الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبهذه المزية فضل جميع الحيوانات حتى بلغ منها مراده بالتسخير والأعمال واستخراج المنافع منها وإدراك الحاجات بها وهذه المزية استفادها بالعقل لأن العقل ينبوع العلم والطبيعة ينبوع الصناعات، والفكر بينهما مستمد منها فصواب بديهة الفكر من سلامة العقل وصواب روية الفكر من صحة الطباع وصحة الطباع من موافقة المزاج بالبدن الاتفاقي والاتفاق الغيبي. وأصحاب الكلام في تهذيب الأخلاق يرون أن اختلاف الأخلاق في الإنسان كائن عن اختلاف قوى النفس الناطقة فإنهم يسمون القوة التي محلها الدماغ النفس الإنسانية وعنها تصدر الأفعال الملكية والقوة التي محلها القلب، النفس الغضبية وعنها تصدر الأفعال الشيطانية، والقوة التي محلها الكبد النفس الشهوانية وعنها الأفعال البهيمية، ولا يخلو أن تقوى كلها حتى تبدو أفعالها متكافئة من غير مطاوعة منها لغيرها وتكون كعدة أقوام ترافقوا ولهم أغراض بعددهم ليس للواحد منهم على الباقين رئاسة، فهم مترافقون متعاضدون حتى تسلم لهم الحياة في سبيلهم، ويتم لكل واحد منهم إدراك غرضه، وإذا كانت كذلك كانت نفوس الملوك الجبابرة والساسة القاهرة لما فيها من علو الهمة التي في خاصة بالنفس الإنسانية، ولما فيها من التغلب والاعتصام ومنع اجانب، وانتهاك الحرمة، وذلك خاص بالنفس الغضبية، ولما فيها من الحرص والطمع والنشوة والاستئثار بالأموال من غير اعتقاد كغاية أو وقوف عند غاية، وذلك خاص بالنفس الشهوية وأما أن تضعف النفوس الثلاث ضعفا متكافئا حتى لا تصل واحدة إلى حقها إلا أنها في هذا لا يقال لها سقيمة ومن كانت هذه حال أنفسهم كانوا إسقاط الناس ورعاعهم وأهل الضعف والسكينة، ومن لا يوجد لهم تقدم في معاشه ولا تدبير في نفسه ولا يأخذ نفسه بدقيق الصنائع ولا بمعالي الأمور، ولا يلتمس قوته في نفسه إلا عند نوع قليل الفكر كثير النوم لا تسؤوه اللأواء ولا تسره النعماء، وأما أن تقوي النفس الإنسانية، وترأس الغضبية والشهوية مع سلامتها، ولزومهما الحال الأفضل ومن كانت نفوسهم كذلك كانوا حكماء الناس وفلاسفتهم، والمعلمين الحكمة فإن كانتا ضعيفتين مسامتين ليستا على المجرى الطبيعي، ومن كانت هذه الحال أنفسهم كانوا عبادا زهادا، خائفين لله عز وجل، هينين لينين أو ظباء الأخلاق قليلي الشهوة للمآكل والمشارب، والمناكح زاهدين في المكاسب والتجارات محبين لله تعالى راغبين فيما عنده منقطعين إليه، وذلك أنهم لما بطل تعلق النفس الغضبية والنفس الشهوانية ظفرت النفس الإنسانية بنفسها فاشتاقت إلى عالمها، وزهدت فيما سواه، وأما سقم الثالثة فتبطل أفعالها ولا يوجد لشيء منها المجرى الطبيعي فيكون من ذلك البله والمعتوهون، ومن لا يحصل من أمر دينه ولا ماكله ولا مشربه شيئا البتة حتى أنه يوجد هؤلاء من لا يلتمس قوته، ومنهم يثب على الناس، ومنهم من يخاف الناس، ومنهم من فيه مداراة للناس وخبث، وأما أن تقوى الغضبية وتملك الاثنتين وتستولي عليهما مع سلامة فيها وهذه نفوس المحاربين وأهل النجدة والإقدام والبطش والمنافسة والتغلب لأن تدبير النفس الإنسانية كله هو فيما كان فيه لذة النفس الغضبية وأما أن تقوي النفس الغضبية مع سقم الاثنين وخروجها عن الحالة الطبيعية فتكون هذه نفوس السراق وقطاع الطريق، وأهل الدعارة وقتلة النفوس، والصابرين على العقوبات فهذه الطبقة تستلذ أن تؤذي من لا يؤذيها، وترى ذلك مغنما، قاسين القلوب على نفوسهم فضلا على من سواهم، وأما أن تقوى الشهوانية وتملك الاثنين مع سلامة منهما، فإن هذه نفوس التجار وكسبة الأموال، وأهل الثراء، وأما أن تقوى وتستقيم الاثنتان، ويبطل فعلهما إلا أنهما ليستا بسقيمتين البتة، فتكون هذه النفوس نفوس الملاحين والنقلة والرعاع وكل من تعبه لشبع بطنه، وقد تقوي نفسان وتستقم واحدة أو تسقم نفسان وتقوى واحدة ولهذا ضرب من التركيب لا يخفى على من له ذهن وفكر
فصل
وها هنا أمثلة ضربت لذي العقل الرزين ليتبوأ منها معقل الرشد الحصين، قربت فيها الحكماء بعد الأرب، وجعلتها فارقة في الاختلاف بين الضارب والضرب.
ومنها أنهم مثلوا النفس الإنسانية بالملك المستولي، وأفضل أحواله أن يكون عالماً عادلا لينا مهيبا مطاعا قويا من غير غلطة، رؤوفا من غير مهانة والنفس الغضبية مقال جنده الذين يسدون ثغوره ويقهرون أعداءه، ويقومون رعيته، وينفذون أمره وأفضل أحوالها أن تكون عزيزة الجانب في نفسهم سهلة الانقياد لسلطانها المستخدم لها، والنفس الشهوانية مثال رعيته الذين يجب أن يكون عريكتهم لينة مواتية ورهبتهم منه، ومن جنده ثابتة مستحكمة فمتى أخذت هذه القوى مأخذها، وتعادلت في أوزانها وأقسامها كان الإنسان كاملا وإن زال عن ذلك نقص، وكان نقصانه بمقدار زواله، والنفس الإنسانية، لا تسلم من معارضتها إلا أن تكون صارمة قوية أبية، فإنها إذا كملت شدتها واستحكمت قوتها ثبتت لمقابلة العدوين اللذين معها، إذ قيل للقوي بين الضعيفين، فأما إن كانت وضعيفة بين قوتين فهناك تجتمع المعايب والمثالب وترتفع المحاسن والمناقب.
ومنها أن البدن كالمدينة، والنفس الإنسانية كالملك، والحواس الباطنة والظاهرة كالجنود، والأعضاء كالرعية، والغضب والشهوة كعدوين ينازعانه الملك ويسعيان في هلاك رعيته، فإن قصد الملك قهرها استقامت مملكته وصارت إلى العاقبة رعيته وإن لم ينازعهما، وضيع الحزم اختلت مملكته وصارت عاقبة أمره إلى الهلاك.
ومنها أنهم قالوا: مثل النفس الإنسانية مثل الفارس ركب لأجل الصيد فشهوته فرسه وغضبه كلبه، فمتى كات الفارس حاذقا، وفرسه مرتاضا، وكلبع معلما كان جديرا بالنجح، ومتى كان الفرس جموحا والكلب عقورا، ولا فرسه تنبعث تحته على حسب إرادته، ولا كلبه يسترسل بإشارته، فهو خليق بالعطب فضلا عن أن ينال ما طلب.
ومنها أن البدن كبيت فيه إنسان وسبع، وخنزير، فالإنسان النفس الإنسانية، والسبع الغضب، والخنزير الشهوة، فأي الثلاثة غلب فالمسكن له فيجب أن تكون هاتان النفسان تحت سلطان النفس الإنسانية فيجريهما مجرى المركب الذي يركبه عند الحاجة بسرج يذلله وشكيمة تحنكه، وحنان يلينه وسوط يخفيه فإذا نزل عنه ألزمه الشكال والرباط لئلا يجد على حال من الأحوال شيئا إلى أن يشرد فيهلك ويجني على صاحبه، والقول الحق أن الخلق مشتق من الخلق وكما لا سبيل إلى تبديل الخلق كذلك لا قدرة على تحويل الخلق ولكن لا مندوحة على الاستبصار، وقمع التلون بعزائم الاستبصار حتى يصير المحمود من الأخلاق بحتا والموصوف لا يشتغل بالأرزاء به وقتا ولو لم يكن ذلك ممكنا لما وضعت الحكماء الكتب في الحض على تهذيب الأخلاق وإصلاحها، وليس ذلك بالعبث فيها بل لمنفعة عظيمة موجودة ظاهرة، مثاله أن الحبشي يتدلك بالماء والغسول لا ليستفيد بياضا، ولكن ليستفيد نقاء شبيها بالبياض والنفس الإنسانية إذا ساست القوتين أعني " الغضبية والشهوية "، فحذفت زوائدهما ونقت فواضلهما ووفت نواقصهما، وذيلت قوالصهما أعني إذا رأت غلمة في الشهوة أخمدت نارها، وإذا وجدت السرف في الغضبية قصرت عنائها فحينئذ يقومان على الصراط المستقيم فيعود السفه حلما، أو تحالما، والحسد غبطة، أو تغابطا، والغضب كظما أو تكاظما، وصرفت هذه الكوامن في هذه المكامن إذا سارت سورتها، وثارت ثورتها على مناهج الصواب تارة بالعظمة واللطف، وتارة بالزجر والعنف، وتارة بالأنفة وكبر النفس وتارة بإشعار الحذر وتارة بعلو الهمة، وهناك يصير العفو عند القادر ألذ من الانتقام، والعفاف عند الهائج أحلى من قضاء الوطر، والقناعة عند المحتاج أشرف من الإسفاف، والصداقة عند الموتور آثر من العداوة والمرارة عند المحفظ أطيب من المماراة على أن الأمرين بالتخلق والتطبع غير منكرين
إن الأخلاق تابعة لمزاج البدن في الأصل يقال: إن الخلق من الخلق، والولد شبيه بوالده لكنهم لما رأوا كل ما يمكن أن يقال فيه للإنسان لا تفعل هذا أو قلل منه وكف عنه كما يقال لبصير سدد طرفك، واكحل عينيك وقر ناظرك، وكذا يقال للطويل تكامن في هذا الزقاق حتى دخلن وتقاصر حتى تصل لمرور به، وحرضوه عليه لوجود الأمكان، وعدم العجز عن وطئ الجسر في امتثال الأمر، ولا كان الحال هذه، فرقوا ما تقدم التمثيل به في الاستطاعة وبين تكليف ما لا في الوسع، وهذا إن يقال للأعمى لم لا تكون بصيرا وللطويل لم لا تكون قصيرا، فإن الأول من باب الخلق الذي مكن أن ينتقل، والثاني من باب الخلق الذي لا يمكن أن يتبدل، والإمكان مخلوق في المكلف، ولولا هذا لما قال تبارك وتعالى:) ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها (ثم قال:) قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها (فلو لم يكن ممكنا لما لاح الفلاح ليحضه بالحرص على تزكية النفس والاجتهاد في إزالة لبس الدين وقد قالوا ونفائس الأخلاق وخسائسها تكون بحسب التمايز والغرائز فإن كرمت أواصره فمحمول إلا أن تغلب النفس هواها فيشوب من أخلاقها بالمذموم، ومن لومت عناصره مطبوع على الشر إلا أن تحدث بقواها فيمتزج المذموم من أخلاقها بالمحمود، لكن لا يدومان، فإن الطبع أملك للنفس التي هي محله وعلة تضاد أخلاق الكريم إن نفسه الإنسانية ربما ضجت أو اهتضمت فتبعثها أنفتها من العار على المكافأة والانتصار، كما قال الجاهلي:
ألا لا يجهلن أحد علينا
…
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
وقال أعرابي:
أنا الصاب إن " شورست " يوما وإنني
…
جني النخل إن سومحت يوما لأكلي
بسيط يد بالعرف والنكران أقل
…
بوعد وإيعاد أقل قول فاعلي
صؤول على الضعف المنيخ وممسك
…
غرامي عن الواهي المضلل
وكما قال البحتري:
متى أخرجت ذا كرم
…
إليك ببعض أخلاق اللئيم
وكما قال أبو تمام:
أخرجتموه بكره عن سجيته
…
والنار قد تنقضي من ناصر السلم
ومن كلام الحكماء كن من الكريم حذرا إن أهنته، ومن اللئيم إن أكرمته ومن العاقل إن أحرجته، ومن الأحمق إن مازحته، ومن الفاجر إن عاشرته، وقد تظرف بعض المتأخرين في قوله:
تكرمت لا طبعا وجدت تكلفا
…
فقام خطيب في البرية يخطب
فلما أتاك الناس من كل جانب
…
منعتهم بالطبع والطبع أغلب
وعلة ذلك في اللئيم أنه ربما كان له صديق يصفي له الود لا يعبأ به جريا على سجيته، فإذا ألم وتكلف من التودد ما لا في وسعه فيعجز، ويقصر ولهذا قال القائل في ذلك:
هيهات لا تتكلفن في الهوى
…
فضح التطبع شيمة المطبوع
والسابق إلى هذا القول زهير بن أبي سلمى حيث قال:
ومن يبتدع ما ليس من حتم نفسه
…
يدعه ويغلبه على النفس حتمها
وقد أبان بعض المتكلمين في الخلاق السبب في تباينها واختلافها، وتغلب بعضها على بعض فقال المخلوقات على ثلاثة أقسام: إما كامل لا تتطرق إليه النقصانات، وهم أصحاب العالم العلوي) أجسادهم السماوات وأرواحهم الملائكة، ونفوسهم الكواكب. وإما ناقص لا تتطرق إليه الكمالات وهو الحيوان والمعادن والنبات. بقي من التقسيم قسم وهم الذين يكونون كاملين مرة، وناقصين أخرى فإذا صاروا في الكمال كانوا جالسين مع الملائكة في حضرة رب العالمين معتكفين على بابه مواظبين على ذكره متوكلين على رجمته، وأما إذا صاروا في النقصان ومقام الغضب والشهوة، أما في الغضب فتارة يكون كالكلب العقور، والجمل الصؤول، وتارة كالنار المحرقة، والمياه المغرقة وأما في الشهوة فتارة يكون كخنزير أجيع ثم أرسل إلى النجاسات، وتارة كالذباب يدب على القاذورات فهو مع كونه شخصا واحدا، يصدق عليه أنه ملكي نوراني بالفضائل، وشيطاني ظلماني بالرذائل، وقالت الأطباء تباين أخلاق الإنسان عن اختلاف الطبائع فيه فغن الحرارة إذا غلبت على مزاج القلب يكون شجاعا سريع الحركة والغضب قليل الحقد، ذكي الخاطر حسن الأخلاق، وإذا غلبت عليه البرودة يكون بليدا غليظ الطبع ثقيل الروح، وإذا غلبت عليه الرطوبة يكون لين الجانب سمح النفس كثير الإنسان، وإذا غلب عليه اليبس يكون صبورا ثابت الرأي، صعب الانقياد والمراس، يضبط ويحقد، ويمسك، ويبخل، وقد لمح بعض الشعراء فقال:
تحمل أخاك على ما به
…
وإلا فما فيه مستمتع
وأنى له خلق واحد
…
وفيه طبائعه الأربع
وعلى أثر ذكر الطبائع سئل جالينوس عن الإنسان فقال سراج ضعيف بين أربع رياح، يريد البروج والطبائع الأربع.
وقال آخرون إنما اختلفت أخلاق الإنسان عن اختلاف الطينة التي خلق منها، لأنها كانت مجموعة من طيب الأرض وخبيثها وسهلها وحزنها، وأحمرها وأسودها وقد أشار بعض الشعراء إلى ذلك بقوله:
والناس كالأرض ومنها هم
…
واثمد يجعل في الأعين
ومن تشتكي الرجل منه الأذى
…
من خشن قاس ومن لين
ومن أحسن ما يقال من القول الذي يفي بحق الإنسان في التكريم وتعلية درجة التعظيم: إن الله تعالى ركب فيه الضدين بدليل قوله تعالى) وهديناه النجدين (وهما على بعض الأقوال مختلفان، اختلاف المطعم والماء، يصدر أحدهما حالة الأفاقة، والآخر حالة الإغماء وإلى هذا أشار الشاعر بقوله هذا:
تمر على المرء أيام محنته
…
حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
فهذا عذب فرات صلح لأحياء ما هو ن الفضائل في عداد المرات، وهذا ملح أجاج قطع عبابه ما نهج للمدح من المسلك، والفجاج، ولما اقتضت الحكمة الإلهية جبلة على ذلك جعل بازاء كل مذموم من الملائم محموداً من المكارم لتغشى الظلمة بالنور فبصيرته في خير المستور فتغلبه بعض هذه الأخلاق على بعض، في الإنسان تعلو فيعلو، أو تنقص فيرخص، فإن علا استحق قول الشاعر:
يا كامل الآداب منفرد العلا
…
والمكرمات ويا كبير الحاسد
شخص الإمام كمالك فاستعذ
…
من شر أعينهم بعيب واحد
وقول الآخر:
قد قلت حين تكاملت وغدت
…
أخلاقه زيناً بلا شين
ما كان أحوج ذا الكمال إلى
…
عيب يوقيه من العين
وإن نقص استحق أن يقال فيه:
تأنست بذميم الفعل طلعته
…
تأنس المقلة الرمداء بالظلم
القول في معنى تسميتهم الإنسان بالعالم الصغير فذلك كمن وجوه: منها أن معنى تسميتهم أوجد المخلوقات خمسة ضروب الجماد والنبات والحيوان والشيطان، والملك، وكلها مجموعة في الإنسان فهو جماد حيث يكون نطفة ولا حركة فيه ولا حس وهو نبات حيث ينمو ويغتذي، وهو حيوان يلد ويألم وهو شيطان حيث يقوى ويضل، وهو ملك حيث يعرف الله تعالى ويعبده.
ومنها أنه يصور كل شيء بيده، ويحكي كل صوت بفيه، ولأنه ينهش اللحم كما تنهش السباع، ويأكل البقول كما تأكله البهائم، ويقضم الحب كما تقضمه الطير، ولهذا قالوا لا متفرق لو جمع كان منه إنسان إلا العالم، ولا مجتمع لو فرق كان منه العالم إلا الإنسان، فهو إنسان بالفعل عالم اكبر بالقوة، وعالم أكبر بالفعل إنسان بالقوة.
ومنها أن الله تعالى خلق المخلوقات في عالم الأجساد على أربعة أصناف قائم كالأشجار، وراكع كالبهائم، وساجد كالحيات، والحيتان، وجالس كالجبال، فخلق الإنسان حيث يكون تارة قائماً، وتارة راكعاً، وتارة ساجداً، وتارة قاعداً ويقال إنما بالعالم الصغير لأنهم مثلوا رأسه وروحه بالشمس إذ قوام للعالم إلا بها، كما لا قوام للجسد إلا بالروح، وعقله بالقمر لأنه يزيد وينقص ويذهب ويعود، ومثلوا حواسه ببقية الكواكب السيارة، وآراؤه بالنجوم الثابتة ودمعه بالمطر، وصوته بالرعد وضحكة بالبرق، وظهره بالبر وبطنه بالبحر ولحمه بالأرض وعظامه بالجبال، وشعره وأعضاؤه بالأقاليم، وعروقه بالأنهار، ومغار عروقه بالعيون.