الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مناظرة بين عالمين
حضرة العلامة الفاضل الشيخ جمال الدين القاسمي دام نفعه آمين
قد أطلعنا في جريدة المقتبس عدد (539) على جوابكم الضمني المعنون ب (فتوى شيخ الجامع الأزهر) لآن في العمل بالتلغراف في الصوم والفطر على سؤالنا فضيلتكم المدرج في العدد الرابع من مجلة (الحقائق) فوجدناه منتقداً من أحد عشر نوعاً الأول تصديركم إياه بالعنوان المذكور عادلين عن طريق الأجوبة للأسئلة. وما ذلك إلا لغرض وهو على ما يظهر تعظيم الجواب في أعين الذين ينظرون إلى من قال ولا ينظرون للمقال وهم كل من ليس له يد طولى في العلوم وقدم راسخة في فهم المنطوق وإدراك المفهوم فقد خلتم أن من يقف على عنوان جوابكم هذا (فتوى شيخ الجامع الأزهر) لا يجسران أن لا يصدق ولا يقدران ينتقد لتوهمه أن شيخ الجامع الأزهر بمصر شيء عظيم كبير لا تتصوره العقول فيقف الذي يرى أو يسمع هذا العنوان مندهشاً مبهوتاً حيران مرتعشاً يسلم ما تضمنه لأول وهلة وهيهات هيهات فإن من قرأ ألف با يعلم أن شيخ الجامع الأزهر بل شيخ الإسلام بالنسبة لأمور الدين كأحد أفراد العلماء المتبحرين أو غير المتبحرين بحسب درجتهما في العلوم كيف وقد قال عالم المدينة المنورة وإمام دار الهجرة مالك بن أصبح رضى الله تعالى عنه (ما منا إلا من رد ورد عليه إلا صاحب هذا القبر) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وشرف وكرم الذي شيخ الأزهر المنوه به يفتخر بأنه من اتباعه المتمذهبين بمذهبه فمثل هذا العنوان لا يرهبنا ولا عن المناقشة معه ومعكم والتنقيب بالحق يوقفنا الثاني قولكم كنا أثرنا في مقالتين متقدمتين في المقتبس الأغر ذكر من قطع بهذه المسئلة من الإعلام كالعباسي والشيخ عليش والعلامة الشطي وذكرنا من عمل بمقتضاها في هذا العام وحكم بموجبها وهم قضاة مصر والإسكندرية وغيرهما وهذا مجموعه غير صحيح فإن سماحة قاضي مصر عبد الرحمن أفندي نسيب أيده الله تعالى بالشريعة وأيد الشريعة به وبأمثاله لم يحكم به أصلاً فكن أنت وأمثالك على ثقة من قولي هذا لا كما عزي إليه فإن قاضي مصر المشار إليه لم يحكم به كما تقدم وإنما كان الحكم فيها بالإطار بمجرد إشهار من محافظ مصر بضرب المدافع بثبوت هلال شوال بناء على التلغراف الوارد إليه من محافظ الإسكندرية بأنه ثبت عند قاضي الإسكندرية، وفتاوى الباقين سيظهر ما أنطوت عليه من التناقض في بعضها وعدم البت في البعض الآخر واستظهارها الحكم به إلى غير ذلك مما
سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى الثالث قولكم، وبينا أن هذه المسئلة جازت القنطرة فأنا أسألكم ما مرادكم بالقنطرة الذي جازتها هل قنطرة الشريعة بمعنى أنها خرجت عن دائرة الشريعة التي شرعها الله ورسوله لعدم انطباقها على أحكامها أو قنطرة أخرى أم ماذا؟ الرابع قولكم بمعنى أنه فرغ منها ولم يبق مجال للتردد والسفسطة فهل مرادكم بانتفاء بقاء المجال والتردد لكم ولا مثالكم خاصة أو لعامة العلماء فإن كان الأول كان يلزمكم قيده وأن كان الثاني فغير مسلم كما هو ظاهر الوضوح.
الخامس قولكم وأحببت أن أنقل موضع الشاهد منه دليل على أنكم حذقتم الذي ليس فيه موضع الشاهد لكم بل حذقتم الذي هو شاهد عليكم مثل اصل السؤال المندرج في مجلة المنار التي نقلتم عنها وسنوافي القراء به عن شاء الله تعالى السادس قولكم، ويكفينا في الرد الخ نعم هذا يكفى لكم ولأمثالكم أما لغيركم فليس كافياً لأن حضرة شيخ الجامع الأزهر مقلد للإمام مالك رضى الله عنه ليس بمشرع معصوم بل ناقل مقلد إذا خالف أحكام أئمة مذهبه في فتاويه لا يعول عليها بل لا يلتفت إليها التاسع قولكم على ذوي الشغب والسفسطة فإن كنتم عنيتمونا فلا نجاوبكم ونقول سلاماً وإن لم تعنونا كما هو الأجدر بكم كان الأولى أن تجاوبونا بمقتضى ما خاطبناكم به ثم إني أقول لك على رسلك أيها الفاضل لا تتبع نفسك هواها ولا تقل شططاً لسؤالي فضلتكم إن كنت مجتهداً الخ فالعذر إليك فلم تكن نسبة الاجتهاد إليك اعني تدعي الاجتهاد أو يدعى لك بدعاً مني بل هو معلوم عند كل أحد يعرف ذاتكم أو يسمع أخباركم ولو كنت لا تدعيه لتبرأت منه حينما سألتك عنه وقلت أنا مقلد للإمام الأعظم الشافعي رضي الله تعالى عنه كالإمام الغزالي وإمام الحرمين وأمثالهما أو لغيره من الأئمة رضي الله تعالى عنهم. ومواربتك التي تأتي الإشارة إليها وعدم تبريئك منها دليل صريح مثبت لما هنالك والعذر لك في عدم التبري منها على فرض صحتها لأنه يكون كذباً وأني أجلك عن مثله وها أنا أكرر لك هذا السؤال فأقول هل أنت مجتهد أو مقلد كما أني أكرر لك طلبي بيان أسماء من ذكرت من علماء الشافعية أنهم ممن وافقوا على العمل في التلغراف الصيام والإفطار ليعلم ذلك أولوا الأبصار، الثامن قولكم كلام شيخ الأزهر ومقدم العلماء فيه عود على بدء للتمويه وهذا التمويه عند عرضه على محك النقد لم يثبت فتنبهوا له فغنا لا ننظر إلى شخصه ولا إلى وصفه بل ننظر إلى قوله
كما قدمنا فلك يكن كلامه كافياً لنا التاسع قولكم عن كل من أفتى في هذه المسئلة ممن سميناهم قد برهن على فتواه واحتج لحكمه وما قضاه فبالله عليك بين لنا براهينهم وحججهم التي أوردوها في فتاويهم وليست منقوضة ولا باطلة من أصلها فلم نر منها غير المنقوضة الباطلة التي منها قول الشيخ عبد الباقي ومما يكفينا في اعتباره ابتنا السلطنة عليه شرقاً وغرباً إسلاماً وكفراً فتكذيبه تكذيب العالم كله وتعليل الشيخ عليش بأن سلاطين المسلمين وضعوا التلغراف لتبليغ الأخبار وأقاموا لأعماله أشخاصاً مسلمين وأنفقوا على ذلك أموالاً جسيمة واستغنوا به عن السعاة وإرسال المكاتيب غالباً فصار قانوناً معتبراً الخ وقياس الحكم بورده على الحكم بخبر الواحد وعلى الكتاب بالدين والوصية ونحوها وعلى العمل بالسعة وعلى الاستفاضة إذا تعدد وروده وعلى كتاب القاضي للقاضي إذا كان الآمر بالتلغراف القاضي الذي حكم به وعلى إيقاد القناديل في المنابر وعلى ضرب المدافع وهذه كلها لا تصلح للقياس ولا للتخريج عليها لكونها قياساً مع الفارق وللمباينة بينها وبين التلغراف وسنأتى على بيان عدم صلاحية كل فرد منها لذلك إن شاء الله تعالى:
العاشر قولكم نحن آثرون وناقلون، موافقون ومستجيدون هو من قبيل قول القاضي حسين وأمثاله على ما أذكره لسنا مقلدين للشافعي رضي الله تعالى عنه ولكن وافق رأينا رأيه وهو مشعر بأنكم أردتم ما أرادوا من أنكم لستم مقلدين لمن أفتى بالعمل بالتلغراف ولكن وافق رأيكم رأيهم وهذا ما أشرنا إليه سابقاً الحادي عشر أن نشركم لهذا البحث في الجرائد اليومية مع كونه من المسائل الدينية غير مناسب لأن المجلات الدينية أولى بهذه المباحث وأبعد عن الضياع وأقرب للاحترام وحبذا لو ترسلون كتاباتكم إلى مجلة الحقائق لتنشرها مع كتاباتنا فتكون جامعة لهما ويظهر للقراء الحق بالمقابلة بينهما فإنها مستعدة لنشر مقالاتكم ومقالات غيركم لتخصيصها نفسها بخدمة الدين والذب عنه من غبر غرض ولا تصحب لجانب دون جانب وعلى كل فالأمر راجع إليكم هذا وقد آليت على نفسي أن أكتب في هذا الموضوع حتى يتبين الحكم الشرعي ويظهر الغث من السمين وإني لا التفت لكتابة غير فضيلتكم سواء كان سالكاً سبيل الأدب أو خارجاً عنه مظهر ذاته بوضع توقيعه أو متوارباً بإغفاله وسواء كان بقلمكم معزواً لغيركم أو بإشاراتكم أولاً كما أني صممت على تحرير تأليف مستقل أجمع فيه ما يحصل من الأبحاث بيننا وبينكم وما ينتج عنها إن شاء
الله تعالى وقد اكتفينا الآن بهذه الأسطر وسنتبعها بالكلام على الفتاوى التي اعتمدتم عليها بما يفتح الله به علينا ومنه نسأل السداد والثبات فإنه المحبب للدعوات وهو اعلم بالنيات.
دمشق
محمد عارف المنير الحسيني