الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مناظرة بين عالمين
كنت ذكرت أن سماحة قاضي مصر الآن عبد الرحمن أفندي نسيب لم يحكم بالإفطار ليلة عيد الفطر الماضي سنة 1328 بناء على ورود التلغراف بذلك كما عزاه غليه بعض الجرائد ونقله عنها الشيخ جمال أفندي واعتمد عليه في فتواه بالعمل به في الصوم والفطر وإنه إنما كان إفطار أهل مصر بمجرد إشعار محافظها بضرب المدافع بثبوت هلال شوال من غير حكم شرعي من قاضي مصر المشار إليه بل باستناد محافظها على تلغراف ورد إليه من حافظ الإسكندرية. وهاك ما يثبت ذلك لما رأيت البحث جرى في الجرائد في هذه المسألة ونسب على القاضي المشار إليه الحكم به وكان مغايراً لما عليه مقلد والإمام الأعظم أبي حنفة رضي الله تعالى عنه والقاضي مولى على أن يحكم بأصح أقوال الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه لم أصدق أنه حكم بغير ما هو المذهب أصلاً ولا بما ينطبق على قواعده فكتبت إليه استجليه حقيقة الأمر فورد إلي الجواب بخطه مذيلاً بتوقيعه وهذا نص تجريره أعرض عن شأن ثبوت هلال شوال الذي جرى هنا ففي اليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك بعد المغرب اجتمعنا في المحكمة الشرعية مع علماء مصر ومن بينهم شيخ الجامع الأزهر ومفتي الديار المصرية وانتظرنا إلى الساعة السادسة العربية وما جاء الشهود وقلنا إن جاء خبر من أقطار مصر نلاحظ وانصرفنا وفي الساعة الثامنة جاء تلغراف من أصوان بثبوت هلال شوال المكرم وما فعلنا شيئاً وبعد ساعة جاء تلغراف إلى المحافظة من مدير أصوان وبلغت المحافظة إلى داعيكم وما قلنا بثبوت هلال شوال وبعد ساعة جاء تلغراف من رئيس النظار في الإسكندرية قبل هذا وضربت المدافع وسألتني المحافظة فقلت نحن لا نقدر ن نحكم وعلى هذا قال المحافظ ونحن نأمر بضرب المدافع فقلت أنا لا آمر أنتم علم وذهب وضرب المدافع وبعد ساعتين جاء الخبر من مواقع كثيرة واشتهر هذا ما جرى هنا وقاضي الإسكندرية قائل بثبوت شوال بالتلغراف لأنه يعتبر التلغراف كخبر الواحد لكن هذا أن صح ينطبق في شهر رمضان لا في شوال حرر في 16 تشرين الثاني سنة 326 التوقيع. (عبد الرحمن نسيب)
فعلم منه أن الإيذان بالإفطار يوم الثلاثين من رمضان المذكور لم يكن عن ثبوت شرعي ولا عن حكم حاكم شرعي بل كان بمجرد رأي محافظ مصر واستحسان هوهذا الذي نخاف أن نصل إلى مثله فتصير أحكام الدين بيد الحكام الجاهلين المستبدين المفتاتين في أحكام
الدين على الله عز وجل ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم فحيا الله قاضى مصر المشار إليه. ولله دره من مسلم لم يخف غير الله.
هذا وقد رأينا في عدد 686 من جريدة الاتحاد العثماني أن الشيخ جمال أفندي السابق الذكر قد أرسل إلى شيخ الإسلام كتاباً خاصاً يسأله فيه عن حكم التلغراف في إثبات الصوم والإفطار وأورد إليه نصوص من أفتى بهذه المسألة من العلماء ثم لخص السؤال على طريق الفتاوى وذكر صورة السؤال إلخ فنقول أن بعثه كتاباً خاصاً لشيخ الإسلام وإيراده له نصوص من فتى بهذه المسألة من العلماء واستفتأه منه ليس يجدي نفعاً إذ العلماء أياً من كانوا لايلتفت إلى أقوالهم ولا إلى فتاويهم إذا خالفوا أئمة مذهبهم فشيخ الإسلام وأمين الفتوى ومن في معينة من فحول العلماء لا يلتفتون إلى مثل هذه الأقاويل ولا ينظرون إليها نظر اعتماد بل يقصرون النظر على المفتى به من مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ولذا كان من القواعد المقررة بين المفتيين والعلماء أن يغزوا القول إلى من قاله وأفتى به على أن الكتابة لشيخ الإسلام كالكتابة لبيت الفتوى لأن القاعدة أنه يحول على دار الفتيا وقد أرسلنا سؤالاً إليها بواسطة أحد علماءالاستانة الأفاضل وهذا نصه (ما قول مولانا شيخ الإسلام ومفتي الأنام حفظه الملك السلام فيما إذا ورد تلغراف بثبوت رمضان أو شوال والحكم به من حاكم شرعي في بلد ثبت عنده رمضان أو شوال بالطريق الشرعي على حاكم شرعي في بلد أخرى فهل لا يجوز للحاكم الشرعي الذي ورد غليه التلغراف من الحاكم الذي ثبت عنده وحكم بموجبه أن يحكم بثبوت رمضان أو شوال سواء كان في السماء علة ولا بناء على التلغراف الوارد إليه من ذلك الحاكم المذكور لأن التلغراف لا يكون مداراً للثبوت والحكم شرعاً وقد أخذت منه جواباً مختوماً يقول فيه أن باب المشيخة قنن لدار الفتوى أن لا تفتي تحريراً لكل مستفت بصورة غير رسمية إلا شفاهاً وأما جواباتها التحريرية فلابد أن يكون فيها السؤال والاستفتاء رسمياً أعني أن يستفتي الحاكم الشرعي وصدق أكبر مأمور ملكي في محل ولاية ذلك الحاكم الشرعي المولى فيه مثل الوالي والمتصرف والقائم مقام ولا يكون الاستفتاء إلا تحريراً حتى لوسائل الوالي مع القاضي بالتلغراف الرسمي لا يجاوبونهم على سؤالهم بل يجاوبونهم أن أسئلوا تحريراً (ومع هذا فقد استفتينا شفاهاً لمسألتكم فقالوا لا نجيب على السؤال التلغرافي أبداً
وهم متعصبون في هذه المسألة فلله الحمد على وجود رجال يحامون عن الدين رضي الله تعال عنهم في 4 محرم الحرام سنة 1329.
بقى أني لما وجدت بعض من لهم تعلق بالشيخ جمال أفندي المومى إليه يسعون فساداً بيني وبينه أحببت أن أزوره إذ لم تكن المناظرة غلا لإظهار الحق لا لأمر ذاتي بيننا فتذاكرنا وسألته عما كنت سألته عنه أولاً (هل هو مجتهد أم لا) فقال لست مجتهداً لكني أقلد الإمام الأعظم الشافعي رضي الله عنه وقد أقلد غيره من الأئمة في بعض المسائل فقلت له وفي معظم أعمالك تقلد من منهم فقال الإمام الأعظم الشافعي فقلت إذاً أنت شافعي فقال نعم وقد أخبرني أنه أتم تأليف رسالة في هذا الموضوع فلذا ترجح عندي التربص بالتكلم على الفتاوى التي استند عليها وكنت وعدت بالرد عليها ريثما تصل إلينا هذه الرسالة وبالله التوفيق ربنا عليك توكلنا وغليك أنبنا وإليك المصير.
دمشق محمد
عارف المنير الحسيني