الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصداق
الصَّداق: بفتح الصاد وكسرها.
ويقال: صَدُقة: بفتح الصاد، وضم الدال، وصُدْقة: بضم الصاد وإسكان الدال؛ أربع لغات.
وأصدقتُ المرأة: سميتُ لها صداقاً.
ومهرتها أَمهُرها- بضم الهاء- وأمهرتها لغتان.
وهو اسم للمال الواجب للمرأة على الرجل بالنكاح أو الوطء.
ومجموع أسمائه سبعة، نطق بها الكتاب والسنة:
فأما ما ورد به الكتاب، فأربعة: الصداق، والنحلة، والفريضة، والأجر.
والذي وردت به السنة ثلاثة: المهر، والعقد، والعليقة.
والصداق: مأخوذ من الصدق، وهو الشديد القلب، فكأنه أشد الأعواض ثبوتاً؛ من حيث إنه لا يسقط بالتراضي.
والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع:
قال الله- تعالى- {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4]، والنحلة: الهبة، وإنما سمي: نحلة؛ لأن كل واحد من الزوجين يستمتع بالآخر؛ فيحصل [للمرأة][مثل] ما يحصل للرجل من الاستمتاع والألفة، ولعل حظها من الاستمتاع أوفر، لوفرة شهوتها، فجعل الصداق لهن كأنه عطية من غير عوض.
وقيل نحلة، أي: عطية من الله تعالى.
وقيل: المراد بها الدين، يقال: فلان ينتحل بكذا، والمعنى: وآتوا النساء صدقاتهن تَدَيُّناً.
وروي أن النبي- صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة، فقالت: يا رسول الله، أني وهبت نفسي لك، فقام قياماً طويلاً، فقام رجلٌ، فقال: يا رسول الله، زوجينها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال- صلى الله عليه وسلم:"هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا إِيَّاهُ؟ " فقال: ما عندي إلا إزاري، فقال:"إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ، جَلَسْتَ فَلَا إِزَارَ لَكَ، فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَماً مِنْ حَدِيدٍ"، فالْتَمَسَ فلم يَجِدْهُ، فقال:"هَلْ مَعَكَ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ؟ "، فقال: نعم، سورة كذا، وسورة كذا، فقال- صلى الله عليه وسلم:"زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ"، وفي رواية:"زَوَّجْتُكَهَا؛ فَعَلِّمْهَا"، وانعقد الإجماع على ما يصح [جعله] صداقاً: أنه يثبت بالتسمية الصحيحة.
قال: والمستحب ألَّا يعقد النكاح إلا بصداق، اقتداء برسول الله- صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لم يعقد نكاحاً إلا وسمي فيه صداقاً؛ على ما حكاه ابن الصباغ والمتولي، وحتى لا يشبه نكاح الواهبة نفسها للنبي- صلى الله عليه وسلم وليكون أدفع للخصومة والمنازعة.
وإنما لم يكن [ذلك] واجباً؛ لأن الغرض الأعظم من النكاح- الاستمتاع ولواحقه، وأنه يقوم بالزوجين؛ [فهما الركنان]؛ فيجوز إخلاء النكاح عن الصداق، وقد دل على ذلك- أيضاً- قوله تعالى:{لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236]، وقوله- صلى الله عليه وسلم لرجل:"أَتَرْضَى أَنْ أُزَوِّجَكَ فُلَانَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: أَتَرْضَيْنَ أَنْ أُزَوِّجَكِ فُلَاناً؟ " قالت: نعم؛ فزوج أحدهما صاحبه، فدخل بها، ولم يفرض لها صداقاً، ولم يُعْطِها شيئاً، وكان له سهم بخيبر، فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم زوجني فلانةَ، ولم يفرض لها صداقاً، ولم أُعْطِها شيئاً، وإني أشهدكم أني قد
أعطيتها عن صداقها سهمي بخيبر، فأخذت سهماً، فباعته بمائة ألف درهم"، أخرجه أبو داود.
واعلم: أن هذا الاستحباب ثابت وإن كان الصداق لا يثبت بالتسمية؛ كما إذا زوج عبده من أمته، وقلنا بجوازه، وهو المذهب؛ على ما حكاه البغوي والمتولي في كتاب الصداق.
وقال ابن الصباغ في فصل تزويج العبد: [القديم:] أنه يستحب ذكره.
وفي الجديد: إن شاء ذكره، وإن شاء ترك.
قال: وهذا أصح.
أما إذا قلنا بعدم جوازه؛ كما حكاه الرافعي في كتاب الرضاع وجهاً، أو قلنا يجب، ويسقط على أحد الوجهين، فقد امتنع التصوير.
قال: وما جاز أن يكون ثمناً [في البيع]، جاز أن يكون صداقاً- أي: قل أو كثر- فلا يتقدر بشيء.
وقال أبو ثور: إنه يتقدر بنصاب السرقة، وهو عنده خمسة دراهم.
لنا قوله- صلى الله عليه وسلم: "أَدُّوا الْعَلَائِقَ"، قيل: وما العلائق؟ قال: "مَا تَرَاضَى بِهِ الأَهْلُونَ".
وما رُوِي أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين، فقال- صلى الله عليه وسلم:"رَضِيتِ مِنْ نَفْسِكِ وَمَالِكِ بِنَعْلَيْنِ؟! "، فقالت: نعم، فأجازه. أخرجه الترمذي، وقال فيه:
حديث حسن صحيح.
ولأنه بدل منفعتها؛ فكان تقدير العوض إليها؛ كأجرة منافعها.
نعم: يستحب ألَّا ينقص عن عشرة دراهم، ولا يزيد على صداق زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وبناته- رضي الله عنهن وهو اثنتا عشرة أوقية ونش على ما روته عائشة.
والنش: نصف أوقية، والأوقية: أربعون درهماً، مجموع ذلك خمسمائة درهم.
وهذا الاستحباب تخاطب به المرأة المالكة لأمر نفسها، والسيد في تزويج أمته، فأما المولى إذا زوج موليته المحجور عليها، فليس له أن ينزل عن مهر مثلها على ما سيأتي بيانه.
قال: فإن ذكر صداقاً في السر، وصداقاً في العلانية، فالصداق ما عقد به العقد، وهذا نصه في الإملاء، واختيار المزني؛ لأن الصداق يجب بالعقد؛ فوجب ما عقد به.
وروى عن الشافعي: أنه قال: المهر مهر السر؛ اعتباراً بما تواضعُوا عليه، واصطلحوا، والألفاظ لا تعني لأعيانها، وإنما يقصد إلى معانيها.
وللأصحاب طريقان:
أحدهما- وهو مذهب العراقيين، والأصح- تنزيل النصين على حالين:
فحيث قال: المهر [مهر] السر، أراد: ما إذا جرى العقد بألف في السر، ثم أتوا بلفظ العقد بألفين في العلانية مع اتفاقهم على بقاء العقد الأول.
وحيث قال: المهر مهر العلانية، أراد: ما إذا تواعدوا [سرّاً،] ولم يعقوا، وعقدوا في العلانية؛ لأن ما سبق وعد.
والطريق الثاني: إثبات قولين [في] المسألة، وقال المزني: وهو مذهب المراوزة؛ وفي موضعها طريقان مذكوران في النهاية:
أحدهما: أن موضعها ما إذا اتفقوا على ألف، واصطلحوا على أن يعبروا عن الألف في العلانية بألفين.
والثاني: إثبات قولين، سواء اتفقوا على ألف، وجرى العقد بألفين، ولم يتعرضوا لتغيير اللغة، أو التعبير بالألفين عن الألف.
قال الإمام: وعلى هذه القاعدة تجري الأحكام المتلقاة من الألفاظ.
ثم ما المعنى بما أطلقناه من الاتفاق في السر، هل هو مجرد الرضا والتواعد؟ أم المراد ما إذا جرى العقد بألف في السر، ثم عقد بألفين في العلانية؟
قال الرافعي: منهم من يفسره بالأول، وقضية لفظ التهذيب وغيره- إثبات القولين وإن جرى العقدان.
ونقل عن الحناطي طريقاً ثالثاً في المسألة: أن الواجب مهر المثل، ونقد المسمى، وحمل [على] ما إذا جرى العقد بألفين على شرط ألا يلزمه إلا أداء ألف.
وقال الجيلي: إن الخلاف في المسألة يمكن بناؤه على أن الشرط السابق هل هو كالمقارن أم لا؟
وهذا الذي ذكره فيه نظر؛ إذ الخلاف في أن الشرط السابق، هل هو كالمقارن؟ مأخوذ من هنا.
قال: ولا يزوج ابنته الصغيرة- أي: البكر- بأقل من مهر المثل، ولا ابنه الصغير بأكثر من مهر المثل- أي: من مال الطفل- لأن في ذلك إضراراً بالمولى عليه؛ فلا يجوز بيع ماله بدون ثمن المثل.
وحكم البكر البالغ إذا زوجت بغير إذنها، والمجنونة، والمجنون- حكم الصغيرة في ذلك.
قال: فإن نقص ذلك- أي: مهر البنت- وزاد هذا- أي: مهر زوجة الابن- وجب مهر المثل- أي: لها؛ لصحة النكاح، وبطلان التسمية، وبطلت الزيادة- أي: في المسألة الثانية؛ لأن تصرف الغير للغير منوط بالحظ والمصلحة، ولا حظ، ولا مصلحة في ذلك.
ونقل بعض الخراسانيين قولاً أن النكاح لا يصح، وإليه أشار القاضي؛ لأن النكاح على هذه الصورة لا يكون معقوداً على حكم الغبطة، والعقود المتعلقة بالغير إذا لم تتصف بالغبطة مردودة؛ كما لو زوجها من غير كفء.
وعلله الغزالي بأن الرضا لم يوجد إلا بالمسمى، ولم يثبت، فكيف يصح العقد بدون الرضا؟!
وفي النهاية حكاية قول: أنه إذا زوج ابنته بدون مهر المثل، أن المسمى يثبت، وإن كان قد ادعى إجماع الأصحاب على وجوب مهر المثل، وإن لم يصر أحد إلى انعقاد النكاح بالمقدار الذي سماه في باب التفويض.
وفي الحاوي في كتاب الرضاع عند الكلام في الغرم: أن ذلك مبني على أن الذي بيده عقدة النكاح من هو؟ فإن قلنا: إنه الزوج، لم يصح، وإن قلنا: إنه الولي، ففي جواز تزوجها بأقل من مهر المثل وجهان، والأصح المنع.
وفي الجيلي حكاية وجه عن بحر المذهب: أنه لا يجوز أن [يتزوج الصغير على الصغر]، أما إذا كان المهر من مال الأب، ففيه احتمالان للإمام:
أحدهما: أنه يفسد المسمّى أيضاً؛ إذ ما نجعله صداقاً يدخل في ملك الابن.
والثاني: يصح، وتستحقه المرأة؛ لأن ملكه يحصل ضمناً، فلو لم نصححه، لفات على الابن جميع المهر، ولزم مهر المثل من ماله؛ وهذا ما أورده الغزالي، وصاحب التهذيب.
وفي [التتمة، و] أمالي أبي الفرج ترجيح الاحتمال الأول.
قلت: وما علل به الاحتمال الثاني من كونه يسقط الكل ممنوع، بل نقول: وجب أن يسقط الزائد على مهر المثل من المسمى؛ كما يسقط إذا كان الصداق من مال الابن- على ما سنذكره-؛ إذ هو الذي يلزم فيه المحظور، وتفريق الصفة جائز على الصحيح.
واعلم أن قول الشيخ- رضي الله عنه: بطلت الزيادة، يريد ما إذا زوج ابنه، وسمي لزوجته صداقاً، إما في الذمة، وإما معيناً، فكان الصداق زائداً على مهر المثل، فإن الزوجة تستحق [قدر] مهر المثل من المسمى، وتبطل الزيادة؛ وهذا ما حكاه الرافعي وجهاً ها هنا، وحكى فيما إذا أذن الولي للسيد في التزويج بامرأة معينة، فزوجها، وزاد على مهر المثل: أن الزيادة تسقط، ويجب مهر المثل.
وقال ابن الصباغ: القياس بطلان المسمى، والرجوع إلى مهر المثل.
والفرق: أن على التقدير الأول تستحق الزوجة قدر مهر المثل من المعين، وعلى الثاني يجب مهر المثل في الذمة؛ هذا آخر كلامه، وظاهره التناقض، بل الوجه التسوية بين الصورتين؛ كما ذكره في التهذيب؛ إذ لا فرق بينهما والله أعلم.
فرعان:
أحدهما: لو طلبت ابنته الصغيرة كفء بأكثر في مهر المثل، فزوجها من كفء آخر بمهر المثل، صح، ولا معترض عليه؛ قاله الإمام في أول كتاب الصداق.
الثاني: لو زوج ابنته البكر على صداق، وهو مهر مثلها من معسرٍ من غير رضاها، فالمذهب أنه لا يصح النكاح؛ لأنه بخس لحقها؛ كما لو زوجها من غير كفء، ذكره القاضي الحسين في الفتاوى.
قال: ولا يتزوج السفيه بأكثر من مهر المثل- أي: إذا عين له الولي المرأة أو القبيلة- لأن إذن الولي لا يتناول الزيادة عليه.
قال: فإن زاد بطلت الزيادة؛ لأنها تبرع، وهو ليس من أهله.
وفي "النهاية" أبدى احتمالاً فيما إذا لم يجد إلا امرأة واحدة، ولم ترض إلا بأكثر من مهر المثل والحاجة حاجة على ما ذكره [وقد فهم مما تقدم معنى قوله:"بطلت الزيادة".
وحكى في "التتمة" طريقة توافق ما أبداه ابن الصباغ: أن المسمى يبطل ويجب] مهر المثل.
قال: وهو القياس، والأول هو ظاهر النص.
وحكى ابن القطان أن بعض الأصحاب خرج وجهاً في بطلان النكاح.
قال: ولا يتزوج العبد بأكثر من مهر المثل، أي: إذا أذن السيد في التزويج، إما من معينة وإما على الإطلاق، ولم يعين له المهر؛ لأن مطلق الإذن لا يتناول إلا مهر المثل فما دونه؛ كما في الإذن في الشراء.
قال: ومهر امرأته في كسبه، وكذا نفقتها إن كان مكتسباً؛ لأنه لا يمكن إيجاب ذلك على السيد؛ لأنه لم يلتزمه، ولم يستوف منفعته.
ولا [يمكن إيجابه] في رقبة العبد؛ لأنه وجب برضا من له الحق.
ولا [يمكن] إيجابه في ذمته إلى أن يعتق؛ لأنه في مقابلة الاستمتاع؛ فلا يجوز تأخيره عنه؛ لما فيه في الإضرار بالمرأة؛ فلم يبق إلا الكسب؛ فتعلق به.
وفي "التهذيب": أن النفقة والمهر على المولى في القديم؛ فلا يطالب به العبد، وإن أعتق أو أفلس السيد، وإن أبرأ السيد برئا [جميعاً].
وفي النهاية: أن السيد يكون ضامناً في القديم، والجديد: أنه ليس بضامن، وأن للعراقيين ثلاثة اقوال:
أحدها: أن السيد لا يصير ملتزماً بالإذن.
والثاني: أنه يصير ملتزماً.
والثالث: [أن يكون العبد] كسوباً فلا يصير [السيد] ملتزماً، [وإن لم
يكن كسوباً صار] ملتزماً؛ وهذا هو المنقول في "الكتاب"، و"الشامل"، وغيرهما من كتب العراقيين، والمذهب الأول.
وحكى أبو الفرج الزاز على القديم وجهين: أن ذلك وجب على السيد ابتداء، أو يلاقي العبد، ويتحمل عنه السيد.
فعلى الأول: يكون الحكم كما ذكرناه عن التهذيب.
وعلى الثاني: تتوجه المطالبة عليهما جميعاً.
قال الرافعي: وهو الأصح.
قلت: وهو الذي جزم به الإمام [جوابه] عند كلامه في الأب: هل يكون ضامناً لصداق زوجة ابنه الصغير؟
وعلى المذهب: لا فرق في الكسب بين النادر والمعتاد، وفي النادر وجه: أنه لا يتعلق به.
والكسب الذي [يتعلق] به المهر ما يتجدد بعد التزوج؛ [إن كان] المهر حالّاً، وبعد الحلول، إن كان مؤجلاً.
وكيفية صرف الكسب: أن يبدأ منه بالنفقة، ومهما فضل صرف في المهر.
[ويجب على السيد تخلية العبد بالليل؛ ليستمتع بزوجته، وفي النهار؛ ليكتسب المهر] والنفقة، إلا إذا تكفل بذلك.
فإن استخدمه، ولم يلتزم شيئاً، فعليه الغرم، وفيما يغرمه وجهان:
أصحهما: أقل الأمرين من أجرة المثل، وكمال المهر والنفقة.
والثاني: كمال المهر والنفقة.
وهما مبنيان على القولين في قتل العبد الجاني.
وهل الاعتبار بنفقة زمن الاستخدام، أو على الأبد؟ فيه خلاف.
وحكم مسافرته بالعبد حكم استخدامه.
وحكى الإمام عن العراقيين: أنه ليس له أن يسافر به، ولا أن يستخدمه في
الحضر ما بقيت عليه مؤنة من مؤن النكاح.
قال الرافعي: وجعل المسألة مختلفاً فيها بين الأصحاب، ولا يكاد يتحقق فيها خلاف.
فرع: هل يجوز للعبد أن يؤاجر نفسه للمهر والنفقة؟ فيه وجهان بناهما في "التتمة" على القولين في بيع المستأجر: إن جوزناه جاز الإيجار، وإلا فلا.
قال: وهذا في إجارة العبد، أما إذا التزم عملاً في الذمة، فالمذهب جوازه.
فرع آخر: لو أذن [له] السيد في النكاح على أن ينفق على زوجته من الاكتساب، ففي صحة الإذن وجهان في تعليق القاضي الحسين في باب مداينة العبد.
قال: أو [فيما في يده]؛ إن كان مأذوناً له في التجارة- أي: من رأس المال والربح الحاصل قبل التزويج وبعده- لأنه دين لزمه بعقد أذن فيه؛ فقضى مما في يده، كدين التجارة.
وفيه وجه: أنه لا يتعلق إلا بما يتجدد من الربح بعد التزويج ككسب غير المأذون؛ فعلى هذا لو لم يكن ثم ربح يفي به؛ فعلى السيد؛ لأنه مشغول بعمله، وماذا يجب عليه؟ فيه الخلاف السابق.
قال: فإن لم يكن مكتسباً ولا مأذوناً له في التجارة، ففي ذمته- أي: إن رضيت بالمقام معه- ولم تملك مطالبته به إلى أن يعتق- أي: ويوسر- في أحد القولين؛ لأنه دين لزمه برضا من له الحق؛ فتعلق بذمته، كبدل القرض.
قال: أو تفسخ النكاح- أي: إن لم ترض بالمقام معه- لتضررها بذلك؛ وهذا تفريع على الصحيح في ثبوت الخيار بالإعسار به؛ وذلك إذا لم تعلم بعجزه قبل العقد، فإن علمت بعجزه، فقد حكى العمراني في "الزوائد" في باب ما يحرم من النكاح: أن الجديد ثبوت الخيار للزوجة إذا علمت بإعسار الزوج بالمهر.
وفي القديم: أنه لا يصح لها.
وحكى الرافعي الخلاف وجهين، [وأن أشبههما]: المنع، إذ ذلك بعينه يجري ها هنا.
قال: وفي ذمة السيد في [القول] الآخر؛ لأن الإذن لمن هذا حاله التزام للمؤنات.
وفي "التهذيب": أن القولين على الجديد.
وفي "التتمة": هما مبنيان على الجديد والقديم.
وفيه قول ثالث: أنه يتعلق برقبته، وطرده الشيخ أبو حامد في الكسوب، ومن كسبه لا يفي بما عليه من مؤن النكاح في القدر الزائد كغير الكسوب فهو على القولين؛ كما قاله الإمام.
وفي "التهذيب" و"الذخائر": أنه لا يتعلق بالسيد، ولها أن تفسخ إن شاءت.
قال في "الشامل": قال أصحابنا: ويجري القولان في الأب إذا زوج ابنه الصغير الفقير، هل يلزمه المهر والنفقة؟
وسوّى الإمام بينه وبين العبد؛ فلا يختص الخلاف بالفقر.
ونقل عن القاضي تفريعاً على قول الضمان: أنه إذا غرم الأب لا يجد رجعاً على مال الطفل، ويكون هذا كضمان العاقلة دية الخطأ، وأن الأب لو شرط ألَّا يكون ضامناً، بطل.
قال: وهذا وهم من الآخذين عنه، ولعله قال: بطل الشرط، ولزم الضمان، وصح النكاح.
وما قاله القاضي في أن الأب لا يرجع إذا غرم لا سبيل إلى القول به؛ فإن الشرع أثبت للأب نظراً في [طلب غبطة الابن]، فإذا نظر له واشتد نظره
فانتصاب ذلك سبباً لالتزامه المغارم محال؛ وهذا ما أجاب به في التهذيب؛ إذا قصد الرجوع عند الأداء.
قال الإمام: ولاشك أن الابن مطالب بالنفقات، والمهر، وسائر مؤن النكاح إذا بلغ، وليس كالقاتل خطأ؛ فإنه لا يطالب بالعقد مع إمكان مطالبته للعاقلة؛ لخروج ذلك عن القياس.
ونقل في "الذخائر" عن "الحاوي" على قول الوجوب على الأب: أنه يجب عليه ابتداء، والابن بريء منه، وهو يوافق ما قاله في "التهذيب" في الإذن للعبد؛ فإنه كان قد وافق الإمام في هذه المسألة.
وحكم الولد المجنون على ما حكاه في "التهذيب" حكم الصغير.
قال: فإن زاد على مهر المثل، وجبت الزيادة في ذمته، يتبع بها إذا أعتق؛ دفعاً للضرر عن الزوجة بقدر الإمكان؛ [إذ لا يمكن أن يجب] في كسبه؛ لأن إذن السيد لا يتناوله، ولم يستوف العبد في مقابلته شيئاً.
فإن قيل: هذه الزيادة تثبت في ذمة العبد بغير إذن السيد، فهلَاّ كان في ثبوتها خلاف؛ كما في ضمان العبد بغير إذن السيد.
قلنا: الالتزام ها هنا جرى في ضمن عقد مأذون فيه؛ فكان أقرب، وقد يمتنع الشيء مقصوداً، وإذا حصل في ضمن عقد لم يمتنع؛ ألا ترى أن العبد [يمتنع من] تمليك السيد بعقد الهبة على أحد الوجهين، ولو خالع صح قولاً واحداً، ودخل المال في ملك السيد؟
قال الإمام: وهذا هو الممكن فيما ذكرناه.
ويحتمل من طريق القياس: ألَّا تلزم الزيادة في المهر أصلاً؛ كما لا يصح الضمان، وما ذكرناه تكلف، وإلا فلا فرق بين هذه الزيادة والضمان.
فرع: لو قدر له مهراً، فنكح به امرأة مهرُ مثلها دونه، فقد حكى الرافعي عن
الحناطي فيه ثلاثة احتمالات:
أظهرها: صحة النكاح، ووجوب المسمى في الحال.
والثاني: أن الزيادة على مهر المثل يتبع بها إذا عتق.
والثالث: بطلان النكاح.
قال: وإن تزوج بغير إذنه، ووطئ، ففي المهر ثلاثة أقوال:
صورة المسألة ما إذا أذن في النكاح مطلقاً، فنكح العبد نكاحاً فاسداً- مثل أن قرن به شرطاً فاسداً يخل بمقصوده: كشرط الخيار، وعدم الوطء- ووطئ فيه [ففيه أقوال:].
أحدها: يجب حيث يجب في النكاح الصحيح؛ لأنه لما كان النكاح الفاسد كالصحيح في وجوب العدة والنسب والمهر، جعل كالصحيح في المحل المستوفى منه المهر.
والثاني: أنه يتعلق بذمته، وهو الجديد؛ لأنه حصل برضا المستحق؛ فصار كما إذا اشترى، أو استقرض بغير إذن السيد، [وأتلفه]؛ هكذا علله الأصحاب.
ومقتضى هذا التعليل: أنه لو تزوج حرة بغير إذنها في التزويج منه، ثم وطئها وهي نائمة- حتى لا يجعل التمكين من الوطء رضا- أنه [لا] يتعلق بالرقبة، ويؤيد ذلك ما سنذكره في الفرع بعده.
والثالث: أنه يتعلق برقبته؛ لأن المهر ينزل منزلة أرش الجناية من حيث إنه لا يتطرق إلى موجبه الإباحة.
وهذا القول، منهم مَن نَسَبَه إلى القديم، ومنهم من يقول: هو مخرج من قولنا: إن السفيه إذا نكح بغير إذن الولي، ووطئ، يلزمه المهر، كذا قاله الرافعي.
وقد تقدم في كتاب النكاح عن صاحب "التتمة": أن الخلاف في لزوم المهر للسفيه مخرج على الخلاف في هذه المسألة، والجمع بين التقليد غير ممكن.
وفي "النهاية": أن من الأصحاب من لم يثبت هذا القول إلى الشافعي، وقال: إنه حكاه عن مذهب الغير.
أما إذا لم يأذن السيد له في النكاح أصلاً، فلا يجيء في المهر القول الأول، ويجيء القولان الآخران، ويجريان في كل وطء شبهة صدر منه، وقد صرح بذلك الإمام في كتاب اللقيط.
فرع: لو نكح العبد بغير إذن مولاه أمة بغير إذن سيدها، [ووطئ]، ففي المهر طريقتان:
منهم من جزم بتعلقه بالرقبة.
ومن من [خرجه] على القولين، ووجهه بأن المهر وإن كان حقّاً للسيد إلا أنها بسبيل في إسقاطه في الجملة؛ بدليل الردة والرضاع، فإذا [جاز] أن يسقط [بفعلها جاز أن يسقط برضاها].
قال: ويجوز أن يكون الصداق عيناً تباع، وديناً يسلم فيه، ومنفعة تكري، ويجوز حالّاً ومؤجلاً؛ لأنه عقد على منفعة معينة، فجاز بما ذكرناه؛ كالإجارة.
واعلم أن قول الشيخ: عيناً تباع، يريد به: أن تكون العين مستجمعة لشرائط البيع، وليس على إطلاقه، بل يستثنى منه جعل رقبة العبد صداقاً للمرأة، وجعل الأب والدة ابنه صداقاً لابنه؛ وجعل أحد أبوي الزوجة الصغيرة صداقاً لها؛ فإن ذلك لا يثبت صداقاً مع وجود شرائط البيع في كل واحدة من الصور المذكورة.
وقوله: وديناً يسلم فيه يريد: استجماعه لشرائط السلم، ومنطوقه على عمومه، ومفهومه: أن ما لا يجوز السلم فيه لا يجوز جعله صداقاً، يستثنى منه الأثمان؛ فإنه يجوز جعلها صداقاً، وإن قلنا: لا يجوز السلم فيها على أحد القولين.
لكن الشيخ لا يحتاج أن يستثني ذلك؛ فإنه جزم بجواز السلم فيها.
وقد حكى القاضي الحسين في كتاب الكتابة وجهاً: أنه يجوز جعل المال النادر الوجود صداقاً في الذمة؛ على أنه مضمون ضمان اليد، وكذا إذا قلنا: إنه مضمون ضمان العقد وجوزنا الاستبدال عن الثمن، أو منعناه وقلنا: عن المسلم فيه إذا انقطع لدى المحل: أنه يثبت الخيار؛ فعلى هذا تستثنى هذه الحالة من المفهوم- أيضاً- لكن إذا قلنا بأنه مضمون ضمان العقود، [فقدم يجب عليه قيمته.
وإن قلنا يجوز الاستبدال أخذ بدله إذا قلنا: إنه مضمون ضمان عقد] وإن قلنا: لا يجوز الاستبدال ثبت لها الخيار في الصبر، وفسخ الصداق.
وحكى وجهاً ثانياً: أنه لا يصح إصداق نادر الوجود في الذمة؛ بناءً على أن الصداق مضمون ضمان عقد، ولا يصح الاستبدال وأن انقطاع المسلم فيه يفسخ العقد.
وقوله: ومنفعة تكرى، يريد المنفعة التي يجوز استيفاؤها بعقد الإجارة، سواء كانت الإجارة واردة على الذمة أو العين وهو يحسن تلك المنفعة فإن كان لا يحسنها لم يحسن على الأصح.
قال الإمام: ومحل الوجهين فيما إذا كان يحسن مقدار يشتغل بتعليمه في الحال، أو كانت الإجارة مع تعلقها بالغير واردة على مدة تتسع للتعليم والتعلم، فأما إذا [لم تكن] مدة، وكان لا يحمل شيئاً البتة، فلا وجه إلا القطع بالفساد.
وفي "التتمة"- تفريعاً على وجه الجواز-: أنها إن أمهلته على أن يتعلم فذاك، وإلا فهو معسر بالصداق.
ويدخل تحت ما ذكره الشيخ إذا أصدقها تعليم غلامها، أو ولدها الذي يجب عليها تعليمه، ويخرج تعليم ولدها الذي لا يجب تعليمه.
أما المنفعة التي لا يجوز استيفاؤها بعقد الإجارة ويجوز بغيره: كمنفعة البضع، ورد الآبق من الموضع المجهول، فلا يجوز جعلها صداقاً.
وفي الآبق حكاية قول عن رواية أبي الطيب ابن سلمة وأبي حفص بن الوكيل: أنه يجوز.
وفي الذخائر: إن كان الموضع مجهولاً، لم يجز قولاً واحداً، وإن كان معلوماً، فطريقان:
منهم من خرجه على قولين:
ومنهم من قطع بالصحة.
فإن قيل: المنفعلة لا تكرى، وإنما يكرى العين؛ لأجل استيفاء المنفعة؛ لذلك قال الغزالي: وشرطه الإضافة إلى العين، يعني: في لفظ الإجارة.
فالجواب أن العراقيين [يجوزون للآجر] أن يقول: آجرتك المنفعة، وقد صرح بذلك في "الشامل" عند الكلام في أن عقد الإجارة يرد على ماذا؟ فلا اعتراض عليهم إذن.
فرع: يجوز أن يجعل النزول عن القصاص الواجب له على المرأة، أو على عبدها- صداقاً لها، ولا كذلك النزول عن الشفعة وحد القذف؛ لأن ذلك مما لا يقابل بالعوض.
ثم إن جوزنا المصالحة عن حد القذف على مال- على رأي- اتجه أن يلحق بالقصاص.
[ثم إذا طلقها الزوج قبل الدخول، وكان الصداق العفو عن القصاص، فبماذا ترجع؟ فيه قولان حكاهما الرافعي قبل كتاب الديات:
أحدهما: بنصف مهر المثل.
وأصحهما في "التهذيب": بنصف أرش الجناية].
ولا يجوز أن يجعل طلاق امرأة صداقاً لأخرى، وإن كان بذل المال يجوز في مقابلة الطلاق؛ لأن ذلك لا يجلب إليها نفعاً فلو فعل ذلك، قيل: يبطل النكاح، أو يصح ويفسد الصداق؟ فيه كلام قدمناه في نكاح الشغار.
ولو أصدقها تعليم الفاتحة، وهو متعين للتعليم، ففي صحة الصداق وجهان كنظيرهما في الإجارة، والأصح: الصحة.
ولو نكحها على أداء شهادة لها عليه، أو نكح كتابية على أن يلقنها كلمة الشهادة-[لم يجز]؛ قاله في التهذيب.
ولو نكح ذمية على أن يعلمها شيئاً من القرآن؛ جاز إذا كان معلوماً.
وقال الشيخ أبو حامد: إن كان قصدها المباهاة؛ لم يصح.
قال ابن الصباغ: وهذا ضعيف؛ لأنها قد تريد ذلك، فإذا تعلمته، انتفعت به، وكان سبباً لإسلامها.
قال: وما لا يجوز في البيع والإجارة من المحرم والمجهول- أي: وغيرهما- لا يجوز [في الصداق]؛ قياساً عليهما.
قال: وتملك المرأة المهر بالتسمية، أي: سواء كانت التسمية صحيحة، أو فاسدة.
أما إذا كانت صحيحة؛ فتملك المسمى، وأما إذا كانت فاسدة؛ فتملك مهر المثل؛ لأنه عقد يملك فيه المعوض بالعقد فملك العوض فيه بالعقد؛ كالبيع.
قال: وتملك التصرف فيه بالقبض؛ لأنه مملوك بعقد معاوضة؛ فجاز التصرف فيه بعد القبض [وإن كان بصدد السقوط؛ كالمبيع بعد القبض وقبل قبض ثمنه.
وأما التصرف فيه قبل القبض] فيبنى على أن الصداق [مضمون في يد
الزوج] ضمان عقد، أو ضمان يد؟ وفيه قولان عند الخراسانيين:
الجديد: أنه مضمون ضمان عقد؛ فعلى هذا لا يجوز التصرف فيه؛ إن كان عيناً أو منفعة، وإن كان ديناً، فقولان؛ كالثمن؛ وهذا ما حكاه الشيخ في البيع.
والقديم: أنه مضمون ضمان يد؛ كالمستعار؛ لأن النكاح لا ينفسخ بتلف الصداق، وما لا ينفسخ العقد بتلفه [في يد العاقد]، يكون مضموناً ضمان اليد؛ كما لو غصب البائع المبيع من المشتري بعد القبض؛ فعلى هذا يجوز التصرف فيه بالبيع والهبة والوقف والعتق والحوالة؛ كذا قاله الرافعي [وغيره].
قلت: وينبغي أن يفرع- أيضاً- على أن الزوجين إذا تشاحا في البداية بالتسليم، هل يجبران أو لا؟ أو الزوج.
فإن قلنا: لا يجبران، ينبغي ألا ينفذ تصرف المرأة في الصداق؛ لأنها غير قادرة على التسليم حالة التصرف وإن كانت قادرة عليه من بعد بالتمكين؛ كما في الرهن، اللهم إلا أن يقولوا: إن قول عدم الإجبار، إنما يجري إذا لم يتعلق به حق ثالث، أما إذا تعلق به حق ثالث، فيجبران، أو يكون بإذن الزوج؛ فحينئذ يكون هذا الإطلاق صحيحاً، ويحتاج إلى التقييد [ثم]، ولم أره، والقولان مبنيان على أن الصداق؛ نحلة أو عوض.
وتوجيه النحلة: الآية، وأن النكاح لا يفسد بفساده، ولا ينفسخ برده.
وتوجيه العوض: أن لها حبس نفسها؛ لتستوفيه، ويؤخذ بالشفعة؛ وهذا أصح.
قال: ويستقر بالموت- أي: قبل الدخول- من غير قتل، سواء كانت الزوجة حرة أو أمة؛ لأنه لا يبطل النكاح؛ بدليل التوارث؛ فكأنه انتهاء، وانتهاء العقد كاستيفاء المعقود عليه؛ بدليل الإجارة.
وفي التتمة حكاية خلاف في أنا هل نطلق القول بأن المهر تقرر بالموت؟ فمن قائل: لا؛ لأن المقرر إنما يحسن إطلاقه؛ إذا كان يتوقع وجود المسقط [ولا
يتأثر الموت به، وبعد الموت لا يتوقع وجود المسقط] وهو الطلاق والردة.
ومن قائل: نعم؛ إلحاقاً لإنهاء العقد باستيفاء المعقود عليه، ولمن قال به أن يقول: ليس المسقط مطلق الطلاق والردة، بل يشترط وقوع ذلك قبل الدخول، وإنه لا يتصور حصوله بعد الدخول؛ كما لا يتصور بعد الموت.
ثم ذكر أن فائدة الخلاف تظهر فيما إذا مات زوج الصغيرة، وأراد الأب أن يعفو عن صداقها إذا جوزناه، فإن قلنا: يتقرر بالموت، فقد جعلناه كالدخول؛ فلا يصح عفوه؛ كما لا يصح بعد الدخول.
وإن قلنا: إنه لا يتقرر؛ فيصح العفو.
وفي المفوضة إذا مات زوجها، إن قلنا: الموت يقرر المسمى؛ فتستحق مهر المثل، وإلا فلا.
قال الرافعي: وليس لهذا البناء مسوغ؛ لأن التقرير إنما يطلق عند سبق الواجب؛ فلا يلزم من كون الموت مقرراً وجوب المهر في صورة التفويض، وفي الأمة وجه: أنه يسقط جميع مهرها بموتها؛ بناءً على أن السيد يزوج بحكم الملك؛ حكاه المتولي.
قال: أو الدخول؛ لقوله تعالى: {وَكَيْفَ تَاخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21]، وفسر الإفضاء بالجماع.
ولأن الوطء بالشبهة يوجب المهر ابتداء، فالوطء في النكاح أولى أن يقرر المهر الواجب.
ولا فرق بين أن يكون الوطء حلالاً أو حراماً: كوطء الحائض، والمحرمة، أو في الفرج أو الدبر.
وفي الوطء في الدبر وجه: أنه لا يقرر مع الاتفاق على وجوب مهر المثل به في غير الزوجة.
ويكتفي في التقرير بوطأة واحدة وإن كان المهر في مقابلة جميع الوطآت على رأي؛ كما نقله الرافعي في النفقات.
قال: وهل يستقر بالخلوة حتى لو طلقها قبل الدخول وبعد الخلوة، لا يسقط منه شيء؟ فيه قولان:
أصحهما- وهو الجديد: أنه لا يستقر؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]، ولا مسيس.
والثاني- وهو القديم-: أنه يستقر؛ لما روي [عن] عمر وعلي- رضي الله عنهما أنهما قالا: إذا أغلق باباً، وأرخى ستراً، فلها الصداق كاملاً، وعليها العدة.
ولأنه وجد التمكين من استيفاء المنفعة؛ فاستقر به البدل؛ كما في الإجارة، فعلى هذا هل تكون الخلوة موجبة للعدة ومثبتة للرجعة؟ فيه وجهان:
المذكور منهما في التتمة والوسيط: الثبوت.
قال الإمام في كتاب العدد: كنت أود أن يحال تقرير المهر على التمكين؛ فإن التمكين من المنافع في عقود المنافع تسليم، وأما العدة فكان لا يبعد في القياس ألَّا تجب وإن تقرر المهر؛ فإن تقرير المهر مأخوذ من قياس في المعاوضات، ولا يؤخذ في العدة مثله.
وما قاله إن صح فيكون وجهاً ثالثاً فارقاً بين الرجعة والعدة، ويشترط على هذا القول ألَّا يكون ثم مانع حسي: كالرتق، أو القرن، أو الجب أو العنة؛ ولا مادي: كما إذا كان معهما ثالث، وفي المانع الشرعي: كالحيض، والإحرام، والصوم خلاف، والذي ذهب إليه المحققون- على ما حكاه الغزالي-[أنه يشترط عدمه.
والمذكور في التتمة: أنه لا يشترط عدمه]، وكذلك في تعليق البندنيجي في كتاب العدد.
وفي النهاية فيها أيضاً.
ثم قال الإمام في الموانع الطبيعية: إن الوجه عندنا: الحكم بالتقرير مع هذه الموانع؛ فإن المصير إلى [أن] النكاح لا يتصور فيه تقرير، فيه بُعْدٌ، والذي جرى نهاية الأمر، ولو فصل فاصل بين الجب والرتق صائراً إلى أن تمكين المجبوب [يرد] العجز إليه، وهي في نفسها فعلت ما هو ممكن على أقصى الإمكان، والرتقاء عاجزة عن التمكين، فقد جاء العجز من جهتها عن الوفاء بالتمكين.
ويعترض على ذلك بأنها تستحق النفقة وإن لم يكن الوقاع ممكناً، والمرضية التي لا يرجى زوال مرضها قد لا تستحق النفقة؛ هذا آخر كلامه.
وقال بعض الأصحاب: الخلوة لا تقرر المهر قولاً واحداً، وإنما الخلاف في ترجيح جانبها حتى يكون القول قولها في دعوى الإصابة.
فرع: إذا قلنا: الخلوة لا تقرر المهر، أو كان هناك مانع، ففي الوطء فيما دون الفرج وجهان؛ بناءً على القولين في أنه هل يثبت حرمة المصاهرة؟
ولو استدخلت ماءه، مل يتقرر به المهر على الصحيح.
وفيه وجه حكيناه في باب ما يحرم من النكاح: إنه يقرر.
قال: ولها أن تمتنع من تسليم نفسها حتى تقبض، أي: إذا كان الصداق حالّاً [في العقد] أو عيناً، وسواء كان التأخير بعذر أو بغير عذر؛ دفعاً لضرر فوات البضع.
أما إذا حل قبل الدخول، قال الشيخ أبو حامد: ليس لها الامتناع.
[و] قال القاضي أبو الطيب: هذا غلط.
وقد ذكر المزني في المنثور: أنه لو باع سلعة بثمن مؤجل، ولم يقبض السلعة حتى حل الأجل، كان للبائع الامتناع من تسليم السلعة حتى يقبض الثمن.
ولو كان بعضه حالّاً، وبعضه مؤجلاً، فلها الامتناع حتى تقبض الحال منه.
فرع: إذا كانت المرأة صغيرة، أو مجنونة، فلوليها حبسها حتى تقبض الصداق، ولو رأى المصلحة في التسليم، فله التسليم.
قال: فإن تشاحا، فقالت المرأة: لا أسلم نفسي حتى أقبض الصداق، وقال: لا أسلم حتى تسلمي نفسك- أجبر الزوج على تسليمه إلى عدل، وأجبرت المرأة على التسليم، فإذا دخل بها، سلم المهر إليها؛ لأن كل واحد منهما قد استحق التسليم، فأجبر كل واحد منهما على إيفاء صاحبه [حقه]؛ وهذا نصه ها هنا.
قال الإمام: ولو سلمت نفسها، فلم يأتها، فالذي أراه [أن] على العدل تسليم الصداق إليها، فلو سلم إليها، فَهَمَّ الزوج بالوطء، فامتنعت، فالوجه استرداد الصداق منها.
قال: فإن لم يسلم، لزمه نفقتها؛ لأنها ممتنعة بحق.
قال: وفيه قول آخر: أنه لا يجبر واحد منهما، بل أيهما بدأ بالتسليم أجبر الآخر عليه؛ لأن كل واحد منهما قد وجب عليه حق بإزاء حق له؛ فلم يجبر على إيفاء ما عليه دون ما له.
قال: وإن تمانعا، مل تجب نفقتها عليه؛ لأنها ممتنعة بغير حق.
واعلم أن عدم وجوب النفقة مرتب على منعها فقط، فتقييده بما يعمها لا وجه له.
وفيه وجه ثالث: أنه [لا يجبر] الزوج.
ولا يجيء القول الرابع في البيع هنا، وهو إجبار الزوجة؛ [على] وزان إجبار البائع- وإن كانت بائعة للبضع- لأن منفعة البضع تفوت بالتسليم، ولا يمكن استدراكها، والمال يمكن استرداده.
وعن ابن الوكيل، وابن سلمة، والقاضي أبي حامد، وغيرهم: الاقتصار على
القولين [الأولين]؛ كما ذكره الشيخ، وإنكار قول البداية.
قلت: وهذا صحيح، لا يتجه خلافه؛ إذا كان الصداق عيناً، وقلنا: إنه مضمون في يد الزوج ضمان عقد؛ [كما قلنا في البيع إذا كان الثمن عيناً، أما إذا كان ديناً، أو قلنا: إنه مضمون ضمان يد]، اتجه جريان القول الثالث، وهو إجبار الزوج: أما في الدين؛ فلأن حقه متعين، وحق المرأة لا يتعين إلا بالقبض؛ كما قلنا: يجبر المشتري إذا كان الثمن في الذمة على قول؛ نظراً لهذه العلة.
وأما إذا قلنا: إنه [مضمون ضمان يد، فكما إذا بان بطلان البيع بعد قبض المبيع والثمن، فإن المبيع] مضمون في يد المشتري بحكم اليد، ويجبر على تسليمه وإن لم يقبض الثمن على الأصح، وذلك مذكور في البيع، والله أعلم.
وحيث قلنا: يجبر الزوج، فذاك إذا كنت مهيأة للاستمتاع، فلو كانت محبوسة، أو ممنوعة بعذر آخر، لم يجبر، وإن كانت صغيرة، فقولان.
وكذا لو سلمت الصغيرة إلى الزوج، فهل عليه [تسليم] المهر؟ فيه قولان؛ كما في النفقة.
وقيل: لا يجب تسليم الصداق قولاً واحداً؛ لأن النفقة تجب لكونها محبوسة له، ممكنة له بحسب الإمكان، وقد تحقق هذا المعنى، والمهر عوض الاستمتاع، وهو متعذر.
وقيل: يجب تسليم الصداق قولاً واحداً؛ لأنه يجب في مقابلة البضع، وقد ملكه بالعقد، والنفقة [في] مقابلة التمكين من الاستمتاع، والتمكين يستدعي إمكان الاستمتاع، وهو متعذر.
والأمة إذا سلمت ليلاً ونهاراً، وجب تسليم مهرها، [وإن سلمت ليلاً، ولم تسلم نهاراً]، فعن الشيخ أبي حامد: أنه لا يجب تسليمه؛ كالنفقة.
وذكر القاضي أبو الطيب: أنه يجب.
قال ابن الصباغ: وهذا أصح؛ لأن التسليم الذي يتمكن معه من الوطء قد
حصل، وليس كالنفقة، فإنها لا تجب بتسليم واحد.
واعلم أن هذه المسألة فيها بحثان:
أحدهما: أن القول الأول عبر عنه الأصحاب بأنهما يجبران، وصوروا الإجبار بما ذكره الشيخ، وفي ذلك نظر؛ لأن العدل إما أن يكون نائباً عن المرأة في القبض شرعاً، أو لا يكون، فإن كان نائباً عنها شرعاً- كما قاله الجيلي- فقد رجع حقيقة هذا القول إلى أن الزوج يجبر أولاً، فإذا أسلم أجبرت ثانياً، وهذا حقيقة القول الثالث؛ [إذ لا] فرق بين التسليم إلى المرأة أو [إلى] نائبها.
وإن لم يكن نائباً عنها، فقد أجبرت المرأة على التسليم أولاً، وهو وزان القول الرابع في البيع الذي لم يجر هنا.
الثاني: أن قول الشيخ: ولها أن تمتنع من تسليم نفسها حتى تقبض يوافقه القول الثالث، وهو البداية بالزوج، ويخالفه القولان الآخران:
أما وجه المخالفة على قول إجبارها، فظاهر.
وأما على قول عدم الإجبار: أن مقتضى الكلام الأول: أن امتناعها يكون بحق؛ فتستحق النفقة؛ لأن الامتناع بالحق لا يسقطها؛ كما تقدم على قول [إجبارها] ومقتضى الكلام الثاني- على ما صرح به الشيخ وغيره- أنها لا تستحق ما لم [تسلم نفسها]؛ وهذا يدل على أن الامتناع بغير حق؛ فالجمع بين الكلامين متعذر، وكلام الرافعي- رضي الله عنه موافق لكلام الشيخ أولاً وآخراً.
ويمكن أن يجاب عن الأول بأن نقول: هو نائب عنها- كما صرح به الجيلي- إذ هو مقتضى ما قاله الأصحاب فيما إذا أخذ السلطان الدين من الممتنع، فإن المأخوذ يملكه الغريم بمجرد الأخذ، وتبرأ ذمة المأخوذ منه، وقد صرح بذلك [الرافعي] في [أواخر] كتاب الطلاق؛ نقلاً عن كتب العراقيين.
ووجه الإلحاق أن العدل إنما يسلم إليه بإذن السلطان، فهو نائب عنه في
ذلك، والنائب كالمستنيب في هذا المعنى، وإذا كان نائباً عنها فهو ممنوع من التسليم إليها، وهي ممنوعة من التصرف فيه قبل التمكن، فكان ذلك فائدة الإجبار، بخلاف القول الثالث؛ فإنا إذا أجبرنا الزوج، أطلقنا تصرفها فيما تقبضه بمجرد القبض، والله أعلم.
قال: فإن تبرعت، وسلمت نفسها حتى وطئها، سقط حقها من الامتناع؛ لأنه تسليم استقر به المسمى، فأسقط حق المنع؛ كالبائع إذا سلم المبيع قبل قبض الثمن.
وحكى أبو حامد وجهاً: أن لها العود على الامتناع.
قلت: ويمكن بناء الخلاف على أن المهر في مقابلة أول وطأة، أو في مقابلة جميع الوطآت؟ كما بنى الأصحاب جواز الفسخ بالإعسار بالمهر بعد الدخول عليه.
فإن قلنا: إنه في مقابلة أول وطأة واحدة- وهو الصحيح-[لم يكن] لها الامتناع.
[وإن قلنا: إنه في مقابلة جميع الوطآت فلها الامتناع]؛ لأنه لم يستوف بقية المعقود عليه؛ فأشبه ما إذا سلم بعض المبيع، فإنه لا يسقط حق الحبس في الباقي.
ولو تبرعت، وسلمت نفسها، ولم يطأها، فلها طلب المهر على الأقوال كلها، ولها العود إلى الامتناع، وحبس النفس؛ [لاستيفاء الصداق].
ولو وطئها مكرهة، فهل يبقى لها حق الامتناع؟ فيه وجهان:
أصحهما: نعم؛ كما لو غصب المشتري المبيع قبل تسليم الثمن؛ فإنه يجوز للبائع رده إلى حبسه.
ويجري الوجهان فيما لو سلم الولي الصبية، أو المجنونة قبل قبض الصداق، فبلغت، أو أفاقت، ولم تقبض بعد، هل لها حبس نفسها؟ هكذا حكاه الرافعي،
ومقتضاه: أن الصحيح أن لها ذلك؛ وهذا الإطلاق فيه نظر، بل ينبغي أن ينظر: إما أن يكون الولي سلمها لمصلحة اقتضاها نظره، أو لا:
فإن كان الثاني، فالحكم [كما ذكره].
وإن كان الأول، فينبغي أن يكون الصحيح: أنه ليس لها ذلك؛ كما لو ترك الولي طلب الشفعة؛ لمصلحة اقتضاها نظره، ثم بلغ المولى عليه؛ فإنه لا يثبت له الأخذ بها على الأصح.
ولو بادر الزوج، وسلم الصداق، فعليها التمكين، وتسليم النفس بشرطه؛ كما تقدم في كتاب النكاح، فإن امتنعت من غير عذر، فهل له الاسترداد؟ ينبني ذلك على أن الزوج هل يجبر أم لا؟ إن قلنا: نعم، فله الاسترداد، وإن قلنا: لا، فوجهان:
اظهرهما: أنه لا يسترد.
وعن القاضي: إن كانت المرأة معذورة حين سلم، فزال العذر، وامتنعت- يسترد.
فرع: لو سلم مهر الصغيرة التي لا تصلح للجماع: إما عالماً، أو جاهلاً، وقلنا بالصحيح، وهو أنه لا يجب تسليم مهرها، هل له الاسترداد؟ فيه وجهان في "التهذيب".
قال: وإن هلك الصداق قبل القبض، أو خرج مستحقّاً، أو كان عبداً فخرج حرّاً، أو وجدت به عيباً- أي: مقارناً أو حادثاً- فردته، رجعت إلى مهر المثل في أصح القولين؛ لأن تلف العوض قبل القبض، ورده بالعيب، وخروجه مستحقّاً يقتضي رد المعوض، فإذا تعذر، وجب رد بدله؛ كما لو باع عبداً بثوب، وتلف الثوب بعد قبضه، فإنه يرجع عليه بقيمة الثوب.
قال: وإلى قيمة العين- أي: إن كانت من ذوات القيم- في القول الآخر، وهو القديم، وادعى ابن الصباغ أنه الصحيح فيما إذا هلك؛ [لأن هلاك] العوض إذا لم يوجب فسخ العقد يوجب الرجوع إلى القيمة؛ كالبائع إذا غصب
المبيع من يد المشتري بعد التسليم، وتلف في يده.
ولأنهما إذا ذكرا عوضاً كان مقصدهما ذلك العوض دون قيمة البضع، ولذلك المذكور خصوص: وهو عينه، وعموم: وهو ماليته، فإذا لم يمكن اعتبار عينه يعتبر الذكر في المالية؛ فلا يلغي التقدير، وإن لغا التعيين.
والقولان مبنيان على أن الصداق مضمون [في يد الزوج] ضمان عقد أو ضمان يد؟ وفيه قولان تقدما بتوجيههما:
فإن قلنا: ضمان عقد، كان الرجوع إلى مهر المثل، وإن قلنا: ضمان يد، فالرجوع إلى القيمة أو المثل، وأي قيمة تعتبر عند الهلاك؟ فيه قولان:
أصحهما: أقصى القيم من يوم الإصداق إلى يوم التلف.
والثاني: قيمة يوم التلف.
وفي التتمة وجه: أن المعتبر قيمة يوم الإصداق.
وروي وجه آخر: أن الواجب أقل القيم من يوم الإصداق إلى يوم التلف.
فرع: لو أصدقها تعليم سورة، فتعلمتها من غيره، أو لم تتعلمها؛ لسوء فهمها- فالحكم كما لو تلف الصداق.
واعلم أن قول الشيخ: فردته دال على أن لها الخيار في الرد والإمساك، وذلك ظاهر على قول ضمان العقد، وأما على قول ضمان اليد، فيتجه ألا يثبت لها الخيار، بل ترجع بالأرش كما لو تعيب المستعار في يد المستعير، وقد ذهب إلى ذلك أبو حفص بن الوكيل في العيب الحادث.
قال الإمام: وهذا وإن كان متجهاً في القياس، فهو بعيد في الحكاية، وإن صح هذا مذهباً، فهو في العيب المتجدد في يد الزوج، فأما إذا فرض إطلاع على عيب قديم، فتغريم الزوج أرش العيب بعيد، وإلزام المرأة الرضا بالظلامة بعيد أيضاً، ولا اعتداد على الجملة كما ذكره.
ولو ذكرا خمراً، أو خنزيراً، أو ميتة، فطريقان:
أحدهما: القطع بوجوب مهر المثل، وهو ما حكاه في الشامل.
والثاني: أنه على القولين في الحر، واختلف الأصحاب في محل القولين في الحر:
فعن الشيخ أبي حامد، والصيدلاني، والقاضي الحسين: أن محلهما ما إذا قال: أصدقتك هذا العبد إما على ظن أنه عبد، وإما مع العلم بأنه حر، أما إذا قال: أصدقتك [هذا] الحر، فالعبارة فاسدة، ويجب مهر المثل قولاً واحداً؛ وعلى هذا جرى صاحب التهذيب، والشيخ في آخر الباب؛ حيث قال: وإن تزوجها على مهر فاسد، فإنه جزم بوجوب مهر المثل، وإن حكى الخلاف هنا.
وفي التتمة طريقة أخرى: أنه لا فرق بين اللفظين في جريان القولين ويتجه جريان هذا الخلاف فيما لو خرج مستحقّاً.
وإذا قلنا بالرجوع [لها ببدل] العين، فالحر يقدر عبداً وتجب قيمته، والخمر عصيراً، ويجب مثله.
قال الرافعي: وقد حكي فيما إذا أسلم الزوجان، وقد جرى القبض في بعض المهر الفاسد- وجهاً: أنه يقدر الخمر خلاًّ، والوجه: التسوية.
وذكرنا وجهاً: أنه تعتبر قيمة الخمر عند من يرى لها قيمة، ولا يبعد مجيئه هنا.
وأما الخنزير، فيقدر شاة؛ قاله الغزالي.
والمذكور في نكاح المشركات: أنه يقدر بقرة، وهو الذي أورده الإمام، وصاحب التهذيب.
وفي الميتة تقدر مذكاة، ثم الواجب فيها وفي الخنزير القيمة.
فروع:
أحدها: إذا تلف الصداق، فإن كان أتلفته الزوجة، فهو كما لو قبضته على الأصح.
وفيه وجه: أنه يجب عليها قيمته، وترجع عليه بمهر المثل، وهذا الوجه إنما يتجه على قول ضمان العقد، أما [على] قول ضمان اليد، فلا.
وإن كان المتلف أجنبيّاً، فإن قلنا: إتلاف الأجنبي المبيع قبل القبض كتلفه بنفسه، فالحكم كما تقدم.
وإن قلنا بوجوب الخيار للمشتري- وهو الأصح- فللمرأة الخيار في
الصداق، سواء قلنا: هو مضمون ضمان عقد، أو يد، فإن فسخت [فماذا ترجع] به على الزوج؟ فيه القولان.
وإن لم يفسخ، أخذت من المتلف البدل، ولها أن تطالب به الزوج؛ إن قلنا بضمان اليد، وإلا فلا.
قال الرافعي: وكان يجوز أن يقال: لا يثبت الخيار على قول ضمان اليد، وليس لها [إلا طلب] البدل؛ كما إذا أتلف أجنبي المستعار في يد المستعير.
وإن كان المتلف الزوج، فذلك ينبني على أن إتلاف البائع كالآفة السماوية، أو كإتلاف الأجنبي، وقد تبين حكم الصداق على التقديرين.
فإذا ثبت الخيار، وقلنا بضمان اليد، وان الزوج يضمن ضمان الغصوب؛ فلا فائدة للفسخ، وكذلك إن قلنا: يضمن يوم الإصداق، وجعلنا إتلافه كالآفة السماوية.
وإن جعلناه كالأجنبي؛ فإن كانت قيمته يوم الإصداق أكثر؛ فلها في الفسخ فائدة، وإن كانت أقل فلا.
وإذا طالبت المرأة بالصداق، وامتنع الزوج متعدياً، ثم تلف في يده؛ فهذا التلف نازل منزلة إتلاف البائع؛ فيجيء فيه الخلاف.
[الفرع] الثاني: إذا أجازت عند إطلاعها على عيب في الصداق، إن قلنا: يضمن ضمان العقود، فلا أرش لها، وإن قلنا: ضمان يد، فلها أرش النقصان في الحادث، وفي المقارن تردد القاضي الحسين من حيث إن يد الزوج لم تشتمل يوم الإصداق إلا على معيب، والظاهر: أن لها الأرش.
[الفرع] الثالث: إذا انتفع الزوج بالصداق في الخدمة وغيرها قبل القبض؛ فعليه الأجرة على قول ضمان اليد، وإلا فوجهان؛ كالبائع إذا انتفع بالمبيع قبل القبض.
والزوائد الحاصلة في يد الزوج قبل القبض والتلف أو الرد؛ إن قلنا بضمان اليد فلها، وإن قلنا بضمان العقود فكما في البيع.
قال: وإن وردت فرقة من جهتها قبل الدخول؛ بأن أسلمت أو ارتدت، سقط مهرها؛ وكذا لو أرضعت من ينفسخ النكاح برضاعه؛ لأنها أتلفت العوض قبل التسليم؛ فسقط بدله؛ كالبائع إذا أتلف المبيع قبل القبض.
وعن الشافعي في سنن الواقدي ما يشعر بوجوب نصف المهر إذا أسلمت، وأقامه بعض الأصحاب قولاً، ووجهه بأنها محسنة بالإسلام؛ فكان من حقه أن يوافقها، فإذا امتنع، انتسب الفراق إلى تخلفه؛ كذا ذكره الرافعي في نكاح المشركات، وقد حكيناه ثم.
ولو زوج الكتابي ابنته الصغيرة من كتابي، ثم أسلم أحد أبويها قبل الدخول، صارت مسلمة، ووقعت الفرقة.
[و] هل يسقط المهر؟ قال ابن الحداد: يسقط، وخالفه بعض الأصحاب، وقال: يجب [لها] نصف المهر؛ لأنه لم يكن من جهتها صنع فهو كما لو أرضعت، حكاه العمراني في الزوائد، والإمام في الفروع المذكورة قبل كتاب الصداق.
فرع: فسخ النكاح بسبب إعسار الزوج بالصداق [هل يشطر الصداق؟
قال في الجيلي في كتاب النفقات]: إن قلنا: إنه فسخ، سقط جميعه.
وقال في التتمة في ضمن فرع، وهو إذا كانت الزوجة صغيرة، فأعسر زوجها بصداقها لا يفسخ الولي؛ لأنه إنْ كان قبل الدخول يُشطر المهر، [وإن كان بعده- فهو باق في ذمته، فلا فائدة في الفسخ؛ وهذا يشعر بأن الفسخ بالإعسار يشطر المهر؛] فإن فسخ الولي ينزل منزلة [فسخ] المولى عليه؛ بدليل ما تقدم.
ويمكن أن يقال في هذه الصورة: يتشطر؛ إذ لا منع من جهتها؛ بخلاف ما إذا فسخت هي، ويمكن أن يكون بناءً على أنه طلاق.
قال: وإن قتلت نفسها، فقد قيل: فيها قولان، أي: بالنقل والتخريج؛ لأن الشافعي- رضي الله عنه نص على أن السيد إذا قتل الأمة، أو قتلت نفسها: أنه يسقط المهر، وعلى أن الحرة إذا قتلت نفسها، لا يسقط؛ فقيل قولان بالنقل والتخريج:
أحدهما: أنه يسقط مهرها؛ لحصول الفرقة من جهتها؛ كما لو ارتدت.
والثاني: لا يسقط، وهو الأصح؛ لأنها فرقة حصلت بانتهاء النكاح؛ فأشبهت الموت.
قال: وقيل: إن كانت حرة، لم يسقط، وإن كانت أمة، سقط؛ لأن الحرة كالمسلمة إلى الزوج بالعقد؛ ولهذا يملك منعها مِن السفر، بخلاف الأمة؛ فإن للسيد أن يسافر بها.
ولأن المقصود الأصلي من نكاح الأمة الاستمتاع؛ ولهذا لا يجوز إلا عند الحاجة، وفي نكاح الحرة الوصلةُ وتناسل العشائر؛ ولهذا يجوز عقده على من لا يمكن وطؤها من الرتقاء والقرناء.
وأيضاً: فإن الحرة إذا قتلت نفسها، غنم زوجها ميراثها؛ فجاز أن يغرم
مهرها، وفي الأمة لا ميراث له، والطريق الأول أصح؛ لضعف الفروق؛ قال أبو إسحاق لا يتبين الفرق بينهما، ويجب أن يسقط مهر الحرة والأمة جميعاً بالقتل؛ هذه طريقة العراق.
والخراسانيون حكوا الطريقين فيما إذا قتل السيد الأمة، والحرةُ نفسَها، والأصح عندهم: الثاني، وهو تقرير النصين.
وأما إذا قتلت الأمة نفسها، فهو مبني على أن علة السقوط فيما إذا قتلها السيد ماذا؟
فمِنْ قائلٍ: العلة: أن المقصود بالعقد الوارد على المال، قد فات قبل التسليم؛ فأشبه فوات المبيع قبل القبض.
قال الرافعي: وهذا أظهر؛ إن قلنا: السيد يزوج بحكم الملك؛ وعلى هذا التعليل يسقط أيضاً.
ومِنْ قائلٍ: إن المستحق هو الذي فوت المقصود عليه، فكان تفويته رضاً منه بالسقوط؛ فعلى هذا لا يسقط؛ وهذا هو الأظهر.
ويخرج على العلتين موتها قبل الدخول، وقتل الأجنبي.
ولو قتل الزوج زوجته الأمة، فالحكم ببقاء المهر أظهر وفيه وجه: أنه يسقط أيضاً.
وقيل: الزوج لا يتضمن القبض؛ كالمستأجر إذا قتل العبد المستأجر.
فرعان:
[أحدهما:] قال في التهذيب: إذا قلنا: إن السيد إذا قتل أمته، سقط المهر، فلو تزوج رجل أمة أبيه، فوطئها الأب قبل أن يدخل بها الابن، وجب أن يسقط المهر.
الثاني: إذا قلنا باستقرار المهر بقتل الأجنبي، هل يرجع به الزوج عليه؟ حكى الحناطي أن عبد الجبار المصري حكى في شرح المزني: أنه يرجع عليه؛ كالرضاع. قال: وهو بعيد، لم يذكره غيره.
قال: وإن وردت الفرقة من جهته بأن أسلم، أو ارتد، أو طلق؛ وجب نصف المهر: أما في الطلاق فللآية، ولأنا لو أسقطنا صداقها احتجنا إلى أن نوجب لها المتعة- فكان إبقاء بعض ما وجب أقرب من إسقاط الجميع، وإيجاب مال آخر.
وأيضاً: فإن المرأة كالمسلمة إلى الزوج بنفس العقد؛ لأن التصرفات التي يملكها الزوج تنتقل من وقت النكاح، وطلاقه ليس فسخاً للنكاح، فنظر الشرع إلى تصرفه والقدرة عليه، ثم إلى عود البضع إليها قبل استيفاء المعقود عليه منه، فانقسم النظر إلى شعبتين؛ فأوجب تشطر المهر.
وأما في الباقي؛ فبالقياس عليه.
وكذا الحكم فيما لو فوض إليها الطلاق، فطلقت نفسها، أو علق طلاقها على [دخول دار]، فدخلت، أو طلقها بعد انقضاء مدة الإيلاء بطلبها.
ولو حكم بإسلامه تبعاً [لأحد] أبويه، فهل يتشطر المهر، أم يسقط؟ فيه وجهان في النهاية عن الشيخ أبي علي، والأولى التشطر؛ حكاه في الفروع المذكورة قبل كتاب الصداق.
ولو ارتدا معاً، ففيه- أيضاً- وجهان.
والخلع مع الزوجة حكمه حكم الطلاق في التشطر؛ لأنه وإن كان تم بالزوجة، فالمغلب فيه جانب الزوج؛ لأن المقصود منه الأصلي الفراق، وهو مستقل به؛ [ولذلك يتمكن] من الخلع مع الأجنبي.
وقال الجيلي في كتاب الخلع: إذا خالع قبل الدخول على غير المهر، إن كان مع غيرها؛ لم يسقط الجميع، بل يتشطر، وإن كان معها، فقولان؛ بناءً على أن المغلب جانبها؛ حتى يسقط الكل، أو جانبه؛ حتى يتشطر.
وفي النهاية عند الكلام في المتعة: أنا إذا جعلنا الخلع فسخاً، فمن أصحابنا
من يتمارى في التشطر.
وفرقة اللعان هل تشطر الصداق؟ فيها خلاف ذكره [في] الوسيط في كتاب النفقات.
وكل فرقة حصلت قبل الدخول [بلا سبب] من جهة المرأة تشطر المهر.
واعلم أن القول بأن إسلامه يشطر المهر مفرع على القول بصحة أنكحة الكفار.
قال: وإن اشترت زوجها- أي: بغير الصداق- وهي حرة، فقد قيل: يسقط النصف- أي: الذي يسلم لها لو كانت الفرقة من جهة الزوج- لأن الفرقة حصلت بالزوجة والسيد، ولا اختيار للزوج فيها.
ولأن الزوجة هي المتملكة، والملك هو الذي ينافي الزوجية ويقطعها؛ فصار كما لو ارتدت؛ وهذا هو الأصح، ولم يحك في التتمة سواه.
قال: وقيل: لا يسقط لأن الانفساخ حصل بالعقد الجاري بين البائع والزوجة، والبائع قائم مقام الزوج من حيث إنه سيده، والفراق إذا حصل بصنع الزوجين، غلب جانب الزوج؛ كالخلع.
واعلم أن بعض الشارحين أضاف لقول الشيخ: وقيل: لا يسقط: أي: النصف، بل [يسقط] الكل، واعتقد بأن الشيخ أراد بالقول الأول سقوط نصف الصداق، وبقاء النصف لها، وليس كذلك؛ فإن الفرقة الحاصلة قبل الدخول تسقط نصف الصداق قولاً واحداً بأي جهة كان الفراق، إلا ما ذكرته في العنة؛ فلا يحتاج إلى دليل عليه، وإنما الكلام في النصف الآخر، هل يسقط؟ ومثار الخلاف: أن الفرقة الحاصلة بالبيع- والصورة هذه- تحال على جانبه أو جانبها؟ ثم على الوجه الثاني: إذا كان الصداق ديناً، ولم تقبضه، فقد ملكت عبداً [لها] في ذمته دين وفيه وجهان:
أحدهما: يسقط؛ كمالا يثبت لها عليه دين ابتداء.
وأصحهما: أنه يبقى كما كان.
أما إذا اشترته بعين الصداق؛ بأن يكون السيد قد ضمنه في ذمته، أو قلنا بالقول القديم، أو دفع إليه السيد عيناً؛ ليصدقها لزوجته، فأصدقها إياها، ثم اشترته بها، فإن قلنا: يسقط الجميع، لم يصح البيع، ويستمر النكاح؛ لأنه لو صح لملكته، وانفسخ النكاح، وإذا انفسخ سقط المهر، وعرى البيع عن العوض، وإذا عرى البيع عن العوض- بطل، فتصحيحه يجر إلى بطلانه.
وقال الشيخ أبو عليك عندي أنه يصح [البيع] ويبطل النكاح؛ لأن البيع وفسخ النكاح لا يقعان معاً، بل يقع الفسخ بعد البيع وحصول الملك؛ حتى لا يحكم بانفساخ النكاح ما داما في المجلس إن قلنا: إن الخيار يمنع حصول الملك، وإذا كان الانفساخ عقيب الملك؛ فيكون ملكها عين الصداق زائلاً مع حصول ملكها للرقبة، فلا يبطل بالانفساخ، بل أثر الانفساخ الرجوع إلى بدل الصداق؛ وهذا الذي ذكره الشيخ أقامه صاحب التتمة وجهاً.
وإن فرعنا على التشطير، وكان ديناً؛ فينبني على أن من ملك عبداً وله عليه دين، هل يسقط؟ فإن قلنا: يسقط، لم يصح البيع أيضاً؛ لما قررناه.
وإن قلنا: لا يسقط، بطل البيع في النصف وفي الباقي [قولاً] تفريق الصفقة؛ كذا قاله الغزالي.
والذي أجاب به الشيخ أبو حامد، وهو الأظهر: أنه يصح البيع؛ لأنا إذا حكمنا بانتقال الملك في رقبة العبد إلى الزوجة، لزمن منه الحكم ببراءة ذمة العبد عن الصداق حالة الحكم بانتقال الملك إليها، وإذا كان كذلك، فما ملكت عبداً لها عليه دين؛ فيتجه صحة البيع قطعاً.
ويؤيد ذلك أن العبد الجاني إذا اشتراه المجني عليه بالأرش؛ فإنه يصح الشراء، وقد صرح بذلك الغزالي في كتاب الجنايات، وكان مقتضى ما ذكره هنا
من البيان: ألا يصح، والله أعلم.
والأمة إذا اشترت زوجها بإذن سيدها، أو كانت مأذوناً لها في التجارة، فيصح البيع، ويتم النكاح؛ لأن الملك للسيد.
قال: وإن اشترى زوجته سقط كله؛ لأن السيد هو المختار للفرقة؛ حيث عين الزوج للبيع منه [مع] إمكان جواز البيع من غيره، وهو كما غلبنا جانب الزوج في المخالعة. لإمكانها مع غير الزوجة.
وقيل: يسقط النصف، وهو المنصوص؛ على ما حكاه أبو الفرج السرخسي، والمذهب في النهاية على ما حكاه في المتعة؛ لأن الفرقة إنما تحصل بالملك، وحصول الملك يعتمد قبوله، ويخالف الخلع؛ فإن الخلع مع غيرها يوجب الفرقة، وهنا البيع من غير الزوج لا يوجب الفرقة.
وعلل في المهذب هذا الوجه في كتاب المتعة بأنه لا مزية لأحدهما على الآخر في العقد؛ فسقط حكمهما، وصار كما لو حصلت الفرقة من جهة أجنبي.
قال: وقيل: إن استدعى الزوج بيعها، وجب النصف، وإن استدعى السيد لم يجب؛ لأنهما استويا في أن الموجود من كل واحد [منهما] شق العقد؛ فرجح بالاستدعاء، وإنما لم يجيء هذا القول في المسألة الأولى؛ لأن الزوج لا صنع له، ولا فعل من جهته حتى نقول: عارض فعله فعلها؛ حتى رجح بالاستدعاء، وهنا الزوج ومن يستحق الصداق صدر منهما العقد، ولا مزية لأحدهما على الآخر؛ فرجح بما ذكرناه.
فرع: لو وَرِثَ زوجته، أو ورثت زوجها، قبل الدخول، فهل ينشطر الصداق، أو يسقط جميعه؟ مذهب ابن الحداد: السقوط؛ لأنه لا صنع منه، [وهو ما أورده الإمام في كتاب الإجارة في ضمن فصل، أوله: لا تنفسخ الإجارة بموت أحدهما]، والأصح خلافه؛ إذ لا صنع منها أيضاً، وهذا يكفي لبقاء
التشطير كما لو أرضعت، وانفسخ النكاح به.
ومن الأصحاب من رأي السقوط فيما إذا ورثت زوجها أولى؛ لأن سببه منها؛ قاله في الذخائر في نكاح الأمة.
قال: ومتى ثبت له الرجوع بالنصف، فإن كان باقياً على جهته، رجع في نصفه؛ للآية، وهل يفتقر إلى اختيار التمليك، أو يرجع إليه بنفس الطلاق؟ فيه وجهان:
أصحهما: الثاني، ويروي أنه المنصوص.
والأول اختيار أبي إسحاق وفي بعض الشروح نسبته إلى ابن سريج.
ولو كان الصداق ديناً، سقط نصفه من ذمة الزوج بالطلاق على الأصح، وعند الاختيار على الوجه الثاني.
فإن كانت قبضته، فهل يتعين حقه في المقبوض، أو لها أن تؤدي حقه من موضع آخر؟ فيه وجهان، أقربهما: الأول.
ولا يشترط لرجوع النصف قضاء القاضي بأنه له على ظاهر المذهب.
وحكي قول على القديم: أنه يشترط.
ومنهم من حكى الاشتراط وجهاً، وامتنع المعظم من إثباته قولاً أو وجهاً.
فرع: على قولنا: لا يعود الشطر إلا باختيار التملك، لو طلقها على أن يسلم لها كل الصداق، فيسلم لها جميعه.
ولو طلق، ثم قال: أسقطت خياري، أشار الغزالي فيه إلى احتمالين:
أرجحهما: أنه لا يسقط؛ كما لو أسقط الواهب خيار الرجوع.
ثم قال الرافعي: ويجوز أن يسوي بين هذه الصورة والتي قبلها.
ولو حصلت زيادة منفصلة، فهي للمرأة، وإن كانت متصلة، فهل يمنع الزوج إلا برضا المرأة؛ كالزيادة الحادثة قبل الطلاق؟ فيه وجهان:
أشبههما أن له أن يرجع [من غير] رضاها؛ لأنها حصلت بعد تعلق الحق، فصار ككبر الأشجار في الشقص المشفوع بعد البيع، وقبل علم الشفيع.
وهل تملك المرأة التصرف فيه قبل الاختيار؟ فيه وجهان:
قال الإمام: القياس أنها تملكه؛ كما قبل الطلاق.
فرع: وإذا قلنا: تملكه بنفس الطلاق، فهل هو في يدها مضمون أو أمانة؟ مذهب العراقيين: الأول.
وقال المراوزة: إنه أمانة، وتظهر فائدة الخلاف في أن الواجب عليها التسليم أو التمكين؟ وفيما إذا تلف قبل الطلب من غير تعدٍّ تعيب.
ولو اختلفا على قول الضمان، هل حصل العيب بعد الطلاق أو قبله، فمن المصدق؟ فيه وجهان في التتمة.
قال: وإن كان فائتاً- أي: إما بتلفه، أو لخروجه عن ملكه- أو مستحقّاً بدين- أي: مرهوناً به- أو أفلست، وحجر عليها قبل الطلاق أو بشفعة، رجع [إلى] نصف قيمته أقل ما كانت من يوم العقد إلى يوم القبض، أي: إذا كان من ذوات القيم، وإلا فالمثل؛ لأنها إن كانت يوم العقد أقل، فالزيادة حصلت في ملكها؛ فلم يرجع في نصفها، وإن كانت يوم [العقد] أكثر، ثم نقصت، كان النقصان في يده؛ فلا يرجع به.
وفيه وجه: أنه يقدم الزوج عند مزاحمة الشفيع إياه، فلو أخذ الزوج الشطر، ثم جاء الشفيع طالباً، فهل يستقر أخذه؟ فيه وجهان على قولنا: إن الشفيع يقدم عند التزاحم.
وفي [تقديم] الزوج بالشطر على الغرماء عند الفلس [وجه] محكي في النهاية [عند الكلام] فيما إذا كان الصداق زائداً.
ولو طلقها وقد كاتبت [عبد] الصداق، ففي التهذيب وغيره: أنه لا يرجع فيه.
ويتجه أن يكون في رجوعه قولان؛ كما في رجوع الأب فيه إذا كاتبه الابن الموهوب له، وهما في الهبة مبنيان على جواز بيعه، وإذا جوزنا الرجوع، فالكتابة لا تبطل على الأصح؛ كما في البيع.
ويمكن أن يفرق بينهما بأن الواهب لو لم يجز له الرجوع فيه، لبطل حقه من الرجوع، ولا بدل يجبره، وهنا إذا تعذر عليه الرجوع، رجع إلى القيمة، وهي جابرة لحقه؛ فلا يبطل تعلق حقها السابق، وحكم التعلق بكل حق لازم حكم الرهن، أما إذا تعلق به حق غير لازم: كالوصية، والهبة، والرهن قبل القبض، فللزوج أن يرجع في نصفه.
وفي الشامل والتتمة حكاية قول: أنه يرجع في نصف الموهوب.
ولو باعته بشرط الخيار، وطلقها في مدة الخيار، فإن جعلنا الملك للبائع، فهو كالهبة قبل القبض، وإن قلنا: للمشتري، فلا رجوع له إلى العين؛ كذا قاله ابن الصباغ، والمتولي.
ولو كان الصداق عبداً، فدبرته، فهل يمتنع الرجوع؟ فيه ثلاثة طرق:
أحدها: أن في تمكينه من الرجوع قولين؛ بناءً على أنه وصية أو تعليق عتق بصفة.
فإن قلنا بالأول، فله الرجوع، وإلا فلا.
والطريق الثاني- وهو قضية نصه في الأم-: القطع بأنه لا يرجع، وإن قلنا: إنه وصية؛ لأن التدبير قربة؛ فليس للزوج تفويتها؛ كالزيادة المتصلة.
والثالث: القطع بأنه يرجع: أما إذا قلنا: [بأنه وصية] فظاهر، [وأما إذا قلنا:
تعليق عتق بصفة]؛ فلأنه يرتفع بإزالة الملك، والطلاق يتضمن إزالة الملك، وأيضاً: فهو لا يمنع إزالة [الملك] اختياراً، فأولى ألَّا يمنع الرجوع القهري.
قال في الشامل: وهذا أقيس، ومتى قال بهذه الطريقة، حمل قوله: لا يرجع على أنه لا يتعين الرجوع إلى نصف العبد بل له أن يعدل إلى نصف القيمة؛ لأن التدبير يبقى في النصف الآخر؛ وذلك مما يوجب نقصان القيمة؛ وبهذا أجاب في التتمة. وحكى أبو عبد الله الحناطي وجهاً: أنه يرجع في النصف وينتقص التدبير في الكل.
وسواء ثبت الخلاف، أو لم يثبت، فالظاهر أن التدبير يمنع الرجوع.
ثم الحكاية عن شرح أبي إسحاق: أن الخلاف فيما إذا كانت المرأة موسرة، فإن لم تكن، فله الرجوع إلى نصف العبد لا محالة.
ولو علقت عتق العبد على صفة، ففيه [خلاف مرتب على التدبير، وأولى بأن يمنع الرجوع.
وقيل: أولى بألا يمنع.
ولو أوصت بعتقه فهو كالتدبير في منع الرجوع، فيه] وجهان، أظهرهما- وبه أجاب الشيخ أبو حامد-: أنه لا يمنع؛ لأن الإيصاء ليس عقد قربة.
فرع: إذا كان الصداق حين الطلاق مرهوناً، فقال: أصبر إلى انفكاك الرهن، فإن قال: أتسلم ثم أسلم إلى المرتهن، فليس لها الامتناع منه.
وإن قال: لا أتسلم وأصبر فلها ألَّا ترضى به، وتدفع إليه نصف القيمة؛ لما عليها من خطر الضمان.
فلو أبرأها عن الضمان، وصححنا الإبراء، أو قلنا: إنه غير مضمون عليها؛ كما ذهب إليه المراوزة- فوجهان:
أحدهما: أنه لا يجب عليها الإجابة- أيضاً- لأنه قد يبدو له؛ فيطالبها
بالقيمة، وقد تخلو يدها عن القيمة يومئذ.
والثاني هو مذهب العراقيين: أنه ليس [لها الامتناع].
فإن لم نوجب الإجابة، ولم يطالبها إلى أن انفك الرهن، فهل يتعلق حقه بالعين أو القيمة؟ فيه وجهان:
أصحهما في التهذيب: الثاني.
فرع: ولو زال ملكها عن الصداق، ثم عاد قبل الطلاق، فهل يتعلق حقه بالعين أو القيمة؟ فيه وجهان:
[الأصح منهما] وهو المذهب في التهذيب، وما أجاب به في الشامل، والمهذب: التعلق بالعين، بخلاف الهبة؛ لأن الرجوع في الهبة يختص بالعين دون بدلها، ورجوع الزوج لا يختص بالعين، بل يتعلق بالبدل، فالعين العائدة أولى بالرجوع من بدل الفائت.
ولو كاتبت عبد الصداق، وعجز نفسه، ثم طلقها، فعن القاضي الحسين إجراؤه مجرى الزوال اللازم.
وقال الإمام: ينبغي ألّا يترتب هذا على زوال الملك؛ لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم.
قال الرافعي: ولاشك أن عروض الرهن وزواله قبل الطلاق لا يؤثر.
قلت: ويتجه أني خرج فيه وجه من زوال الرهن في العين الموهوبة؛ فإنه لا يثبت للأب الرجوع على وجه يحكي في الذخائر.
ويمكن أني فرق بينهما بالفرق المذكور من قبل.
قال: وإن كان زائداً زيادة منفصلة: كالولد، والثمرة، رجع في نصفه دون الزيادة- أي: سواء حصلت في يده، أو في يدها- لأنها غير مفروضة، ولأنها زيادة متميزة، حدثت في ملكها؛ فلم تتبع الأصل في الرد؛ كما لو
رد المبيع بالعيب.
واعلم: أن قولنا: إنه يرجع في نصف الأم دون الولد مفروض في غير الجواري، فأما في الجواري، فليس له الرجوع في نصف الأم، على ما قاله ابن الصباغ والمتولي؛ لأنه يتضمن التفرقة بين الأم والولد في بعض الزمان، لكنه يرجع إلى القيمة.
فإن قيل: قد حكيتهم أن الصحيح جواز الرد بالعيب وإن لزم منه التفريق؛ لأنه يقع بطريق التبع، فهلا كان هذا مثله.
قيل: لو منع ذلك في البيع، لزم أن يبقى المعيب في ملكه، وذلك ضرر لا يجبره الأرش من كل وجه، وهنا المأخوذ جابر [للضرر] من كل وجه؛ فلا ضرورة في التفريق.
ثم ما ذكرناه في غير الجواري مفرع على المذهب في أن التفرقة لا تحرم، أما إذا فرعنا على مذهب الصيمري في أن التفرقة محرمة في سائر الحيوانات فيتجه أن [يكون] الحكم كما في الآدميات.
قال: [ولو كانت زيادة] متصلة، كالسمن والتعليم- أي: وما في معناه، من طول الشجرة، وكبرها- فالمرأة بالخيار بين أن ترد النصف زائداً- أي: ويجبر الزوج على قبوله؛ لأنه نصف المفروض مع زيادة لا تتميز، وفي المجرد للحناطي وجه: أنه لا يجبر على القبول؛ لما فيه من المنة.
والظاهر الأول؛ لأن هذه الزيادة لا تنفرد بالتصرف، بل هي تابعة؛ فلا تعظم فيها المنة.
قال: وبين أن تدفع إليه قيمة النصف؛ لأن الزيادة غير مفروضة، ولا يمكن الرد دونها؛ فجعل المفروض كالهالك.
ثم المعتبر في القيمة أقل قيمة من يوم الإصداق إلى يوم التسليم إلى المرأة؛
كما ذكرناه من قبل.
وقال الإمام: كنت أود لو قيل إذا لم يطرأ عيب، وإنما وجد تفاوت القيم بارتفاع الأسواق: أن يكون الاعتبار بقيمة يوم الطلاق؛ فإن الشطر إنما يرتد إلى الزوج يومئذ والعين قائمة، ولكنها لا تردها لمكان الزيادة؛ فالوجه أن نقول: ما قيمة هذه العين لو لم تكن زيادة، فنعتبرها؟
وأجاب عنه الغزالي بأن الزيادة المفروضة للرجوع؛ فكان كفوات العين.
ثم قال الأصحاب: ولا تمنع الزيادة المتصلة الاستقلال بالرجوع إلا في هذا الموضع، وأما في غيرها فلا تمنع؛ كما إذا أفلس المشتري بالثمن [والعين زائدة، ورجوع] الأب فيما وهبه لولده، وهو زائد، ورد المبيع بالعيب، والثمن زائد، أو رد الثمن بالعيب، والمبيع زائد.
وفرقوا بأن الملك في هذه المسائل رجع بطريق الفسخ، والفسخ محمول على العقد ومشبه به، والزيادة تتبع الأصل في العقود فكذلك [في] الفسوخ، وعود الملك في الشطر بالطلاق ليس على سبيل الفسخ؛ ألا ترى أنه لو سلم العبد الصداق من كسبه، ثم عتق، وطلق، كان الشطر له لا للسيد، ولو كان سبيله سبيل الفسوخ، لعاد على الذي خرج عن ملكه، وإنما هو ابتداء ملك ثبت فيما فرض صداقاً لها، وليست الزيادة فيما فرض.
وفرق أبو إسحاق بين الصداق وبين إفلاس المشتري بأن في الفلس لو منعناه [من الرجوع إلى] العين، لم يتم له الثمن؛ لمزاحمة الغرماء، وهنا إذا لم يرجع إلى العين تسلم له القيمة بتمامها؛ فلا يلحقه كثير ضرر؛ حتى لو كانت مفلسة محجوراً عليها عند الطلاق فلو ترك العين، لاحتاج إلى المضاربة؛ فإنه يرجع في العين [مع الزيادة]، ولا يحتاج إلى رضاها.
قال في الشامل: وما قاله يلزم عليه إذا وجد بالثمن عيباً، وقد زاد المبيع زيادة
متصلة، فإنه يمكنه الرجوع إلى الأرش، ومع هذا يرجع في العين.
وعوَّل الأكثرون على الفرق الأول وأبوا استقلاله [بالرجوع] وإن كانت محجوراً عليها.
وحكم الزوائد المتصلة والمنفصلة فيما سوى الطلاق في الأسباب المشطرة حكمها في الطلاق.
وما يوجب عود جميع الصداق على الزوج ينظر فيه:
إن كان سببه عارضاً كالرضاع، وردتها، فكذلك.
وفي ردتها [وجه: أن] الزوج يستقل بالرجوع بالزيادة المتصلة.
وإن كان سببه الفسخ بالعيب المقارن، فالزيادة لا تمنع الرجوع.
وفي التتمة بناه على أن الفسخ إذا اتفق بعد الدخول، هل يسلم لها المسمى؟ إن قلنا: نعم، فهو كما لو كان السبب عارضاً، وإن قلنا بوجوب مهر المثل، بني على أن الفسخ يستند إلى وقت العقد، ونقول [بارتفاع العقد في أصله] أو لا؟ وفيه خلاف.
وإن قلنا: لا؛ فالحكم كذلك.
وإن قلنا: نعم؛ فيعود غليه بزوائده المتصلة والمنفصلة.
تنبيه: هذا الخيار ليس على الفور، لكنه إذا توجهت طلبة الزوج لا تتمكن المرأة من التأخير، بل تكلف اختيار أحدهما، والزوج لا يجزم دعواه في القيمة ولا في العين؛ فإن إثبات الخبرة إليها، يمنع الجزم، ولكن يطالبها بحقه عندها، فإن امتنعت، قال الإمام: فالقاضي لا يقتضي منها على أن يحبسها؛ لتبذل القيمة أو العين، بل يحبس عين الصداق عنها إذا كانت حاضرة؛ فإن تعلق حق الزوج بالصداق فوق حق المرتهن، فإذا أصرت على الامتناع، فإن كان نصف القيمة أقل من نصف العين للزيادة، يبيع ما يفي بالواجب، فإن لم يرغب في
شراء البعض، باع الكل، وصرف الفاضل عن القيمة الواجبة إليها.
وإن كانت نصف القيمة مثل نصف العين، ففيه احتمالان للإمام:
أظهرهما- وهو ما ذكره الغزالي-: أنه يسلم نصف العين إليه، ولكن لا يملكه ما لم يقضِ القاضي به؛ لأنه يدرك بالاجتهاد، ومن نصِّ الشافعي وعلى هذا غلط من اعتبر القضاء في أصل التشطير.
والثاني: لا يستلم، بل تباع؛ رجاء أن يجد زبوناً.
قلت: وهذا [شبيه] ما إذا فسخ عقد القراض، ورأس المال عروض قيمتها قدر رأس المال، فرضي رب المال بها، وأبى العامل إلى البيع؛ لاحتمال وجود زبون، فمن المجاب منهما؟ فيه وجهان في النهاية.
والأصح: إجابة المالك؛ إذ الزيادة بارتفاع الأسواق لا أثر لها في منع الرجوع.
فرع: لو كان الصداق نخلاً، وعليها طلع مؤبر حين الطلاق خاصته؛ فبذلت المرأة نصفها مع الطلع، أجبر على أخذ ذلك على المنصوص؛ كالسمن.
وإن بذلتها دون الطلع فلا؛ خلافاً للمزني.
وإن طلب الزوج نصف النخل، وترك الثمرة إلى أوان الجذاذ، فهل تجبر؟ فيه وجهان.
قال: وإن كان ناقصاً- أي: نقصان صفة- مثل أن كان عبداً، فعمي، [أو مرض]، أو نسي الحرفة في يدها، أو كان أمة فزوجها- فالزوج بالخيار بين أن يرجع فيه ناقصاً- أي: ولا أرش له- كما إذا تعيب المبيع في يد البائع، وبين أن يأخذ نصف قيمته؛ دفعاً للضرر عنه، وليس [هذا] كما إذا نقص
الصداق في يد الزوج، وأجازت؛ فإنها تغرمه الأرش على قل ضمان اليد؛ لأن الصداق في يده ملك لهان وهو مضمون عليه؛ فجاز تضمينه الأرش، وهنا الصداق ملكها في يدها، فكيف تضمن أرش النقصان؟
قال الإمام: ويحتمل أن يقال: عليها الأرش؛ لأنه لو تلف في يدها، لرجع الزوج إلى نصف قيمته، ومن يغرم القيمة عند التلف لا يبعد أن يغرم الأرش عند النقصان؛ ألا ترى أنه لو اشترى عبداً بجارية، وتقابضا، ثم وجد مشتري العبد به عيباً فرده وبالجارية عيب حادث، فإنه يستردها مع الأرش، وإن كان العيب قد وجد في دوام ملك قابض الجارية كما جرى العيب في الصداق.
قلت: ويؤيد ذلك أن المبيع إذا تعيب في يد المشتري، ثم تحالفا، فإنه يضم إليه أرش العيب، وإن كان قد حدث في ملكه؛ كما حكاه الغزالي.
وقد أقام الغزالي هذا الاحتمال وجهاً مخرجاً مع ظاهر المذهب مع أن [الإمام أبدى احتمالاً في التشبيه، وقد حكى الغزالي في آخر كتاب الغصب في المسألة] المستشهد بها أنه لا يرجع بالأرش، وجزم به.
وحكى الإمام فيها في آخر النهاية وجهين، وهما كالوجهين في الشاة المعجلة إذا تعيبت في يد الفقير، ثم هلك المال، هل يرجع بالأرش على الفقير؟ والأصح فيها عدم الرجوع على ما حكاه ابن يونس.
ولو حصل النقصان في يده قبل أن تقبضه المرأة وأجازت، فله عند الطلاق نصفه ناقصاً، و [ليس] له الخيار، ولا طلب الأرش.
نعم، لو حدث بجناية جان وأخذت منه الأرش، ففي الرافعي وجهان:
أصحهما: أنه يرجع إلى نصف الأرش مع نصف العين.
وفي النهاية أبدى ذلك تردداً للقاضي.
وقال الروياني: الظاهر أن الزوج يرجع بنصف ذلك الأرش.
وأما نقصان الجزء كما إذا أصدقها عبدين، وقبضتهما وتلف أحدهما في يدها، ثم طلقها قبل الدخول- ففيه ثلاثة أقوال:
أصحها: على ما حكاه في التهذيب-: أن الزوج يرجع إلى نصف الباقي، ونصف قيمة التالف.
والثاني: أنه يأخذ الباقي بحقه إن استوت قيمتهما.
والثالث: أنه يتخير بين أن يأخذ نصف الباقي ونصف قيمة التالف، وبين أن يأخذ نصف قيمة العبدين، ويترك الباقي.
فرع: لو طلقها وقد أجرت الصداق، فالزوج بالخيار إن شاء رجع إلى نصف القيمة في الحال؛ لما حصل من النقصان بسبب استحقاق الغير المنفعة، وإن شاء رجع إلى نصف العين مسلوبة المنفعة إلى انقضاء مدة الإجارة.
وفي النهاية: أن الشيخ أبا محمد أجاب بمنع الرجوع إلى العين إذا منعنا بيع العين المستأجرة على الأول لا يرجع عليها [إذ لا يرجع عليها] إذا رجع في العين بأجرة مثل ما بقي من مدة الإجارة، بخلاف ما إذا جرى التحالف وقد اجر المشتري العين المبيعة، وجوزنا الرجوع في العين على قول؛ بناءً على صحة [بيع] المستأجر، فإن أجرة المدة الباقية تكون للمشتري، وعليه للبائع أجرة مثل ما بقي من المدة؛ لأن التحالف [يرفع العقد] الأول، إما من أصله، أو حينه؛ فبه يتبين أن منفعة المدة الباقية للبائع، وقد أحال بينه وبينها، وهنا الطلاق لا يرفع العقد الأول، وإنما يحصل الملك حين وقوعه، وهي في تلك الحالة غير مالكة للمنفعة، [وهو] إنما يرجع بنصف ما تملكه.
ولو قال الزوج: أصبر إلى انقضاء مدة الإجارة، فالحكم كما لو قال: أصبر إلى فكاك الرهن، وقد تقدم.
ولو كان الصداق زائداً من وجه، وناقصاً من وجه: كما إذا أصدقها عبداً صغيراً فكبر، فإنه نقصان من جهة نقص القيمة، ومن جهة أن الصغير يصلح للقرب من الحرم والبعد عن الغوائل، وزيادة من جهة أنه أقوى على الشدائد والأسفار؛ وكما إذا تعلم حرفة ومرض- فلكل واحد منهما الخيار على معنى: أن للزوج ألَّا يقبل العين؛ للنقصن، ويعدل إلى نصف القيمة، وللزوجة ألَّا تبذل
العين، وتعدل إلى نصف القيمة.
وإن اتفقا على الرجوع جاز، ولا شيء لأحدهما على الآخر، ولا اعتبار بزيادة القيمة، بل كل ما يحدث فيه منفعة وفائدة مقصودة فهو زيادة من ذلك الوجه وإن أنقصت القيمة؛ كما ذكرنا في العبد.
والحمل زيادة من وجه؛ لتوقع الولد، ونقصان من وجه؛ للضعف في الحال، ولخطر الولادة؛ فلا يجبر واحد منهما.
وحكى أبو عبد الله الحناطي وجهاً: أنه يجبر إذا رضيت برجوعه إلى نصف الجارية وهي حامل؛ بناءً على أن الحمل لا يعلم، وقضية هذا أن تجبر- أيضاً- إذا رغب الزوج في الرجوع إلى نصفها.
وأما الحمل في البهيمة، ففيه وجهان:
أحدهما: أنه زيادة محضة.
وأظهرهما: أنه [كما في الجواري]: أما إذا كانت مأكولة؛ فلأن لحمها [لا يطيب، وأما إذا كانت غير مأكولة؛ فلأنها لا تحمل][ما كان] يحمل عليها قبل الحمل.
فائدتان:
إحداهما: مباحثة قالها الإمام، وهي إذا طلق الرجل امرأته، وصادف الصداق معيباً في يدها، فقد ذكرنا أنه إن أراد رجع [إلى نصف] القيمة، وكذلك لو تلف الصداق في يدها، ثم طلقها؛ وهذا كلام أطلقه الفقهاء، وتساهلوا في إطلاقه والغرض منه [تبيين سؤال]، فإن قال قائل: يرجع الزوج بنصف قيمة الكل، أو بقيمة نصف الكل، وبينهما تفاوت.
قلنا: يرجع بقيمة نصف الكل؛ فإنه لم يفته إلا نصف الكل.
قلت: ومما يؤيد ذلك أنه من أعتق نصف عبد يملكه وهو موسر، وسرى إلى
نصف شريكه، يجب عليه قيمة نصفه، لا نصف قيمته، وقد صرح بذلك- أيضاً- الشيخ في المهذب.
الثانية: حيث أثبتنا الخيار للمرأة بسبب زيادة في الصداق، أو للزوج بسبب نقصان فيه، أو لهما؛ لاجتماع المعنيين- فلا يملك الزوج [قبل التشطير، لكن] يختار من له الخيار العين إذا كان الخيار لأحدهما وقبل أن يتفقا عليها إذا كان لهما، وإن قلنا:[إن] الطلاق يشطر الصداق، وإلا لما كان للتخيير واعتبار التوافق معنى، والله أعلم.
قال: وإن كانت قد وهبت منه الصداق قبل الطلاق- أي: وبعد قبضه- ففيه قولان:
أصحهما: أنه يرجع عليها بنصف بدله؛ لأنه ملك جديد حصل له قبل الطلاق؛ فلا يمنع الرجوع عند الطلاق؛ كما لو انتقل إليه من أجنبي أو بالشراء.
والثاني: لا يرجع، وهو القديم، واختاره المزني، وهو الأصح في التهذيب؛ لأنها عجلت له ما يستحقه بالطلاق؛ فلا تبقى المطالبة عند الطلاق؛ وهذا كما أن من عجل الزكاة قبل الحول، لا يطالب بها عند المحل.
أما إذا وهبته منه قبل القبض، ففي صحة الهبة وجهان؛ [بناء] على قولنا: إنه مضمون ضمان عقد؛ كما في هبة المبيع من البائع، فإن صححنا الهبة، ففي الرجوع طريقان:
أحدهما: طرد القولين.
والثاني- حكاه الحناطي-: القطع بعدم الرجوع، والظاهر التسوية؛ كما حكاه في الشامل والتتمة، والله أعلم.
قال: وإن كان ديناً، فأبرأته منه، ففيه قولان- أي: إذا قلنا بأنه يرجع في المسألة الأولى-:
أصحهما: أنه لا يرجع عليها؛ كما لو شهد شاهدان بدين على إنسان، وحكم به الحاكم، ثم أبرأ المحكوم [له المحكوم] عليه [عن الدين، ثم رجع الشاهدان عن الشهادة- لم يغرما للمحكوم عليه] شيئاً.
والثاني: يرجع؛ لما سبق.
أما إذا قلنا: لا يرجع في الأولى، فهنا أولى.
وحكى الخراسانيون في هذه المسألة طريقين:
أحدهما: طرد القولين؛ كما في الهبة، من غير بناء.
والثاني: القطع بعدم الرجوع.
وفي التتمة بناء ذلك على أن الإبراء تمليك، أو إسقاط؟ فإن قلنا: تمليك، فهو كهبة العين.
وإن قلنا: إسقاط، فلا يرجع؛ لما قدمناه.
وفي النهاية: أن شيخه قربها من الخلاف في أن الإبراء هل يفتقر إلى القبول أم لا؟ وهو راجع لما في التتمة؛ لأن من شرطه القبول قال: إنه تمليك وإلا فإسقاط؛ وهذا إذا صدر الإبراء بلفظه، أو بلفظ العفو، أو الإحلال، أو الحط، أو الوضع، أو الإسقاط، أو بلفظ الترك مع النية؛ إن جعلناه كتابة، أو بدونها؛ إن جعلناه صريحاً.
أما إذا كان بلفظ الهبة، أو التمليك وصححناه على الظاهر في المذهب: إما بالقبول، أو بدونه على أصح الوجهين، ففي الرجوع [ها هنا] خلاف مرتب على
الصورة السابقة، وأولى بالرجوع؛ نظراً إلى لفظ الهبة.
والظاهر: اعتبار الحقيقة، وأن الحكم كما في لفظ الإبراء.
ويجري مثل هذا الخلاف فيما لو وهب البائع المشتري الثمن، أو أبرأه منه، ثم وجد المشتري بالمبيع عيباً، فرده- في أنه هل يرجع عليه بالثمن؟ فإن قلنا: لا يرجع، فهل يتمكن من الرد؟ فيه تردد محكي في النهاية عن الأصحاب.
وفي التتمة إجراء الخلاف في التمكين من الرد من غير ترتيب، وكذلك يجري في طلب الأرش إذا اطلع على عيب [في] المبيع بعد هلاكه، أو كان به عيب حادث مانع من الرد، ويجري في صور أخر مذكورة في مواضعها، ولو كان الصداق ديناً فقبضته، ثم [وهبته منه، ثم طلقها] قبل الدخول، ففي النهاية حكاية طريقين:
أحدهما: طرد القولين، [كما في هبة العين].
والثاني: القطع بالرجوع.
وفي التتمة: أن محل القولين إذا قلنا: إنه لو طلقها والمقبوض في ملكها ويدها، تعين حقه فيه، أما إذا قلنا: إنه لو طلقها لا يتعين حقه في المقبوض، فله الرجوع قولاً واحداً.
فروع:
أحدها: لو وهبت منه الصداق، ثم ارتدت قبل الدخول، [أو فسخ النكاح بالعيب قبل الدخول،] ففي الرجوع [في الكل] مثل الخلاف في الرجوع [في النصف] عند الطلاق؛ كذا قاله الرافعي ومجلي وغيرهما.
قلت: وينبغي أن ينبني الرجوع عند الفسخ بالعيب المقارن على أن الفسخ إذا جرى بعد الدخول، وأوجبنا مهر المثل يرفع العقد من أصله أو من حينه؟ وفيه خلاف سبقت حكايته في هذا الباب عن صاحب التتمة.
فإن قلنا: إنه يرفعه من أصله، فيتجه ألا يرجع عليها قولاً واحداً؛ لتبين بطلان
التصرفات فيه؛ كما قلنا في التحالف، في التصرف في الثمن، تفريعاً على أنه يرفع العقد من أصله.
وإن قلنا: إنه يرفعه في حينه، فيتجه أن يكون محل الخلاف ومأخذه ما سبق.
الثاني: لو وهبت الصداق من الزوج على أنه إذا طلقها كان ذلك [عما] يستحقه عليها بعد الطلاق، فهل تصح الهبة [ولا يرجع عليها بشيء بعد الطلاق، أو تفسد] الهبة، وله الرجوع؟ فيه خلاف محكي في التتمة.
الثالث: لو وهبت منه نصف الصداق، ثم طلقها قبل الدخول، فإن قلنا: إن هبة الكل لا تمنع الرجوع بالنصف، فهبة البعض أولى، وإلام يرجع؟ فيه ثلاثة أقوال؛ كما ذكرنا فيما إذا أصدقها عبدين، وتلف أحدهما عندها، ثم طلقها قبل الدخول.
وإن قلنا: إن هبة الكل تمنع الرجوع، فهنا ثلاثة أقوال:
أصحها عند صاحب التهذيب، وهو المنصوص في المختصر: أنه لا يرجع بشيء.
والثاني: أن الهبة تنزل على خالص حقها، فيرجع الزوج بجمع النصف الباقي.
والثالث، ويحكى عن الإملاء، وبه قال المزني: أنه يرجع عليها بنصف الباقي؛ فكأنها عجلت نصف حقه، ووهبته نصف حقها الخالص لها.
وإن كان الصدق دَيناً، فأبرأته عن نصفه، ثم طلقها، ففي التتمة: أنا إن قلنا: لو أبرأته عن الجميع يرجع عليها، فهنا يسقط عنه النصف الباقي.
وإن قلنا: لا يرجع بشيء، فهنا وجهان:
أحدهما: أنه لا يسقط عنه شيء؛ فيكون ما أبرأته منه محسوباً عن حقه.
والثاني: يبرأ عن نصف الثاني.
قال: وإن حصلت الفرقة والصداق لم يقبض، فعفا الولي عن حقها، لم يصح العفو- أي: سواء كانت صغيرة أو كبيرة، رشيدة أو سفيهة، عاقلة أو مجنونة، وسواء كان الصداق ديناً أو عيناً- لأنه مال من جملة أموالها؛ [فلا
يملك الأب إسقاطه؛ كسائر أموالها].
قال: [وقيل]: وفيه قول آخر: أنه إن كانت بكراً صغيرة، أو مجنونة- أي: في حال العفو- فعفا الأب أو الجد عن حقها، صح العفو؛ أخذاً من قوله- تعالى-:{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَاّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 237].
ومعنى الآية: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} ، [أي: لكم] {إِلَاّ أَنْ يَعْفُونَ} ، أي: الزوجات، فيسلم لكم الكل، {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} ، قال ابن عباس: أراد به الولي، والمعنى: إلا أن تعفو المرأة إن كانت من أهل العفو، أو وليها إذا لم تكن من أهل العفو.
ورجح الشافعي هذا في القديم من أوجه:
أحدها: أن قول ابن عباس مقدم في التفسير؛ لأنه ترجمان القرآن.
والثاني: أنه ذكر الأزواج في الآية بصيغة المخاطبة، فقال: فنصف ما فرضتم، وذكر هذا بصيغة الغيبة، [فأشعر بأنه] أراد غير الأزواج.
والثالث: أنه تعالى قال: {إِلَاّ أَنْ يَعْفُونَ} ، وكان ذلك راجعاً إلى عفو يخلص به كل الصداق [للزوج]، ثم قال:{أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} ، فعطف عليه؛ فوجب أن يحمل على عفو يخلص به كل الصداق للزوج؛ فيكون] العفو واحداً.
والرابع: أنه وصفه بأن بيده عقدة النكاح، وأجرى ذلك بعد الطلاق، والولي هو الذي بيده عقدة النكاح الآن، فأما الزوج، فليس إليه شيء.
ولأنهما لا يتهمان في حق الصغيرة، ويملكان التصرف في مالها بما تقتضيه المصلحة؛ ولهذا يملكان أن يصوغا الذهب والفضة حلياً وإن نقصت بذلك قيمته، وتلف جزء منه؛ لمصلحة المولى عليها ومنفعتها، والعفو منفعة لها؛ ليكثر
خطابها؛ وهذا التوجيه ذكره ابن الخلان.
والقول المنصوص عليه في الجديد: أنه لا يصح عفوه، وأن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج، ويروي ذلك عن علي وغيره- رضي الله عنهم لأنه- تعالى- ذكر خلوص الصداق له بعفوها، ثم عطف هذا عليه؛ فظهر أن المراد عفو يخلص به الصداق لها؛ لتشتمل الآية على ذكر الخلوص من الجانبين، وقد قال تعالى:{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237]، والأقرب للتقوى عفو الزوج، فأما عفو الأب عن حق ضعيفة؛ فلا يتصف بهذه الصفة.
وقوله: {وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] خطاب لهما؛ كما كان أول الكلام خطاباً للأزواج على أنه لا يمتنع أن يكون الخطاب للحاضرين وبعده للغيبة، والمراد به المخاطب؛ كقوله تعالى:{حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: 22].
وإنما اشترطنا على القديم أن تكون بكراً؛ لأنها لو كانت ثيباً بوطء شبهة بعد النكاح، لم تستقل بالتزويج بعد، فليست بيده عقدة النكاح. وفيه وجه.
و [اشترطنا] أن تكون صغيرة أو مجنونة؛ ليكون له ولاية على مالها، وفي معنى الصغيرة السفيهة؛ صرح بذلك الإمام وغيره، وفي البالغة وجه: أنه يجوز بناءً على أن مأخذ الجواز في الصغيرة: أنه الذي اكتسبه، فإذا أسقطه؛ فكأنه لم يكتسبه، [لا أن] المأخذ كون مالها تحت يده وتصرفه.
وقال في التتمة والتهذيب: الجنون مانع من العفو، وحكاه في النهاية عن المراوزة بعد أن قال: حكم المجنونة حكم الصغيرة العاقلة؛ لأنه يرجى في العفو عن صداق العاقلة ترغيب الخاطبين فيها، والمجنونة لا يكاد يرغب فيها؛ فلا معنى لإسقاط حقها الثابت؛ لأمر لا يكاد يحصل.
قال في التتمة: وكذا العاقلة المحجور عليها بالسفه.
ولو تقدم عفو الولي على الفراق، لم يصح؛ لأن الزوج مالك لبضعها
بإزاء المهر، وقد يدخل بها بعد العفو؛ فتفوت منفعة البضع عليها، بخلاف ما إذا طلقها؛ لأنه عاد البضع إليها سليماً؛ فلا يعظم الضرر في إسقاط المال.
وفيما علق عن الإمام أن أبا محمد جوز العفو قبل الطلاق إذا رأى الولي المصلحة فيه.
وعلى الأول لو وقع العفو مع الفراق؛ كما إذا اختلعها به، فوجهان:
الذي أجاب به في التهذيب والتتمة منهما: الجواز.
وفي الوسيط: أن أظهرهما: المنع، وهو ما يدل عليه كلام ابن الصباغ.
ووجهه: أن هذا القول [معتمده] ظاهر الآية، وهي مخصوصة بما بعد الطلاق.
وحيث جوزنا العفو للأب أو الجد، فلا يقوم غيرهما فيه مقامهما، وإن كان له التصرف في مالها بوصاية أو تولية؛ للتهمة، ولقصور شفقته، ولأنه لا يستقل بإثباته فأولى ألَّا يستقل بإسقاطه.
وقد فهم من التقييد بأن شرط العفو أن يوجد في حال البكارة- الاستغناء عن [ذكر اشتراط] أن يكون العفو قبل الدخول وإن كان شرطاً؛ لظاهر الآية.
واشترط المراوزة وراء ما ذكرناه: أن يكون الصداق ديناً حالة العفو.
وقال الشيخ أبو محمد: لا يشترط ذلك.
ويمكن أن يكون مأخذ الخلاف أن لفظ العفو، هل يحصل الملك في شطر
الصداق إذا كان عيناً؟ وفيه وجهان:
والأصح منهما عند [الفراق للمتولي]: أنه يجوز استعماله؛ لظاهر الكتاب، لكن مقتضى ذلك أن يكون الصحيح عند المتولي جوازاً عن العين، وهو لم يحك خلافاً في أنه لا يصح، وفرق بين العين والدين بأن الملك في الأعيان كامل، والدين في المذهب القديم ليس بملك كامل، وإنما هو حق مطالبة يصير ملكاً في الثاني.
فرع: لو زوجها الأب، ومات، فهل للجد [العفو]؟ فيه وجهان منقولان في التتمة.
قال: وإذا فوضت المرأة بضعها من غير بدل، لم يجب لها المهر [بالعقد]؛ لأنه حقها، فإذا رضيت بألَّا يثبت، وجب ألَّا يثبت؛ كما أنها إذا رضيت ألَّا يبقى لا يبقى.
ولأنه لو وجب بالعقد، لتنصف بالطلاق؛ فعلى هذا: هل ملكت بالعقد أن تملك مهر المثل، أو ملكت أن تملك مهراً؟ فيه قولان.
وقيل: يجب بالعقد؛ [لأنا نحكم] لها بالمهر عند الوطء، ولو لم يجب بالعقد، لما وجب بالوطء؛ إذ هو تصرف فيما ملكه بغير بدل، والتصرف فيما يملك بغير بدل لا يوجب ضماناً؛ كما إذا وهب منه الطعام، فأكله.
وقيل: لا يجب قولاً واحداً.
قال الإمام: وهو مذهب العراقيين، ولم يعرفوا غيره.
وفي المهذب، والشامل حكاية قول الوجوب.
واختلف الأصحاب في قول الوجوب، هل هو منصوص عليه أم مخرج [أشار الشيخ أبو محمد إلى أنه منصوص، والأظهر أنه مخرج، ثم هو مخرج] مِمَّاذا؟
قيل: من القول بوجوب المهر عند موت أحد الزوجين في صورة التفويض.
وقيل: من قولنا: إنه لابد في الفرض من العلم بمهر المثل، وذلك يدل على أن المفروض بدل ينتقل إليه عن المهر الواجب.
وعلى هذا فما الواجب؟
قال في القديم: هو مطلق، لا يتقيد بمهر المثل.
وقال في الجديد: يتقدر بمهر المثل، [وحكاهما] في الذخائر.
وأصل التفويض: أن يجعل الأمر إلى غيره ويكله إليه.
ويقال: إنه الإهمال، ومنه:
لا يصلح الناس فوضى
أي: لا رئيس لهم، وتسمى المرأة: المفوضة؛ لتفويضها أمرها إلى الزوج أو الولي بلا مهر، أو لأن الأمر في المهر مفوض إليها، إن شاءت أبقته وإلا فلا.
والتفويض ضربان: تفويض بضع، وتفويض مهر:
فتفويض البضع- وهو المعقود له هذا الفصل- أن تقول البالغة، الرشيدة، المالكة لأمرها، ثيباً كانت أو بكراً لوليها-: زوجني بلا مهر، فزوجها [ونفى] المهر أو سكت.
وقيل: إذا سكت عن ذكر المهر، فليست مفوضة.
ولو قالت: زوجني، وسكتت عن المهر، فالذي ذكره الإمام وغيره: أن ذلك ليس بتفويض، وادعى الإمام فيه الوفاق.
وفي المهذب ما يقتضي كونه تفويضاً؛ لأن اللفظ لا يتعرض إلا للنكاح، وإنه ينعقد بغير مهر؛ هذا في الحرة.
أما في الأمة فيكون من السيد صغيرة كانت أو كبيرة، وصورته أن يقول: زوجتكها بلا مهر، وألحقوا به ما إذا سكت عن ذكر المهر.
ولو أذنت في التزويج على أن لا مهر في الحال، ولا عند الدخول وغيره، وزوجها الولي [على ذلك]، وقلنا بظاهر المذهب، وهو وجوب مهر المثل [عند الدخول]؛ على ما سيتضح- ففي صحة النكاح وجهان:
أشبههما: الصحة؛ وعلى هذا فهو تفويض فاسد؛ فيوجب [مهر المثل، أو يلغى النفي] في المستقبل، [ويقال]: إنه تفويض صحيح؟ فيه وجهان.
ولو أنكحها الولي ونفى المهر من غير إذنها في التفويض فهو كما لو نقص عن مهر المثل؛ فإن كان مجبراً؛ فيصح النكاح، ويجب مهر المثل، أو يبطل؟ فيه قولان.
وإن كان غير مجبر، فيجري القولان، أو يجزم بالبطلان؟ فيه طريقان:
والذي أجاب به ابن الصباغ في المجبر وغيره: صحة النكاح وفساد التفويض.
وعن ابن أبي هريرة: أنه يصح تفويض الولي المجبر إذا صححنا عفوه.
وقال أبو إسحاق وغيره: لا يصح على القولين جميعاً من حيث إن العفو إذا جوزناه يشترط أن يكون بعد الفراق، أو معه، أما قبله فلا.
ولا يصح تفويض المحجور عليها وهو كعدمه [وإلا] في جواز التزويج إذا كان [إذنها] معتبراً.
فرع: لو فوضت بضعها، فزوجها الولي بالمهر، نظر:
إن زوجها بمهر المثل من نقد البلد [صح المسمى، وإن زوجها بدون مهر المثل، أو بغير نقد البلد] لم يلزم المسمى، وهو كما لو نكحها على صورة التفويض.
قلت: وفي هذا نظر من حيث إن العقد اقترنت به تسمية فاسدة، [والعقد إذا
اقترن به تسمية فاسدة] إذا صح كان الواجب فيه مهر المثل، أو قيمة المسمى إن أمكن تقويمه؛ فينبغي أن يجب مهر المثل.
[وأما مفوضة المهر، مثل أن تقول: زوجني على أن يكون المهر] ما شئت، أو ما شاء الخاطب، أو فلان- فإن زوجها على ما ذكرت من الإبهام، فإن لم يعرف المشيئة، فقد زوجها بمجهول؛ فيصح [النكاح] ويجب مهر المثل قولاً واحداً. وإن عرف ما شاء فوجهان، أظهرهما: صحة الصداق.
وإن زوجها [بما عين المذكور مشيئته؛ صح المسمى وإن كان دون مهر المثل. وإن زوجها] بلا مهر، فيبطل النكاح أو يصح ويجب مهر المثل؟ فيه خلاف.
قال: ولها المطالبة بالفرض- أي: قبل المسيس- لأن إخلاء العقد عن المهر خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولتكون على ثبت من تسليم نفسها، وتعرف أنها علام تسلم؟ وهذا تفريع على أنه لا يجب بالعقد مهر، ويجب بالوطء، أما إذا لم نوجبه بالوطء، فليس لها طلبه.
وإن أوجبناه بالعقد، فينبني على أنه [هل] يتشطر بالطلاق أم لا؟ فإن قلنا: يتشطر، فليس لها طلب الفَرض، ولكن تطالب بالمهر نفسه.
وإن قلنا: لا يتشطر، فلها طلب الصداق؛ ليقرر الشطر؛ فلا يسقط لو طلقها قبل المسيس؛ وهذا هو الأظهر.
والفرق بينه وبين طلب المرأة وطأة واحدة؛ حيث قلنا: لا يجب على الصحيح وإن طلبت ما يقرر المهر-: أن الزوج قادر على الفرض متى شاء، والوطء أمر جبلي، [قد لا تساعد] الطبيعة عليه.
وما الذي يفرض لها؟ ينظر: إن قلنا: يجب بالعقد، فرض لها قدر مهر المثل على الجديد، ويشترط معرفتها بقدر مهر المثل؛ لأن المفروض بدله، وتراعى
فيه شرائط الاعتياض؛ حتى لا يجوز أن يكون مؤجلاً، ولا ينتقص عن مهر المثل، ولا يزداد إذا كان المفروض من جنسه، ويعتبر رضاها بالمفروض، فإن لم ترض [به] فكأنه لم يفرض.
وفيما علق عن الإمام: أنه لا يشترط القبول، بل يكفي طلبها وإسعافه.
قال الرافعي: ولكن هذا إذا طلبت عيناً أو ذكرت مقداراً فأجابها، أما إذا أطلقت الطلب، فلا يلزم أن تكون راضية بما يعينه أو يقدره.
وعلى القديم يكون المعتبر من الشرائط ما نذكره تفريعاً على القول بعدم الوجوب؛ حتى لا يشترط معرفة واحد منهما بمهر المثل، ورجح القاضي اشتراط المعرفة، والجمهور على خلافه، ومقتضاه أن يكون الصحيح عندهم هنا القول القديم.
وأما إذا قلنا: لا يجب مهر [المثل] بالعقد، وهو الصحيح، فالواجب ما يتفقان عليه من نقد أو عرض، سواء كان قدر مهر المثل، أو دونه، أو أزيد [منه] من جنسه أو غير جنسه، حالّاً أو مؤجلاً، ولا يشترط معرفة واحد منهما بمهر المثل.
وكان يتجه على القول بأنها ملكت أن تملك مهر المثل، [بأن] يكون الحكم كما تقدم، وهذا كله إذا كان الفرض من الزوج، فإن امتنع الزوج من الفرض، أو لم ترض بما فرضه، فالقاضي يفرض لها مهر المثل من نقد البلد حالّاً [ولا يزيد] عليه ولا ينقص، [ولا يشترط] رضاها به، ولابد من علمه بقدر مهر المثل.
وفي بحر المذهب: أن القاضي إذا أراد أن يفرض لها مؤجلاً، وعادة [مهور] نسائها الحلول؛ يزيد، [لمكان] الأجل، والمذهب الأول.
ولو تبرع أجنبي، وفرض لها مهراً يعطيه من ماله، ففي صحته وجهان:
أصحهما: المنع.
وفي التتمة: تقريبهما من الأب إذا قبل لابنه الصغير نكاح امرأة، وأصدقها عيناً من مال نفسه، وهو زائد على مهر المثل.
وعلى وجه الصحة لها مطالبة الأجنبي بالمهر المفروض، ويسقط طلب الفرض عن الزوج.
وقال صاحب الذخائر: وهذا فيه نظر؛ لأن تقرير الصداق ليس بالتزام منه لذلك، ولا هو أداء، بل إما تقرير لما وجب بالعقد، أو ابتداء إيجاب سببه العقد، فكيف يكون الأجنبي ملتزماً بذلك، ولم يجر منه التزام.
ولو طلقها قبل المسيس، [فنصف الفرض يعود إلى الزوج أو الأجنبي؟ فيه وجهان؛ كما لو تبرع الأجنبي بإذن المسمى] ثم طلق الزوج قبل المسيس.
فرع: لو أسقطت المفوضة حق الفرض، لم يسقط، ولو أبرأت عن المهر قبل الفرض والدخول، فإن قلنا: يجب مهر المثل بالعقد، صح الإبراء؛ إن كان معلوماً، وإن كان مجهولاً فلا يصح- على الأصح من القولين- فيما يزيد على القدر المستيقن، وفي المستيقن وجهان مأخوذان من تفريق الصفقة.
وإن قلنا: لا يجب المهر بالعقد، قال الغزالي: فهو إبراء عما لم يجب، ولكن جرى سبب جوبه، وفيه قولان؛ كما في الضمان، والأصح: الفساد.
قال: فإن فُرِضَ لها مهر صحيح صار ذلك كالمسمى في العقد [في جميع ما ذكرناه؛ لأنه مفروض؛ فصار كالمسمى في العقد].
وفي النهاية حكاية عن الأصحاب وتابعه [عليه] الغزالي: أنه ليس لها حبس نفسها لتتسلم المفروض؛ لأنها قد سامحت بالمهر، فكيف يليق بها المضايقة في التقديم والتأخير، نعم، لها الحبس حتى يفرض لها.
أما إذا فرض لها مهراً فاسداً من خمر أو غيره، كان وجوده كعدمه،
بخلاف، ما إذا سمي في العقد.
قال: فإن لم يفرض لها حتى دخل بها، وجب لها مهر المثل؛ لأن الوطء في النكاح بلا مهر [خاص برسول] الله صلى الله عليه وسلم، ولأن البضع لا يتمحض حقّاً للمرأة، بل فيهئحق لله تعالى؛ ألا ترى أنه لا يباح بالإباحة؛ فيصان عن التصور بصورة المباحات.
وخرج القاضي الحسين وجهاً: أنه لا يجب مما إذا وطئ المرتهن الجارية المرهونة بإذن الراهن؛ ظنّاً أنها تباح بالإذن؛ حيث لا يجب المهر على قول.
قال الإمام: ولست أعده في المذهب فإن ما قاله مسبوق بالإجماع من نقلة المذهب.
وموضع التخريج على ما حكاه في التتمة وغيرها ما إذا جددت الإذن في الوطء، وصرحت بنفي المهر دون ما إذا لم [تجر سوى] أحدهما.
قال الإمام: فإن لم يكن ينجرّ هذا التخريج، فلا معنى لاشتراط تجديد الإذن، وقد رأيت في بعض مجموعاته ما يدل على اطراد التخريج، وإن لم يوجب إذناً جديداً.
وعلى المذهب فمهر المثل يعتبر بحالة الوطء أو بحالة العقد؟ فيه وجهان:
أصحهما- على ما ذكره الروياني، وهو الذي أورده ابن الصباغ-: أنه يعتبر حالة العقد؛ لأن العقد هو الذي اقتضى الوجوب عند الوطء، وقضيته إيجاب مهر ذلك اليوم، سواء كان أقل أو أكثر.
لكن ذلك المعتبرون: أنه إن كان أكثر أوجبناه، وإن كان أقل، لم نقتصر عليه؛ لأن البضع دخل بالعقد في ضمانه، وإذا اقترن إتلاف، وجبنا أكثر ما يكون عوضاً.
والعبارة المطابقة للغرض أن يقال: يجب أكثر مهر من يوم العقد ويوم الوطء.
فرع: لو نكح الكافر كافرة على صورة التفويض، وهم يعتقدون أن لا مهر للمفوضة بحال، ثم أسلموا، فلا مهر وإن كان الإسلام قبل المسيس؛ لأنه قد سبق استحقاق وطء بلا مهر؛ نقله الرافعي في نكاح المشركات، والإمام في باب التفويض.
ونظيره، ما إذا زوج عبده من أمته، ثم أعتقهما، أو أحدهما قبل الدخول- لم يجب لها مهر؛ لما سبق [من] التعليل.
ولو نكح الذمي ذمية على أن لا مهر لها، وترافعا إلينا، حكمنا بينهما بحكمنا في المسلمين.
وقال أبو حنيفة: إن كان اعتقادهم إخلاء النكاح عن المهر، فإن شرطت أن لا مهر لها، لا يجب المهر؛ لا حالة العقد ولا عند الدخول.
قال المتولي: ودليلنا: أن إيجاب المهر في حق المسلمة، ليحصل الفصل بين النكاح والسفاح، وهذه الحاجة موجودة.
قلت: وما ذكره موجود في المسألة المتقدمة.
قال: وإن مات أحدهما قبل الفرض والدخول، ففيه قولان:
أحدهما: يجب لها مهر المثل، وهو ما أجاب به ابن مسعود حين سئل عن المفوضة؛ لما روى معقل بن يسار- وقيل ابن سنان- الأشجعي، وروي رجل من أشجع: أنه صلى الله عليه وسلم قضى في برْوَع بنت واشق وقد نكحت بغير مهر، فمات زوجها- بمهر نسائها.
ولأن الموت نازل منزلة الوطء في تقرير المهر المسمى قبل المسيس؛ فوجب أن يكون كهو في وجوب المهر.
والثاني: لا يجب، وبه قال الحليمي؛ لأن الموت فرقة وردت على نكاح تفويض قبل الفرض والوطء؛ فلا يجب به المهر كالطلاق؛ وهذا هو الراجح عند العراقيين، والإمام، وصاحب التهذيب، والروياني.
والحديث قد رده علي- رضي الله عنه وقال: كيف نقبل في ديننا قول أعرابي بوال على عقبه؟!
ثم إن صح؛ فمحمول على مفوضة المهر لا مفوضة البضع.
فعلى هذا لا تستحق المتعة [أيضاً].
وفي الجيلي حكاية [وجه] أنها تجب، وأبداه في الذخائر احتمالاً عند الكلام في المتعة.
والأول هو الصحيح في التتمة، [ويقال]: إنه اختيار صاحب التقريب، وأنه صَحَّحَ الحديث، وقال: الاختلاف في الراوي لا يضر.
وإذا قلنا به، فيجب باعتبار يوم العقد، أو يوم الموت، أو أقصى مهر؟ فيه ثلاثة أوجه، حكاها الجيلي.
قال: وإن طلقها قبل الفرض- أي: والدخول- وجبت لها المتعة؛ لما سيتضح [في موضعه]؛ وهذا تفريع على أنها لا تستحق المهر بالعقد.
أما إذا قلنا: تستحق المهر [بالعقد]، فهل يتشطر بالطلاق؟ روى الشيخ أبو محمد- وهو المذكور في التتمة-: أنه يتشطر، كالمسمى الصحيح.
قال الإمام: وهو القياس.
والذي عليه كافة الأصحاب: أنه يسقط المهر إلى المتعة، والشاهد له من الكتاب قوله تعالى:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]، فخصص استحقاق نصف المهر بأن يفرض؛ فدل مفهوم الخطاب دلالة ظاهرة على أنها لا تستحق شيئاً من المهر إذا لم يجر فرض.
قال: وإن تزوجها على مهر فاسد، أي: مثل أن قال: أصدقتك هذا الحر، أو هذا الخمر أو مجهولاً، وغير ذلك مما لا يصح إصداقه.
قال: [أو على ما] يتفقان عليه في الثاني، وجب لها مهر المثل؛ لأنها لم ترض ببذل البضع مجاناً، وما جعل عوضاً لا يثبت، وقد تعذر رد [البضع؛ فوجب رد بدله، وهو مهر المثل؛ كما إذا رد المبيع بعيب، وقد تعذر رد] الثمن، وفي ذلك شيء قد تقدم.
قال: واستقر بالموت، أو الدخول، وسقط نصفه بالطلاق قبل الدخول؛ لأنه مفروض.
قال: وإن كانا ذميين فعقدا على مهر فاسد- أي: عندنا- وهو صحيح [عندهم، ثم] أسلما- أي: بعد الدخول- في العدة، أو معاً قبله قبل التقابض، سقط ذلك، ووجب مهر المثل؛ لأنها لم ترض إلا بالمهر، والمطالبة بالخمر في الإسلام ممتنعة، ويرجع إلى مهر المثل.
وفيه قول: أنه لا شيء [له].
قلت: ويتجه أن يكون في المسألة قول آخر: أنه يرجع إلى بدل الصداق؛ كما إذا أصدق المسلمة عبداً، فخرج حرّاً، أو عصيراً فظهر خمراً؛ بناءً على قول ضمان اليد.
قال: وإن أسلما بعد التقابض، برئت ذمة الزوج؛ كما لو تبايعا بيعاً فاسداً وتقابضاً وفيه قول آخر: أن لها مهر المثل، لفساد القبض في الشرك.
ولا فرق بين أن يتقابضا بالتراضي، أو بإجبار قاضيهم.
[وقال الشيخ أبو محمد: إذا تقابضا بإجبار قاضيهم]، فهل يجعل كالتقابض بالرضا؟ فيه خلاف؛ كما لو ترافعوا إلينا وهم على الشرك.
قال الإمام: وهو منقاس.
والذي حكاه في التهذيب مثل قول الشيخ أبي محمد.
واعلم أن هذا فيما إذا كان الصداق خمراً، أو خنزيراً، وما جانس ذلك، أما إذا كان حرّاً مسلماً استرقوه، فإنه لا يقر في يدها، ويجب لها مهر المثل.
قال الرافعي: وقياس ما سبق أن يخرج من يدها، ولا ترجع بشيء؛ كما تراق الخمر المقبوضة، ولا ترجع بشيء.
قال: وإن أسلما بعد قبض البعض، برئت ذمته من المقبوض، ووجب بقسط ما بقي من مهر المثل؛ لما تقدم؛ وهذا بخلاف ما إذا كاتب الذمي عبده على عوض فاسد، وقبض بعضه، ثم أسلما؛ حيث يسلم للسيد ما بقي؛ ليحصل العتق، ثم يلزمه تمام قيمته، ولا يحط منها قسط المقبوض في الشرك؛ لأن العتق يتعلق بأداء آخر النجوم، وأنه وقع في الإسلام؛ فكان بمثابة ما لو كاتب المسلمة على عوض فاسد؛ بخلاف الصداق؛ فإنه عوض؛ فكل جزء منه يخرج عن عهدته بقبضه [وتبرأ منه] ذمته؛ فلا تبقى مطالبته به بعد الإسلام.
وطريق تقسيط مهر المثل على المقبوض وغير المقبوض أن ينظر: إن سميا جنساً واحداً، ولم يكن فيه تعدد: كزق خمر؛ فقبضت نصفه مثلاً؛ فيجب نصف مهر المثل.
وإن تعدد المسمى كزقي خمر، قبضت أحدهما، فإن تساويا في القدر فكذلك، وغلا فوجهان:
أحدهما: أنه يعتبر العدد.
وأقيسهما: النظر إلى القدر؛ وعلى هذا يعتبر الكيل، وهو ما في التتمة.
وفيه وجه: أنه يعتبر الوزن.
ولو أصدقها خنزيرين، وقبضت أحدهما، فإن اعتبرنا العدد، لم يخف الحكم، وإن نظرنا في الخمر إلى القدر، فها هنا [تعتبر قيمتهما] بقدر ماليتهما، وتقسط على مهر المثل في القيمتين.
وإن كانا قد سميا جنسين فصاعداً: كزقي خمر، وكلبين، وثلاثة خنازير، وقبضت أحد الأجناس، فثلاثة أوجه:
أحدها: النظر إلى الأجناس؛ فيقال: قبضت الثلث.
والثاني: إلى العدد؛ فإن قبضت الخمر؛ فيقال: قبضت سُبعي المهر.
والثالث- وهو الأقرب-: أنها تقدر بتقدير ماليتها، ونقسط مهر المثل على القيمة؛ وعلى هذا فتقدر الخمر خلّاً، والكلب شاة، والخنزير بقرة.
وفي المهذب: أنه يقدر شاة.
وقيل: يقدر الكلب فهداً؛ لاشتراكهما في الصيد، والخنزير حيواناً مقابله في الصورة والفائدة.
وقيل: تعتبر قيمتها عند من يجعل لها قيمة، والله أعلم.
قال: وإن أعتق أمته بشرط أن يتزوجها ويكون عتقها صداقها، عتقت- أي: إذا قبلت هذا الشرط على الاتصال- ولا يلزمها أن تتزوج به؛ لنه سلف في عقد فلا يلزمها؛ كما لو أسلم لامرأة أخرى دراهم في نكاحها.
وفي شرح مختصر الجويني حكاية وجه عن أبي إسحاق المروزي: أنه يجب عليها الوفاء به.
وأما نفوذ العتق؛ فلأنه أعتقها على شرط باطل؛ فلغا الشرط، وثبت العتق؛ كما لو قال لعبده: إن ضمنت لي خمراً، فأنت حر، فضمنه؛ كذا علله الأصحاب.
قلت: وفي المسألة المقيس عليها [نظر] فإن ذلك يشابه ما لو حلف لا
يبيع الخمر فإنه لا يحنث إذا وجد منه صورة البيع؛ على المذهب، والمضان كذلك.
قال: ويرجع عليها بقيمة رقبتها- أي: يوم العتق- لأنه لا يرضى بعتقها إلا بعوض، ولم يسلم له، وقد تعذر عليه الرجوع إليها، فرجع بقيمتها؛ كما لو باع عبداً بعوض محرم، وتلف العبد في يد المشتري.
ولا فرق في لزوم القيمة بين أن تفي بالنكاح أو لا.
وفي الرقم للعبادي حكاية وجه: أنه يصح جعل العتق صداقاً، وإذا رغبت في النكاح فللسيد أن يمتنع، ولا تسقط القيمة بذلك.
وحكم أم الولد حكم الأمة.
وفيه وجه: أنه لا يرجع عليها بقيمة رقبتها.
فرع: لو تراضيا على النكاح، وأصدقها القيمة الواجبة عليها، صح النكاح، وأما الصداق: فإن كانا عالمين بقيمتها، صح أيضاً، وإن جهله أحدهما، فوجهان:
أصحهما: الفساد؛ كسائر المجاهيل إذا جعلت صداقاً، ولها مهر المثل، وعليها القيمة.
ووجه الصحة: أن القيمة لم تثبت مقصودة، وإنما ثبتت ضمناً في مقابلة الحِلِّ
الذي كان ثابتاً له من قبل؛ فصلح أن تجعل عوضاً لجنس ذلك الحل.
وأيضاً: فإن القيمة بدل الرقبة، ولو أصدقها عبداً مجهول القيمة، [لصح، فكذلك هنا، وهذا التعليل يحكى عليه ما إذا أتلفت عليه عبداً مجهول القيمة،] وجعل قيمته صداقاً لها؛ فإنه لا يصح، ومقتضاه: أنه يصح؛ لعدم الفرق.
قال الإمام: لو طرد طارد هذا الوجه هنا، فهو قياس.
قال صاحب التقريب: وإذا أراد أن يعتقها، ويتزوج بها، مع أمته منها، فالوجه أن يقول: إن قدر الله بيننا نكاحاً، فأنت حرة قبله بيوم، ثم يمضي يوم أو أكثر، فينكحها؛ فإذا رضيت، انعقد النكاح، وتبين وقوع العتق مقدماً [عليه]، وإن أبت فتبقى رقيقة.
فمن الأصحاب من خالفه، وقال: هذا منه تفريع على وقف العقود، والصحيح فساده، [وهو] الذي عليه أكثر الأصحاب.
ومنهم من قال: يتخرج على ما إذا زوج جارية أبيه على ظن أنه حي، فبان ميتاً، وفيه قولان.
وقال الشيخ [أبو محمد: الوجه] عندي القطع بالصحة؛ كما ذكره صاحب التقريب، وليست هذه المسألة كتزويج الابن جارية أبيه؛ فإنه أنشأ العقد على غير بصيرة، والأصل بقاء أبيه والنكاح في مسألة صاحب التقريب ينشأ عن علم بأن الحرية تسبقه، وتتقدم عليه.
قال: وإن أعتقت المرأة عبدها على أن يتزوج بها، عتق- أي: من غير قبول- على المذهب الصحيح، ولا يلزمه أن يتزوج بها، [فلا ترجع] عليه بالقيمة؛ لأنها لم تشترط عليه عوضاً، وإنما وعدته وعداً جميلاً؛ فصار كما لو قال لعبده:"أعتقتك على أن أعطيك ألفاً".
وفيه وجه: أنه يفتقر إلى قبوله في تحصيل العتق، فإذا قبل عتق، ولزمته قيمته، ولا يلزمه الوفاء بالتزويج؛ بالقياس على المسألة قبلها.
والفرق على المذهب: أن بضع الأمة متقوم شرعاً مقابل بالمال، ونكاح الرجل ليس متقوماً على المرأة.
قال: وإن تزوجها [أي]: على أن عتقه صداقها، استحقت عليه مهر المثل؛ لفساد الصداق.
قال: ويعتبر مهر المثل بمهر من يساويها من نساء العصبات- أي: إذا وجد لحديث معقل بن يسار، وهو يجب في النكاح في تسعة مواضع:
المفوضة إذا دخل بها أو مات عنها في أحد القولين، وإذا فوضها بغير إذنها، أو كانت محجوراً عليها، وصححنا النكاح، والمفوضة المهر، والتي سمي لها مهر فاسد: إما لجهالته، أو يكون ملك الغير، أو حراماً أو حرّاً في أحد القولين، وفي نكاح المغرور وإذا أصدقها ثوباً على أنه هروي، [فإذا هو] مروي، وإذا فات المسمى [قبل القبض] على أحد القولين، و [إذا شرط في الصداق شرط فاسد، وإذا تزوج نسوة بمهر واحد في أحد القولين.
ويجب في غير] النكاح في صور نذكرها من بعد، إن شاء الله تعالى.
ونساء العصبات كالأخوات من الأبوين، أو من الأب، وبنات الإخوة كذلك، والعمات، وبنات العم كذلك، وتقدم الأخت للأبوين على الأخت للأب، وكذا من عداها، ويراعى في ذلك الأقرب فالأقرب، ولا نظر إلى ذوي الأرحام؛ لأن المهر مما يقع به المفاخرة؛ فكان [كالكفاءة في النكاح]، بخلاف ما ذكره في الحيض: أن المبتدأة ترد إلى عادة نساء عشيرتها من الأبوين على أظهر الوجوه؛ تفريعاً على الرد إلى الغالب؛ لأن ذلك أمر يرجع إلى الخلقة والجبلة،
والأب [والأم] يشتركان فيه.
قال: في السن، والمال، والجمال، والثيوبة، والبكارة، والبلد، أي: وكذا في العفة، والعقل، وسائر الصفات التي تختلف بها الأغراض؛ لأنه قيمة متلف؛ فاعتبر فيه الصفات التي لا تختلف بها الأغراض؛ وهذه الصفات تختلف بها الأغراض، فإن كانت أكثر منهن جمالاً، أو أصغر سنّاً، زيد في مهرها [بسبب ما فيها من الجمال، وزيادة الأوصاف، وكذلك لو نقصت، نقص من مهرها] والرأي في ذلك منوط بنظر الحاكم.
وفيما علق عن الإمام: التسوية بين البكر والثيب؛ إذا كان لها شرف النسب.
وفي المال وجه: أنه لا اعتبار به.
والمراد باعتبار البلد: أن ينظر إلى مهر نساء عصباتها في تلك البلدة، فإن كان بعضهن في بلدة أخرى؛ فلا عبرة بمن في [ذلك البلد] أما إذا كان جميعهن ببلد آخر، قال الرافعي: فالاعتبار بهن أولى من الاعتبار بالأجنبيات في تلك البلدة.
وفي التهذيب: أن الاعتبار بهن، من غير لفظ الأولوية.
وفي الشامل: أنه لا اعتبار بقراباتها؛ لأن عادات البلاد في المهر تختلف.
قال مجلي: وهذا فيه نظر؛ فإن اعتبار البلد مؤخر عن القرابات في المذهب؛ فكيف تسقط القرابات إذا كن في غيره، ويجعل الاعتبار بالبلد؟!
تنبيه: مهر المثل يجب حالّاً من نقد البلد، فلو رضيت المرأة بالتأجيل، لا يثبت، ولو كانت النسوة المعتبر [بهن] ينكحن بمؤجل، أو بصداق بعضه مؤجل- فلا يؤجل أيضاً، ولكن ينقص منه بقدر ما يقابل التأجيل.
ولو جرت عادتهن بأن يخففن مع العشيرة دون غيرها خفف في حق العشيرة دون غيره [وكذا لو كن يخففن إذا كان الخاطب شريفاً، خفف في حق الشريف] دون غيره.
وقيل: لا يخفف في حق العشيرة والشريف.
وقيل: مهر المثل الواجب بالعقد يختلف حكمه، أما الواجب بالإتلاف فلا ينبغي أن يختلف.
قال القاضي الروياني: وبهذا أقول.
قال: فإن لم يكن لها نساء عصبات- أي: على تلك الصفات- لا في بلدها، ولا في غيرها، أو كن، ولكن لم ينكحن، أو جهل مقدار مهرهن- اعتبر بأقرب النساء إليها- أي: كالأمهات، والجدات- ويقدم الأقرب فالأقرب؛ لأنهن أولى بالاعتبار.
ولو كان لها نساء عصبات ميتات، ففي التهذيب وغيره: أنه لا يعتبر بهن.
وفي الذخائر: [أن] في اعتبار نساء عصبة المولى وجهين، فإن قلنا: يعتبرن، قدمن على أقرب النساء غير العصبات.
قال: فإن لم يكن لها أقارب من النساء، اعتبر بنساء بلدها؛ لأنهن أقرب إليها، ثم بأقرب النساء شبهاً بها؛ لأنه الممكن.
فروع:
[أحدها]: من لا نسب لها تعتبر بمهر من لا نسب لها، وكذا العربية [تعتبر] بمثلها، والأمة بمثلها، وننظر إلى شرف السيد وخسته، والمعتقة تعتبر بمثلها، وفيه وجه: أنها تعتبر بنساء الموالي.
قال: وإذا أعسر الزوج بالمهر قبل الدخول، ثبت لها الخيار؛ لأنه أعسر عن [تسليم العوض، والمعوض باق بحاله؛ فأشبه ما إذا أفلس المشتري بالثمن.
وإن أعسر بعد] الدخول، ففيه قولان:
أحدهما: لا يثبت الفسخ؛ لأن البضع بعد الوطء كالمستهلك؛ فأشبه ما لو أفلس المشتري بعد هلاك السلعة.
ولأن تسليمها يشعر برضاها بذمته، وإذا منعناها من الامتناع بعدما سلمت نفسها، فَلِئلَّا نسلطها على الفسخ كان أولى.
والثاني: يثبت الفسخ، وهو المحكي عن نصه في الإملاء، والصحيح في المهذب؛ [لأن البضع لا يتلف بوطء مرة واحدة؛ فجاز الفسخ والرجوع إليه، وقد أشير إلى بناء] القولين على تردد في أن المقابل بالمهر الوطأة الأولى؛ [فيكون المعوض تالفاً، ويمنع الفسخ، أو في مقابلة [جميع] الوطآت؛ فيكون المعوض باقياً فيه بقاء بعض المبيع في يد] المفلس؟ وهذه الطريقة هي أصح الطرق عند الشيخ أبي حامد، والقاضي الروياني، وغيرهما.
وعند ابن أبي هريرة، والطبري، وابن الوكيل، والقاضي أبي حامد: أنه إن كان الإعسار قبل الدخول فقولان، وإن كان بعده فلا فسخ بلا خلاف.
وقيل بطرد القولين قبل الدخول وبعده.
وقيل بثبوت الفسخ قبله وبعدمه بعده، وبهذا الطريق قال أبو إسحاق.
وقيل: إنه لا يثبت في الحالين، وهو الأصح عند الإمام، والغزالي.
ويخرج من مجموع الطرق ثلاثة أقوال- كما ذكر في التهذيب-: الثالث: التفرقة بين ما قبل الدخول؛ فيثبت، أو بعده؛ فلا يثبت؛ وهذا الذي عليه الأكثر.
والأصح في التهذيب ثبوت الفسخ في الحالين.
فرعان:
أحدهما: لو رضيت بالمقام معه بعد أن مكنها القاضي من الفسخ، فهل تمكن من الفسخ بعد ذلك؟ قال الرافعي: لا تتمكن؛ لأن الضرر لا يتجدد والحاصل مرضي به؛ وهذا ما أطلقه جمهور الأصحاب.
وعن أقضى القضاة الماوردي: أن هذا فيما إذا كانت المحاكمتان معاً قبل الدخول، أو بعده، أما إذا كانت المحاكمة الأولى قبل الدخول، والأخرى بعده- فوجهان.
وفي التتمة: أن من أصحابنا من قال: لا يثبت لها الفسخ.
والصحيح: أن الحكم فيه كالمسلم فيه إذا انقطع، وقلنا: لا ينفسخ، ومقتضى هذا:[أن] الخيار لا يكون على الفور؛ لأنه إذا لم يسقط [مع الرضا] بالمقام، فَلِئَلَّا يسقط بترك الفسخ أولى.
وفي الرافعي: أنه على الفور، وهو ما تبين على ما نقله نعم: نقل أنها لو علمت بإعساره، وأمسكت عن المرافعة والمحاكمة، [نظر:
إن] كان ذلك بعدما طالبته بالصداق، سقط خيارها، وإن كان قبل المطالبة، لم يسقط، وقد تؤخر المطالبة على توقع اليسار.
الثاني: لو نكحته، وهي تعلم إعساره، فهل لها الفسخ؟ فيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ، ونقلهما الرافعي عن القاضي الروياني، وأن أشبههما المنع؛ كما لو رضيت به في النكاح، ثم بدا لها.
وفي الزوائد للعمراني، في باب الخيار في النكاح ضمن مسألة [منه]: أن في المسألة قولين:
الجديد: ثبوت الخيار، ولم يحك الماوردي غيره، ووجهه: أن الإعسار من العيوب المظنونة، وأنه مما يجوز أن يزول بعد وجوده.
والقديم: أنه لا خيار.
قال: ولا يجوز الفسخ إلا بالحاكم؛ لأنه مختلف فيه؛ فأشبه العنة.
وفي التتمة: أن للمرأة أن تتولى الفسخ بنفسها على وجه، وشبهه بخيار رد المبيع بالعيب، وتمام التفريع على ذلك يأتي إن شاء الله- تعالى- عند الكلام في الإعسار بالنفقة؛ لأنه في التهذيب جعل حكمه حكمه، وكذلك الرافعي.
فرع: المفوضة إذا أعسر زوجها بالمهر، وقلنا: تستحقه بالعقد، فهل يتوقف حق الفسخ على أن يفرض لها، أو تملك الفسخ قبل الفرض؟ فيه وجهان في النهاية.
قال: وإن اختلفا في قبض الصداق، فالقول قولها؛ لأن الأصل عدم القبض.
ولو كان الصداق تعليم سورة، فاختلفا في تعليمها، وكانت تحفظها، فهل القول قوله، وقولها؟ فيه وجهان.
قال: وإن اختلفا في الوطء فالقول قوله- أي: سواء [كان] خلا بها، أو لا- لأن الأصل عدم الوطء.
وفيه قول: إذا وجدت الخلوة كان القول قولها، وقد تقدم ذكره.
فإن قيل: [إن] الاختلاف في الوطء بعد الطلاق؛ لأجل رجوع الزوج في [شطر] الصداق، فهلا خرج قبول قولها أو قوله على تقابل الأصلين؛ لأن المرأة تملك الصداق بجملته بالعقد، والزوج يدعي رجوع الشطر إليه بالطلاق؛ لصدوره قبل الدخول، والأصل بقاء ملكها؛ كما أن الأصل عدم الوطء المقتضي [لرجوع الشطر.
قلنا: المختلف فيه أصلاً إنما هو الوطء، واستقرار الملك تبعه؛ فلا يجوز أن يجعل الأصل في الملك، وهو بقاؤه، رادّاً على الأصل في الوطء، وهو عدمه؛ إذ هو فرعه، والفرع لا يرجح على أصله، والله أعلم].
فرع: لو أقامت شاهداً واحداً على اعترافه بالدخول، حلفت معه؛ لأن المقصود منه المال، بخلاف ما لو أقام [الزوج] شاهداً واحداً على إقرارها بالدخول؛ فإنه لا يحلف معه؛ لأن مقصوده ثبوت العدة، والرجعة، وذلك ليس بمال؛ قاله البندنيجي في كتاب العدد.
قال: فإن أتت بولد يلحقه نسبه- أي: ولم ينفعه باللعان- استقر المهر في أحد القولين- أي: إذا ادعت الوطء- لأن ذلك دليل الوطء، وهذا ما حكاه الرافعي لا غير عند الكلام في العنة.
وقال في كتاب الإيلاء: إنه الظاهر، والمنصوص عليه في رواية المزني وغيره.
قال: ولم يستقر في الآخر؛ لأن الولد يلحق بالإمكان، واستقرار المهر يتوقف
على حقيقة الوطء، والأصل عدمه؛ وهذا ما نسبه الرافعي في كتاب الإيلاء إلى حكاية الربيع، وأن الشيخ أبا علي حكى طريقاً آخر، وهو تنزيل النصين على حالين: إن اختلفا قبل حدوث الولد، وحكمنا بنصف المهر؛ تصديقاً له، ثم أتت بالولد- لا يغير حكم المهر، ويلحق الولدب الإمكان.
وإن اختلفا بعد حدوث الولد، ومات الزوج؛ فلا يقبل قول الورثة، بل نصدقها ونوجب [كل] المهر، وحكاه البندنيجي- أيضاً- في كتاب العدد.
فإن قيل: الخلاف المتقدم ينبغي أن يبني على الخلاف في أن استدخال الماء هل يقرر المهر أم لا؟ فإن قلنا: إن استدخال الماء يقرره، وجب أن يستقر هنا؛ إذ لا يخلو العلوق أن يكون من وطء أو استدخال الماء، وأيهما كان فهو مقرر.
وإن قلنا: لا يقرره، فقد صار العلوق ممكناً من غير وطء، وهو استدخال الماء؛ فال نجعل لحوق النسب دليلاً على الوطء، وقد أشار إلى ذلك ابن الصباغ قبل باب المتعة.
[و] قيل: لا يحسن ذلك؛ لأن مقتضى هذا البناء أن يكون الصحيح هنا عدم الاستقرار؛ لأن الصحيح عدم الاستقرار باستدخال الماء، والصحيح خلافه، وإن كان الجيلي قد قال: إن الصحيح عدم الاستقرار في مسألتنا.
[ولأن] الخلاف هنا محكي قولين كما ذكرناه، والخلاف في استدخال الماء محكي وجهين، ولا يمكن بناء قولين على وجهين، وإن كان ابن الصباغ قد حكى [الخلاف] هنا وجهين، والله أعلم.
التفريع:
إن قلنا بالاستقرار، فلابد من يمينها على الإصابة.
وقال الرافعي: يمكن أن يخرج يمينها على الخلاف فيما إذا أقامت بيّنة على بكارتها عند دعوى الزوج [الوطء] في مدة العنة، [وقد تقدم ذكره].
قلت: [ويمكن] أن يفرق بينهما بأن ثَمَّ دعواها عدم الوطء موافقة للأصل، وإذا أقامت بينة على البكارة، كان ذلك مؤكداً للأصل الذي ادعته؛ فأمكن أن يستغني عن اليمين؛ لوجود مرجحين تضافراً على محل واحد، وهنا دعواها الإصابة مخالفة للأصل، وظهور الحمل مرجح واحد، عارضه الأصل مع احتمال حصول العلوق [باستدخال الماء]، ولا يلزم من ترك اليمين- عند وجود مرجحين لا معارض لهما- تركها عند وجود مرجح واحد له معارض، نعم:[قد] يتجه أن يكون في يمينها خلاف مبني على ما تقدم، من أن استدخال الماء هل يقرره أم لا؟ فإن قلنا:[لا يقرره]، فلابد من اليمين؛ لاحتمال أن يكون العلوق من [استدخال الماء.
وإن قلنا: إنه يقرره، فلا فائدة لليمين؛ إذ لا علوق إلا من وطء أو استدخال الماء.
ويمكن أن يقال: يحتمل أن يكون العلوق من] غير الزوج، وإنما الشرع ألحق الولد بالزوج، ولم يراعِ هذا الاحتمال؛ لقيام الفراش؛ فتحلف لقيام هذا الاحتمال؛ وهذا- أيضاً- مما يضعف البناء المذكور أَوَّلاً.
فائدة: كل من ادعى عدم الوطء، كان القول قوله، إلا في خمس مسائل:
إذا ادعى المولى الوطء، والمرأة ثيب، وأنكرت، فالقول قوله.
وكذلك العنين إذا ادعى الوطء، وأنكرت.
وهاتان المسألتان لم يختلف فيهما.
والثالثة: إذا أتت بولد يمكن أن يكون منه وادعت الوطء، هل القول
قولها، أو قوله؟ فيه وجهان.
والرابعة: إذا وجدت الخلوة، وادعت الوطء، وأنكره، فهل القول قول من منهما؟ فيه قولان.
والخامسة: إذا قلنا: [إن] خيار الأمة في العتق يسقط بالوطء، فادعى الزوج الوطء، وأنكرت، هل القول قوله أو قولها؟ فيه وجهان.
قال: وإن اختلفا في القدر المسمى- أي: [ولا بينة- تحالفا]؛ كما في البيع.
وكذا الحكم فيما لو اختلفا في صفة المسمى: كالصحة والتكسير، والحلول والتأجيل، وقدر الأجل.
ولو قال: أصدقتك هذا العبد، فقالت: بل هذه الجارية، فالمذهب جريان التحالف.
وفيه وجه ضعيف: أنهما لا يتحالفان؛ فإن الصداق في حكم عقد مستقل؛ صرح به الإمام قبل كتاب القسم.
ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون هذا الاختلاف قبل الدخول، أو بعده، مع بقاء النكاح أو انقطاعه؛ لأن [في] الصداق عقداً مستقلّاً بنفسه، وأثر التحالف يظهر فيه، لا في النكاح؛ كما سيأتي.
ولو ادعت تسمية شيء، وأنكر الزوج أصل التسمية، ففيه وجهان:
أصحهما- وهو اختيار القاضي الحسين-: أنه يجري التحالف.
والثاني: أن القول قول الزوج مع يمينه.
قال الرافعي: إنما يحسن وضع المسألة إذا كان ما تدعيه أكثر من مهر المثل.
قلت: ويحسن إن كان ما تدعيه مساوياً لمهر المثل إذا كان من غير نقد البلد؛
لاختلاف الأغراض بأعيان الأموال.
ولو ادعت النكاح ومهر المثل، فاعترف [الزوج] بالنكاح، وأنكر المهر، وسكت عنه، ولم يدع التفويض، ولا إخلاء النكاح عن ذكر المهر- ففيه وجهان، حكاهما الغزالي:
أحدهما: [أنه] يثبت لها المهر إذا حلفت، وينسب إلى القاضي الحسين.
وأظهرهما عنده: جريان التحالف؛ وهذا لا يكاد يتصور؛ فإن التحالف يقتضي أن يحلف كل واحد منهما على إثبات ما يدعيه، ونفي ما يزعم صاحبه، والزوج لم يصدر منه سوى إنكار مطلق، فأي معنى للتحالف؟!
والذي أجاب به مشايخ طبرستان- على ما قاله القاضي الروياني-: أن القول قول الزوج، وعليها البينة.
قال: والحق ألا يسمع إنكاره؛ لاعترافه بما يقتضي المهر، ولكن يكلف البيان، فإن ذكر قدراً، وذكرت زيادة عليه، تحالفا، وإن أصر على الإنكار، ردت اليمين عليها، وقضى لها.
أما إذا كان لهما بينة، فإن أقامها أحدهما، عمل بها، وإن أقاما بينتين، وهما مختلفتان في قدر الصداق، فعن ابن سريج وجهان:
أحدهما: [أن] بينة الزوج أولى؛ لاشتمالها على الزيادة.
والثاني: أنهما يتعارضان، فإن قلنا بالتساقط فكأنه لا بينة.
وإن قلنا: يقرع، فهل يحتاج من خرجت قرعته إلى يمين؟ فيه وجهان؛ كذا حكاه الرافعي، ومقتضاه أن القرعة تجري على قول الاستعمال، ولم [يحك ذلك][في التحالف] في البيع، بل حكي أنه يوقف، وإن كان ابن التلمساني في "شرح التنبيه" حكى في جريان القرعة والوقف وجهين.
قال: ويبدأ بيمين الزوج؛ هذا نصه هنا؛ لقوة جانبه بعد التحالف ببقاء البضع
له، وهو كالبائع؛ إذ يرجع إليه المبيع بعد التحالف.
قال: وقيل: فيه ثلاثة اقوال:
أحدها: هذا.
والثاني: يبدأ بيمين المرأة؛ [لأنها] في منزلة البائع، والزوج في منزلة المشتري، وقد نص الشافعي على أنه يبدأ بالبائع.
والثالث: بأيهما شاء الحاكم؛ لتساويهما.
وقيل: يقرع بينهما.
وهذا الخلاف في الاستحباب، لا في الاستحقاق؛ نص عليه الشيخ أبو حامد وصاحب التهذيب، والتتمة.
وفي ابن يونس حكاية وجه عن الحاوي: [أنه] في الاستحقاق؛ وهذا كله موضع الكلام فيه باب "التحالف"، وإنما [ذكر هنا]؛ لبعد العهد به.
قال: فإذا حلف، لم ينفسخ النكاح؛ لأن التحالف يوجب الجهل بالعوض، والنكاح لا يفسد بالجهل بالعوض على الصحيح.
قال: ووجب مهر المثل- أي: إذا [قلنا: ينفسخ] عقد الصداق، أو قلنا: إنه ينفسخ بنفس التحالف- لأن المسمى سقط، وتعذر الرجوع إلى المعوضح فوجب رد بدله؛ كما لو تحالفا بعد هلاك المبيع في يد المشتري.
وقال ابن خيران: [و] إن زاد مهر المثل على ما ادعته، فليس [لها] إلا ما ادعته، وحكي عن ابن الوكيل أيضاً.
قال ابن الصباغ: وهذا مبني على أن الفسخ [هل] يقع في البطن مع الظاهر أم لا؟ وفيه وجهان، فإن قلنا: إنهي نفسخ في الباطن، استحقت مهر المثل، وإلا فالمسمى؛ إذا كان أقل.
قلت: وما قاله ابن الصباغ يتجه إذا كان المسمى من نقد البلد، أما إذا كان
عرضاً، فكيف يسلم إليها مع الحكم بانفساخ عقد الصداق في الظاهر، مع اختلاف الأغراض بأعيان الأموال والله أعلم.
فرعان:
أحدهما: لو مات الزوجان، واختلف الوارثان في الصداق، أو أحدهما ووارث الآخر- تحالفا، ويحلف الوارث في النفي على نفي العلم، وفي الإثبات على البت.
وأحسن بعض الشارحين، فقال: عندي يحلف على البت في النفي والإثبات جميعاً؛ لأن القطع بأن النكاح جرى بخمسمائة، قَطْعٌ بأنه ما جرى بألف؛ فلا معنى لقوله:"لا أعلم بأنه نكحها بألف".
ولو ادعت على الوارث أن الزوج سمى لها ألفاً، فقال الوارث: لا أعلم كم سمى؟ فلا يتحالفان، ولكن يحلف الوارث على نفي العلم، ويقضي لها بمهر المثل؛ على ما حكاه المتولي.
الثاني: لو وقع الاختلاف في قدر المهر، [أو] صفته بين ولي الصغيرة أو المجنونة، وبين الزوج، فوجهان:
أظهرهما- وبه قال ابن سريج، وابو إسحاق-: أنهما لا يتحالفان، ولكن يوقف إلى البلوغ، أو الإفاقة، ويجوز أن يحلف الزوج، ويوقف يمينها إلى زمن الإمكان.
والثاني: أنهما يتحالفان، وهو الأصح في المهذب، وذلك مصور فيما
إذا ادعى الوَلِيُّ زيادة على مهر المثل، وادعى الزوج قدر مهر المثل، [أما إذا ادعى الزوج أن المسمى أنقص من مهر المثل]، فلا حاجة إلى التحالف، ويجب مهر المثل.
ولو ذكر الزوج قدراً زائداً على مهر المثل، وادعى الولي زيادة عليه، فلا يتحالفان؛ كي لا يرجع إلى مهر المثل.
وما ذكرناه يجري في اختلاف الزوجة وولي الصغير والمجنون وبين وليَّيْ الزوجين، وفي الوصي، والقيم والوكيل.
قال: ومن وطئ امرأة بشبهة، أو في نكاح فاسد، أو أكره امرأة على الزنى- وجب عليه مهر المثل، أي: باعتبار وقت الوطء.
أما في النكاح الفاسد؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ مَسَّهَا، فَلَهَا المَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا".
وأما في الباقي؛ فبالقياس عليه؛ بجامع ما اشتركا فيه من استيفاء منفعة البضع.
ولا فرق في الشبهة بين شبهة المحل، والطريق، والملك، والاعتبارُ في الاشتباه جانب المرأة بالنسبة إلى المهر؛ كما تقدم في باب:"ما يحرم من النكاح".
فروع:
[أحدها] إذا وطئ المرتهن الجارية [المرهونة] بإذن الراهن، وهو جاهل [بالتحريم]، ففي وجوب المهر قولان، وفي قيمة الولد طريقان:
أحدهما: طرد القولين.
والثاني: القطع بالوجوب.
[الفرع الثاني] إذا كانت الموطوءة بكراً، هل يعتبر مهر ثيب، ويجب معه أرش البكارة، أو يجب مهر بكر؟ فيه وجهان:
أظهرهما- وهو ما أورده الغزالي في [باب] الديات، وينسب إلى النص-:[الثاني؛ لأن] المهر يجب للاستمتاع واستيفاء منفعة البضع، والأرض يجب لإزالة [تلك][البكارة، وهي] الجلدة، والجهتان مختلفتان؛ فينفرد [موجب] كل واحد منهما عن موجب الآخر.
وفي ابن يونس حكاية وجه [ثالث]: أنه يجب مهر بكر، وأرش البكارة؛ [وهو] محكي في الديات.
[الفرع الثالث:] إذا تكرر منه الوطء، فهل يجب بكل وطأة مهر، أم يتحد المهر؟ ينظر:
إن كان الوطء في نكاح فاسد، فلا يجب إلا مهر واحد، وادعى الإمام في ذلك الإجماع عند الفروع المذكورة قبل "القسم".
وإن كان وطء شبهة، فينظر:
إن تعددت الشبهة؛ بأن وطئ بشبهة، ثم زالت، ووطئ بشبهة أخرى- وجب مهران.
وإن كانت الشبهة واحدة، نظر:
إن كانت شبهة محل أو طريق، لم يجب إلا مهر واحد؛ كما [يجب] في النكاح الفاسد.
وفي الإبانة: أن مشتري الجارية المغصوبة من الغاصب إذا تكرر منه وطؤها، مع جهله بكونها مغصوبة: أن في تكرر المهر وجهين، وهذه شبهة محل؛ إذ هو
يظن أنها ملكه، ومقتضى ذلك جريان الوجهين [فيها].
وإن كانت شبهة ملك: كالأب إذا وطئ جارية الابن، وأحد الشريكين إذا وطئ الجارية المشتركة، والسيد مكاتبته- ففي التعدد وجهان:
أشبههما: أنه لا يجب إلا مهر واحد؛ لأن الشبهة، وهي وجوب الإعفاف، [وعلقة الملك]- شاملة.
وفي التهذيب: أن محل الوجهين ما إذا اتحد المجلس، أما إذا اختلف، تعدد المهر.
وقضية هذا: أن يطرد في شبهة المحل أيضاً.
[أما إذا] أكرهت على الزنى، وجب بكل وطأة مهر؛ لأن الوجوب هنا؛ لإتلاف منفعة البضع، وقد تعدد.
وفي "الوسيط" في كتاب "الغصب" حكاية تردد فيه عن الشيخ أبي محمد، حكاه الرافعي وجهين، الأصح منهما: التعدد؛ كما جزم [به] هنا، وقضية توجيهه الحكم بالتعدد في صورة الجهل أيضاً؛ لأن الإتلاف الذي هو سبب الوجوب حاصل؛ فلا معنى للإحالة على الشبهة؛ أورد هذا الإمام، وقال: هذه لطيفة يقتضي بها العجب.
وإذا قلنا بوجوب مهر واحد، فينظر فيه إلى أعلى الأحوال، ويكون الواجب مهر تلك الحالة.
قال: وإن طاوعته على الزنى- أي: حرة كانت أو أمة- وهي عالمة بتحريمه، لم يجب لها- أي: ولا لسيد الأمة- المهرُ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم "نَهَى عَنْ مَهْرِ البَغِيِّ"، ولأ، منافع البضع تقوم بالشرع، وهي محترمة، ولا حرمة مع البغي.
أما إذا كانت جاهلة بتحريمه؛ لكونها حديثة عهد بالإسلام، فمنهم من أوجبه؛ كما في الوطء بالشبهة، ومنهم من تردد في وجوبه، وإن قطع بسقوط الحد؛
لضعف هذه الشبهة؛ حكاه الغزالي في كتاب "الرهن"، ونقل عن القاضي أنا إذا اكتفينا بهذا القدر في إثبات الأحكام؛ فينبغي أن نقول: المجنون إذا زنى، فحكمه حكم الوطء بالشبهة.
قال: [وقيل]: إن كانت أمة، وجب؛ لأن المهر حق للسيد؛ فلا يؤثر فيه رضاها؛ كما لو أَذِنَت في قطع يدها؛ كذا علله الرافعي وغيره.
وفي "التتمة" في كتاب "الجنايات": لو أن عبداً قال لعبد آخر: اقطع يدي، ففعل، هل يجب القصاص أم لا؟ فعلى وجهين:
فإن قلنا: لا يجب، ففي وجوب الدية وجهان ينبنيان على أن الأمة إذا طاوعت في الزنى، هل يجب المهر أم لا؟ وفيه قولان.
وإذا كان هذا فرعاً لمسألة الباب، كيف يحسن قياس مسألة الباب [عليه]؟
قال: والمذهب أنه لا يجب؛ لعموم الخبر، وكون المهر حقّاً للسيد لا يمنع سقوطهب فعلها؛ كما إذا ارتدت قبل [دخول الزوج] بها، أو أُرضِعت إرضاعاً مفسداً للنكاح.
قال الإمام: وفيه لطيفة من جهة المعنى، وهي أنها مشاركة في العمل، وليس الزاني منفرداً بإتلاف المنفعة، ولا [تمييز، ولا تشطير]، والشرع لا يتقاضى إثبات البدل لحق الحرمة؛ ذكره في كتاب "الرهن" في ضمن فصل:"كل تصرف [يمنع نفوذه لحق] المرتهن".
فرع: وإذا قلنا بسقوطه، فلو كانت بكراً، فإذا قلنا: إنها إذا كانت مكرهة يجب مهر ثيب وأرش البكارة، [أو مهر بكر وأرش البكارة]- وجب أرش البكارة.
وعلى مقتضى ما قاله في "التتمة" ينبغي ألَّا يجب.
وإن قلنا: يجب عليه مهر بكر، فهل يجب عليه زيادة على مهر مثلها، وهي ثيب؟ فيه وجهان، حكاهما الرافعي في كتاب "الغصب".
[فرع] آخر: لو اختلفا في الطواعية، فادعاها الواطئ، وادعت الإكراه، فمن القول قوله؟ فيه قولان؛ لتقابل الأصلين؛ حكاهما في الغصب.
ومن الصور التي يجب فيها مهر المثل، التي تقدم الوعد بذكرها: الرضاع: إذا أرضعت زوجته الكبيرة الصغيرة، أو أم الكبيرة.
وفي الشهادة بالطلاق مع الرجوع؛ على الأصح.
والشفعة إذا جعل الشقص المشفوع صداقاً.
وإذا جاءت امرأة في أيام الهدنة على ما سيتضح في موضعه، إن شاء الله تعالى.
والخلع. وفيه صور تستنبط من الصور المذكورة في النكاح التي قدمناها، والله أعلم.