المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌التاريخ 10 ننشر في هذا الباب سيرة كبار الرجال في الإسلام وشيئاً - مجلة الحقائق - جـ ٢٢

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌ ‌التاريخ 10 ننشر في هذا الباب سيرة كبار الرجال في الإسلام وشيئاً

‌التاريخ

10

ننشر في هذا الباب سيرة كبار الرجال في الإسلام وشيئاً من فضائلهم وأخلاقهم وأعمالهم وسياستهم لما في لذلك من تحريك بواعث الهمم للاقتداء بهم في جلائل الأعمال وكرائم الخصال وليكون زاجراً لأولئك الذين يتغاضون عن مآثر رجال المسلمين ويفتخرون بحفظ تاريخ فلاسفة الغربيين.

سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه

1

هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي (بن كعب بن لؤي) بن غالب بن فهر العدوي القرشي.

ولد رضي الله عنه بعد الفيل بثلاث عشرة سنة وهو من أشراف قريش وعظمائهم تربى على الشهامة والنجدة والحمية. وإليه كانت السفارة في الجاهلية فإذا وقعت قريش في حرب أو نافرهم أو فاخرهم أحد كان هو السفير في أمرهم والمنافر المفاخر عنهم. كنَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسلم أبا حفص ولقبه بالفاروق لأن الله أعز به الإسلام وفرق بهِ بين الحق والباطل. يجتمع نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي وهو أفضل الصحابة بعد أبي بكر رضي الله عنهم. حضر المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. بويع له بالخلافة صبيحة ليلة وفاة أبي بكر بعهد منه كما تقدم في ترجمة أبي بكر رضي الله عنه وكان ذلك في يوم السابع من شهر رجب سنة ثلاث عشرة للهجرة. ولما تولى رضي الله عنه أمر المؤمنين نظر إلى هذه الكرة الأرضية نظرة رجل وهبه الله من الحكمة والتدبير ما زعزع أركان الجبابرة وهدم صروح الأكاسرة. وأرغم أنوف الطغاة المستبدين، وأباد الفراعنة المسيطرين، ونشر على وجه البسيطة علم الأمن، وأقام للبشر ميزان القسط والعدل، وحقق كلمته في إعلاء كلمة الله عز وجل ففتح الله على يده من البلاد ما فتح؛ وسرى صلاح نيتهِ في جميه رعيتهِ.

وقد حفظ له التاريخ من الفضائل وعظائم الأمور ما لم يحلم بهِ الزمان ومن المناقب والآثار ما يكاد يتعذر استقصاؤه، ويعز بيانه، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 27

خمسمائة حديث وتسعة وثلاثون حديثاً وروى عنه أجلاء الصحابة وكبراؤهم كعثمان بن عفان وعلي وطلحة وسعد وابن عباس وكثير غيرهم وهو أول من كتب التاريخ للمسلمين من الهجرة. وأول من حض على جمع القرآن. وأول من عسّ في عمله (أي كان يمشي ليلاً لحفظ الدين والناس ويتفقد شؤون رعيته بنفسهِ) وهو أول من وضع الخراج ومصر الأمصار. وأول من سمي بأمير المؤمنين. وأول من اتخذ بيت المال. وأول من دون الدواوين لحصر أسماء الغزاة. وأول من عاقب على الهجاء. وأول من مسح السواد. وأول من حمل الميرة من مصر إلى المدينة. وأول من استقضى في الأمصار. وأول من جمع الناس على قيام شهر رمضان. وأول من جمع الناس في صلاة الجنازة على أربع تكبيرات. وأول من ألقى الحصى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الناس إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نفضوا أيديهم فأمر عمر بالحصى فجيء بهِ من العقيق فبسط في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. وأول من اتخذ دار المؤن ليعين منها المنقطع. وجعل فيها الدقيق والسويق والثمر والزبيب. ووضع فيما بين مكة والمدينة بالطريق ما يصلح من ذلك. وهو من السابقين إلى الإسلام والمهاجرين الأولين. وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الخلفاء الراشدين؛ وأحد أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهُ راضٍ. ودعاه صاحب رحا دارة العرب، يعيش حميداً؛ ويموت شهيداً.

إسلامهُ رضي الله عنه

أخرج أبو نعيم في الحلية والبيهقي في الدلائل عن أسلم رضي الله عنه قال عمر أتحبون أن أعلمكم كيف كان بدء إسلامي قلنا نعم قال كنت من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أنا في يوم شديد الحر بالهاجرة في بعض الطريق إذ لقيني رجل من قريش فقال أين تذهب يا ابن الخطاب قلت أريد هذا الرجل قال عجباً لك يا ابن الخطاب إنك تزعم أنك كذلك وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك قلت وما ذاك قال أختك قد أسلمت فرجعت مغضباً حتى قرعت الباب وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أسلم الرجل والرجلان ممن لاشيء له ضمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرجل الذي فيه السعة فنالا من فضل طعامه وقد كان ضم إلى زوج أختي رجلين فلما قرعت الباب قيل من

ص: 28

هذا قلت عمر وقد كانوا يقرأون كتاباً في أيديهم فلما سمعوا صوتي قاموا في مكان وتركوا الكتاب فلما فتحت لي أختي قلت يا عدوة نفسها صبوت؟ ورفعت شيئاً فأضرب به على رأسها فبكت المرأة وقالت لي يا ابن الخطاب اصغ ما كنت صانعاً فقد أسلمت فذهبت فجلست على السرير فإذا بصحيفة وسط البيت فقلت ما هذه الصحيفة فقالت لي دعها عنك يا ابن الخطاب فإنك لا تغتسل من الجنابة أو لا تطهر وهذا لا يمسه إلا المطهرون فما زلت بها حتى أعطتنيها فإذا فيها (بسم الله الرحمن الرحيم) فلما مررت باسم الله ذعرت منه فألقيت الصحيفة ثم رجعت إلى نفسي فتناولتها فإذا فيها (سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم) فقرأتها حتى بلغت (آمنوا بالله ورسوله) إلى آخر الآية فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فخرج القوم مبادرين فكبروا واستبشروا بذلك وقالوا لي أبشر يا ابن الخطاب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الاثنين فقال اللهم أعز الدين بأحب الرجلين إليك عمر بن الخطاب أو أبي جهل بن هشام وإنا نرجو أن تكون دعوة ؤسول الله صلى الله عليه وسلم لك فقلت دلوني على رسول الله صلى الله عليه وسلم أين هو فلما عرفوا الصدق دلوني عليه في المنزل الذي هو فيه فخرجت حتى الباب فقال من هذا قلت عمر ابن الخطاب وقد علموا شدتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلموا بإسلامي فما اجترأ أحد منهم أن يفتح لي حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم افتحوا له فإن يرد الله به خيراً يهده ففتح لي الباب فأخذ رجلين بعضدي حتى دنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلوه فأرسلوني فجلست بين يديه فأخذ بمجامع قميصي ثم قال أسلم يا ابن الخطاب (اللهم اهده) فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله فكبر المسلمون تكبيرة سمعت من طريق مكة وقد كانوا سبعين قبل ذلك فكان الرجل إذا أسلم فعلم به الناس يضربونه ويضربهم فجئت إلى رجل فقرعت عليه الباب فقال من هذا قلت عمر ابن الخطاب فخرج إلي فقلت له أعلمت أني قد صبوت قال أو قد فعلت قلت نعم قال لا تفعل ودخل البيت وأجاف الباب دوني فقلت ما هذا بشيء فإذاً أنا لا أضرب ولا يقال لي شيء قال الرجل أتحب أن يعلم بإسلامك قلت نعم قال إذن اجلس في الحجر فأنت فلاناً فقل لهُ فيما بينك وبينهُ أشعرت أني قد صبوت فإنهُ قلما يكتم الشيء فجئت إليه وقد اجتمع الناس في الحجر فقلت له فيما بيني

ص: 29

وبينه أشعرت أني قد صبوت قال أفعلت قلت نعم فنادى بأعلى صوتهِ ألا إن عمر قد صبا فثار إلي أولئك يضربوني وأضربهم حتى أتى خالي فقيل له أن عمر قد صبا فقام على الحجر فنادى بأعلى صوته ألا إني قد أجرت ابن أختي فلا يمسه أحد فانكشفوا عني فكنت لا أشاء أن أرى أحداً من المسلمين يضرب إلا رأيتهُ فقلت ما هذا بشيء أن الناس يضربون وأنا لا أضرب ولا يقال لي شيء فلما جلس الناس في الحجر جئت إلى خالي فقلت اسمع (جوارك ردعيك) قال لا تفعل فأبيت فما زلت أضرب وأضرب حتى أظهر الله الإسلام.

ثناء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليه

أخرج الترمذي وأحمد من حديث ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه. وقال صلى الله عليه وسلم إيه يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجّاً إلا سلك فجاً غير فجك وقال صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة وقال صلى الله عليه وسلم لما أسلم عمر أتاني جبريل فقال استبشر أهل السماء بإسلام عمر. وقال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه يا أخي أشركنا في صالح دعائك ولا تنسنا. وقال صلى الله عليه وسلم بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص منها ما يبلع الثدي ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره قالوا فما أولته يا رسول الله قال الدين. وقال صلى الله عليه وسلم لو لم أبعث فيكم لبعث عمر أيد الله عز وجل عمر بملكين يوفقانه ويسددانه فإذا أخطأ صرفاه حتى يكون صواباً. وقال صلى الله عليه وسلم لا يزال باب الفتنة مغلقاً عن أمتي ما عاش لهم عمر بن الخطاب فإذا هلك عمر تتابعت عليهم الفتن.

وأخرج ابن عساكر من حديث سلمان قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عمر ويقول: بطل مؤمن، سخي تقي، حياطة الدين، وملك الإسلام، ونور الهدى، ومنار التقى، فطوبى لمن تبعك، والويل لمن خذلك، وأخرج أيضاً من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما أقرأكم عمر فاقرؤا وما أمركم فائتمروا.

وأخرج الحاكم في نوادر الأصول والطبراني والضياء عن ابن عباس أتاني جبريل فقال

ص: 30

اقرأ عمر السلام وقل له أن رضاه حكم وأن غضبه عو، وعن موسى ابن عيسى قال أتى عمر بن الخطاب مشربة بني حارثة فوجد محمد بن مسلمة فقال عمر كيف تراني يا محمد قال أراك والله كما أحب وكما يحب من يحب لك الخير، أراك قوياً على جمع المال. عفيفاً عنه. عدلاًَ في قسمه. ولو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاب فقال عمر هاه وقال لو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاب الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا ملت عدلوني وأخرج ابن عساكر عن أبي بردة عن أبيه قال رأى عوف بن مالك أن الناس جمعوا في صعيد واحد فإذا رجل قد علا الناس بثلاثة أذرع قلت من هذا قالوا عمر بن الخطاب قلت بما يعلوهم قالوا إن فيه ثلاث خصال لا يخاف في الله لومة لائم. وإنه شهيد مستشهد وخليفة مستخلف فأتى عوف أبا بكر فحدثه فبعث إلى عمر فبشره فقال أبو بكر قص رؤياك فقصها فلما قال خليفة مستخلف انتهره عمر فلما وُلي قال لعوف اقصص رؤياك فقصها فقال أما لا أخاف في الله لومة لائم فأرجو أن يجعلني الله فيهم وأما خليفة مستخلف فأسأل الله أن يعينني على ما ولاني وأما شهيد مستشهد فأنى لي بالشهادة وأنا بين ظهراني جزيرة لست أغزو والناس حولي ثم قال ويلي ويلي يأتي الله بها إن شاء الله. وقال سلمان رضي الله عنه من حديث طويل أخرجه نعيم بن حماد في الفتن. سلمان يشهد بلحمه ودمه أنك خليفة ولست بملك فقال عمر رضي الله عنه إن تقل فقد كنت تدخل فتجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال سلمان وذلك أنك تعدل في الرعية. وتقسم بينهم بالسوية وتشفق عليهم شفقة الرجل على أهله وتقضي بكتاب الله تعالى الخ.

وأخرج ابن عساكر عن مخلد بن قيس العجلي عن أبيه قال لما قدم سيف كسرى ومنطقته وزبرجدته على عمر قال إن أقواماً أدوا هذا لذوو أمانة قال علي إنك عففت فعفت الرعية، وأخرج أيضاً عن ابن عباس قال أكثروا ذكر عمر فإن عمر إذا ذكر ذكر العدل وإذا ذكر العدل ذكر الله وأخرج أيضاً عن عائشة إذا ذكر عمر في المجلس حسن الحديث وعنها أيضاً أخرجه ابن عساكر قالت إذا ذكر الصالحون فحي هلا بعمر وأخرج البهقي أبو نعيم والبغوي وابن منيع وغيرهم عن علي رضي الله عنه قال كنا أصحاب محمد ولا نشك أن السكينة تنطق على لسان عمر وأخرج ابن جرير عن حذيفة رضي الله عنه قال أيسركم أن يكون فيكم خير من عمر قالوا نعم قال لو أن فيكم خيراً من عمر لذهبتم سفالاً وإن الناس لا

ص: 31

يزالون ينمون صعداً ما كان عليهم خيارهم وأخرج ابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال إن إسلام عمر كان عزاً وإن هجرته كانت فتحاً ونصراً وإمارته كانت رحمة والله مااستطعنا أن نصلي حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر فلما أسلم عمر قاتلهم حتى صلينا وإني لأحسب الشيطان يفرقه وإذا ذكر الصالحون فحيهلاً بعمر. إلى غير ذلك من الآثار الدالة على فضله والأخبار الصريحة بعلو شأنه مع شدة تمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر ومتابعة لهما في القول والفعل قال سعيد بن المسيب أصيب بعير من المال من الفيء فنحره عمر وأرسل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم منه وصنع ما بقي طعاماً فدعا عليه من المسلمين وفيهم يومئذ العباس فقال يا أمير المؤمنين لو صنعت لنا مثل هذا فأكلنا عندك وتحدثنا فقال عمر لا أعود لمثلها إنه مضى صاحبان لي يعني الني صلى الله عليه وسلم وأبا بكر عملا عملاً وسلكا طريقاً وإني إن عملت بغير عملهما أسلك في طريق غير طريقهما.

هذا فضلاً عن أخلاقه الطاهرة وشيمه الكريمة وشمائله العظيمة وإليك نبذة من أخلاقه رضي الله عنه ونفعنا به.

شجاعته رضي الله عنه

أخرج ابن عساكر عن علي كرم الله وجهه قال ما علمت أحداً هاجر إلا مختفياً إلا عمر بن الخطاب فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه وتنكب قومه، وانتضى في يده سهماً وأتى الكعبة وأشراف قريش بفنائها قطاف سبعاً ثم صلى ركعتين عند المقام ثم أتى حلقهم واحدة واحدة فقال شاهت الوجوه من أراد أن تثكله أمه، وييتم ولده وترمل زوجته، فليلقني وراء هذا الوادي، فهابوا بطشه ولم يتبعه منهم أحد.

وأخرج أبو نعيم من حديث أسلم قال رأيت عمر بن الخطاب أخذ بأذن الفرس ويأخذه بيده الأخرى أذنه ثم ينزو على متن الفرس. وأخرج ابن سعدة عن أبي وجرة عن أبيه قال كان عمر يحمي النقيع لحيل المسلمين ويحمي الرندة والشرف لا بل الصدفة، ويحمل على ثلاثين ألف بعير في سبيل الله كل سنة، وقد حضر المشاهد ملها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر إلى تبوك وكان لا يخشى بأس قريش ولا شدتهم وهو ممن ثبت النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد.

ص: 32

عدله وهيبة الناس له

أخرج البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال أستأذن عمر على النبي عليه الصلاة والسلام وعنده نسوة من قريش يسألنه ويستكثرنه عالية أصواتهنَّ على صوته فلما أذن له عليه الصلاة والسلام تبادرن الحجاب فدخلن ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله أضحك الله سنك ما يضحكك فقال عليه الصلاة والسلام عجبت من هؤُلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك تبادرن الحجاب فقال عمر يا رسول الله بأبي وأمي كنت أحق أن يهبنك ثم أقبل عليهم فقال أي عدوات أنفسهن تهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلن نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام أيها يا ابن الخطاب فوالذي نفس محمد بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك. وعن أبي سعد مولى أبي أسيد قال كان عمر بن الخطاب يعس المسجد بعد العشاء فلا يرى فيه أحداً إلا أخرجه إلا رجلاً قائماً يصلي فمر بنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبي كعب فقال من هؤلاء فقال أبي نفر من أهلك يا أمير المؤمنين قال ما خلفكم بعد الصلاة قال جلسنا نذكر الله فجلس معهم ثم قال لأدناهم إليه خذ فدعا فاستقراهم رجلاً رجلاً يدعون حتى انتهى إلي وأنا إلى جنبه فقال هات فحصرت (أي ضيق علي فلم أقدر على الكلام) وأخذني من الرعدة حتى جعل يجد مس ذلك مني فقال ولو أن تقول اللهم اغفر لنا اللهم ارحمنا ثم أخذ عمر فما كان في القوم أكثر دمعة ولا أشد بكاء منه. وأخرج ابن عبد الحكم عن أنس أن رجلاً من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب فقال يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم قال عذت معاذاً قال سابقت بن عمرو بن العاص فسبقته فجعل يضربني بالسوط ويقول أنا ابن الأكرمين فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه فقد فقال عمر أين المصري خذ السوط فاضرب فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر اضرب ابن الألأمين قال أنس فضربه والله لقد ضربه ونحن نحب ضربه فما أقلع عنه حتى تمنينا أن يرفع عنه قال للمصري ضع على صلعة عمرو فقال يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني وقد استقدت منه فقال عمر لعمرو مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً قال يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني.

ص: 33

وأخرج ابن سعد وابن راهوية عن عطاء قال كان عمر بن الخطاب يأمر عماله أن يوافه بالموسم فإذا اجتمعوا قال يا أيها الناس إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم ولا من أموالكم ولا من أعراضكم إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم وليقسموا فيئكم بينكم فمن فعل به غير ذلك فليقم أحد إلَاّ رجل قام فقال يا أمير المؤمنين إن عاملك فلاناً ضربني مائة سوط قال فيم ضربته قم فاقنص منه فقام عمرو بن العاص فقال يا أمير المؤمنين إنك إن فعلت هذا يكثر عليك وتكون سنة يأخذ بها من بعدك قال أنا لا أقيد وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيد من نفسه قال دعنا لنرضيه قال دونكم فارضوه فافتدى منه عن كل سوط دينارين. وأخرج اللالكائي عن مجاهد قال جاء رجل من بني مخزوم إلى عمر ليستعديه على أبي سفيان قال يا أمير المؤمنين إن أبا سفيان ظلمني حدي بمكة فقال عمر أنا أعلم بذلك الحد ولربما لعبت أنا وأنت عليه ونحن غلمان فإذا قدمت مكة فأتني فلما قدم عمر أتاه المخزومي وجاء بأبي سفيان فانطلق عمر معه إلى ذلك الحد فقال غيرت يا أبا سفيان فخذ هذا الحجر من ههنا فضعه ههنا فقال والله لا أفعل فعلاه بالدررة قال خذه لا أم لك فأخذه أبو سفيان فوضعه في الموضع الذي أمره عمر فدخله فما صنع بأبي سفيان شيء فاستقبل البيت وقال اللهم لك الحمد إذ لم تمتني حتى غلبت أبا سفيان على هواه وذللته بالإسلام فاستقبل أبو سفيان البيت وقال اللهم لك الحمد إذ لم تمتني حتى أدخلت قلبي من الإسلام ما ذللتني لعمر. وأخرج البيهقي وابن أبي شيبة وغيرهما عن ابن عمر قال اشتريت إبلاً وارتجعتها إلى الحمى فلما سمنت قدمت بها فدخل عمر السوق فرأى إبلاً سماناً فقال لمن هذه الإبل فقيل لعبد الله بن عمر فجعل يقول يا عبد الله بن عمر بخ بخ ابن أمير المؤمنين فجئت أسعى فقلت مالك يا أمير المؤمنين قال ماهذه الإبل قلت إبل اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى أبتغي ما يبتغي المسلمون فقال ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين. اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين. يا عبد الله أغد على رأس مالك واجعل الفضل في بيت مال المسلمين.

تواضعه رضي الله عنه

أخرج الدينوري عن الحسن قال خرج عمر بن الخطاب في يوم حار واضعاً رداءه على رأسه فمر به غلام على حمار فقال يا غلام احملني معك فوثب الغلام عن الحمار وقال

ص: 34

اركب يا أمير المؤمنين قال لا أركب وأركب أنا خلفك تريد تحملني على المكان الوطيء وتركب أنت على الموضع الخشن فركب خلف الغلام فدخل المدينة وهو خلفه والناس ينظرون إليه وأخرج ابن سعد عن حزام بن هشام عن أبيه قال رأيت عمر بن الخطاب مر على امرأة وهي تعصد عصيدة لها فقال ليس هكذا يعصد ثم أخذ المسوط فقال هكذا فأراها.

ورعه رضي الله عنه

أخرج البيهقي عن زيد بن أسلم قال شرب عمر لبناً فأعجبه فسأل الذي سقاه من أين لك هذا اللبن فأخبره أنه ورد على ماء فإذا نَعم من نَعم الصدقة وهم يسقون فحلبوا لنا من ألبانها فجعلته في سقائي هذه فأدخل عمر إصبعه فاستقاءه. وأخرج ابن سعد عن عروة أن عمر ابن الخطاب قال لا يحل لي من هذا المال إلا ما آكل من صلب مالي. وأخرج ابني سعد وعساكر عن إبراهيم أن عمر بن الخطاب كان يتجر وهو خليفة وجهز عيراً إلى الشام فبعث إلى عبد الرحمن بن عوف يستقرضه أربعة آلاف درهم فقال للرسول قل له يأخذها من بيت المال ثم ليردها فلما جاءه الرسول فأخبره بما قال فلقيه عمر فقال أنت أنت القائل ليأخذها من بيت المال فإن مت قبل أن تجيء قلتم أخذها أمير المؤمنين دعوها له وأوخذ بها يوم القيامة لا ولكن أردت أن أخذها من رجل مريض مثلك فإن مت أخذها من ميراثي.

نصفته رضي الله عنه في أهله ومعاملته رعيته

أخرج الإمام أحمد عن الحسن قال جيء إلى عمر بمال فبلغ ذلك حفصة ابنة عمر فجاءت فقالت يا أمير المؤمنين حق أقربائك من هذا المال قد أوصى الله عز وجل بالأقربين فقال لها يا بنية حق أقربائي في مالي فأما هذا ففيء المسلمين غششت أبك قومي فقامت تجر ذيلها.

وأخرج ابن عساكر والدينوري وابن شاذان عن أسلم أن عمر بن الخطاب طاف ليلة فإذا هو بامرأة في جوف دار لها وحولها صبيان يبكون وإذا قِدر على النار قد ملأتها ماء فدنا عمر من الباب فقال يا أمه ما بكاء هؤلاء الصبيان قالت بكاؤهم من الجوع قال فما هذه القدر التي على النار قالت قد جعلت ماء هو ذا أعللهم به حتى يناموا وأوهمهم أن فيها شيئاً فبكى عمر ثم جاءَ إلى دار الصدقة وأخذ غرارة وجعل فيها شيئاً من دقيق وشحم وسمن

ص: 35

وتمر وثياب ودراهم حتى ملأ الغرارة ثم قال يا أسلم احمل عليَّ فقلت يا أمير المؤمنين أنا أحمله عنك فقال لي لا أم لك يا أسلم أنا أحمله لأني أنا المسؤول عنهم في الآخرة فحمله حتى أتى به منزل المرأة فأخذ القدر فجعل فيها دقيقاً وشيئاً من شحم وتمر وجعل يحركه بيده وينفخ تحت القدر فرأيت الدخان يخرج من خلل لحيته حتى طبخ لهم ثم جعل يفرق بيده ويطعمهم حتى شبعوا ثم خرج وربض بحذائهم كأنه سبع وخفت أن أكلمه فلم يزل كذلك حتى لعب الصبيان وضحكوا ثم قام فقال يا أسلم تدري لم ربضت بحذائهم قلت لا قال رأيتهم يبكون فكرهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون فلما ضحكوا طابت نفسي.

وأخرج ابن السني وأبو نعيم والبيهقي عن جراد بن طارق قال أقبلت مع عمر بن الخطاب من صلاة الغداة حتى إذا كان في السوق فسمع صوت صبي مولود يبكي حتى قام عليه فإذا عنده أمه فقال لها شأنك قالت جئت إلى هذا السوق لبعض الحاجة فعرض لي المخاض فولدت غلاماً وهي إلى جانب دار قوم في السوق قال هل شعر أحد بك من أهل هذه الدار أما إني لو علمت أنهم شعروا بك ثم لم ينفعوك فعلت بهم وفعلت بهم ثم دعا لها بشربة سويق ملتوتة بسمن فقال اشربي هذا فإن هذا يقطع الوجع ويقبض الحشا ويعصم الأمعاء ويدر العروق وفي لفظة فإن هذا يشد أحشاءك ويسهل عليك الدم وينزل لك اللبن ثم دخلنا المسجد.

موافقاته رضي الله عنه للقرآن العظيم

أخرج الطبراني وابن حاتم وابن مردويه عن عمر رضي الله عنه قال وافقت ربي في أربع. قلت يا رسول الله لو صلينا خلف المقام فأنزل الله (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) وقلت يا رسول الله لو ضربت على نسائك الحجاب فإنه يدخل عليهن البر والفاجر فأنزل الله (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب) ونزلت هذه الآية (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) إلى قوله (ثم أنشأناه خلقاً آخر) فلما نزلت قلت أنا فتبارك الله أحسن الخالقين فنزلت (فتبارك الله أحسن الخالقين) ودخلت على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقلت لهن لتنتهين أو ليبدلنه الله أزواجاً خيراً منكن فنزلت هذه الآية (عسى ربه أن طلقكن إن يبدله أزواجاً خيراً منكن).

وفي الصحيح لما توفي عبد الله بن أبي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه

ص: 36

فقام إليه عمر (قال عمر) فقمت حتى وقفت في صدره فقلت يا رسول الله أو على عدو الله ابن أبي القائل يوم كذا كذا فوالله ما كان إلا يسيراً حتى نزلت (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً) الآية، وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن يهودياً لقي عمر فقال إن جبريل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا فقال له عمر من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين فنزلت على لسان عمر أهـ قال السيوطي وقد أوصلها بعضهم إلى أكثر من عشرين.

كراماته رضي الله عنه

أخرج ابن الأعرابي في كرامات الأوليات وأبو نعيم والبهيقي معافى الدلائل وغيرهم عن ابن عمر قال وجه عمر جيشاً وأمر عليهم رجلاً يدعى سارية فبينما عمر بن الخطاب يوماً جعل ينادي يا سارية الجبل ثلاثاً ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر فقال يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمنا فبينا نحن كذلك إذا سمعنا صوتاً ينادي يا سارية الجبل ثلاثاً فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله تعالى فقيل لعمر إنك كنت تصيح بذلك. وعن طارق بن شهاب قال إن كان الرجل ليحدث عمر بالحديث فيكذبه الكذبة فيقول احبس هذه ثم يحدثه بالحديث فيقول احبس هذه فيقول له كل ما حدثتك حق إلا ما أمرتني أن أحبسه. وعن الحسن قال إن كان أحد يعرف الكذب إذا حدث به إنه كذب فهو عمر بن الخطاب وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر وأبو الشيخ في العظمة وغيرهما عن قيس بن الحجاج عمن حدثه قال لما فتح عمرو بن العاصر مصر أتى أهلها إليه حين دخل (بؤنه) من أشهر العجم فقالوا له أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها فقال لهم وما ذاك قالوا إنه إذا كان لاثنتي عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر ببين أبويها وجعلنا عليها شيئاً من الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم القيناها في النيل فقال لهم عمرو إن هذا لا يكون في الإسلام فإن الإسلام لا يهدم ما قبله. فقاموا بؤنة، وأبيب، ومسرى، لا يجري قليلاً ولا كثيراً حتى عموا بالجلاء (بالخروج من البلد) فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك فكتب إليه عمر - قد أصبت إن الإسلام يهدم ما قبله وقد بعثت إليك ببطاقة فألقها في داخل النيل إذا أتاك كتابي فلما قدم الكتاب على عمرو فتح البطاقة فإذا فيها - من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر وإن كان

ص: 37

الواحد القهار يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك فألقى عمرو البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بيوم وقد تهيأ أهل مصر للجلاء وللخروج منها لأنهم لا يقوم بمصلحتهم فيها إلا النيل فأصبحوا.

يوم الصليب وقد أجراه الله ستة عشر ذراعاً وقطع تلك السنة السوء عن أهل مصر. وعن عمرو بن يحيى بن سعيد الأموي عن جده أن سعيد بن العاصر أتى عمر يستزيده في داره التي (بالبلاط) وخطط أعمامه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر صل معي الغداة (الصبح) وغبش ثم اذكرني حاجتك قال ففعلت حتى إذا هو انصرف قلت يا أمير المؤمنين حاجتي التي أمرتني أن أذكرها لك فوثب معي ثم قال امض نحو دارك حتى انتهيت إليها فزادني وخط لي برجله فقلت يا أمير المؤمنين زدني فإنه ينبت لي نابتة من أهل وولد فقال حسبك واختبئ عندك أن سيلي الأمر بعدي من يصل رحمك ويقضي حاجتك قال فمكثت خلافة عمر بن الخطاب حتى استخلف عثمان فوصلني وأحسن وقضى حاجتي وأشركني في أمانته.

ولما بلغه أن أهل العراق حصبوا أميرهم: قال اللهم قد لبسوا علي فألبس عليهم وعجل بالغلام الثقفي يحكم فيهم حكم الجاهلية لا يقبل من محسنهم، ولا يتجاوز عن مسيئهم. (يعني الحجاج) والحجاج يومئذ لم يولد. وذكر صاحب كتاب علم الدين عن بعض المؤرخين أن عمرو بن العاص خطر بباله حفر برزخ السويس لاتصال البحر الأحمر بالبحر الأبيض فاستأذن عمر بن الخطاب فمنعه لئلا تعبر منه الإفرنج البحر فيكثرون بالمشرق وبلاد المغرب. وأخرج البيهقي عن سالم بن عبد الله أن كعب الأحبار قال لعمر بن الخطاب إنا لنجد (يعني في التوراة) ويل لملك الأرض من ملك السماء فقال عمر إلا من حاسب نفسه فقال كعب والذي نفسه بيده إنها في التوراة لتابعتها فكبر عمر ثم خر ساجداً.

خوفه رضي الله عنه

أخرج ابن عساكر من حديث أنس بن مالك قال سمعت عمر بن الخطاب يوماً وخرجت معه حتى دخل حائطاً فسمعته يقول وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط أمير المؤمنين والله لتتقين الله أو ليعذبنك الله. وأخرج ابن المبارك وابن سعد عن عامر بن ربيعة قال رأيت عمر بن الخطاب أخذ تبنة من الأرض فقال يا ليتني كنت هذه التبنة ليتني لم أخلق

ص: 38

ليتني لم أكن شيئاً ليت أمي لم تلدني ليتني كنت نسياً منسياً. وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عمر قال لو نادى منادٍ في السماء يا أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجلاً واحداً لخفت أن أكون أنا هو ولو نادى منادٍ أيها الناس إنكم داخلون النار إلا رجلاً واحداً لرجوت أن أكون أنا هو. وعن زيد بن أسلم قال خرج عمر بن الخطاب ليلة يحرس فرأى مصباحاً في بيت فدنا فإذا عجوز تطرق شعراً لها لتغزله (أي تنقشه بقدح) وهي تقول -

عَلَى محمد صلاة الأبرار

صلى عليك المصطفون الأخيار

قد كنت قواماً بكي الأسحار

يا ليت شعري والمنايا أطوار

هل تجمعني وحبيبي الدار

تعني النبي صلى الله عليه وسلم. فجلس عمر يبكي فمازال يبكي حتى قرع الباب عليها فقالت من هذا قلت عمر بن الخطاب قالت وما لي ولعمرو ما يأتي بعمر هذه الساعة قال افتحي رحمك الله فلا بأس عليك ففتحت له فدخل فقال ردي علي الكلمات التي قلت آنفاً فردته عليه فلما بلغت آخره قال اسألك بالله أن تدخليني معكما قالت:

وعمر فاغفر له يا غفار

فرضي ورجع. وأخرج ابن عساكر عن أبي بكرة قال وقف أعرابي على عمر فقال:

يا عمر الخير جزيت الجنة

جهز بنياتي واكسهنه

اقسم بالله لتفعلنه

قال عمر فإن لم أفعل يكون ماذا؟ قال

اقسم بالله لأمضينه

قال فإن مضيت يكون ماذا؟ قال

والله عن حالي لتسألنه

يوم تكون المسلات ثمه

والواقف المسؤول بينهن

إما إلى نار وإما جنه

قال فبكى عمر حتى اخضلت لحيته بدموعه وقال لغلامه أعطه قميصي هذا لذلك اليوم لا لشعره والله لا أملك غيره. وأخرج أبو عبيدة في فضائله عن عبد الله بن السائب قال آخر عمر بن الخطاب العشاء الآخرة فصليت ودخل وكان في ظهري فقرأت (والذريات) حتى أتيت على قوله تعالى {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} فرفع صوته حتى ملأ المسجد فقال

ص: 39

وأنا أشهد. وأخرج أبو عبيد عن الحسن قال قرأ عمر بن الخطاب {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ، مَا لَهُ مِن دَافِعٍ} فربا منها ربوة عيد منها عشرين يوماً. وأخرج أيضاً من حديث عبيد بن عميرة قال صلى بنا عمر بن الخطاب صلاة الفجر فافتتح سورة يوسف فقرأها حتى إذا بلغ {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} بكى حتى انقطع فركع. وأخرج ابن عساكر عن ابن عمر أن عمر لقي أبا موسى الأشعري فقال له يا أبا موسى أيسرك أن عملك الذي كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خلص لك وأنك خرجت من عملك كفافاً لا لك ولا عليك قال لا يا أمير المؤمنين والله قدمت البصر وأن الجفاء فيهم لفاش فعلمتهم القرآن والسنة وغزوت بهم في سبيل الله وإني لأرجو بذلك فضله قال عمر لكن وددت أني خرجت من عملي خيره بشره وشره بخيره كفافاً لا علي ولا لي وخلص لي عملي مع رسول الله صلى الله وسلم المخلص.

زهده رضي الله عنه

أخرج أحمد وعبد الرزاق والعسكري عن الحسن قال دخل عمر على ابنه عبد الله فقال ما هذا اللحم قال اشتهيه قال وكلما اشتهيت شيئاً أكلته كفى بالمرء سرفاً أن يأكل كلما اشتهاه. وأخرج ابن المبارك وسعد وهناك عن يسار بن نمير قال ما نخلت لعمر طعاماً قط إلا وأناله عاص. وأخرج ابن سعد عن الأحوص بن حكيم عن أبيه قال إني عمر بلحم فيه سمن فأبى أن يأكلها وقال كل واحد منهما أدام وأخرج عن أبي حازم قال دخل عمر بن الخطاب على حفصة ابنته فقدمت إليه مرقاً بارداً وخبزاً وصبت في المرق زيتاً فقل إدمان في إناء واحد لا أذوقه حتى ألقى الله.

وأخرج ابن المبارك عن ثابت أن عمر استسقى فأتي بإناء من عسل فوضعه على كفه فجعل يقول اشربها فتذهب حلاوتها وتبقى نقمتها لها ثلاثاً ثم دفعه إلى رجل من القوم فشربه.

وأخرج ابن المبارك عن عروة عن عامل لعمر كان على إذرعات فأقدم علينا عمر بن الخطاب وإذا عليه قميص من كرابيس فأعطانيه فقال اغسله وارقعه فغسلته ورقعته ثم قطعت عليه قميصاً قبطياً فأتيته بهما فقلت هذا قميصك وهذا قميص قطعته عليه لتلبسه فمسه فوجده ليناً فقال لا حاجة لنا فيه هذا أنشف للعرق منه. وأخرج أحمد عن الحسن قال

ص: 40

خطب عمر بن الخطاب الناس وهو خليفة وعليه إزار فيه اثنا عشر رقعة. وأخرج ابن المنذر وعبد بن حميد عن ابن عمران عمر رأى في يد جابر بن عبد الله درهماً فقال ما هذا الدرهم قال أريد أن أشتري لأهلي به لحماً قرموا إليه فقال أكلما اشتهيتم شيئاً اشتريتموه؟ أين تذهب عنكم هذه الآية {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عبد الرحمن عن أبي ليلى قال قدم على عمر ناس من العراق فرأى كأنهم يأكلون تقذيراً فقال يا أهل العراق لو شئت يدهمق لي كما يدهمق لكم لفعلت ولكنا نستبقي من دنيانا نجده في آخرتنا أما سمعتم الله يقول لقوم {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} الآية وأخرج ابن أبي الدنيا والدينوري عن سفيان ابن عيينة كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب وهو على الكوفة يستأذنه في بناء بيت سكنه فوقع في كتابه (ابن ما يسترك من الشمس ويكنك من الغيث فإن الدنيا دار بلغة) وأخرج أبو نعيم في الحلية من حديث أنس بن مالك قال تقرقر بطن عمر وكان يأكل الزيت عام الرمادة وكان حرم عليه السمن فنقر بطنه بإصبعه وقال تقرقر تقرقرك إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحي الناس.

شيء من خطبه ورسائله رضي الله عنه

صعد المنبر لما ولي فقال. ما كان الله ليراني إن أرى نفسي أهلاً لمجلس أبي بكر فنزل مرقاة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اقرأوا القرآن تعرفوا به واعملوا به تكونوا من أهله وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا وترتبوا للعرض الأكبر يوم تعرضون على الله لا تخفى منكم خافية. إنه لم يبلغ حق ذي حق أن يطاع في معصية الله إلا وأني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم إن استغنيت عففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف.

وخطب خطبة فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه

يا أيها الناس إني قد وليت عليكم ولولا رجاء أن أكون خيركم لكم وأقواكم عليكم وأشدكم استضلاعاً بما ينوب عن مهم أموركم ما توليت ذلك منكم ولكفى عمر مهماً محزناً موافقة الحساب بأخذ حقوقكم كيف آخذها ووضعها أين أضعها وبالسير فيكم كيف أسير فربي المستعان فإن عمر أصبح لا يثق بقوة ولا حيلة إن لم يتداركه الله عز وجل برحمته وعونه وتأييده.

ص: 41

وخطب أيضاً فقال

إنما الدنيا أمل محترم وأجل منتقض وبلاغ إلى دار غيرها وسير إلى الموت ليس فيه تعريج فرحم الله امرأ فكر في أمره ونصح لنفسه وراقب ربه واستقال ذنبه بئس الجار الغني يأخذك بما لا يعطيك من نفسه فإن أبيت لم يغدرك إياكم والبطنة فأنها مكسلة عن الصلاة ومفسدة للجسم ومؤدية إلى السقم وعليكم بالقصد في قوتكم فهوا بعد من السرف وأصح للبدن وأقوى على العبادة وإن العبد لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه.

وأرسل إلى ابنه ينصحه فقال

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد فإن من اتقى الله وقاه ومن توكل عليه كفاه ومن شكر له زاده ومن أقرضه جزاه فاجعل التقوى عماد قلبك وجلاء بصرك فأنه لا عمل لمن لا نية له ولا أجر لمن لا حسبة له ولا جديد لمن لا خلق له.

وله من رسالة لأبي موسى الأشعري

يوصيه

قد بلغ أمير المؤمنين أنه فشا لك ولأهل بيتك هيئة في لباسك ومطعمك ومركبك ليس للمسلمين مثلها فإياك يا عبد الله أن تكون بمنزلة البهيمة التي مرت بواد خصب فلم يكن لها همة إلا السمن وإنما حتفها في السمن وأعلم أن للعامل مرداً إلى الله فإذا زاغ العامل زغت رعيته وإن أشقى الناس من شقيت به رعيته والسلام.

وأرسل إلى معاوية

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد فإني لم ألك في كتابي إليك ونفسي خيراً. إياك والاحتجاب وأذن للضعيف وأدنه حتى تبسط لسانه وتجرئ قلبه وتعهد القريب فإنه إذا طال حبسه وضاق أذنه ترك حقه وضعف قلبه وإنما ترك حقه من حبسه واحرص على الصلح بين الناس ما لم يستبن لك القضاء وإذا حضرك الخصمان بالبينة العادلة، والإيمان القاطعة، فامض الحكم. (لها بقية)

ص: 42