المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ المفسدات العقلية:

ثالثاً:‌

‌ المفسدات العقلية:

إن صاحب العقل السليم يستطيع أن يستفيد من هذه النعمة الكريمة الكبيرة التي تميزه عن سائر الكائنات الحية، لكن بعض الناس اجتالتهم مفسدات العقل، فعطلت عقولهم، وغيرت وجهتهم الحسنة إلى وجهة سيئة، فانعكس ذلك على سلوكهم وتصرفاتهم، ويمكن إيضاح تلك المفسدات المهلكات فيما يلي:

1-

مفسدات فكرية:

وهي أن يتصور الإنسان الأمور الغيبية من غير منهج الله تعالى، وأن يتلقى الأوامر والنواهي المتعلقة بتوجيه الجانب العقدي والتعبدي، ونشاطه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأخلاقي من غير منهج الله تعالى1.

ومما يفسد العقل فكراً وتصوراً، إثارة الشبه بين الناس، وإشغالهم، وافتتانهم بها، وكذا الترويج للشعوذة والكهانة، والنظريات الباطلة في التربية والسياسة والاقتصاد والاجتماع والأخلاق، ونشر اللهو عن طريق وسائل متعددة: كالكتاب والمجلة والصحيفة والمسرح والقصص والسينما والرائي والمذياع، وغير ذلك من الوسائل ذات التأثير الفاعل.

وهذه المفسدات العقلية تنحو بفكر الإنسان منحى يبعده عن مساره الصحيح الذي يحقق فيه الجدية المعرفية أو المهنية التي هي روح الإبداع.

1 عبد الله أحمد قادري، الإسلام وضروريات الحياة، ص 114.

ص: 483

2-

مفسدات حسية:

وهي تلك المفسدات المادية كالخمور والمخدرات والمسكرات بجميع أنواعها، وقد حرمها الإسلام بنصوص شرعية كقوله تعالى:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} 1.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها، لم يتب، لم يشربها في الآخرة"2.

وهذه المفسدات تقوم بتعطيل العقل عن دوره، وحجبه عن مصالحه، وتعتيم الأمور عليه، حتى لا يدرك الخير من الشر، وبالتالي ينحرف بتصرفاته عن مواصفات الرجل العاقل المتزن الذي يقيم الأمور ويعالجها بحكمة وروية.

ومن أهم ما تحجبه عنه معرفة الحق وإدراكه والأخذ به، فتبعده عن طاعة الله تعالى التي خُلِقَ الإنسان من أجل تحقيقها.

كما تبعده عن التفكير في منافعه الدنيوية، والتوجه بجهده العقلي والبدني نحو تنمية قدراته ومواهبه نحو الإبداع والتفوق في المجال الذي يعمل فيه، سواء كان في الإدارة، أو الصناعة، أو الزراعة، أو الهندسة، أو نحو ذلك.

3 -

المعاصي والهوى:

ومما يفسد العقل الانغماس في المعاصي، واتباع الهوى، فينشغل بذلك عن معرفة مصالحه في دار معاشه ومعاده. وقد حذر الله تعالى من اتباع من اتبع

1 سورة المائة: آية 90.

2 مسلم 3/1587، برقم 73-2003.

ص: 484

هواه وذلك لفساده وفساد منهجه، فقال تعالى:{وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} 1.

والذي يحول بين القلب وبين الحق في غالب الأحوال اشتغال القلب بغير الحق من مفاتن الدنيا، ومطالب الجسد، وشهوات النفس، فهو في هذه الحال كالعين الناظرة إلى وجه الأرض لا يمكنها مع ذلك أن ترى الهلال.

أو هو يميل إليه فيصده عن اتباع الحق، فيكون كالعين التي فيها غذى لا يمكنها رؤية الأشياء.

ثم الهوى قد يعترض له قبل معرفة الحق فيصده عن النظر فيه، وقد يعرض له الهوى بعد أن عرف الحق فيجحده ويعرض عنه2.

وفي الجوانب العامة من مطالب الحياة، قد يفتن الهوى صاحبه، فلا يفكر في مصالحه ليبدع فيها، وإنما ينصب تفكيره في حسد الآخرين، والتطلع إلى ما عندهم، فينشغل بغيره عن ما ينفعه في دار معاشه ومعاده.

1 سورة الكهف: آية رقم 28.

2 ابن تيمية، الفتاوى 9/314.

ص: 485