الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(11) تكفين الميت
33 -
وبعد الفراغ من غسل الميت، يجب تكفينه، لامر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في حديث المحرم الذي وقصته الناقة: "
…
وكفنوه
…
".
متفق عليه، وقد تقدم بتمامه في الفصل (3) فقرة (د). (ص 12 - 13)
34 -
والكفن أو ثمنه من مال الميت، ولو لم يخلف غيره لحديث خباب بن الارث قال:" هاجر نا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله، نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد، فلم يوجد له شئ، (وفي رواية: ولم يترك) إلا نمرة، فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه، وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعوها مما يلي رأسه (وفي رواية: غطوا بها رأسه)، واجعلوا على رجليه الاذخر (1)، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها "، أي: يجتنيها.
أخرجه البخاري (3/ 110) ومسلم (3/ 45) والسياق له. وابن الجارود في
(1) بكسر الهمزة والخاء - حشيش معروف طيب الرائحة.
" المنتقي "(260) والترمذي (357) وصححه والنسائي (1/ 269) والبيهقي (3/ 401) وأحمد (6/ 695) والرواية الثانية له وللترمذي.
وروى منه أبو داود (2/ 14، 62) قوله في مصعب: " قتل يوم أحد
…
الخ والرواية الثالثة له وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف أخرجه البخاري وغيره.
35 -
وينبغي أن يكون الكفن طائلا سابغا يستر جميع بدنه لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
" أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوما فذ كر رجلا من أصحابه قبض فكفن غير طائل، وقبر ليلا، فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه (إن استطاع) ".
أخرجه مسلم (3/ 50) وابن الجارود (268) وأبو داود (2/ 62) وأحمد (3/ 295، 329) وروى الجملة الاخيرة منه الترمذي (2/ 133) وابن ماجه من حديث أبي قتادة، وقال الترمذي:" حديث حسن".
قلت: بل هو حديث صحيح، فإن إسناده عن جابر صحيح (1)، فكيف إذا انضم إليه حديث أبي قتادة؟ وعزاه صديق حسن خان في " الروضة الندية "((1/ 164) لمسلم فوهم.
والزيادة لاحمد في رواية له.
قال العلماء: " والمراد بإحسان الكفن نظافته وكثافته وستره، وتو سطه، وليس المراد به السرف فيه والمغالاة، ونفاسته ".
(1) وله طريق أخرى عن جابر، أخرجه هو والذي قبله الحاكم في " المستدرك "(1 - 369)، وسنده صحيح.
واما اشتراط النووي كونه من جنس لباسه في الحياة لاأفخر منه ولا أحقر ففيه
نظر عندي، إذا أنه مع كونه مما لا دليل عليه، عليه، فقد يكون لباسه في الحياة نفيسا، أو حقيرا، فكيف يجعل كفنه من جنس ذلك!؟
36 -
فإن ضاق الكفن عن ذلك، ولم يتيسر السابغ، ستر به رأسه وما طال من جسده، وما بقي منه مكشوفا جعل عليه شئ من الاذخر أو غيره من الحشيش، وفيه حديثان:
الأول: عن خباب بن الارت في قصة مصعب وقوله في نمرته: " ضعوها مما يلي رأسه (وفي رواية: غطوا بها رأسه) واجعلوا على رجليه الاذخر " متفق عليه، وتقدم بتمامه في المسألة (34)، (ص 57)
الثاني: عن حارثة بن مضرب قال: " دخلت على خباب وقد اكتوى (في بطنه) سبعا، فقال لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يتمنين أحدكم الموت " لتمنيته، ولقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أملك درهما، وإن في جانب بيتي الان لاربعين ألف درهم! ثم أتى بكفنه، فبلما رآه بكى وقال: ولكن حمزة لم يوجد له كفن إلا بردة ملحاء، إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه، وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه، وجعل على قدميه الاذخر " أخرجه أحمد (6/ 395) بهذا التمام، وإسناره صحيح، والترمذي دون قوله: ثم أتى بكفنه .. " وقال: " حديث حسن صحيح ".
وروى الشيخان وغيرهما من طريق أخرى النهي عن نمي الموت.
وله شاهد من حديث أنس، نذكره إن شاء الله في المسألة التالية.
37 -
وإذا قلت الاكفان، وكثرت الموتى، جاز تكفين الجماعة منهم في الكفن الواحد، ويقدم أكثرهم قرآنا إلى القبلة، لحديث أنس رضي الله عنه قال: " لما كان يوم أحد، مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة بن عبد المطلب، وقد جدع ومثل
به، فقال: لولا أن صفية (في نفسها ل) تركته (حتى تأكله العافية)(1)، حتى يحشره الله من بطون الطير والسباع، فكفنه في نمرة، (وكانت) إذا خمرت رأسه بدت رجلاه وإذا خمرت رجلاه بدا رأسه، فخمر رأسه، ولم يصل على أحد من الشهداء غيره، وقال: أنا شاهد عليكم اليوم، (قال: وكثرت القتلى، وقلت الثياب، قال:) وكان يجمع الثلاثة والاثنين في قبر واحد، ويسأل أيهم أكثر قرآنا، فيقدم في اللحد، وكفن الرجلين والثلاثة في الثوب الواحد " (2).
أخرجه أبو داود (2/ 59) والترمذي (2/ 138 - 139) وحسنه، وابن سعد (ج 3 ق 1 ص 8) والحاكم (1/ 365 - 366) والسياق له وعنه البيهقي (4/ 10 - 11) وأحمد (3/ 128) والزيادات له، وقال الحاكم:" صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي، وإنما هو حسن فقط كما سبق في الثالث من المسألة (32).، (ص 53)
38 -
ولا يجوز نزع ثياب الشهيد الذي قتل فيها، بل يدفن وهي عليه لقوله صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد:" زملوهم في ثيابهم ".
أخرجه أحمد (5/ 431) بهذا اللفظ، وفي رواية له:" زملوهم بدمائهم ".
وكذلك أخرجه النسائي (1/ 282)، وعزاه الشوكاني (4/ 34) لابي داود فوهم.
وفي الباب عن جابر وأبي برزة وأنس، فانظر المسألة (32) الحديث الأول والثاني والثالث (ص 52 - 53)
(1) هي السباع والطير التي تقع على الجيف كلها، ويجمع على العوافي.
(2)
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: " معنى الحديث أنه كان يقسم الثوب الواحد بين الجماعة، فيكفن كل واحد ببعضه للضرورة، وإن لم
يستر إلا بعض بدنه، يدل عليه تمام الحديث أنه كان يسأل عن أكثرهم قرآنا فيقدمه في اللحد، فلو أنهم في ثوب واحد جملة لسأل عن أفضلهم قبل ذل كي لا يؤدي إلى نقض التكفين وإعادته.
ذكره في " عون المعبود "(3/ 165)، وهذا التفسير هو الصواب، وأما قول من فسره على ظاهره فخطأ مخالف لسياق القصة كما بينه ابن تيمية، وأبعد منه عن الصواب من قال: معنى ثوب واحد قبر واحد! لان هذا منصوص عليه في الحديث فلا معنى لاعادته.
39 -
ويستحب تكفينه بثوب واحد أو أكثر فوق ثيابه، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمصعب بن عمير وحمزة بن عبد المطلب، وتقدمت قصتهما في المسألة (34، 36، 37)، وفي الباب قصتان أخريان: الأولى: عن شداد بن الهاد: " أن رجلا من الاعراب، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه، ثم قال: أهاجر معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فلما كانت غزوة (خيبر) غنم النبي صلى الله عليه وسلم (فيها) شيئا، فقسم، وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاءهم دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قال: قسمته لك قال: ما على هذا تبعتك، ولكن اتبعتك على أن أرمي إلى ههنا - وأشار إلى حلقه - بسهم فأموت، فأدخل الجنة، فقال: إن تصدق الله يصدقك، فلبثوا قليلا، ثم نهضوا في قتال العدو، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل، قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أهو هو؟ قالوا: نعم، قال: صدق الله فصدقه، ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: اللهم هذا عبدك، خرج مهارجرا في سبيلك، فقتل شهيدا، أنا شهيد على ذلك ".
أخرجه النسائي (1/ 277) والطحاوي في " (1/ 291) والحاكم (3/ 595 - 596) والبيهقي (4/ 15 - 16).
قلت: وإسناده صحيح، رجاله كلهم على شرط مسلم ما عدا شداد بن الهاد
لم يخرج له شيئا، ولا ضير، فإنه صحابي معروف، وأما قول الشوكاني في " نيل الاوطار " (3/ 37) تبعا للنووي في " المجموع " (5/ 565): إنه تابعي! فوهم واضح فلا يغتر به.
الثانية: عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن تراهم، فقال: المرأة المرأة! قال: فتوسمت أنها أمي صفية،
فخرجت أسعى إليها، فأدر كتها قبل أن تنتهي إلى القتلى، قال: فلدمت (1) في صدري، وكانت امرأة جلدة، قالت: إليك لا أرض لك، فقلت: إن رسول صلى الله عليه وسلم عزم عليك، فوقفت، وأخرجت ثوبين معها، فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لاخي حمزة، فقد بلغي مقتله، فكفنه فيهما، قال: فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة، فإذا إلى جنبه رجل من الانصار قتيل، قد فعل به كما فعل بحمزة، فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفن حمزة في ثوبين، والانصاري لاكفن له، فقلنا: لحمزة، ثوب، وللانصاري ثوب، فقدر ناهما فكان أحدهما أكبر من الاخر، فأقر عنا بينهما، فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي صار له ".
أخرجه أحمد (1418) والسياق له بسند حسن.
والبيهقي (3/ 401) وسنده صحيح
40 -
والمحرم يكفن في ثوبيه اللذين مات فيهما لقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته الناقة: "
…
وكفنوه في ثوبيه (اللذين أحرم فيهما) .. ".
وتقدم بتمامه في الفصل (3) فقرة (د)، ص 12 - 13) وهذه الزيادة رواها النسائي وكذا الطبراني في " المعجم الكبير "(ق 165/ 2) مر طريقين عن عمرو بن دينار عن ابن جبير عن ابن عباس.
وهذا سند صحيح.
41 -
ويستحب في الكفن أمور: الأول: البياض، لقوله صلى الله عليه وسلم:" البسوا من ثيابكم البياض، فانها خير ثيابكم، وكفنوا فيها ".
أخرجه أبو داود (2/ 176) والترمذي (2/ 132) وصححه، وابن ماجه (1/ 449) والبيهقي (3/ 245) وأحمد (3426)، والضياء في " المختارة " (60/ 229 / 2) وقال الحاكم:" صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
(1) أي: ضربت ودفعت
وله شاهد من حديث سمرة بن جندب.
أخرجه النسائي (1/ 268) وابن الجارود (260) والبيهقي (3/ 402 - 403) وغيرهم قلت: وسنده صحيح أيضا كما قال الحاكم والذهبي والحافظ في " فتح الباري "(3/ 105).
الثاني: كونه ثلاثة أثواب، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب يمانية بيض سحولية، من كرسف، ليس فيهن قميص، ولا عمامة (أدرج فيها إدراجا) ".
أخرجه الستة، وابن الجارود (259) والبيهقي (3/ 399) وأحمد (6/ 40، 93، 118، 165، 192، 203، 221، 231، 264) والزيادة له.
الثالث: أن يكون أحدها ثوب حبرة (1) إذا تيسر، لقوله صلى الله عليه وسلم:" إذا توفي أحدكم فوجد شيئا، فليكفن في ثوب حبرة ".
أخرجه أبو داود (2/ 61) ومن طريقه البيهقي (3/ 403) ومن طريق وهب بن منبه عن جابر مرفوعا.
قلت: وهذا سند صحيح عندي، وهو كذلك عند المزي وأما الحافظ فقال في " التلخيص "" من وجد سعة، فليكفن في ثوب حبرة ". (2)
(1) بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة ما كان من البرود مخططا.
(2)
اعلم أنه لا تعارض بين الحديث الأول في " البياض ": " وكفنوا فيها موتاكم ".
لامكان التوفيق بينهما بوجه من وجوه الجمع الكثيرة المعلومة عند العلماء، ويخطر في بالي الان منها وجهان: الأول: أن تكون الحبرة بيضاء مخططة، وهذا إذا كان الكفن ثوبا واحدا، وأما إذا كان أكثر فالجمع أيسر وهو الوجه الاتي. =
وسنده صحيح لولا عنعنة أبي الزبير.
الرابع: تبخيرة ثلاثا، لقوله صلى الله عليه وسلم:" إذا جمرتم الميت، فأجمروه ثلاثا ".
أخرجه أحمد (3/ 331) وابن أبي شيبة (4/ 92) وابن حبان في " صحيحه "(752 - موارد) والحاكم (1/ 355) والبيهقي (3/ 405) قال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وصححه الووي أيضا في " المجموع "(5/ 196).
وهذا الحكم، لا يشمل المحرم لقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته الناقة "
…
ولا تطيبوه
…
".
وقد مضى بتمامه مع تخريجه في المسألة (17) فقرة (د)(ص 52 - 53).
42 -
ولا يجوز المغالاة في الكفن، ولا الزيادة فيه على الثلاثة لانه خلاف ما كفن لا سيما والحي أولى به، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال "(1).
= الثاني: أن يجعل كفن واحد حبرة، وما بقي أبيض، وبذلك يعمل بالحديثين معا.
وبهذا قال الحنفية، ودليلهم هذا الحديث، وليس هو الحديث الذي عزاه الحافظ لابي داود عن جابر أنه عليه السلام كفن في ثوبين وبرد حبرة. وقال: إسناده حسن، فإن هذا لم يستدلوا به بل لا وجود له عند أبي داود، بل عنده عن عائشة في حديثها وهو الثاني قالت: أتي بالبر لكنهم ردوه ولم بكفنوه فيه وسنده صحيح.
(1)
ويعجبني بهذه المناسبة ما قاله العلامة أبو الطيب في " الروضة الندية "(1/ 165)" وليس تكثير الاكفان والمغالاة في أثمانها بمحمود، فإنه لولا ورود الشرع به لكان من إضاعة المال، لانه لا ينتفع به الميت، ولا يعود نفعه على الحي، ورحم الله أبا بكر الصديق حيث قال: " إن الحي أحق بالجديد "، لما قيل له عند تعيينه لثوب من أبوابه في كفنه: " إن هذا خلق ".
والحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في في سبعة أثواب، منكر تفرد به من وصف بسوء الحفظ فراجعه في " نصب الراية "(2/ 261 - 262).
أخرجه البخاري (3/ 266) ومسلم (5/ 131) وأحمد (4/ 246، 249، 250، 254) من حديث المغيرة بن شعبة.
وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنهما.
أخرجه مسلم.
43 -
والمرأة في ذلك كالرجل، إذا لا دليل على التفريق (1).
(1) وأما حديث ليلى بنت قائف الثقفية في تكفين ابنته (ص) في خمسة أبواب فلا يصح إسناده، لان فيه نوح بن حكيم الثقفي وهو مجهول كما قال الحافظ ابن حجر وغيره وفيه علة أخرى بينها الزيلعي في " نصب الراية "(2/ 258).