الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويزيد ذلك وضوحاً وبياناً ما كان عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو الذي أعطاه ربه من الحكمة ما لم يعط أحداً من العالمين، فقد كان يضع العلم والتعليم والتربية في مواضعها، والموعظة في موضعها، والمجادلة بالتي هي أحسن في موضعها، والقوة والغلظة والسيف في مواضعها، وهذا من أحكم الحكم، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (1)، وهذا عين الحكمة في الدعوة إلى اللَّه تعالى (2).
المطلب الثاني: أسباب استخدام القوة الفعلية مع الكفار
أصناف المدعوين: من الملحدين، والوثنيين، وأهل الكتاب، وغيرهم من الكفار إذا لم يؤثر فيهم ما تقدم من حكمة القول في دعوتهم، ولم يستفيدوا من حكمة القول العقلية، والحسية، والنقلية، والبراهين المعجزة، والجدال بالتي هي أحسن، وأعرضوا وكذبوا فحينئذ يكون آخر الطب الكي: وهو استخدام القوة؛ فإن لها الأثر العظيم في نشر الدعوة، وقمع الباطل وأهله، ونصر الحق وأهله، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ
(1) سورة التحريم، الآية:9.
(2)
انظر: تعليق الشيخ محمد حامد الفقي على التفسير القيم لابن القيم، ص344.
لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (1).
فبين - سبحانه - أنه أرسل الرسل عليه الصلاة والسلام، بالبينات وهي: المعجزات، والحُجج الباهرات، والبراهين السَّاطعات، والدلائل القاطعات، التي يوضح اللَّه بها الحقّ، ويدفع بها الباطل، وأنزل مع الرسل الكتاب الذي فيه البينات والهدى والإيضاح، وأنزل معهم الميزان: وهو العدل في الأقوال والأفعال الذي يُنصَف به المظلوم من الظالم، ويقام به الحق، ويعامل الناس على ضوئه بالحق، وأنزل الحديد فيه قوة وردع وزجر لمن خالف الحق، فالحديد لمن لم تنفع فيه الحجة والبرهان وتؤثر فيه البيّنة، فهو الملزم بالحق والقامع للباطل بإذن اللَّه - تعالى -. ولقد أحسن من قال في مثل هذا:
وما هو إلا الوحْيُ أوْحَدُّ مُرْهَفٍ
…
تُميلُ ظُبَاه أخدَعَيْ كُلِّ مائِلِ
فهذا دواءُ الدَّاءِ مِن كلِّ عالمٍ
…
وهذا دواءُ الدَّاءِ من كُلِّ جاهِلِ
هوَ الحقُّ إنْ تستيقِظُوا فيه تَغْنَمُوا
…
وإن تَغْفَلُوا فالسَّيْفُ لَيْسَ بغافِلِ (2)
وقال آخر: يعني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
قالوا غَزَوْتَ ورسْلُ اللَّه ما بُعثوا
…
لقتْلِ نفسٍ ولا جاءُوا لسفكِ دم
جهلٌ وتضليلُ أحلامٍ وسفسطة
…
فتحتَ بالسيف بعد الفتح بالقلم
(1) سورة الحديد، الآية:25.
(2)
ديوان أبي تمام، بشرح الخطيب التبريزي، 3/ 86 - 87.