المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌وسائل تربية العقل

‌وسائل تربية العقل

ثانياً: وسائل التربية الإبداعية والعقلية:

إذا تم الحفاظ على العقل، فثمة أمر آخر، وهو القيام بتنميته ليكون مثمراً مبدعاً، وهذه الوسائل قد تشتمل على ما يساعد على حفظه أيضاً، وذلك لصعوبة الفصل بينها فصلاً دقيقاً، ويمكن عرض ذلك فيما يلي:

1-

تدبر آيات الله القرآنية:

إن تدبر آيات الله القرآنية عبادة وفقه وتنمية للعقل على الخير، كما أن في ذلك حفظاً لعقل الإنسان من طرق الهلاك والضلال، وقد أمر الله تعالى بتدبر القرآن الكريم، فقال تعالى:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} 1.

فإن المعرضين عن كتاب الله تعالى، لو تدبروا القرآن الكريم لدلهم على كل خير، ولحذرهم من كل شر، ولملأ قلوبهم من الإيمان، وأفئدتهم من الإيقان، ولأوصلهم إلى المطالب العالية، والمواهب الغالية2 ومن يمتلئ قلبه بالإيمان والإيقان ويعرف طريق الخير، وطريق الشر، يتوجه للخير، وفعل الخير على أحسن وجه.

وفي تدبر آيات الله القرآنية تفتيح للعقول، وهداية وتوفيق وعون لها نحو التفوق. والمرء بأمس الحاجة إلى توفيق الله وعونه ليحقق مبتغاه في علمه ومهنته وإدارته، وفي جميع شؤونه.

1 سورة محمد: آية رقم 24.

2 عبد الرحمن السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 5/34.

ص: 470

2 -

تدبر آيات الله الكونية:

إن الإنسان يستطيع أن يشاهد ويلاحظ ما تستطيع حواسه أن تدركه من آيات الله الكونية المبثوثة في الكون، كالجبال والسهول والأودية والأشجار والنجوم، وغيرها من آيات الله الكونية، وهي آيات عظيمة تدل على عظمة الخالق تبارك وتعالى، فتربي الإنسان على صحة التوجه وسعة النظر، وكلما تأمل المؤمن في مخلوقات الله تعالى ازداد إيمانه واتسعت آفاقه وتفكيره، وقد بين تبارك وتعالى أن آياته تدل على الحق، قال تعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} 1.

فليتأمل الإنسان مثلاً: الحكمة البديعة في تيسيره سبحانه وتعالى على عباده ما هم أحوج إليه، فكل ما كانوا أحوج إليه كان أكثر وأوسع، وكلما استغنوا عنه كان أقل، وإذا توسطت الحاجة توسط وجودها، فاعتبر هذا بالأصول الأربعة: التراب والماء والهواء والنار، وتأمل سعة ما خُلِقَ منها وكثرته، فتأمل سعة الهواء وعمومه ووجوده بكل مكان، ولولا كثرته وسعته وامتداده في أقطار العالم لاختنق العالم من الدخان والبخار المتصاعد، وتأمل حكمة ربك في أن سخر لها الرياح، فإذا تصاعد أحاله سحاباً أو ضباباً، فذهب عن العالم شره، فسل الجاحد من الذي دبر هذا التدبير؟ وهل يقدر العالم لو اجتمعوا أن يحيلوا ذلك سحاباً ويذهبوه عن الناس؟ ولو شاء الله تعالى لحبس الرياح فاختنق من على وجه الأرض2.

1 سورة فصلت، آية رقم 53.

2 ابن قيم الجوزية، مفتاح دار السعادة 1/222-223.

ص: 471

فهذا التدبر إذا وسعته المناهج الدراسية أحدثت عند المتربي بُعْد النظر، وسعة الأفق، وحُسن الاستنتاج والاستنباط، وسلامة التحليل والتفسير، وربط الأسباب بالمسببات، وبخالق الأسباب ومدبر الأحوال.

3 -

تدبر العواقب:

مما يساعد الإنسان على نمو الجانب التفكيري وحسن الإبداع تعقل الأمور وتدبر عواقب ما يريد أن يقدم عليه، فينظر ما هي عواقبه ونتائجه عليه في دار معاده ومعاشه، وهل هي لذة وقتية يتبعها ألم دائم وحسرة قد لا تنقطع، أو ضد ذلك؟

فمثلاً: من طبيعة "الفضائل أنها مستحسنة مستثقلة، والرذائل مستقبحة ومستخفة"1 فمن ضعف تفكيره ووهن تميزه وقل نقده استسهل السهل لسهولته وإن كان فيه هلكته، واستثقل الثقيل لثقله على نفسه وإن كان فيه فوزه ونجاته.

كما أن في تدبر العواقب تدريباً للذهن على القياس، وربط نتائج الصور المتشابهة، واستنتاج القواعد من الحوادث المتماثلة، وفي هذا تدريب للعقل على التفكير والإبداع.

4-

حسن النقد والتمييز:

إن من أهداف التربية تهذيب الإرادة، وتنمية التفكير ليميز الغث من السمين، والحسن من القبيح، واختيار الفضائل وتجنب الرذائل حتى لا يكون

1 ابن حزم، الأخلاق والسير، ص 80.

ص: 472

عبد شهوته من جهة، وإمعة من جهة أخرى، ويغتر بكل قول، ويجذبه كل ناعق، وقد جاء في الحديث أن يوطن الإنسان لنفسه، قال صلى الله عليه وسلم:"لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا"1.

وتصرفات الإنسان هي وليدة أفكاره "وأصل الخير والشر من قبل التفكير، فإن الفكر مبدأ الإرادة والطلب في الزهد والترك والحب والبغض، وأنفع الفكر الفكر في مصالح المعاد، وفي طرق اجتلابها، وفي دفع مفاسد المعاد، وفي طرق اجتنابها"2.

لذلك على المربين أن يشجعوا الأبناء على ممارسة التقويم الذاتي بأنفسهم، حتى تكون لديهم قدرة الاعتماد على النفس واختيار الأفضل والأحسن في ضوء المنهج الإسلامي.

وهذا يربي فيهم سلامة التفكير، وحُسن المنطق، والقدرة على الاستفادة من الأوقات.

5-

تدبر الماضي التاريخي:

إن التاريخ حصيلة تجارب الأمم، وعبرة يعتبر بها الإنسان، ويستفيد منها، وقد نبه القرآن الكريم إلى أهمية استشراف التاريخ، والتعرف على السنن

1 الترمذي 4/320 برقم 2007، وقال: حديث حسن غريب، وقال الألباني: حديث ضعيف، ضعيف الجامع الصغير، برقم 6271-113 ص 905.

2 ابن قيم الجوزية، الفوائد، ص 193.

ص: 473

الطبيعية والاجتماعية، والإفادة من ذلك في الاعتبار، وبناء الحضارة، والمحافظة عليها من السقوط.

ولكن كشف هذه السنن المطردة لا يمكن أن يتم إلا بالاستقراء التاريخي، ودراسة أحوال الأمم الماضية، والوقوف على عوامل تقدمها، وأسباب سقوطها1.

والآيات القرآنية التي تحث على الاعتبار كثيرة2 ومن ذلك حثه سبحانه وتعالى على الاعتبار من عاقبة الأمم التي كذبت الرسل، وكانوا أصحاب أموال وقوة وعمران، فلما بغوا جاءهم العذاب فلم تنفعهم قوتهم، قال تعالى:{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} 3.

وأما أسلوب عرض الوقائع والأحداث التاريخية دون استجلاء العبر والسنن الإلهية في التمكين والنصر وفي الهزيمة، فلا يزيد شيئاً في الجانب التفكيري، وفي تقوية الجانب الإيماني، وفي الاعتبار والاستفادة، ولذلك فإن الدراسات التاريخية تحتاج إلى هذا النوع البناء من استجلاء العبر، وربط السنن الكونية بالسنن الشرعية الواردة في القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة.

1 أكرم ضياء العمري، الإسلام والوعي الحضاري، ص 102-103.

2 انظر: على سبيل المثال سورة يوسف آية 109، والحج آية 46، والروم آية 9، فاطر آية 44، وغافر آية 24،82. وانظر كتاب: الإسلام والوعي الحضاري، أكرم العمري، ص 102-118، وكتاب رؤية لأحوال العلم المعاصر، لمحمد قطب، ص 53-65.

3 سورة فاطر: آية رقم 44.

ص: 474

إضافة إلى إبراز مظاهر الحضارة الإسلامية وعمقها، وما أنتجته وأسهمت به في تقدم الأمم، لأن في ذلك باعثاً للهمم نحو التطلع لتحقيق المجد التليد، والاقتداء بِسِيَرِ الأولين في الجد والاجتهاد.

ص: 475

6-

أن تكون التفسيرات للأحداث في ضوء الشرع:

إن تفسير الحوادث الكونية والتاريخية والاجتماعية في معزل عن الشرع يُحدث تصدعاً في البنية المعرفية عند الإنسان، ويتبعها نظرة معملية لذلك، فيفقد بها المتربي المعرفة الشرعية، وربط الأسباب بمسبباتها، وربط ذلك كله بإرادة الله وحكمته وكمال تدبيره سبحانه وتعالى، فينعكس ذلك على الجانب الاعتقادي.

وبالتالي يحجم تفكيره عن الإبداع وسبر غور الأحداث، خاصة في المجال التاريخي والاجتماعي.

ومثال ذلك "السنن الاجتماعية التي أوضحها الله تعالى في القرآن الكريم، أن فشو الظلم وغياب العدل من الأسباب الموجبة لهلاك الأمم، وسقوط الحضارات"1. قال تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ} 2.

فإذا دُرس سقوط الأمم من خلال العثرات الاقتصادية التي وقعت فيها، وأودت بهلاكها، أو بالهزائم العسكرية وحدها، دون النظر إلى الأسباب الشرعية التي كانت أساساً للأسباب المادية كانت تلك الدراسة التاريخية مادية، لا تبني في صاحبها ولا في القارئ بُعد النظر الذي هو شعلة الإبداع المعرفي.

1 أكرم ضياء العمري، الإسلام والوعي الحضاري، ص 104.

2 سورة الأنبياء آية رقم 11.

ص: 476

7-

عدم الاتكالية:

إن الاتكال على الآخرين في كل شيء، والاعتماد عليهم في التنظيم والتخطيط وإيجاد الحلول والبدائل، يجعل عقل الإنسان عقيماً، بعيداً عن التفكير البناء، ويعيق نشاط الذهن الذي يثمر الإبداع الجيد الصحيح.

وعدم الاتكالية إحدى خطوات البحث العلمي الواعي، وهذا الأمر ليس مطلقاً، لأن الآخرين إما نقطة نبدأ منها للبناء، أو للهدم، أو نستعين بها، ولكن الخطأ في الاتكال الكلي دون أن يبذل الإنسان ما في وسعه. ولذلك اشْتُرِط للعمل الإبداعي أن يتحقق فيه أحد الشروط التالية:

- أن يكون النتاج الفكري جديداً، وذا قيمة.

- أن يتضمن تغييراً للأفكار السابقة، إذا كانت خاطئة.

- أن يكون النتاج الفكري عميقاً، أو فيه إثارة شديدة.

- أن تكون صياغة المشكلة مزيلة للغموض1.

وهذه الشروط تؤكد أهمية الابتكار في الإبداع.

8-

تعلم العلم:

إن العلم لقاح العقول، ينميها ويربيها وينير فيها روح الإبداع والبحث العلمي الواعي الرشيد، وأنفع العلوم في لقاح العقول وأكملها علم الشريعة، ثم العلوم التي يحتاجها الإنسان في بناء أمته ومجتمعه، كالاقتصاد والعلوم الزراعية والصناعية والتجارية والإدارية والطبية، وغيرها من العلوم النافعة، فكلما ازداد

1 فاخر عاقل، الإبداع وتربيته، ص 59،ومقداد يالجن التربية الإسلامية الأساسية، ص 488.

ص: 477

الإنسان معرفة في مهنته ازداد إبداعاً وتألقاً في ميدان تخصصه، إذا واكب ذلك رغبة وتطلعاً للأحسن والأكمل.

ومن الأمور المعينة على الإبداع في مجال العلم والتعلم ما يلي:

أ- الاستقراء:

وهي الطريقة التي ينقل بها المعلم ذهن المتعلم من المعلوم إلى المجهول، ومن المحسوس إلى المعنوي، ومن الملموس إلى غير الملموس، وذلك بتدرجهم في الانتقال من الجزء إلى الكل، حتى يستطيع المتعلم أن يصل من الحقائق الجزئية إلى التعميم، أي بتمكين المتعلم باستقرائه للحقائق الجزئية إلى استنباط المبدأ العام، أو القاعدة الكلية1.

ب- الطريقة الكلية:

وهي عكس الطريقة السابقة، حيث ينتقل بذهن المتلقي من القاعدة إلى جزئياتها الأصلية، ومن الكل إلى الجزء، مثل دراسة تعريف معين عن طريق تفتيت مركباته وعناصره الأصلية.

وفي هذه الطريقة يعرض المعلم على المتعلم الحادثة التاريخية - مثلاً - على نحو كلي شمولي، ثم يوضحها ويفسر أجزاءها، وتفصيلاتها بالدليل والبرهان، أو بتحليل الحوادث، أو بضرب الأمثلة2.

1 الزنتاني، أسس التربية الإسلامية في السنة النبوية، ص 468.

2 المرجع السابق، ص 470.

ص: 478

ج- القياس:

هو تسوية فرع بأصل في الحكم1 لوجود علة جامعة بينها "وهو أحد الأدلة التي تثبت بها الأحكام الشرعية"2 في الفقه الإسلامي.

والقياس لا ينحصر في الأدلة والأحكام الشرعية بل في كثير من فنون العلم والمهارات. وسواء كان في مجال الفقه أو في مجال الأمور العامة، فإنه وسيلة للإبداع، وحاجة يحتاج إليها الإنسان، فإن تربية المتعلمين على هذا الجانب، يقوي لديهم ربط وقياس الأمور المتشابهة بعضها ببعض، إذا وجدت العلة الجامعة بين الفرع والأصل، أو بين المقيس والمقاس عليه.

د- الحفظ:

ومن الأمور الجديرة بالاهتمام عملية الحفظ والاستذكار، حيث تجعل العلم في متناول الحافظ، يسير معه أين ما حل وارتحل، بعكس الذي يعتمد على الكتب فقط، فإنه يصبح أسيراً لها، لا يفكر إلا بوجودها.

والحقيقة إن هذا لا يعني التقليل من أهمية الكتاب، وإنما القصد أن يتمكن الإنسان بمحفوظه، وأن يتحرر من قيود ارتباطه بالكتاب في كثير من المواقف الطارئة، والمواقف التي لا يتوفر فيها الكتاب.

وفي الحفظ تدريب الذاكرة على ذلك مع سرعة الاسترجاع، وهذا في حد ذاته إبداع، يُعين المرء على التحليل والاستنتاج والقياس، والاستقراء دون

1 انظر شرح الكوكب المنير، تقي الدين الفتوحي، ص 479-515.

2 ابن عثيمين، الأصول في علم الأصول، ص 60.

ص: 479

ارتباط مباشر بالكتاب. قال أبو هلال العسكري "وإذا كان ما جمعته من العلم قليلاً وكان حفظاً كثرت المنفعة به، وإذا كان كثيراً غير محفوظ قلت منفعته"1.

وأما من زعم من الناس أن الحفظ ليس له قيمة ولا أثر على الإبداع، وأنه يجعل من الإنسان كتاباً ناطقاً، فإنها دعوة باطلة غير صحيحة، ودليل ذلك أن السلف كانوا يهتمون بالحفظ اهتماماً بليغاً حتى برز منهم مبرزون في الحفظ، فكان لهم قدم علم وفقه، مثل: الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وسعيد ابن المسيب وسليمان بن داود الطيالسي وأبي داود وسفيان الثوري وغيرهم2.

وقد بين السلف أهمية الحفظ في كسب العلم، حيث تطالع ذلك في مصنفاتهم مثل كتاب الحث على الحفظ لابن الجوزي.

كما أنه لا بد أن يلازم الحفظ الفهم السليم الذي يولد الوعي وحُسن الإدراك عند المتلقي، ويرتقي بدرجة حفظه إلى ما يقود للإبداع المعرفي.

9-

الحوار والمناقشة:

إن للأسلوب الحواري في تصحيح المعلومات الخاطئة، والتصورات الباطلة أثراً كبيراً في تقبل صحيح المعلومات والتصورات، وإزالة الملابسات، والمتعلقات الذهنية الخاطئة، لأن فيه قرع الحجة بالحجة، وتفتيح الذهن، وفك ما غلق واستصعب من الفهم والإدراك.

1 أبو هلال العسكري، الحث على طلب العلم، ص 74.

2 انظر ما أشار إليه ابن الجوزي عن حفظ هؤلاء، في كتابه الحث على حفظ العلم، ص 25-67.

ص: 480

وقد اشتمل القرآن الكريم على آيات كثيرات مبنية على الحوار، وكذا سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم1.

وأما أسلوب فرض المعلومات والآراء والأفكار على الآخرين فقد يقبلونها ولكن على غير رضى واقتناع، إما رهبة من عاقبة رد ذلك أو هيبة لذي السن والجاه، ولكن هذا الأسلوب يقتل الإبداع، ويميت حسن التفكير.

10-

ضرب الأمثال:

إن ضرب الأمثال وتعقلها يثير الجانب الذهني عند الإنسان بتوسعة أفقه، لأن في ضرب الأمثال تقريب المعنى للأذهان وتدريباً على حُسن القياس، وقد اشتمل القرآن الكريم والسنة النبوية على الكثير من الأمثال ألتي جاءت مؤثرة لقوة بيانها ووضوحها وترابط الممثل به والممثل عليه، ومثال ذلك:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} 2.

ومثال ذلك من السنة النبوية قوله صلى الله عليه وسلم: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن

1 انظر: عبد الرحمن النحلاوي، أصول التربية، ص 185-209، فقيه أمثلة كثيرة متنوعة.

2 سورة الحج: آية رقم 73.

ص: 481

يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة. ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة"1.

فتلك بعض الوسائل التربوية التي تساعد على حفظ العقل من الزيغ والضلال، وتعمل على تربيته وزيادة مقدرته في الفهم وحسن الإنتاج والإبداع، وهذا الأمر لا تكفي فيه الجهود الفردية، بل يتطلب الأمر أن تكثف جهود البيئات التربوية: كالمدرسة والأسرة وكافة الجهات التربوية الأخرى لبناء الإنسان المسلم بناء صحيحاً، يحقق أهداف التربية الإسلامية، المتمثل في تحقيق العبودية لله تعالى، وعمارة الكون بما يرضي الله تبارك وتعالى.

1 البخاري 3/463، برقم 5534، ومسلم 4/2026، برقم 146-2628.

ص: 482