الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جوانب التربية العقلية والإبداعية
مدخل
…
المبحث الثالث جوانب التربية العقلية والإبداعية
وسائل حفظ وتربية العقل:
أن هناك مفسدات مادية وثقافية تواجه الإنسان وتفتك بعقله وتحرفه عن الصواب، مما يؤكد حاجة الإنسان لما يحفظ عقله من الزيغ والضلال، وينميه، حتى ينتج ويبدع، وهذا يتطلب بيان ما يأتي:
1 -
وسائل حفظ العقل.
2 -
وسائل تربية العقل.
3 -
المفسدات العقلية
أولاً:
وسائل حفظ العقل:
إن هناك حاجة ماسة لحفظ العقل البشري من وسائل الهلاك والدمار التي تواجهه من خلال وسائل مختلفة، وفي جوانب متعددة، تهوي به في الاتكالية على جهود الآخرين، أو تعطله عن مهامه بإشغاله فيما يضره ولا ينفعه، كوسائل اللهو المكثفة، والمخدرات المتنوعة، والبث المباشر الذي تسلل للبيوت، فانشغل الإنسان بالباطل عن الحق، وبالضار عن النافع، وبالمفضول عن الفاضل، مما يجعل المهام الملقاة على كاهل التربية ضخمة المسؤولية، من خلال المسجد والمدرسة والمنزل، والهيئات التربوية الأخرى.
وإزاء هذه التحديات التي في صراع مع منابع التربية يتأكد أهمية الوقوف على وسائل حفظ هذا العقل ليؤدي مهامه المطلوبة منه، فضلاً عن الإبداع المأمول، ويمكن إيضاح ذلك في النقاط التالية.
1-
الأخذ بكل ما تضمنه القرآن الكريم والسنة النبوية، دون قيد أوشرط، والإيمان بهما والعمل بمقتضاهما، دون الرجوع إلى أي منهج آخر للاحتكام إليه، قال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} 1. وهذا أمر قطعي لابد من الإيمان والعمل به، ويقتضي هذا عدم تقديم العقل على الشرع، لأن العقل محدود، ناقص، وقد أثبت الله تعالى كمال الشرع وحاكميته عليه، ولا يصح تقديم الناقص حاكماً على الكامل، لأنه خلاف المعقول والمنقول، بل ضد القضية، وهو الموافق للأدلة، فلا معدل عنه2.
وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا رأوا رأياً ووجدوا أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك عدلوا عن رأيهم ورجعوا للسنة3.
والتربية القائمة على هذا المبدأ تغرس في أفرادها الانقياد للشريعة الإسلامية، والإذعان لتوجيهاتها، مما ينمي في الفرد جوانب إبداعية من أبرزها:
- الدقة في التعامل مع نتائج الحضارات وفق النصوص الشرعية.
- صحة الفهم لمقاصد الشريعة التي تجعل المبدع يسخر إنتاجه لخدمة البشرية وصلاحها، لا لدمارها وإفسادها.
- سلامة المعلومات وصحتها من عدم تعارضها مع ما قررته الشريعة.
1 سورة الحشر: آية رقم 7.
2 الشاطبي، الموافقات 2/326-327.
3 انظر: الخطيب البغدادي، الفقيه والمتفقة 1/138.
- بذل الوسع في التحقق من صحة الاستنباطات والاستنتاجات.
- صدق التحليل والتفسير للظواهر والوقائع والحوادث الكونية والتاريخية في منأى عن الهوى والنزعات الشخصية.
2 -
أن لا يكون العمل إلا بدليل شرعي فيما يخص الأعمال العقدية والتعبدية، والمعاملات، ولا يكون توجه الإنسان واجتهاده في حياته وأعماله العامة والخاصة إلا وفق المنهج الإسلامي.
وهذا يجسد عند المسلم أهمية البحث العلمي وفق قواعده المعتبرة، مما ينعكس على إنتاجه الذي يرقى به إلى الدقة.
3 -
محاربة البدع والشبه، عن محيط المجتمع الإسلامي، وتوعية الأمة بالعلم الصحيح، حتى لا ترتكس في بؤرة الجهل الذي يحجبها عن العمل الصحيح. فما انحطاط كثير من المجتمعات الإسلامية إلا لكثرة البدع والشبه، وتفشي الجهل الذي حط بظلامه وركابه بينهم.
4 -
محاربة المسكرات والمخدرات بجميع أنواعها، واختلاف مسمياتها، لأنها حجاب فولاذي عن العمل والتفوق.
5 -
أن يعرف الإنسان محدودية عقله، وأن لعقله حدوداً لا يستطيع أن يتجاوزها، قال الشاطبي رحمه الله "إن الله جعل للعقول في إدراكها حداً تنتهي إليه لا تتعداه، ولم يجعل لها سبلاً إلى الإدراك في كل مطلوب، ولو كانت كذلك لاستوت مع الباري تعالى في إدراك جميع ما كان، وما يكون ومالا يكون إذ لو كان كيف كان يكون؟ فمعلومات الله تعالى لا تتناهى، ومعلومات العبد متناهية، والمتناهي لا يساوي مالا يتناهى"1.
1 الشاطبي، الاعتصام 2/318.
وهذه الحقيقة قاعدة تربوية عظيمة الأثر، إذ تؤكد أن الإنسان وإن كان مبدعاً في جانب، فلا يعني تفوقه في كل الجوانب، وإذا كان قاصراً في جانب، فقد يكون مبدعاً في جانب آخر، لو بحث عنه لتفوق فيه، وهذا ما يجهله كثير من الناس، حيث يُرَاد من الكل أن يتفوقوا في جانب معين، أو جوانب محددة، فمن أخفق فيها حُكِم عليه بالغباء.
6-
احتضان وتنمية المواهب والقدرات العلمية في جميع المجالات سواء ما يتعلق بأمور التقنية الحديثة، أو التخصصات العلمية، في الطب والهندسة، أو سواها من التخصصات التي تحتاج إليها الأمة الإسلامية. لأن عدم احتضانها وتنميتها وتوجيهها قد يؤول بها إلى الانحراف، نتيجة غياب التوجيه، وما انحراف كثير من الدراسات عن جادة الطريق إلا لسوء توجيه الدارسين.