المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تعاون المعلمين والأدباء - مجلة «المعرفة» السورية - جـ ١

[عادل العوا]

الفصل: ‌تعاون المعلمين والأدباء

‌تعاون المعلمين والأدباء

للأستاذ سعيد القضماني

تعاون المدرسة والبيت في النهوض بأعباء التربية على اختلاف ألوانها، يعد في طليعة الأسباب التي تساعد على نجاح عمل المدرسة وأعداد الجيل وإن لنلخص هنا فصلاً عن كتاب المعلمون والآباء للمربي (بول كروزه) في المصاعد التي تعترض تعاون المعلمين والآباء على أن نتبعهم في العدد القادم بفصل أخر عن الوسائل التي تحقق هذا التعاون.

1_

التربية الجسمية

لقد كانت بلاغة روسو وقوة عارضته هي التي تعالج قضية التربية الجسمية الطبيعية للأطفال في القرن الثامن عشر، أما الآن، فالأمر أصبح منوطاً بعلم الأطباء وفن رجال التربية ومبادئ حفظ الصحة.

إذا أردنا تبين مدى التأثير الذي تحدثه التربية الجسمية الحسنة في الوسط العائلي فلنرجع إلى كتاب تربية الطفولة حيث ضمنته مدام كوكومارد الشيء الكثير من الحقائق المحسوسة والملموس والكثير مما يساعد على نمو الطفل الجسمي من الحركة والهواء والنظافة والغذاء، فبعض الأوساط العائلية خطرة على حياة الطفل، واطراد نموه فهي سجن وقيد وقذارة في الملبس وتخمة في الأكل.

لقد طلبت مدام كوكومارد من المعلمات في الرياض الأطفال أن يخصص حصة قبل الظهر للتربية الجسمية ومع ذلك لم تكن واثقة من النجاح، فصرحت بعد عشرين سنة بقولها: كم تحمل مناهجنا من الأجرام بحق التربية الجسمية للأطفال.

الحق أن الأسرة في بعض حالات خاصة هي العقبة التي تحول دون نمو الطفل الجسمي كحالات الأمراض الوراثية، ولكن، في أغلب الأحيان تقع المسؤولية على الأسرة والمدرسة على حد سواء.

فإرهاق الطفل بالوظائف الكتابية أليس مبعثه رغبة الآباء والمعلمين في أن يظل الطفل ساكناً دون حراك؟ ففي هدوء الطفل الآباء والمعلمين وراحتهم، ولكن هذه الوظائف الكتابية إذا أكثر منها أو فرضت في سن باكرة، كانت عائقاً دون نمو الطفل.

وأثيرة هذه المشكلة في المؤثرات الصحة المدرسية، فكان من الطبيعي أن ترتفع الشكوى

ص: 44

من الأساليب الصحية في الأوساط العائلية، فبعض المؤتمرين اتهم التفسخ الخلفي في الآباء، والبعض اتهم الفقر وإرهاق العمل، وآخرون ردوا الأمر إلى نقص التربية عند الأمهات ولكن الجميع اتفقوا على أن الأسرة تناهض دوماً مبدأ الصحة المدرسية، فالأولاد، برأي الآباء والأمهات، لا يذهبون إلى المدرسة لتنمو أجسامهم ويشتد عودهم بل الآباء والأمهات، بل للدراسة والتعليم.

2_

التربية العقلية

أما من الناحية التعليمية فأنه من الجلي الواضح أن المصاعب والعقبات لا تتأتى من المعلم بل تعود إلى الجهل الأسر وتاريخها وطراز حياتها، ومع ذلك فأننا نجد بعض المعلمين لتا يبذلون أي جهد لجعل الآباء يعانونهم في مهمتهم التعليمية إما لأن خبرتهم الطويلة جعلتهم يشكون في مقدرة الآباء وإما لأنهم يرون في هذه المشاكل تدخلاً غير شرعي في دائرة اختصاصهم، وكثيراً ما يحط من قدرهم ويذهب بهيبتهم. والحق أن الآباء أبعد ما يكونون عن الاهتمام بشؤون التعليم ولكن كم من الخدمات يمكن أن يقدمونها إلى المعلمين!

أو ليس توجيه التعليم الابتدائي وفق مقتضيات البيئة وحاجات الآباء هو حقيقة مقررة في المنهاج ولكنها غير متعبة؟ ولكن كيف يتسنى تطبيق هذا المبدأ في تكييف التعليم في كل بيئة أذا يتوصل إلى الاتصال بالآباء والتعاون معهم؟ فالمدرسة أذا تجاهلت حاجات الأسرى فالأسرة تتجاهل المدرسة.

ولكن أذا كانت المدرسة تعد للبيئة والحياة، تصبح عندئذ موضع اهتمام وعناية الأسر.

أبداً ترى المعلمين يهتمون الآباء بعدم المبالاة والإهمال ويردون إليهم مسؤولية عجز المدرسة عن قيام بواجبها على وجه الأكمل. وأنه لقول حق هذا الذي يقول: من المقرر أن النجاح في المدرس لا يتفق وجهود المعلمين، ولكن ليس السبب، كما يعتقد، فساد المنهاج وتضخم البرامج فحسب، فهي أسباب ثانوية أما السبب الحقيقي المباشر فهو أن النظام لم يعد في المدرسة قوياً مستقيماً ذلك أن الإرادة القوية والرغبة الجازمة التي يبديها المعلمون لا يقابلها إرادة قوية والتفات حسن من التلميذ والأسرة.

وهل في الحقيقة أن الآباء لا يهتمون بالنتائج المدرسية؟ كلا، فالأمر على نقض ذلك، فالإهمال الشديد لتربية الأبناء يقابلها عندهم، تطلب شديد وإلحاح متعسف بما ينشدونه من

ص: 45

المتعلمين، فالمرء يريد أن يعوض إهماله بما يتشدد في طلبه من الآخرين.

فمن الوسائل إرضاء الآباء أن تطلب من الطفل وظيفة بيته، وهو في السادسة أو السابعة من عمره. ومن حقه أن يكون في فراشه مع هبوط الليل، ثم نحن نعرف ظروفه الطبقة الفقيرة، فلا المعتقد صحي، ولا الإضاءة حسنة، ولا مراقبة عليه فيأخذ وضعية سيئة ويضر النور الخافت ببصره ومن ثم يغفو الطفل فوق دفتره، أن هذا الأجرام في حق الطفولة، ولكن الآباء يريدون ذلك ولا مرد لما يريدون.

وليس البلاء مقتصراً على أبن السادسة أو السابعة بل يسير مطرداً حتى أبن الثالثة عشرة حتى اختلط بين التعليم والأشغال الشاقة، فما ينبغي بحال أن يسهر مراهق حتى منتصف الليل يهيء لشهادته الابتدائية.

حقيقة واحدة يجب أن يدركها الآباء والأمهات هي أن ليس من مصلحتهم توجيه المعلم أو القيام بوظيفته وأن من واجبهم أن يعاونون معه فحسب تعاوناً قوياً صادقاً.

وعلى عاتق الأسرة مهمة جد خطيرة هي تكوين شخصية الطفل المميز لأن المدرسة تعمل على تكوينه بصورة عامة، وهي رغم ما لديهم من الوسائل والمنهاج نراها مضطرة لأن تصوغ كل الأفراد في قوالب متنافسة وأشكال نمطية، بينما الأسرة تستطيع أن تبلي حاجات الأسرة كل طفل حسب قابليته الفردية واستعداد الشخصي وتحول دون أن يكون واحداً من القطيع

3_

التربية الأخلاقية

أن التربية الخلقية أصعب من التربية العقلية لأن تكوين الوجدان أشق من تثقيف العقل لذا وجب أن يزداد التعاون بين المدرسة والبيت في هذا الشأن، على أن التربية الخلقية أشد لصوقاً بالأب وأقرب إلى الوظيفة من التربية العقلية، فالأب لا يستطيع في أي حال، أن بترك له، ولوحده، مسائل التربية الخلقية أذا كان يدعى بحق رب الأسرة.

من المستطاع أن نحمل المدرسة بعض الأخطاء التي تعرقل مهمة المعلم في التربية الخلقية، كعزلة المعلم وازدراؤه للاتصال بالأسرة، وجفاف التعليم وفساد النظام أما لقسوة مفرطة وفقدان الوحدة بين المعلمين، ونقص الحماس، ثم ازدحام الطلاب في كل صف، وأخيراً عدم اصطناع منهاج التربية الحديثة.

ص: 46

ولكن هل من الأنصاف أن تعود باللوم والتقصير إلى المدرسة؟ أو ليس البيت يهدم كل مساء ما تبينه المدرسة طوال النهار؟. . . الطفل يقضي في منزله ثلاث ساعات مقابل ساعة واحدة في المدرسة، فكيف تريد ألا يكون أثر البيت في التربية الخلقية شديداً وخاصة إذا كان أثراً سيئاً؟ إنه لنكر شديد أن تهمل أسرة واجبها ولا تمم عمل المدرسة الأخلاقي. ولكن أي نكر أشد وأمعن في الهول من أن تقف الأسرة من المدرسة وقف الخصم فتعلن لها العداء الصراح!

الحق إن الطرفين يشركان في المسؤولية وتحمل التبعة فمن حظالة الرأي وسوء التصرف ألا يعمد المعلم للتعرف على وسط الذي يعيش فيه الطفل ليستقيم عمله في التربية الأخلاقية وتثمر جهوده، وبالمقابل فأن أكثر الآباء لا يساندون المعلمين في مهمتهم وحاجة أولئك الذين يستقبلون أبنائهم مساء بهذه الجملة: المعلم قاصصك؟ حسناً، فأنا أدبر الأمر ثم أولئك الذين لا ينفكون عن نقد المدرسة والمعلمين فيؤلفون مع أبنائهم، بدافع فقدان الثقة، حلفاً للدفاع المشترك ضد المدرسة.

كتب معلم ملاحظة في دفتر تلميذ مشيراً إلى تقصيره. وإهماله لدروسه لكي يطلع عليها وليه. وفي اليوم الثاني عاد الدفتر موقعاً ولكن المعلم عرف خط التلميذ في التوقيع والتلميذ اعترف أيضاً بذلك. ولكن الأب استاء من تأنيب المعلم لابنه وكتب له: إنني احتج على سوء معاملة ابني. . . فما هو بمزور أبداً. . . وأنا بنفسي الذي أمضى له دفتره

وضرر هذه الخصومة بين المدرسة والبيت يكون محدداً إذا كانت المدرسة على ثقة من أن الأسرة هي وسط صالح لتركيز تعاليمها الأخلاقية بأمثلة الحية، فالأسرة هي المكان الذي يستطيع الطفل أن يجد فيه بالمساء إثباتاً وتطبيقاً لما تلقى من النظريات والتعاليم الأخلاقية خلال النهار.

ومما يفسد التعاون بين المدرسة والبيت اختلاف المفاهيم الأخلاقية، فبعض الأسر ترى مثلاً، أن الانتقام فضيلة وأن الصفح ضعف وجبن، فالمفهوم العائلي مرتكز على الضرورات الواقعية والنافع العاجلة والتقاليد المدرسي. فإذا كان المعلمون والآباء لا يشتركون في نفس الأهداف والغايات فمن الطبيعي أن يختلفوا في انتهاج نفس السبل والأساليب. التربية الخلقية بالنسبة للمعلم سلطة ترتكز على العقل، ولكن هل هذه السلطة

ص: 47

المنطقية المتزنة هي التي تسيطر على التربية الخلقية في الأسرة.

إن مفهوم السلطة قد تطور عند الأسر فقد حل نوع من المحبة والثقة والمساواة بدلاً من تلك السلطة المطلقة والتعسف البالغ على أنه يسود الأسر أيضاً في أغلب الأحيان ضعف وتراخ شديدان؟

قال سبنسر: أليس شيء بشع مخيف أن يترك مصير الجيل الجديد إلى تحكم الصدق والعادات العفوية وإلى إيحاء المربيات الجاهلات وتفكير الجدات؟ أننا نلصق الحماقة والغباء بكل من يدخل عالم التجارة وهو جاهل لقواعد الحساب وأصول مسك الدفاتر وتنبأً له بأسوأ النتائج، وهل باستطاعة الجراح أن يحمل مبضعه ويباشر عمله وهو جاهل لعلم التشريح ومنافع الأعضاء؟ ولكن كم من الآباء والأمهات يقبلون على مباشرة مهمتهم الشاقة الخطيرة وهي تربية الأطفال دون أن يفكروا أبداً في السؤال عن المبادئ الأساسية في التربية الجسمية والعقلية والخلقية التي تعينهم في أداء مهمتهم؟ أو ليس هذا مثار الدهشة من الآباء ومبعث الرحمة للأبناء هؤلاء الضحايا الأبرياء؟

ونؤكد مرة أخرى أن التربية الخلقية هي بمقدور الأسرة أن تنهض بها على الوجه الأكمل لأنها هي التي تعرف طفلها معرفة جيدة بينما المعلم موكل إليه عدد من الأطفال كبير، فالأبوان يدركان نقائص الطفل فهو قطعة منها وصورة مصغرة عن نقائصها الموروئة القريبة أو البعيدة، والأبوان هما الوحيدان اللذان يملكان هذا الفيض من الحب، فما الموهبة ولا التضحية ولا صداقة المعلمين نفسها بقادرة على أن تعدل محبة الأبوان وتأثيرهما في التربية الأخلاقية.

وهل من الضروري أيضاً أن والقول الطفل الخلوق هو الطفل الذي يعيش في الوسط عائلي سعيد بهيج؟

وهكذا فأنا نرى المصاعب جمة سواء في التربية الجسيمة أو العقلية أو الخلقية ولكن مساهمة الأسرة في هذا المضمار يساعد أيضاً على رفع مستواها الصحي والفكري والخلقي، فالنفع أيضاً جزيل لمن يقوم بالتعليم نفعه لمن تتلقاه.

سعيد القضماني

ص: 48