الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العبادة فقد اتخذه إلهاً من دون اللَّه (1)، وهذا هو حقيقة الشرك الأكبر، الذي قال اللَّه - تعالى - فيه:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} (2).
والمشركون يُدعَون إلى اللَّه - تعالى - بالحكمة القولية على حسب عقولهم وأفهامهم.
وسأبين ذلك - بإذن اللَّه تعالى - في المباحث الآتية:
المبحث الأول: الحجج والبراهين العقلية القطعية على إثبات ألوهية اللَّه تعالى
.
المبحث الثاني: ضعف جميع المعبودات من دون اللَّه من كل الوجوه.
المبحث الثالث: ضرب الأمثال الحكيمة.
المبحث الرابع: الكمال المطلق للإله المستحق للعبادة وحده.
المبحث الخامس: التوحيد دعوة جميع الرسل، عليهم الصلاة والسلام.
المبحث السادس: الغلو في الصالحين سبب كفر بني آدم.
المبحث السابع: الشفاعة المثبتة والمنفية.
المبحث الثامن: الإله الحق سخر جميع ما في الكون لعباده.
المبحث التاسع: البعث بعد الموت.
(1) انظر: فتح المجيد، شرح كتاب التوحيد، ص242.
(2)
سورة النساء، الآية:48.
المبحث الأول: الحجج العقلية القطعية على إثبات ألوهية اللَّه تعالى
من البراهين القطعية التي ينبغي للدعاة إلى اللَّه تبيينها وتوضيحها لمن اتخذ من دون اللَّه آلهة أخرى، قوله تعالى:{أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (1).
فقد أنكر – سبحانه – على من اتخذ من دونه آلهة من الأرض، سواء كانت أحجاراً أو خشباً، أو غير ذلك من الأوثان التي تعبد من دون اللَّه! فهل هم يحيون الأموات ويبعثونهم؟ والجواب: كلا، لا يقدرون على شيء من ذلك، ولو كانت في السماوات والأرض آلهة تستحق العبادة غير اللَّه لفسدتا وفسد ما فيهما من المخلوقات؛ لأن تعدد الآلهة يقتضي التمانع والتنازع والاختلاف، فيحدث بسببه الهلاك، فلو فُرِضَ وجود إلهين، وأراد أحدهما أن يخلق شيئاً والآخر لا يريد ذلك، أو أراد أن يُعطي والآخر أراد أن يمنع، أو أراد أحدهما تحريك جسم والآخر يريد تسكينه، فحينئذ يختل نظام العالم، وتفسد الحياة!، وذلك:
- لأنه يستحيل وجود مرادهما معاً، وهو من أبطل الباطل؛ فإنه لو وجد مرادهما جميعاً للزم اجتماع الضدين، وأن يكون الشيء
(1) سورة الأنبياء، الآيات: 21 – 23.
الواحد حيّاً ميتاً، متحركاً ساكناً.
- وإذا لم يحصل مراد واحد منهما لزم عجز كل منهما، وذلك يناقض الربوبية.
- وإن وُجِدَ مراد أحدهما ونفذ دون مراد الآخر، كان النافذ مراده هو الإله القادر، والآخر عاجز ضعيف مخذول.
- واتفاقهما على مراد واحد في جميع الأمور غير ممكن.
وحينئذ يتعين أن القاهر الغالب على أمره هو الذي يوجد مراده وحده من غير مُمانع ولا مُدافع، ولا مُنازع ولا مُخالف ولا شريك، وهو اللَّه الخالق الإله الواحد، لا إله إلا هو، ولا رب سواه؛ ولهذا ذكر – سبحانه – دليل التمانع في قوله عز وجل:{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (1).
وإتقان العالم العلوي والسفلي، وانتظامه منذ خلقه، واتساقه، وارتباط بعضه ببعض في غاية الدقة والكمال:{مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ} (2). وكل ذلك مسخر، ومدبر بالحكمة لمصالح الخلق كلهم – يدل على أن مدبره واحد، وربه واحد،
(1) سورة المؤمنون، الآيتان: 91 - 92.
(2)
سورة الملك، الآية:3.