المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌عود على بدء

‌عود على بدء

لحضرة الأستاذ الشيخ جمال أفندي القاسمي

لا أعجب ولا أستغرب من جاهل يتعالم أو أحمق يتعاقل لأن الفطرة في ذاتها توحي للجاهل بفضل العلم وللأحمق بفضيلة العقل والنفس خلقت جالبة ما ليس لها حريصة على التحلي بغير حليها (هم يحسدون الناس على ما آتاهم من فضله) لكن أتعجب من عالم لا خلاف في عالميته وفضله يتجاهل في محاولة إثبات محال ممتنع. يا أستاذ ليس هذا الدين من الأديان المنوط تبديلها وتغييرها بعلمائها وأمرائها وذوي الحل والعقد منها ولا يستطيع أحد أن يجعل محكماً من نصوصه متشابهاً ولا ناسخاً ولا منسوخاً ولا منسوخاً ناسخاً إلا (الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) وأعيذك بالله أن تكون منهم إثبات الإفطار والصيام من مسائل الدين المستندة إلى الصول الشرعية فدع ما قال وقالوا وانبذ ما سوى قول الله وقول رسوله ثقال الله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته) الحديث.

فأنت ترى أن الله تعالى قال (حتى يتبين لكم) فكيف يصح لنا اعتماد ما تبين لغيرنا ولم يتبين لنا والرسول عليه الصلاة والسلام قال (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته) فأنى لنا أن نصوم ونفطر لرؤية غيرنا سيما في قطر يخالف مطلعه قطرنا.

لا يرتاب ذو مسكة من العلم أن الذين أمروا بهذا الأمر كانوا عالمين باختلاف المطالع وفهموا معنى هذا القيد ولذا لم يسالوا عنه على عادتهم الاستفهام عن كل ما يشكل عليهم حتى الكلمة الواحدة.

كنت قدمت لكم أمثلة عن اختلاف المطالع في الطول لكن هذا الاختلاف ليس منحصراً في الطول فقط بل هو موجود في العرض أيضاً وكما أن الفرق في الطول يعرف من تقسيم 24 ساعة على درجة 360 ففي العرض كذلك مثلاً أن الفرق في العرض بين دمشق والمدينة المنور 9 درجات و10 دقائق فاضربهن بأربع دقائق الخاصة كل درجة تجد الفرق بين المطلعين تماماً فالآن في 15 كانون الثاني طلعت الشمس في المدينة في الساعة الواحدة وبعض دقائق في حين أنها تطلع في دمشق في الساعة الواحدة وبضع وثلاثين دقيقة فإذا كان هذا الدليل العلمي والحسي معاً ظاهراً كالشمس في اختلاف دون عشر

ص: 24

درجات وهو كاف لتولد الهلال به في أحد المطلعين فكيف لا يكون كافياً في ما بين الاستانة ودمشق وبغداد وأرض روم وصنعاء ولعمري أن المكابرة بقال فلان وقال فلان ونؤمل أن يقول فلان لا تغني من الحق شيئاً أترى يا أستاذ أنك لو نويت صيام يوم وفي الصباح أتاك تلغراف من بطرسيبرج يقول لك كل واشرب إلى وقت كذا لأنه عندنا ليل وأنت تنظر الشمس طلعت أو كادت تطلع أكنت تتبع قوله أم ترفضه؟ ثم بقيت صائماً فقبل الغروب جاءك تلغراف من بغداد بأن الشمس غربت والليل طلع وأنت تنظر الشمس لم تغرب أكنت تفطر وتأمر أخاك الذي في مراكش بأن يفطر والوقت عصر عنده؟ كلا ما أنت فاعل هذا ولا ذاك فهل ترى أنك مضطر بالدين إلى اعتبار المطالع أم لا. . أراك يا أستاذ حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء فبأي قياس عقلي تجوزون الاعتماد على التلغراف في الأمور الشرعية مع أنه عبارة عن ناقل يملي بغير فهم وآخر يفهم غير ما ألقي إليه وكل منهما يحرف كما يفهم ولو تتبعنا سقطاته بالأخبار لملأت كتاباً وحيث أن مجلة الحقائق استوفت نقص أسس ما بنيتم عليه صرح بشارتكم فلا حاجة للبحث معكم في زخرفه ووهنه (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا حرف هار).

لماذا يا أستاذ اكتفيت بهذه البشارة عن (طبارة) عن (مصر) بخ بخ (يوحي بعضهم إلى بعض) ولم تبشر المسلمين كافة والناشئة المتمدنة خاصة بسائر البدع العصرية لا جرم أنك لو بشرت هؤلاء المتمدنين بها قبل ما بشرتهم بشيء لا علاقة بينهم وبينه ولا تعارف لكانوا أكثر سروراً منك واشد غبطة بفضلك هذا ما حضرني الآن راجياً تغاضيك عن مزجاة بضاعتي وعسى أن تعود فنعود.

المدينة المنورة

مختار المؤيد

ص: 25