الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الحدود
والزاني على ضربين
1 -
محصن
2 -
وغير محصن
فالمحصن حده الرجم (1).
(1) وسيأتي بيان الإحصان ص 205.
روى البخاري (6430) ومسلم (1691) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجلٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فناداه فقالَ: يا رسولَ اللهِ، إنَي زَنيْتُ، فأعْرَضَ عنه، حتى ردََدَ عليه أرْبَع مراتٍ، فلمًّا شهِدَ على نَفْسِهَ أرْبع شهَادَات، دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(أبكَ جُنُونٌ). قال: لا، قال:(فَهلْ أحْصنْتَ). قال: نعم، فقالَ النبي صلى الله عليه وسلم:(اذْهبوا بِهِ فَارحمُوُهُ). قال جابرٌ: فكنتُ فيمَن رَجَمَه، لفرجمناهُ بالمُصلّى، فلما أذْ لقتْهُ الحجَارة هَرَبَ، فأدركناه بالحرَّة، فرجمناه.
[رجل: ما عز بن مالك الأسلمي رضي الله عنه. أحصنت: تزوجت المصلى: مكان صلاة العيد والصلاة عن الجنائز. أذلقته: أصابته بحدها وبلغت منه الجهد. بالحرة: موضع ذو حجارة سوداء، والمدينة بين حرتين].
وروى البخاري (6467) ومسلم (1697) عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما قالا: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنْشُدكَ الله إلَاّ قضَيْتَ بيننا بكتابِ الله، فقال خَصْمُهُ، وكان أفْقهَ منه، فقال: صدق، اقضِ بيننا بكتاب اللهَ، وَأذَنْ لي يا رسول الله فقال النبي (قُل). فقال: إن ابني كان عسِيفاً في أهلِ هذا، فزنى بامرأته، فافْتدَيتُ منه بمائة شاة وخادم. وإني سألت رجالاً من أهل
وغير المحصن حده: مائة جلدة، وتغريب عام (1) ، إلى
العلم، فأخبروني أنَّ على ابني جلدَ مائة وتغريب عام ت وأنَ على امرأة هذا الرجمَ، فقال:(وَالَّذِي نَفسْي بيدهِ، لأقْضيَن بَينَكُمَا بِكِتَاب اللهِ، المائَةُ وَالخَادِمُ رَد عَلَيْكً، وَعَلى ابنك جلدُ مَائَة وَتَغْريبُ عام، ويا أُنَيسُ اغدُ عَلى امْرَأةِ هذا فَسَلها، فَإنِ اعترَفَتْ فارْجمها) فاعرفت فرجمها.
[أنشدك الله: أقسم عليك بالله. أفقه منه: أكثر منه إدراكاً وفهماً.
عسيفا: أجيراً. في أهل هذا: فيَ خدمة أهله. بكتاب الله: لأن ما يحكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم ما ثبت في القرآن، قال تعالى:"وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولَُ فخذُوه وَمَا نَهَاكمْ عَنهُ فَانتهوا "/ الحشر: 7/.
أنيس: ابن الضحاك الأسلمي رضي الله عنه].
(1)
قال الله تعالى: " الزانية والزَّاني فَاجْلُدُوا كل وَاحِد منْهُمَا مائَةَ جلْدَة وَلَا تَأخُذْكُمْ بِهِمَا رَأفَة في دين الله إن كُنتُمْ تُؤْمِنونَ بالله وَالْيَوْم الآخِرِ وَليْشْهَدْ عَذَابًهُمَا طًائفَةٌ مِنَ المؤْمنينَ "/النور: 2/.
[فاجلدوا: من الجلد وهو ضرب الجلد. جلدة: ضربة. رأفة: رقة ورحمة. في دين الله: في تنفيذ أحكامه وإقامة حدوده. عذابهما: إقامة الحد عليهما. طائفة: فئة وجماعة لتحصل العبرة ويتحقق الزجر].
والمراد بالزانية والزاني في الآية غير المحصنين، لما علمت من أدلة وجوب رجم المحصنين.
ودل على وجوب التغريب حديث البخاري ومسلم السابق حا 1ص 203.
وما رواه البخاري (6443) عن زيد بن خالد رضى الله عنه قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يَأمُرُ فيمنْ زَنَى وَلَم يحصَنْ: جَلْدَ مائَة وتغْرِيبَ عَام.
قال ابن شهابَ: وأخبرني عروة بن الزّبَيْرِ: أنَ عمرَ بنَ الخطّابِ
مسافة القصر (1).
وشرائط الإحصان أربع:
1 -
البلوغ
2 -
والعقل
3 -
والحرية
4 -
ووجود الوطء في نكاح صحيح (2).
والعبد والأمة حدهما نصف حد الحر (3).
غَرت، ثم لَمْ تَزَلْ تِلْكَ السنةَ.
وعند مسلم (1690) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البكْرُ بِالْبكْرِ: جَلْدُ مَائَة وَنَفي سَنَة). والمعنى: إذا زنا البكَر بالبكَر فحد كَل منهما
…
والبكرً من لم يتزوج، رجلاً كان أم امرأة. والنفي هو ِالتغريب والإبعاد عن الموطن
(1)
فما فوقها، حسبما يراه الحاكم العدل، ولا يكفي أقلَ منها، لأنه لا يعد سفراً، ولا يحصل به المقصود، وهو إيحاشه بالبعد عن الأهل والَوطن.
ولا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى، ويجب على الأنثى أن نصطحب معها محرماً، لحرمة سفرها بدونه.
(2)
أي أن يكون الزاني قد سبق له أن تزوج وجامع زوجته، وكان عقد زواجه صحيحاً، لاستيفائه الشروط والأركان المعتبرة فيه شرعاً، كتولي ولي الزوجة للعقد، ووجود الشهود العدول، ونحو ذلك.
وكذلك الزانية، أن تكون قد سبق لها أن تزوجت وجامعها زوجها، وكان عقد زواجها كما ذكرنا.
ولا يشترط أن يكون الزواج مستمراً، بل لو حصل الفراق بعد هذا، ثم وقع الزنا، اعتبر محصناً ورُجم. فإذا فقد واحد من هذه الأربع لم يعد الزاني محصناً، ولا يقام عليه حد اَلرجم، بل يجلد ويضرب كالبكر، إن كان بالغاً عاقلاً، ويؤدب بما يزجره عن هذه الفاحشة، إن كان صبياً أو مجنوناً.
(3)
لقوله تعالى: " فإنْ أتَيْنَ بفَاحشة فَعَلَيْهِن نصف ما عَلى المحْصنمَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ " / النساء: 250/.
وحكم اللواط وإتيان البهائم كحكم الزنا (1).
ومن وطئ فيما دون الفرج عزر (2) ولا يبلغ بالتعزير أدنى
[أتين: أي الإماء المذكورات في صدر الآية بقوله تعالى: " فَممَّا ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ". والمراد بالمحصنات الحرائر](انظر حاشية 1ص 158).
والمعنى: إذا وقعت الأمة بفاحشة الزنا عوقبت نصفْ عقوبة الحرة أي تجلد خمسين وتغرب نصف عام، متزوجة كانت أم بكراً، ولا رجم عليها: لأنه لا ينصف. وقْيس بالأمة العبد، لأن المعنى فيهما واحد.
(1)
اللواط: هو إتيان الذكر في دبره، وكذلك إتيان الأنثى الأجبنية، أي غير الزوجة، في دبرها.
وعقوبة الفاعل لهذا كعقوبة الزنا، لأنه فاحشة، فيرجم إن كان محصناً، ويجلد ويضرب إن كان غير ذلك.
وأما المفعول فيه فيقام عليه حد غير المحصن مطلقاً، ولو كان متزوجاً، لأن الزاني المحصن هو من يطأ - أو يوطأ - وَطأْ سبق له نظيره على وجه مباح، ومن وطىءَ في دبره لا يتصور فيه هذا: فلا يكون محصناً.
وأما من أتى بهيمة فإنه يعزر ولا حد عليه، على القول الراجح والمعتمد في المذهب، لأن فعله مما لا يشتهى، بل ينفر منه الطبع الصحيح، ولا تميل إليه النفس السليمة، فلا يحتاج إلى زجر، والحد إنما شرع زجراً للنفوس عن مقاربة ما يشتهى طبعاً، على وجه غير مشروع.
ويستدل لهذا بما رواه أبو داود (4465) والترمذي (1455) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ليس على الذي يأتي البهيمة حد.
ومثل هذا لا يقال عن رأي، فيكون حكمه حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإذا انتفى الحد فقد وجب التعزير، لإرتكابه مصعية لا حد فيها ولا كفارة.
(2)
وطىء: باشر بفرجه جسد امرأة أجنبية أو أجنبي، ومثل
الحدود (1).
"فصل" وإذا قذف غيره بالزنا (2) فعليه حد القذف بثمانية شرائط:
ثلاثة منها في القاذف، وهو
1 -
أن يكون بالغا
2 -
عاقلا (3)
3 -
وأن لا يكون والدا للمقذوف (4)
وخمسة في المقذوف، وهو
1 -
أن يكون مسلما
2 -
بالغا
3 -
عاقلا
4 -
حرا
5 -
عفيفا (5)
ذلك سائر مقدمات الجماع، كالقبلة ونحوها.
عزر: أدب بما يراه الحاكم المسلم العدل، من ضرب ونفي وحبس وتوبيخ وغيره، لأنه فعل معصية لاحد فيها ولا كفاره.
(1)
وهو أربعون جلدة حد شَارب الخمر، فيجب أن ينقص التعزير عنها. لما رواه البيهقي (8/ 327) عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من بلغ حدا في غيْرِ حَد فَهُوَ منَ المُعتدين).
[في غير حد: أي في غير ما يستوجب حداً، والمراد أقل الحدود كما علمت].
(2)
اتهمه ورماد به، كأن قال: يا زاني، أو يا زانية، أو نفى نسبه من أبيه المعروف به فهو قذف لأمه، ونحو ذلك.
(3)
لأن الحد عقوبة، والصبي والمجنون ليسا أهلا لها.
(4)
لأن الوالد لا يقتل بقتل ولده كما علمت. فلا يقام عليه حد بقذفه من باب أولى. ومثل الوالد جميع الأصول، ذكوراً كانواً أم إناثاً.
(5)
أي لم يقم عليه حد زنا من قبل. لقوله تعالى: " وَالذَين: يرمونَ المحْصَنَات
…
فاجلدوهم " / النور: 4/. فقد شرط لَوجوب الحد أن يكون المرَمي بالزنا محصناً، وهذه شروط الإحصان.
ويحد الحر ثمانين (1) والعبد أربعين.
ويسقط حد القذف بثلاثة أشياء:
1 -
إقامة البينة (2)
وقد دل على شرط الإسلام والحرية والعفة: قوله تعالى: " إن الذينَ يرْمونَ المُحصنَاتِ الغَافلات المُؤْمِنَاتِ لعنوا في الدنْيا والآخِرَةِ وَلهمْ عَذَاب عَظِيم "/ النوَر: 23/.
[المحصنات: الحرائر. الغافلات: العفيفات. السليمات الصدور، النقيات القلوب. المؤمنات: المسلمات].
وروى الدارقطني في سننه (3/ 147) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (منْ أشْرَكَ بِاللهِ فَليسَ بمحْصَن) قال الدارقطنى: والصواب موقوف من قول ابن عمر.
وأيضاً: وجب الحد على القاذف لاتهامه بالكذب، ودفعاً للعار على المقذوف. ومن عرف بعدم العفة عن الزنا يغلب على الظن صدق من قذفه به، كما أنه لا يلحقه عار بهذا الاتهام.
وكذلك الكافر ليس لديه ما يردعه عن فعل الفاحشة.
أما اشتراط العقل والبلوغ، فلأن المجنون والصبي لا يلحقهما العار، وحد القذف شرع دفعا للعار عن المتهم كما علمت.
وإذا لم يثبت الحد لاختلال شروطه، عزر القاذف مما يراه القاضي مناسباً.
(1)
لقوله تعالى: "وَالَّذِين يرْمَونَ المحصنَاتِ ثم لَمْ يأتوا بأربَعة شهَدَاءَ فَاجْلدوهُمْ ثَمانين جلدَةً وَلا َتقبلوا لَهمُْ شهَادَةَ أبَداً وَأولئِكَ هم الْفَاسِقونَ " / النور 4/.
: هذا في الأحرار، والعبد عقوبته عَلى النصف من الحر كما علمت.
(2)
على صدق مدعاه ومارماه به من الزنِا. لقوله تعالى: " ثم لم يأتوا بأربعة شهداء " فدل على أنه إذا أتي بالشهداء فلا حد على القاذف ويثبت الزنا على القذوف.
2 -
أو عفو المقذوف (1)
3 -
أو اللعان في حق الزوجة (2).
"فصل" ومن شرب خمرا أو شرابا مسكرا (3) يحد أربعين (4) ويجوز أن يبلغ به ثمانين على وجه
(1) لأن حد القذف شرع لدفع العار عن المقذوف، ولهذا فهو حق خالص للآدمي، فيسقط بالعفو عنه كما أنه لا يستوفىَ إلا بإذنه ومطالبته، كالقصاص.
(2)
أي إذا قذف الزوج زوجته ولم يستطع إقامة البينة، أقيم عليه حد القذف إلا أن يُلاعِن، فإذا لاعن سقط عنه الحد. (انظر حا 2، 3 ص 177).
(3)
مهما كان منشؤه أو اختلف اسمه، سواء حصل الإسكار بقليل منه أو كثير. فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتعِ، وهو شراب يصنع من العسل، والمِزْرِ وهو شراب يصنع من الشعير أو الذرة فقال صلى الله عليه وسلم:(أْوَمسكر هُوَ؟ قال: نعم، قال: كُل مُسكرٍ حَرَامٌ، إن على الله عز وجل عهدا، لمَنْ يَشْرَبُ المُسكر، أنْ يَسقيه منْ طينَة الخَبَالِ. قالوا: يارسوًل لله، وما طينَةُ الخَبَال قال: عَرَقُ أهلِ النَار، أو عصَارةُ أهْل النَّارِ). (انظر مسلم: 2001 - 2003).
وروى أبو داود (3688) وغيره عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لَيشْرَبَن نَاسٌ منِْ أمتيَ الخَمر، يُسمونَهَا بِغَيْرِ اسْمِها).
وروى أبو داود (3681) والترمذي (1866) وغيرهما، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أسكَرَ كَثيرُهُ فَقَليلُهُ حرَامٌ).
(4)
روى مسلم (1706) عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يضرب في الخمر، بالنعال، والجريد، أربعين.
[الجريد: أغصان النخيل إذا جردت من الورق].
التعزير (1).
ويجب عليه بأحد أمرين بالبينة أو الإقرار (2)، ولا
(1) إن رأى الإمام العدل مصلحة في ذلك، لاسيما إذا انتشر شربها وفشا شرها، ليحصل الردع والزجر.
روى مسلم (1706) عن أنس رضي الله عنه: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجَرِيد والنعَال، ثم جلد أبوْ بكر أربعين، فلما كان عمر رضي الله عنه ودناَ الناسُ منَ الريف والقرى، قال: ما تَرَوْنَ في جَلدِ الخمرِ؟ فقال عبد الرحمن بنُ عوف: أرى أنْ تَجعَلَها كأخَفَ الحُدُود قال: فجلد عمرُ ثمانين.
[دنَا الناس من الريف والقرى: أي سكنوا مواقع الخصب، وكثرت لديهم الثمار والأعناب، فاصطنعوا الخمر وشربوها، فزيد في العقوبة زجراً لهم. أخف الحدود: هو حد القذف، وهو ثمانون جلدة كما علمت].
ودل على أن الزيادة على الأربعين تعزير وليست بحد: ما رواه مسلم (1707) أن عثمانَ رضي الله عنه أمرَ بجلد الوليد بن عُقْبَةَ بن أبي مُعَيْطٍ، فجلده عبدُ الله بن عمر رضي الله عنهما، علي رضي الله عنه يعُد، حتى بَلغَ أربعين، فقال: أمْسكْ، ثم قال: جَلَدَ النبي صلى الله عليه وسلم، أربعين، وجلد أبو بكرَ أربعينَ، وعمرُ ثمانينَ، وكُلٌ سُنَّةٌ، وهذا أحَبّ إلي. أي الاكتفاء بأربعين، لأنه الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحوط في باب العقوبة، من أن يزيد فيها عن المستحَق، فيكون ظلماً.
ولا يقام عليه الحد حال سكره، لأنه لا يحصل به الزجر حينئذ.
(2)
أي يثبت الحد على من شرب المسكر إذا شهد عليه رجلان بذلك.
أو أقر هو على نفسه. جاء في حديث مسلم (1207): فشَهِدَ عَلَيْه رجُلان. والإقرار حجة تقوم مقام البينة.
يحد بالقييء والاستنكاه (1).
"فصل" وتقطع يد السارق بثلاثة شرائط (2):
1 -
أن يكون بالغا
2 -
عاقلا
3 -
وأن يسرق نصابا قيمته ربع دينار (3) من حرز مثله (4) لا ملك له
(1) هو شم رائحة المسكر من الفم، لاحتمال أن يكون شربه مكرها أو مضطراً أو مخطئاً، ولأن رائحة الخمر قد تشاركها فيها غيرها. فهذه الأمور تورث شبهة في تعديهِ بشرب المسكر، والحدود تسقط بالشبهات.
(2)
والأصل في هذا قوله تعالى: " وَالسارِقُ والسارِقَةُ فَاقْطَعُوا أيدِيَهُمَا جزَاءً بما كَبسَا نَكَالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزيزٌ حَكِيم " / المائدة: 38/.
[السارق: هو من أخذ مال غيره خفية من حرز مثله على سبيل التعدي، وسيأتي معنى الحرز بعد قليل. نكالًا: عقوبة تردع غيره عن ارتكاب مثل جنايته، وتكون عبرة لمن يعتبر].
(3)
لما رواه البخاري (6407) ومسلم (1684) واللفظ له. عن عائشة رضي الله عنها. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تُقْطَع يَدُ السَارِقِ إلا في ربعُِ ديِنَار فَصَاعِداً). والدينار يساوي نصف ليرة انكليزية ذهبية تقريباً الآن.
(4)
الحرز: هو المكان الذي يحفظ به المسروق ونحوه عادة، أو الحال الذى يمنع دخول يد غير مالكه عليه. والعرف هو المرجع في تحديد الحرز وعدمه.
ودل على اشتراط الحرز أحاديث، منها: ما رواه أبو داود (4390) وغيره، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه سُئِلَ عن ٍالثَّمَر المُعَلَّقٍ، فقال: (مَنْ أصَابَ بفيهِ منْ ذِي حَاجَة، غَيْر مُتَّخذ خُبنَةَ، فلا شيء عليه.
ومن خرجَ بشيء منهُ فعلَيهِ غَرَامَةُ مِثْلًيهِ وَالْعُقوبَةُ، ومن سرق
فيه (1) ولا شبهة في مال المسروق منه (2).
وتقطع يده اليمنى من مفصل الكوع (3) فإن سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى (4) فإن سرق ثالثا قطعت يده
منه شيئاً بَعْدَ أنْ يؤْوِيَهُ الجَرِينُ، فبلغَ ثمنَ المجن، فعليه الْقطع) [خبنة: هي ما يحمله الرجل في ثوبه. العقوبَة: وهي التعَزير هنا.
الجرين: البيدر وما في معناه مما تحفظ فيه الثمار ونحوها. المجن: كل ما يتوقى به ويستتر من ضربة السلَاح، كالترس. وكانت قيمته تقدر بربع دينار].
(1)
أي في المسروق، فلو كان للسارق ملك فيه، كما لو سرق الشريك
من مال الشركة، فلا قطع عليه.
(2)
أي ليس للسارق شبهة ملك في مال المسروق منه، فلو كان له فيه شبهة ملك، كما لو سرق الوالد من ولده أو الولد من والده، فلا قطع، لشبهة الملك باستحقاق النفقة.
(3)
الكوع: هو العظم الناتىء مما يلي الإبهام، في مفصل الكف مع الساعد. ودل على كون اليد اليمنى: قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: فَاقْطَعُوا أيَمَانَهُمَا. وهي في حكم حديث الآحاد من حيث الاحتجاج بها على الأحكام. عند الطبراني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسارق فقطع يمينه. مغني المحتاج: 4/ 177.
وكون القطع من مفصل الكوع: لما جاء في حديث سرقة رداء صفوان ابن أمية رضي الله عنه، عند الدارقطني (3/ 205): ثم أمرَ بَقطْعِه مِنَ المِفصَلَ.
(4)
روى الدارقطني (3/ 103) عن علي رضي الله عنه قال: إذا سَرَقَ السارق قطِعت يدُهُ اليُمْنى، فإنْ عادَ قطعَتْ رجلُهُ اليُسرى.
وتقطع من مفصل الساق مع القدم، لفعل عمر رضي الله عنه، ولم ينكَر عليه أحد، فكان إجماعاً. نهاية: 3/ 60.
اليسرى (1) فإن سرق رابعا قطعت رجله اليمنى (2) فإن سرق بعد ذلك عزر (3) وقيل يقتل صبرا (4).
(1) روى مالك في الموطأ (2/ 835) والشافعي في مسنده (الأم: 6/ 255 هامش): أن رجلا من أهل اليمن أقْطع اليد والرجل، قَدمَ فنزل على أبي بكر الصَديق، فشكا إليه أنَ عَامِلَ اليَمَنِ قد ظلمه، فكان يُصَلِّي منَ الليل، فيقول أبو بكَر: أبيكَ ما لَيْلك بِلَيلِ سَارِق.
ثُم إنهُمْ فَقَدُوا عِقْداً لأسمَاءَ بنتِ عُمَيسْ، امرأة أبي بكر الصديق فَجعلَ الرجُلُ يَطُوفُ معهم ويقول: اللهم عليك بمن بيَّتَ أهلَ هذا البيتِ الصالِحِ. فوجدوا الحُليَّ عندَ صَائغٍ، زعمَِ أن الأقْطَع جاءه به، فاعْتَرَف به الأقطع، أو شُهِدَ عليه به، فأمرَ به أبو بكر الصديقُ، فَقُطِعَتْ يَدُهُ اليُسرَى، وقال أبو بكر: واللهِ لَدُعاؤه على نفسه أشَدٌ عندي عليه من سرقته.
[ظلمه: بقطع يده: رجله بتهمة السرقة. بيت: أغار عليهم ليلاً وأخذ مالهم].
(2)
روى الشافعي بإسناده، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في السارق: (إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله، ثم إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله).
مغني المحتاج: 4/ 178. وانظر الأم: 6/ 138.
(3)
عوقب بما يراه الحاكم رادعاً له من ضرب أو سجن أو نفي، لأن السرقة معصية، ولم يثبت فيها حد بعد المرة الرابعة، فتعين التعزير.
(4)
لحديث ورد في هذا رواه أبو داود (4410) وغيره، وهو قول مرجوح وضعيف لضعف الحديث الوارد فيه، والإجماع على خلاف، وأن الحديث - إن ثبت - فهو منسوخ. وفي بعض النسخ (يقتل صبراً) أي يحبس من أجل أن يقتل ولو يوماً واحداً.
"فصل" وقطاع الطريق (1) على أربعة أقسام:
1 -
إن قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا
2 -
فإن قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا (2)
3 -
وإن أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف (3)
4 -
فإن أخافوا السبيل (4) ولم يأخذوا مالا ولم يقتلوا حبسوا وعزروا (5).
(1) هم قوم يجتمعون، لهم منعة بأنفسهم، يحمي بعضهم بعضاً، ويتناصرون على ما قصدوا إليه ويتعاضدون عليه، يترصدون الناس في مكامن الطرق، فإذا رأوهم برزوا، قاصدين أموالهم، وربما أزهقوا نفوسهم.
(2)
علقوا على خشبتين متصالبتين ونحوهما، بعد غسلهم وتكفينهم والصلاة عليهم إن كانوا مسلمين، زيادة في التنكيل بهم وشهراً لحالهم، لفظاعة جريمتهم وكِبَرِ إثمهم، ولينزجر بهم غيرهم. ويصلب ثلاثة أيام إن لم يتغير، فإن خيف تغيره أنزل قبلها.
(3)
أي تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، فإن عاد ثانية قطعت يده. اليسرى ورجله اليمنى.
(4)
أدخلوا الرعب على الناس، لوقوفهم في طريقهم والتعرض لهم.
(5)
يعزرون بالضرب ونحوه، مما يراه الحاكم رادعاً لهم وزجراً.
والأولى أن يحبسوا في غير موضعهم، لأنه أكثر إيحاشاً لهم وأبلغ في زجرهم.
ويستمر في حبسهم حتى تظهر توبتهم ويستقيم حالهم احتياطاً في أمن الناس.
والأصل فيما سبق: قوله تعالى: "إنَّمَا جزاءُ الذِينَ يحَاربُون اللهَ وَرَسُولَهُ ويَسْعوْنَ في الأرضِ فسَاداً أنْ يُقَتلُوا أو يصَلَبُوا أو تقَطَّع أيدِيهِمْ وأرجُلُهُم منْ خِلاف أوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ ذَلِكَ لهمْ خِزْي في الدنْيَا ولَهم في الآخِرَة عذَابٌ عَظيمٌ " / المائدة: 33/.
[يحاربون الله ورسوله: يخالفون أمرهَما بالاعتداء عَلى خلق الله عز وجل.
يسعون في الأرض فساداً: يعملون في الأرض بما يفسد الحياة من قتل
ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه الحدود (1) وأخذ بالحقوق (2).
"فصل" ومن قصد بأذى في نفسه أو ماله أو حريمه فقاتل عن ذلك وقتل فلا ضمان عليه (3).
للأنفس وسلب للأموال، إثارة للذعر والقلق. ينفوا: يطردوا منها وينحوا عنها، بالتغريب أو الحبس. خزي: ذل وفضيحة وتأديب].
وفسرها ابن عباس رضي الله عنهما بما ذكر، كما رواه الشافعي رحمه الله تعالى في مسنده (الأم: 6/ 255 هامش).
(1)
أي سقطت عنه العقوبات الساقة؟ المختصة بقطاع الطريق، لقوله تعالى:" إلا الَذينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أنْ تَقْدِرُوا عَلَيهِم فَاعْلمُوا أن اللهَ غَفُور رَحَيمٌ " / المائدة: 34/.
(2)
أي طولبَ بالحقوق المرتبة على تصرفه كما لو لم يكن قاطع طريق، من قصاص وضمان مال، ونحو ذلك.
(3)
أي لا يضمن ما أتلفه ولا إثم عليه في تصرفه، فلو كان القاصد له إنسانا وقتله، فلا قصاص عليه ولا دية، ولا كفارة، ولو كان حيوانا وقتله، لا يضمن قيمته، ركذلك لو أتلف له عضواً، أو أحدث فيه عيباً. وإذا لم يستطع الدفع عن نفسه وقُتِلَ كان شهيداً. وهذا ما يسمى في الفقه الإسلامى: دفع الصائل، أي المستطيل على غيره ظلماً بقصد النيل من ماله أو نفسه أو عرضه.
والأصل في هذا: قوله تعالى: " فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعتدُوا عَلَيْه. بمثلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ " / البقرة: 194/. أي فردوا اعتداءهَ بالمثلَ، فهي صرخة بمشروعية رد الاعتداء ودفعه عن النفس.
وما رواه أبو داود (4772) والترمذي (1420) وغيرهما، عن سعيد ابن زيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (مَن قُتِلَ
وعلى راكب الدابة ضمان ما أتلفته دابته (1).
دُونَ مَالِهِ فهوَ شهِيدٌ وَمنْ قُتِلَ دونَ دِينِهِ فَهوَ شهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهيد، ومَنْ قتِلَ دُونَ أهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ). والمراد بالأهل الزوجة وغيرها، كالبنتَ والأخت والأم، وكل من يلحقه العار بسببهن.
ووجه الاستدلال بالحديث: أنه لما جعل شهيداً حال قتله، دل على أن له أن يقاتل، كما أن شهيد المعركة له أن يقاتل، وقد يلزم عن قتاله أن يقتل غيره، فدل على أنه مأذون له في القتل، وما كان مأذونا فيه لايضمنَ، وإذا كان له أن يقتل فله فعل ما هو أقل من القتل من باب أولى، على أنه ليس له أن يلجأ إلى الأشد إن كان الصائل يدفع بالأخف، فإن أمكن دفعه بالصياح والاستغاثة فلا يلجأ إلى الضرب، وإن أمكن بالضرب لا يلجأ إلى القطع وهكذا.
والدفع واجب إن كان الصيال على العرض أو النفس، لأن ترك المدافعة عن العرض إباحة له، ولا يملك أحد إباحة عرضه لأحد في حال من الأحوال، وترك المدافعة عن النفس استسلام للظالم، وهو لا يجوز، إلا إن كان الصائل مسلماً فله عدم المدافعة، وقد يستحب له ذلك.
وأما إن كان الصيال على المال، فله دفعه وله تركه، لأنه يملك إباحة ماله لغيره، فيحمل ترك دفعه على الإذن له فى أخذه.
والمدافعة عن نفس غيره وماله وعرضه كالمدافعة عن نفسه وماله وعرضه، دل على ذلك: ما رواه أحمد في مسنده (3/ 487): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أذل عنْدَهُ مُؤمن فَلَمْ يَنصُرْهُ، وَهُوَ قَادر عَلى أن يَنْصُرَهُ، أذًلَّهُ الله عَلى رؤُوسِ الخَلَائِق يَوْمَ الْقيَامَةِ) ..
(1)
َ سواء أتلفته بيدها أم برجلها، أم بفمها ونحو ذلك. لأن إتلافها ينسب إلى تقصيره.
"فصل" ويقاتل أهل البغي (1) بثلاثة شرائط: أن
والأصل في هذا: ما رواه أبو داود (3570) وغيره: أنه صلى الله عليه وسلم قَضىَ: عَلى أهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظهَا بالنهَارِ، وَعَلى أهْلِ الموَاشي مَا أصَابَتْ مَاشِيَتُهُمْ بالليَلِ.
[الحوائط: جمع حائط وهو البستان].
وجه الاستدلال: أن العادة جارية: أن يحفظ أصحاب البساتين زرعهم نهاراً وأن يتركوها بلا رقيب ليلاً. وأن المواشىِ يرسلها أصحابها نهاراً ويخفظونها ليلاً: فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وفق هذه العادة: فإذا قصر أصحاب الزرع ولم يحفظوا زرعهم نهاراً، ودخلتها المواشي وأتلفت شيئاً منها، كان من ضمانهم. وإذا قصر أصحاب المواشي، فتركوها تسرح ليلاً فدخلت الحوائط. وأتلفت الزرع كان ما أتلف من ضمان أصحاب الموِاشي.
فدل قضاؤه صلى الله عليه وسلم: أن من كان مسؤولاً عن شيء، فقصر في القيام بمسؤِليته، وحصل عن تقصيره أثر: كان من ضمانه.
ويقاس على إتلاف الدابة إتلاف السيارات في أيامنا الحاضرة، فيضمن سائق السيارة كل ما يحصل من إتلافات بسبب تقصيره، وبفعله ما يمكن التحرز عنه، ومن ذلك إثارته الغبار الكثير والطين والمياه الملوثة بكثرة بسبب سرعته، فإذا ألحق ذلك ضرراً بالمارة أو أهل السوق ضمن ما ينتج عنه.
(1)
هم قوم من المسلمين، يخرجرن عن طاعة الإمام الحق، الذي نصبه جماعة عامة المسلمين، فيمتنعون عن أداء ما وجب عليهم، ويقاتلون جماعة المسلمين بتأويلهم لأحكام يخالفونهم فيها، ويدعون أن الحق معهم والولاية لهم. وقتالهم واجب على أهل العدل مع إمامهم، إذا تحققت الشروط المذكورة. والأصل في مشروعية قتالهم: قوله تعالى: " وَإنْ طائفتان منَ المؤَمنين اقتَتَلوا فأصلحوا
1 -
يكونوا في منعة (1)
2 -
وأن يخرجوا عن قبضة الإمام (2)
بَينَهُمَا فَإنْ بَغَتْ إحْداهُمَا عَلى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتي تَبْغِي حَتَّى تَفِيىءَ إلى أمْرِ اللهِ فَإنْ فَاءَتْ فَأصْلِحُوا بَينَهمَا بِالْعَدْل وَأقْسِطُوا إنَ اللهَ يحِبُّ المُقْسِطِينَ " / الحجرات: 9 /.
[طائفتان: فئتان. بَغت: أبت الإصلاح وتعدت. تفيىء: ترجع. أمر الله: حكم الله تعالى. أقسطوا: اعدلوا].
ووجه الاستدلال بها: أنه يجب قتال الفئة الباغية بطلب الإمام، إذا كان البغى من طائفة على طائفة، فإذا كان البغي على الإمام نفسه، وجب القتال معه من باب أولى.
وما رواه مسلم (1852) وغيره، عن عرفجة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ أتَاكُمْ وَأمْرُكُمْ جمِيع عَلى رَجُل وَاحِد، يُريدُ أنْ يَشُق. عَصَاكُم أو يُفَرَق جَمَاعتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ). وفي رواية: (فَمَنْ أرَادَ أنْ يُفَرقَ أمْرَ هَذِهِ الأمةَ، وَهِي جَمِيعٌ، فَاضرِبُوهُ بِالسيْفِ، كَائِنا مَنْ كَانَ).
[أمركم جميع: مجتمع، وهي جميع: مجتمعة. يشق عصاكم: كناية عن إثارة الاختلاف وتنافر النفوس، حتى تفترق الأمة كما تفترق العصا المشقوقة].
(1)
أي قوة يتمكنون بها من مقاومة الإمام وأهل العدل، بأن تكون لهم فئة ينحازون إليها، أو حصن يلتجئون فيه، أو تغلبوا على بلد من بلاد المسلمين لأن قتالهم لدفع شرهم، فإن لم تكن لهم قوة بهذا المعنى فلا يخاف شرهم ..
(2)
أي سلطانه، بانفرادهم ببلدة أو قرية، ولهم رئيس يطاع فيهم.
3 -
وأن يكون لهم تأويل سائغ (1)
ولا يقتل أسيرهم، ولا
(1) شبهة محتملة، من كتاب أو سنة، يجيزون بسببها الخروج على الإمام الحق، أو منع الحق المتوجه عليهم، ومن خرج من غير تأويل كان معانداً ولم يكن باغياً. كتأويل بعض من خرجوا على علي رضي الله عنه: بأنه يعرف قتلة عثمان رضي الله عنه ولا يقتص منهم، وهذا كفر لأنه تعطيل للحكم بما أنزل الله عز وجل. والله تعالى يقول:" وَمَنْ لَمْ يَحكُمْ بمَا أنْزَلَ اللهُ فأولئِكَ هُمُ الكافرُونَ " / المائدة: 44/.
وكتأويل مانعي الزكاة لأبي بكر رضي الله عنه: بأنهم لا يدفعون الزكاة لا لمن كان دعاؤه رحمة لهم: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. لأن الله تعالى يقول: " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وَصَل عَلَيْهِمْ إن صلَاتَكَ سًكَنٌ لَهَمْ " التوبة: 103/.
[صدقة: هي الزكِاة. وغيرها. تطهرهم: تنظفهم وتنقيهم من آثار الذنوب. وتزكيهم: تزيد أموالهم بركة ونماء وتستعمل التزكية بمعنى المبالغة في التطهير. صل عليهم: اعطف عليهم بالدعاء. سكَن لهم: رحمة تسكن بها نفوسهم وتطمئن قلوبهم].
فإذا فقد شرط من الشروط الثلاثة لم يكونوا بغاة. ولم يجب قتالهم.
وإنما يؤاخذون بأعمالهم وما ترتب عليها، ولا يعاملون معاملة البغاة.
ويشترط أيضاً لجواز قتالهم: أن يرسل إليهم الإمام الحق رجلا أميناً فطناً، ينصحهم ويدعوهم إلى الطاعة ويكشف لهم شبهتهم، إن أبدوا شبهة. ويسألهم عما يكرهون من إمام أهل العدل، ويحذرهم من عاقبة إصرارهم على البغي. وينذرهم بالقتال إن أصروا على ما هم عليه.
والْأصل في هذا: أن الله تعالى أمر بالإصلاح قبل القتال إذ قال: "فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا
يغنم مالهم ولا يذفف على جريحهم (1).
التي تبغي ".
وهذا ما فعله علي رضي الله عنه، حيث بعث ابن عباس رضي الله عنهما إلى الخوارج فناظرهم، فرجع منهم أربعة آلاف وأصر الباقون، فقاتلهم رضي الله عنه. (مسند أحمد: 1/ 87).
(1)
مما يختلف به قتال البغاة عن قتال الكفار: أنه إذا أخذ منهم أسرى لا يقتلون، كما أنهم لا يسترقون، بل يحبسون حتى ينتهي بغيهم فيطلقون.
وإذا أخذت منهم أموال لا تقسم كما تقسم الغنائم، بل تحفظ حتى إذا انتهى بغيهم ردت إليهم. وإذا وجد منهم جريح لا يذفف عليه، أي لا يتمم قتله.
وإذا ولَى أحدهم هارباً فلا يتبع.
والأصل في هذا: ما رواه البيهقي (8/ 182) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود: (يا ابْنَ مَسعود، أتَدْرِي مَا حكمُ اللهِ فِيمَن بَغَى مِنْ هَذه الأمَّة؟ قال ابنُ مسعودٍ: اللهُ ورسولُهُ أعْلَمُ؟ قال: فَإن حُكْم اللهِ فِيهِمْ أن لَا يُتْبعً مدْبرُهُم، ولَا يُقتَلَ أسِيرُهمْ ولَا يذفَف على جَرِيحِهم. وفي رواية: وَلَا يُقْسم فَيْؤُهُمْ). أي ما يغنم منهم.
وروى ابن أبي شيبة بإسناد حسن: أن عليا رضي الله عنه أمرَ منَادِيه يومَ الجَملِ فنادى: لا يُتبعُ مُدْبِر ولا يَذففُ عَلى جَرِيح، وَلَا يقْتَلُ أسير، وَمَنْ أغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمنٌ، وَمَنْ ألْقَى سِلاحَهُ فهُوَ آمن. مغني المحتاج: 4/ 127.
وروِي عنه: أنَه ألقى ما أصاب من عسكر أهل النهْرَوَانِ في الرحْبَةِ، فمن عرف شيئاً أخذه، حتى كان آخره قدر حديد لإنسان فأخذه.
[النهروان: بلدة كانت بقرب بغداد. الرحبة. الساحة الواسعة بين دور القوم].
"فصل" ومن ارتد عن الإسلام استتيب ثلاثا فإن تاب وإلا قتل (1) ولم يغسل ولم يصل عليه ولم يدفن
(1) لما رواه البخاري (2854) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: (مَنْ بَدلَ دِينَهُ فَاقتُلُوهُ). ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا يحل دَمُ امْرِىء مُسْلِم .. إلا بِإحْدَى ثَلاث ..
المُفَاِرقُ لِدِينِهِ التَّارِكُ لِلْجَماعَةِ (انظر: حاشية 2 ص 201).
والاستتابة واجبة، أي يطلب منه أن يتوب ويعود إلى الإسلام قبل أن يقتل، لما رواه الدارقطني (3/ 118) عن جابر رضي الله عنه: أن امرأة يقالُ لها أم رومان ارتدت، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعْرَضَ عليها الإسلام، فإنْ تابتْ وإلا قتلَتْ.
وقيل: يمهل ثلاثة أيام، يكرر عليه الطلب فيها، لقول عمر رضي الله عنه في مرتد قتل ولم يمهل: أفَلَا حَبسَتمُوُه ثَلَاثا، وَأطعَمْتُمُوه. ُ
كُل يَوْم رَغِيفاً، وَاسْتَتَبْتُمُوهُ لعَلَهُ يَتُوبُ ويُراجِعُ أمْرَ اللهِ؟ ثم قال عمر: اللهُم إني لم أحضر، ولم آمرْ، ولمَ أرضَ إذ بَلَغَني الموطأ (2/ 737).
والراجح في المذهب أنه لا يمهل، لظاهر الأدلة السابقة. وقد روى البخاري (6525) ومسلم (1733) حديث تولية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه على اليمن، وفيه:: ثم أتْبَعَهُ مُعَاذَ بْنَ جَبَل، فلما قَدِمَ عليه أْلقى له وسادةً، قال: انْزِلْ، وإذا رجلٌ عنده. مُوثَقٌ، قال: ما هذا؟ قال: كان يهودياً فأسلم ثم تَهوَدَ، قال: اجْلِسْ، قال: لا أجلسُ حتَى يُقْتَلَ، قضاءُ الله ورسولِه، ثلاث مرات، فأمَرَ به فقُتِل.
[قضاء الله: أي هذا قضاء الله. ثلاث مرات: أي كرر قوله ثلاثاً].
في مقابر المسلمين (1).
"فصل" وتارك الصلاة على ضربين:
1 -
أحدهما: أن يتركها غير معتقد لوجوبها فحكمه حكم المرتد (2).
2 -
والثاني: أن يتركها كسلا معتقدا لوجوبها
فيستتاب فإن تاب وصلى وإلا قتل حدا (3) وكان حكمه حكم
(1) لأنه خرجِ منهم، قال تعالى:"وَمَنْ يَرتَددْ مِنكُمْ عَنْ دينه فَيَمت وَهُو كَافِر " / البقرة: 217/.
(2)
أى يستتاب، وتوبته أن يصلي معلناً اعتقاده بوجوب الصلاة، فإن لم يتب قتل وكان كافراً، لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين.
روى مسلم (82): غيره عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: (إن بيْنَ الرجلِ: وبينَ الشًرْكِ وَالكفرِ تَرْكَ الصَلَاةِ). وهو محمول على الترك جحوداً وإنكاراً لفرضيتها.
(3)
أي عقوبة على تركه فريضة يقاتل عليها. دل على ذلك: ما رواه البخاري (25) ومسلم (22) عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أمرتُ أنْ أقَاتل النَّاسَ حَتَى يشْهَدُوا أنْ لإَ إلَهَ إلاً اللهُ وَأن محُمَداً رَسَول الله، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ ويُؤتُوا الزكَاةَ. فَإذَا فَعَلوا ذَلِكَ عَصَمُوا. مني دماءَهُمْ وَأموالَهُم إلا بحَق الإسْلَامِ، وَحسَابُهُمْ عَلى اللهِ).
دل الحديث على أن من أقر بالشهادتين يقاتل إن لم يقم الصلاة، ولكنه لا يكفر، بدليل ما رواه أبو داود (1420) وغيره. عن عبادةَ بن الصاَمِتِ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن، ولم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن. كان له عند الله عهد أن
المسلمين (1).
يُدخلَهُ الجَنةَ، ومَنْ لَمْ يَأت بِهن فَلَيسَ لَهُ عنْدَ الله عَهْد، إن شَاءَ عَذبَه وَإنْ شَاءَ أدْخَلَهَ الجَنةَ).
فقد دل على أن تارك الصلاة لا يكفر، لأنه لو كفر لم يدخل في قوله:(إن شاء أدخله الجنة) لأن الكافر لا يدخل الجنة قطعاً، فحمل على من تركها كسلا، جمعاً بين الأدلة.
(1)
فيغسل ويكفن ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين، لأنه منهم.