الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسلام والإيمان
من هنا يتضح أن الله أرسل لكل أمة رسولاً وكتاباً وجمعهم على دينه قروناً وأحقاباً وها نحن في زمان أخذت فيه الأمم تتعارف لتتبادل الأفكار والعلوم والمرافق الحيوية وأخذت نواميس الحياة تسوقها سوقاً إلى وحدة العقائد كما وحدتها في المدركات العلمية والعملية من هنا حدث شعور عام بضرورة وجود دين عام وكيف يمكن أن يكون للإنسانية دين عام وجميع الأديان التي أمامنا تكلف الأمم بالانخلاع من شخصيتها التي اكتسبتها في عشرات من القرون والتقمص بشخصية جديدة تعادي معها دينها السابق وتكفر بسائر أنبيائها وتعدهم كذابين مزورين وتحتقر جميع مقدسيها وأقدميها لا جرم أن أمثال هذه الأديان المحرفة لا يستطيع أحدها أن يكون ديناً عاماً مطلقاً ما دام لم ينظر لمجموع الإنسانية كلها بنظر الملم بأحوالها المراعي الحكمة في تكليفها. على أن في محاولة هذه الأديان خلع من يتمسك بها من كل ما كان يعتقده قبلاً ودفعه للكفر بجميع ما كان فيه يعد جوراً وميلاً عن الحق الظاهر لأنه (ما الذي يرجح للإنسان أن يعتقد بعيسى ويكفر ببوذى مع العلم بأن الاثنين أسسا ديناً وجاءنا بإصلاح كبير واتبعهما خلق كثير وكان سواء في الصلاح والتقوى وحب الإنسانية؟ وما الذي يرجح له أن يحترم الأناجيل والقديسين النصارى ويحتقر كلما له علاقة بديانة بوذا مثلاً.
لا شك أن لا مرجح يحمل الإنسان لأن يعتقد برسول دون رسول وبكتاب سماوي دون كتاب آخر كون أمة وأحياها إلا الجور في الحكم والميل مع الوراثة والتقليد فالعدل كل العدل أن يعتقد الإنسان بكل رسول أرسله الله للأمم مستدلاً على رسالته بآثاره وأعماله وتاريخ حياته فيؤمن بجميع رسل الله إجمالاً وبجميع كتبه جملة تاركاً التعصب الذميم والانتصار لأحد المرسلين دون الآخرين جاعلاً دينه قوله تعالى: (آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمين) هذا هو الدين الحق العادل الصالح لأنه يجمع كافة الشعوب والأمم ويؤاخي بينهم ويرضيهم جميعاً وينزع من قلوبهم العداوة والبغضاء والسخائم القديمة الموروثة بسبب كفر بعضهم بأنبياء بعضهم واحتقار بعضهم بكتب بعض.
هنا تنجم مشكلة تعوذ حلاً مقبولاً وهي أن جميع الكتب الدينية التي بأيدي الأمم محرفة
مبدلة وقد تولاها رجال بالشروح والتأويلات حتى خرجت بها الأديان عن أصولها وصارت كلها متناقضة تسمح للملحد أن يقول إذا كانت الأديان كلها وحياً من الله فلماذا نجدها متناقضة متعاكسة فإما أنكم حرفتموها عن أصولها وإما أنكم كذبتم على الله بنسبتها إليه لأنه لا يقال أن الله ينزل على قوم ديناً يعلمهم فيه أنه واحد في ذاته وصفاته وأفعاله منزه عن الجسم والجسمانيات لا تحيط به الأفكار ولا الظنون ثم يوحي إلى آخرين ديناً يقرر لهم فيه أن له ثلاثة أقانيم وأنه أرسل ولده ليفتدي العالمين ثم يوحي إلى أمة أخرى بأنه تجسد في جسد فلان وحل في جسم فلان الخ مما لا يمكن التوفيق بينه بأي وجه من الوجوه هذه معضلة لا يحلها إلا أحد أمرين: إما الاعتقاد بأن هذه الأديان محرفة أو بأنها ليست وحياً من الله ولكنها من أفكار من وضعها من الأقدمين. أما القول بأنها من موضوعات الأقدمين فلا ينهض به دليل لأن أولئك الرجال الفضلاء الكاملين الذين دلت حياتهم على فضل وتقوى وزهد وعبادة، الذين قالوا نحن رسل الله جئنا بدين الله يبعد أن يكونوا من الكاذبين المزورين لأن التزوير لا يولد فضيلة ولا ينتج كمالاً ولا تقوى (انظر ما قلناه عن محمد صلى الله عليه وسلم إذن لم يبق أمامنا إلا الفرض الثاني وهو أن هذه الأديان حرفت عن أصولها وأن أصلها كلها واحد.
إن وصلنا إلى هذا الحد قلنا: ها هو رسول كريم أرسله الله رحمة للعالمين دلنا بتاريخ حياته من أولها إلى آخرها في زهده وعبادته وتواضعه وبعده عن زخارف الدنيا على أنه واحد من اولئك المرسلين جائنا يقول عن الله تعالى: (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً فأما الذين آمنوا واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً).
جاء هذا الرسول يقول عن ربع (شرع لكم من الدين ما وحى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين لوا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي غليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى آجل مسمى لقضي بينهم وأن الذين أوروثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب) فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا
ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير).
هذا الرسول الكريم أمرنا بالإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين وبكتب الله أجمعين وجعل ذلك قاعدة ديننا وعمدة إيماننا ثم أمرنا بالخير كله ونهانا عن الشر كله وعرفنا سبل الكمال وأمات فينا نزعة الحق والتعصب الممقوت وشرع لنا ناموس الأخلاق ونهج لنا في هذا العصر الذي كثرت فيه الشكوك على الأديان وأصبح فيه علم اللاهوت عدواً لتلك المقالات التي يوردها أصحاب الملل في الله جهلاً وتقليداً لأفكار السابقين.