الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللغة والأدب
زلات الأقلام
مما يزل فيه بعض أرباب الأقلام استعمال لفظة (استبدل) على غير الوجه بل لا يكاد يجيد وضع هذا الحرف في موضعه إلا القليل. فمن أمثلة الزلل فيه قول أحدهم يصف عاشقاً جد به الهوى فنفر ن عينيه الكرى استبدال النوم بالسهر أراد أنه اتخذ السهر من البوم بدلاً ولكنه قلب الوضع فجاء مقلوباً والوجه أن يقال استبدل السهر بالنوم ليستقيم الوضع والمعنى معاً.
ومن الزلل في استعمال هذا الحرف أيضاً قول الآخر يصف محتالاً بدل الجنيه (أي الليرة) درهماً زائفاً وقول غيره في هذا المعنى بدل الماس حجراً يريد كلاهما أن المحتال قد يعلم الدرهم الزائف بدلاً من الجنيه وقطعة من حجر بدلاً من الماس ولكن الوضع لا يدل على هذا المعنى والوجه أن يقال أبدل الجنيه بدرهم زائف والماس بحجر لأن التبديل تحويل صورة إلى صورة أخرى والمراد في هذين الموضوعين التنحية أي جعل شيء مكان شيء آخر وهو الإبدال.
وعلى ذكر هذا الحرف نذكر ما سمع في فعل وفعل وهو أربعة أحرف بدل وبدل ومثل ومثل وشبه وشبه ونكل ونكل ولم يزد عليها أحد.
ومن زلل قول بعضهم مفتش (أول) اللغة العربية يريدون مفتش اللغة العربية الأول فيفصلون بين المضاف والمضاف إليه بنعت الأول.
ومنه قول خليني أفهمك يريد دعني أفهمك فيستعمل التخلية خطأ وقد شاع استعمال هذا الحرف على نحو ما رأيت قال شاعر الشرق:
فخذ سبلاً على العلياء شتى
…
وخل دليلك الدين القويم
وإنما الخلية الترك وذلك غير ما يقتضيه المقام كما هو ظاهر.
ومنه قوله هذا الكتاب ترجم بمعرفة فلان يريد أن فلاناً هو الذي ترجمه فيأتي بهذا الوضع وهو لا يدل على المعنى المراد. وإنما يقع مثل هذا الكاتب في ذلك الوهم لالتزامه التعريب الحرفي وظاهر أن الجملة المتقدمة تفيد أن فلاناً يعرف أن الكتاب ترجم لا أنه هو الذي ترجمه فإذا أريد الشطر الثاني قيل ألف هذا الكتاب فلان وهذا الضرب من الخطأ كثير
الشيوع.
ومنه قوله الأمل (لغو) هذا القرار يريد أ، يبطل فيأتي بهذا اللغو واللغو واللغا السقط وما لا يعتد به من كلام وغيره ويقال شاة لغو ولغاً أي لا يعتد بها في المعاملة وقال ذو الرمة يهجو هشام بن قيس المرئي أحد بني امرئ القيس:
ويهلك وسطها المرئي لغواً
…
كما ألغيت في الدية الخوارا
واللغو في الأيمان ما لا يعقد عليه القلب. ومعنى اللغو الإثم فأنت ترى أن المراد الإلغاء لا ذلك اللغو السخيف.
ومنه قوله من فتح مدرسة (قفل) سجناً يريد أقفل فيستعمل المجرد خطأ قال في لسان العرب أقفل الباب وأقفل عليه فانقفل واقتفل والنون أعلى والباب مقفل ولا يقال مقفول وعن الجوهري أقفلت الباب وقفل الأبواب مقل أغلق وغلق. وفي حديث عمر رضي الله عنه أنه قال أربع مقفلات النذر والطلاق والعتاق والنكاح أي لا مخرج منهن لقائلهن كأن عليهن أقفالاً فمتى جرى بهن اللسان وجب بهن الحكم.
ومنه قوله لا يعيقني عن ذلك شيء يريد لا يصرفني عنه صارف فيعدل عن المجرد إلى بعض مزايداته خطأ والصواب عاق من الأجوف الواوي قال في اللسان عاقه عن الشيء يعوقه عوقاً صرفه وحبسه ومنه التعويق والاعتياق وذلك إذا أراد أمراً فصرفه عنه صارف. . قال ويجوز عاقني وعقاني بمعنى واحد. . وعوائق الدهر الشواغل من أحداثه.
ومنه قوله: أخذ فلان يمطل لدائنه يريد أنه أخذ يعلله بالعدة أو يسوف وهذا الحرف متعد بنفسه قال في أساس البلاغة مطلني حقي وماطلني به مطلاً ومطالاً فالاستعمال الأول غير صحيح كما ترى ومنه قوله: اتهم فلان بالنصب وقد كثر هذا الاستعمال وهو في كتابة الصحف أكثر بل لا يكاد يخلو باب الحوادث فيها من ذكر هذه الجملة مراراً في كل سنة. والصواب اتهم بالاحتيال قال الزمخشري وأهل النصب الذين ينصبون؟ لعلي رضي الله عنه ونصبت له رأياً إذا أشرت عليه برأي لا يعدل عنه.
ومما كثر شيوعه في طائفة من التآليف والرسائل المحبرة والقصائد المحررة قولهم لك الهناء ول يرد الهناء في اللغة العربية قال ابن منظور هنئ الطعان وهنوء يهناء صار هنيئاً مثل فقه وفقه وهنئت الطعام أي تهنأت به وهنأ في الطعام وهنأ لي يهنيئني ويهنأني
هناء وهناء ولا نظير له في مهموز.
ويقال هنأه بالأمر والولاية هنأ هنأه تهنئة وتهنيئاً إذا قيل له ليهنئك والعرب تقول ليهنئك الغارس بجزم الهمزة وليهنيك الغارس بياء ساكنة ولا يجوز ليهنك كما تقول العامة ومن زلات الأقلم قول بعضهم بات فلان يشكو من فداحة الخطب يريد من ثقله وقد بحثت في عدة معجمات فما وجدت للفداحة فيها أثر ولا رأيت عنها خبر والمعروف في أمهات اللغة (الفدح) يقال فدح الأمر أو الحمل أو الدين زيداً من حد منع (فدحاً) أي أثقله وهاله وبهظه.
ومنه قول الآخر يصف أحد القصور في نهاية القصور فيه رياش نفيسة يؤنس الرياش بالوصف خطأ وهي مثل الأثاث قال في الأساس وفلان له رياش أي لباس وحسن حال وشارة واشترى علي رضي الله عنه قميصاً بثلاثة دراهم فقال الحمد لله الذي هذا من رياشه ومن غريب الزلل الذي يقع فيه بعض من يعربون تعريباً حرفياً قولهم (هو كريم) بكل معنى الكلمة) فهل رأى الناس كريماً بنصف معنى الكلمة وآخر بربع معناها وثالثاً بثمنها ومتى كانت المعاني العرفية العامة محدودة بمثل هذه المقادير؟ ألا ليعفوا المتفرنجون أسماعنا من مثل هذا الاستعمال الساقط وليستعملوا عوضاً عنه ما أرادوا من التراكيب.
ومنه قولهم (فلان هجاص) ويريد أن موصوفه يكثر من الأخبار التي لها أصل والصواب هجاس قال صاحب اللسان هجس الأمر في نفسي يهجس هجساً وقع في خاطري فالهجاس كثير الهجس أي الذي يقول كل ما يهجس في نفسه كما ترى.
ومن مزال الأقلام قول بعضهم (فلان لابس ثوباً (فاتحاً)) ومنهم من يقول (زاهياً) وكلا الاستعمالين غير مراد. والوجه أن يقال (ناصع اللون) والناصع الخالص الصافي من كل شيء.
ومن الزلل قول بعضهم (يجب أن يعين منا مديريون) مراده مديرون جمع مدير. وزيادة الياء ها هنا لا مسوغ لها كما أنه لا مسوغ لهذا الإيجاب ولكن الجهل يعني صاحبه.
ومنه قوله (يتعهد المدين بدفع الدين) يريد أنه آلى وأعطى موثقاً بالدفع وإنما التعهد التحفظ بالشيء وتجديد العهد به وتفقده والاحتفاظ بالعهد أيضاً ومن الأخير قول أبي العطاء السندي من فصحاء العرب يرثي ابن هبيرة.
وإن تمس مهجور الفناء فربما
…
أقام به بعد الوفود وفود
فإنك لم تبعد على متعهد
…
بلى كل من تحت التراب بعيد
وليس شيء من هذه المعاني بمراد لنفسه في هذا المقام.
ومنه قول الآخر (فلان موظف ظهورات) يريد أنه موظف إلى حين ومن كان كذلك فوظيفته المساعدة والوجه فيه (موظف ظِهرة) أو ظُهرة قال تميم الهفي:
على عز العزيز وظهرة
…
وظل شباب كنت فيه فأدبرا
وفي اللسان (الظهرة الأعوان والظهرة كالظهر وهم ظهرة واحدة وجاءنا في ظهرته وظِهرته وظاهرته أي في عشيرته وقومه وناهضته الذين يعينونه وفلان ظِهرتي على فلان أي عوني.