الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان لأهل الكتاب اهتمام بتعليم الصبية القراءة والكتابة في الأماكن التي أقاموا فيها مثل المدينة المنورة (1) .
وكثير مما سبق ذكره من الشواهد يتوقف ثبوته على صحة سند روايته لكن وجود من يجيد القراءة والكتابة في عصر المبعث النبوي يدل على وجود حركة علمية - وإن كانت محدودة - خرّجت مثل أولئك الكتبة.
(1) فتوح البلدان /457، 459.
المبحث الثاني: الكتبة في العهد النبوي والسبل التي وجهت إليها كتابتهم
اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الذين كانوا يحسنون الكتابة كتبة يكتبون بين يديه، وقد اعتنى العلماء بجمع أسمائهم، واختلفوا في تعدادهم، وتحصل لي من خلال الكتب التي عدّدتهم أربعة وأربعون كاتباً (2) ،وجملة هؤلاء قد ينازع في ذكرهم، وقد يضاف إليهم آخرون وهذا يحتاج إلى تقصٍ واستقراء ودراسة أسانيد خبر كل واحد منهم.
(2) تاريخ خليفة /299، أنساب الأشراف 2/192، تاريخ ابن جرير 3/182، سنن البيهقي 10/126، تاريخ دمشق 4/324، الكامل في التاريخ 2/13، سيرة الدمياطي /67، عيون الأثر 2/383، زاد المعاد 1/117، البداية والنهاية 5/339، الإشارة /402، السيرة الحلبية 3/422، شرح المواهب اللدنية 4/533، وانظر: فتح الباري 9/22 والعجيب أنهم جميعاً رحمهم الله لم يذكروا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ضمن العدد المذكور، مع أن ما ورد في إثبات كتابته أصح بكثير ممن ينازع في ذكرهم ضمن الكتبة.
وإذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم استفاد من هؤلاء الكتاب رضي الله عنهم فاستعماله لهم لا يخرج عن الوحيين الكتاب والسنّة.
فأما الأول فلا جدال في استعماله للكتبة في كتابة ما يوحى إليه من القرآن حيث كان يأمرهم بالكتابة عنه متى ما تنزل عليه الوحي، وهذا معلوم ضرورة لا يحتاج إلى شواهد وبيان.
وأما السنة وهي وحي من الله كما قال الله جل ذكره: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3، 4] فكل ما صدر منه عليه الصلاة والسلام من أقوال وأفعال وتقريرات وأحوال داخل في السنة وقد استعمل الكتابة في أمور كثيرة، مما يدل على مشروعية كتابة السنة وأنه قد كتب منها شيء كثير، وإن اتخذ البعض منها صور المراسلات والمعاهدات والوصايا أو بيان أحكام، فلا تخرج كلها عن السنة المطهرة، وقد ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يكتبون حديثه بنظره وإقراره كما قال عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما "بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل أي المدينتين تفتح أولاً.... الحديث"(1) .
(1) أخرجه أحمد 2/167 عن يحيى بن إسحاق، وأبو زرعة الدمشقي في تاريخه رقم (1514) عن سعيد بن عفير، والطبراني في الكبير 13/68 عن سعيد بن أبي مريم، والحاكم 4/555 عن ابن وهب أربعتهم عن يحيى بن أيوب عن أبي قبيل المعافري عن عبد الله رضي الله عنهم. قال الحاكم: صحيح، وقال الذهبي في السير 3/87: حسن غريب، وهو كما قال يحيى بن أيوب هو الغافقي المصري مختلف فيه، وتكلم فيه من جهة حفظه، ويوجز ابن عدي حاله فيقول في الكامل 7/2673 ولا أرى في حديثه إذا روى عنه ثقة أو هو يروى عن ثقة حديثاً منكراً فأذكره، وهو عندي صدوق لا بأس به. وأما أبو قبيل فهو حيي ابن هانيء أطلق القول بتوثيقه أحمد وابن معين والعجلي وأبو زرعة وأحمد بن صالح، وروى الساجي منقطعاً عن يحيى بن معين أنه قال ضعيف، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان يخطئ، وتوثيق ابن معين الأول مقدم لصحة نسبته إليه ولموافقته الجماعة، وأما ابن حبان فمشهور بالشدة في الجرح كما هو معلوم من حاله رحمه الله، وانظر ترجمة أبي قبيل في تهذيب الكمال7/490، فالحديث لا ينحط عن درجة الحسن والله أعلم.
واستقصاء ما كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يطول المقام بذكره وسأقتصر ههنا بإيراد بعض الشواهد التي تبين الوجوه التي استعملت فيها، وقيام الحجة بها من الصحيحين أو أحدهما:
أ- الرسائل الموجهة إلى ملوك الأرض في زمنه صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الله جل وعلا ويبين فيها واجبهم تجاه أقوامهم، وأن لهم ثواب قومهم مع ثوابهم إن هم أطاعوه، وإثمهم إن هم عصوه، وتضمنت تقرير الوحدانية لله وحده، وبعثته صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة (1) .
ب- المعاهدات والصلح، وقد صالح النبي صلى الله عليه وسلم وعاهد جماعة ودونت هذه المعاهدات والصلح وكتبها له أصحابه، وهي متضمنة أحكاماً واضحة في كيفية المعاهدات والأحكام المترتبة عليها (2) .
ج- كتبه إلى عماله يبين لهم فيها ما يحتاجون إليه من أحكام شرعية وأمور تمس الحاجة إليها بتفصيل أحياناً وبإجمال في أحيان أخرى.
د- كتابة لمن لم يستطع أن يحفظ الحديث الذي سمعه منه، وكتابة العلم تكون معينة على حفظ العلم وعدم نسيانه.
(1) انظر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هرقل في صحيح البخاري في بدء الوحي حديث رقم (7) وفي الجهاد باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام والنبوة رقم (2940) ، وفي التفسير باب قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء رقم (4553) ، وفي الاستئذان باب كيف يكتب الكتاب إلى أهل الكتاب رقم (6260) ، وفي التوحيد باب ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله بالعربية وغيرها رقم (6541) ، ومسلم في الجهاد وباب كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل رقم (4607) من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن أبي سفيان رضي الله عنهم، وانظر طبقات ابن سعد 1/222، وزاد المعاد 1/119 فهناك نماذج كثيرة لهذا النوع.
(2)
انظر صلح الحديبية في صحيح البخاري كتاب الشروط باب الشروط في الجهاد والمصالحة رقم (2731) ، من حديث الزهري عن عروة عن مروان والمسور بن محزمة رضي الله عنهم.
هـ- المكاتبات الحربية إلى الأعداء لمساءلتهم وإنذارهم وعرض ما لديه عليهم (1) .
و مكاتبات الأمان التي يؤمن بها الأعداء إذا سلّموا أو أسلموا (2) .
ز- أمره صلى الله عليه وسلم أن يكتب له أسماء الناس الذين أسلموا (3) ليضع الأساس لمشروعية كتابة دواوين الجيوش (4) .
ح- الكتابة عنه صلى الله عليه وسلم تكون سبباً إلى رفع التنازع بين الأمة.
ط- نشر وتعميم الأحكام الشرعية إلى البلاد المجاورة (5) .
هذه نماذج جمعتها من الصحيحين وفيها كفاية لبيان كيفية استفادة النبي صلى الله عليه وسلم من الكتابة، وكتب السنة الأخرى تحتوي على نماذج كثيرة تحقق هذا المعنى.
(1) كما في مكاتبة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر حينما قتل عبد الله بن سهل أخرجه البخاري في الأحكام باب كتاب الحاكم إلى عماله والقاضي إلى أمنائه رقم (7192) عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل بن أبي أويس، ومسلم في القسامة رقم (4349) عن بشر بن عمر ثلاثتهم عن مالك عن أبي ليلى بن سهل عن سهل بن أبي حثمة عن كبار قومه به
(2)
كما في حديث مطاردة سراقة بن مالك رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر يوم الهجرة وكتابة أبي بكر رضي الله عنه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً لسراقة يؤمنه فيها أخرجه البخاري في مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة رقم (3906) عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن مالك عن أبيه عن سراقة به.
(3)
أخرجه البخاري في الجهاد باب كتابة الإمام الناس رقم (3060) حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم "اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس..... الحديث".
(4)
انظر ص 5.
(5)
حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل جُرش ينهاهم عن خليط التمر والزبيب، أخرجه مسلم في الأشربة باب بيان أن جميع ما ينبذ مما يتخذ من النخل والعنب يسمى خمراً رقم (5162) حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة عن علي بن مسهر عن الشيباني عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما به.