المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدين الإسلامي والتوحيد - مجلة الحقائق - جـ ٦

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌الدين الإسلامي والتوحيد

‌الدين الإسلامي والتوحيد

(تابع ما قبله)

6 الوحدانية

لا نعلم بحثاً أ

أشرف موضوعاً. وأدعى إلى العناية والاهتمام بالنسبة للنوع الإنساني من هذا الموضوع السامي. إذ الغاية القصوى. والمطلوب الأسمى تخليص فطرة الإنسان مما ران عليها من ظلم الأوهام. وأوضار المعتقدات الباطلة. حتى يصل إلى مقام التوحيد. وتنزيه الآله سبحانه عن الشريك والولد. فلا يلبث حينئذ أن يكون عبداً موحداً مخلصاً في عبوديته. حكيماً في عقيدته فإذا عقد فؤاده على هذه العقيدة وسرت أنوارها في أعماق سرائره. واخترق شعاعها طويات ضمائره ، تحقق بعلم اليقين أو بعين اليقين أن لا معبود إلا الله. ولا نافع ولا ضار سواه. وأن الأنس والجن لو اجتمعوا على أن ينالوا أحداً بخير أو يصيبوه بشر لما استطاعوا ذلك إلا بإذن الله وقضائه. وان كل مادونه تعالى وجود حائل. وظل زائل. وأن الملوك في قصورها. والكبراء في ثرواتها ورياشها مربوبون مملوكون لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً. ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ليس الطريق لإثبات الوحدانية بالدلائل الواضحة بصعب على سالكيه. فإن من وجه العقل أولاً إلى النظر في الكون واستعمل الفكر فيما حواه من الترتيب والانتظام وارتباط الأسباب بالمسببات مع بديع الأحكام وعجيب الإتقان. اضطر إلى الحكم بأن هذا الكون صانعاً واحداً لوحدة النظام في الأكوان قال الله تعالى (الله خيراً ما يشركون. أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون أمن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون أمن نجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تتذكرون. أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته ألإله مع الله تعالى الله عما يشركون. أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض ألإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) وقال جل ذكره (وآلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) وقال سبحانه (إن

ص: 1

آلهكم لواحد رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق) إلى غير ذلك من الآيات القاطعة والأدلة الساطعة ولعظيم العناية بالتوحيد كررت آية في القرآن العظيم بضعاً وثلاثين مرة فأي فؤاد لا يمتلئ إيماناً. وأي إحساس لا يتشبع يقيناً وتثبيتاً حينما تتلى هذه الآيات الدالة على وحدانيته عز وجل (عن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) على ان المقصود الأعظم كما تقدم من بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الدعوة إلى توحيد الله عز وجل المنزه عن كل ما يجيش بالفؤاد من صور وأشكال. ومقتضيات وشؤون لا تليق بمقامه سبحانه ومطالبة العقول بأن تتخلص من الغواشي الوهمية، التي غشاها بها قادة الأديان. ورؤساء العقائد الباطلة والمذاهب الفاسدة. إذا التوحيد حصن الروح وموئل العواطف ومطمأن العقل، متى وصل إليه الإنسان تأدت قواه ومواهبه إلى جهة الأمان الآلهي والسلام الصمداني ألم تر أن العرب كانوا في حنادس حالكة. وظلمات متكاثفة. هذا يعدد الآلهة. وذاك يشبه الله بمخلوقاته. ويعطيه صفات عباده. وذلك يتخيله على ما يحدد له وهمه وتتردد به أخلاقه. ولم يكن بينهم وهم في الجاهلية الجهلاء. والفتن الصماء. وبين ما آلوا إليه بعد إسلامهم من المكانات العلية. والمقامات الكريمة. إلا أن يصلوا إلى درجة التوحيد والتنزيه على الأسلوب القرآني، والتعليم المحمدي. فلا غرابة أن شواهد هذا الانتقال الباهر من جاهلية جهلاء. إلى ملكية علياء. فأدى إلى القول بأنه لابد أن يكون لتلك العقيدة يد قوية في إحداثه (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) هذا ولما كان بحث التوحيد أشرف المباحث الاعتقادية يحفى القلم دون توفيته بعض حقوقه وتضيق مجالات التعبير عن تصوير شطر من حقيقته. قد خاض علماء الكلام في لجج باحاته. وسبحوا في سبحات أنواره. فاستخرجوا من صدف معانيه درراً تيجان الكتب بها مرصعة. حسن بنا أن نلتقط منها ما يكون واسطة لجيد هذه المجلة فنقول:

التوحيد هو اعتقاد الوحدانية في الذات والصفات والأفعال فوحدانية الذات تنفي التعدد المتصل بأن يكون ذاتاً مركبة من جواهر وأعراض والتعدد المنفصل بأن تكون ذات تماثل ذاته تعالى ووحدانية في الصفات تنفي كذلك التعدد المتصل بأن تكون له قدرتان أو إرادتان أو علمان فأكثر وهكذا والتعدد المنفصل بأن تكون صفة في ذات تماثل صفاته الأزلية ووحدانية الأفعال تنفي أن يكون فعل أو اختراع أو إيجاد لغيره تعالى من الممكنات فليس

ص: 2

للعبد تأثير في فعل من الأفعال وغنما تسند إليه على سبيل الكسب والاختيار (الله خالق كل شيء) ولنا في هذا المقام زيادة تفصيل تأتي في محله إن شاء الله تعالى.

والدليل على اتصافه بالوحدانية أنه لو أمكن وجود آلهين لأمكن بينهما تمانع كأن يريد أحدهما حركة زيد مثلاً والآخر سكونه لأن كلا من الحركة والسكون أمر ممكن في نفسه وكذا تعلق الإرادة بهما وحينئذ إما أن تحصيل الأمران فيجتمع الضادان أو لا يحصلا فيلزم عجزهما أو يحصل أحدهما فيلزم عجز أحدهما وهو إمارة الحدوث والإمكان لما فيه من شائبة الاحتياج وهو نقص يستحيل على الله تعالى. وقد أرشدنا سبحانه إلى هذا البرهان بقوله (لو كان فيهما آلهة إلا الله لقسدنا) وبيانه أنه لو كان في السموات والأرض آلهة سوى الله تعالى لأنفرد كل إله بمخلوقاته. ولغالب بعضهم بعضاً ففسد نظام العالم ولم يبق على طريقة واحدة لكن الشمس والقمر يجريان بحسبان واحد والجواري الكنس والبروج من الكواكب وسائر النجوم لم تختل أحوالها. فيما خلقت له، ولم تختل مراكزها ومسالكها والسماء قائمة قياماً لا يختلف، والسحاب يجري بالماء لمنافع أهل الأرض في أوقات الحاجة إليه، والحبوب والثمار تخرج على وتيرة واحدة والبشر كلهم وكل جنس من الحيوان على ما هم عليه من الصور المخصوصة بكل جنس. وكان من المحال عقلاً اتفاق آلهين مشتركين على تدبير واحد لا يعارض بعضهم بعضاً. فانتقاء الفساد المعلوم قطعاً ويقيناً مستلزم لانتقاد تعدد الآلهة.

هذا وأن العادة المستمرة التي لم يعهد قط إخلالها في ملكين مقتدرين في مدينة واحدة عدم الإقامة على موافقة كل للآخر في كل جليل وحقير من الأمور بل تأبى نفس كل منهما دوام الموافقة وتطلب الانفراد بالمملكة والقهر للآخر فكيف بالآلهين والحال أن يوصف بأقصى غايات التكبر فكيف لا تطلب نفسه الإنفراد بالملك والعلو على الآخر كما أشار إلى ذلك سبحانه وتعالى بقوله (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون) أي من كل ما لا يليق بجناب قدسه من الأضداد والانداد فإن مقام الألوهية يقتضي الغلبة وقد روى أن عبد الملك بن مروان قال حين قتل عمر بن سعيد الأشدق كان والله أعز علي من دم ناظري ولكن لا يجتمع فحلان في شول لما يعلم أن الرغبة تفسد بتدبير الملكين لما يحدث بينهما من التغالب والتناكر

ص: 3

والاختلاف.

ولا مرية أن من سلمت فطرته. وزكت طويته. ومن الله عليه بروح خاصة إقامته على الصراط السوي. وأبعدت فؤاده عن شياطين التأويلات وأبالسة التحريفات.

إذا أطلق العنان للعقل ليجري في سبيله الذي سنته له الفطرة من التدبر في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار وتسخير البحر لحمل الفلك مع قوة سلطانه وإرسال الرياح لتنير السحاب فينزل من السحاب ماء. فتحيا به الأرض بعد موتها. وتنبت ما شاء الله من الشجر والنبات مما فيه رزق الحي وحفاظ كيانه ينتهي به الأمر إلى الحكم البات الذي لا يعتر به شك ولا يشوبه تردد بأن له مصرفاً قوياً ومدبراً علياً يهيمن عليه ويقوم بشؤونه واحداً أحداً أنفرد بالخلق والإبداع. واستقل بالإيجاد والاختراع. لا مثل له يشابهه ويساويه ولا ضد له فينازعه ويناويه (أن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعلقون) أي علامات على توحده على أن تعدد الآلهة وتفرقها (فضلاً عن بداهة فساده) مضر يفرق بين البشر في وجهة قلوبهم إلى اعظم سلطان يتخذونه فوق قوتهم وفي ذلك فساد نظامهم إما اعتقاد جميعهم بآله واحد فهو توحيد لمنازع نفوسهم إلى سلطان واحد يخضع الجميع لحكمه وفي ذلك نظام حياتهم وهي قاعدة سعادتهم وإليها مآلهم وفي الكشاف في قوله تعالى (أارباب متفوقون خير أم الله الواحد القهار؟) المراد بالتفرق في الآية التفرق في العدد والتكاثر يقول أن تكون لكما أرباب شتى يستعبد كما هذا ويستعبد كما هذا خير لكما أم يكون لكما رب واحد قهار لا يغالب ولا يشارك في الربوبية بل هو القهار الغالب.

تباركت اللهم أوجدت هذا العالم الكبير المتباعد الأطراف. الواسع الأكناف. المفتقر إلى لطيف التقدير. وعظيم التصريف. وأحسنت كل شيء خلقه. وأبدعت في كل كائن صنعه. وجدت على كل حي بما إليه حاجته. ولم تحرم من رحمتك حقيراً ولا جليلاً من خلقك. أيكون في الوجود من ينازعك في ملكك. ويعارضك في تصرفك وتدبيرك، أيكون لك شريك في الملك. وولي من الذل تعاليت عما يقول الظالمون علواً كبيراً (قل لو كان معه آلهة يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً).

ص: 4

يتبع

ص: 5