المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسألة المرأة المصرية - مجلة الحقائق - جـ ٦

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌مسألة المرأة المصرية

‌مسألة المرأة المصرية

لحضرة الأستاذ المفكر الكبير فريد بك وجدي

في كل أمة مسالة خطيرة تكسب بحروف عريضة في المجلات والجراءة اليومية هي مسألة المرأة، ففي أوروبا ذات المدينة العتيقة وفي أمريكا صاحبة الحضارة الحديثة والحرية المطلقة تتجلى هذه المسألة بأشكال وحالات شتى.

يغم على الباحث الاجتماعي وجه الحل فيها فيكاد يعتقد أنها عضلة العقد، والمعمى الذي لا يفك ما دام الوجود الإنساني قائماً.

ونحن الذين أخذنا لندفع وراء المدنية الأوروبية بغير حساب بحكم قانون التقليد الذي هو بعض ما تمنى به الأمم الضعيفة المغلوبة على أمرها حيال الأمم القوية، قد أصبح لدينا شيء يقال له مسألة المرأة أيضاً.

ولكن شتان بين الدوافع التي تدفعنا إلى الصباح والولولة والدوافع التي تدفع الغريبين لذلك، إنهم هنالك يشكون عافية الأضاليل الاجتماعية التي سماها كتابهم قبل قرن من الزمان باسم تحرير المرأة، فتأدوا بها إلى عكس ما يطلبون لها وإذا بلغ الشيء إلى حده انعكس بضده.

كانت المرأة في أوروبا مستعبدة ليس لها شخصية ممتازة فكانت لا ترث ولا تملك وقد غولى معها حتى حرم عليها الضحك وأكل اللحم ووضعت على فمها الأقفال الحديدية وحكم عليها بأنها مجردة عن الروح الإنسانية التي للرجل. فقام أفراد يطلبون لها الحرية، وحسناً طلبوا لو كانوا وقفوا بمطالبهم عند حدود الحكمة ولكن دفعتهم الأهواء إلى تيه التعسف فطلبوا للمرأة باسمها كل شيء حتى ما ينافي وظيفتها ويفسد خصائصها، طلبوا أن تستخدم في المعامل وأن تكون محامية وطبيبة ومهندسة.

كان لهم ما طلبوا، فإن الدعوة إلى الأهواء لا تجد في العالم الإنساني حداً تقف عنده إلا يوم يصيح بها صائح الفطرة فترتكس إلى الضد ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

أصبح لأوروبا وأمريكا محاميات وطبيبات ومهندسات، وخرجت المرأة من التقاليد العائلية ولكن لا تنسى أن ترى أن بجانب كل مهندسة أو طبيبة أو محامية مائة ألف من بنات جنسها وقعت في أسر الأعمال الشاقة تكد أجسادهن الأعمال وتلفح وجوههن النار.

غصت المعامل بالنساء الضعيفات، وشحنت بهن مخازن التجارات، في مقابل أجور لا تبلغهن البلغة من العيش، وهل في ذلك من عجب بعد أن انزلهن محبوهن إلى ميدان

ص: 16

الأعمال، وقدر على مزاولة المشاق.

قال الفيلسوف الاقتصادي برودون في كتابه ابتكار النظام في تعليل سبق الرجل للمرأة في ميدان الأعمال. قال:

إن نبسة مجموعة قوى الرجل إلى قوى المرأة تساوي ثلاثة إلى اثنين فيكون التحرير الذي يطلبه بعضهم باسمهن هو تسجيل الشقاء عليهن تسجيلاً شرعياً إن لم أقل تسجيل العبودية.

وقال العلامة (أجوست كونت) مؤسس علم الاجتماع البشري في كتابه (النظام السياسي) قال:

إنه لو نال النساء هذه المساواة (المادية) التي يتطلبها لهن الذين يزعمون الدفاع عنهن بغير رضاهن فإن ضمانتهن الاجتماعية تفسد على قدر ما تفسد حالتهن الأدبية لأنهن في تلك الحالة سيكن خاضعات في أغلب الصنائع لمزاحمة يومية قوية بحيث لا يمكنهم القيام بها كما أنه في الوقت نفسه تتكدر المنابع الأصلية للمحبة المتبادلة انتهى.

أحست الهيئة الاجتماعية في أوروبا بفداحة المصاب فصاح العلماء يستغيثون ولكن بمن يصيحون؟ إن لكل دور حداً هو بالغه، ينتهي منه إلى نهاية ثم يرتكس بذويه إلى الضد، عقاباً على التفريط، وزجراً عن الاندفاع وراء الأهواء.

من تلك الصيحات التي فتت أكباد الأحرار ما كتبه العلامة قورييه قال:

ما هي حالة المرأة اليوم؟ إنها لا تعيش إلا في الحرمان حتى في عالم الصناعة الذي ألم الرجل بجميع أنحائه لغاية الاشتغالات التافهة بالخياطة وصنع الريش. أما المرأة فيراها الناس منكبة على أشق الأعمال في الخلاء ومنها ما كتبه الاقتصادي الأشهر جول شيمون قال:

النساء قد صرن الآن نساجات وطباعات إلخ إلخ وقد استخدمتهن الحكومة في معاملها ولهذا فقد اكتسبن بعض دريهمات ولكنهن في مقابل ذلك قد فوضن دعائم عائلاتهن تقويضاً انتهى.

إلخ إلخ أهذه هي غاية محرري المرأة، يدعون أنهم يحصلون لها حقوقاً مسلوبة فيوقعونها في هذه المضانك الحيوية؟

أبعد من النتائج الحسنة للحركة المسماة بتحرير المرأة أن يصبح في أوروبا أكثر من ثلاثين

ص: 17

مليون تصهر أجسادهن نيران المصانع، وتبل زهرة جمالهن المزاحمات؟

ليست هذه الصيحات هي التي تفتن الشرقيين فهم بمعزل عنها بل هي تلك الأسراب النسائية من بنات الغرب يرونهن غاديات رائحات بين الجزيرة والأهرام على حال يوهم الناظر السطحي أنهن بلغن غايات المدنية، وأن رجالهن قد حصلوا بهن علي أقصى نهايات الراحة العائلية.

لذلك الناظر أن يظن ذلك فليس هو بأول سار غره قمر. وليكتمه في نفسه وليسأل عنه خبيراً. أما جعله نتائج هذه المشاهدات السطحية مبادئ ثم النهوض لنشرها بين الناس فلا نسلم له فيه.

إن هذا المظهر الفاتن الذي يؤثر على مشاعر بعض شباننا في أمر النساء ويضرم في نفوسهم نار الغيرة لإبلاغ نسائنا هذه الدرجة الراقية في أعينهم يكفينا لأجل أن نر مبلغ خطأهم في النظر للأشياء أن نبرهن لهم أنه مثار البلاء على أهله. ومنبعث الانحلال على مدنيتهم.

جاء في دائرة معارف لاروس بعد ذكرها أن خراب مدنية روما إنما جاء من انطلاق النساء مع الأهواء قالت:

وعي هيآتنا الاجتماعية الحاضرة التي فيها النساء يتمتعن بحرية مفرطة نرى أن دناءة ذوقهن وميلهن الشديد الذي يحملهن دائماً إلى الاشتغال بجمالهن وبكل ما يزيد حسنهن، كل ذلك خطراً وهو لا مما كانت عليه الحالة في روما.

نعم لسنا أول من لاحظ هذا الأثر السيء الذي يحدثه حب النساء للزينة يوماً فيوماً على أخلاقنا (تأمل) فإن أشهر كتابنا لم يهملوا الاشتغال بهذا الموضوع الكبير وكثير من أقاصيصنا التي قوبلت بالاستحسان العام قد وصفت بطريقة مؤثرة الخراب الذي يجره على العائلات الشغف الجنوني بالتزيين والتبرج فكيف النجاة من هذا الداء الذي يقرض مدينتنا الحالية (تأمل) ويهددها بسوط سريع جداً وإن شئت فقل بانحطاط الأدواء له

هذه أقوال أصحاب الدار ولكن أتى لها أن تصل إلى الواقفين مع الظواهر وخصوصاً هذه الظواهر الفتانة.

يخيل لمن يكتب في المواضيع الاجتماعية عن شعوره الذاتي بدون علم أن جميع المسائل

ص: 18

تابعة للقانون المنطقي والاستحسان الشخصي فمتى رأى رأيا وقدره بنظره تقديراً ما لم يجد أمامه بعد ذلك أدلى صعوبة في جملة مبدأ له يصح أن يدلي به الناس كأصل من أصول الحياة فما المانع بعد ذلك في رأي الكاتب من أن يأخذ به الناس وأن يعملوا به مندفعين.

هكذا يخيل لمن يكتب في المسائل الاجتماعية عن شعوره الخاص بلا علم ولاهدى ولا كتاب منير، ولو حقق النظر واخترق غلف المظاهر المحيطة به واستعرض أمام عينه حالات الاجتماع بعواملها المتراكبة وبراعتها المتشبعة ونظرا للهيئة الاجتماعية وهي في حالة تدافع وتفاعل لها له ما يرى ولوقف حيث هو يتطلب من الله بصراً نافذاً يهديه إلى العلل الأولى للأشياء وإلى العوامل المهيئة للأهوال.

قلنا أن للمرأة مسألة حية في كل أمة فهي في أوروبا وأمريكا كما أثبتنا هنا عبارة عن شكوى الرجال من إفراطهن في التبرج وتخوفهم من انحلال هيئاتهم الاجتماعية بما يستتبع ذلك من الأعراض ولم أعرض فيما كتبت على ما يجأرون منه من فساد الأخلاق وشيوع المخزيات ولكن لهذه المسألة في بلادنا موضوع آخر وهو شكوى الرجال من انحطاط النساء في المعارف ووقوعهن بذلك في الأسر والاستعباد وما يتتبع ذلك من قلة إقبال الشبان على الزواج لقلة الأكفاء منهن ويلقي بعض الكاتبين تبعة ذلك كله على الحجاب.

فالحجاب في اعتقادهم صاد للمرأة عن العلم ومسقط لها تحت كلا كل الرق مفسد لأخلاقها الكريمة مانع من رؤية الخاطب لخطيبته ومعاشرته لها قبل الزواج فهو مجتمع الإزراء ومنار كل بلاء!

ولو زال الحجاب في يقينهم أصبحت المرأة عالمة بما لها وما عليها حاصلة على تمام حريتها بإزاء الرجل. أديبة مهذبة منزهة عن الأهواء وفوق ذلك تصبح عرضة للخطاب فيتهافت عليها الشبان ويستطيعون أن يعاشروها قبل الزواج فيقترن بها من يهواها عن بينة واختبار فيعيش معها عيشة السعداء (كما يعيش الأوروبي مع امرأته. . . خالي البال من المنغصات فارغ لبصدر من المكدرات فينعدم الطلاق ويقل (كما هو في أوروبا. . .) ثم يكون من أثر هذا الانتقال البديع إقبال الشبان على الزواج ورواج سوق المصاهرات فلا يعود الشرق يشكو من انتشار مبدأ العزوبة (كما لا يشكو منه الغرب الآن. . . .)

هكذا يقولون

ص: 19

كل هذه المسائل الخطيرة سببها هذا الحجاب الشفاف الذي يشبه كما قالت جريدة لابورص اللثام الذي يضعه الآن الأوربيات المغاليات في حب الظهور بأقصى شكل من الجمال.

ما الذي يمنع أن يكون الحجاب في نظر باحثنا الشرقي علة كل هذه الأرزاء وهو لم من علة سواء.

لا شك عندنا في أن هذا النظر المعوج من بعض الكتاب وهذه الخفة المتناهية في تقدير المسائل الاجتماعية سيكون لها نتائج وخيمة جداً على مجموعنا الإسلامي إن لم يسرع أهل الذكر بالوقوف أمام تيارها وإن هذه المسائل الخطيرة ما دامت متروكة لأقلام السطحيين من الكتاب فلا ينتظر منها إلا أسوأ العواقب على العفاف والأعراض.

وإني أعرف أن كثر الذين يلجون هذا الباب هم من الشبان الذين ليس لهم زوجات وإن ليس المقصود بهذه الحركة الشؤمى خلع النساء للحجاب فقط بل المقصود منها أمر وراء ذلك وهو تسهيل سبيل مخالطة النساء للرجال ولاندري ماالذي رآه غيرنا من الخير من وراء هذه المخالطة حتى نخف لتقليدهم فيها بدون نقد ولاتدبر ولا استبصار.

يقولون أن الحجاب يصد المرأة عن التعلم وهو ادعاء يكذبه العيان فإن المرأة لاتتنقب إلا في الطرقات وليست الطرقات بمجامع للعلماء ولكنها مضطرب الفساق ومزدحم الغوغاء.

وهذه مدارس البنات يوجد فيها كثير من المحجبات يذهبن إلى المدرسة بالنقاب فإذا وصلن إليها خلعته وتلقين دروسهن سافرات فإذا أتممن النهار رجعن إلى دورهن محتجبات فهل في هذا من زاب للعلم أو فيه للجهل أقل سبب من الأسباب.

يقولون أن الحجاب يفسد الأخلاق وهو ادعاء أدخل في الخطأ مما سبقه فإن الحجاب إن لم يمنع الفساد بتاتاً فهو من أكبر موانعه لمن ينظر للأمور بعقل وإنصاف.

هل يجهل المعادون للحجاب أن أكبر الفساد لايتأتى إلا من اختلاط البيان وماعلينا أن يرضى المتعنتون من خفاف الأقلام.

يقولون الحجاب يسبب كثرة الطلاق لعدم تمكن الخاطب من رؤية خطيبته بسببه وهو قول من لم يبحث عن حقيقة الأسباب ولو كلف هؤلاء الباحثون أنفسهم لوجدوا أن تسعمائة وتسعة وتسعين حالة من أحوال الطلاق سببها الشقاق العائلي الذي يسببه في أكثر الأحوال الرجال بسوء سيرتهم نحو نسائهم ولتطلعهم إلى سواهن ممن قابلوهن في الأسواق ولانظن

ص: 20

أن في كل ألف أكثر من حالة واحدة يطلق الرجل امرأته لعدم الاستحسان. يقولون أن الحجاب هو سبب كل هذا الطلاق لأن الرجل بعد إمكان معاشرة المرأة قبل زواجها يجهل أخلاقها تمام الجهل فإذا اقترن بها وجدها على ما لا يرام فيطلقها. وهذا قول بعيد عن الصواب لأن الإنسان لاتظهر أخلاقه بمجرد التنزه في الخلوات والجلوس على القهوات خصوصاً إذ وراء ذلك الزواج فيسهله على كل من الزوج والزوجة أن يتصنعا الكمال ويتكلفا محاسن الخصال ليتم المراد. ولو كان هذا النظر صادق لبطل الطلاق عند الأوربيين والأميركيين وهو لديهم آخذ في الازدياد فلو كان هؤلاء المعارضون للحجاب ممن يطالعون الكتب الاجتماعية ويستأنسون بالحوادث الوجودية لخجلوا أن ينسبوا للحجاب هذه العلة الوهمي.

كتب الكاتب الأميركي الشهير (لوسن) في المجلد الخامس والعشرين من مجلة المجلات الفرنسية إحصاء عن الطلاق في أميركا بلد حر المطلقة بناءً على طلب المجلة نقتطف منه مايأتي قال:

سجلت المحاكم في مملكة (مساشوزيت) من ولايات الممالك المتحدة (1622) ورقة طلاق سنة 1894 بعد إن كانت في سنة قبلها (770) فقط أي أنه آخذ في الازدياد بسرعة مدهشة.

أما في مملكة (أهيو) من الممالك المتحدة فقد سجلت المحاكم سنة 1865 98/ 22 زواجاً حدث في 837 طلاقاً يعني أنه يخص كل (36 ونصف) زواجاً طلقة واحدة. وأما في سنة (1894) أي بعد مضي 35 سنة فسجلت المحاكم (33858) زواجاً وبلغ الطلاق (2753) أي أن في كل (12) زواجاً ونصف طلقة واحدة.

وقد شوهد أن عدد الطلاق فيها في مدة عشر سنين بلغ زيادة عن معدله بمقدار (11000) ونقص الزواج عن معدله بمقدار (84889).

وفي كاليفورنيا من الممالك المتحدة حصل في ألفي زواج في سنة 1897 (641) طلاقاً أي في كل ثلاث عقود طلقة واحدة.

قال الكاتب عقب هذا الإحصاء بالحرف الواحد:

فالطلاق ينتشر إذن للدرجة القصوى والمدهش أن (80) في المائة من طلبات الطلاق آتية

ص: 21

من جهة النساء مما يثبت أن ليس للرجل إلا دور ضعيف في حل عروة الزواج وذلك لأن الطلاق يخجله جداً ولذلك تراه إذا تعب من امرأته يبحث عن سواها (تأمل) ولا يسعى في انفصاله من الأولى إلا إذا طالبته الثانية بالزواج انتهى.

تم وصف هذا الكاتب سهولة الطلاق هناك قتال:

وكثير من الأزواج لا يعرفون أن نساءهم طلقتهم إلا بعد أن يتزوجن ثانياً.

ثم ذكر الكاتب السبب الذي يحمل النساء في طلب تطليق الرجال فقال عند افتتاح المحكمة العليا في السنة الماضية أي سنة (1897) في مدينة (بوستون) ملئت المحكمة ثلاثة أيام متوالية بالناس رجالاً ونساءً وكلهم يطلب الطلاق فأمضى في الأسبوع الأول (75) طلاقاً وكان السبب على العموم في طلبه هو هجر الرجال لنسائهم.

ثم عقبت المجلة تحت هذا الإحصاء بقولها:

الرابطة الاجتماعية آخذة إذن في الاحتراق ولكن ليس من طرفيها فقط بل سعوا في اشتعالها من وسطها أيضاً. ولاشك عندنا أن المرأة الجديدة هي التي تسعى في هذه العائلة انتهى.

نقول ماذا يقول أضداد الحجاب في هذه الإحصاءات فهل كثرة الطلاق في أميركا هي من زوايا الحجاب والمرأة الأميركية أكثر نساء العالم حرية وانطلاقا من القيود.

اللهم إن هؤلاء الكتاب يكتبون بلا علم ويتفلسفون بلا اطلاع وأن بعض الجرائد تنشر مقالاتهم بلا نقد ولا تمحيص. . فاهد اللهم القارئين لأن يدركوا هذا الضعف فيهم فلا يرفعون بما يكتبون رأساً وإلا أضلوا عبادك إنك بالمؤمنين رحيم.

يقول هؤلاء الكتاب أن العزوبة تنتشر في مصر ولا سبب لإضراب الشبان عن الزواج مخافة الإقدام على ما يجهلون.

والحقيقة أن الشبان في مصر يتأخرون عن الزواج ليتسع لهم الوقت لاصطياد فريسة واكتساب مغنم. فليس لأكثرهم من هم إلا التزوج بالثريات فترى أحدهم لا يزال يتحرى مواقع الثروة غير مفكر في كمال ولا جمال حتى يعثر بمطلوبه فيعمل كل ما في وسعه للتزوج بها وهي تأبى أن ترضاه لطمعها فيمن هو أغنى منها فحدث ما نراه من قلة الإقبال على الزواج.

ص: 22

وهناك سبب آخر ساعد كثيراً على انتشار مبدأ العزوبة وهو شيوع الفحشاء في البلاد وسهولة إتيانها سرا وعلانية.

وهذا المبدأ بجميع علله ومعلولاته إحدى هدايا المدينة الأوربية التي نفحتنا بها مع علومها وآدابها. وليس سببه هذا الحجاب الشفاف كما يذهب إليه المفتونون ببدع الحياة الغربية المادية.

كتب العمراني الخطير (جيوم فريرو) في مجلة سنة 1895 من مجلات الفرنسية ما يأتي:

إن العلامات المنذرة بقرب حلول الأزمة النهائية لهذا الشكل من المدنية التي تعيس فيه كثيرة جداً (تأمل) بحيث لا يمر يوم حتى يقف الباحث على إنذارات جديدة فيه. فلنعط نحن أيضاً أنفسنا وظيفة الطبيب ولنساعد في مساعدة ما شخصه الأطباء من هذا المرض الاجتماعي في زماننا هذا بدرس هذا الشكل الجديد من الرهينة التي هي مع عدم استنادها على دين تهددنا بأنها ستصل إلى الحد الذي وصلت إليه الرهينة الدينية في زمن من أزمنة القرون الوسطى.

يعلم الرجال والنساء بالتجربة وفي كل بلد تلقي العقبات التي تحول دون الزواج تزداد يوماً بعد يوم وأن هناك أسباباً لا عداد لها اقتصادية على الخصوص تقف في طريقه حتى أن كثير من الناس لما يئسوا من إمكان تذليلها صبروا على العزوبة بكل وسعهم ومن السهل علينا أن نقول أن عددا عديداً من أشخاص من كلا الجنسين يجب أن يحدثوا آثارا هائلة على كيان الهيئة الاجتماعية كلها. وذلك بمعيشتهم بلا زواج أعني في شروط حيوية صناعية ويجب أن الآثار التي تنتج من النساء العازبات تكون أكبر من التي تنتج من آثار الرجال العازبين فإن عزوبة الرجل تكسبه في الواقع ونفس الأمر صفات نفسية خاصة به ولكنها لا تقلب كيان شخصيته تماما لأنها لا تستلزم عنده العفة مطلقاً ويمكنها أن تجبره على المعيشة بين بنات الهوى أو ترغمه على الفساد وعلى هذا فالعزوبة لا تقلل فيه تلك الوظيفة الفيزيولوجية دفعة واحدة وأما المرأة فبخلاف ذلك فإن الشروط الاجتماعية الحالية تستدعى عفتها في عزوبتها والعفاف يقتضي حذف وظيفة الأمومة وهي الوظيفة التي خلقت المرأة لأجلها جسداً وروحاً لاشك إذن في أن هذه الحالة يجب أن تفسد شخصيتها إفساداً ذريعاً ولاشك أيضاً أن عددا كبيراً من هذه النسوة يحدثن آثارا هائلة على الهيئة

ص: 23

الاجتماعية

ثم قال:

وقد ابتدأ علماء العمران يشعرون بوخامة عاقبة هذا الأمر المنافي للسنن الطبيعية فإن هذه النسوة بمزاحمتهن للرجال صار بعضهن عالة على الهيئة الاجتماعية لا يجدن ما يشتغلن به ولو دام الحال على هذا المنوال لنشأ عنه خلل اجتماعي عظيم انتهى.

وقالت مجلة المجلات الفرنسية في المجلد الثامن عشر في فصل على المرأة:

إن الزواج الذي كان آباؤنا يعتبرونه ضرورياً يظهر أنه قد صدم صدمة شديدة في كل جهة فإن الرقي العقلي الذي قالته المرأة وامتداد حقوقها يوما بعد يوم وغرامها الشديد بمساواة الرجل في حقوقه وافراطاته كل ذلك يهدد مدركاتنا التي ورثناها على الزواج. ثم قالت: إن رفض الناس للزواج ومحبتهم للطلاق وهما الأمران اللذان ينتشران يوماً فيوماً في أمريكا وفي كل الممالك الأوربية ثم كل هذه الاعتصابات النسائية تشعر بمرض يجب أن يتنبه له المتشرعون. انتهى

ماذا يقول أضداد الحجاب بعد هذا البيان. ومتى يشعرون بأن الكلام في المسائل الاجتماعية لا يصح أن يكون بغير عرق راسخ في النظر وبلا هدى من أحوال البشر.

نسبوا للحجاب إضراب الفتيان عن الزواج في مصر وهذا الإضراب في الحقيقة عرض من أعراض هذه المدينة الأوربية فعزوا المعلولات لغير عللها الحقيقة واستهتروا في ذلك استهتار افعقدوا معه أدب الكاتب وأدب الاجتماع معاً. حتى أضروا بمبدئهم من حيث يريدون تأييده وإذاعته.

إن هؤلاء أغرقوا فيما هم فيه حتى عزوا لتكشف النساء كل آثار التعليم والتربية والآداب الصحيحة وغاب عنهم أن فلاحات مصر وبدويات الصحارى وزنجيات إفريقيا منكشفات وهن مع ذلك محرومات من كل ثمرات الحياة الصالحة وراسفات في أثقل قيود الأسرة والعبودية لرجالهن فلماذا لم يؤثر تكشفهن على حالتهن الاجتماعية فنخفف من وطأة النوازل عليهن؟

إن الاختلاط بين النساء والرجال إذا كان له أثر على حالة النساء فلا يكون إلا في تدنيس قلوبهن وإفساد فطرهن وتسهيل سبيل الفسق والفجور على الأرذال من الرجال ومنهن يقول

ص: 24

قسم بك أمين رحمه الله أنه يجب علينا أن نكشف نساءنا واو أدى ذلك إلى دخولهن في جميع الأدوار التي دخلت فيها المرأة الأوربية يريد بذلك ولو أصبح الحال في العالم الإسلامي كما هو في العالم الأوربي من شيوع الزنا ورواج سوق الفسق والغرام وانتشار العزوبة إلى الحد الذي بلغت إليه أوروبا وهو كلام لا نفهمه وليس هو من الحكمة في شيء فقد كان يصح ما يقول إذا كانت المرأة الأوربية خرجت من كل هذه الأدوار راقية شريفة. أما هي لا تزال تتخبط في تلك الأدوار ويجأر فلاسفة بلادها إلى الله من فداحة مصابها ومصاب الرجال. ويعتبرون ذلك علة أصلية لتلاشي مدينتهم وتقوض دولتهم فلا يصح في عقل عاقل أن ينصح ناصح قومه بأن يدفعوا نساءهم في هذا السبيل المحفوف بالمكارم الذي هو إلى الشر أقرب منه إلى الخير.

فأما أن نصبر على ما نحن عليه حتى يتبين لنا ما وراء كل هذه المقاذر التي تخوضها المرأة الغربية وأما أن نعمل عقولنا فندرك أن أحسن السبل هو أن نقوي في مجتمعاتنا مبدأ عدم الاختلاط حتى لا نقع فيما وقع فيه سوانا من الإرزاء.

مساكين الكتاب السطحيون ينظرون إلى السراب فيحسبونه ماء فيملأون الدنيا صباحاً بالدعوة إلى وروده ولو تبعهم الناس لما تأدوا إلى شيء بل لتأدوا إلى اخلاط يضل في الحجى ويتوه فيها الصواب ولا يكون من ورائها إلا الهلاك.

يقولون بالاختلاط يتمكن الخاطب من رؤية خطيبته ومعاشرتها ليعجم عودها ويخبر خيمها فما أعجب هذه الآراء وما أبعدها عن التعقل.

إن نتيجة هذه المعاشرة في أوروبا قد سببت من المفاسد الاجتماعية ما لو أردنا إحصاء بعضه للزمن كتاب خاص.

منها خدع الفساق من الرجال للنساء فترى أحدهم يتصدى لشابة فيوهمها أنه يريد أن يتزوج بها ويظهر لها من اللطف والحب ما يجلب لها فإذا آنس أنه تمكن من قلبها عاشرها معاشرة الزوج لزوجته فتلد منه ولدا واثنين وثلاثة ثم يهجرها بأولادها هجر غير جميل فلا تجد المرأة المسكينة بعد هذه النكبة وسيلة أسهل من الانتحار فأما أن تقتل أولادها بيدها أو تدعهم لملاجئ الأيتام وترسل بنفسها إلى عالم الأرواح انظر إلى ما تقوله الإحصاءات.

جاء في المجلد الحادي عشر من مجلة المجلات الفرنسية نقلا عن الإحصاءات الرسمية أنه

ص: 25