الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم يُردْه الله ولا رسوله، فسوف يجزون جزاء أعمالهم السيئة التي كانوا يعملونها في الدنيا من الكفر بالله والإلحاد في أسمائه وتكذيب رسوله).
قال رسول الل صلى الله عليه وسلم: "لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللهِ عز وجل؛ إِنَّهُ يُشْرَكُ بِهِ وَيُجْعَلُ لَهُ وَلَدٌ وَهُوَ يُعَافِيهِمْ وَيَدْفَعُ عَنْهُمْ وَيَرْزُقُهُمْ"[رواه مسلم].
قال النووي -رحمه الله تعالى- في "شرح مسلم" ج 17 ص214:
قال العلماء: معناه أن الله تعالى واسع الحلم حتى على الكافر الذي ينسب إليه الولد والند. اهـ
وإن
مما دعاني إلى كتابة هذه الرسالة
، غفلة كثير من المسلمين عن معرفة ما يتصل بذات ربهم العلي العظيم، بما فيهم الخاصة قبل العامة، وأعني بالخاصة: الذين يحصلون على شهادات عِلمية، جامعية ومتوسطة، حتى وصل الأمر إلى جواب بعضهم -ونحن في بيت من بيوت الله تعالى- عند السؤال عن: أين الله؟ وصل الأمر إلى أنَّ أخفهم
جميعًا مَن قال: إن الله في كل مكان -تعالى الله عمَّا يقولون علوُّا كبيرًا- وأشدهم جهلًا بذات الله تعالى من قال: إن الله في قلبي، وأعظم مِن هذا وذاك من قال: إن الله في البيت
…
{يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} [يس:30]، {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} أي: أكثر الناس ليس لهم علم إلا بالدنيا وأكسابها وشؤونها وما فيها، فهم حُذَّاق أذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها، وهم غافلون عما ينفعهم في الدار الآخرة، كان أحدهم مُغَفّل لا ذهن له ولا فكرة. قال الحسن البصري: واللهِ لَبَلَغَ من أحدهم بدنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره، فيخبرك بوزنه، وما يحسن أن يصلي. اهـ
ونسي هؤلاء جميعًا أنَّ الله تعالى قد أخبر عن نفسه قائلًا:
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} [طه] أي: ارتفع عليه وعلا.
وأجمع السلف على إثبات استواء الله على عرشه، فيجب
إثباته من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، وهو استواء حقيقي، معناه: العلو والاستقرار على وجه يليق بالله تعالى. قال الإمام مالك: الاستواء معلوم (1)، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وإنما وقعت الشبهة لمثل هؤلاء في ظنهم الكاذب أنَّ السماوات والأرض أكبر شيء في هذا الوجود، وغفلوا عن أن هذه السماوات والأرض في كرسي الرحمن لا تساوي حلقة أُلقيت في فلاة: أي صحراء واسعة، خالية من الناس والماء والنبات.
(1) جاء في "شرح لمعة الاعتقاد" لابن عثيمين -رحمه الله تعالى- بتصرف: وقد فسر أهل التعطيل الاستواء: بالاستيلاء. فقالوا في قوله تعالى: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} أي: استولى عليه -تعالى الله عما يقولون علوّا كبيرا- ونرد عليهم: بأن قولهم هذا خلاف ظاهر النصوص وخلاف طريقة السلف، وليس عليه دليل صحيح، وأنه لا يعرف في اللغة العربية بهذا المعنى، وأنه يلزم عليه لوازم باطلة مثل: أن العرش لم يكن ملكًا لله، ثم استولى عليه بعدُ -سبحان الله عما يصفون-. (قل).
وغفَلوا أيضا عن أنَّ فضل العرش على الكرسي، كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ فِي الْكُرْسِيِّ (1) إِلَّا كَحَلَقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي أَرْضٍ فَلَاةٍ، وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلَاةِ عَلَى تِلْكَ الْحَلَقَةِ» [رواه ابن حبان، وصححه الألبانى في "مختصر العلو"].
{وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}
وإني لمَّا رأيت غفلة كثير من الناس عن معرفة الله معرفة علمية، استخرتُ الله تعالى، وشرعت في تحضير خطبة جمعة، جمعتُ فيها من أقوال أهل العلم -بطريقة سهلة ميسرة- ما يتصل باسماء الله تعالى وصفاته، ثم بعد إلحاح كثير من إخواننا في الله على جَعْل هذه الخطبة في كتاب ميسر، استخرتُ الله تعالى مرةً أخرى على تنفيذ ما طلبوا،
(1) قال الله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة]. قال ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: قوله تعالى {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ} : بمعنى شمل، يعني: أن كرسيه سبحانه وتعالى محيط بالسماوات والأرض، وأكبر منها، لأنه لولا أنه أكبر ما وسعها. (قل).