الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا الحيوان عند المتكلمين في الطبائع، مركب من إنسان وبهيمة، وهو تدريج الطبيعة من البهيمة إلى الإنسان وهو يحاكي الإنسان بصورته وفعاله جميعاً، وله أضراس كأضراسه، وثنايا عليا كما له، ويثني يديه ورجليه كالإنسان، وللقردة فرج مثل فرج المرأة، والذكر شبيه بذكر الكلاب وأجواف القرود شبيهة بجوف الإنسان، ولذلك يستغني المشرحون بتشريح القرد عن تشريح الإنسان، وله صدر كصدر الإنسان عريض، وظهر مثل ظهره في مقابل صدره، ومن شبهه بالإنسان في سائر حالاته بأنه يضحك، ويطرف، ويقعي، ويحكي، ويتناول الشيء بيده، وله أصابع خمسة مفصلة إلى أنامل، وأظفار، ويقبل التلقين، ويأنس للأنس الشديد، ويمشي على أربع مشيه الطبيعي، ويمشي على اثنتين حيناً يسيراً ولشفر عينيه السفلين أهداب وليس لشيء من الحيوان ذلك سواه والإنسان وإذا سقط في الماء غرق مثل الإنسان الذي لا يحسن السباحة، ويأخذ نفسه بالزواج، والغيرة على الأواج، وهما خصلتان كريمتان من مفاخر الإنسان على سائر الحيوان، وهو أيضاً يقمل وإذا قمل تفلا ويرمي وبالقمل إلى فيه ويأكله، وإذا ألح به الشبق استمنى بفيه، والأنثى تلد قروداً عديدة نحو العشرة وأكثر كما تلد الخنزيرة، وتحمل بعض أولادها كما تحمل المرأة، وقال من سبر حال هذا الحيوان أن الطائفة من القرود إذا أرادت النوم ينام الواحد في جنب الآخر حتى يكونوا سطراً واحداً، فإذا تمكن النوم منها نهض أولها من الطرف الأيمن فيمشي وراء ظهورها حتى يقعد من وراء الأقصى من الطرف الأيسر فإذا قعد صاح فنهض الذي كان يليه، وفعل فعله، يكون هذا من الطائفة الليل كله، فيبيت في أرض ويصبح في أخرى، وفيه من قبول التأديب والتعليم والإخفاء به على أحد، ولقد درب قرد ليزيد بن معاوية على ركوب وحشي وسابق به الخيل، وفيه يقول شاعر وقد سبق باتان ركبها فرساً:
من مبلغ القرد الذي سبقت به
…
جياد أمير المؤمنين أتان
تمسك أبا قيس بفضل عنانها
…
فليس عليها إن هلكت ضمان
والعامة تقول: القرد قبيح لكنه مليح، يشيرون إلى خفة روحه وكيسه، وحكى المسعودي في كتاب المروج إن القرود من أماكن كثيرة من المعمورة عد منها وادي نخلة وهو بين الجند، وبلاد زبيد، قال: وفي هذا الوادي عمائر كثيرة، ومصبات للمياه، وبقعته بين جبلين، وفي كل جبل منها طائفة من القرود يسوقها هزر) والهزر القرد العظيم المقدم منها (قال: ولهم مجالس يجتمع فيها خلق عظيم كثير منهم فيسمع لهم حديث ومخاطبات، والإناث في ناحية الذكور، والرئيس متميز عن المرؤوس، وربما سمعهم من لا يعلم أنهم قرود فظن أنهم ناس يتحدثون وباليمن قرود كثيرة في نواحٍ متعددة منها، في ذفار من بلاد صنعاء في برار وجبال كأنها السحب، وتكون القرود بأرض النوبة، وأعلى بلاد الأحابيش وهذا الضرب من القرود حسن الصورة خفيف الروح ذو وجه مدور وذنب مستطيل سريع الفهم لما يرشد إليه، ومنها بخلجان نهر الزانج، وبحر الصين، وبلاد المهراج وفي ناحية الشمال نحو أرض بلاد الصقالبة أجام وغياض فيها ضروب من القرود منتصبة القامات مستديرة الوجوه والأغلب عليها صور الناس وأشكالهم، ولها شعور، وربما وقع في النادر منها إذا احتيل عليه فاصطيد، فيكون في نهاية الفهم والدراية، إلا أنه لا لسان له يعرفه عما في نفسه، ولكنه يفهم كلما يخاطب بالإشارة، من النواحي التي بها القرود، جبل موسى المطل على مدينة سبتة من بلاد المغرب، والقرود التي فيها قباح الوجوه جداً، عظام الجثث وجوهها وجوه الكلاب لها خطوم، وليس أذانب، وأخلاقها صعبة لا تكاد تتطلب فيها ما تعلم إلا بعد جهد.
القول في طبائع النعام
وإنما ذكرناه مع ذوات الأربع من الوحوش، وإن كان ذا جناح لأنه عند المتكلمين في طبائع الحيوان ليس بطائر، وإن كان يبيض وله جناح وريش ويعدون الخفاش طيراً وإن كان يحبل ويلد وله إذنان بارزتان وليس له ريش لوجود الطيران فيه ومراعاة لقوله:) وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بأذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني (وهم يسمون الدجاجة طيراً، وإن كانت لا تطير، والنعامة تسمى بالفارسية " اشترمرغ " وتأويل اشتر: جمل، وتأويل مرغ: طائر، فكأنهم قالوا جمل طائر، ولما وجد هذا الاسم ظن الناس أنها نتاج ما بين الإبل والطير، وبهذا أجري عليها في قولهم: قيل للظليم أحمل قال أنا طائر، قيل له: فطر قال: أنا جمل، ومما أكد عندهم القول بالتوكيد أنهم رأوا فيه من الجمل المنسم، والوظيف والعنق والكرش، والخف، والخرالة ومن الطير الريش والجناح، والمنقار، والبيض، ويشبه النعام بالإبل، تسمى الأنثى منها قلوصاً، وفي طبع النعامة أنها تحضن أربعين بيضة أو ثلاثين بيضة، ومن أعاجيبها أنه تضع بيضها طولاً حتى لو مد عليها خيط لما وجد لشيء منها خروج عن الآخر ثم يعطي كل بيضة منها نصيبها من الحضن إذ كان بدنها لا يشمل على عدد بيضها، وهي تخرج لطلب الطعم فتمر ببيض نعامة أخرى فتحضنه، وتنسى بيضها، ولعلها أن تصاد فلا ترجع إليه فهلك، ولهذا توصف بالموق والحمق، ويضرب المثل بها في ذلك، وعلى هذا ينشد قول ابن هرمة:
وإني وتركي ندى الأكرمين
…
وقدحي بكفي زنداً شماخا
كتاركة بيضها. . . بالعراء
…
وملبسة بيض أخرى جناحا
ويقال: أنها تقسم بيضها أثلاثاً منه ما تحضنه، ومنه ما تجعل صفاره غذاء ومنه ما تفتحه وتتركه للهواء حتى يعفن ويتولد من عفنه دود فتغذي به فراخها إذا خرجت، وهو من الحيوان الذي يتراوح، ويعاقب الذكر الأنثى في الحضن، وهو لا يأنس بالإبل ولا بالطير مع مشاركته لهما، وكل ذي رجلين إذا انكسرت له إحداهما استعان في نهوضه وحركته بالباقية ما خلا النعامة فإنها تبقى في مكانها جاثمة حتى تهلك جوعاً، قال الشاعر واصفاً هذه الحالة:
إذا انكسرت رجل النعامة لم تجد
…
على اختها نهضاً ولا بأستها حبوا ويقال: إن الحيوان الوحشي ما لم يعرف الإنسان لا ينفر منه إذا رآه ما خلا النعام شارد أبداً وبه يضرب المثل في الشرود، وعظامه، وإن كانت عظيمة وشديد العدو بها لا مخ فيها، ولا مجرى بها تزعم العرب أن الظليم أصلم وإن لما كان كذلك عوض عن السمع بالشم فهو يعرف بأنفه ما لا يحتاج معه إلى السمع فربما كان على بعد فشم رائحة القناص على أكثر من غلوة، والعرب تضرب به المثل في شدة حاسة الشم قال الشاعر:
فهو يشم اشتمام الهيق
ولآخر:
أشم من هيق وأهدى من جمل