الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه المجلة
بين قطبي الفكر والإخلاص تحيا هذه المجلة!
وهى تنبعث من الحاجة الشديدة إلى وجودها.
ففد شعر القائمون عليها، وآمنوا، بأن المعرفة جوهر الكون الإنساني ورأوا أن المدرسة ليست سوى تنظيم الحياة الاجتماعية في أسسها، وفي مستقبلها، على ضوء المعرفة والفكر، وكأنهم يرون المجتمع أصلاً وغاية، أصلاً لنزعة الإنسان نحو النجاح والتكامل، وغاية للسمو الإنساني الماثل في العقل والتمييز مع الدراية والتوي. ولولا هذا الاعتقاد لما أقدمنا على جمع الأمر وتأكيد العزم، بغية تحقيق حاجة بيئتنا العربية والسورية، ولما سمحنا لأنفسنا بجرأة افتتاح الطريق النافعة حتى يتسنى لأهل الفكر من مثقفي البلاد أن يعبروا فيها عن آرائهم، وعن أهدافهم، ويفصحوا عن آمالهم وعن جهودهم ويعبروا عن اقتراحاتهم وعن معضلاتهم، وعن ألامهم أيضاً. فهذه الجملة نشأة عن شعور بالحاجة صادق، ولا بد لها من الازدهار إذا استطاعت إرضاء الهدف السامي النبيل الذي تنشده.
إن الأمة العربية استمرار تاريخي، وحقيقة غنية، وواقع مجيد ممتاز. عرفت من عشق الخلود كل ما يصيب المتيمين. فكانت لها أيام ناصعات، وكان لها بريق وضاء. ثم رقدت. وهي تنهض اليوم عن وعي وقوة. وتريد أن تستعيد خيراً من مجدها الباهر، وجوهره ومادته لأنها تفيء إلى شخصيتها الجديدة وترى أن ناموس البقاء حقل تبغي بناء مدرستها_بالمعنى الواسع_في ربوعه. وهذه المدرسة هي رسالة المثقفين من أبنائها أنفسهم. والحق الجلي أن ننصف أسرة التعليم خاصةً، رجالاً ونساءً، أساتذة وطلاباً، ونسمهم بصفة إحقاق النهضة العربية، وأداء هذا الواجب الرائع. فهم حلقت الاتصال، وجسر التقدم.
الجاهلون، بل البسطاء، بل المنكرون والمنعوتون، يعبدون اللفظ ويمجدون المعنى. يحسبون الجسم روحاً، والمدرسة بناءً وأحجارا. ينظرون إلى المعلم ليروا فيه صورة جهلهم وجنايتهم. فيرمقوه بالنقص والعجز، ويتخذونه بمثابة العضو لأشل المبتور. وفي وهمهم أن المدرسة كيمياء العذاب. فيها التجارب الاتفاقية، وفيها الفشل المقبول. وفيها الغموض والسحر. يزدرون الصانع وما صنع ويهملون كرامة الإستاد ومستواه وحجاته المعنوية والمادية وكأنه في رأيهم أدنى من العامل والقروي والبائع والزعيم. ذنبه أن تعلم فصبا عن الجهل، وأخلص فعوقب بالحرمان والكفاف. ونحن نريد مقاومة هؤلاء جميعاً،
لأنهم أعداء الصواب، وجرثومة التقهقر وعنصر التأخر ودعاة الهزيمة.
هذه المجلة تحترم الفكر والثقافة، وتقدس ما تحترم. وهي تحب المعلم وتحترمه وتناصره، فتدفع عنه الظلم والجور والعدوان. وهي لسان المثقفين عامة، والمساهمين في حقل التربية والتعليم خاصة. تقول كلمة الحق بوضوح وتعمل في سبيل تحقيقه بثبات وجرأة وإخلاص. وهي أخيراً مجلة الرقي لأنها وجدت كميا تحيى بالمعرفة، وتشيد الغد وتنشئ الجيل والقوم!
أهدافنا تظهر في الإنتاج، لا في النظر والادعاء. ولعل أية ذلك مثال أسرة تعليم ذاتها. فأفرادها مطلقة نصبوا أمام أعينهم خدمة المجتمع عن طريق المدرسة. ورأوا الابتعاد عن جعجعة الفراغ. وأقسموا أمام التاريخ جهد إيمانهم صبراً ويقيناً. حتى يتفوق التلميذ على معلمه والطالب على أستاذه. وتتقدم الأمة والوطن. فترقى بتقدمها الإنسانية كلها.
ولسنا نود الغلو والإفراط في التمني، ولا نرغب في المبالغة في رسم المناهج، وتنمية المشاريع. لأننا لن نجعل هدفنا الأوحد التحليق في السماء المثل النظرية، ولا الإبحار في عالم القيم المجردة، البديعة، الزاهية الفاتنة نريد التقرب من الواقع النير، نعرفه كما هو من جهة، ونعرفه كما يجب أن يكون من جهة أخرى. دون مزج غامض بين الناحيتين. وسنجعل هذا النظرة التحليلية انتقاديه أيضاً. هدفنا يقين الإنساني ولذا لا تخشى التبصر، ولا التجنب النقد والانتقاد. بل نسعى السعي الحثيث إلى ذكر سيئات الواقع، وأن قبحت، لتلافيها. ونحاول تبيان الهدف الأمثل وأن ندى من شدة جماله ما يبهر الأبصار ويتركها حصيرة تخال فيه المستحيل، أو البعيد الإمكان.
وإلى جانب هذه الروح التحليلية الانتقادين، ترمي مجلتنا إلى البناء الايجابي، والإنشاء المنتج، وتود أن تسير خطاها بانتظام جلي، ولذلك فأنها تجهر بخطتها منذ الآن. وترى أن ترتكز جهود المساهمين فيها حول حاجات البيئة العربية في مختلف أقطارها، على أن تكون سوريا الحبيبة نقطة الاتساع الجغرافي، ولولب الاتصال بين بلدان الأمة العربية الكبرى حتى إذا نمت الأمواج التي تحملها هذه المجلة، اقترنت بما تلقاه من إصدار مماثل في الأقطار العربية الأخرى، وكان أن تداخلت أمواج الفكر التربوي والاجتماعي في البلاد العربية قاطبة، وتماسكت، واتسعت. وبذا يتسق جهد الأمة العربية في الوجود والإبداع، وينسجم اشتراكها في التطور العالمي أجمع وإننا سنأخذ الحكمة أين وجدناها، فهي ضالتنا
وإن سطرت في لغات أجنبية، ولن نفرق من هذا الاعتبار بين لغة وأخرى من لغات الأمم الراقية في مضمار التربية والتعليم.
لقد رأينا أن ندعو في سبيل هذا كل ذي نية سليما، فيساعدنا ويؤازرنا وهو يساعد فعلاً أخاه وابن عمه أولا، ويساعد ابنه وابن أخيه ومواطنه ثانياً. والأجيال كلها تعاقب في صعيد الوطن العربي، بيد أن سلامتها ومصيرها وكمالها يتوقف جميعاً على نجاح الآباء ونبل المدرسين.