المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الجنايات القتل على ثلاثة أضرب: 1 - عمد محض 2 - وخطأ - التذهيب في أدلة متن الغاية والتقريب

[مصطفى ديب البغا]

الفصل: ‌ ‌كتاب الجنايات القتل على ثلاثة أضرب: 1 - عمد محض 2 - وخطأ

‌كتاب الجنايات

القتل على ثلاثة أضرب:

1 -

عمد محض

2 -

وخطأ محض

3 -

وعمد خطأ:

فالعمد المحض هو: أن يعمد إلى ضربه بما يقتل غالبا ويقصد قتله بذلك (1) فيجب القود عليه (2) فإن عفا

(1) وهو من أكبر الكبائر وأفظع الذنوب، قال الله تعالى:" وَمَنْ يقْتُلْ مُؤْمناً مُتَعَمداً فَجَزَاؤهُ جَهنَّمُ خَالداً فِيهَا وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنًهُ وَأعَد لَه عَذابا عَظِيماً "/ النساءَ: 93/.

وقال صلى الله عليه وسلم: (اجْتَنِبُوا السَّبع المُوبُقَات). أي المهلكات التي تدخل فاعلها النار، وعد منها:(قتْل النفس الَتي حَرَّمَ اللهُ إلا بِالْحق). رواه مسلم (89) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وروى ابن ماجه بإسناد صحيح (2619) عن البراء بن عازب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَزَوَالُ الدنيا أهْوَنُ عَلى الله مِنْ قتْلِ مَؤْمِن بِغيرِ حَق). وروى الترمذي (1395) وغيره مثلهَ عن ابن عمرو رضي الله عنهما.

والنصوص في هذا كثيرة ومتوافرة.

(2)

أي القصاص وهو قتل القاتل، قال تعالى: " يَا أيها الَّذين آمَنِوا كُتِبَ علَيْكُم الْقصَاصُ في الْقَتْلَى الحرُّ بالْحُر وَالْعَبدُ بِالْعَبْد وَالأنْثى بالأنثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أخِيهِ شَيْءٌ فَاتباعٌ بِالْمَعْروفِ وَأداءٌ إلَيْهِ بِإحْسان ذَلِك تَخفِيفٌ مِنْ رَبِّكمْ

ص: 193

عنه وجبت دية مغلظة حالة في مال القاتل (1)

والخطأ المحض أن يرمي إلى شيء فيصيب رجلا فيقتله

وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلكَ فَلَهُ عَذَابٌ أليمٌ " / البقرة: 178/.

روى البخاري (4228) وغيره، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فالعفو أن يقبل في العمد الدية، والاتباع بالمعروف: يتبع الطالبُ بمعروف، ويؤدي إليه المطلوب بإحسان. ولا فرق في وجوب القصاص بين الرجال والنساء، لقوله تعالى:" وكتَبْنَا عَليهِم فِيهَا أن النَّفْسَ بالنفسِْ " / المائدة: 45/.

روى الطبراني، عن عمرو بن حزم الأنصاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العَمْدُ قَودٌ).

(1)

روى البخاري (112) ومسلم (1355) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قُتلَ له قَتيلٌ فهُوَ بخِير النظَرَيْنِ: إمَّا أنْ يَقْتُلَ وَإمَّا أنْ يَدِيَ) أي يأخذ الَدية.

وكونها مغلظة سيأتي معناه ودليله في الفصل التالي.

وتجب حالة وفي مال القاتل تشديداً عليه.

روى البيهقي (8/ 104) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا تَعْقِلُ العَاقِلَةُ عَمْداً وَلَا صُلْحاً وَلَا اعْتِرَافاً ولا ما جَنى المَمْلُوكُ. وروي مثل هذا عن عمر رضي الله عنه.

[صلحاً: ما تصالح عليه أولياء التقتيل مع الجاني. اعترافاً: دية جناية اعترف بها الجاني ولم تثبت عليه بالبينة].

وذكر مالك في الموطأ (2/ 865) عن ابن شهاب أنه قال: مضت السنة: أن العاقلة لا تحمل شيئاً من دية العمد، إلا أن يشاؤوا ذلك.

والعاقلة: قبيلة الرجل وأقاربه، ممن يستنصر بهم ويستنصرون به.

ص: 194

فلا قود عليه بل تجب عليه دية مخففة على العاقلة مؤجلة في ثلاث سنين (1).

(1) قال تعالى: "وَمَا كَانَ لِمَؤْمنٍ أنْ يَقْتلَ مُؤْمنا إلا خطأ وَمنْ قَتَلَ مؤمِناً خطَأً فَتَحرِيرُ رَقَبةِ مُؤمِنَة وَدِيَةٌَ مسلَّمَة إلى أهْلِه إلا أنْ يَصّدَقوا " / النساء: 92 /.

وكَون الدية مخففة سيأتي معناه ودليله في الفصل التالي.

وكونها على العاقلة، لما رواه البخاري (6512) ومسلم (1681) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: اقْتَتلتْ امرَأتَان مِنْ هَذَيْل، فرَمتْ إحداهما الأخْرَى بحجَر فَقتلَتْهَا وَما فَي بطنِها، فَاختَصَمْوا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَضىَ أن ديَةَ جَنِينهَا غرة عَبْدٌ أوْ وَلِيًدة، وَقضَى بِدِيةِ المرأةِ عَلى عًاقلَتِهَا.

[غرة: هي بياض في الوجه عبر به عن عبد كامَل. وليدة: امرأة مملوكة].

قالوا: هذا القتل شبه عمد، وقضي فيه بالدية على العاقلة، فيقضى بها عليهم في الخطأ من باب أولى.

وروى ابن ماجه (2633) عن الغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالديةِ على العاقِلةَِ.

وكونها في ثلاث سنين، لما رويَ عَن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، أنهم قضوا بذلك ولم ينكر عليهم، فكان إجماعاً، وهم لا يقولون مثل هذا إلا بتوقيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولم أعلم مخالفاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على العاقلة في ثلاث سنين.

وقال الترمذي (1386): وقد أجمع أهل العلم على أن الدية تؤخذ في ثلاث سنين. وانظر: نيل الأوطار: 7/ 90.

ص: 195

وعمد الخطأ: أن يقصد ضربه بما لا يقتل غالبا فيموت فلا قود عليه بل تجب دية مغلظة على العاقلة مؤجلة في ثلاث سنين (1).

وشرائط وجوب القصاص أربعة:

1 -

أن يكون القاتل بالغا

2 -

عاقلا (2)

3 -

وأن لا يكون والداً للمقتول (3)

4 -

وأن لا يكون المقتول أنقص من القاتل بكفر أو رق (4).

(1) روى ابن ماجه (2627) وأبو داود (4547) وغيرهما، عن عبد الله ابن عمروَ رضي الله عنهما، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: قتِيلُ الْخَطَإ شِبْهِ العمْد قَتِيل السوْطِ والعصا، مائَةٌ - في رواية:

فيه مائة - منَ الإبِلَِ: أربعَونَ مِنهَا خَلِفَةً في بُطُونِهَا أولادُها) وانظر حاشية 1 ص 193. وحا 1 ص 196.

وروى أبو داود (4565) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عقْلُ شبه العمْدِ مُغَلَّظُ مِثْلُ عَقلِ الْعَمْد، ولَا يقْتَلُ صَاحِبهُ).

واَلعقل الدية، والتغليظ كَونها ثلاثة أنواع كمَا سيأتىِ، وانظر: حا 1 ص 193.

(2)

لأن القصاص عقوبة بدنية، َ والعقوبة لا تجب إلا بالجناية، وفعل الصبي والمجنون لا يوصف بالجناية، لعدم صحة قصد التعدي منهما، فليسا من أهل العقوبة، ولا قصاص عليهما في قتلهما وإن كان على صورة العمد.

(3)

أي فلو كان القاتل عمدا والد المقتول فلا يقتل به، لما رواه الدارقطني (3/ 141) من قوله صلى الله عليه وسلم:(لا يقاد للابن من أبيه).

ومثل الأب جميع الأصول، كالجد وإن علا.

(4)

لما رواه البخاري (6507) عن علي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لَا يقتَلُ مسْلِم بكَافِر). ولقوله تعالى: في آية القصاص: " الحر بالحرِّ " وعن علي رضي الله عنه قال: من السنة ألاً يقتلَ ِحُر بعبد ولخبر أبي داود (4517): (لَا يقتلٌ حُر بِعبدٍ).

ص: 196

وتقتل الجماعة بالواحد (1).

وكل شخصين جرى القصاص بينهما في النفس يجري بينهما في الأطراف (2)

وشرائط وجوب القصاص في الأطراف بعد الشرائط المذكورة اثنان:

1 -

الاشتراك في الاسم الخاص، اليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى.

2 -

وأن لا يكون بأحد الطرفين شلل (3).

وكل عضو أخذ من مفصل ففيه القصاص (4) ولا قصاص في الجروح إلا في الموضحة (5).

(1) روى مالك في الموطأ (2/ 871) عن سعيد بن المسيب أن عُمَرَ بن الْخطاب رضي الله عنه قَتَلَ نَفَراً - خمَسة أوْ سَبْعة - برجل واحِد، قَتَلُوهُ غِيلَة، وقال: لَو ْتمالأ عَلَيْه أهْلُ صَنْعَاءَ لَقتَلتهمْ جَمِيعاً. وروى مثل ذلك عن غيره من الصحَابة ولم ينكر عليهم، فكَان إجماعاً [تمالأ: اتفق وتواطأ على قتله].

(2)

والأعضاء، لقوله تعالى:"وَكَتَبْنَا علَيْهِمْ فيها أن النَّفْسَ بِالَنَّفسِْ والْعينَ بِالْعيْنِ والأنْفَ بِالأنفِ وَالأذُنَ بالأذُنِ والسِّن بِالسَن وَالجُروحَ قصَاص " / المائدة: 45/.

(3)

لأن من معنى القصاص التماثل، ولا تماثل بين اليمنى واليسرى من حيث المنافع، ولا بين الأشل والسليم.

(4)

لإمكان تحقق المماثلة، بخلاف ما أخذ من غيره.

(5)

أي الجرح الذي يشق اللحم ويصل إلى العظم ويوضحه، لقوله تعالى:" وَالجُروحَ قِصَاص ". والقصاص من أصل معناه المماثلة، كما علمت، ولا تتحقق في غير الموضحة من الجروح.

ص: 197

"فصل" والدية على ضربين

1 -

مغلظة

2 -

ومخففة

فالمغلظة مائة من الإبل ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة في بطونها أولادها (1)

والمخففة مائة من الإبل عشرون حقة وعشرون جذعة، وعشرون بنت لبون، وعشرون ابن لبون، وعشرون بنت مخاض (2)

فإن عدمت الإبل انتقل إلى قيمتها وقيل ينتقل إلى ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم، وإن غلظت زيد عليها الثلث

(1) روى الترمذي (1387) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (منْ قتلَ مؤمناً متَعَمداً دُفِع إلى أولياءِ المَقْتولِ: فإنْ شَاؤُوا قَتلُوا، وَإنْ شاؤوا أخَذُوا الديَةَ، وهي: ثلَاثُونَ حقة، وثَلَاثونَ جَذَعة، وَأرْبَعونَ خَلفَة، وَما صَالَحُوا عَليْهَِ فَهو لهم، وَذَلِكَ لَتَشْديدِ العَقْلِ). أي لتغليظ الدية، وتغليظها كونها مثلثة كما ذكر.

[حقة: ما طعنت في الرابعة من الإبل. جذعة: ما طعنت في الخامسة من الإبل. خلفة: حامل. صالحوا عليه: ضوا به واتفقوا عليه].

وانظر حاشية: 1 ص 194.

(2)

وهذا معنى كونها مخففة، أي من خمسة أسنان. واحتج لهذا بما رواه الدارقطني (3/ 172)، عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً: أنه قال: في الخطَإ عِشْرُونَ جَذعَةً، وعِشْرونَ حِقةً، وَعِشْرُونَ ْبنت لَبون، وعشْرُونَ ابنَ لَبُون، وَعِشْرَونَ بِنْتَ مَخَاض.

ومثل هذا له حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه من المقدرات، وهي ليست مما يقال بالرأي.

ص: 198

الثلث (1).

وتغلظ دية الخطأ في ثلاثة مواضع:

1 -

إذا قتل في الحرم

2 -

أو في الأشهر الحرم

3 -

أو قتل ذا رحم محرم (2).

ودية المرأة على النصف من دية الرجل (3)

ودية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم (4)

وأما المجوسي ففيه ثلثا

(1) وهذا هو المذهب القديم، والجديد: هو الانتقال إلى قيمة الإبل مهما بلغت، وهذا هو الصحيح المعتمد، لأن الأصل في الدية هو الإبل، فيرجع إلى قيمتها عند فقدها.

(2)

(الحرم) المكي. (الأشهر الحرم) هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، ودليل التغليظ في هذه المواضع: عمل الصحابة رضي الله عنهم. واشتهار ذلك عنهم. فقد روي عن عمر رضي الله عنه قال: من قتل في الحرم، أو ذا رحم، أو في الأشهر الحرم، فعليه دية وثلث. وروي مثل هذا عن عثمان وابن عباس رضي الله عنهما. رواها البيهقي. انظر: تكملة المجموع: 17/ 367 وما بعدها.

(3)

ودليله ما روي عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وغيرهم، رضي الله عنهم: أنهم قالوا: ديةُ المرأهَِ نصفُ ديِةِ الرَّجلِ. ولا مخالف لهم من الصحابة، فصار إجماعاً. على أن هذا مما لا يقال بالرأي، فيكونُ في حكم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(تكملة المجموع: 17/ 378، نيل الأوطار: 7/ 70).

والحكمة فيَ هذا: أن الدية منفعة مالية، والشرع قد اعتبر المنافع المالية بالنسبة للمرأة على النصف من الرجل، كالميراث مثلا. وهذا عدل يتلاءم مع واقع كل من الرجل والمرأة وطبيعتهما.

(4)

ودليله ما رواه الشافعي رحمه الله تعالى في الأم (6/ 92) قال: فقضى عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما في ديِةِ اليهودي والنصراني بثلث ديةِ المسلمِ. وانظر سنن أبي داود (4542).

ص: 199

عشر دية المسلم (1)

وتكمل دية النفس في قطع اليدين والرجلين والأنف والأذنين والعينين والجفون الأربعة واللسان والشفتين وذهاب الكلام وذهاب البصر وذهاب السمع وذهاب الشم وذهاب العقل والذكر والأنثيين (2).

(1) قال الشافعي رحمه الله تعالى في الأم (6/ 92): وقضى عمر في ديةِ المجوسّ بثَمَانِمَائَةِ درهم، وذلك ثلثا عُشْرِ ديَةِ المسلم، لأنه كان يقول: تقُوَّمُ الدية في اثني عشر ألفَ دِرْهَم وروي مثل ذلك عن عثمان وابن مسعود رضي الله عنهما، وانشر ذلك في الصحابة، ولم ينكره منهم أحد، فكان إجماعاً.

(تكملة المجموع: 17/ 379).

(2)

البيضتين، روي النسائي (8/ 57) وغيره، عن عمرو بن حزم رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتاباً فيه الفرائض والسنن والديات، وبعث به مع عمرو بن حزم .... وفيه.

(أنَ في النَّفْس الدَيَة مائة من الإبِلِ، وفي الأنْفِ إذا أوعِب جَدْعُهُ الديةُ، وفي اللسَان الديَة، وفي الشَّفتَيْنِ الديَة، وفي الْبيضَتَيْنِ الدية، وفي الذكَرَ الدية، وفي الصُّلبِ الديَة، وفي الْعينين الدية، وفي الرجْلِ الواحِدةِ نِصْفُ الدية. وفي رواية: (وفيْ اليَدِ الواحِدةِ نِصْفُ الديَةَ)، وفي رواية عند البيهقي (8/ 85):(في الأذُن خمسون مِن الإبِلِ). وعنده أيضاً (8/ 86): (وفي السمع إذا ذهب اَلدية تامة).

[أوعب جدعه: قطع جميعه. الصلب: المراد القدرة على الجماع].

وقيس ما لم يذكر من الأعضاء على. ما ذكر، وكذلك المعاني والمنافع، تقاس على ذهاب القدرة على الجماع، ودية الإصبع الواحدة، من اليد أو الرجل، عُشْرُ الدية، لما جاء في

ص: 200

وفي الموضحة والسن خمس من الإبل (1) وفي كل عضو

حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه: (وفي كُل أصْبع من أصابع اليدِ والرجلَ عَشْر من الإبِلَ)

ولا فرق بين إصبع وأخرى، لما رواه البخاري (6500) وغيره، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(هَذِهِ وهَذه سَواء) يعني الخِنصَر والإبهام. وعند أبي داود (4559): (الأصَاَبعُ سَواءٌ).

ولوَ أتلف أكثر من عضو في جناية واحدة وجبت ديات الجميع، ولو تجاوزت دية النفس، لما رواه أحمد رحمه الله تعالى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه قضى فيَ رجل ضرب رجلاً، فذهب سمعُه وبصرُه ونكاحُه وعقله، بأربع ديات. [نكاحه: أي قدرته على الجماع].

(1)

الموضحة هي الجرح الذي يصل إلى العظم ويوضحه أيَ يكشف عنه اللحم. جاء في حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه، السابق:(وفي السن خَمْسٌ مِن الإبِلَ، وفي المُوَضَحة خَمسٌ من الإبِلَ).

ولا فرق بين سن وأخرى، لما رَواه أبو داود (4559) وغيره، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والأسنان سوَاء، الثنيةُ والضَرْسَ سَواءٌ).

[الثنية:، وهي إحَدى السنين اللتين في وسط الأسنان. سواء: مستوية في قدر ديتها].

ومن الجراح التي تجب فيها الدية: الجائفة، وهي التي تصل إلى الجوف، أي الباطن من العنق أو الصدر أو البطن وغيرها وفيها ثلث الدية.

والمأمومة، وهي التي تصل إلى أم الدماغ، وهي الجلدة التي تكون تحت العظم في الدماغ، وفيها ثلث الدية أيضاً.

والمنقلة، وهي التي تنقل العظم عن موضعه بعد كسره، وفيها عُشْرٌ

ص: 201

لا منفعة فيه حكومة (1).

ودية العبد قيمته ودية الجنين الحر غرة: عبد أو أمة (2) ودية الجنين الرقيق عشر قيمة أمه (3).

"فصل" وإذا اقترن بدعوى الدمِ لوثٌ (4) يقع به في النفسِ صِدْقُ المُدَّعِي حَلَفَ المُدَّعِي خمسين يمينا واستحق

ونصف العشر من الدية.

والأصل في هذه الثلاثة: ما جاء في حديث عمرو بن حزم رضي الله عنه: (وفي المَأمومةِ ثُلثُ الديَةِ، وفي الجائِفَةِ ثلُثُ الديةِ، وفي المنَقلَةِ خَمسَةَ عَشَر مِن الإبِلِ).

والهاشمة، وهي التي تهشم العظم وتكسره، وفيها عشر الدية. لما رواه البيهقي (8/ 82) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: في الهاشمة عشر من الإبل. تكملة المجموع: 17/ 392، 393.

(1)

كاليد الشلاء والإصبع الزائدة وحِلْمةِ الرجل، ونحو ذلك.

وكذلك كل جراحة أو كسر عظم ليس فيه دية. مقدرة، فتجب حكومة، وهي: مقدار من الدية، يراه القاضي العدل متناسباً مع الجناية، شريطة أن ينقص عن دية العضو المجني عليه.

(2)

انظر حديث أبي هريرة رضي الله عنه ص 193 حاشية 1.

(3)

قياساً على جنين الحرة، لأن الغر كانت تقدر بعشر دية المرأة.

(4)

دعوف الدم: أي دعوى القتل، واللوث: قرينة حالية أو مقالية: مثال القرينة الحالية: أن يوجد قتيل في قرية أوِ محلة بينه وبين أهلها عداوة، وليس فيها غيرهم.

ومثال المقالية: أن يشهد عدل واحد، أو من لا تقبل شهادتهم في الجنايات كنسوة وصبيان: أن فلاناً قتل فلاناً.

ص: 202

الدية وإن لم يكن هناك لوث فاليمين على المدَّعَى عليه (1)

وعلى قاتل النفس المُحَرَّمَة (2) كفارة عتق رقبة

(1) والأصل في هذا: ما رواه البخاري (5791) ومسلم (1669) وغيرهما، عن سهل بن أبي حَثمة رضي الله عنه قال: انْطَلَق عَبْدُ اللهِ ابنُ سهل ومحيِّصَة وبن مسعودٍ إلى خيبرَ، وهي يومئذ صلْحُ، فتفرقا في النخل فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشَحَّطُ في دَمِهِ قتيلا، فدفنه ثم قدم المدينة، فانْطلق عبدَ الرحمن بن سهَل وحيصةُ وحُوَيصَةُ - عماه - ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب عبد الرحمن يتكلمُ وكان أصْغرَ القومِ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(كبِّرِ الْكُبر) - أي ليتول الكلامَ الأكبر- فسكَتُّ فتكلما، قال:(أتَستَحقونَ قَتِيلكَم بأيمانِ خَمسينَ منكم) قالوا: يا رسولَ الله، أمْرِّ لَمْ نَرَهُ قال:(فَتُبرِئُكُمْ يهود في أيمان خمسينَ منهم) قالوا: يا رسولَ الله، قومٌ كفارُ، فؤدَاهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من قبله.

[يتَشحط: يتخبط ويتمرغ. أتستحقون قتيلكم: أي ديته. فتبرئكم يهود: تبرأ إليكم من دعواكم. فودَاهم: أعطاهم الدية. من قبله: من عنده أو من بيت مال المسلمين].

(2)

هي كل نفس مسلمة لم يهدر دمها. ولا يهدر دم المسلم إلا بأحد أمور ثلاثة، بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:(لا يَحل دَمُ امْرِىءِ مُسْلِم يَشْهَدُ أِن لَا إلهَ إلا الله وأنْىَ رسولُ الله إلا بإحدى ثلاثٍ: النفسْ بالنَّفْسِ، والثّيب الزاني، والمفَارِق لِدَينِهِ التارِكُ للجماعة). رواه البخاري (6484) ومسلم (1676).

[النفس بالنفس: أي القاتل عمداً يقتل. الثيب: المتزوج، رجالاُ كان أم امرأة. المفارق لدينه: المرتد عن الإسلَام الجماعة: أي جماعة المسلمين وعامتهم].

ومثل المسلم الذمي والمستأمن. والكبير والصغير سواء وكذلك الجنين.

ص: 203

مؤمنة، سليمة من العيوب المضرة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين (1).

(1) لقوله تعالى في قتل الخطأ: "وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمناخَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَة مُومِنَة وَديَة مُسَلَمَةٌ إلى أهْلِه إلا أنْ يَصَدقوا فَإنْ كَانَ منْ قَوْم عَدوَُ لَكُمْ وَهُوَ مُؤمِن فًتَحْرِيرُ رَقَبة مُؤْمِنَة وَإنْ كَانَ مِن قَوْم بيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مسلًمَةٌ إلى أهْله وتحرًيرُ رَقَبَةَ مْؤمنة فمن لم يجدْ فَصيامُ شَهْرَيْن مُتَتَابعَين وِتوبة من الله وكان الله عليما حكيماً " / النساء: 92 /.

[فتحرير رقبة: عتق عبد أَو أمة. يصدقوا: يعفوا. قوم بينكم وبينهم ميثاق: أي إن كان المقتول من قوم كافرين، ولكن بينكم وبينهم عهد من ذمة أو أمان، وهو على دينهم أوكان مسلما].

ووجبت في شبه العمد لشبهه بالخطأ، وأما وجوبها في العمد فلما رواه آبو داود (3946) وغيره، عن وائلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا أوجب - يعني النار - بالقتل، فقال:(أعْتِقُوا عَنْهُ- وفي رواية: فَليَعْتِقْ رَقبةً - يُعتِقِ الله بِكل، عُضْوٍ مِنْهُ عُضْواً منْهُ مِنَ النارِ).

قالوا: لا يستوجب النارَ إلاّ بالقتل العمد، فدل على مشروعية الكفارة فيه. وقياساً على الخطأ من باب أولى.

ص: 204