المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب العتق (1) ويصح العتق من كل مالك جائز التصرف في - التذهيب في أدلة متن الغاية والتقريب

[مصطفى ديب البغا]

الفصل: ‌ ‌كتاب العتق (1) ويصح العتق من كل مالك جائز التصرف في

‌كتاب العتق

(1)

ويصح العتق من كل مالك جائز التصرف في ملكه (2)

(1) وهو إزالة الملك عن الَادمي، وتخليصه من الرق، تقرباً إلى الله تعالى. وقد جاء في الحث عليه والندب إليه نصوص كثيرة من الكتاب والسنة: أما الكتاب: فمثل قوله تعالى: " فَلَا اقتحَمَ الْعَقَبةَ. وَمَا أدْرَاك مَا الْعَقَبَةُ. فَك رَقَبَة " / البلد: 11 - 13/.

ومنها: آيات الكفارات، كالقتل والظهار واليمين، كما مر معك.

وأما الأحاديث: فمنها: ما رواه البخاري (2381) ومسلم (1509) عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيمَا رجُل أعتقَ امْرَأ مُسْلِماً، اسْتَنْقَذَ اللهُ بِكُل عُضْوٍ مِنهُ عُضْواً منْهُ مِنَ النارِ).

[رجل: مسلم، ذكراً كان أم أنثى. استنقذ: خلص ونجى، وتخليص العضو تخليص لكامل الجسد، لأنه إذا استحق عضو النار بمباشرته المعصية، كانت العقوبة لكامل الجسد].

وعند أبي داود (3966) وغيره، عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (منْ أعْتَقَ رَقَبَة مؤْمنَة كَانَتْ فداءَهُ منَ النارِ). والرقبة تشمل الذكر والأنثى.

وَكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر به عند النوازل.

روى البخارى (2383) عن أسماءَ بنت أبى بكر رضي الله عنهما قالت: أمَر النبي صلى الله عليه وسلم بِالْعَتاقَةِ في كُسُوفِ الشمْس.

(2)

أي مطلق التصرف فيما يملك، وهو: كل بالغ عاقل غير محجور

ص: 274

ويقع بصريح العتق والكنابة (1) مع النية

وإذا أعتق بعض عبد عتق عليه جميعه وإن أعتق شركا له في عبد وهو موسر سرى العتق إلى باقية وكان عليه قيمة نصيب شريكه (2).

عليه لسفه أو فلس. لأن العتق تبرع، ولا يصح التبرع إلا ممن كان على هذا الوصف.

(1)

وهي هنا: كل لفظ يتضمن زوال المِلك أو ينبىء عن الفرقة، كقوله: لا سلطان لي عليك، أنت سائبة، لا خدمة لي عليكم، ونحو ذلك.

(2)

شركاً: نصيباً مشتركاً. موسر: غني يملك قيمة باقيَ العبد. سرى: تعدى وجاوز. فإن لم يكن المعتق موسراً عتق نصيبه، وتُرِك العبد ليعمل ويكسب قيمة باقيه، ويدفعها إلى الشركاء، فيصبح حراً بالكلية.

والأصل في هذا:

ما رواه البخاري (2386) ومسلم (1501) وغيرهما، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أعتقَ شِرْكاً له في عَبد، فكانَ له مَال يبلغٌ ثمَنَ العبد، قُومَ الْعَبْد قيمةَ عدل، فَأعطىَ شركاءَه حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَليْه، وإلا فقد عتق منه ما عتق).

[قيمة عدل: أي لا زيادة فيها ولا نقص. حصصهم: قيمة حصصهم.

ما عتق: أي نصيبه الذيَ أعتقه].

وروى البخاري (2360) ومسلم (1503) وغيرهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(منْ أعْتَقَ شَقِيصاً منْ ممْلوُكِه فعليه خَلَاصُهُ في ماله، فَإنْ لم يكنْ له مالٌ قُوِّمَ المَمْلُوكُ قيمةً عَدْلٍَ، ثم استُسْعِيً غَيرَ مشقوق عليه).

[شقيصاً: نصيباً. خلاصه: أداء قيمة باقية ليتخلصً منَ الرق نهائياً.

ص: 275

ومن ملك واحدا من والده أو مولوده عتق عليه (1).

"فصل" والولاء من حقوق العتق (2) وحكمه حكم التعصيب عند عدمه (3) وينتقل الولاء عن المعتق إلى

استسعي: ألزم العبد أن يكتسب قيمة باقيه. غير مشقوق عليه: أي لا يشدد عليه في ذلك إذا عجز عن الاكتساب، بل يبقى باقيه مملوكاً].

وإذا كان عتق الجزء يسري إلى الكل في المشترك ث فَلأنْ يسري إليه إذا كان يملك جميعَه من باب أولى.

(1)

أي من ملك أحد أصوله مهما علوا كجد وجدة، أو فروعه مهما نزلوا كابن ابن وبنته، أصبح حراً تملكه له. والأصل في هذا: ما رواه مسلم (1510) وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَجزي وَلَدُ وَالداً، إلا أنْ يَجدَهُ مَمْلُوكاً فَيشْتَرِيَهُ فَيَعْتِقَهُ). أي فيكون شَراؤه له سبباً لعتقَه، فيعتق بنفس الشراء: لا يحتاج إلى لفظ جديد.

وقيس على الشراء غيره من أسباب الملك، كالهبة والميراث وغيرها.

[لا يجزي: لا يقوم بماله عليه من حق. مجده: يصادفه].

وقيس بالأصول الفروع بجامع البعضية، أي إن الولد الذي هو الفرع بعض الوالد الذي هو الأصل، فكما أن الأصل لايملكه بعضُه، فهو لايملك بعضَه.

(2)

أي ملازم له، يثبت للمعتِق بمجرد عتقه، ولا يملك إسقاطه أو التنازل عنه. والولاء: من الموالاة، وهي المعاونة والنصرة، والمراد به هنا: استحقاق الميراث إذا لم يوجد عصبة من النسب.

روى البخاري (444) ومسلم (1504) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَإن الْوَلَاءَ لِمَنْ أعْتَقَ).

(3)

أي للمعتق ما للعصبة من النسب، كالولد والوالد والأخ، عند فقده، من استحقاق الميراث وولاية التزويج وتحمل الدية والمطالبة بها،

ص: 276

الذكور من عصبته (1) وترتيب العصبات في الولاء كترتيبهم في الإرث (2) ولا يجوز بيع الولاء ولا هبته (3).

"فصل" ومن قال لعبده: إذا مت فأنت حر فهو مدبر (4) يعتق بعد وفاته من ثلثه (5) ويجوز له أن يبيعه في حال حياته ويبطل تدبيره (6) وحكم المدبر

ونحو ذلك.

روى الحاكم (4/ 341) وصحح إسناده: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الولاء لحمة كلحمة النسب). واللحمة القرابة ونحوها.

(1)

أي عصبة المعتق، وذلك بعد موته.

(2)

أي الأقرب والأولى من عصبة المعتقَ مقدم على غيره.

(3)

روى البخاري (2398) ومسلم (1506) عن ابن عمر رضي الله عنه قال نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِه.

(4)

من التدبير، وهو: تعليقُ المالك عتقَ عبده على موته. سمي بذلك لأن الموت دُبُرُ الحياة، أي آخرها ونَهايتها.

(5)

أي من ثلث تركته بعد تجهيزه ووفاء ديونه، لأنه تبرع معلق بالموت، فأشبه الوصية، وهي من الثلث. وروي أن ابن عمر رضي الله عنه قال: المدبر من الثلث. دارقطني (4/ 138) ولم ينكر عليه أحد، فصار في حكم الإجماع. (نهاية: 3/ 116).

(6)

روى البخاري (2034) ومسلم (997) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنَ رجُلا أعْتَق غُلَاماً له عن دُبر، فاحْتَاج فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(مَنْ يَشْتَرِيه منَي). فاشتراه نُعَيْمُ بنُ عبد الله بكذا وكذا، فدفعه إليه.

ص: 277

في حال حياة السيد كحكم العبد القن (1).

"فصل" والكتابة مستحبة إذا سألها العبد وكان مأمونا مكتسبا (2) ولا تصح إلا بمال معلوم ويكون مؤجلا إلى أجل معلوم أقله نجمان (3)

وهي من جهة السيد لازمة ومن جهة المكاتب جائزة فله فسحها متى شاء (4) وللمكاتب التصرف فيما في يده من المال

(1) أي له أن يتصرف به بيعاً وهبة ونحو ذلك لما مر آنفاً.

والقن: هو المملوك الذي لم يتصل به شيء من أحكام العتق أو مقدماته، وهي: التدبير كما سبق، والكتابة والاستيلاد، كما سيأتي.

(2)

الكتابة في اللغة: الضم والجمع، وفي الشرع: عقْد عتْقِ على عوض، بشروط تأتي، وبلفظ الكتابة. سميت بذلك، لأن المملَوكَ يضم قسطاً من المال إلى قسط حتى يعتق. أميناً: مأموناً فيما يكسبه. مكتسباً: قادراً على الكسب. والأصل فيها: قوله تعالى: " وَالَّذِينَ يَبتَغُونَ الْكتَابَ ممَّا مَلَكَتْ أيمَانكُمْ فَكَاتبُوهُمْ إنْ عَلمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً " / النورَ: 33/.

[يبتغون: يطلبوَن ويقصدون. الكتاب: المكاتبة مما ملكت أيمانكم: من العبيد والإماء. خيراً: هو القدرة على الاكتساب والأمانة]

(3)

مثنى نجم وهو الوقت، لأن العرب كانوا يوقتون بطلوع النجم، ويطلق أيضاً على المال المؤدى في كل وقت.

(4)

لازمة: أي عليه الاستمرار بها، وليس له فسخها والرجوع عنها.

جائزة: أي لا يجب عليه الاستمرار بها، وله الوجوع عنها وفسخها، سواء عجز عن أداء النجوم أم لا. وذلك مراعاة لصلحة المكاتب، لأن الكتابة شرعت في الأصل نظراً لمصلحته.

ص: 278

ويجب على السيد أن يضع عنه من مال الكتابة ما يستعين به على أداء نجوم الكتابة (1) ولا يعتق إلا بأداء جميع المال (2).

"فصل" وإذا أصاب السيد أمته فوضعت ما تبين فيه شيء من خلق آدمي حرم عليه بيعها ورهنها وهبتها وجاز له التصرف فيها بالاستخدام والوطء وإذا مات السيد عتقت من رأس ماله قبل الديون والوصايا (3) وولدها من غيره بمنزلتها (4)

(1) أي يحط عنه جزءاً من المال المتفق عليه ليسهل عليه الأداء. قال تعالى: " وَآتُوهُمْ مِنْ مَال الله الَّذي آتَاكُمْ " /النور:33/.

(2)

روى أبو داود (3926) عنَ عبدَ الله بَن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(المُكَاتَبُ عبدٌ مَا بَقِيَ عَليْه منِْ مُكَاتَبتَه درْهَمٌ).

(3)

أصابَ: َ وطىء، وتسمى بوضعها ما ذكر بعد وطئه لها أم ولد.

والأصل فيما ذكر لها من أحكام: ما رواه الدارقطني (4/ 134) والبيهقي (10/ 348) وصححا وقفه على عمر رضي الله عنه: أمهات الأولاد لا يبعن ولا يوهن ولا ديورثن، يستمتع بها سيدها ما دام حياً، فإذا مات فهي حرة. وصحح ابن القطان رفعه.

(نهاية:3/ 121).

وعند مالك في الموطأ (2/ 776) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أيما وليدة ولدت من سيدها، فإنه لا يبيعها ولا يهبها ولا يورثها، وهو يستمتع بها، فإذا مات فهي حرة.

(4)

أي إذا أتت بولد من غير سيدها، بعد أن أصبحت أم ولد، فولدها يصبح حرا مثلها بعد موت السيد، لأن الولد تبع لأمه فيَ الحرية.

ص: 279

ومن أصاب أمة غيره بنكاح فالولد منها مملوك لسيدها (1) وإن أصابها بشبهة (2) فولده منها حر وعليه قيمته للسيد وإن ملك الأمة المطلقة بعد ذلك (3) لم تصر أم ولد له بالوطء في النكاح وصارت أم ولد له بالوطء بالشبهة على أحد القولين (4) والله أعلم.

(1) لأنها مملوكة وولدها تبع لها.

(2)

أي ظناً منه أنها أمته أو زوجته الحرة.

(3)

أي بعد وطئه لها بالنكاح، وصورتها: أنه تزوجها مملوكة ووطئها، فأتت منه بولد، ثم طلقها، ثم ملكها من سيدها، بشراء أو هبة ونحوها.

(4)

وهو مرجوح، والأرجح أنها لا تصير أم ولد، ما لم يطأها وتضع منه بعد ملكه لها.

تم الكتاب بفضل الله تعالى، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

ص: 280