المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كلمتنا في كتاب دروس التاريخ الإسلامي - مجلة الحقائق - جـ ٧

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌كلمتنا في كتاب دروس التاريخ الإسلامي

‌كلمتنا في كتاب دروس التاريخ الإسلامي

لاريب في أن كل عالم بما بني عليه الدين الإسلامي من دعائم العمران وآداب الاجتماع ينفطر قلبه حينما يشاهد من ناشئة العصر أناساً جاهلين بتاريخه غير واقفين على حقيقته. ذلك الدين الذي صارت هذه الأمة بسببه أرقى الأمم أخلاقاً وأحكمها ارتباطاً وأشدها باساً وأكثرها اعتناء بالإنسانية، وقد سرنا ما ينشره في هذه الآونة حضرة الكاتب الألمعي الشيخ محي الدين أفندي الخياط باسم (دروس التاريخ الإسلامي) حيث وجدناه ضالتنا المنشودة فإنه جمع في ذلك خلاصة ما ينبغي لناشئة المسلمين أن يطلعوا عليه بعبارات قلت ألفاظها وكثرت فوائدها على طريق مختصر وأسلوب سهل فجزاه الله على هذا العمل خيراً ووفقه لإتمام هذا المشروع المفيد. غير أن موضوعاً كهذا الموضوع الجليل المخترع في أسلوبه قد لا يسلم من هفوات شأن كل عمل في مبدئه. وكنا اطلعنا على الجزء الثاني وكتبنا عنه جملة مختصرة في عدد من هذه المجلة ووعدنا أن نبين رأينا فيه. وها نحن نذكر ما عثرنا عليه مما يلزم بيانه إيفاءً بالوعد وخدمة للتاريخ جملة ما انتدبناه عليه ثمانية أشياء:

عدم إتيانه بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم كلما كتب اسمه الكريم. مع أن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم فرض على كل مؤمن فقد أنقذنا عليه الصلاة والسلام من الظلمات إلى النور وخلصنا من غياهب الجهل الحالك إلى مشارق أنوار العلم وطهرنا مما كان عليه الجاهلية وعبدة الأوثان حتى بلغنا أرقى ذروة في الآداب وانتهينا إلى أشرف مدينة محفوفة بأحسن الأخلاق وأسدى غلينا صلى الله عليه وسلم من الإحسان مالا نبلغ معشار واجب شكره فجزاه الله عنا ما هو أهله. وكيف لا يجب علينا أن نربي الناشئة على تعظيمه صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى:

[إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه كلمتنا دروس التاريخ الإسلامي (الحقائق ج8م1) وتوقروه] أي تجلوه وتبالغوا في تعظيمه.

ما ذكره ص6 من أن عمر بن الخطاب أمر بقتل سعد بن عباده لتخلفه عن بيعة أبي بكر رضي الله عنهم قال فرحل سعد إلى الشام فأرسل عمر إليه رجلاً ليقتله إذا أبى عن البيعة فأدركه الرجل بحوران فدعاه فأبى فقتله.

وقد تتبعنا كثيراً من المظان فلم نجد أن عمر رضي الله عنه أمر بذلك بل رأينا ما يؤيد خلافة فقد نقل القسطلاني عن ابن الأثير أنهم لم يختلفوا في كون سعد رضي الله عنه وجد

ص: 13

ائلاً في بئر يسمعون صوته ولا يرون أحداً ينشد هذين البيتين: #نحن قتلنا سيد الخز

رج

ميتاً على مغتسله ولم يشعر أهل المدينة بموته ولم يشعر أهل المدينة بموته حتى سمعوا سعد بن عباده

فرميناه يسهم

فلم يخط فؤاده

فلما سمع الغلمان ذلك ذعروا فحفظوا ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي مات فيه سعد بالشام وقال ابن سيرين بينا سعد يبول قائماً إذا أتكأ قتله الجن.

فعلى المؤلف إذا كان مستنداً بما نقله لشيء أن بينه

(3)

ذكر ص 8 أن الأسود العنسي قتل في خلافة أبي بكر رضي الله عنه والحال أنه قتل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أنه حينما كان المسلمون في صنعاء وهي البلدة التي يقيم فيها العنسي يومئذ قدم عليهم وبر بن يحنس ومعه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم فيه بالنهوض في الحرب والعمل في الأسود أما غيلة وأما مصادمة فأجمع المسلمون أمرهم على أن يقتلوه. فاجتمع فيروز وقيس وداذويه وجشيش بن الديلي ودخلوا على الأسود ليلاً وهو نائم في بيته فقتله فيروز وحز رأسه. وذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ثم أرسلوا من يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فوصلت رسلهم إلى المدينة صبيحة الليلة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأن النبي عليه الصلاة والسلام قد أتاه الخبر من السماء في الليلة التي فتل فيها العنسي فبشر المسلمين بذلك وقال ومن هو قال فيروز ذكر ذلك الطبري في تاريخه.

(4)

ما قاله ص 10 من أبا بكر رضي الله عنه كان واضع أول أساس للفتح الإسلامي وقد عجبنا من وصفه أبا بكر رضي الله عنه بذلك مع أن الفاتح الأول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أنزل الله عليه قوله [إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك] وخاطبه بقوله [إنا فتحنا فتحاً مبيناً] ولعل المؤلف أراد أول فاتح بعده صلى الله عليه وسلم.

(5)

ما نقله ص 3 من أن سعداً اتخذ إيوان كسرى مسجداً والتماثيل وفيه كنا نود من المؤلف لايذكر ذلك في رسالة ألفها لينتفع بها أولاد المسلمين من غير أن ينتبه على حرمة التماثيل أو أن يغفل مثل هذه القصة في مثل هذا المختصر.

ص: 14

(6)

ما ذكره ص 53 وص78 من أن سيدنا عثمان وسيدنا عليا رضي الله عنهما كانا بعيدين عن الحزم.

و (7) ما تهور فيه ص 59 من إطلاقه كلمة ح (محبو الفتنة) على بعض من وجد في جيش وقعة الجمل.

و (8) ما انفرد به ص 84 من إطلاقه لفظ اشتراكي على سيدنا أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وقد عجبنا من المؤلف بعد درسه تاريخ الإسلام واطلاعه على ما ورد في فضل عثمان وعلى وسائر الصحابة رضوان الله عليهم وما ورد من الوعيد فيمن يقدح في أحد منهم كيف تجاسر أن يحكم على أحد منهم بأنه بعيد عن الجزم أو محب للفتنة وكيف التبس عليه مبدأ الزهد الذي كان عليه سيدنا أبو ذر الغفاري رضي الله عنه بما يسمونه اليوم (مبدأ الاشتراكية) وهي ألفاظ لا تليق أن تطلق على أحد من خاصة المسلمين فضلاً عن الصحابة الكرام رجال الدين ومصابيح الهدى سبحانك هذا بهتان عظيم وكيف يرمى بشيء من هذا فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً من بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه حديث صحيح رواه الترمذي عن عبد الله بن مغفل وقال صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أصحابي فأمسكوا حديث رجاله رجال الصحيح إلا واحداً اختلف فيه وقد وثقه ابن حيان وغيره كما ذكره العلامة ابن حجر الهيتمي ص 6 من هامش الصواعق المحرقة وقال صلى الله عليه وسلم (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) أخرجه البيهقي وأبو الحسن رزين بن معاوية العبدي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

هذا وقد ذكرت مجلة المقتبس في انتقاد الكتاب المذكور وجرها آخر جديرة بالنظر ونحن نتمنى لمؤلفه حفظه الله أن يتثبت في النقل لينال تأليفه من الإقبال ما يستحق ونرجوه أن لا يضن علينا بحكمه وأن لا يعتب علينا في بيان الحق فالمؤمن مرآة أخيه. ونسأل الله أن يوفقنا وإياه لخدمة الأمة الإسلامية بكل ما يمكننا إنه ولي التوفيق.

ص: 15