المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌طريق النجاح لا مراء ولا جدال في أنه لا بد لكل - مجلة الحقائق - جـ ٣٤

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌ ‌طريق النجاح لا مراء ولا جدال في أنه لا بد لكل

‌طريق النجاح

لا مراء ولا جدال في أنه لا بد لكل دولة من دين تتدين به ودولتنا العلية حرسها الله دولة إسلامية دينها دين الإسلام. والمسلمون الموجودون اليوم على وجه الكرة الرضية ثلاثمائة مليون يجمعهم دين الإسلام وكلمة التوحيد وهم وإن اختلفت مذاهبهم ومشاربهم وتناءت أقطارهم وبلادهم وتباينت لغادتهم وعاداتهم في الحقيقة أغصان دوحة واحدة ألا وهي (الدين) وبذلك نطق أجلًّ كتاب وأصدق قائل.

(إنما المؤمنون أخوة) وهم مرتبطون بإمام ينقادون له ويخضعون لأوامره كما يحكم عليهم بذلك كتابهم ودينهم وذلك الإمام يقوم بتنفيذ أحكامهم وإقامة حدودهم وسد ثغورهم وتجهيز جيوشهم وأخذ صدقاتهم وقهر المتغلبة وإقامة الجمع والأعياد وإصلاح ذات البين وغير ذلك مما يتعلق بالإمام الأعظم الذي هو خليفتهم إذاً فما بلهم متقهقرين وبطريق الفشل سائرين وعن سبل التقدم والرقي ناكبين؟ ما بالهم مع وفرة عددهم وكثرة عددهم بالنسبة لما كان عليه أسلافهم لا يتفقون وعلى ما فيه صلاحهم لا يجتمعون؟ لم لم يكونوا كما كان أسلافهم في صدر الإسلام فقد دوخوا الممالك وذللوا ملوكها وأسودها ومصروا الأمصار وقد سجلته لهم ذلك كتب التاريخ وسطرته أقلام العز والشرف على صفحات المجد والفخر.

حتى أن الرجل الواحد منهم كان يحارب المائة والمائتين ممن سواهم فيضعضع أركانهم ويزلزل أقدامهم ويهاجمهم مهاجمة الأس الغضنفر بصلابة دينه ورسوخ عقيدته الإيمانية يفعل ذلك لثقته أنه بين أمرين لا محالة إما أن يعيش سعيداً وإما أن يموت شهيداً. ومن غرائب حربهم ما وقع لهم مع جيش الفرس وجيش هرقل بالقادسية واليرموك وكان المسلمون وقتئذ بضعاً وثلاثين ألفاً في كل معسكر وجموع فارس مائة وعشرون ألفاً وجموع هرقل أربعمائة ألف فقاتلوهم بنيات صادقة وعزائم ماضية وصبروا على قتالهم صبر الكرام حتى هزموهم شر هزيمة وأورثهم الله أرضهم وديارهم وهي قصة مشهورة كادت تبلغ درجة التواتر وعاشوا يومئذ بالترفه والنعم وأصبحت دولة الإسلام أغنى دول الأرض وأرقاها وأنجحها وأعلمها وأعظمها وذكر بعض المؤرخين أن الأموال التي كانت تجبى في كل سنة إلى بيت مال المسلمين في أيام الرشيد سبعة آلاف قنطار وخمسمائة قنطار من الدنانير وذكر الثقات من مؤرخي الأندلس أن عبد الرحمن الناصر أحد ملوك الأندلس خلف في بيوت أمواله خمسة وأربعين ألف ألف دينار ووزنها خمسمائة ألف قنطار

ص: 13

وهذه دولة من دول إسلام ذلك العصر وغيرها كان يأتيها من المال أضعاف أضعافها كل ذلك كان لاتفاق المسلمين واجتماعهم على الحق واجتهادهم بتوسيع نطاق ممالك الإسلام وتفانيهم بإعلاء شأن كلمة الملة والدين، أولئك السلاف العظام يستهان بأخلاقهم اليوم أمة شأن سلفها العز والمجد أيعجز خلفها أن ينهض نهضة آبائه وأجداده ألا ليت شعري ما هو الدواء النافع الناجع لبرء هذا الداء العضال.

الدواء الوحيد هو بث الدعوة الدينية في هذه الأمة العظيمة ونفخ روح الحياة بالعلم في جسم ميتها ليحيى وينهض من حضيض الذل والهوان إلى أوج المعالي وهذا الدواء أعظم وأكبر وأجل سبب شريف لاسترداد مجد الإسلام السالف بهذا الدواء يعز الشعب بعد الذل والصغار ويصحو من خمرة سهوه ولعبه. وليكن بث هذه الدعوة بإرسال مرشدين عارفين بلغات البلاد من طرف الدولة العلية إلى العالم الإسلامي في سائر الجهات والأقطار يدعونه إلى التعاون والتعاضد والتناصر بشرط أن يكونوا عالمين عاملين بما يرشدون به مقتدرين على استمالة الأفكار واستجلاب القلوب يأتون البيوت من أبوابها لا خاملين يدعون الأمة إلى البطالة ويقعدونها عن السعي وراء الرقي والكمال ويثبطون همتها عن الجد بالعمل حتى يلجأ إلى التهاون والتواني وتألف الخمول والكسل. لا متفرنجين مارقين من الدين والأخلاق مروق السهم من الرمية أليفهم الكاس وحليفهم الشيطان على الاجتماع مع المرد واستباحة الأعراض.

أولئك قوم أبغضوا المساجد وتلاوة القرآن وتعشقوا مسارح اللهو والخذلان بل ينبغي أن يكونوا صفوة الناس وخلاصتهم لا مفرطين ولا مفرطين متجردين من الغايات الذاتية والمآرب الشخصية يقومون بوظائف الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام التي هي أشرف مطلب وأسمى منصب بل هي من أهم الواجبات على علماء الدين الإسلامي بالدعوة يحصل الإرشاد والنصيحة بتأليف القلوب وإصلاح ذات البين ويكون هذا بجمع السواد الأعظم في المساجد لاسيما أيام الجمع والأعياد وفي نواديهم التي يتحدثون بها ويأوون إليها وذلك بالخطب الرائقة والمواعظ الشائقة والدروس الجليلة المنبهة على حسب ما تقتضيه أحوال العصر الحالي يبينون لهم ما ينبغي التذرع به والالتجاء إليه تخلصاً مما هم فيه ويحثونهم على مؤازرة دولة الخلافة بالتداعي إليها والترامي نحوها من جميع النواحي

ص: 14

بالمال والرجال وبتأليف الجمعيات الخيرية وتجديد المعاهد العلمية وتشييد المدارس الفنية ويحضونهم على تأليف جمعية مخصوصة ترمي بسعيها إلى هذا الغرض ذاته يجعلون لها فروعاً وشعباً في سائر الأنحاء والأرجاء وتأليف جمعية أخرى باسم إحداث معامل صناعية في بلاد الدولة العثمانية تشترك فيها الأغنياء وأصحاب الثروات من المسلمين يمدونها بأموالهم وينتفعون بريعها مساهمة كما هو شأن الشركات الأجنبية التي ببلادنا يعينون لها رؤساء نصوحين صادقين يديرون أمورها ويدبرون شؤونها ونظاراً عليهم يتتبعون أحوالها ويراقبون عمالها حتى تستغني بلادنا عن بلد الأجانب وبهذا ينمو المال وتحيي الرجال وتتألف الأفئدة والقلوب.

وربما يعترض على هذا الاقتراح مارق من الدين ليبقى مقيماً على شهواته أو من خارت عزيمة فكره ورويته أو بعثته عصبيته أو جنسيته أو أهاجته غاياته ومآربه أو من ثبط همته بالجبن وأعقده الكسل فيقول أن هذا الاقتراح أمر شديد المراس صعب المزاولة ولا يمكن تصوره لا يتأتى العمل به فنقول له أن الأمر سهل متى لهجت به سائر جرائد الإسلام إن الأمر سهل متى سرت هذه الروح في جسم شعبنا الذي استسلم لليأس والقنوط، وقام ينادي بلسان واحد للأمام للأمام للتقدم للتقدم، إن الأمر سهل متى سرى دم الحياة بشرايين جسم أبناء هذه الدولة العثمانية ففدوها بالنفس والنفيس وبذلوا لصيانتها كل مرتخص وغال وصالوا صولتهم المعهودة وسطوا سطوتهم المعروفة ولا شك أن هذه الروح متى بدأ سريانها اجتمعت لها كلمة الأمة الإسلامية في سائر أقطار المسكونة إلا فما الذي دعى أخواننا المصريين إلى إعانتنا في هذه الأزمة الشديدة بمليون من الليرات؟ وما الذي حمل المتطوعين على مبارحتهم أوطانهم ومفارقتهم أولادهم وعياله؟ ما الذي أثار عواطف مسلمي الهند حتى أرسلوا الإعانات تترى من كل فج عميق؟ ما الذي أهاج عرب طرابلس الغرب حتى وقفوا في وجه الطليان وقوف الأسود الكواسر لتناضل عن أعراضها وتدافع عن أوطانها؟ أليس الباعث للجميع هو الرابطة الدينية والحمية الإيمانية وصون الخلافة الإسلامية من تمزيق جامعها وانحلال رابطتها حيث علموا كلهم أنه لم يبق على وجه الكرة الأرضية دولة تقوم بِأمر الخلافة العظمى سوى دولتنا حرسها الله وأيدها بقدرته وسلطانه فلذا هرعوا جميعاًُ لمساعدتها من تلقاء أنفسهم (ألا فليعتبر المتفكرون).

ص: 15

والله لو أن في بلاد الإسلام مرشدين كما ذكرنا لجندوا في هذه الحرب الماضية جيشاً عرمرماً من المتطوعين يسير متزيناً بالتهليل والتكبير لا يهدأ له بال ولا يقر له قرار حتى يطحن جيوش الأعداء ويدوسهم تحت سنابك الخيل ويرفع الرايات الإسلامية والأعلام المحمدية فوق عواصم ملكهم كما فعلت أسلافه غير مرة أولئك:

قوم لقوم فيهم أود العلا

والدين أصبح أيد الأركان

قد حالفوا سهر العيون وخالفوا

أمر الهوى في طاعة الرحمن

أقران حرب كلما اقترنوا لدى اله

يجاء تحسبهم ليوث قران

لبسوا سوابغهم لأجل سلامة

الأعراض لا لسلامة الأبدان

وتحملوا طعن الرماح لأنهم

لا يحملون مطاعن الشنأن

أهل الحمية لا تزال بدورهم

تحمي الشموس بأنجم الخرصان

وهنا ربما اعترض علينا أيضاً بعض من بغض الدين وهجر مكارم الأخلاق وكان من الأفاكين المرجفين الذين يعتقدون بأن الدين هو العقبة الكؤود في سبيل الرق. وقال أن ما تقدم يشتم منه رائحة التفرقة بين العناصر ونحن اليوم أحوج إلى الوئام فنقول له أن عصرنا عصر الحرية والإخاء والمساواة أما الحرية فهي استقلال العقل والفكر والإرادة وانطلاق اللسان وهي أقسام تحتاج إلى مقالات طويلة إضافية الذيل نرجئها إلى عدد آخر ونكتفي هنا بذكر قسمين: الأول: حرية عمومية وهي تكافؤ الأمة بالحق وتكافلها على قيام الشرائع والقوانين.

والثاني: حرية شخصية وهي أمن الإنسان على نفسه وعرضه وماله وتمتعه بسائر حقوقه الشخصية التي تخولها له طبيعة الاجتماع والحرية حق يقابله واجب وهو المسؤولية.

لا كما يزعم خراصوا هذا العصر من أن الحرية غ \ هي تعاطي الإنسان جميع ما تسوله له النفس الأمارة بالسوء من زنا ولواط وشرب خمر واهتضام حقوق المغدورين والمظلومين وترك الدين واستباحة الأعراض وغير ذلك مما يسأل فاعله شرعاً وقانوناً. وأما الإخاء فهو قسمان. إخاء ديني لا دخل لأبناء مذهب فيه مع أبناء مذهب آخر. وإخاء وطني تشترك فيه سائر الأفراد لأن المنفعة والمضرة واحدة.

وأما المساواة فهي كلمة عامة تجمع تحتها كافة العناصر العثمانية على اختلاف مذاهبهم

ص: 16

ومشاربهم وهي أيضاً شرعية لأن اليهودي والنصراني والمسلم في الحقوق بنظر الشرع الشريف كشخص واحد لا يمتاز أحد مهم عن الآخر قال سيد الوجود صلى الله عليه وسلم في أهل الذمة (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) وقال أيضاً أيحسب أحدكم متكئاً على أريكته أن الله تعالى لم يحرم شيئاً إلا ما في هذا القرآن ألا وإني والله قد أمرت ووعظت ونهيت عن أشياء إنها كمثل القرآن (وإن الله تعالى لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن ولا ضرب نسائهم ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم) فاتفاق المسلمين وقيامهم يداً واحدة وبث روح الشريعة الغراء في العالم الأرضي ترتاح إليه جميع العناصر وتشكر عليه مسعانا لأن الدين الإسلامي يحجر على أهله التعدي على من سواهم ويأمرهم بالتمسك بآدابه الشريفة وأخلاقه الطاهرة السامية وهو لهم كالشكيمة للفرس تمنعها من التهور والطيش وإلقاء صاحبها في المهالك والمهاوي.

ولا شك أن الأمر سهل على من همهم حفظ الوطن والملة وصيانة حقوق الدولة، وحفظ كيانها ونهوضها إلى أوج الحضارة والسعادة لتجاري من سواها من الدول الغربية. . ولله عاقبة الأمور

يبرود

أحمد الباشا

ص: 17