الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الوليمة والنثر
الوليمة: الطعام المتخذ للعرس، مشتقة من الولم، وهو الجمع؛ لأن الزوجين يجتمعان؛ قاله الأزهري وغيره.
قال ابن الأعرابي: وأصلها تمام الشيء واجتماعه، والفعل منها: أَوْلَمَ.
وقيل: الوليمة كل طعام يتخذ لحادث سرور من إملاك، وعرس وسلامة المرأة عن الطلق، وحلق رأس المولود، وختانه، وقدوم المسافر، والبناء.
وتسمى: مأدبة، لكنه غلب استعمال لفظ الوليمة على الطعام المتخذ لأجل العرس؛ لما ذكرناه، وما عداه اشتهر له اسم يختص به، فطعام الإملاك يسمى: الشُّندخي: بشين معجمة تضم وتفتح، ونون بعدها، ودال غير معجمة [تضم وتفتح]، وخاء بعدها، اشتق من قولهم:"فرس شندخ"، وهو الذي يتقدم الخيل، وسمي هذا الطعام بذلك؛ لأنه يتقدم العرس.
والطعام المتخذ عند سلامة المرأة من الطلق: الخرس [والخرص] بضم [الخاء] وبالسين وبالصاد.
و [الطعام المتخذ] عند حلق رأس المولود في السابع: العقيقة.
وعند الختان: الإعذار، بالعين المهملة، والذال المعجمة.
والطعام المتخذ عند قدوم المسافر: النقيعة، مأخوذ من النقع، وهو الغبار.
ثم قيل: إن المسافر يصنع الطعام، وقيل: يصنعه غيره له.
والطعام المتخذ عند البناء: الوكيرة.
وعند المصيبة: الوضيمة، بفتح الواو، وكسر الضاد المعجمة.
وإذا كان الطعام لغير سبب سمى: مأدبة، بضم الدال وفتحها.
قال: الوليمة على العرس [واجبة على] ظاهر النص:
العرس: مؤنثة ومذكرة، والراء ساكنة ومضمونة، والجمع: أعراس.
والدليل على ظاهر النص، وهو ما ذهب [إليه] ابن خيران قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف وقد تزوج:"أولم ولو بشاة".
ولأنه صلى الله عليه وسلم ما تركها في سفر ولا حضر.
قال: وقيل: لا تجب، وهو الأصح، ويحكى عن القفال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"لَيْسَ فِي المَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ".
ولأنها لا تختص بالمحتاجين؛ فأشبهت الأضحية، والحديث [الأول] محمول على تأكد الاستحباب.
وقيل: هي فرض على الكفاية إذا فعلها واحد أو اثنان في الناحية أو القبيل، وشاع، وظهر، سقط الفرض عن الباقين.
أما سائر الولائم غير وليمة العرس، فلا تجب لكي يستحب إظهارها؛ لما في ذلك من إظهار نعمة الله- تعالى- عليه والشكر عليها.
وفي التتمة: أن من الأصحاب من خرج وجوبها قولاً.
قال: والسنة أن يولم بشاة؛ لأنه صلى الله عليه وسمل أولم على [زينب بنت جحش بشاة، وبأي شيء أولم من الطعام جاز؛ لأنه- عليه السلام أولم على] صفية بسويق وتمر.
وقال في الشامل والتتمة: أقل الوليمة للمتمكن شاة؛ لحديث عبد الرحمن؛ فإن لم يتمكن من ذلك، اقتصر على ما يقدر عليه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم [حيث] أولم بالسويق
والتمر، كان في حرب خيبر، وهو مظنة العجز.
قال: والنثر مكروه، والنثر: مصدر نثر يَنثُر ويَنثِر نثراً ونثاراً، ومعناه: رماه متفرقاً.
وإنما كره كما حكاه الشيخ وابن الصباغ والمتولي؛ لأن التقاطه دناءة ويؤخذ بتزاحم، وقد يؤدي إلى الوحشة والعداوة، وربما أخذه من يكره صاحبه أن يأخذه؛ لقوته، وشدته، والنثر سبب ذلك.
وفيه وجه: أنه غير مكروه، وهو ما أجاب به الغزالي، ورجحه الرافعي، لكن الأولى تركه؛ لما روي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر في إملاك، فأتى بأطباق عليها جوز ولوز وتمر، ونثرت، فقبضنا أيدينا، فقال:"مَا لَكُمْ لَا تَاكُلُونَ؟ " فقالوا: لأنك نهيت عن النهبي، فقال: إنما نهيتكم عن نهبى العساكر، خذوا على اسم الله تعالى؛ فجاذبنا وجاذبناه، ورد في التتمة هذا الحديث، لكنه لم يثبت عند أهل الحديث.
وقال الصيمري: النثر سنة؛ لأنه- عليه الصلاة والسلام نثر لما زوج ابنته فاطمة؛ فتحصل في المسألة ثلاثة أوجه: يستحب، يكره، لا هذا ولا ذاك.
أما أخذ النثار من الهواء وتلقيه بالإزار فمكروه، والتقاطه جائز، لكن تركه أولى، إلا إذا عرف أن الناثر لا يُؤْثِرُ بعضهم على بعض، ولم يقدح الالتقاط في المروءة.
وقال الصيمري: إنه مكروه من غير تفصيل.
ومن التقطه هل يملكه؟ فيه وجهان، أصلهما على ما رواه المتولي الخلاف
في المعاطاة، لكن الأئمة إلى ثبوت الملك هنا أميل.
فإن قلنا بعدم الملك، فللناثر الاسترجاع، وبه أجاب ابن كج، ولكن قيده بما [إذا] لم يخرج من الدار، وعليه الغرم إذا كان أتلفه.
وإن قلنا بالملك فليس له استرجاعه.
ويخرج عن ملك الناثر بالنثر، أو بأخذ الملتقط، أو بإتلافه؟ فيه ثلاثة أوجه.
فروع:
لو وقع في حجر إنسان من النثار شيء، فإن بسطه لذلك، فهو كالأخذ بالأيدي، فلو سقط كما وقع، فهل يبطل حقه؟ فيه وجهان، وأجراهما الإمام فيما إذا وقع الصيد في الشبكة، وانفلت في الحال، وقال: الظاهر أن حقه يبقى.
وإن لم يبسط حجره لذلك، فلا يملكه، ولكنه أولى به من غيره، فإن أخذه غيره، فهل يملكه؟ فيه وجهان:
الأظهر: عدم الملك.
ولو سقط من حجره قبل أن يأخذه، أو قام فسقط، بطل اختصاصه، وهذه الأولوية إنما تثبت إذا كان من وقع في حجره ممن يأخذ، فأما من يعلم أنه لا يأخذه، ولا يرغب فيه، فلا اختصاص له به.
قال: ومن دعي إلى وليمة، لزمته الإجابة، أي: سواء كان المدعو مفطراً، أو صائماً؛ لما روي ابن عمر- رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةٍ فَلْيَاتِهَا"، وروى:"مَنْ دُعِيَ [فَلَمْ يُجِبْ، فَقَدْ عَصَى] اللهَ وَرَسُولَهُ".
قال: وقيل: هي فرض على الكفاية؛ لأن المقصود أن يظهر الحال، ويُشتهَر، وذلك حاصل بحضور البعض.
قال: وقيل: لا تجب-[أي]: بل تستحب- لأن الحضور للأكل، وهو محصل للملك والإتلاف للمأكول، وذلك لا يجب على الإنسان، والخبر محمول على تأكيد الاستحباب وكراهية الترك.
واعلم أن ظاهر كلام الشيخ يقتضي أنه لا فرق بين وليمة النكاح وغيرها، وهو ما أشار إليه [الشيخ] أبو حامد.
وفضل بعض الأصحاب فقال: أما وليمة العرس فإن قلنا بوجوبها، وجبت الإجابة إليها، [وهل الإجابة] فرض عين أو فرض كفاية؟ فيه مثل الخلاف السابق.
وإن قلنا بعدم وجوبها، ففي الإجابة قولان.
وأما غيرها ففي الوجوب طريقان:
أحدهما: طرد القولين.
والثاني: القطع بعدم الوجوب، ولا خلاف على قول عدم الوجوب: أنه يتأكد الاستحباب؛ إذ عليه يحمل الحديث.
فروع:
أحدها: لو اعتذر المدعو إلى صاحب الوليمة، فرضي بتخلفه، سقط الوجوب إن قلنا به، وارتفعت [الكراهية في التخلف] على القول الآخر.
الثاني: لو علم المدعو بقرينة لاحال أنه لا يعز على الداعي امتناعه، ففي سقوط الوجوب تردد للأصحاب حكاه في الذخائر.
الثالث: لو دعاه اثنان فصاعداً، أجاب الأسبق، فإن جاءا معاً، أجاب الأقرب رحماً، ثم الأقرب داراً؛ كما في الصدقة.
تنبيه: حيث قلنا بوجوب الإجابة، أو استحبابها فذاك عند وجود شرائط.
منها: أن يعم صاحب الدعوة الدعوة بأن يدعو جميع عشيرته، أو إخوانه أو أهل حرفته: أغنياءهم وفقراءهم دون ما إذا خصص الأغنياء بالإحضار.
ومنها: أن يخصه بالدعوة بنفسه أو برسوله، فأما إذا فتح باب الدار، ونادى:
ليحضر من يريد، أو بعث رسوله ليحضر من شاء- فلا تجب الإجابة، ولا تستحب.
ومنها: ألَّا تكون دعوته لخوف منه، أو لطمع في جاهه، أو تعاونه على باطل، بل تكون للتقرب، وللتودد.
ومنها: ألا يكون قد دعا مع السفلة [والأرذال]، والمدعو له شرف وثروة على أظهر الوجهين، وبقية الشروط مذكورة في الباب.
قال: ومن دعي في اليوم الثاني، استحب له [ألَّا يجيب]، أي: ولا يكون كالاستحباب في [اليوم] الأول إذا قلنا به، ومن دعي في [اليوم] الثالث فالأولى ألا يجيب.
وجعله بعضهم مكروهاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "الوَلِيمَةُ فِي اليَوْمِ الْأَوَّلِ حَقٌّ، وَفِي الثَّانِي مَعْرُوفٌ، وَفِي الثَّالِثِ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ".
قال: وإن دعي مسلم إلى وليمة كافر- أي: ذمي لم يلزمه الإجابة، [أي]: ولا يكون الاستحباب في إجابة دعوته كالاستحباب في إجابة المسلم؛ لأن ذلك على طريق الكرامة والموالاة؛ فلم يلزم المسلم للكافر؛ كرد السلام.
ولأنه قد يعاف طعامه، ولا يأمن فيه النجاسة كذا علله ابن الصباغ.
قال: وقيل: يلزمه؛ لعموم الخبر.
وقيل: إنه مكروه، والخبر محمول على المسلم.
ولو دعا مسلم ذميّاً، فلا يلزمه الإجابة قولاً واحداً؛ قاله الجيلي.
قال: ومن دعي وهو صائم صوم تطوع، استحب له أن يفطر؛ لما روي
أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر دار بعضهم، فلما قدم الطعام أمسك بعضُ القوم، وقال: إني صائم، فقال صلى الله عليه وسلم:"يَتَكَلَّفُ أَخُوكَ الْمُسْلِمُ، وَتَقُولُ: إِنِّي صَائِمٌ؟! أَفْطِرْ، ثُمَّ اقْضِ يَوْماً مَكَانَهُ".
ولأنه يدخل السرور على من دعاه، ولا يجب ذلك، والحديث محمول على الاستحباب، ويدل عليه [ما روي] أنه صلى الله عليه سولم قال:"إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِراً فَلْيَطْعَمْ وَإِنْ كَانَ صَائِماً فَلْيُصَلِّ"، أي: فَلْيَدَعْ.
وقال مجلي: يحتمل أن تبنى هذه المسألة على أنه لو كان مفطراً، هل يجب الأكل أم لا؟ فإن قلنا بعدم وجوبه، [فكذلك ها هنا،] وإن قلنا بالوجوب، وجب عليه الإفطار، ويحمل قوله صلى الله عليه وسلم:" [وَإِنْ] كَانَ صَائِماً فَلْيُصَلِّ" على الصوم المفروض، ولا فرق بين أن يكون عدم الأكل يشق على الداعي أو لا.
وقال الخراسانيون: إن كان يثقل على الداعي ترك الأكل، أو ألح عليه في الإفطار، استحب له ذلك، وإلا لم يستحب.
أما إذا كان صائماً عن فرض، فإن كان الوقت ضيقاً، فلا يجوز له الفطر، وإن لم يكن: كالنذر المطلق وقضاء رمضان، فإن لم نجوّز له الخروج منه- وهو المذهب في التتمة- فهو كالمضيق.
وإن جوزنا الخروج منه، فقد قيل: هو كصوم النفل.
وعن القاضي الحسين: أنه يكره الخروج منه.
قال: وإن كان مفطراً، لزمه الأكل، وأقله لقمة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"فَلْيَطْعَمْ"، ولأن المقصود من الدعوة التناول، وترك الأكل يورث الوحشة.
وقيل: لا يلزمه، وهو الأصح؛ لما روى [جابر] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ"، وعلى هذا يكون مستحبّاً؛ وهذا في وليمة العرس.
ولفظ صاحب التتمة يقتضي تعميم الوجهين في جميع الضيافات، وهو منقاس على أصل من يوجب الإجابة فيها.
فرع: هل يملك المضيف ما يأكله؟ قال القفال: لا، بل هو إتلاف بإباحة المالك، وللمالك أن يرجع ما لم يأكل؛ وهذا ما اختاره ابن الصباغ عند الكلام في كفارة الظهار، وضعف ما عداه، وقال الإمام في كتاب الغصب: إنه ظاهر المذهب، وقبيل [كتاب] الإجارة: إنه الأصح.
وقال أكثرهم: يملك، وبم يملك؟ فيه وجوه:
قيل: بالوضع بين يديه.
وقيل: بالأخذ.
وقيل: بوضعه في الفم.
وقيل: [عند المضغ].
وقيل: بالازدراد يتبين حصول الملك قبيله.
وزيف المتولي ما سوى الوجه الأخير.
والمذكور في الشامل ما عدا الأول والرابع؛ كما حكاه في الظهار.
وعلى الوجوه ينبني التمكن من الرجوع، وليس له أن يعطيه غيره، ولا أن ينقله وإن قلنا:[يملك].
[وحكى ابن الصباغ في الظهار عن القاضي أبي الطيب: أنا إذا قلنا: إنه] يملكه بالتناول، كان له التصرف فيه بغير الأكل؛ لأنه قد ملكه بالإذن والقبض، وكذلك عن الشيخ أبي حامد.
ولا يحتاج الضيف في الأكل بعد تقديم الطعام إلى لفظ إلا إذا كان ينتظر حضور غيره؛ فلا يأكل إلى أن يحضر، أو يأذن المضيف لفظاً.
وفي الوسيط وجه: أنه لابد من لفظ.
وفي التتمة: أن تقديم الطعام إنما يكفي إذا كان قد دعاه إلى بيته، فأما إذا لم تسبق الدعوة، فلابد من الإذن لفظاً إلا إذا جعلنا المعاطاة بيعاً.
قال: وإن دعي إلى موضع فيه معاصٍ من زمر، أو خمر، ولم يقدر على إزالتها، فالأولى ألَّا يحضر، فإن حضر، فالأولى أن ينصرف؛ كي لا يشاهد المنكر، وربما تدعوه نفسه إلى تعاطي ذلك.
قال: فإن [قعد واشتغل] بالحديث والأكل جاز- أي: مع إنكاره بقلبه- كما لو كان يضرب المنكر في جواره، فإنه لا يلزمه التحول، وإن كان يبلغه الضرب؛ وهذا ما أشار إليه الشيخ أبو حامد حكاية عن المذهب، ولم يحكِ سواه على ما حكاه مجلي عن تعليق البندنيجي.
وفي طريقة المراوزة: أنه لا يجوز الحضور فضلاً عن القعود، [وهو الصحيح]، وإليه ذهب القاضيان: ابن كج، والروياني، وجزم به في التتمة.
ووجهه [ما روي] أنه- صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الْآخِرِ فَلَا
يَقْعُدْ عَلَى مَائِدَةٍ تُدَارُ عَلَيْهَا الخَمْرُ".
ولأنه كالراضي بالمنكر، والمقر له.
نعم: إن لم يعلم بذلك، فدخل؛ فلينههم، فإن لم ينتهوا؛ فليخرج إن أمكنه، فإن لم يمكنه كما في الليل مع الخوف؛ فليقعد كارهاً، ولا يستمع.
أما إذا كان حضوره يدفع المنكر، فليحضر؛ إجابة للدعوة، وإزالة للمنكر.
فرع: لو كان في الموضع نبيذ فلا ينكر، قال:[القاضي] ابن كج: لأنه في موضع الاجتهاد، والأولى أن يكون الحضور في حق من يعتقد التحريم؛ كما في المنكر المجمع على تحريمه.
وقيل بخلافه؛ كذا قاله الرافعي.
قال: وإن حضر في موضع فيه صورة حيوان، فإن كان على بساط يداس أو مخاد توطأ- أي: صغار يُتَّكأ [عليها]- جلس.
قال الرافعي: وليكن في معناها الخوان والقصعة، وإن كانت على الحائط أو ستر معلق، لم يجلس؛ وكذا على السقوف، والثياب الملبوسة، والوسائد الكبار المنصوبة؛ لما روي عن عائشة- رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم من سفر، وقد سترت على صفة لها ستراً فيه الخيل ذوات الأجنحة، فأمر بنزعها، وقطعنا منها وسادة أو وسادتين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتفق بهما".
ولا فرق في ذلك بين أن يكون ذلك للزينة أو للانتفاع.
وحكي عن الشيخ أبي حامد: أنها إن استعملت للزينة، حرم، وإن كان للانتفاع لم يحرم.
وقال بعض الأصحاب: التحريم مخصوص [بصورة الحيوان المألوفة]، أما إذا لم يشاهد مثله: كصورة إنسان له جناح طائر، فلا يحرم.
وقال بعضهم: إن التحريم ثابت إذا كانت صورة الحيوان بارزة، أما إذا لم تكن بارزة، فلا يحرم؛ حكاه الجيلي.
ولو كانت صورة الحيوانات مقطوعة الرءوس، فلا بأس على الظاهر.
وفي التتمة التسوية بينها وبين غيرها.
وقال الإصطخري: تحريم اتخاذ صورة الحيوان كان في ابتداء الإسلام؛ قطعاً لهم عن عبادتها.
وفيما علق عن الإمام الإشارة إلى تخصيص المنع بالسقوف والجدر، ويرخص فيما على الستور والوسائط المنصوبة.
والظاهر الأول.
والمعنى: أن ما يوطأ ويطرح مهان مبتذل، والمنصوب يشابه الأصنام.
ولو كانت الصور في الممر دون موضع الجلوس، فلا بأس بالدخول والجلوس، وهل المنع من الجلوس- حيث قلنا به- منعُ تحريمٍ أو كراهةٍ؟ فيه وجهان:
أحدهما- وبه كان يجيب الشيخ أبو محمد-: الأول، ونظم الغزالي في الوجيز يقتضي ترجيحه، وادعى في الذخائر: أنه الذي عليه الأكثرون، وهو ظاهر النص.
والثاني: الكراهة، ويحكي عن صاحب التقريب والصيدلاني، ورجحه الإمام والغزالي في الوسيط، وهو ما جزم به في التتمة، وبه قال ابن الصباغ؛ لأنه ليس
بأكثر من المنكر: كالخمر، والملاهي.
أما إذا كان المتخذ صور أشجار، أو الشمس، أو القمر- فلا بأس بالحضور.
وفي شرح الجويني وجه: أن [صور] الأشجار مكروهة؛ لأن منهم من يعبد الأشجار.
فروع:
إذا دعاه من أكثر ماله حرام، كرهت إجابته، والمرأة إذا دعت النساء، فالحكم كما ذكرنا في الرجال، وإن دعت رجالاً أو رجلاً فتجاب إذا لم تكن خلوة محرمة.
وتصوير الحيوان على الأرض والفرش هل يجوز؟ فيه وجهان:
أحدهما: التحريم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لعن المصور؛ كما رواه البخاري في حديث جحيفة، وبالقياس على التصوير على السقوف.
والثاني: الجواز؛ لأنه ينتفع بها.
فعلى الأول: لو استؤجر على ذلك، لم يستحق الأجرة.
وفي الجيلي عن الحاوي: أن للمرأة [خيار] فسخ النكاح؛ إذا كان كسب زوجها من الصور، والله أعلم.