الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الحكمة القولية في دعوة من يتعلق بغير اللَّه - تعالى - ويطلب الشفاعة منه أن يبين له أن الشفاعة ملك للَّه وحده {قُل للَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (1).
ويمكن أن
يرد على من طلب الشفاعة من غير اللَّه - تعالى - بالأقوال الحكيمة الآتية:
أولاً: ليس المخلوق كالخالق
، فكل من قال: إن الأنبياء والصالحين والملائكة أو غيرهم من المخلوقين لهم عند اللَّه جاهٌ عظيمٌ ومقاماتٌ عاليةٌ، فهم يشفعون لنا عنده كما يتقرب إلى الوجهاء والوزراء عند الملوك والسلاطين، ليجعلوهم وسائط لقضاء حاجاتهم، فهذا القول من أبطل الباطل؛ لأنه شبه اللَّه العظيم ملك الملوك بالملوك الفقراء المحتاجين للوزراء والوجهاء في تكميل ملكهم ونفوذ قوتهم، فإن الوسائط بين الملوك وبين الناس على أحد وجوه ثلاثة:
1 - إما لإخبارهم عن أحوال الناس بما لا يعرفونه
.
2 - أو يكون الملكُ عاجزاً عن تدبير رعيته فلابدّ له من أعوان؛ لذُلِّهِ وعجزه
.
3 - أو يكون الملك لا يريد نفع رعيته والإحسان إليهم
، فإذا خاطبه من ينصحه ويعظه تحركت إرادته وهمّته في قضاء حوائج رعيته.
(1) سورة الزمر، الآية:44.
واللَّه عز وجل ليس كخلقه الضعفاء، فهو تعالى لا تخفى عليه خافية، وغني عن كل ما سواه، وأرحم بعباده من الوالدة بولدها، ومعلوم أن الشافع عند ملوك الدنيا قد يكون له ملك مستقل، وقد يكن شريكاً لهم، وقد يكون معاوناً لهم، فالملوك يقبلون شفاعته لأحد ثلاثة أمور:
(أ) تارة لحاجتهم إليه. (ب) وتارة لخوفهم منه.
(ج) وتارة لجزاء إحسانه إليهم.
وشفاعة العباد بعضهم عند بعض من هذا الجنس، فلا يقبل أحد شفاعة أحد إلا لرغبة أو رهبة، واللَّه عز وجل لا يرجو أحداً ولا يخافه، ولا يحتاج إليه (1)، ولهذا قطع اللَّه جميع أنواع التعلقات بغيره، وبين بطلانها، فقال تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ .. } (2).
فقد سدّت هذه الآية على المشركين جميع الطرق التي دخلوا منها إلى الشرك أبلغ سد وأحكمه، فإن العابد إنما يتعلق بالمعبود لما يرجو من نفعه، وحينئذ فلابد أن يكون المعبود مالكاً للأسباب
(1) انظر: فتاوى ابن تيمية، 1/ 126 - 129.
(2)
سورة سبأ، الآيتان: 22 - 23.