المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب نكاح المشرك - كفاية النبيه في شرح التنبيه - جـ ١٣

[ابن الرفعة]

الفصل: ‌باب نكاح المشرك

‌باب نكاح المشرك

المشرك: الكافر على أي ملة كان.

قال: إذا أسلم أحد الزوجين الوثنيين، أو المجوسيين، أو أسلمت المرأة والزوج نصراني أو يهودي، فإن كان ذلك قبل الدخول، تعجلت الفرقة، وإن كان بعد الدخول وقفت الفرقة على انقضاء العدة؛ فإن أسلم الآخر قبل انقضائها فهما على النكاح، وإن لم يسلم حتى انقضت العدة، يحكم بالفرقة من حين أسلم الأول منهما.

وقال أبو ثور: إن أسلم الرجل قبل [المرأة بعد الدخول، انفسخ النكاح]، وإن أسلمت المرأة، لم ينفسخ حتى تنقضي العدة.

ودليلنا على المسألتين: ما روى عبد الله بن سمرة: أن الناس كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الرجل قبل المرأة، والمرأة قبل الرجل، فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة، فهي امرأته، وإن أسلم بعد انقضاء العدة، فلا نكاح بينهما.

وأما وجه الدلالة من هذا الخبر على الإسلام بعد الدخول، فظاهر، ويضاف إليه القياس على الطلاق؛ لأن كلّاً منهما موضوع لقطع النكاح، ثم الطلقة الواحدة لا تقطع النكاح قبل انقضاء العدة، فكذلك اختلاف الدين.

وأما على الإسلام قبل الدخول؛ فلأن الشرع جعل الإسلام في العدة مقرراً للنكاح؛ لكونها من توابعه، وغير مقرر بعد انقضائها؛ لزوال النكاح وآثاره، والإسلام قبل الدخول لا يوجب العدة؛ فكان كما بعد الانقضاء.

ولأن النكاح قبل الدخول غير متأكد، ولهذا يرتفع بالطلقة الواحدة؛ وهذا الاختلاف بين الدينين مضاد للنكاح؛ لأنه لا يجوز تقريرهما عليه بعد انقضاء العدة؛ فعلقنا به الفرقة؛ كالطلاق.

ولو أسلما معاً، أقرا على النكاح، والاعتبار بآخر كلمة الإسلام.

ص: 199

وهذه الفرقة فرقة فسخ، لا فرقة طلاق.

فروع:

أحدها: لو قبل الكافر لابنه الصغير نكاح بالغة، وأسلم أبو الطفل والمرأة معاً، قال في التهذيب: بطل النكاح؛ لأن إسلام الولد يحصل عقيب إسلام الأب فيتقدم إسلامها إسلام الزوج.

وكذلك إذا أسلمت عقيب إسلام الأب يبطل- أيضاً-؛ لأن إسلام الولد يحصل حكماً، وإسلامها يحصل بالقول، والحكمي يكون سابقاً على القولي؛ فلا يتحقق إسلامهما معاً.

الثاني: حيث توقفنا في النكاح إلى انقضاء العدة، فلو طلقها قبل تمام العدة، فالطلاق موقوف أيضاً.

وحكى الإمام أن من الأصحاب من جعل الطلاق على قولي وقف العقود، وقال: لا يقع في قول، وإن اجتمعا على الإسلام، وأجراهما فيما إذا أعتق عبد [أبيه] على ظن أنه حي، فبان ميتاً، والمذهب الأول؛ لأن الطلاق والعتاق يقبلان صريح التعليق، فأولى أن يقبلا تقدير التعليق.

الثالث: إذا أسلمت المرأة، وتخلف الزوج، ثم أسلم، فادعى الإسلام قبل انقضاء العدة، وأنكرت، فإن اتفقا على أن العدة انقضت يوم الجمعة مثلاً، وادعى الزوج أنه أسلم يوم الخميس، وقالت: بل يوم السبت، فالقول قول [المرأة، وإن اتفقا على أنه أسلم يوم الجمعة [مثلاً]، وقالت: انقضت عدتي يوم الخميس، وقال: بل يوم السبت، فالقول قول] الزوج.

وإن اختلفا مطلقاً، فثلاثة أقوال؛ الثالث: أن القول قول من سبق إلى الدعوى، وسيأتي مثل ذلك في باب الرجعة.

قال: وإن وطئها في العدة، ولم يسلم الثاني منهما، وجب المهر؛ لأنه وطئ أجنبية بشبهة؛ فوجب عليه مهر المثل؛ كما لو وجد امرأة في فراشه، وظنها زوجته؛ فوطئها.

ص: 200

قال: وإن أسلم- أي: في العدة- فالمنصوص: أنه لا يجب المهر؛ وكذا نصه فيما إذا ارتد أحد الزوجين، ووطئها في العدة، ثم أسلم المرتد: أنه لا يجب المهر، والمنصوص فيما إذا وطئ الرجعية، ثم راجعها أنه يجب المهر.

وفي "التتمة" أنه نص في الرجعية على قولين، وللأصحاب طريقان:

أحدهما: أن ذلك على قولين بالنقل والتخريج:

أحدهما: وجوب المهر؛ لوقوع الوطء في حال ظهور الخلل.

والثاني: المنع؛ لارتفاع الخلل آخراً، وعودها إلى صلب النكاح.

وحكى ابن كج أن أبا الحسين قال: وجدت القولين منصوصين.

والطريق الثاني: القطع بتقرير النصين.

والفرق: أن الطلاق لا يرتفع بالرجعة، بل يبقى نقصان العدد؛ فيكون ما بعد الرجعة وما قبل الطلاق بمنزلة نكاحين مختلفين، والخلل الحاصل بتبديل الدين ارتفع بالاجتماع في الإسلام، ولم يبق له أثر؛ فيكون العقد الأول باقياً بحاله.

قال: وإن أسلم الحر، وتحته أكثر من أربع نسوة، وأسلمن معه- أي: إما معاً قبل الدخول، وإما في العدة بعد الدخول- اختار أربعاً منهن، وكذا لو أسلم الرجل وهن كتابيات، أو أسلم أربع أولاً، ثم أسلم في عدتهن، ثم أسلمت الباقيات قبل انقضاء عدتهن من حين أسلم الزوج؛ لما روي أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أَمْسِكْ أَرْبَعاً، وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ"، ولا فرق بين أن ينكحهن معاً أو على الترتيب؛ فإن له أن يختار الأخيرات؛ لتركه الاستفصال في الحديث.

وإذا اختار أربعاً منهن، انفسخ نكاح البواقي، وهل يجب لهن مهر؟ قال ابن الصباغ في ضمن مسألة- وهي ما إذا أسلم على أم وبنت-: إنه لا يجب لهن مهر؛ إذا لم يكن [قد] دخل بهن، ولا متعة، ولا نفقة.

ص: 201

وقال في النهاية في ضمن المسألة المذكورة: في وجوب المهر قولان مأخوذان من تصحيح أنكحة الكفار أو الوقف، فإن حكمنا بالصحة، أوجبنا نصف المهر؛ للمفارقة، وإن قلنا بالوقف، وهو قول الإعراض، فالمفارقة لا مهر لها.

وقال في "التتمة": الخلاف مبني على قولي الصحة والفساد، وقال: إذا كان قد دخل بهن، فلهن المسمى على قول [الصحة]، ومهر المثل على قول الفساد.

فرع: عدة المفارقات في أي وقت تحسب؟ قال ابن الصباغ فيما إذا أسلم وتحته إماء وأسلمن معه، وهو ممن يحل له نكاح الإماء، فاختار واحدة منهن-: انفسخ نكاح الباقيات حين الاختيار، والعدة من حين الاختيار.

وهذه المسألة تناظر الحر؛ ذلك لأن الزيادة على الأربع ممتنعة؛ كما أن [الزيادة على] الأمة في حق الحر الذي يجوز له نكاح الأمة ممتنعة؛ فوجب أن يكون الحكم كذلك.

وقال- أيضاً- فيما لو أسلم خمس إماء، ثم أعتقن قبل أن يسلم، ثم أسلم- كان له أن يختار أربعاً منهن، وانقطعت عصمة الخامسة، وبانت باختيار الأربع.

وقال في "التتمة": المذهب: أنها تعتبر من وقت اختلاف الدين بين الزوجين، وخرج فيه قولاً: أنها تعتبر من وقت الاختيار.

وقرَّب صاحب "التهذيب" الخلاف من الخلاف فيما إذا طلق إحدى امرأتيه لا بعينها، ثم عينها، تكون عدتها من وقت التعيين أو من وقت التلفظ بالطلاق؟ وذكر أن الأصح أن الاعتبار من وقت الاختيار.

قال الرافعي: لكن الراجح عند عامة الأصحاب: أن الاعتبار من وقت الإسلام.

قلت: وما قاله صاحب الشامل هو ما صححه في التهذيب.

أما لو أسلم أربع قبل الدخول، أو في العدة بعد الدخول، وتخلفت الباقيات- ارتفع نكاح المتخلفات، وكذا لو أسلم أربع من ثماني نسوة- مثلاً- ثم مُتْنَ، [ثم أسلم الزوج]، ثم أسلمت الباقيات في عدتهن- تعينت الأخيرات.

قال: فإن لم يفعل- أي: الاختيار- أجبر عليه، أي: عند الاجتماع في

ص: 202

الإسلام؛ لأنه حق وجب عليه، لا يدخله النيابة؛ فأشبه ما إذا امتنع من قضاء الدين، وأخفى ماله.

وإنما قلنا بالوجوب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لغيلانَ الثقفيِّ: "اخْتَرْ أَرْبَعاً، وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ"، والأمر على الوجوب.

ولا يختار الحاكم عليه، بخلاف المُولِي؛ حيث يطلّق عليه- على الصحيح-؛ لأنه اختيار شهوة؛ ولذلك لا يجوز فيه التوكيل، ولو مات لا يقوم وارثه مقامه، بخلاف الطلاق.

والإجبار يكون بالحبس، فإن لم يغن الحبس عزر بما يراه الحاكم من الضرب وغيره، فإن أصر كرر عليه إلى أن يختار.

وحكي عن ابن أبي هريرة: أنه لا يضم إلى [الضرب الحبس]، ولكن يشدد عليه الحبس.

قال الإمام: وإذا حبس فلا يعزّر على الفور، وأقرب معتبر فيه مدة الاستتابة.

واعتبر القاضي الروياني في الإمهال الاستنظار، فقال: ولو استنظر أنظره الحاكم إلى ثلاثة أيام ولا يزيد، وما قاله مؤيد بما سيأتي في الإيلاء.

قال: وأخذ بنفقتهن إلى أن يختار؛ لأنهن محبوسات بحكم النكاح، ولأن ما من واحدة منهن إلَّا ويحتمل أنها المنكوحة، ويحتمل أنها المفارقة، وهو المفرط بترك التعيين؛ هكذا علله في "التتمة".

وعلى ما قاله ابن الصباغ من أن الفسخ يكون من حين الاختيار، تكون النفقة واجبة عليه لكل واحدة منهن [بحكم أن الأصل بقاء الزوجية في كل واحدة منهن].

فرعان:

أحدهما: لو جن في الحبس، أو أغمي عليه [في الحبس، خلي] إلى أن يفيق.

ص: 203

الثاني: الكافر إذا قبل لابنه الصغير نكاح أختين، أو فوق الأربع، ثم أسلم الأب، وأسلمت النسوة بعد الدخول في العدة- يوقف الأمر إلى أن يبلغ.

ولو أسلم، ثم جن قبل أن يختار، وقف إلى أن يفيق، والنفقة عليه إلى التعيين، وهذا الفرع يعكر على ما علل به صاحب "التتمة" وجوب النفقة.

قال: وإن طلق واحدة منهن، كان ذلك اختياراً لها؛ لتوقف وقوع الطلاق على ثبوت النكاح.

ولو طلق أربعاً، انقطع نكاحهن بالطلاق، ويندفع نكاح الباقيات بالشرع.

ولو خاطب الجميع بالطلاق، قال الرافعي: وقع الطلاق على الأربع المنكوحات، وتبقى الحاجة إلى التعيين.

قلت: وينبغي أن يفصل، فيقال: إن أوقع الطلاق على الترتيب، تعينت الأولى، وإن خاطبهن بلفظ واحد، وقع على أربع منهن لا على التعيين، ويؤمر بالتعيين؛ كما قاله في "الشامل"، فإذا اختار أربعاً [منهن]، وقع بهن الطلاق، ويكون الحكم كما ذكرناه.

وفي "التتمة" وجه: أن الطلاق لا يكون تعييناً للنكاح؛ لأنه روي في قصة فيروز الديلمي- وقد أسلم على أختين-: أنه صلى الله عليه وسلم قال له: "طَلِّقْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ" ولو كان الطلاق تعييناً للنكاح في المطلقة، لكان ذلك تفويتاً لنكاحها عليه. والرواية المشهورة:"فَارق".

وقيل: يطرد الخلاف في لفظ الفراق- أيضاً- لكن الأظهر [فيه:] أنه اختيار.

فرعان:

أحدهما: لو قال: إن دخلت الدار، فأنت طالق، فقد ذكر وجه: أنه لا يجوز؛ لأن الطلاق اختيار للنكاح، وتعليق الاختيار ممتنع، والصحيح جوازه؛ تغليباً لحكم الطلاق، والاختيار يحصل ضمناً، وقد يحتمل في العقود الضمنية ما لا يحتمل عند الانفراد والاستقلال؛ وهذا كما أن تعليق التمليك لا يجوز، ولو قال: أعتق عبد إذا جاء الغد على كذا، ففعل، صح، وإن كان ذلك متضمناً للتمليك.

ص: 204

وفي تعليق اختيار الفسخ وجه: أنه يجوز؛ تشبيهاً له بالطلاق.

الثاني: لو قال: فسخت نكاح هذه، وأراد الطلاق، فهو اختيار للنكاح، وإن أراد الفراق، [وأطلق]، حمل على الاختيار للفراق، والحق بما إذا قال: اخترت هذه للفسخ؛ هكذا قاله الرافعي، ولم يحك سواه في هذا الباب.

وحكى في كتاب الخلع: أنه إذا قال لزوجته: فسخت نكاحك، ونوى الطلاق، وهو متمكن من الفسخ بعيب فيها-[خلافاً في] أنه يكون طلاقاً أو لا؟

ووجه عدم نفوذه طلاقاً: أنه أمكن تنفيذه في حقيقته، بخلاف ما إذا لم يوجد سبب الفسخ.

قلت: ويتجه أن يجيء مثل هذا الخلاف ها هنا، فيما إذا نوى به الطلاق؛ إذ هو عند الإطلاق منصرف إلى حقيقته، وما يؤيد ذلك أن الإمام في النهاية حكى أن العراقيين حكوا وجهاً فيما إذا قال: من أسلمت فقد فسخت نكاحها، وزعم أنه أراد بذلك الطلاق-: أن تفسير الفسخ بالطلاق مردود، وقال: إنه لا وجه له.

وإن تكلف متكلف، وقال:[إن] الفسخ في نكاح المشركات صريح في الفراق الذي هو من خصائص الباب، وما كان صريحاً في موضوعه لا يجوز أن يعدل به عن موضوعه بالنية؛ فهذا بعيد؛ فإن الفسخ قبل الإسلام لا نفاذ له على صيغة التعليق، والطلاق ينفذ؛ فكان استعمال الفسخ في وقت لا يجد نفاذاً في موضوعه. هذا آخر كلامه.

وإذا كان هذا الوجه جرى في هذه الصورة مع ما ذكره الإمام من إفساده- يتجه جريانه فيما إذا انتفى المعنى المذكور من طريق الأولى.

قال: وإن ظاهر منها، أو آلى، لم يكن ذلك اختياراً لها؛ لأن الظهار وصف بالتحريم، والإيلاء حلف على الامتناع من الوطء، وكل واحد من المعنيين بالأجنبية أليق منه بالمنكوحة.

وقيل: يكون اختياراً؛ لأنهما تصرفان يختصان بالنكاح؛ فأشبها الطلاق.

ص: 205

والأول أصح.

فإذا اختار التي ظاهر منها أو آلى للنكاح، صح الظهار والإيلاء، ويكون ابتداء مدة الإيلاء في وقت الاختيار، وحينئذ يصير عائداً في الظهار؛ إن لم يفارقها.

قال: وإن وطئها، فقد قيل: هو اختيار، كوطء البائع الجارية المبيعة في مدة الخيار.

وقيل: ليس باختيار، وهو الصحيح؛ اعتباراً بالرجعة.

وهذان القولان كالقولين فيما لو طلق إحدى امرأتيه لا بعينها، أو أبهم إعتاق إحدى الأمتين.

وقيل: في المسألة طريقة قاطعة بأنه لا يكون اختياراً.

والفرق: أن الاختيار في نكاح المشركات حكمه حكم الابتداء [أو الاستدامة]، ولا يصح ابتداء النكاح واستدامته [بالوطء]، لما سيأتي في الرجعة.

فرع: لو وطئ الجميع، إن جعلنا الوطء اختياراً، كان مختاراً للأوليات، وإن لم نجعله اختياراً اختار منهن أربعاً.

واعلم: أن الشيخ تكلم فيما يحصل به الاختيار ضمناً، ولم يتكلم في صريح الاختيار؛ لوضوحه، وصريحه [مثل] أن يقول: اخترت نكاحك، [أو: تقرير نكاحك]، أو: عقدك، أو: اخترتك، أو: أمسكتك، أو ثبتُّ نكاحك، أو: ثبتك، أو: حبستك على النكاح.

قال الرافعي: وإيراد الأئمة يشعر بأن جميع ذلك صريح، لكن الأقرب أن يجعل قوله: اخترتك، أو: أمسكتك في غير التعريض للنكاح كناية.

وإذا أسلم على ثماني نسوة مثلاً، وأسلمن معه، فاختار أربعاً منهن للفسخ، وهو يريد حله بالطلاق- لزم نكاح الأربع البواقي، وإن لم يتلفظ في حقهن بشيء.

ص: 206

ولو قال لأربع: أريدكن، ولأربع: لا أريدكن، قال في التتمة: يحصل التعيين بذلك.

قال الرافعي: وقياس ما سبق حصول التعيين بمجرد قوله: أريدكن.

ولو قال: اخترت الجميع للنكاح وللفسخ، فهو لغوٌ.

ولو قال: حصرت المختارات في هؤلاء الخمس، انحصرن، ويندفع نكاح الباقيات.

هذا كله فيما يحصل به الاختيار.

أما وقت الاختيار: فوقت اختيار الإجازة، يدخل بإسلامه وإسلام بعض الزوجات؛ حتى لو أسلم وأسلمت معه واحدة أو اثنتان أو ثلاث أو أربع، فاختارهن للنكاح- صح؛ إذ غاية الأمر أن يسلم الباقيات؛ فله أن يختار الأُوَل للنكاح.

ووقت اختيار الفسخ يدخل بإسلام الزوج، واجتماع الزوجات معه في الإسلام؛ حتى لو أسلم وأسلم معه أربعة فما دونهن- لم يصح اختيارهن للفسخ ولا واحدة منهن؛ لاحتمال إصرار الباقيات على الكفر حتى تنقضي العدة، وبقاء العدد الشرعي لابد منه.

وفي النهاية حكاية وجه حكاه العراقيون: أن اختيارهن- أو واحدة منهن- موقوف: فإن أسلم بعد ذلك أربع، بان صحة الفسخ، وإن لم يسلمن، لم يصح.

ولو أسلم معه فوق الأربع، فله أن يختار للفراق منهن ما زاد على الأربع.

قال: وإن مات قبل أن يختار، وقف ميراث أربع منهن إلى أن يصطلحن؛ لأنا نعلم أن فيهن أربع زوجات، وقد جهلنا عينهن؛ فوجب التوقف.

وقال ابن سريج: لا يوقف، ويوزع عليهن؛ لأن البيان غير متوقع، وهن جميعهن معروفات بشمول الزوجية، وبأنه لا مزية لبعض على بعض، وليس كما إذا قال: إن كان هذا الطائر غراباً فعمرة طالق، وإن لم يكن غراباً فزينب طالق، وأشكل الحال؛ فإن هناك الالتباس علينا، والله تعالى يعلم حال الطائر، ويعلم الطالق منهما، وها هنا لا يمكن أن يقال: إنه يعلم المختارات، مع أنه لم يوجد منه اختيار.

ص: 207

وإلى هذا مال الإمام، والمشهور: الأول.

فإن كان تحته ثماني نسوة مثلاً، وفيهن صغيرة، أو مجنونة، صالح الولي عنها، ففيه وجهان:

أحدهما: أنه لا يصالح على ما دون الثمن؛ لأنها صاحبة يد في ثمن الموقوف؛ وهذا إذا اصطلحن جميعاً.

أما إذا طالب أربعٌ منهن فما دونهن، لم يُعْطَ لهن شيء؛ لاحتمال أن الباقيات الزوجات.

وإن جاء خمس دفع إليهن الربع، وللست النصف، وللسبع النصف والرعب؛ إذ فيهن واحدة أو اثنتان أو ثلاث.

وهل يشترط في الدفع أن يبرئن عن الباقي؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم؛ فعلى هذا يدفع ما بقي [لمن بقي]، وكأنهن اصطلحن على القسمة هكذا.

وأصحهما: أنه لا يشترط هذا كله إذا كن مسلمات، وهو المفهوم من كلام الشيخ في أول المسألة؛ ولذلك استغنى عن ذكره.

فإن كن كتابيات، لم يوقف لهن شيء.

وإن كان أربع منهن كتابيات وأربع مسلمات، فوجهان:

الأصح منهما: أنه لا يوقف، وهو ما حكاه الغزالي؛ إذ كان يحتمل أن يختار الكتابيات؛ فلا يرث الجميع؛ فمل يحصل حق الزوجة بيقين.

والثاني: أنه يوقف، وهو ما ارتضاه في الشامل؛ لأن استحقاق نصيب الزوجات غير معلوم، والشك في أصل الاستحقاق لا يمنع الوقف؛ بدليل مسائل الحمل ونحوها.

وعلى هذا إذا أردن الصلح اصطلحن مع بقية الورثة الذين يكون لهم نصيب

ص: 208

[الزوجات] لو كن غير وارثات؛ لأنه متردد بينهنَّ بخلاف المسألة الأولى؛ هذا حكم الإرث.

وأما العدة: فإن كان ذلك قبل الدخول، اعتدت كل [واحدة] منهن بأربعة أشهر وعشر.

وإن كان بعد الدخول، اعتدت الحامل بوضع الحمل، وغير الحامل إن كانت من ذوات الشهور، اعتدت بأربعة أشهر وعشر وإن كانت من ذوات الأقراء، اعتدت بأقصى الأجلين من أربعة أشهر وعشر أو ثلاثة أقراء.

والأشهر تعتبر من وقت الموت، وفي الأقراء وجهان، ويقال: قولان:

أحدهما: من وقت الموت.

والثاني- وهو الأصح-: من وقت دخول أحدهما في الإسلام، أو دخولهما.

والذي جزم به ابن الصباغ الأول، وقد حكيناه عنه من قبل عند الكلام في أن عدة المفارقات من أي وقت تحسب؟

والذي يظهر أن يكون هذا الخلاف مبنيّاً على أن الفرقة في أي وقت تقع؟ وقد تقدم.

فرع: لو تزوج رجلان امرأة، ثم أسلموا، واعتقادهم جواز ذلك، فلا خلاف أنه ليس للزوجين الاختيار، وهل يثبت للمرأة؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم؛ كما لو أسلم الرجل وتحته أختان.

والصحيح: المنع، ولكن يفرق بينهما؛ لأنه لو ثبت لها الخيار، فلابد أن تختار واحداً منهما لتقرير النكاح، وآخر للفرقة، وقول المرأة لا يعتبر في تقرير النكاح؛ ولهذا لا يصح منها الرجعة بإذن الزوج.

وإن كان اعتقادهم عدم الجواز، فإن عقدا عليها في دفعة واحدة، فلا تقر مع واحد منهما.

وإن وقع أحد العقدين بعد الآخر، فنكاح الأول [صحيح دون غيره].

ص: 209

قال: وإن أسلم وتحته أمٌّ وبنت.

اعلم: أنه لابد من تقديم قاعدة يبنى عليها حكم هذه المسألة، وهي أن أنكحة الكفار الذين يعتقدون صحتها ما حكمها؟ وفيها ثلاثة أقاويل، نقلها بعضهم أقوالاً، وبعضهم وجوهاً:

أصحها: أنها محكوم لها بالصحة، ولم يذكر في الشامل سواها في بابها، وإن حكى غيرها في التفريع؛ لقوله تعالى:{وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4]، وقوله تعالى:{وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ} [القصص: 9]، ولما روي أنه- صلى الله عليه وسلم قال:"وُلِدتُ مِن نِكَاحٍ لَا مِن سِفَاحٍ".

وأيضاً: أنهم يقرون عليها بعد الإسلام، والفاسد لا ينقلب صحيحاً بالإسلام، والتقرير على الفاسد محال، ولو ترافعوا إلينا لم يفرق بينهم.

ثم هذا القائل يقول: إن اتصلت بالإسلام، وكانت تفارق الشرع؛ لأمر يئول إلى العدد والجمع، مثل أن يسلم على عشر نسوة، أو على أختين- فقد صحت الأنكحة على العشر، والأختين في الشرك، ثم الإسلام يدفع إحدى الأختين

ص: 210

والنسوة الزائدات على الأربع على الإبهام.

والثاني: أنها فاسدة؛ لأنهم لا يراعون حدّ الشرع وشروطه، وتصحيحه بعد الإسلام رخصة، وعدم التفريق؛ رعاية للعهد أو الذمة.

وضعف الإمام هذا القول ووجهه في الذخائر-[أي]: التضعيف- بأن التحليل يحصل بوطء الذمي مع أن الصحيح من المذهب: أن النكاح الفاسد لا يحصل به الإحلال.

وأيضاً: فإن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا، وجعلهما محصنين، والإحصان لا يحصل بالنكاح الفاسد.

والثالث: أنا نتوقف فيها إلى الإسلام، فما يقرون عليه إذا أسلموا تبين لنا صحته، وما لا، فلا.

ثم هذا الخلاف مخصوص بالعقود التي يحكم بفساد مثلها في الإسلام، أو يجري في مطلق عقودهم؟ قال الرافعي: قضية كلام أبي سعيد وغيره. الأول.

ص: 211

وفي النهاية: أن من حكم بفساد أنكحتهم يلزمه ألَّا يفصل بين ما يقع منها على شرط الشرع وبين ما يخالفه، والمصير إلى [أن] نكاحاً يعتقدونه على شرط الشرائع كلها فاسد- مذهب لا نعتقده.

وفي الحاوي: أن الذي عليه الجمهور: أنها ليست على ثلاثة أقوال، بل على ثلاثة أحوال:

أحدها: أن يوجد النكاح بالشرائط مع انتفاء الموانع؛ فهذا النكاح صحيح.

الثانية: أن يوجد مع المانع وفقد الشرائط، فهو باطل، لا يقر عليه.

الثالثة: أن يوجد مع الخلو عن الموانع، ولكن مع اختلال الشرائط: كفقد الولي، أو الشهود، أو اللفظ الخاص، وهي معفو عنها؛ فيقر عليه [بعد] الإسلام.

فعلى الأول: إن قلنا بالفساد، أو بالوقف، لا مهر لكل امرأة غير مدخول بها، اندفع نكاحها بإسلام الرجل، ولا متعة.

وإن قلنا بالصحة، وجب نصف المهر المسمى إن كان صحيحاً، ونصف مهر المثل إن كان فاسداً، والمتعة إن لم يسم شيئاً.

وقال الشيخ أبو حامد الأسفراييني: لا مهر للمندفعة، ولم يحك فيه خلافاً، ولم ينبه على الخلاف في صحة أنكحتهم.

أما إذا كان الاندفاع بإسلامها، فلا شيء لها في المهر، وكذلك المتعة؛ لأن الفراق جاء من جهتها؛ كما سيأتي شرحه إن شاء الله تعالى.

وقد روي فيه قول: أنه يجب لها نصف المهر؛ لأنها محسنة بالإسلام؛ فكان من حقه أن يوافقها، فإذا امتنع نسب الفراق إلى تخلفه.

والظاهر الأول:

ثم عن القفال [أنه عد] من صور الاندفاع: ما إذا نكح المشرك محرماً له، ثم أسلم، وجعل وجوب نصف المهر على القولين.

ص: 212

ورأى الإمام القطع بأنه لا شيء للمحرم من المهر، وقال: لا نقول بأن العقد انعقد عليها، ثم اندفع وانفسخ بالإسلام.

قال الرافعي: والمطلق في إطلاق الغزالي وغيره- الأول.

رجعنا إلى مسألة الكتاب، وهي ما إذا أسلم وتحته أم وبنت، وأسلمتا معه- أي: في حالة واحدة- فإن كان قد دخل بهما، انفسخ نكاحهما، أي: وحرمتا على التأبيد:

أما نكاح البنت؛ فبالدخول بالأم.

[وأما] نكاح الأم؛ فبالدخول بالبنت، وبالعقد عليها؛ إن قلنا بصحة أنكحتهم، ولكل واحدة منهما المسمى الصحيح إن قلنا بصحة أنكحتهم، وإلا فمهر المثل.

[قال:] وإن لم يدخل بواحدة منهما، ففيه قولان:

أحدهما- وهو اختيار المزني-: أنه يثبت نكاح البنت، ويبطل نكاح الأم.

والثاني: وهو الأصح-: أنه يختار أيتهما شاء، وينفسخ نكاح الأخرى، وهما مبنيان عند جماهير الأصحاب على الخلاف في صحة أنكحتهم وفسادها؛ إن صححناها تعينت البنت، وإلا تخير.

وقضية هذا البناء ترجيح [هذا] القول الذي اختاره المزني، وهو تعين البنت، وإليه ذهب الشيخ أبو علي والصيدلاني [والإمام ومن تابعه وصاحب التهذيب، لكن الذي رجحه الشيخ قول التخيير]، وهو اختيار الشيخ أبي حامد ومن تابعه.

وضعف الإمام البناء على قول الفساد، وقال: لم يصر محقق إلى أن نكاح المشرك [لا] حكم له وكيف- يستجيز المستجيز هذا مع المصير إلى إيجاب الإمساك إلا أن يطلق، بل الوجه البناء على قول الصحة والوقف:

ص: 213

فإن قلنا بالصحة: فسخنا نكاح الأم، وأثبتنا نكاح البنت.

وإن قلنا بالوقف؛ فحقيقته أنا عند الاتصال بالإسلام، نتبين تصحيح ما يقع عليه الاختيار؛ فيسند إلى حالة النكاح في الشرك.

فعلى هذا: لا يثبت القول بصحة [النكاح للبنت]؛ كما لا يقطع به نكاح الأم، فإذا أسلموا أجزناه.

وإلى هذا البناء ميل ابن الصباغ والشيخ في المهذب.

ومن أصحابنا من قال: القولان مبنيان على القولين في أن الاختيار ابتداء نكاح أو استدامة؟

وقال الصيدلاني: إنه تتعين البنت للإمساك، ويبطل نكاح الأم قولاً واحداً.

وفرّع ابن الحداد حكم المهر على القولين، [فقال]: إن قلنا بالتخيير، فللمفارقة نصف المهر؛ لأنه رفع نكاحها بإمساك الأخرى.

فإن قلنا بتعين البنت، فلا مهر للأم؛ لأن نكاحها اندفع بغير اختياره؛ لأن التخيير مبني على أن أنكحتهم فاسدة، فالتي فارقها كأنه لم ينكحها قط حتى يجوز لابنه أن ينكحها، وإذا لم يكن نكاح ولا دخول، فلا مهر.

وإن عين البنت فللأم نصف المهر؛ لصحة نكاحها واندفاعه بالإسلام.

ومال الإمام إلى أنه لا يجب المهر على هذا- أيضاً- لأنه صح نكاح البنت؛ فتصير الأم محرماً، وإيجاب المهر للمحرم بعيد؛ وهذا بناءً على أصله في أن المحرم لا يستحق المهر كما تقدم.

قال: وإن دخل بالبنت دون الأم، ثبت نكاح البنت؛ لأنه لم يدخل بالأم، والعقد عليها لا يحرم البنت، وانفسخ نكاح الأم؛ لأنها حرمت بالدخول بالبنت وبالعقد عليها- أيضاً- إن قلنا بصحة أنكحتهم، [ولا مهر للأم] على قول ابن الحداد.

وعلى طريقة القفال يجب نصف المهر إذا صححنا أنكحتهم.

قال: وإن دخل بالأم دون البنت، ففيه قولان:

ص: 214

أحدهما: ينفسخ نكاحهما، وحرمتا [عليه] على التأبيد؛ وهذا تفريع على [القول بصحة] أنكحتهم.

أما تحريم الأم؛ فبالعقد على البنت.

وتحريم البنت بالدخول بالأم.

والثاني- وهو الصحيح-: أنه يثبت نكاح الأم؛ إذ لا مفسد له، وينفسخ نكاح البنت بالدخول بالأم؛ وهذا تفريع على قول الوقف أو الفساد على ما تقدم.

قال: وإن أسلم [الحر] وتحته أربع إماء، فأسلمن معه- أي: في حالة واحدة، [قبل الدخول] أو في العدة بعد الدخول- فإن كان ممن يحل له نكاح الإماء اختار واحدة منهن؛ لأنه يجوز أن يبتدئ نكاحها؛ فجاز اختيارها؛ كالحرة، وينفسخ نكاح البواقي.

وحكى في "التتمة" قولاً: أنه يثبت نكاح الأربع إماء؛ [بناء] على أن الاختيار يلحق بالاستدامة اعتباراً بالرجعة.

قال الشيخ في المهذب: الفرق بينه وبين الرجعة أن الرجعة [سد] ثلمة في النكاح، والاختيار إثبات نكاح في المرأة؛ فصار كابتداء العقد.

وإن كان ممن لا يحل له نكاح الإماء انفسخ نكاحهن؛ لأنه لا يجوز له ابتداء نكاح واحدة منهن؛ فلا يجوز له اختيارها؛ كالمعتدة من غيره، وذوات المحارم.

ويجري فيه الوجه المحكي في "التتمة"، وهو مذهب أبي ثور.

أما إذا لم يسلمن، فإنه لا يختار واحدة منهن، سواء كن وثنيات أو كتابيات؛ إذ نكاح [الأمة] الكتابية غير جائز.

قال: [فإن] نكح حرة وإماء وأسلمت الحرة معه، ثبت نكاحها، وانفسخ نكاح الإماء؛ لأنه لا يجوز أن يبتدئ نكاح أمة مع وجود حرة؛ فلا يجوز أن يختارها.

ص: 215

وفيه الوجه المحكي في "التتمة".

وإن لم تسلم الحرة وأسلم الإماء وقف أمرهن على إسلام الحرة، فإن أسلمت قبل انقضاء العدة، لزم نكاحها- أي: على المذهب- وانفسخ نكاح الإماء؛ لأن الإسلام في العدة بمنزلة المقارن.

وهكذا الحكم فيما لو أسلم على إماء، فتخلفت واحدة منهن، ثم أعتقت، وأسلمت في العدة؛ فإنه يثبت نكاحها ويندفع نكاح الإماء.

قال: وإن لم تسلم حتى انقضت العدة، كان له أن يختار واحدة من الإماء؛ إذ ظهر أنها بانت باختلاف الدين فأشبهت ما إذا تمحضت الإماء.

[وهكذا الحكم فيما لو ماتت قبل الإسلام].

فرع: لو اختار واحدة من الإماء قبل إسلام الحرة، ثم ماتت الحرة، أو لم تسلم حتى انقضت العدة، نقل المزني في المختصر: أنها تثبت.

قال الإمام: فمن الأصحاب من غلطه، والصحيح صحة النقل، وحكمه على القولين في وقف العقود.

قال: وإن أسلم وتحته إماء، وهو موسر، فلم يسلمن حتى أعسر، ثم أسلمن- كان له أن يختار واحدة منهن، هذا نصه؛ لأنه لما عسر اعتبار الشرائط حالة العقد، كان أولى الأوقات باعتبارها حالة الاختيار، وذلك حالة الاجتماع في الإسلام، فإن الأمة لو تخلفت، وأسلم الزوج، فاختيارها غير ممكن وإن كانت كتابية؛ فإن الأمة الكتابية لا تكون منكوحة لمسلم؛ وإن أسلمت الأمة، وتخلف الزوج، فاختيار الكافر المسلمة محال؛ فتعين اعتبار أول حالة الاجتماع في الإسلام؛ فإنه أول الإمكان.

فإن قيل: أليس قلتم: لو كان تحته حرة وإماء، فتأخر الإماء، وماتت الحرة بعد أن أسلمت، ثم أسلم الإماء- لم يكن له أن يختار واحدة منهن، وإن كان- وقت الاختيار- ليس تحته حرة، وكل من عدم اليسار وفقد الحرة من شرائط صحة نكاح الأمة؟

فالجواب: أن من الأصحاب من نقل جواب كل مسألة إلى الأخرى، وجعلهما على قولين.

ص: 216

ومنهم من فرق بوجوه:

أحدها: أن حكم نكاح الحرة بعد موتها باق؛ بدليل الإرث، وجواز تغسيلها ووجوب الكفن عليه على رأي، وليس لليسار الفائت حكم حتى يقام الأثر مقام المؤثر.

والثاني: أن المرأة إذا أسلمت وتعينت حُسِبَتْ على الزوج ولم يؤثر موتها، ألا ترى أنه لو أسلم وتحته خمس نسوة، ثم أسلمت واحدة، فاختارها، ثم أسلمت البواقي، لم يكن له إمساكهن، وإنما يمسك ثلاثاً منهن.

والثالث قاله الإمام: أن الأمر في الحرة أعظم وأظهر من اليسار؛ فلا ينزل منزلتها، ألا ترى أنه لو كان في نكاحه حرة رتقاء أو غائبة- لم ينكح الأمة، ولو كان ماله غائباً لا يصل إليه إلا بعد زمان طويل يجوز له نكاح الأمة؛ هذا آخر كلامه في الفرق.

ونقل عن أبي يحيى البلخي: أن المعتبر في اليسار والإعسار وجوب العنت حالة إسلام أحدهما، ولا يعتبر حالة الاجتماع، حتى لو نكح أمة في الشرك- مثلاً- ثم أسلم وهي متخلفة، ولما أسلم كان معسرً خائفاً من العنت، ثم أسلمت وهو موسر وذلك في العدة- فله إمساك الأمة.

قال الإمام: وهذا الذي ذكره سخيف لا يساوي الذكر، ولو أسلم وأسلمت معه واحدة، ثم أسلمت الباقيات، وهو معسر، كان له أن يختار واحدة من الباقيات.

وقال ابن الصباغ: ليس له أن يختار واحدة منهن؛ لأن بإسلام الأولة دخل وقت الاختيار؛ ألا ترى أنه لو كان معسراً- كان له أن يختارها، فإذا كان موسراً، فقد بطل اختياره.

ولو أسلم وتحته ثلاث إماء، فأسلمت واحدة معه وهو معسر، ثم أسلمت ثانية وهو موسر، ثم أسلمت الثالثة وهو معسر، فيندفع نكاح الثانية، ويتخير بين الأولى والثالثة؛ وهذا مبني على ظاهر المذهب.

فرع: لو أسلم معه واحدة من الإماء، فله أن يختارها للبقاء دون الفسخ.

قلت: وكان يحتمل ألَّا يصح اختيارها للبقاء- أيضاً- لاحتمال أن تُفيق

ص: 217

واحدةٌ من الباقيات، ثم تسلم قبل انقضاء عدتها، فإنه يندفع بذلك نكاح الإماء ويصير ذلك كما لو أسلم وتحته حرة وأمة، وأسلمت الحرة، وتخلفت الأمة.

قال: لو أسلم عبد وعنده أربع نسوة، وأسلمن معه، اختار منهن اثنتين، سواء كن حرائر أو إماء؛ إذ لا يجمع بين أكثر منهما؛ كما تقدم ذكره؛ فالزيادة عليهما في حقه كالزيادة على الأربع في حق الحر، وقد تقدم حكم ذلك.

فرع: إذا كن حرائر، هل يثبت الخيار لمن اختارها بعد الإسلام؟ فيه وجهان:

أظهرهما:- على ما ذكره الإمام والمتولي- المنع؛ لأنها رضيت برقِه أولاً ولم يحدث فيها عتق.

والثاني: يثبت؛ لأن الرق نقص في الإسلام؛ من حيث إن الحر لا يساوي الرقيق في الأحكام، وفي الشرك لا يتميز الحر عن الرقيق؛ وهذا ظاهر النص.

قال الداركي: وهذا الخلاف في أهل الحرب، فأما الذمية مع الذمي، فلا خيار لها؛ لأنها رضيت بأحكامنا.

قال: فإن أسلم، وأعتق ثم أسلمن؛ أو أسلمن ثم عتق، ثم أسلم- ثبت نكاح الأربع- أي: إذا كن حرائر- لأن الاعتبار بوقت الاختيار، وهو فيه ممن يحل له الجمع بين أربع نسوة، وهكذا الحكم فيما لو أسلم معه واحدة، ثم أعتق ثم أسلمت الباقيات.

وعن القاضي ابن كج أن أبا الحسين حكى وجهاً: أنه لا يثبت نكاح الأربع، ويختار منهن اثنتين.

أما لو أسلم معه اثنتان، ثم عتق، ثم أسلمت الباقيات، فليس له إلا اختيار اثنتين، إما الأوليين أو الباقيتين، أو واحدة من الأوليين وواحدة من الباقيتين.

والفرق بين هذه الصورة وبين الصورة الأولى على المذهب: أنه إذا لم تسلم إلا واحدة، لم تكمل عدة العبيد، فإذا أسلمت اثنتان، ثم عتقن، فقد كمل عدد العبيد قبل العتق، فحدوث الحرية من بعد لا يفيد زيادة عليه.

وشبه الأصحاب الصورتين بما إذا طلق العبد امرأته طلقتين، ثم عتق، لم يملك بالعتق طلقة ثالثة، ولم يكن له نكاحها إلا بمحلل. ولو طلقها طلقة، ثم

ص: 218

عتق، ونكحها أو راجعها، ملك الطلقتين.

أما إذا كن الأربع إماء أسلمن، ولم يعتق، فلا يختار إلا واحدة بشرائط نكاح الأمة.

ولو أسلم معه اثنتان- والصورة هذه- ثم عتق، ثم أسلمت المتخلفات- لم يكن له إمساك الأربع، بل له اختيار اثنتين، ولا يجوز اختيار المتخلفتين، ويجوز اختيار الأوليين، وهل يجوز أن يختار واحدة من الأوليين وواحدة من الأخريين؟ فيه وجهان:

أصحهما: المنع.

وعن القاضي الحسين: أنه يجوز اختيار الأخريين.

ولو أسلمت معه واحدة، ثم عتق، ثم أسلمت الباقيات، ولم يعتقن- قال في التتمة: لا يختار إلا واحدة على ظاهر المذهب، وهذا هو الجواب في التهذيب.

قال الرافعي: لكن قياس الأصل الذي سبق أن يجوز له اختيار اثنتين؛ لأنه لم يستوف عدد العبيد قبل العتق.

وإذا قلنا: إنه لا يختار إلا واحدة، تتعين التي سبق إسلامها؛ كذا ذكره في التهذيب والتتمة.

وقال في التتمة: وعلى طريقة القاضي يختار واحدة من الجملة.

وعكس الإمام؛ فحكى عن القاضي: أن الأولى تتعين، وعده هفوة منه.

وعن سائر الأصحاب: أنه يختار من الجملة واحدة.

أما إذا عتقت البواقي في صورة إسلام الواحدة، ثم أسلمن- قال في التهذيب: له إمساك الكل.

قال: وإن أسلم الزوجان، وبينهما نكاح متعة، أو نكاح شرط فيه خيار الفسخ متى شاءا أو شاء أحدهما، لم يقرا عليه.

أما في المسألة الأولى، فلأنه إن كان بعد انقضاء المدة، لم يبق نكاح حتى يقرا عليه، وإن كان قبل انقضائها، فلم يعتقدا تأبيده، والنكاح عقد مؤبد.

ص: 219

أما إذا اعتقداه مؤبداً، فيقرا عليه.

وأما في المسألة الثانية؛ [فلأنهما لا يعتقدان] لزوم النكاح، والنكاح عقد لازم.

ولو طلق المشرك امرأته ثلاثاً، ثم تزوجها قبل أن تنكح زوجاً غيره، ثم أسلما، لم يقرا عليه؛ لأنها لا تحل له قبل [أن يتزوجها زوج آخر] فلم يقرا عليه، كما لو أسلم وتحته ذات محرم.

قلت: لو خرج ذلك على القولين في أن نكاحهم صحيح أو فاسد؟ لم يبعد.

قال: وإن أسلما وقد تزوجها في العدة، أو بشرط خيار الثلاث، فإن أسلما قبل انقضاء العدة، أو قبل انقضاء مدة الثلاث، أقرا عليه:

أما في المسألة الأولى؛ فلأنها إذا لم تكن منقضية، لم يجز ابتداء النكاح عليها؛ فلم يجز التقرير؛ لأنا نعتبر حالة الاجتماع في الإسلام، ونقدر أن العقد إذ ذاك وجد.

وإذا كانت منقضية، جاز ابتداء العقد عليها؛ فجاز التقرير.

وخصص في "الرقم" هذا التفصيل بعدة النكاح [وأما إذا نكح معتدة عن الشبهة، ثم أسلما والعدة باقية، قال: يقران على النكاح]؛ لأن الإسلام لا ينفي دوام النكاح مع عدة الشبهة؛ فلا يعترض عليه إذا لاقاه.

قال الرافعي: ولم يتعرض لهذا الفرق أكثرهم، والإطلاق يوافق اعتبار التقرير بالابتداء.

وأما في المسألة الثانية؛ فلأنهما في المدة، لم يعتقداه على صفة اللزوم فيها، ونحن وإن لم نراع في عقودهم الجارية في الشرك- شرائطَ الإسلام، فلا نثبت

ص: 220

ما لم يثبتوه بعد [انقضاء مدة الخيار] يعتقدان لزومه، فانتفى المانع.

تنبيه: حكم مقارنة الخيار- والعدة إسلام أحدهما- حكم مقارنة إسلامهما؛ حتى لو أسلم أحدهما والعدة باقية، أو مدة الخيار باقية، ثم أسلم الآخر وقد انقضت- فلا يقران، هكذا حكاه الإمام عن الصيدلاني، ووافقه عليه، [وبه أجاب] الغزالي، وصاحب التهذيب.

وعن القاضي الحسين: أنه لا يندفع النكاح بمقارنة العدة أو مدة الخيار؛ لإسلام أحدهما؛ لأن وقت الاختيار والإمساك هو وقت الاجتماع على الإسلام، فليكن النظر إليه.

فرع: لو وطئت بشبهة، ثم أسلما وهي معتدة عن وطء [الشبهة]، أو سبق الزوج بالإسلام، ثم أحرم، ثم أسلمت المرأة- أقرا على النكاح، على أصح الوجهين.

والوجهان بناهما جماعة من الأئمة على أن الاختيار والإمساك [لعقد] جرى في الشرك- جارٍ مجرى استدامة النكاح أو مجرى ابتدائه؟ وفيه قولان مستنبطان.

قال صاحب التتمة: وهذه القاعدة في التحقيق مبنية على أن أنكحتهم في الشرك صحيحة أم لا؟ فإن قلنا: إنها صحيحة، فالاختيار استدامة، وإلا فهو جار مجرى الابتداء.

لكن هذا البناء يقتضي أن يكون جريانها مجرى الاستدامة أظهر؛ لأن الصحيح صحة أنكحتهم، والمشهور في كلام الأصحاب ترجيح جريانه مجرى الابتداء، ونسبوا قول الاستدامة إلى أبي ثور. قال: وإن قهر حربي حربية على الوطء، أو طاوعته، ثم أسلما، فإن اعتقدا ذلك نكاحاً، أقرا عليه؛ لأنه نكاح لهم فيمن يجوز ابتداء نكاحها؛ فأقرا عليه؛ كالنكاح بلا ولي ولا شهود.

وقال القفال: لا [يقران عليه؛ إذ لا أقل من صورة العقد.

وإن لم يعتقداه نكاحاً، لم] يقرا عليه؛ لأنه ليس بنكاح في معتقدنا ولا معتقدهم.

ص: 221

وتخصيص الشيخ المسألة بالحربي؛ ليخرج ما لو قهر ذمي ذمية، ثم أسلما؛ فإنهما لا يقران عليه وإن اعتقداه نكاحاً؛ لأن على الإمام أن يدفع بعضهم عن بعض، بخلاف أهل الحرب.

والمستأمنون ليسوا كأهل الذمة في ذلك؛ إذ ليس على الإمام منع بعضهم من بعض، وإنما يلزمه بحكم الأمان أن يمنع عنهم من عليهم أحكام الإسلام.

فرع: لو أسلما على عقد نكاح يعتقدان فساده، قال الإمام: تردد فيه شيخي، والذي أراه: أنه، لا يقران على ما اعترفا بفساده؛ إذا كان فاسداً في ديننا أيضاً، أما إذا كان صحيحاً في ديننا؛ فيتجه تقريرهما عليه إذا أسلما.

قال: وإن ارتد الزوجان المسلمان- أي: إما معاً، أو على التعاقب- فإن كان ذلك قبل الدخول، تعجلت الفرقة، وإن كان بعد الدخول، وقفت الفرقة على انقضاء العدة، فإن اجتمعا على الإسلام قبل انقضائها، فهما على النكاح، وإن لم يجتمعا حتى انقضت العدة، حكم بالفرقة؛ لأنه انتقال من دين إلى دين يمنع ابتداء النكاح؛ فكان حكمه ما ذكرناه؛ كما لو أسلم أحد الزوجين الوثنيين.

فرعان:

أحدهما: لو ارتد الرجل بعد الدخول، ثم أسلم، واختلفا؛ فقال الرجل: عدت إلى الإسلام قبل انقضاء العدة؛ فالنكاح قائم، وقالت المرأة:[بل] بعدها- فالحكم كما إذا اختلف الزوجان في إسلامه بعد إسلامها، وقد مرَّ.

الثاني: لو طلقها في زمن التوقف، أو ظاهر عنها أو آلى، توقفنا، [فإن] جمعهما الإسلام قبل انقضاء العدة- تبينَّا صحتها، وإلا فلا.

قلت: والوجه الذي حكاه الإمام عن بعض الأصحاب فيما إذا أسلم أحد الزوجين بعد الدخول، وطلق في زمن التوقف: أن الطلاق يخرج على وقف العقود- يتجه جريانه هنا.

وليس للزوج في مدة التوقف بسبب الردة أو الإسلام أن ينكح أختها، ولا عمتها، ولا خالتها، ولا أربعاً سواها، ولا أمة، وإن كان ممن يجوز له نكاح الأمة؛ لاحتمال إسلامها، واستقرار النكاح به.

ص: 222

نعم: لو طلقها ثلاثاً في زمن التوقف، أو خالعها، جاز له ذلك.

قال: وإن انتقل المشرك من دين إلى دين يقرّ أهله عليه- أي: والأول كذلك- كما إذا تهود النصراني، [أو تنصر اليهودي]- ففيه قولان:

أحدهما: يقرّ عليه؛ لأنه دين يقرّ أهله عليه؛ فإذا انتقل إليه أقر عليه؛ كالإسلام؛ [وهذا هو المنصوص في المختصر، والأصح عند القاضي أبي حامد والبغوي].

والثاني: لا يقر عليه؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]؛ ولأنه أحدث ديناً باطلاً بعد اعترافه ببطلانه؛ فلا يقر عليه؛ كما إذا ارتد المسلم، [وهذا أظهر في الحاوي في كتاب الجزية].

وأجاب الأولون عن الآية بأنها محمولة على المسلم إذا ارتد، وفرقوا بينه وبين المرتد بأن المرتد بدل الدين الحق، وهنا هما متساويان [في البطلان] وفي التتمة: أن القولين مبنيان على أن الكفر ملة واحدة، أو ملل مختلفة؟

إن قلنا: ملل، لم يقر. وإلا أقر، كما يقر المسلم إذا انتقل من مذهب إلى مذهب.

قال الرافعي: [ولك] أن تقول: لو كان هذا أصلاً لنا يبنى عليه هذان القولان، لأثبتنا مثلهما قولين في التوارث بين اليهودي والنصراني، وليس كذلك، نعم: قد حكينا أن بعضهم خرج وجهاً في منع التوارث من قولنا: إنه لا يقرّ [عليه]، واستدل به على أن الكفر ملل مختلفة، وفرق بين أن يستدل بقولنا: لا يقر على الاختلاف، وبين أن يقر على الاختلاف.

التفريع:

إن قلنا: يقر، فحكمه حكم المتأصل في جميع الأحكام؛ [إن كان الدينان متساويين، أو الثاني دون الأول: كالنصراني إذا تمجس.

وإن كان الثاني أعلى: كالمجوسي إذا تنصر أو تهود- قيل: يجرى عليه حكم

ص: 223

الأول أو الثاني؟ فيه وجهان في الحاوي في كتاب الجزية.

وإن قلنا: لا يقر، فكذلك في جميع الأحكام].

قال: وما الذي يقبل منه؟ فيه قولان:

أحدهما: الإسلام- أي: فقط- وهو الأظهر عند الإمام، والأصح في الذخائر؛ للآية، ولأنه أقر ببطلان المنتقل منه، وكان يقر ببطلان المنتقل إليه.

والثاني: الإسلام؛ لأنه الدين الحق، أو الدين الذي كان عليه؛ لأنه كان مقراً عليه.

فلو أبى الإسلام على القول الأول، أو الإسلام والعود إلى ما كان عليه جميعاً على القول الثاني- فقولان [في تعليق القاضي أبي الطيب،] ويقال: وجهان:

أحدهما: أن يقتل كالمرتد، وهو الأصح في الذخائر، [وبه جزم في الحاوي في كتاب السرقة، قال: لأن الإبلاغ إلى المأمن يلزم بانتقاض العهد، وليس هذا منه نقضاً لذمته].

وأشبههما على ما قاله الرافعي: لا، بل يلحق بالمأمن.

ولو انتقل يهودي أو نصراني إلى المجوسية، فهل يقر بالجزية؟ فيه القولان، وحكى طريقة قاطعة بالمنع؛ لكون المنتقل إليه دون الأول.

فإن قلنا: لا يقر؛ فالحكم كما تقدم.

وإن قلنا: يقر، فلا تحل ذبيحته، ولا النكاح إن كان الانتقال من امرأة، ولو كانت في نكاح مسلم تنجزت الفرقة؛ إن كان قبل الدخول، وإلا فإن أسلمت قبل انقضاء العدة، أو عادت إلى ما كانت عليه [وقنعنا به- دام] النكاح بينهما، وإلا بان حصول الفرقة من حيث الانتقال.

ولو انتقل من دين يقر عليه إلى دين لا يقرّ عليه؛ كما إذا توثَّن اليهودي- لم يقرّ عليه؛ لأنه لو كان على هذا الدين في الأصل لم يقر عليه، فأولى إذا انتقل إليه، وهل لا يقبل منه إلا الإسلام، أو يقنع منه بالدين الذي كان عليه، أو بدين يساوي المنتقل عنه؟ فيه ثلاثة أقوال:

ص: 224

أصحها في المهذب: الأول؛ لأنه اعترف ببطلان كل دين سوى دينه، ثم بالانتقال عنه اعترف ببطلانه؛ فلم يبق إلا الإسلام.

وقال القاضي أبو حامد: الأخير أظهر.

وإذا وجد هذا الانتقال من كتابية تحت مسلم، ينفسخ النكاح؛ إن كان قبل الدخول، وإن كان بعده: فإن رجعت في العدة إلى الدين الذي تقر عليه، استمر النكاح، وإلا تبين ارتفاعه من وقت الانتقال.

ولو انتقل من دين لا يقر عليه إلى دين يقر عليه؛ كالوثني إذا تهود، أو تنصر، أو تمجس- لم يقر عليه [؛ إن كان ذلك بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم] ولم يقبل منه إلا الإسلام؛ كالمرتد.

وإذا تأملت ما ذكره الشيخ علمت أن الانتقال من دين باطل إلى دين باطل يبطل الفضيلة التي كانت في الأول، ولا يُفيد فضيلة لم تكن في الأول.

تنبيه: حيث [قلنا: لا يجوز أن يقر على الدين المنتقل إليه، ويقنع منه بالعود إلى الدين الذي كان عليه] لا يؤمر بالعود إليه، بل يقال له: لا يقبل منك إلا الإسلام، فإن عاد إلى دينه الأول، لم يتعرض له بعد؛ وهذا كما قلنا فيمن حكم بإسلامه تبعاً للدار؛ [وهذه طريقة أبي إسحاق.

وحكى الماوردي في كتاب الجزية: أن ابن أبي هريرة قال]: إنه يجوز أن يدعى إلى الإسلام وإلى دينه الأول، ولا يكون ذلك أمراً بالعود إلى الكفر، بل يكون إخباراً عن حكم الله تعالى؛ كما ندعوه إلى الجزية، ولا يقال: عرض الجزية أمر بالمقام على الكفر، والله أعلم.

***

ص: 225