المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌طلبة العلوم الدينية - مجلة الحقائق - جـ ٣٤

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌طلبة العلوم الدينية

‌طلبة العلوم الدينية

لا يخفى على كل ذي عقل سليم وطبع مستقيم أن تحصيل العلم لا يتيسر إلا بالمال وطول الزمان مع وجود الفطنة والأستاذ النصوح ورحم الله من قال:

أخي لن تنال العلم إلا بستة

سأنبيك عن تفصيلها ببيان

ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة

وصحبة أستاذ وطول زمان

ولذلك قام عقلاء الأمة من أسلافنا الكرام أصحاب الحمية والمرؤءة المحبين لتقوية دينهم وترفية بلادهم فصرفوا جل أموالهم على اكتساب العلوم والفنون وأسسوا المدارس ووقفوا لها أوقافاً كلية تقوم بنفقة مدرسيها والقاطنين بها ووضعوا لها نظامات ليسير المعلمون والطلبة عليها ولو اطلعت على تاريخ الواقفين لرأيت أحدهم وقف نصف أمواله على تحصيل علم الحديث والآخر على تحصيل علم الفقه وغيره على تحصيل التفسير والقراآت ومنهم من وقف ماله على تحصيل العلوم العربية وآدابها والعلوم الرياضية كالهندسة والحساب والمساحة والجبر وبذلك تيسر لهم تحصيل غالب الفنون والعلوم وبرعوا فيها وألفوا الكتب العديدة النافعة والعالم فيهم والمدرس معزز مكرم مكفي المؤونة مطاع في أهله وقومه وأما الآن ويا للأسف فقد خلف من بعدهم خلف تولوا إدارة شؤون المدارس فأضاعوا الأوقاف وخربوها وجعلوها ملكاً لهم أو كالملك وغصبوا كثيراً من وظائفها لأنفسهم ثم لأولادهم من بعدهم على سبيل الإرث وإن كانوا هم وأبناؤهم جهالاً لا يميزون بين الكوع والبوع والمنصوب والمرفوع وأعانهم على ذلك حكام باعوا دينهم بدنياهم فلذلك أصبح طالب العلم يعد شروعه في طلب العلم متحيراً في أمره محجماً عن الإقدام على إكمال تحصيله لما يراه من سوء العاقبة في الأمور الدنيوية مع شدة الفاقة وقلة العيش وامتهان الناس له وازدرائهم به خصوصاً عند بعض الأمراء الذين يناط بهم شيء من أمور الطلبة وقد جرأهم على ذلك ما يرون من انخراط بعض الجهلة في سلك طلاب العلم وسكوت الشيوخ وعدم قيامهم بما وسد غليهم من الوظائف ولو اطلع الإنسان على ما يقاسيه بعض أهل العلم في المدارس الدينية لفاضت عيونه دماً واشتعل رأسه شيباً واحترق قلبه حسرة وإني في هذه السنة خرجت من دمشق بعد نصف رمضان وكنت نزيلاً عند العالم الفاضل الشيخ إسحاق الداغستاني في مدرسة جامع الكبير وهي محتوية على سبع عشرة غرفة وحجرة كبيرة للتدريس وفيها مكتبة قد خيم العنكبوت عليها وعما قريب

ص: 1

تقرضها الدود عمرها أمير أطنة خليل بك ابن الأمير رمضان ووقف لها أوقافاً كلية وشرط لها شروطاً منها أن يتخصص عشرة من أذكياء ونبلاء طلابها وتعطى لهم زيادة معاش وملبس كي يجدوا على تحصيل العلوم الدينية خصوصاُ ويسابروا عليها وينشروا ذلك في القرى والأمصار ولكن يا للأسف قد طمست معالم العلم في هذه المدرسة وفي غيرها وعفت آثاره وصار للمدارس حظ من اسمها فأصبحت خاوية على عروشها يأوي إليها الفقراء والعجزة وبعض المتخلقين بالأخلاق الذميمة.

ولنطلع القراء على بعض ما رأيته من الغرائب ليطلعوا على سوء إدارة بعض عمال نظارة الأوقاف في الولايات العثمانية عدم إنكار العلماء والمفتين ذلك مما أودى بنا إلى الذل والهوان وسوء المنقلب.

إن العلماء قديماً كانوا يخرجون في أثناء تعطيل الدروس إلى القرى والبوادي لنشر العلم والدين وإرشاد الناس إلى ما فيه صلاحهم وكان يحصل لهم إكرام عظيم بسبب صلاحهم وحسن نيتهم فخلفهم قوم لم يراعوا طريق سلفهم فإذا جلسوا للوعظ يضيعون الأوقات بالحكايات والأقاصيص وبعضهم دخلاء على العلم وأهله وهم أضر على الدين من أعدائه لأن العوام يأخذون قولهم بالقبول ولو أردت نصحهم تقوم وقتئذ الطامة الكبرى حتى أن يعضهم قد قرر في درسه أن البول قائماً حرام ومن فعل ذلك فهو كالزاني بأمه وهادم الكعبة فلما بلغني ذلك ممن كان حاضراً في درسه من الثقات وقد تواتر ذلك أخبرتهم بأن ذلك مكروه عند بعض الأئمة والنبي صلى الله عليه وسلم بال قائماً واختلف العلماء بالكراهة وعدمها كما هو مذكور في كتب الفقه والحديث ولم يقل أحد بالحرمة ثم أن الفاضل الشيخ إسحاق أخذته الحمية والغيرة وبين للناس في درسه العام حكم المسألة فتأمل وقل ما تشاء في حق العلماء الذين يساعدون أمثال هؤلاء الجهلة ويصدقون على أنهم مدرسون وأن هذه وظيفة ورثها فلان عن أبيه فيلزم أن لا نحرمه خبز أبيه ولم يراعوا دين الله وخالفوا نصوص الفقهاء وقوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل).

فصدق عليهم مفهوم قوله تعالى: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر) ومنطوق قوله عز اسمه: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى إلى خرابها) وقل

ص: 2

في حق من كان على شاكلتهم من أمراء الأوقاف ما تشاء. .

فهم مهما رفعت إليهم الشكايات يحاولونها ولو كان ذلك اندراس الدين وخراب المساجد والمعابد كما هو مشاهد بالعيان وبالعكس من جاورنا من أهل الذمة يعمرون معابدهم ويشيدون المكاتب والمستشفيات ويحضون الناس على اتباع دينهم ولهم جمعيات مخصوصة لهذه الغاية وأغنياؤهم لا تزال تنفق الأموال الطائلة في سبيل ترقي معارفهم وتقوية دولهم حتى أن بعضهم يقف جميع أمواله على تحصيل العلم وغيره على تقوية الجيوش البرية والبحرية ومن أنكر ذلك فهو كمنكر الشمس في رابعة النهار اللهم أصلح الرعاة والرعية وخذ بيدنا إلى الخير إنك على ما تشاء قدير.

صلاح الدين الزعيم

ص: 3