العلم في ذلك، وسأعرض هذه الأقوال وحجج كل قول والمآخذ عليه:
(1) فتح المغيث 3/81، تدريب الراوي 2/197، توضيح الأفكار 2/423، نزهة النظر ص39.
القول الأول: رد حديث أبي سعيد وتضعيفه، والعمل بالأحاديث الواردة فيها الإباحة، لأنها أصح إسناداً وأكثر طرقاً، فكأن الحكم باق على الأصل ولم ينقل هذا الأصل إلى غيره، وقد تقدم النقل عن البخاري وأبي داود أن الصحيح في هذا الحديث الوقف وأن هماماً أخطأ فيه وهذا بناءً على الأمور التالية:
1-
تفرد همام بن يحيى العوذي بالحديث عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري، وهمام كان يخطئ إذا حدث من حفظه كما تقدم نقله.
2-
أن زيد بن أسلم إمام مدني مكثر وتلامذته كثر من المدنيين والمكيين الملازمين له، ولم يرو هذا الحديث عنه إلا همام وهو كوفي ليس بالملازم لزيد بن أسلم.
3-
أن المنع من الكتابة مذهب مشهور لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه كما تقدم جمع طرق هذا عنه، فكان ينهى عن الكتابة عنه مطلقاً، ويعلل هذا خوف جعل الحديث قرآناً يشتغل به عن كتاب الله، ونجد في هذه الطرق أنه لم يعلل النهي بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكتابة عنه، ولو كان عنده هذا لاكتفى به عن التعليل بما ذكر.
4-
أن لو كان الحديث بهذا اللفظ محفوظاً لاقتضى أن يكون النهي مستغرقا لكل ما يتناوله، والصحابة رضي الله عنهم أتبع الناس للحديث، ومع هذا فإن أبا سعيد رضي الله عنه يذكر أنه لم يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا القرآن والتشهد، والتشهد من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف استثنى من النهي لو كان محفوظاً؟
5-
أن في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما المتقدم في صفة كتابته أنه كان يكتب ابتداءً وأقرّه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا، فلو كان هناك نهي سابق لما كتب ولأنكر عليه الصلاة والسلام الكتابة، ولا يُشْكل على هذا قول أبي هريرة رضي الله عنه "واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتابة عنه فأذن له"، فإن الاستئذان لا يكون دائماً بعد نهي، إذ قد يكون من باب الأدب، أو الإعلام بأنه يكتب الحديث لا القرآن الكريم.
6-
أن من نهاه عن الكتابة علل نهيه له بأن النبي صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا ولم يعللوه بأنه قد تقدم من النبي صلى الله عليه وسلم نهى.
7-
أنه لما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم كلام من نهاه، وعلة نهيهم، أنكر عليهم صلى الله عليه وسلم وأمره بالكتابة، ولم يذكر له أن العلة أنه قد نهى عن هذا.
8-
في حديث أبي شاه لم يحصل من الصحابة رضي الله عنهم توقف في الكتابة له فكأن الأصل عندهم أن لانَهْيَ.
9-
أن أياً من الصحابة رضي الله عنهم الذين نهوا عن الكتابة لم يعلل نهيه عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكتابة وهو فصل في الحكم حسم في المسألة، بل عللوا نهيهم بأمور أخرى لا علاقة لها بأصل الحكم، وسيأتي مزيد بيان لهذه النقطة في آخر المبحث القادم.
وعلى هذا فلا تعارض والعمل بحديث الإباحة لعدم الحظر. وقد مال إلي هذا الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله في "الأنوار الكاشفة"(1) .
(1) انظر ص/ 35، 36، 43.
ولا يعارض هذا بأن الحديث في صحيح مسلم، وما فيه متلقى من الأمة بالقبول لأنه قد استثنى العلماء منه ما انتقده العلماء الأولون كما هو مقرر في كتب أهل العلم (1) .
وأما من قال بصحة حديث النهي عن الكتابة فقد اختلفت توجيهاتهم في الجواب عن هذا التعارض على أقوال:
القول الأول: أن حديث النهي عن الكتابة منسوخ بأحاديث الأمر بالكتابة:
فيكون من منسوخ السنة بالسنة ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قول جمهور العلماء (2) .
ولعل دليل من قال بالنسخ أن نقلة من روى أحاديث الإباحة والوقائع التي ذكر فيها إباحة الكتابة حصلت في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم (3) ، وبمثل هذا يستدل على النسخ ولاسيما أن نقلة الأخبار سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم فينتفى الاحتمال بأن يكون سمعها من متقدم الإسلام (4) .
ومن يتأمل أقوال العلماء في هذا سيجدها على ضربين:
أ- الضرب الأول: إطلاق القول بالنسخ دون تعليل مثل ابن قتيبة (5)
والخطابي (6) ، والبغوي (7) ، وابن الأثير (8) .
(1) شروط الأئمة الستة، علوم الحديث مع التقييد والإيضاح /27، 28، مجموع الفتاوى 18/17، النكت على كتاب ابن الصلاح 1/379.
(2)
مجموع الفتاوى 21/318.
(3)
دفاع عن السنة /21.
(4)
فتح المغيث 3/69.
(5)
تأويل مختلف الحديث /287.
(6)
أعلام السنن 1/216.
(7)
شرح السنة 1/294.
(8)
النهاية 4/148.
وعلى هذا فالنهي والإذن مجردان من العلة، وهما عامان للصحف والأشخاص والأزمنة (1) .
ب- الضرب الثاني: من قال بالنسخ وعلل هذا واختلف تعليلهم.
1-
فمنهم من قال إن النهي في أول الإسلام عن كتابة غير القرآن لتتوفر هممهم على القرآن وحده، وليمتاز القرآن بالكتابة عما سواه من السنن ولئلا يختلط بغيره، فلما علم أنه تميز وأفرد بالضبط والحفظ وأمنت عليه مفسدة الاختلاط والالتباس بغيره، أذن بالكتابة للسنة.
نقل هذا عن ابن شاهين (2) ، وبه قال القرطبي (3) ، والسمعاني (4) ، وابن الصلاح (5) والنووي (6) ، والذهبي (7) ، وابن القيم (8) .
2-
ومنهم من قال إن النهي متقدم والإذن ناسخ له عند الأمن من الالتباس. قاله ابن حجر (9) .
فكأن هذا القول يعني أن الإذن في حالة الأمن ناسخ للنهي، أما في حالة الخوف فيبقى النهي مستمراً (10) .
(1) حجية السنة /445.
(2)
عزاه السخاوي إليه في فتح المغيث 2/163 ولم أجده في الناسخ والمنسوخ لابن شاهين بل إنه أطلق القول بالنسخ.
(3)
تفسير القرطبي 11/207.
(4)
أدب الإملاء والاستملاء /146.
(5)
علوم الحديث /171.
(6)
شرح صحيح مسلم 9/130.
(7)
سير أعلام النبلاء 3/11
(8)
تهذيب السنن 5/245.
(9)
فتح الباري 1/208.
(10)
حجية السنة / 445، 446 (بتصرف) .
وأما التعليل الأول فقد قال الشيخ عبد الغني عبد الخالق رحمه الله: لا نسخ؛ لأن النهي في أول الأمر كان خاصاً بحالة الخوف، والإذن في حالة الأمن، فلا يرفعه الإذن بالنهي، لأنهما لم يردا في حالة واحدة بل هما في حالتين مختلفتين وعلتين متغايرتين، فيستمران هكذا إلى يوم القيامة، إن وجد الخوف توجه النهي، وإن وجد الأمن حصلت الإباحة فمن أين النسخ؟ (1) .
وأما من قال بالنسخ المطلق دون تعليل، فإنه يَردُ عليه لو أن إنساناً حديث عهد بإسلام، أو أعجمي يخشى عليه أن يلتبس عليه غير القرآن فهل يصح أن نأذن له أن يكتب السنة دون أن يعرف القرآن أو يكتبهما معاً؟ بناءً على أن الإذن المطلق هو الناسخ، لا شك أنه لا يؤذن له، فمن أين لنا أن ننهاه ما دمنا نقول: إن النهي منسوخ والنسخ إذا وقع رفع حكمه عن المكلفين (2) ؟
فيبقى إذن ما رجَّحه ابن حجر رحمه الله فالنسخ توجه إذن إلى حالة الأمن من الالتباس فحينئذ رفع الحكم بحكم آخر وهو الإذن وأما في حالة الخوف من الالتباس فيبقى النهي مستمراً (3) .
(1) حجية السنة / 445، 446 (بتصرف) .
(2)
حجية السنة / 445، 446 (بتصرف) .
(3)
فتح الباري 1/208.
القول الثالث: إن النهي كان متوجهاً عن كتابة القرآن والحديث في صحيفة واحدة فيكون نهياً خاصاً، وذلك خشية اختلاط القرآن بغير القرآن فلا يراد به النهي المطلق (1) ، وذلك أنهم كانوا يسمعون القرآن وتأويله، فربما كتبوا التأويل معه، ويؤيد هذا ما ورد من قراءات شاذة كمن قرأ:{فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ متتاليات} (2)[المائدة /89] . وهذا القول له وجاهة ولاسيما إذا عرفنا ندرة وسائل الكتابة كما تقدم في الفصل الثاني، ويوجز هذا زيد بن ثابت رضي الله عنه عندما جمع المصحف بتكليف من أبي بكر رضي الله عنه فقال "فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُب واللخاف" وفي رواية "القصبَ والعسبَ والكرانيف وجرائد النخل" وفي رواية "من الرقاع" وفي رواية "وقطع الأديم"(3) ، وفي رواية "والأكتاف"، وفي أخرى "والأضلاع"، وفي أخرى "والأقتاب"(4) .
فإذا كان القرآن الكريم على عظيم مكانته لم يجد الصحابة رضي الله عنهم ما يكتبونه عليه إلا هذه الأشياء، وهي كما ترى قطع صغيرة مفرقة، فأنى تتسع لغير القرآن، ولو كتب معه شيء والحالة هذه فهو أدعى أن يختلط معه غيره، وإذا كان الأصل في الشريعة التيسير المبني على قول الله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَاّ وُسْعَهَا} [البقرة:286] .وقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ، فلم يكن في وسع الصحابة رضي الله عنهم إلا هذا،
(1) شرح السنة 1/295، النهاية 4/148، فتح المغيث 2/162.
(2)
وانظر القراءات في تفسير ابن كثير /433.
(3)
انظر: فتح الباري، فقد ذكر طرقها 9/14، والعُسُب جمع عَسيب وهو جريد النخل، فكانوا يكشطون الخوص، ويكتبون في الطرف العريض، وقيل هو طرفها العريض الذي لم ينبت عليه الخوص، واللخاف
(4)
انظر المرجع السابق.
فاقتصر من الأمر على كتابة ما ينزل من القرآن شيئاً فشيئاً ولو مرة واحدة، فهذا الذي هو وفق الطاقة، وما زاد فهو شاق عليهم (1) .
القول الرابع: أن النهي لمن أمن عليه النسيان ووثق بحفظه وخيف اتكاله على الخط إذا كتب، والإذن لمن خيف نسيانه ولم يوثق بحفظه، أو لم يخف اتكاله على الخط إذا كتب، قاله ابن حبان (2) والبيهقي (3) وابن عبد البر (4) ، والخطيب (5) ، وهذا هو المفهوم من بعضها، وجه به أبو سعيد الخدري وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهم كما سيأتي، وبه يفهم جماعة من السلف كان الواحد يكتب ويحفظ، فإذا حفظ محاه، مثل مسروق وابن سيرين وعاصم بن ضمرة وغيرهم (6) .
القول الخامس: أنه نهى أن يكتب مع القرآن غيره فيضاهى بتلك الكتب، فينكب على غير القرآن ويترك كتاب الله، فتشبه الأمة الأمم السابقة عندما جعلوا مع كتاب الله المنزل عليهم كتباً أخرى فتركوا كتاب الله وانكبوا على الكتب الأخرى، وكأن هؤلاء يقدمون القرآن بالعناية، ولايمنع أن يعتني بغيره، لكن هذه العناية تابعة للقرآن، وهذا هو المفهوم من كلام الرامهرمزي (7) .
(1) الأنوار الكاشفة /31، 32، 37.
(2)
الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 1/265.
(3)
المدخل /410.
(4)
جامع بيان العلم وفضله 1/292.
(5)
تقيد العلم /58.
(6)
جامع بيان العلم وتقييد العلم في الموضعين السابقين.
(7)
المحدث الفاصل /386.
وعلى هذا يحمل نهي عمر وابن مسعود رضي الله عنهما وغيرهما إذ قد جاء هذا التعليل أو معناه من كلامهم ـ كما سيأتي إن شاء الله ـ ثم أثر عن أكثرهم التدوين والحث على الكتابة.
القول السادس: أن الإذن مخصوص بعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ لأنه كان قارئاً للكتب المتقدمة، ويكتب بالسريانية والعربية، وكان غيره من الصحابة أميين لا يكتب منهم إلا الواحد والاثنان وإذا كتب لم يتقن ولم يصب التهجي فلما خشي عليهم الغلط فيما يكتبون نهاهم، ولما أمن ذلك على عبد الله أذن له، قاله ابن قتيبة (1) في توجيه آخر للحديث.
وهذا القول فيه ضعف لأنه يصدق لو لم يكتب الحديث من الصحابة أحد سوى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، كيف وقد ذكر أن الصحابة كانوا يكتبون بين يديه كما تقدم، وكذلك الأحاديث المتكاثرة التي تبين كتابة الصحابة للحديث.
القول السابع: أن النهي منصبٌّ على التدوين الرسمي كما كان يدون القرآن الكريم، وأما الإذن فهو سماح بتدوين نصوص من السنة لظروف وملابسات خاصة، إذ إن النهي جاء عاماً مخاطباً فيه الصحابة جميعاً، والإذن لظروف خاصة أو لأشخاص معينين دليل على أن الكتابة مسموح بها إذا لم يكن تدويناً عاماً كالقرآن، قاله د. مصطفى السباعي رحمه الله (2) .
(1) تأويل مختلف الحديث /287.
(2)
السنة ومكانتها في التشريع /61.
وهذا القول مثل سابقه، إذ ما ورد في عبد الله بن عمرو السابق وتصريح النبي صلى الله عليه وسلم له بالكتابة، وأن الصحابة كانوا يكتبون بين يديه الحديث، ينفي هذا القول.
هذا مجمل فهم الأئمة رحمهم الله للأحاديث الواردة في النهي والإذن بالكتابة، ومن تأمل الأقوال السابقة جميعها فإنه لم يختلف أن كتابة الحديث وتدوينه جائزة، وكأن هذا هو الأصل الذي مضى عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحظة وفاته، حيث همَّ أن يكتب لأمته كتاباً لا يختلفون عليه من بعده، كما ثبت هذا عنه صلى الله عليه وسلم إذ قال في مرض موته "ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً"(1) .
ودل على هذا الإجماع ونقله ابن الصلاح (2) والذهبي (3) ، وهذا الإجماع إنما هو بعد اختلاف الصحابة رضي الله عنهم، واختلافهم ليس في أصل الحكم وإنما هو لعلل أخرى أبانوها، بدليل أنهم عزموا على الكتابة وكتبوها وأمروا بكتابتها.
ودل على هذا القياس كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا
(1) أخرجه البخاري في الجهاد باب جوائز الوفد رقم (3053) عن قبيصة، وفي الجزية والموادعة باب إخراج اليهود من جزيرة العرب (3167) عن محمد بن سلام وفي المغازي باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته (4431) عن قتيبة ومسلم في الوصية باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه (4232) عن سعيد بن منصور وقتيبة وأبي بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد، ستتهم عن ابن عيينة عن سليمان الأحول عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس به وله طرق عدة عن ابن عباس وفي الباب عن عائشة وجابر رضي الله عنهم.
(2)
علوم الحديث /171.
(3)
سير أعلام النبلاء 3/8.
تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}
…
إلى قوله: {وَلَا تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَاّ تَرْتَابُواْ} [البقرة:282] .
قال الطحاوي رحمه الله: "فلما أمر الله عز وجل بكتابة الدَّين خوف الريب كان العلم الذي حفظه أصعب من حفظ الدين أحرى أن تباح كتابته خوف الريب فيه"(1) .
ودل على هذا النظر فإن الكتابة لها أثر كبير في حفظ العلم، وقد تواردت عبارات أهل العلم في ذلك (2) .
قال ابن الصلاح رحمه الله: ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الآخرة.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتبليغ عنه وهو يتضمن إباحة الكتابة والتقييد؛ لأن النسيان من طبع البشر، ومن اعتمد على حفظه لا يؤمن عليه الغلط فترك التقييد يؤدي إلى سقوط أكثر الحديث، وتعذر التبليغ وحرمان آخر الأمة من معظم العلم (3) .
والذي ظهر لي من خلال أقوال أهل العلم ترجُّح القول بعدم صحة النهي عن الكتابة عنه صلى الله عليه وسلم، أو أن النهي مخصوص بألا يكتب مع القرآن غيره في صحيفة واحدة، بما قدمته من حجج فيها والله أعلم.
(1) شرح معاني الآثار 4/319.
(2)
المحدث الفاصل / 376، تقييد العلم /174، جامع بيان العلم وفضله /314 فما بعدها.
(3)
شرح السنة 1/295.
على أني لا أغفل ثمرة الخلاف في هذه الأقوال، فإن حكم الكتابة معتبر في حال الكاتب، وعليها تدور الأحكام فقد تكون الكتابة في حين واجبة، وقد تكون مستحبة، وقد تكون مكروهة.
قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله:
"والأصل فيها الإباحة لأنها وسيلة، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن يكتب ما سمعه منه، رواه أحمد بإسناد حسن. فإن خيف منها محذور شرعي منعت، وعلى هذا يحمل النهي في قوله صلى الله عليه وسلم "لا تكتبوا عني
…
" الحديث، وإذا توقف عليها حفظ السنة وإبلاغ الشريعة كانت واجبة، وعليه تحمل كتابة النبي صلى الله عليه وسلم بحديثه إلى الناس يدعوهم إلى الله عز وجل ويبلغهم شريعته كما في حديث أبي شاه"(1) .
(1) مصطلح الحديث (بتصرف واختصار) /49.