الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنسان من أب وأم، هو الذي خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب، يعني من صلب، وترائب الأم، ودافق بمعنى مدفوق، وقال الله تعالى:) يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى (يعني آدم وحواء ولهذا قال أرباب العقول الصافية والأذهان الوافية: إن آثار التركيب في البشر أكثر مما هي في الملائكة لأنهم خلقوا من شيء واحد وهو النور والبشر خلقوا من جوهرين الروم والبدن، وظهروا من اثنين الأب والأم وركبوا من شيئين المني والدم، وغذوا بغذائين الطعام والشراب فهم أكمل وأتم وهذا الضرب تم بعد أن تم عليه ستة أطوار أيضا، وهي النطفة ثم العلقة، ثم المضغة، ثم العظام، ثم كسوة العظام لحما، ثم الإنشاء، وهو نفخ الروح فيه قال الله تعالى:) ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضعة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر (أي: حيا ناطقا، أما قوله) من سلالة من طين (فذهب بعض المفسرين للكتاب العزيز إلى أن هذا القول إشارة إلى آدم عليه السلام، ثم ذكر نسله ونبه على أنهم مخلوقون من نطفة وذهب بعض الحذاق: منهم إلى مراده بالطين الأغذية التي استحالت دما بعد أكلها لأن منبتها فيها ثم استحال الدم منبتا لحركة الوقاع والجماع وبهذا يكون مبدأ الإنسان من النطفة، ويكون في مقابلة التراب لكونها مواتا وهي إذا وقعت في الرحم امتزجت بمني المرأة فصار شيئا واحدا، ثم يكون بعد أيام قلائل بطبخ الرحم له علقة وهي دم قدمه جفاف ما، وهو في مقابلة الحمأ المسنون فما فيه من الاختلاط والامتزاج ولا تزال حرارة تدأب في التخفيف حتى تصير العلقة مضغة بعد برهة، وهي في مقابلة الطين اللازب الذي يمكن معه قبول الصورة ثم يكون عظاما بعد حين وهي مقابلة الطين الصلصال، لاستحكام الجفاف، واليبس عليها بحيث أنها إذا قرعت صلت، فإذا صارت عظاما كسيت لحما فاشتد به البدن واعتدل واشتد ما بين العظام من الخلل، وهذه في مقابلة، فإذا سويته، وقوله ثن أنشأناه خلقا آخر، في مقابلة ونفخت فيه من روحي، ومقدار كل طور على ما ورد في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أربعون يوما إلا أنه لم يذكر غير ثلاثة أطوار وهي النطفة ثم العلقة ثم المضغة، فذلك مائة وعشرون يوما فإنه قال عليه السلام:) إن أحدكم يجمع مثل ذلك ثم يرسل الله عز وجل إليه الملك فينفخ الروح، ويؤمر بأربع كلمات، رزقه، وأجله وعمله، وسعيد أم شقي، وفي رواية أن الملك يقول: يا رب ما الرزق؟ ما الأجل؟ ما العمل؟ فيقول الله عز وجل ويكتب الملك (ولهذا السر جعل الشارع عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا لإستبراء الرحم فيها.
القول في الشيء الموكل بتدبير الإنسان
قالوا:) الإنسان أشياء كثيرة، فلكثرة ما هو به كثير يعجز عن إدراك ما هو به واحد (، ويكفي أن نعلم أن النفس قوة إلهية واسطة بين الطبيعة المصرفة للاسطقسات والعناصر المتهيئة بين العقل المنير لها، الطالع عليها، السائر فيها، المحيط بها، فكما أن الإنسان ذو طبيعة لآثارها البادية في بدنه، فكذلك هو ذو نفس لآثارها الظاهرة في آرائه وأبحاثه ومطالبه ومآربه، وشكه وكذلك هو ذو عقل لتميزه وتصفحه واختياره وفحصه، واستظهاره، ويقينه وشكه وظنه وفهمه ورويته وبديهيته، فإن قيل: كفت الطبيعة، قلنا: قد كفت في مواضعها التي لها الولاية فيها من النفس كما كفت النفس في الأشياء التي لها عليها الولاية من قبل العقل في الأمور التي له الولاية عليها من قبل الإله وإن كان مجموع هذا كله راجعا إلى الإله فإنه في التفصيل محفوظ الحدود على أربابها وهو كالملك الذي في بلاده وجماعة يصدرون عن رأيه وينتهون إلى أمره ويتوخون في كل ما يعقدونه ويملونه ويبرمونه وينقضونه، ما يرجع إلى وفاته ومراده وكل ذلك منه وله وبه.
وقالوا الحيوان ينقسم بالقسمة الأولى إلى ثلاثة أقسام
أحدهما: حي مالك: وهو الذي تدبره نفسه الناطقة، وتدبره الطبيعة بالقوى الطبيعية وهذا هو الإنسان.
والثاني: حي مملوك: وهو الذي تدبره الطبيعة بقواها، ويدبره العقل من خارج، أعني من قبل الإنسان، ولهذا لا يوجد هذا النوع إلا حيث يوجد الإنسان كما يكون الزرع حيث يكون الزارع، وهكذا كالخيل والبغال والحمير والبقر وما أشبه ذلك.
والثالث: هي لا مالك ولا مملوك: وهذا النوع تدبره الطبيعة وهو مثل الكلأ، وهو سائر السباع والأنعام والسمك والطباشير والحشرات فتبين لنا من هذه القسمة أن الإنسان أكمل الحيوان لاشتراك النفس الناطقة التي هي العقل والطبيعة في تدبيره فأما الطبيعة فإنها قوة الباري تعالى وجل مدبرة لبدن الحي، وإنما قيل لها طبيعة لأنها تلزم شيئا واحدا، ولا تقوى على الشيء وضده، كما في الآلات الصناعية لأن المناشير لا تفعل فعل الفأس والفأس لا يفعل فعل القدوم، وقال بعضهم: هي قوة نفسية، ثم قال فإن قلت عقلية أو إلهية لم يبعده وهي التي تسري في أثناء هذا العالم محركة ومسكنة ومحددة، ومبلية، ومنشئة، وهي بالمواد أعلق، والمواد لها أعشق، وقال آخرون: الإنسان هو كالشيء المتقوم بتدبير الطبيعة للمادة المخصوصة بالصور البشرية، المؤيدة بنور العقل من قبل الإله، وهذا وصف يأتي على الشائع عن الأولين في حد الإنسان، إنه حي ناطق ميت أي حي من قبل الحس والحركة، ناطق من قبل الفكر والتمييز ميت من قبل السيلان والاستحالة، فمن حيث ما هو حي مشارك للحيوان، ومن حيث ما هو مشارك لما يتبدل ويتحلل، ومن حيث ما هو ناطق هو إنسان حصيف، ومن حيث ما يبلغ مشابهة الملائكة بقوة الاختيار البشري، والنور الإلهي هو ملك.
وأما النفس: فقد اختلف في ماهيتها فقال قوم هي امتزاج الأركان وقال أفلاطون: جوهر بسيط عقلي يتحرك من ذاته بعدد مؤلف، وقال فيثاغورس جوهر نوري ولا خلاف عندهم أن الباري عز وجل جعلها كمالا أولا لجسم طبيعي آلي، وذهب أرسطو إلى أنها ليست متصلة بالبدن اتصال انطباع فيه ولا حلول وإنما اتصلت إلى تدبير وتصرف، وإنها حدثت مع حدوث البدن لا قبله ولا بعده، وذكر على ذلك دلالة استطلناها فتركناها، واستدلوا على وجودها بالتصورات العلمية، والاختبارات الإرادية، وقالوا: لا نشك في أن الحيوان يتحرك إلى جبهات مختلفة حركة إرادية، إذ لو كانت حركاته طبيعية أو قسرية لتحرك إلى جهة واحدة لا تختلف البتة، فلما تحرك إلى جهات مختلفة علم أن حركته اختيارية والإنسان مع أنه مختار في حركاته كسائر الحيوان إلا أنه تحرك بمصالح عقلية يراها في عاقبة كل أمر فلا تصدر عنه حركاته إلا إلى غرض وكمال، وهو معرفة عاقبة كل حال، والحيوان وليست حركاته بطبعه على هذا المنهج فيجب أن يميز الإنسان بنفس خاص كما يتميز سائر الحيوان عن سائر الموجودات واستدلوا على أنها جوهر فقالوا: من شرط الجوهر أن يكون قابلا للأضداد من غير تغير وقد رأينا النفس قابلة للشيء وضده، مثل العدل والجور، والذكاء والبلادة والعلم والجهل، والبر والفجور، والشجاعة والجبن، إلى غير ذلك من الأضداد التي لا يحصرها التعداد، واستدلوا أيضا فقالوا يمتنع أن يكون المدبر لهذا الجسم جسما لأن الجسم لا يقبل صورة أخرى من جنس صورته الأولى إلا من بعد مفارقة الصورة الأولى البتة، مثاله أن الجسم إذا قبل صورة وشكلا كالتثليث وليس يقبل شكلا آخر من التربيع والتدوير إلا بعد مفارقة الشكل الأول، وكذا إذا قبل نقشا ومثالا، ونحن نجد النفس تقبل الصور كلها على التمام والنظام من غير نقص ولا عجز، وهذه الخاصية ضد خاصية الجسم، ولهذا يزداد الإنسان بصيرة كلما نظر وبحث وارتأى وكشف،) ويمتنع أن يكون المدبر أيضا للبدن عرضا لأن العرض لا يتفق زمانين لقبوله التغير والاستحالة، ولأنه لا يوجد إلا في غيره فهو محمول لا حامل، ويمتنع أن يكون هيولى، فإنها لو كانت، لكانت قابلة للمقدار والعظم، واستدلوا أيضاً على أنها جوهرة بكونها لا يدخل عليها ضد ولا يصل إلى شيء منها بلى، والإنسان إنما يبلى ويفسد ويموت، ويفقد لأنه يفارق النفس، والنفس تفارق ماذا حتى يكون في حكم البدن وشكله، ولو كانت كذلك لكانت تموت وتنفى، فأما الإنسان بها حي وجب أن لا يكون حكمها حكم البدن، ولا يخص على من كان عريا عن الهوى عاشقا للحق، فالفرق بين النفس المحركة للبدن، وبين البدن المتحرك بالنفس فإن البدن معجون من الطين، والنفس تدبره بالقوة الإلهية، ولهذا احتاج إلى الأجناس والمواد والاقتباس والالتماس حتى تكون هذه الحياة الحسية تالفة إلى آخرها من ناحية الجسر، ويكون مبدأ الحياة النفسية موصولا بالأبد بعد الأبد ولو لم تكن النفس لا تموت ولا تفسد بفساد البدن عند المفارقة لما قال الله تعالى مخاطبا لها مفارقتها للبدن) يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية (ولما قال في حق الشهداء) ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين (ولما قال في حق آل فرعون) النار يعرضون عليها غدوا وعشيا (، وهذا منبه على أن النفس بعد مفارقتها للبدن تنتقل أما إلى خير وأما إلى شر، ولهذا قال عليه السلام:) القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار (.
وإلى هذا أشار أبو العلاء المعري بقوله:
خلق الناس للبقاء فظلت
…
أمة يحسبونها للنفاد
إنما ينقلون من دار أعما
…
ل إلى دار شقوة أو رشاد
وكل ما ذكرته القدماء في النفس ذكرته العلماء في الروح وألجأهم الحال في ذلك إلى أن قالوا: هما اسمان موضوعان على مسمى واحد، هو: مدبر بدن الإنسان، وذلك بالاستقراء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهب قوم: إلى انهما متغايران، وقالوا الإنسان ذو روح ونفس، فالروح جسم لطيف تنبت في البدن به يحس ويتحرك، ويلتذ، ويألم، ويضعف، ويقوى، ويصلح، ويفسد، والنفس جوهر بسيط عالي الرتبة بعيد عن الفساد منزه عن الاستحالة، فالإنسان بالنفس ما هو إنسان لا بالروح، وإنما هو بالروح حي فقط، ولو كان إنسانا بالروح لم يكن بينه وبين الحمار فرق فإن له روحا وليس له نفس، وقالوا: الروح تغني عن النفس في جنس الحيوان الذي لم يكمل فيكون إنسانا، ولا تغني النفس عن الروح في الإنسان، فإن الروح كالآلة للنفس تدبرها بواسطة، وليس ذلك لعجز النفس، ولكن لعجز ما ينفذ فيه التدبير، وقال ابن عباس في ابن آدم وروح بينهما مثل شعاع الشمس، فالنفس هي التي بها العقل والتمييز، والروح هو الذي به النفس، والتحرك، فإذا نام العبد قبض نفسه ولم تقبض روحه، وإذا مات قبض نفسه وروحه.
وقالوا: للنفس ثلاث قوى: قوة نباتية، ويشترك فيها النبات والحيوان، وقوة حيوانية ويشترك فيها الحيوان والإنسان، وقوة إنسانية وهي خاصة بالإنسان، وبعضهم يسمي هذه القوى، ويقول: النفس كجنس انقسم إلى ثلاثة أنواع، أو كعين تفجرت منها ثلاثة ينابيع، أو كشجرة تفرعت منها ثلاثة أغصان أو كرجل يعمل ثلاث صنائع، فالنفس النباتية محلها الكبد، ومنه مبدأ النشوء والنمو، ولهذا جعلت فيه عروق دقاق غير ضوارب ينفذ فيها الغذاء إلى الأطراف، وقوى النفس الحيوانية، محلها القلب، ومنه مبدأ الحرارة الغريزية، ولهذا فتحت منه عروق ضوارب إلى الدماغ ليصعد إليه من حرارته ما يعدل ما فيه من برودة، ويترك فيه من أثاره ما يدبر به الحركة والحس وقوى النفس الإنسانية محلها تصريفا وتدبيرا الدماغ، ومنه يبدأ الفكر والتعبير عن الفكر ولهذا فتحت له أبواب الحواس مما يلي هذا العالم، وأبواب المشاعر مما يلي ذلك العالم، فالحواس خمس وهي: السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس، والمشاعر خمس، وهي: الحس المشترك وهي قوة مرتبة في مقدمة الدماغ من شأنها قبول ما حصل في الحواس من المحسوسات.
والخيال: وهو قوة مرتبة في آخر التجويف المقدم من الدماغ من شأنها حفظ ما قبله الحس المشترك من الحواس، وتبقى فيها بعد غيبة المحسوسات فهي خزانته.
والفكر: وهو قوة مرتبه في التجويف الأوسط من الدماغ من شأنها أن تركب الصور والمعاني بعضها من بعض بحسب الاختيار.
والوهم: وهي قوة مرتبة في آخر التجويف الأوسط من الدماغ من شأنها أن تحكم في الصور المحسوسة بمعان غير محسوسة، كإدراك الشاة معنى في الذئب فتنفر منه ومعنى في النوع فتنفر إليه.
والحفظ: وهو قوة مرتبة في التجويف المؤخر من الدماغ من شأنها حفظ المعاني المدركة بالوهم، واسترجاعها عند النسيان، ونسبة الحافظة إلى الوهمية كنسبة الخيال إلى الحس المشترك، إلا أن تلك في الصور، وهذه في المعاني.
وأما العقل: فقال: العقل أشرف من النفس لأنه يستخلفها ولهذا إشراقه ألطف، ومنافعه في إشراقه أشرق، وحدده: بأنه قوة إلهية أبسط من الاسطقسات، كما أن الاسطقسات أبسط من المركبات وهو خليفة الله، وهو الفائض الفيض الخالص الذي لا شوب فيه ولا قذى، وإن قيل هو نور في الغاية لم يكن ببعيد، وإن قيل اسمه يعبر عن نعته لم يكن بمنكر هذا الحديث، إذا لحظ في ذروته التي يشرق منها فوق إشراق الشمس وأما إذا فحص عن أثاره في حضيضته فإنه تميز وتحصيل وتصفح، وحكم، وتصويب وتخطئة، وإجازة وإيجاب وأباحة، وأما إذا فحص عن أنحائه، فأنحاؤه على قدر ما يقال فلان عاقل، وفلان أعقل، وفلان في عقله لوثة، وفلان ليس بعاقل وهذا الاختلاف بحسب الاختلاف في الألوان، والصور، والقصر، والحسن والقبح والاعتدال والانحراف، وذلك مدروك بالحس مشهود بالعيان، وأما إذا فحص عن صنيعته فهو الحكم في قبول الشيء ورده، وتحسينه، وتقبيحه وحقه وباطله وذلك إن الأشياء أما أن تكون حسية أو عقلية، أو مركبة منهما، أو متولدة عنهما، وتكون أما صحيحة، وأما فاسدة، أو حقا أو باطلا، فالعقل يتصفح هذه كلها بنوره ويحكم لها وعليها بحكمه، ويعطي كلا منها الذي حقه وتسميته التي هي له ويقال: الإنسان بين طبيعة هي عليه وبين نفس هي له كالمنتهب المتوزع، فإن استمد من العقل نوره وشعاعه، قوى ما هو له من النفس، وضعف ما هو عليه من الطبيعة، وإن لم يستمد قوي ما هو عليه من الطبيعة وضعف ما هو من النفس.
وقال أصحاب الكلام في الطبيعيات في الإنسان قوة عالمية نظرية من شأنها أن تنطبع بالصور الكلية المجردة عن المادة، ثم لها نسب إلى هذه الصورة وذلك أن الشيء الذي من شأنه أن يقبل شيئا قد يكون بالقوة، وقد يكون بالقوة والفعل، والقوة تنقسم إلى ثلاثة أوجه: قوة هيولانية وهي الاستعداد المطلق من غير فعل ما، وهو الاستعداد الأول الذي للفعل الساذج، وبه يهتدي إلى الثدي إذا خرج من الرحم، ويبكي إذا جاع. وقوة ممكنة وهو استعداد فعل ما كقوة الطفل على الكتابة بعد ما يعلم بسائط الحروف. وقوة ملكة وهي قوة لهذا الاستعداد إذا تم بالآلة.
فالقوة النظرية قد تكون نسبتها إلى الصور تشبه الاستعداد المطلق وتسمى عقلا هيولانيا، وإذا حصلت فيها المعقولات الأول التي تتوصل إلى المعقولات الثنائية تسمى عقلا بالفعل، وإذا حصلت فيها المعقولات الثانية المكتسبة وصارت مخزونة بالفعل، متى شاء طالعها، فإن كانت حاضرة عنده بالفعل سمي عقلا مستفادا، وإن كانت مخزونة بالقوة سمي عقلا بالملكة، وها هنا ينتهي النوع الإنساني، وعنده يتشبه بالمبادئ الأول أن يتصل بالعقل الفعال، فيصرف كل شيء من نفسه، لا تقليدا، أما دفعة فيزمان واحد، وأما دفعات في أزمنة شتى، وهي القوة القدسية التي تناسب روح القدس، وأدناها الولاية، وأعلاها النبوة.
واختلف في مسكنه فذهب جالينوس من الحكماء، وأبو حنيفة من العلماء إلى أن مسكنه الدماغ، واحتجوا بأن العقل أشرف القوى فوجب أن يكون مكانه أشرف، وأشرف الأمكنة أعلاها يكون مكان العقل الدماغ وهو بمنزلة الملك العظيم الذي يسكن القصر العالي المشرف، وأيضا أن الحواس محيطة بالرأس كأنها خدم الدماغ، واقفة حوله على مراتبها، وأيضا إن محل الرأس من الجسد، محل السماء من العالم، وكما أن السماء محل الروحانيات فكذلك الدماغ فوجب أن يكون مستكن العقل وقد اعتبر اختلاط العقل إنما يكون بما يطرأ على الدماغ من مرض أو عرض، وذهب الجمهور إلى أن مسكنه القلب وعلى ذلك تضافر الكتاب، والسنة والعقول.
أما الكتاب: فقوله تعالى:) إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب (أي: عقل فعبر عن الحال بمحله، وقال تعالى) أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها (.
أما السنة: فقوله عليه السلام:) إن في ابن آدم لمضغة إذا صلحت صلح الجسد، وإذا فسدت فسد الجسد ألا وهي القلب (وصلاحه يكون بزيادة ما فيه من العقل الهادي إلى الخير، وفساده يكون بنقصانه الحاوي على الشر.
وأما المعقول: فإن العقل لما كان شريفا وجب أن يكون مكانه أشرف الأعضاء وأشرف الأعضاء القلب، لأنه الرئيس الأعظم، لو أنه أول عضو يخلق من الإنسان ولما كان الأهم في الخلق كان الأشرف في الأعضاء ولأن محله من البدن في الوسط، والأعضاء محيطة به فكان كالملك حوله وأشياعه وعبيده