المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الوطن والوطنية طالما نادى الكتاب على منابر الصحف مكررين هاتين الكلمتين - مجلة الحقائق - جـ ٧

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌ ‌الوطن والوطنية طالما نادى الكتاب على منابر الصحف مكررين هاتين الكلمتين

‌الوطن والوطنية

طالما نادى الكتاب على منابر الصحف مكررين هاتين الكلمتين ويريدون بذلك أنه يجب على كل فرد من أفراد هذا المجتمع أن يحب وطنه وأن يبذل في سبيل ترقية غاية الجهد لكنهم لم يتفلسفوا في معنى الوطن واكتفوا بظاهر معناه فلذا طفق الناس وأهل الغايات مسرعين للعمل في سبيل الترقي الموهوم إجابة للنداء وأداءً لحق هذا الواجب في زعمهم فدخل عملهم في طور الفوضوية.

وكل يدعي وصلابليلي

وليلي لا تقر له بذاك

روج البعض هذا النداء بحديث (حب الوطن من الإيمان) مع أنه متكلم فيه. وها نحن نبين لك معنى الوطن في اصطلاح اللغويين والفقهاء لتعلم عدم ظهور إرادته. قال في الكليات الوطن هو منزل الإقامة وهو صادق على الوطن الأصلي وهو محل الولادة والتأهل وعلى وطن الإقامة وهو البلدة أو القرية التي ليس للمسافر فيها أهل ونوى أن يقيم فيها خمسة عشر يوم فصاعداً وعلى وطن السكني وهو المكان الذي يريد المسافر أن يقيم فيه أقل من خمسة عشر يوماً فليت شعري أي وطن هو المعني بذاك الحديث وإذا عين فما وجه التخصيص؟ وربما يكون الوطن من البلاد الأجنبية وإذا بقي على عمومه شمل الوطن الأجنبي واي إيمان ينشأ منه حب الوطن أجنبي؟ إذاً على الحاث على حب الوطن أن يوضح معناه وأن يبين جهة الحب وطرق الترقي المقصود له.

الوطن أن حمل على محل الولادة أو التأهل أو. . . أو. . . يكون للمحسوسات المرئيات بالعين الباصرة لا للمعنويات المعقولات بقوة الفكر ومن المعلوم أن الحب للمحسوسات يقوم بقيامها ويبقى ببقائها بخلافة للمعنويات فإذا أحببت وطنك على كونه محلاً لولادتك أو لتأهلك ربما تكون هذه المحبة ضعيفة القوى سريعة الزوال.

التفلسف الذي ينبغي أن يقصد بمعنى الوطن أن تريد به أولاً الفطرة الإسلامية وكلمة التوحيد إذ هما أولى بالاعتبار وأجدر بالدعوة إليهما من المنزل الذي تقيم به وتولد فيه لأنهما يجمعانك مع ثلاثمائة مليون من أهل الكرة الأرضية وهذه هي الصلة التي لا ينقطع أصلها والعروة الوثقى لا انفصام لها فأول واجب عليك أن تسعى لترقية هذه الجامعة وإعلاء كلمتها بأداء حق كل فرد من أفراد أهلها بالإحسان غليهم والنصرة لهم والزن لحزنهم والفرح لفرحهم، وبذل النصح لهم وتقوية روابط الألفة والاتحاد بينهم وعدم تفرقة

ص: 5

كلمتهم على اختلاف العناصر والأجناس لأن الشرع المحمدي ساوى بينهم بلا تفرقة بين تركي وعربي وكردي وأرنؤدي وفارسي وهندي إلا بتقوى الله [يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (سلمان منا أهل البيت).

ولك أن تريد بالوطن العثمانية إذ هي التي تؤويك حيث أويت وتحفظك حيث ححللت والواجب الثاني عليك أن تسعى لتعزيزها وتقوية شوكتها وبذل النفس والنفيس في سبيل ترقيها وخدمتها بالصدق والإخلاص وعدم خيانتها أو مسها بسوء وانتخاب الخبرة الكرام ليكونوا لها أعواناً وأنصاراً فهي دولة الخلافة الإسلامية وسلطانها حامي المسلمين في جميع أقطار الأرض فإعزازه إعزاز لهذه الجامعة الدينية المار ذكرها.

ولك أن تريد بالوطن الإنسانية إذ هي التي أكرمتك وأعزتك وميزتك عما سواك من أنواع المخلوقات وجعلتك مع كونك جرماً صغيراً ذا سلطان كبير يهابه جميع من سواه ويعترف بمكانته كل من رآه.

فالواجب الثالث عليك أن تسعى لحفظها بالتخلق بالأخلاق الفاضلة التي تليق بها كالصدق والأمانة والعدل والحلم والكرم والاستقامة وعدم تشويه وجهها بالأخلاق السافلة من الكذب والغدر والجور والمكر ونحو ذلك فإن مثل هذه الأخلاق ليست أصلية في الإنسان بل هي أخلاق بهيمية لم يرتكبها الإنسان إلا جهلاً بفضل إنسانيته فعليك أيها الإنسان أن تسعى لها ببث العلم والمعرفة وتقوية روابط الألفة بين أفرادها أياً كانوا الآن الإنسان من حيث إنسانيته واجب حفظه وعدم التعرض له بسوء إلا بحق وقد جاء في بعض الروايات المسلم من سلم الناس من لسانه ويده أخرجه ابن حيان في صحيحه بلفظ سمعت عبد الله بن عمر يقوب ورب هذه البنية لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (المهاجر من هجر السيئات والمسم من سلم الناس من لسانه يه).

ص: 6