الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منتخبات
من مفكرة المرحوم أحمد شاكر الكرمي في سنة 1925
طبقات كتابنا
ينقسم كتابنا اليوم إلى ثلاث طبقات قدماء ومجددون وسوقيون.
فالقدماء هم الذين درسوا الأدب القديم واقتصروا عليه والمجددون هم الذين درسوا مع الأدب القديم أدب لغة من اللغات الحية. أما السوقيون فهم الذين لم يدرسوا فنون الأدب العربي درساً قانونياً بل اقتبسوا من مطالعة الصحف والمجلات مادة ضعيفة نزرة هي كل رأس ما لهم الأدبي. ويمتاز رجال الطبقة الأولى بألفاظهم المنتقاة ومعانيهم الضئيلة. ويمتاز رجال الطبقة الثانية بمعانيهم الرفيعة وأساليبهم الرائعة. أما رجال الطبقة الثالثة فيمتازون بكل شيء سخيف.
الدعوة إلى القديم
في المدينة اليوم دعوة ترمي إلى الرجوع للقديم ونبذ كل البدع العصرية في المأكل والملبس وفي التعليم والسلوك. يقول أهل هذه الدعوة للناس: صلوا صلواتكم الخمس جماعة. وارجعوا إلى السنة في ملبسكم وافعلوا الخير واتركوا الشر ثم أهملوا كل ماعدا ذلك. وهذه الأمور سهلة يستطيع كل إنسان أن يقوم بها. ولكن هل تكفي هذه الأمور في عصر كعصرنا وفي أحوال كأحوالنا المعروفة؟ إن الانصراف الأمة إلى العبادة وحدها في مثل هذه الأيام أمر لا يقبله ولا يرضى به مخلص فإذا كان رجال تلك الدعوة مخلصين حقاً فإنهم ولا شك بسطاء يريدون إن يقودوا الأمة إلى الموت من حيث لا يشعرون، وكثيراً ما كان الإخلاص وحده جالباً لأكثر الأخطار وأعظم الشرور. اللهم نجنا من شر كل إخلاص لا يصاحبه علم وخبرة ومعرفة بتصاريف الدهر وأحوال الحياة.
ببركة غلاظتهم
كانت العامة - ولا تزال - تعتقد أن الصراع ينشأ من فعل الجن والشياطين ويقولون عمن يصابون به قدركبه الشيطانوقد اتفق أن رجلاً أصيب بذلك الداء ففزع أهله إلى شيخ من الشيوخ وطلبوا منه أن يداوي ابنهم بعزائمه وتعاويذه فجاء سيدنا الشيخ، وجلس فوق رأس الصريع وأخذ يتلو عزيمة استهلها بكلمةياومط هذه الكلمة مطاً استغرق نهاراً كاملاً، فلما
انتهى النهار ولم تنته كلمة الشيخ تحرك الشيطان وقال يخاطب الشيخ: أنا ذاهب ياسيدنا، ولكن ببركة غلاظتك لا بفضل قداستك! ونحن نخشى إذا استمر الحشو يون في دمشق على إصدار منشوراتهم السخيفة، وتصويرهم الدين فيها على غير حقيقته أن يخرج الناس من دينهم، وأن يقولوا لساداتنا المحترمين ما قاله ذلك الشيطان لزميلهم ببركة غلاظتكم. . .
العبقرية
كان كارلايل الكاتب الانكليزي الحكيم يقول: إن العبقرية هي استعداد غير محدود لاحتمال الآلام. ولا يريد بهذا أن ذلك الاستعداد هو كل مايلزم للعبقري فلو كان الأمر كذلك لكانت كل حيوانات البر والبحر وخصوصاً الحمير المشهورة بالصبر من طبقة ساداتنا العبقريين ولكنه يريد أن يقول أن الاستعداد لاحتمال الآلام والاتصاف بالصبر العظيم هو أهم ركن من أركان العبقرية فليس في الدنيا عمل لا يستطيع صاحب الصبر إنجازه - كما يقول رابلي - فالصبر أساس كل علم، ومحال أن يكون الإنسان عالماً عظيماً أو فلكياً شهيراً أو كاتباً مبدعاً أو شاعراً نابغة أو سياسياً محتكاً إلا إذا كان له استعدا غير محدود لاحتمال آلام الدرس.
الكاتب والجمهور
يكتب الكاتب لنفسه أو لصديق من أصفيائه فلا يبالي بتطرفه في الرأيأو خروجه على عقيدة موروثة أو مجاوزة من الحدود التي فرض المجتمع على الناس الوقوف عندها ولكنه لا يستطيع أن يسلك هذا السبيل فيما يكتبه للجمهور. إن الجمهور عدو في ثياب صديق، فهو يطرب لما يكتبه الكاتب، ويظهر له الحب والإعجاب وقد يتولع به وبعبده أيضاً ولكنه لا يتسامح معه البتة بل تراه على استعداد دائم للانقلاب عليه وإسقاطه عندما يشتم منه رائحة الخروج على عقائده أو عاداته فهو يحاسبه على أتفه الأمور ويحكم عليه أحكاماً قاسية لا تقل الهفوات، والأنكى من هذا أنه لا يقبل في أحكامه استئنافاً ولا تمييزاً.
إن أغبى الكتاب وأشدهم عمى وحماقة، هو الذي يخدعه رضى ذلك المولى الأحمق الذي يسمونه (الجمهور)