الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين الإسلامي والتوحيد
كرامات الأولياء
لا نتخيل أن أحداً من أهل الحق وعصابة السنة ينكر أن لله تعالى من صفوة خلقه رجالاً يختارهم في كل زمان ومكان من عباده المخلصين يصعدهم إلى مقامات سامية من الكمال الروحاني، ويحبوهم بهبات جليلة ومنح جزيلة لا تخطر على بال من لا يكون على شاكلتهم؛ ويفيض عليهم من نفحات قدسه وسبحات تجليات رحمته ما يسمو بهم إلى الاستطلاع على أسرار الملكوت والاستشراف على معالم الجبروت ويحدث على أيديهم أموراً خارقة للعادة من قطع المسافة البعيدة في المدة القليلة؛ وظهور الطعام والشراب واللباس عند الحاجة، والطيران في الهواء، والمشي على الماء، وكلام أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي بحكم التبع لا بحكم الاستقلال كما سيتضح إن شاء الله تعالى.
وقبل أن نورد البراهين الدالة على إثبات وقوع كرامات الأولياء نأتي على بيان معنى الولي والكرامة تتميماً للفائدة وتوفية لحق الموضوع فنقول الولي في الاصطلاح هو الرجل الصالح الذي أدى أوامر الله واجتنب محارمه وتقرب إليه بالفرائض والنوافل حتى أشرقت عليه أنوار التجليات الإلهية وعبقت عنه فوحات الأخلاق الملكية وأصبح مثالاً يحتذي طريقته من أراد الكمال الصوري والمعنوي وقد ورد في الكتاب الكريم ما يشير إلى هذه المنزلة السامية قال تعالى {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} . وجاء في الكلام القديم ما يومي إلى أن من نال هذه المرتبة الرفيعة من القوة النظرية وهي الإيمان ومن القوة العملية وهي التقوى فإن الله يتولى شأنه ويسدده في أموره وينضر حجته قال تعالى {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ} ، {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} ، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} فهذا كان يشعر بأن من تولى الله أي اتخذه ولياً تولاه الله وأفاض عليه من سبحات أنواره وإشراقات أنسه ما يجعله مثالاً للكمال بمعنييه ونموذجاً للفضيلة ينسج الناس عليه. وأما الكرامة فقد فسرها العلماء بأنها أمر خارق للعادة غير مقرون بالتحدي ودعوى النبوة يظهر على يد عبد ظاهر الصلاح ملتزم لمتابعة نبي كلف بشريعته مصحوب بصحيح
الاعتقاد والعمل الصالح وبهذا يظهر لك الفرق بين المعجزة والكرامة فإن المعجزة مقرونة بالتحدي ودعوى الرسالة والتبليغ عن الله تعالى ولابد أن تكتنفها حوادث تميزها عما عداها بخلاف الكرامة فإنها لم تقترن بذلك فلا تكون قادحة في المعجزة التي هي دليل النبي كما يتوهم لأن الولي نفسه يؤمن بمعجزة ذلك النبي ويعترف له بوظيفته ويعتقد أن كرامته من ضمن معجزاته الدالة على صدق شرعه ولا يرد أن السحر أمر خارق للعادة أيضاً لأن السحر يظهر على يد الفساق والزنادقة والكفار الذين هم على غير شريعة ومتابعة فلا يسمى بالكرامة بل استدراجاً.
ولعلماء أهل السنة دلائل عقلية ونقلية على جواز وقوع الكرامات لأولياء الله الذين هم قائمون بأوامره راضخون لأحكامه مستغرقون الفكر في عظمته وجلاله منها أن ظهور الخارق للعادة أمر ممكن في ذاته وكل ما كان كذلك فهو صالح لشمول قدرة الله تعالى لإيجاده إذ لو لم نقل بجواز الوقوع للزم نسبة العجز لقدرة الله تعالى التي تتعلق بجميع الممكنات وللزم ترجيح بعض طرفي الممكن على بعض وكلاهما محال.
ودليل إمكان ذلك الأمر أنه لا يلزم من فرض وقوعه محال عقلاً فإنكار وقوعها مكابرة وعناد على أنه لم يثبت في شيء من كتب المذاهب الأربعة المتواترة أصولاً وفروعاً القول بانقطاع كرامات الأوليات ولو بالموت فلا يلتفت إلى ما يهذي به أرباب الرعونات النفسية والنزغات الشيطانية.
ولنسرد الأدلة النقلية من الكتاب والأخبار والآثار المؤيدة لوقوع الكرامات بالفعل فمن ذلك قصة مريم عليها السلام في قوله تعالى {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً} وكلاك كلب أهل الكهف معهم وقصة آصف بن برخيا مع سليمان عليه السلام في عرش بلقيس وإتيانه به قبل أن يرتد الطرف وكل هؤلاء ليسوا بأنبياء وأما الأخبار فقد ورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون (ملهمون) يلقى في روعهم الشيء قبل الإعلام به فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً في الحديث المخرج عند الحاكم عن أبي هريرة رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره.
وأما الآثار التي وردت عن السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الكرامات فكثيرة
قد بلغت حد الاستفاضة فمنها ما روي عن عمر رضي الله عنه بعث جيشاً وأمر عليه رجلاً يدعى سارية بن الحصين فتورط مع المشركين وهم بالانهزام فبينما عمر رضي الله عنه يخطب جعل يصيح في خطبته وهو على المنبر: يا سارية الجبل الجبل. وكان بقربه جبل يتحيز إليه قال على كتبت تاريخ هذه الكلمة فلما قدم رسول ذلك الجيش فقال يا أمير المؤمنين عدونا يوم الجمعة في وقت الخطبة فهزمونا فإذا بإنسان يصيح يا سارية الجبل فأسندنا ظهرنا إلى الجبل فهزمت الكفار وظفرنا بالغنائم وكذلك روي إن نيل مصر كان يقف في كل سنة مرة واحدة فكان لا يجري حتى تلقى فيه جارية حسناء فلما جاء الإسلام كتب عمرو بن العاص إلى عم بن الخطاب رضي الله عنهما يعلمه بالقصة فكتب عمر على خرقة أيها النيل إن كنت تجري بأمر الله فاجر وإن كنت تجري بأمرك فلا حاجة لنا إليك فألقيت تلك الخرقة في النيل فجرى ولم يقف بعد ذلك وكذلك روي أن عثمان بن عفان رضي الله عنه دخل عليه أنس بن مالك فقال مالي أراكم تدخلون علي وآثار الزنا ظاهرة عليكم وكان أنس قد وقعت عينه على امرأة بينما كان سائراً في الطريق قال أنس فقلت أجاء الوحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عثمان رضي الله عنه لا ولكن فراسة صادقة.
الذي يحتج المنكرون لكرامات الأولياء بكلامه
وقد ذكر الإمام بن تيمية الحنبلي وهو في كتابه الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ما نصه وكرمات الصحابة والتابعين بعدهم وسائر الصالحين كثيرة جداً مثل ما كان (أسيد بن حضير) يقرأ سورة الكهف فنزل من السماء مثل الظلة فيها أمثال السرج هي الملائكة نزلت لقراءته وكانت الملائكة تسلم على عمران بن حصين وكان (سلمان وأبو الدرداء) يأكلان في صحفة فسبحت الصحفة أو سبح ما فيها (وعياد بن بشر واسيد بن حضير) خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فأضاء لهم نور مثل طرف السوط فلما افترقا افترق الضوء معهما رواه البخاري وغيره وقصة (الصديق) في الصحيحين لما ذهب بثلاثة أضياف إلى بيته وجعل لا يأكل لقمة من القصعة إلا ربا من أسفلها أكثر منها فشبعوا وصارت أكثر مما هي قبل ذلك إلخ (وخبيب بن عدي) كان أسيراً عند المشركين بمكة وكان يؤتى بعنب يأكله وليس بمكة عنب و (عامر بن فهيرة) قتل
شهيداً فالتمسوا جسده فلم يقدروا عليه وكان لما قتل رفع فرآه عامر بن الطفيل وقد رفع وقال عروة فيرون الملائكة رفعته وحديث (أم أيمن) حين هاجرت وعطشت فرأت دلواً معلقاً في الهواء فشربت منه وما عطشت بقية عمرها و (سفينة) مولى رسول الله عليه الصلاة والسلام أخبر الأسد أنه رسول رسول الله فسار معه حتى أوصله إلى مقصده و (البرأ بن مالك) كان إذا أقسم على الله أبر قسمه و (خالد بن الوليد) حاصر حصناً فقالوا لا نسلم لك حتى تشرب السم فشربه فلم يضره و (سعد بن أبي وقاص) كان مجاب الدعوة وهو الذي هزم جنود كسرى وفتح العراق ولما عذبت (الزبيرة) في الإسلام وكف بصرها قال المشركون أصابها اللات والعزى فقالت كلا والله فرد الله بصرها و (العلاء بن الحضرمي) مشى مع الجيش على الماء فلم تبتل قدماه وقد حصل مثله لأبي مسلم الخولاني الذي ألقي في النار فلم تضره إلخ ما قال مما لو أتينا على جميعه لاحتجنا إلى التطويل.
ولنكتف الآن بما قدمنا ليعلم المنكرون لكرامات الأولياء المدعون أن أقل القرون الثلاثة لم يعملوا ولم يعلموا بها وإن الكتاب والسنة والتاريخ ليس فيها شيء من ذلك إن دعواهم لا تروج إلا على قليلي البضاعة وضعفاء العقول الذين لا قابلية لهم في أنوار التوحيد ولا استعداد عندهم للخير فوقع هؤلاء المنكرون في أولياء الله أهل الكرامات يأكلون لحومهم ويمزقون أديمهم جاهلين كون هذا الأمر مبنياً على صفاء العقيدة ونقاء السريرة واقتفاء الطريقة واصطفاء الحقيقة {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} ولنختم هذا الموضوع بحديث أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه مؤيداً لما خص الله أولياءه من المراتب العلية والمقامات السامية والكرامات الباهرة والمواهب الوافية تكريماً لهم وتشريفاً لهم قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عند ربه عز وجل من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزل عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني لأعطيته ولئن استعاذ بي لأعذته فقد دل هذا الحديث على أن للولي عند الله مرتبة عالية ومقاماً سامياً فهل يستبعد أن يكرمه الله بما لا يستحيل وقوعه على يده من خوارق العادات إن هذا لشيء عجاب.