الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموروث الثقافي العربي والاسلامي. وفي الوقت عينه تصور له تجربة انفعالية نفسية غنية في عمر الشعوب.
لقد جعلت مصطلحات الكشاف القارئ أمام ألفاظ وأسماء لم تقتصر على الوصف، إنّما اصطنعت ألفاظا جديدة بألعاب في اللغة عن طريق التفعيلات تارة وعن طريق الخروج عن العادة طورا.
علاقة المعنى باللفظ
وثمة مسألة تتعلق في المصطلح وباتجاه خاص عند كل من أهل المعنى والمبنى، وقد أثيرت في التراث العربي والاسلامي، وكانت مجالا رحبا للنقاش العصري.
وهذه المسألة ترتبط فيما سبق ذكره عن كنه العلاقة بين المعنى واللفظ أو ما سمّي قديما المفهوم والبيان، الأذهان واللسان، الماهية والاسم، وإذ باتجاه مدرسة آكسفورد يجعل تعريف المعنى في حدود الاستعمال اللغوي، أي إن معنى أية كلمة يرتبط دائما بالسياق الذي تستعمل فيه الكلمة. فإذا، المعنى يتجلّى من خلال الاستعمال «1» . وكان سبب موقفهم هذا أنّه تتمة طبيعية لفلسفة الوضعية المنطقية الرافضة لأي قبليات عقلية أو معان ذهنية متباينة من خارج التجربة العينية. وقد تابعت مدرسة آكسفورد هذا فرفضت أيضا إمكانية التحقق للمعنى. أي أنّه لا يوجد منهج للتحقق من أن العشب أخضر وأنّ السماء صافية زرقاء اليوم، إذ لا يوجد من يتعلم كيفية الرؤية والشعور، بينما يوجد من تعلم معنى اسم العشب والأخضر، وارتباط ذلك في جملة إخبارية «2» .
وما خلصت هذه المدرسة إليه هو أنّ المعنى لا يتحد بالكلمة اتحاد الروح بالجسد أو المعنى روح في جسد كلمة، إنّما يكشف المعنى عن ذاته في استعمال الكلمة. إذا، إذا قصد كل منا معرفة ما تعنيه الكلمة فعليه النظر وتدبر أمر وكيفية استعمالها، حيث ذهب فايزمن إلى أنّ معنى الكلمة يتغيّر تبعا لتغيّر استعمالها «3» .
(1)
CharlesWorth، M. J.، Philosophy and Linguistic Analysis، Duquense Studies، Philosophical series 9، Pittsburgh، Duquense University،
1959،p . 071.
(2)
Quoted by :Weitz ،M .،Oxford philosophy ،Philosophical Review ، 3591،p . 691.
(3)
Waismann، F.، The Principles of Linguistic Philosophy، London، R. Macmilan،
1968،pp . 751 - 651.
وقد عثرنا على شيء من هذا التوجه في التراث العربي والاسلامي، مع اختلاف الأغراض والوضوح في المسألة والفضاء المعرفي.
وتمثل هذا التوجه بانتصار أهل البيان لمنطق اللغة على منطق المعنى أي توخّي أوجه النحو وأحكامه وفروقه ووجوهه والعمل بقوانينه وأصوله «1» . فاعتبر السكاكي في مفتاح العلوم «2» : «أنّ من أتقن أصلا واحدا من علم البيان،
…
ووقف على كيفية مساقه لتحصيل المطلوب، أطلعه ذلك على كيفية نظم الدليل».
وخير شاهد ومثال على هذه المسألة المحاورة التي تمت في مجلس الوزير ابن الفرات في بغداد عام 366 هـ بين السيرافي وأبي بشر متى بن يونس. إذ قال السيرافي لمتى: «ما تقول في قول القائل: زيد أفضل الأخوة؟ قال متى: صحيح. قال السيرافي: فما تقول إن قال: زيد أفضل أخوته؟ قال متى: صحيح
…
فقال السيرافي:
أفتيت على غير بصيرة ولا استبانة. المسألة الأولى جوابك عنها صحيح «والمسألة الثانية جوابك عنها غير صحيح
…
إن إخوة زيد هم غير زيد، وزيد خارج عن جملتهم. والدليل على ذلك أنّه لو سأل سائل فقال: من إخوة زيد؟ لم يجز أن تقول: زيد وعمرو وبكر وخالد، وإنما تقول عمرو وبكر وخالد، ولا يدخل زيد في جملتهم. فإذا كان زيد خارجا عن اخوته صار غيرهم، فلم يجز أن تقول: أفضل اخوته، كما لم يجز أن تقول: إنّ حمارك أفضل البغال، لأنّ الحمير غير البغال، كما أن زيدا غير اخوته. فإذا قلت: زيد خير الأخوة، جاز، لأنّه أحد الأخوة، والاسم يقع عليه وعلى غيره فهو بعض الأخوة
…
» «3» .
إن متّى انتصر لأرسطو في جعله الأخوة جوهرا له ماهيته، أي هو معنى قبلي متصوّر في الذهن. بينما نظر السيرافي من خلال سياق ترتيب الألفاظ والحروف، فهاء الضمير المتّصل في الأخوة تحدّد المعنى وليس للمعنى أسبقية وقبلية. لهذا اختلفت الجملتين فاختلف المعنيان.
ورب سائل يقول: ما علاقة كل هذا من المصطلح كلفظ وتصور، كاسم ومعنى؟
(1) الجرجاني، عبد القاهر، دلائل الاعجاز، تحقيق بن تاويت، تطوان المغرب، د. ت.، ص. 27 و 139.
(2)
المرجع نفسه، ص. 182.
(3)
التوحيدي، أبو حيان، الامتاع والمؤانسة، القاهرة، التأليف والترجمة، 1939 - 1944، ج 1، ص 121.