المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(13) الصلاة على الجنازة - أحكام الجنائز - جـ ١

[ناصر الدين الألباني]

الفصل: ‌(13) الصلاة على الجنازة

(13) الصلاة على الجنازة

57 -

والصلاة على الميت المسلم فرض كفاية، لأمره صلى الله عليه وسلم بها في أحاديث أذكر منها حديث زيد بن خالد الجهني:

" أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " صلوا على صاحبكم "، فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال: " إن صاحبكم غل في سبيل الله "، ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز اليهود لا يساوي درهمين! ".

أخرجه مالك في " الموطأ "(2/ 14) وأبو داود (1/ 425) والنسائي (1/ 278) وابن ماجه (2/ 197) وأحمد (4/ 114 - 5/ 192) بإسناد صحيح، وقال الحاكم:"صحيح على شرطهما"، وفيه نظر بينته في " التعليقات الجياد على زاد المعاد ".

وفي الباب عن أبي قتادة ويأتي حديثه في المسألة الآتية ص 82 وعن أبي هريرة فيها، ص 84

58 -

ويستثنى من ذلك شخصان فلا تجب الصلاة عليهما:

الأول: الطفل الذي لم يبلغ، لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على ابنه ابراهيم عليه السلام، قالت عائشة رضي الله عنها:

" مات ابراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهرا، فلم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

ص: 79

أخرجه أبو داود (2/ 166) ومن طريقه حزم (5/ 158) وأحمد (6/ 267) وإسناده حسن، كما قال الحافظ في " الاصابة "، وقال ابن حزم:" هذا خبر صحيح "! (1).

الثاني: الشهيد، لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على شهداء أحد وغيرهم، وفي ذلك ثلاثة أحاديث سبق ذكرها في المسألة (32)، (ص 5 2).

ولكن ذلك لا ينفي مشروعية الصلاة عليهما بدون وجوب كما يأتي من الاحاديث فيهما في المسألة التالية:

59 -

وتشرع الصلاة على من يأتي ذكرهم: الأول: الطفل، ولو كان سقطا (وهو الذي يسقط من بطن أمه قبل تمامه) وفي ذلك حديثان:

1 -

"

والطفل (وفي رواية: السقط) يصلى عليه، ويد عى لوالديه بالمغفرة والرحمة ".

رواه أبو داود والنسائي وغيرهما بسند صحيح، وقد سبق بتمامه في المسألة (50)

2 -

عن عائشة رضي الله عنها قالت: " أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي من صبيان الانصار، فصلى عليه، قالت عائشة: فقلت: طوبى لهذا، عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل سوء، ولم يدركه.

قال: أو غير ذلك

(1) قلت: والصواب ما قاله الحافظ، فقد ذكر ابن القيم في " زاد المعاد " (1/ 203) عن الامام أحمد أنه قال:" هذا حديث منكر "، ولعله يعني " حديث فرد " فإن هذا منقول عنه في بعض الاحاديث المعروفة الصحة.

واعلم أنه لا يخدج في ثبوت الحديث أنه روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى على ابنه ابراهيم.

لان ذلك لم يصح عنه وإن جاء من طرق، فهي كلها معلولة اما بالارسال، وإما بالضعف الشديد، كما تراه مفصلا في " نصب الراية "(2/ 279 - 280)، وقد روى أحمد (3/ 281) عن أنس أنه سئل: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه ابراهيم؟ قال: لا أدري.

وسنده صحيح.

ولو كان صلى عليه، لم يخف ذلك على أنس إن شاء الله، وقد خدمه عشر سنين.

ص: 80

يا عائشة؟ خلق الله عزوجل الجنة، وخلق لها أهلا، وخلقهم، في أصلاب آبائهم.

وخلق النار وخلق لها أهلا، وخلقهم في أصلاب آبائهم " (1) أخرجه مسلم (8/ 55) والنسائي (276 9 1) وأحمد (6/ 208) واللفظا للنسائي،

وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، غير شيخه عمرو بن منصور، وهو ثقة ثبت.

والظاهر أن السقط إنما يصلي عليه إذا كان قد نفخت فيه الروح، وذلك إذا استكمل أربعة أشهر، ثم مات، فإما إذا سقط قبل ذلك، لانه ليس بميت كما لا يخفى.

وأصل ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعا: " أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين، يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه ملكا

ينفخ فيه الروح ".

متفق عليه.

واشترط بعضهم أن يسقط حيا، لحديث:" إذا استهل السقط صلي عليه وورث ".

ولكنه حديث ضعيف لا يحتج به، كما بينه العلماء (2).

الثاني: الشهيد، وفيه إحاديث كثيرة، أكتفي بذكر بعضها

1 -

عن شداد بن الهاد:

(1) قال النووي رحمه الله تعالى: " أجمع من يعتقد بن من علماء المسلمين على أن من ما من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة، والجواب عن هذا لاحديث أنه لعله نهاها عن المسارعة إل يالقطع من غير دليل، أو قال ذلك قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة".

وأجاب السندي في حاشيته على النسائي بجواب آخر خلاصته: أنه إنما أنكر عليها الجزم بالجنة لطفل معين. قال: ولا يصبح الجزم في مخصوص لان إيمان الأبوين تحقيقا غيب، وهو المناط عند الله تعالى.

(2)

انظر " نصب الراية "(2/ 277) و " التلخيص "(5/ 146 - 147) و "المجموع"(5/ 255)، وكتابي " نقد التاج الجامع للاصول الخمسة "(رقم 293)، وإنما صح الحديث بدون ذكر الصلاة فيه، كما حققته في " إرواء الغليل "(1704) يسر الله طبعه.

ص: 81

" أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم آمن به واتبعه، ثم قال: أهاجر معك .. فلبثوا قليلا، ثم نهضوا في قتال العدو، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم " .. ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبته، ثم قدمه فصلى عليه .. ".

أخرجه النسائي وغيره بسند صحيح، وقد مضى بتمامه المسألة (39)(ص 61).

2 -

عن عبد الله الزبير: " أن رسول الله صلى اله عليه وسلم أمر يوم أحد بحمزة فسجي ببردة، ثم صلى عليه فكبر تسع تكبيرات، ثم أتي بالقتلى يصفون، ويصلي عليهم. وعليه معهم ".

أخرجه الطحاوي في " معاني الآثار "(1/ 290) وإسناده حسن.

رجاله كلهم ثقات معروفون، وابي اسحاق قد صرح بالحديث.

وله شواهد كثيرة ذكرت بعضها في " التعليقات الجياد " في المسألة (75).

3 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بحمزة وقد مثل به وأيضا، على أحد من الشهداء غيره. يعني شهداء أحد ". (1) أخرجه أبو داود بسند حسن، وهو مختصر حديثه المتقدم المسألة (37).

(ص 57 - 58).

4 -

عن عقبة بن عامر الجهني: " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت [بعد ثمان سنين][كالمودع للأحياء والأموات]، ثم انصرف إلى المنبر [فحمد الله وأثنى] عليه! فقال: إني فرط لكم، وأنا شهيد عليكم، [وإن موعدكم الحوض] وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، [وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة]، - وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض واني والله ما أخاف عليكم أن وتشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم [الدنيا] أن تتنافسوا فيها [وتقتتلوا فتهلكوا هلك من كان قبلكم]

(1) لعله يعني الصلاة على غيره استقلالا، فلا ينبغي الصلاة على غيره مقرونا معه كما في الحديث الذي قبله، ولا يعارض هذان الحديثان بحديث جابر المتقدم أنه صلى الله عليه وسلم لم بصل على شهداء أحد لأنه ناف، والمثبت مقدم على النافي، وانظر التفصيل في " نيل الأوطار ".

ص: 82

قال: فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم] ".

أخرجه البخاري (3/ 64 - 7/ 279 - 280 و 302) ومسلم (7/ 67) وأحمد (4 149، 153، 154)، والسياق للبخاري، والزيادة الأولى والثانية والسادسة والسابعة له، ولمسلم الثانية والخامسة وما وراءها ولأحمد الأولى إلى الرابعة.

رواه البيهقي (4/ 14) وعنده الزيادات كلها إلا الثالثة والخامسة. وأخرجه الطحاوي (1/ 290) وكذا النسائي (1/ 277) والدارقطني (ص 197) مختصرا، وعند الدارقطني الزيادة الأولى (1)

الثالث: من قتل في حد من حدود الله، لحديث عمران بن حصين " أن امرأة من جهينة أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنى، فقالت: يا نبي الله أصبت حدا فأقمه علي، فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها، فقال: أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني بها، ففعل، فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم صلى عليها، فقال له عمر: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟ فقال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جاءت بنفسها لله تعالى؟ " أخرجه مسلم (5/ 121) وأبو داود (2/ 233) والنسائي (1/ 278) والترمذي (2/ 325) وصححه، والدارمي (2/ 180) والبيهقي (4/ 18 و 19).

ورواه ابن ماجه (2/ 116 و 117) مختصرا

الرابع: الفاجر المنعث في المعامي والمحارم، مثل تارك الصلاة والزكاة مع اعترافه بوجوبهما، والزاني ومدمن الخمر، ونحوهم من الفساق فإنه يصلي عليهم، إلا أنه ينبغي لأهل العلم والدين أن يدعوا الصلاة عليهم، عقوبة وتأديبا لأمثالهم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي ذلك أحاديث:

(1) قد يقول قائل: لقد ثبت في هذه الأحاديث مشروعية الصلاة على الشهداء، والأصل أنها واجبة فلماذا لا يقال بالوجوب! قلت: لما سبق ذكره في المسألة (58).

ونزيد علي ذلك هنا فنقول: لقد استشهد كثير من الصحابة في غزوة بدر وغيرها، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم، صلى عليهم ولو فعل لنقلوه عنه.

فدل ذلك أن الصلات عليهم غير واجبة.

ولذلك قال ابن القيم في " تهذيب السنن "(4/ 295): (والصواب في المسألة أنه مخير بين الصلاة عليهم وتركها لمجئ.

الاثار بكل واحد من الأمرين وهذا إحدى الروايات عن الامام أحمد، وهي الأليق بأصوله ومذهبه " قلت: ولاشك أن الصلاة عليهم أفضل من الترك إذا تيسرت لأنها دعاء وعبادة.

ص: 83

1 -

عن أبن قتادة قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعي لجنازة سأل عنها، فان أثني عليها خير قام فصلى عليها، وإن أثني عليها غير ذلك قال لأهلها شأنكم بها، ولم يصل عليها " أخرجه أحمد (5/ 399، 300، 301) والحاكم (1/ 364) وقال: " صحيح على شرط الشيخين "، وواففه الذهبي. وهو كما قالا.

2 -

عن جابر بن سمرة قال " مرض رجل، فصيح عليه، فجاء جاره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد مات، قال: وما يدريك؟ قال: أنا رأيته، قال رسول الله: إنه لم يمت، قال: فرجع فصيح عليه، فقالت امرأته، انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " فأخبره فقال الرجل: اللهم العنه! قال: ثم انطلق الرجل فرآه قد نحر نفسه بمشقص، فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه مات، فقال ما يدريك؟ قال: رأيته ينحر نفسه بمشقص معه! قال: أنت رأيته؟ قال: نعم، قال: إذا لا أصلي عليه.

أخرجه بهذا التمام أبو داود (2/ 65) باسناد صحيح على شرط مسلم. وأخرجه مسلم (3/ 66) مختصرا، وكذا النسائي (1/ 279) والترمذي (2/ 161) وابن ماجه (1/ 465) والحاكم (1/ 364) والبيهقي (4/ 19) والطيالسي (779) وأحمد (5/ 87 و 91 و 92 و 96 94 - 97 و 102 و 107) وقال الترمذي:" هذا حديث حسن، وقد اختلف أهل العلم في هذا زرارة فقال بعضهم: يصلي على كل من صلى للقبلة، وعلى قاتل النفس وهو قول سفيان الثوري وإسحاق " وقال أحمد: لا يصلي الامام على قاتل النفس، ويصلي عليه غير الامام " وقال شيخ الاسلام ابن تيمية في " الاختيارات " (ص 52):" ومن امتنع من الصلاة على أحدهم (يعني القاتل والناس والمدين الذي ليس له وفاء) زجرا لأمثاله عن مثل فعله كان حسنا، ولو امتنع في الظاهر، ودعا له في الباطن، ليجمع بين المصلحتين كان أولى من تفويت إحداهما ".

ص: 84

3 -

عن زيد بن خالد في حديث امتناع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على الغال وقوله لأصحابه: " صلوا على صاحبكم .. إن صاحبكم غل في سبيل الله!.

أخرجه أصحاب السنن بسند صحيح على ما سبق بيانه عند المسألة (57).

الخامس: المدين الذي لم يترك من المال ما يقضي به دينه فإنه يصلى عليه، وإنما ترك رسول الله صلي الله عليه وسلم الصلاة عليه في أول الأمر، وفيه أحاديث:

1 -

عن سلمة بن الأكوع قال: " كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجنازة فقالوا: صل عليها، فقال: هل عليه دين؟ قالوا: لا، قال: فهل ترك شيئا؟ قالوا: لا، فصلى عليه. ثم أتي بجنازة أخرى فقالوا: يارسول الله صل عليها، قال: هل عليه دين؟ قيل: نعم، قال فهل ترك شيئا؟ قالوا: ثلاثة دنانير [قال: فقال بأصابعه ثلاث كيات]، فصلى عليها.

ثم أتي بالثالثة، فقالوا: صل عليه، قال: هل ترك شيئا؟ قالوا: لا، قال: هل عليه دين؟ قالوا: ثلاثة دنانير، قال: صلوا على صاحبكم، قال [رجل من الأنصار يقال له، أبو قتادة: صل عليه يارسول الله وعلي دينه ".

أخرجه البخاري (3/ 368، 369 و 374) وأحمد (4/ 47، 50) والزيادة له.

وروى منه النسائي (1/ 278) القصة الثالثة.

2 -

عن أبي قتادة رضي الله عنه نحو القصة الثالثة في حديث سلمة في الأكوع وروي الذي قبله، وفيه:" أرأيت إن قضيت عنه أتصلي عليه؟ قال: إن قضيت عنه بالوفاء صليت عليه، قال: فذهب أبو قتادة فقضى عنه، فقال: أوفيت ما عليه؟ قال نعم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه ".

أخرجه النسائي (1/ 378) والترمذي (2/ 161) والدارمي (2/ 263) وابن ماجه (2/ 75) وأحمد (5/ 297، 301، 302، 304، 311) والسياق له وإسناده

ص: 85

صحيح على شرط مسلم، وليس عند الآخرين ذهاب أبي قتادة ووفاءه للدين ثم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم عليه.

3 -

عن جابر رضي الله عنه نحوها وزاد في آخره: فلما فتح الله على رسوله قال: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، ومن ترك دينا فعلي قضاؤه، ومن ترك مالا فلورثته ".

رواه أبو داود (2/ 85) والنسائي (1/ 278) بإسناد صحيح على شرط الشيخين وله طريق أخرى عن جابر بزيادة أخرى، وقد تقدم.

4 -

عن أبي هريرة:

" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل الميت عليه الدين، فيسأل: هل ترك لدينه من قضاء؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا فلا: قال: صلوا على صاحبكم، فلما فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم [في الدنيا والاخرة، إقرؤوا إن شئتم: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]]، فمن توفي وعليه دين [ولم يترك وفاء] فعلي قضاؤه، ومن ترك مالا فهو لورثته ".

أخرجه البخاري (4/ 376 - 9/ 425) ومسلم (5/ 62) والنسائي (1/ 379) وابن ماجه (2/ 77) والطيالسي (2338) وأحمد (2/ 399 و 453)، والسياق المسلم، والزيادتان للبخاري، ولأحمد الأولى منهما.

وأخرج منه ما هو من كلامه الترمذي (3/ 178) وصححه، والدارمي (2/ 263) والطيالسي (2524) وأحمد (2/ 287، 318، 334، 335، 356، 399، 450، 464، 527) بنحوه، وهو رواية مسلم وكذا البخاري بالفاظ متقاربة.

(8/ 420 و 12/ 7، 22، 40) من طرق كثيرة عن أبي هريرة.

وقال أبو بشر يونس بن حبيب راوي مسند الطيالسي عقب الحديث: " سمعت أبا الوليد - يعني الطيالسي - يقول: بذا نسخ تلك الأحاديث التي جاءت على الذي عليه الدين "

ص: 86

السادس: من قبل دفن أن يصلى عليه، أو صلى عليه بعضهم دون بعض، فيصلون عليه في قبره، على أن يكون الامام في الصورة الثانية ممن لم يكن صلى عليه.

وفي ذلك أحاديث:

1 -

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: " مات رجل - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده - فدفنوه بالليل، فلما أصبح أعلموه، فقال: ما منعكم أن تعلموني؟ قالوا: كان الليل، وكانت الظلمة، فكرهنا أن نشق عليك قبره، فأتى قبره فصلى عليه، [قال: فأمنا، وصفنا خلفه]، [وأنا فيهم]، [وكبر أربعا] "

أخرجه البخاري (3/ 91 - 92) وابن ماجه (1/ 266) والسياق له، ورواه مسلم (5/ 53 - 56) مختصرا وكذا النسائي (1/ 284) والترمذي (8/ 142) وابي الجارود في " المنتقى "(266) والبيهقي (3/ 45، 46) والطيالسي (2687) وأحمد (رقم 1962، 2554، 3134)، والزيادة الأولى لهم " وللبخاري وفي رواية (3/ 146، 147، 159)، والزيادتان الأخيرتان له وللبيهقي، ولمسلم والنسائي الأخيرة.

2 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه: " أن امرأة سوداء كانت تقم (وفي رواية تلتقط الخرق والعيدان من) المسجد، فماتت، ففقدها النبي صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها بعد أيام، فقيل له انها ماتت، فقال: هلا كنتم اذنتموني؟ (قالوا: ماتت من الليل ودفنت، وكرهنا أن نوقظك)، (قال: فكأنهم صغروا أمرها.

فقال دلوني على قبرها فدلوه، (فأتى قبرها فصلى عليها) ثم قال:[قال ثابت (أحد رواة الحديث): عند ذاك أو في حديث آخر]: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله عز وجل منورها لهم بصلاتي عليهم ".

أخرجه البخاري (1/ 438، 439، 440 - 3/ 159) ومسلم (3/ 56) وأبو داود (2/ 68) وابن ماجه (1/ 465) والبيهقي (4/ 47) والسياق لهما، والطيالسي (2446) وأحمد (2/ 353، 388/ 406) من طريق ثابت البناني عن أبي رافع عنه.

وإنما آثرت السياق المذكور لأن رواية لم ترد في أن الميت امرأة، بينما تردد الراوي عند الآخرين في كونه امرأة أو رجلا، والشك فيه من ثابث أو من أبي رافع كما جزم به الحافظ بن حجر، وترجح عندنا أنه امرأة من وجوه:

الأول: أن اليقين مقدم على الشك.

ص: 87

الثاني: أن في رواية للبخاري بلفظ: " أن امرأة أو رجلا كانت تقم المسجد، ولا أراه إلا امرأة ".

فقد ترجح عند الراوي أنه امرأة.

الثالث: إن الحديث ورد من طريق أخر عن أبي هريرة لم يشك الا روي فيها: ولفظها: " فقد النبي امرأة سوداء كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد، فقال: أين فلانة؟ قالوا: ماتت ".

وذكر الحديث هكذا ساقه البيهقي (2/ 440 - 4/ 32) من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عنه.

وهكذا أخرجه ابي خزيمة في " صحيحه " كما في " الفتح ".

والزيادة الأولى للبيهقي وإبن خزيمة، وشطرها الأول لأحمد، والثانية لمسلم والبيهقي في رواية وللبخاري معناها، ولأبي داود " والمسندين " الشطر الثاني منها، والزيادة الثالثة للبيهقي والرابعة له في رواية ولمسلم وكذا أحمد، وعنده الزيادة من قول ثابت، وهي عند البيهقي أيضا.

وقد رجح الحافظ تبعا للبيهقي أن الزيادة الرابعة مدرجة في الحديث وأنها من مراسيل ثابت.

وخالفهما ابن الترحماني، فذهب إلى أنها مسندة من رواية أبي رافع عن أبي هريرة " لأنه كذلك في صحيح مسلم، لكن قول ثابت هذا يؤيد ما ذهب إليه الأولان.

ويقويه أن الحديث ورد من رواية ابن عباس أيضا وليسن فيه هذه الزيادة أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير "(3/ 128 / 2).

نعم ثبتت هذه الزيادة أو معناها مسندة في حديث آخر وهو:

3 -

عن يزيد بن ثابت - وكان أكبر من زيد - قال: " خرجنا مع إلنبي صلى الله عليه وسلم [ذات يوم] فلما ورد البقيع " فإذا هو بقبر جديد، فسأل عنه " فقالوا: فلانة (مولاة بني فلان)، قال: فعرفها وقال: ألا آذنتموني بها؟ قالوا: [ماتت ظهرا، و] كنت قائلا صائما فكرهنا أن نؤذيك، قال: فلا تفعلوا، لا أعرفن، ما مات منكم ميت ماكنت بين أظهركم إلا اذنتموتي به، فإن صلاتي عليه رحمه "، ثم أبي القبر، فصففنا خلفه فكبر عليه أربعا "

ص: 88

أخرجه النسائي (1/ 284) وابن ماجه (1/ 465، 466) وابن حبان في صحيحه (759 - موارد) والبيهقي (4/ 48)، والسياق لابن ماجه، والزيادات للنسائي، وإسناده عند الجميع صحيح على شرط مسلم.

4 -

عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يعود مرضى مساكين المسلمين وضعفائهم: ويتبع جنائزهم ولا يصلي عليهم غيره، وأن امرأة مسكينة من أهل العوالي طال سقمها، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عنها من حضرها من جيرانها " وأمرهم أن لا يدفنوها إن حدث بها حدث فيصلي عليها، فتوفيت تلك المرأة ليلا واحتملوها فأتوا بها مع الجنائز أو قال: موضع الجنائز عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) ليصلي عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أمرهم فوجدوه قد نام بعد صلاة العشاء " فكرهوا أن يهجدوا (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه فصلوا عليها. ثم انطلقوا بها، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عنها من حضره من جيرانها، فأخبروه خبرها، وانهم كررهوا ان يهجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولم فعلتم؟ انطلقوا، فانطلقوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قاموا على قبرها فصفوا وراء رسول الله صلى الله عيه وسلم كما يصف للصلاة على الجنازة فصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر أربعا كما يكبر على الجنائز " أخرجه البيهقي (4/ 48) بإسناد صحيح، والنسائي (1/ 280، 281) مختصرا السابع: من مات في بلد ليس فيها من يصلي عليه، صلاة الحاضر، فهذا يصلي عليه طائفة من المسلمين صلاة الغائب، لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي وقد رواها جماعة من أصحابه يزيد بعضهم على بعض، وقد جمعت أحاديثهم فيها، ثم سقتها في سياق واحد تقريبا للفائدة. والسياق لحديث أبي هريرة: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم نعى للناس [وهو بالمدينة] النجاشي [أصحمه][صاحب الحبشة] في اليوم الذي مات فيه: [قال: إن أخا قد مات (وفي رواية: مات اليوم عبد لله

(1) هو شرقي المسجد النبوي، وهو اليوم الارض الممتدة مع طول المسجد من من الشمال إلي الجنوب بجانب باب النساء (2) بم يوقضوا وهو من الاضداد.

ص: 89

صالح) [بغير أرضكم][فقوموا فصلوا عليه]، [قالوا: من هو؟ قال النجاشي] [وقال: استغفروا لأخيكم]، قال: فخرج بهم إلى المصلى (وفي رواية: البقيع)[ثم تقدم فصفوا خلفه][صفين]، [قال: فصففنا خلفه كما يصف على الميت وصلينا عليه كما يصلى على الميت] [وما تحسب الجنازة إلا موضوعة بين يديه][قال: فأمنا وصلى عليه]، وكبر (عليه) أربع تكبيرات ".

أخرجه البخاري (3/ 90، 145، 155، 157) ومسلم (3/ 54) واللفظ له وأبو داود (2/ 68، 69) والنسائي (1/ 265، 280) وابن ماجه (1/ 467) والبيهقي (4/ 49) والطيالسي (2300) وأحمد (2/ 241، 280، 289، 348، 438، 439، 479، 529) من طرق عن أبي هريرة.

والزيادة الأولى للنسائي وأحمد، والثانية للبخاري والثالثة لابن ماجة، والسابعة للشيخين والنسائي وأحمد، والعاشرة، الشطر الثاني منها لأحمد وهي عنده بتمامها عن غير أبي هريرة كا يأتي، والزيادة الأخيرة لمسلم.

وروى منه الترمذي (2/ 140) وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي فكبر أربعا وهو رواية للطيالسي (2296).

2 -

ثم أخرجه البخاري (3/ 145، 146) ومسلم والنسائي والبيهقي والطيالسي في (1681) وأحمد (3/ 295، 319، 355، 361، 363، 369، 400) من طرق حديث جابر رضي الله عنه.

والزيادة الثانية والثالثة والرابعة للشيخين وأحمد، وله الخامسة والسادسة، ولمسلم والنسائي التاسعة، وللنسائي الجملة الأولى من الزيادة العاشرة.

والزيادة الثانية عشر لمسلم وأحمد.

3 -

ثم أخرجه مسلم والنسائي والترمذي (2/ 149) وصححه ابن ماجه وابن حبان والبيهقي والطيالسي (749) وأحمد (4/ 433 431، 439، 441، 446) عن عمران وفيه الزيادة الرابعة عندهم جميعا، والعاشرة عند الطيالسي والنسافي والترمذي وأحمد، وعنده التي بعدها وكذا ابن حبان.

ص: 90

4 -

ثم أخرجه ابن ماجه والطيالسي (1068) وأحمد (4/ 7) عن حذيفة بن أسير وفيه عندهم الزيادة الرابعة والخامسة.

وكذا عندهم السادسة: إلا الطيالسي.

5 -

ثم رواه ابن ماجه وأحمد (4/ 64 - 5/ 376) عن مجمع بن حارثة الانصاري وقال البوصيري في " الزوائد ".

" إسناده صحيح "، ورواه ثقات ".

وفيه الزيادة الرابعة " وعن ابن ماجه التاسعة.

6 -

ثم رواه الترمذي وابن ماجه عن عبد الله.

بن عمر مثل حديث أبو هريرة المختصر عند الترمذي.

وإسناده صحيح أيضا

7 -

ثم أخرجه أحمد (4/ 264 - 263) عن جرير بن عبد الله مرفوعا بلفظ " إن أخاكم النجاشي قد مات فاستغفروا له (1).

وإسناده حسن.

وأعلم أن هذا الذي ذكرناه من الصلاة على الغائب " هو الذي لا يتحمل الحديث غيره، ولهذا سبقنا إلى اختيارة ثلة من محققي المذاهب، وإليك خلاصة من كلام ابن القيم رحمة الله في هذا الصدد، قال في " زاد المعاد " (1/ 205، 206): " ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسنته الصلاة على كل ميت غائب، فقد مات خلق كثير من المسلمين وهو غيب، فلم يصل عليهم، وصح عنه أنه صلى على النجاشي صلاته على الميت، فاختلف في ذلك على ثلاثة طرق:

(1) قلت: في هذه الأحاديث دليل من وجوه لاتخفى على أن النجاشي أصحمة كان مسلما، ويؤيد ذلك أنه جاء النص الصريح عنه بتصديقه بنبوته صلى الله عليه وسلم، فقال إبو موسى الأشعري رضي الله عنه:" أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننطلق إلى أرض النجاشي - فذكر القصة وفيها - وقال النجاشي: أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أحمل نعليه ".

أخرجه أبو داود والبيهقي باسناد صحيح كما قال البيهقي فيما نقله العراقي في " تخريج الأحياء "(2/ 200) وله " شاهد من حديث ابن مسعود.

أخرجه الطيالسي (346)، وله شواهد أخرى في مسند أحمد (5/ 290 و 292)

ص: 91

1 -

أن هذا تشريع وسنة للأمة الصلاة على كل غائب وهذا قول الشافعي وأحمد

2 -

وقال، أبو حنيفة ومالك: هذا خاص به، وليس ذلك لغيره.

3 -

وقال شيخ الاسلام ابن تيمية: الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يصل عليه فيه، صلي عليه صلاة الغائب كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي لأنه مات ببن الكفار، ولم يصل عليه وإن صلي عليه حيث مات لم يصل عليه صلاة الغائب، لان الفرض سقط بصلاة المسلمين عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى على الغائب وتركه كما وفعله وتركه سنة.

وهذا له موضع والله أعلم.

والأقوال ثلاثة في مذهب أحمد، وأصححها هذا التفصيل قلت: واختار هذا بنص المحققين من الشافعية فقال الخطابي في " معالم السنن " ما نصه: قلت: النشجاشي رجل مسلم قد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه على نبوته.

" إلا أنه كان يكتم إيمانه والمسلم إذا مات وجباء المسلم إذا مات وجب على المسلمين أن يصلوا عليه: إلا أنه كان بين ظهراني أهل، الكفر، ولم يكن بحضرته من يقوم بحقه في الصلاة عليه، فلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك، إذ هو نبيه ووليه وأحق الناس به.

فهذا - والله أعلم - هو السبب الذي دعاه إلى الصلاة عليه بظاهر الغيب.

فعلى هذا إذا مات المسلم ببلد من البلدان، وقد قضى حقه في الصلاة عليه، فانه لا يصلي عليه من كان في بلد آخر غائبا عنه، فإن علم أنه لم يصل عليه لعائق أو مانع عذر كأن السنة أن يصلى عليه ولا يترك ذلك لبعد المسافة.

فإذا صلوا عليه استقبلوا القبلة، ولم يتوجهوا إلى بلد الميت إن كان في غير جهة القبلة.

وقد ذهب بعض العلماء العلماء الى كراهة الميت الغائب، وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مخصوصاً ببهذا الفعل، إذ كان في حكم المشاهد للنجاشي، لما روي في بعض الأخبار " أنه قد سويت له أعلام الأرض، حتى كان يبصر مكانه"(1) وهذا تأويل فاسد لأن

(1) وذكر النووي في " المجموع "(5/ 253) أن هذا الخبر من الخيالات! ثم ذكر حديث العلاء بن زيدل في طي الأرض للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى ذهب فصلى على معاوية في تبوك وقال أنه حديث ضعيف ضعفة الحافظ منهم البخاري والبيهقي.

ص: 92

رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فعل شيئا من أفعال الشريعة، كان علينا متابعته والايتساء به، والتخصيص لا يعلم في إلا بدليل.

ومما يبين ذلك أنه صلى الله عليه وسلم خرج بالناس إلى المصلى فصف بهم، فصلوا معه، فعلم أن هذا التأويل فاسد، والله أعلم.

وقد استحسن الروياني - هو شافعي أيضا ما ذهب إليه الخطابي " وهو مذهب أبي داود أيضا فإنه ترجم للحديث في " سننه " بقوله " باب في الصلاة على المسلم بموت في بلاد الشرك ": واختار ذلك من المتأخرين العلامة المحقق الشيخ صالح المقبلي كما في " نيل الأوطار " (4/ 43) واستدل لذلك بالزيادة الني وقعت ني بعض ظرق الحديث: " إن أخاكم قد مات بغير أرضكم، فقوما فصلوا عليه " وسندها على شرط الشيخين.

ومما يؤيد عدم مشروعية الصلاة على كل غائب أنه لما مات الخلفاء الراشدون وغيرهم لم يصل أحد من المسلمين عليهم صلاة الغائب. ولو فعلوا لتواتر النقل بذلك عنهم.

فقابل هذا بما عليه كثير من المسلمين اليوم من الصلاة على كل غائب لاسيما إذا كان له ذكر وصيت، ولو من الناحية السياسية فقط ولا يعرف بصلاح أو خدمة للاسلام " ولو كان مات في الحرم المكى وصلى عليه الآلاف المؤلفة في موسم الحج صلاة الحاضر، قابل ما ذكرنا بمثل هذه الصلاة تعلم يقينا أنها من البدع التي لا يمتري فيها عالم بسننه صلى الله عليه وسلم ومذهب السلف رضي في الله عنهم.

60 -

وتحرم الصلاة والاستغفار والترحم على الكفار والمنافقين (1) لقول الله تبارك وتعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84]

وسبب نزول الآية ما روى عبد الله بن عمر وأبوه والسياق له قال:

(1) هم الذين يبطنون الكفر ويظهرون الاسلام، وإنما يتبين كفرهم.

بما يترشح من كلامتهم من الغمز في بعض أحكام الشريعة وأشتهجانها، وزعمهم أنها مخالفة للعقل والذوق! وقد أشار إلى هذه الحقيقة ربنا تبارك في قوله: (أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم.

ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول، والله يعلم أعمالكم)، وأمثال هؤلاء المنافقين كثير في عصرنا الحاضر، والله المستعان.

ص: 93

" لما مات عبد الله بن أبي بن سلول دعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى عليه، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه [حتى قمت في صدره]، [فأخذت بثوبه] فقلت: يارسول الله أتصلي على [عدو الله] ابن أبي وقد قال يوم كذا وكذا وكذا!؟ أعدد عليه قوله (1)[أليس - قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين فقال:]{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ .. } [التوبة: 80]] فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أخر عني يا عمر! فلما أكثرت عليه قال: إني خيرت فاخترت، [قد قيل لي:({اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ .. } [التوبة: 80]) لو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت عليها، [قال: إنه منافق] (2) قال: فصلى عليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم (3)[وصلينا معه]، [ومشى صلى الله عليه وسلم معه فقام على قبره حتى فرغ منه]، ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة:{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84]، [قال:(فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله)، قال -: فعجبت بعد من من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ] والله ورسوله أعلم.

(1) يشير بذلك إلى مثل قوله: (ولا تنفقوا على من عند رسول لى الله حتى ينفضوا) وقوله (ليخرجن الاعز منها الاذل).

(2)

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " فتح الباري "(8/ 270):

" إنما جزم عمر أنه منافق جريا على ما يطلع من أحواله، وإنما لم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: وصلي بقوله: وصلي عليه إجراء له علي ظاهر حكم الاسلام، واصتصحابا لظاهر الحكم، ولما فيه من إكرام ولده الذي تحققت صلاحيته ومصلحة الأستئلاف لقومه ودفع المفسدة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أول الأمر يصبر على أذى المشركين ويعفو ويصفح، ثم أمر بقتال لمشركين، فاستمر صفحه وعفوه عمن يظهر الاسلام ولو كان باطنه عل خلاف ذلك لمصلحة الاستئلاف وعدم التنفير عنه، ولذلك قال: " لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه "، فلما حصل الفتح، ودخل المشركون في الاسلام، وقل أهل الكفر وذلوا، أمر بمجاهرة المنافقين وحملهم على حكم مر الحق، ولاسيما وقد كان ذلك قبل نزول النهي الصريح عن الصلاة على المنافقين وغير ذلك مما أمر فيه، بمجاهرتهم وبهذا التقرير يندفع الاشكال عما وقع في هذه القصة بحمد الله تعالى".

(3)

قلت: وإنما صلى عليه بمدما أدخل في حفرته وأخرج منها بأمره صلى الله عليه وسلم، وألبسه قميصه كما سيأتي في المسألة (94).

ص: 94

أخرجه البخاري (3/ 177 - 8/ 270) والنسائي (1/ 279) والترمذي (3/ 117، 118) وأحمد (رقم 95) عن عمر والزيادة الأولى والثالثة والخامسة والاثمنة والاتسعة لأحمد والترمذي وصححه والزيادات الأخرى للبخاري إلا السادسة فهي لمسلم " وللبخاري من حديث ابن عمر والزيادة الثانية للطبري كما في " الفتح ".

ثم أخرجه البخاري (8/ 286 ج 270 - 10/ 218) ومسلم (7/ 116 - 8/ 120، 121) والنسائي (1/ 269) والترمذي (3/ 118، 119) وابن ماجه (1/ 464، 465) والبيهقي (3/ 402)، - أحمد (4680) من حديث ابن عمر وفيه من الزيادة الثانية والسادسة.

وعن المسيب بن حزن رضي الله عنه قال: " لما حضرت أبا طالب الوفاة " جاءه رسول الله فوجد عنده أبا جهل، وعبد الله ابن أبي أمية، والمغيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم إنك أعظم الناس علي حقا، وأحسنهم عندي يدا.

ولأنت أعظم علي حقا من والدي، ف [لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد [ان](1) له تلك المقالة، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ (2)[قال: لولا أن تعيرني قريش - يقولون: إن ما حمله على ذلك الجزع - لأقررت بها عينك! (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك (فأخذ المسلمون يستغفرون لموتاهم الذين ماتوا وهم مشركون، فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113]، وأنزل الله في أبي طالب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56]!! أخرجه البخاري (3/ 173 - 7/ 154 - 8/ 274، 410، 411) ومسلم والنسائي (1/ 286) وأحمد (5/ 433) وابن جرير في تفسيره (11/ 27) والسياق له وكذا مسلم، والزيادة الثانية له في بعض الأصول كما ذكره الحافظ عن القرطبي ويشهد لها رواية البخاري وغيره بمعناها.

(1) أي أبو جهل وابن أبى أمية.

ص: 95

ووردت القصة من حديث أبي هريرة باختصار عند مسلم والترمذي (4/ 159) وحسنه، وعندهما الزيادة الثالثة، والحاكم (2/ 335 و 336) وصححه ووافقه الذي، وله الزيادة الأولى، وهي عند ابن جرير أيضا من حديث سعيد بن المسيب مرسلا، ولكنه في حكم الموصول، لأنه هو الذي روى الحديث عن المسيب ابن حزن وهو والده.

ووردت أيضا من حديث جابر.

أخرجه الحاكم أيضا وصححه ووافقه الذهبي.

وفيه الزيادة الرابعة وهي عند ابن جرير مرسلا عن مجاهد وعن عمرو بن دينار.

وعن علي رضى الله عنه قال: " سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت: تستغتر لأبوبك وهما مشركان!؟ تج فقال: [أليس قد استغفر إبراهيم وهو مشرك؟ قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم!؟ فنزلت: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ (1) لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 113، 114]. أخرجه النسائي (11/ 28) والترمذي (4/ 120) وحسنه ابن جرير (11/ 28)، والحاكم (2/ 335) وأحمد (771، 1085) والسياق له وإسناده حسن " وقال الحاكم " صحيح الاسناد "، ووافقه الذهبي (2).

(1) قلت: وهذا الاستغفار إنما هو ما حكاه الله تعالى في أواخر سورة إبراهيم عنه: (ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب)، وقد ذكر المفسرون أن هذا الدعاء منه بعد وفاة أبيه وبعد هجرته إلى مكة كي يشهد بذلك سياق الآيات التي وردت في اخرها الآية المذكورة، وعلى ذلك فيبني أن يكون التبين المذكور في آية الاستغفار إنما كان بعد وفاة أبيه أيضا وكان ذلك بإعلام الله تعالى إياه وقد أخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح كما قال السيوطي في " الفتاوى " (2/ 419) عن ابن عباس قال: ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات فلما مات تبين له أنه عدو الله فلم يستغفر له ".

(2)

في هذا الحديث أن سبب نزول الآية غير السبب المذكور في الحديث الذي قبله، ولا تعارض بينهما لجواز تعدد سبب النزول كما وقع ذلك في غير آية، وقد أيد هذا الحافظ في " الفتح "(8/ 412).

ص: 96

قال النووي رحمه الله تعالى في " المجموع "(5/ 144، 258): " الصلاة على الكافر، والدعاء له بالمغفرة حرام، بنص القرآن والاجماع "(1).

61 -

وتجب الجماعة في صلاة الجنارة كما تجب في الصلوات المكتوبة، بدليلين:

الأول: مداومة النبي صلى الله عليه وسلم عليها.

الآخر: قوله صلى الله عليه وسلم: " صلوا كما رأيتموتي أصلي ".

أخرجه البخاري.

ولا يعكر على ما ذكرنا صلاة الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم فرادى لم يؤمهم أحد، لأنها قضية خاصة، لا يدرى وجهها، فلا يجوز من أجلها أن نترك ما واضب عليه صلى الله عليه وسلم طيلة حياته المباركة، لا سيما والقضية المذكورة لم ترد بإسناد صحيح تقوم به الحجة، وإن كانت رويت من طرق يقوي بعضها (2) فإن أمكن الجمع بينها وبين ما ذكرنا من هديه صلى الله عليه وسلم في التجميع في الجنازة فبها، وإلا فهديه هو المقدم " لأنه أثبت وأهدى.

(1) قلت: ومن ذلك تعلم خطأ بعض المسلمين اليوم من الترحم والترضي على بعض الكفار ويكثر ذلك من بعض أصحاب الجرائد والمجلات، ولقد سمعت أحد رؤساء العرب المعروفين بالتدين يترحم على (ستالين) الشيوعي الذي هو ومذهبه من أشد والد الاعداء على الدين! وذك في كلمة ألقاها الرئيس المشار إليه بمناسبة وفاة المذكور، أذيعت بالراديو! ولا عجب من هذا هذا فقد يخفى على مثل هذا الحكم، ولكن العحب من بعض الدعاة الاسلامين أن في مثل ذلك حيث قال في رسالة له: " رحم الله برناردشو

".

وأخبرني بعض الثقات عن أحد المشايخ أنه كان يصلي على من مات من الاسماعيلية مع اعتقاده أنهم غير مسلمين لأنهم لا يرون الصلاة ولا الحج ويبدون البشر! ومع ذلك يصلي عليم نفاقا ومداهنة لهم. فإلى الله المشتكي وهو المستعان.

(2)

أخرح البيهقي في سننه (4/ 30) منها حديثين، وأحدهما عن أبن ماجه (1/ 498، 500)، وروى أحمد (5/ 81) حديثا ثالثا وسكت عليه الحافظ في " التلخيص "(5/ 187)، ورجاله ثقات رجال مسلم غير أبي عسيم، قال البغوي:" لا أدري له صحبة أم لا "، وفي الباب أحاديث إخرى، أخرجها الحاظ في الباب المذكور ثم قال: " قال ابن دحية: الصحيح أن المسلمين صلوا عليه أفرادا، لا يؤمهم أحد، وبه جزم الشافعي، قال: وذلك لعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي - وتنافسهم في أن لا يتولى الامامة في الصلاة عليه واحد والله أعلم.

ص: 97

فإن صلوا عليها فرادى سقط الفرض، وأثموا بترك الجماعة، والله أعلم (1)

62 -

وأقل ما ورد في انعقاد الجماعة فيها ثلاثة، ففي حديث عبد الله بن أبي طلحة:" أن طلحة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمير بن أبي طلحة حين توفي فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه في منزلهم، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو طلحة وراء وأم سليم وراء أبي طلحة، ولم يكن معهم غيرهم ".

أخرجه الحاكم (1/ 365) وعنه البيهقي (4/ 30: 31) وقال الحاكم: " " هذا صحيح على شرط الشيخين، وسنة غريبة في إباحة صلاة النساء على الجنائز " ووافقه الذهبي.

وأقول: إنما هو على شرط مسلم وحده لأن فيه عمارة بن غزية.

ولم يخرج له البخاري إلا تعليقا.

والحديث قال الهيثمي في " المجمع "(3/ 34)" رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله رجال الصحيح ".

وله شاهد من حديث أنس بمعناه.

أخرجه الامام أحمد (2/ 217).

63 -

وكلما كثر الجمع كان أفضل للميت وأنفع لقوله صلى الله عليه وسلم:

" مامن ميت تصلي عليه أمة من المسلمين في يبلغون مائة كلهم يشفعون له، إلا شفعوا فيه ".

وفي حديث آخر: " غفر له ".

أخرجه مسلم (3/ 53) والنسائي (1/ 281، 282) والترمذي وصححه (2/ 143، 144) والبيهقي (4/ 30) والطيالسي (1526) وأحمد (6/ 32، 40، 97، 231) من حديث عائشة باللفظ الأول.

(1) وقال النووي في " المجموع "(5/ 314):

" تجوز صلاة الجنازة فرادى بلا خلاف والسنة أن تصل جماعة للأحاديث المشهورة في الصحيح في ذلك مع إجماع المسلمين "

ص: 98

ومسلم والنسائي والبيهقي وأحمد (3/ 266) من حديث أنس، وابن ماجه (1/ 453) من حديث أبي هريرة باللفظ الآخر، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

وقد يغفر للميت ولو كان العدد أقل من مائة إذا كانوا مسلمين لم يخالط توحيدهم شئ من الشرك لقوله: " مامن رجل مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلا، لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه ".

أخرجه مسلم وأبو داود (2/ 64) وابن ماجه والبيهقي وأحمد (2509) من حديث ابن عباس.

ررواه النسائي وأحمد (6/ 331، 334) من حديث ميمونة زوج النبي مختصرا وسنده حسن.

65 -

ويستحب أن يصفوا وراء الامام ثلاثة صفوف (1) فصاعدا لحديثين رويا في ذلك:

الأول: عن أبي أمامة قال:

" صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة ومعه سبعة نفر فجعل ثلاثة صفا، واثنين صفا واثنين صفا ".

رواه الطبراني في (1)" الكبير "، قال الهيثمي في " المجمع "(3/ 432)" وفيه ابن لهيعة " وفيه كلام ".

قلت: وذلك من قبل حفظه لاتهمة له في نفسه، فحديثه في الشواهد لا بأس به، ولذلك أوردته مستشهدا به على الحديث الاتي، وهو:

الثاني: عن مالك بن هبيرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1) قال الشوكاني (4 - 47):

" وأقل ما يسمى صفا رجلان، ولاحد لأكثره "

ص: 99

" ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسامير إلا أوجب (وفي لفظ: إلا غفر له) ".

قال: (يعني مرثد بن عبد الله اليزني): " فكان مالك إذا استقل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة صفوف للحديث ".

أخرجه أبو داود (2/ 63) والسياق له " والترمذي (2/ 143) وابن ماجه (1/ 454) والحاكم (1/ 362، 363) والبيهقي (4/ 30) وأحمد (4/ 79) واللفظ الاخر له وكذا في رواية للبيهقي والحاكم وقال: " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي! وقال الترمذي وتبعه النووي في " المجموع " (5/ 212): " حديث حسن " وأقره إلحافظ في " الفتح " (3/ 145)، وفيه عندهم جميعا محمد بن اسحاق وهو حسن الحديث إذا صرح بالتحديث ولكنه هنا قد عنعن.

فلا أدري وجه تحسينهم للحديث فكيف التصحيح!؟

65 -

وإذا لم يوجد مع الامام غير رجل واحد، فإنه لا يقف حذاءه كما هو النسة في سائر الصلوات بل يقف خلف الامام، للحديث المتقدم في المسأله (33)، وفيه:" فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو طلحة وراءه وأم سليم وراء أبي طلحة ولم يكن معهم غيرهم ".

66 -

والوالي أو نائبة احق بالامامة فيها من الولي لحديث أبي حازم قال: " إني الشاهد يوم مات الحسن بن علي.

فرأيت الحسين بن علي يقول إني لسعيد بن العاص - يطعن في عنقه ويقول: - تقدم فلولا أنها سنة ما قدمتك " (وسعيد أمير على المدينة يومئذ) (1) وكان بينهم شئ ".

(1) له رؤية، قبض النبي صلى الله عليه وسلم وله تسع سنين، وكان حليما وقورا، ومن أشراف قريش وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان، وكان استعمله على الكوفة، وغزا بالناس طبرستان وأستعمله معاوية على المدينة، مات في قصره بالعرصة على ثلاثة أميال من المدينة سنة (58)، ودفن بالبقيع.

ص: 100

أخرجه الحاكم (3/ 171) والبيهقي (4/ 28) وزاد في آخره: " فقال أبو هريرة أتنفسون على ابن نبيكم بتربة تدفنونه فيها وقد سمعت رسول الله يقول: من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني،.

وأخرجه أحمد أيضا (2/ 531) بهذه الزيادة، ولكنه لم يسق قصة تقديم سعيد للصلاة، وإنما أشار إليها بقوله:" فذكر القصة ".

ثم قال الحاكم: " صحيح الاسناد "، ووافقه الذهبي.

والحديث أورده الهيثمي في " المجمع "(3/ 31) بتمامه مع الزيادة ثم قال: " رواه الطبراني في (الكبير) والبزار ورجاله موثقون ".

وعزاه الحافظ في " التلخيص "(5/ 275) إليهما مقرونا مع البيهقي وقال:

" فيه سالم بن أبي حفصة ضعيف، لكن رواه النسائي وابي ماجه من وجه آخر عن أبي حازم بنحوه، وقال ابن المنذر في " الأوسط ".

ليس في الباب أعلى منه، لأن جنازة الحسن حضرها جماعة كثيرة من الصحابة وغيرهم ".

قلت: هذا كلام الحافظ وفي بعضه نظر تراه في الحاشية. (1)

(1) وذلك من وجهين:

الأول: إطلاقه الضعف على ابن أبي حفصة ينافي ماقاله في ترجمته من " التقريب ": " صدوق، إلا أنه شيعي غال ".

قلت: فإذا كان صدوقا فحديثه حسن على أقل الدرجات، ولا يضره أنه شيعي كما تقرر في علم المصطلح ويقوي حديثه هذا أن البيهقي أخرجه في رواية له من طريق اسماعيل بن رجاء الزبيدي قال: أخبرني من شهد الحسين بن علي حين مات

فذكر الحديث باختصار، وفي قول الحسين لسعيد:" تقدم فلولا أنها سنة ما قدمتك "، واسماعيل هذا ثقة، وقد تابع ابن أبي حفضة، فهي متابعة قوية، وإن لم يسم فيها من شاهد القصة، فقد سماه سالم كما رأيت وغيره أيضا كما يشير إلى ذك قول الحافظ " لكن رواه النسائي وابن ماجه

" لكن فيه ما يأتي وهو:

الثاني: أنني لم أقف على الحديث في " الجنائز " سنن النسائي وابن ماجه، ولم يورده النابلسي في " الذخائر " في مسند الحسين ولا في مسند أبي حازم. والله أعلم. =

ص: 101

67 -

فإن لم يحضر الوالي أو نائبه، فالأحوط بالامامة أقررهم لكتاب الله، ثم على الترتيب الذي ورد ذكره في قوله صلى الله عليه وسلم:

" يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة: فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم سلما فإن كانوا في الهجرة سواء سواء فأقدمهم سلما لا يؤمن الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه ".

أخرجه مسلم (2/ 133) وغيره من أصحاب السنن والمسانيد من حديث أبي مسعود البدري الانصاري، وقد خرجه في " صحيح أبي داود "(رقم 594، 598).

ويؤمهم الأقرأ ولو كان غلاما لم يبلغ الحلم لحديث عمرو بن سلمة:

" أنهم (يعني قومه) وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أرادوا أن ينصرفوا قالوا: يارسول الله من يؤمنا؟ قال: أكثركم جمعا للقرآن أو أخذا للقرآن، فلم يكن أحد من القوم

= وقد أورد ابن حزم في " المحلى "(5/ 441) هذه القصة بصيغة الجزم يضعفها مع أنه لم يأخذ بمادنت عليه من الحكم فقال؟ " قلنا: لم ندع لكم إجماعا فتعارضونا بهذا، ولكن إذا تنازع الامة وجب الرد إلى القرآن والسنة، وفي القرآن والسنة ما أوردنا ".

قلت: وكأن ابن حزم رحمه الله لا يرى أن قول الصحابي " السنة كذا " في حكم المرفوع، وهذا خلاف المتقرر في الأصولين أن ذك في حكم المرفوع، وهو الصواب إن شاء الله. وسيأتي زيادة بيان لهذا في المسألة (73).

وأما ما أشار إليه ابن حزم من القرآن والسنة " فيعني قوله تعالى (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الاتي في المسألة التالية " ولا يؤمن الرجل في أهله " كما في رواية به ابن حزم على أن الأحق بالصلاة على الميت الأولياء، ولا يخفى أنه استدلال بالعموم، ودلينا وهو حديث الحسين رضي الله عنه خاص، وهو مقدم كما هو مقرر في الأصول، ولذلك ذهب إلى ما ذكرنا جمهور العلماء كأبي حنيفة ومالك وأحمد وأسحاق وابن المنذر والشافعي في قوله القديم كما في " المجموع " (5/ 217).

ثم استدركت فقلت: إن الحديث لا عموم له فيما نحن فيه، لأن معناه: لا يصلين أحد إماما بصاحب البيت في بيته، وهذا بين من مجموع روايات الحديث، ففي رواية لمسلم:" ولا يؤمن الرجل في أهله " وفي أخرى له " ولا تؤمن الرجل في أهله ولا في سلطانه " فهذا حجة على أبن حزم لان الظاهر أيضا أن المراد به السلطان الذي إليه ولاية أمور الناس. والظاهر أيضا أنه مقدم على غيره ولو كان أكثر منه قرآنا. انظر الشوكاني (3/ 134).

ص: 102

جمع ما جمعت، فقدموني وأنا غلام، وعلى شملة لي.

قال: فما شهدت مجمعا من جرم إلا كنت إمامهم، وكنت أصلي على جنائزهم إلى يومنا هذا ".

أخرجه أبو داود والبيهقي بإسناد صحيح، وأصله في البخاري ولكن ليس فيه موضع الشاهد، وهو رواية لأبي داود، وقد خرجته في " صحيح أبي داود " رقم (599 و 602)

68 -

وإذا اجتمعت جنائز عديدة من الرجال والنساء، صلي عليها صلاة واحدة، وجعلت الذكور - ولو كانوا صغارا - مما يلي الامام، وجنائز الاناث مما يلي القبلة، وفي ذلك أحاديث:

الأول: عن نافع عن ابن عمر: " أنه صلى (1) على تسع جنائز جميعا، فجعل الرجال يلون الامام والنساء يلين القبلة، فصفهن صفا واحدا ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر بن الخطاب وابن لها يقال له: زيد، وضعا جميعا، والامام يومئذ سعيد بن العاص، وفي الناس ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة، فوضع الغلام مما يلي الامام " فقال رجل: فأنكرت ذلك، فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة، فقلت: ما هذا قالوا: هي السنة ".

أخرجه النسائي (1/ 280) وابن الجارود في " المنتقى "(267، 268) والدارقطني (194) والبيهقي (4/ 33).

قلت: وإسناد النسائي وابن الجارود صحيح على شرط الشيخين، واقتصر الحافظ في " التلخيص " (5/ 276) عاى عزوه لابن الجارود وحده وقال:

(1) قلت: يعني إماما كما " يدل عليه السياق، وصرح بذلك البيهقي في رواية له في الحديث الاتي بعده كما سنذكر هناك. ولا يعارض هذا قوله فيما بعد: " والامام يومئذ سعيد بن العاص " لان المراد أنه كان هو الامير

قال الحافظ:

" يحمل أن ابن عمر أم بهم حقيقة بإذن سعيد بن العاص، ويحمل قوله " أن الامام كان سعيد بن العاص " يعني الأمير جمعا بين الروايتين.

ص: 103

(وإسناده صحيح). وأما النووي فقال (5/ 224):

" رواه البيهقي بإسناد حسن "!

الثاني: عن عمار مولى الحارث بن نوفل " أنه شهد جنازة أم كلثوم وابنها، فجعل الغلام مما يلى الامام [ووضعت المرأة وراءه، فصلى عليها]، فانكرت ذلك، وفي القوم ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو قتادة وأبو هريرة، [فسألتهم عن ذلك]، فقالوا، هذه السنة ".

أخرجه أبو داود (2/ 66) والسياق له، ومن طريقه البيهقي (4/ 33)(والنسائي (1/ 280) والزيادتان له وإسناده صحيح على شرط مسلم، وقال النووي (5/ 224):" وإسناده صحيح، وعمار هذا تابعي مولى لبني هاشم، واتفقوا على توثيقه ".

وقال البيهقي: " ورواه حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار دون كيفية الوضع بنحوه، وذكر أن الامام كان ابن عمر.

قال: وكان في القوم الحسن والحسين وأبو هريرة، ونحو من ثمانين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.

ورواه الشعبي فذكر كيفية الوضع بنحوه، وذكر أن الامام كان ابن عمر، ولم يذكر السؤال، قال: وخلفه ابن الحنفية والحسين وابن عباس، وفي رواية: عبد الله بن جعفر).

69 -

ويجوز أن يصلى على كل واحدة من الجنائز صلاة، لأنه الأصل، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في شهداء أحد، وفي ذلك حديثان:

الأول: عن عبد الله بن الزبير، وتقدم في المسألة (59)، الحديث (2) ص 82

الثاني: عن ابن عباس قال: " لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة أمر به فهيئ إلى القبلة، ثم كبر عليه تسعا، ثم جمع إليه الشهداء، كلما أتي بشهيد وضع إلى حمزة، فصلى عليه، وعلى الشهداء معه حتى صلى عليه، وعلى الشهداء اثنين وسبعين صلاة ".

ص: 104

أخرجه الطبراني في معجمه الكببر) (3/ 107، 108) من طريق محمد بن اسحاق حدثني.

محمد بن كعب القرظي والحكم بن عتيبة عن مقسم ومجاهد عنه.

قلت: وهذا سند جيد، رجاله كلهم ثقات،.

وقد صرح فيه محمد بن اسحاق بالتحديث، فزالت شبهة تدليسه.

ويبدو أن الامام السهيلي والحافظ ابن حجر لم يقفا على هذا الاسناد، فقد قال الحافظ في " التلخيص "(5/ 153، 154): " وفي الباب أيضا حديث ابن عباس، رواه ابن اسحاق قال: حدثني من لا أتهم عن مقسم مولى ابن عباس عن ابن عباس .. (قلت: فذكر الحديث نحوه إلا أنه قال: " سبعا " بدل " تسعا "، ثم قال:) قال السهيلي: إن كان الذي أبهمه ابن اسحاق هو الحسن بن عمارة، فهو ضعيف، وإلا فمجهول لاحجة فيه. انتهى.

قلت: والحامل للسهيلي على ذلك، ما وقع في مقدمة " مسلم " عن شعبة أن الحسن ابن عمارة حدثه عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد " فسألت الحكم؟ فقال لم يصل عليهم " انتهى.

لكن حديث ابن عباس روي من طرق أخرى .. ".

قلت: ثم ذكر بعضها، وليس منها طريق الطبراني هذه، وهي تدل على أن المبهم في تلك الرواية ليس مجهولا ولا ضعيفا، بل هو ثقة معروف، وهو محمد بن كعب القرظي أو الحكم بن عتيبة، أو كلاهما معا، ولا يخدع على هذا قول الحكم في رواية مسلم " لم يصل عليهم " لجواز أن الحكم نسي " ماكان حدث به كما وقع مثله لغيره في غير ما حديث، ولو سلمنا جدلا أن إنكار الحكم لحديثه يقدح في صحته عنه، فلا نسلم أن ذلك يقدح في صحة الحديث نفسه مادام أنه رواه ثقة آخر هو القرظي، وهذا واضع إن شاء الله تعالى.

(1)

(1) قال النووي في " المجموع "(5 - 225).

واتفقوا على أن الأفضل أن يفرد كل واحد بصلاة، إلا صاحب " التتمة " فجزم بأن الأفضل أن يصلي عليم دفعة واحدة.

لأن فيه تعجيل الدفن وهو مأمور به.

والمذب الأول، لأنه أكثر عملا، وأرجى للقبول وليس هو تأخيرا كثيرا " والله أعلم.

ص: 105

71 -

وفي الصلاة على الجنازة في المسجد، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:" لما توفي سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يمروا بجنازته في المسجد فيصلين عليه ففعلوا، فوقف به على حجرهن يصلين عليه، أخرج به من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد، فبلغهن أن الناس عابوا ذلك، وقالوا: هذه بدعة،، ما كانت الجنائز يدخل بها إلى المسجد! فبلغ ذلك عائشة، فقالت: ما أسرع الناس إلى أن يعيشوا مالا علم لهم به، عابوا علينا أن يمر بجنازة في المسجد، [والله] ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء [وأخيه] إلا في جوف المسجد " أخرجه مسلم (3/ 63) من طريقين عنها وأصحاب السنن وغيرهم، وقد خرجته في " أحكام المساجد " من كتابي " الثمر المستطاب " والزيادات لمسلم إلا الأولى فهي للبيهقي (4/ 51).

72 -

لكن الأفضل الصلاة عليها خارج المسجد في مكان معد للصلاة على الجنائز كما كان الأمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الغالب على هديه فيها " وفي ذلك أحاديث:

الأول: عن ابن عمر رضي الله عنه:

" أن اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم برجل منهم، وإمرأة زنيا، فأمر بهما فرجما، قريبا من موضع الجنائز عند المسجد "(1) أخرجه البخاري (3/ 155)" وترجم له، وللحديث الرابع الآتي ب " باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد ".

الثاني: عن جابر قال: " مات رجل منا، فغسلناه .. ووضعناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل، ثم آذنا رسول الله بالصلاة عليه فجاء معنا

فصلى عليه .. "

قال الحافظ في الفتح:

" إن مصلى الجنائز كان لاصقا بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم من ناحية المشرق ". وقال في موضع آخر (12 - 108)" والمصلى المكان الذي كان يصلى عنده العيد والجنائز وهو من ناحية بقيع الغرقد "

_________

ص: 106

أخرجه الحاكم وغيره، وتقدم بتمامه في المسألة (17) الحديث الثالث من الفقرة (ز)، (ص 16) وفي الباب عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال حديثه في المسألة (59) الحديث (4) من (السادس)، (ص 89).

الثالث: عن محمد بن عبد الله بن جحش، قال:" كنا جلوس بفناء المسجد حيث توضع الجنائز ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين ظهرانينا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره إلى السماء .. أخرجه أحمد (5/ 289) والحاكم (2/ 24) وقال: " صحيح الاسناد ".

ووافقه الذهبي في " تلخيصه " وأقره المنذري في " ترغيبه "(3/ 34)، وفيه أبو كثير مولى محمد بن جحش، أورده ابن أبي حاتم (4/ 2 / 429 430) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وكذلك قال الهيثمي في " المجمع " (4/ 127):" مستور " ولم يورده ابن حبان في " الثقات " ومع ذلك فقد قال فيه الحافظ في " التقريب "" ثقة "! وذكر في " التهذيب " انه روى عنه جماعة من الثقات وأنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فمثله، " حسن الحديث إن شاء الله تعالى، لاسيما في الشواهد

الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه:.

" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، خرج إلى المصلى، فصف بهم وكبر أربعا " .. أخرجه الشيخان وغيرهما بألفاظ وزيادات كثيرة وقد تقدم.

ذكرها مجموعة في سياق وأحد مع زيادات أخرى في أحاديث، جماعة آخرين من الصحابة، وقد بينت ذلك في المسألة (59) الحديث السابع، (ص 89 - 90)

والحديث ترجم له البخاري بما دل عليه من الصلاة في المصلى كما سبق ذكره في الحديث الأول.

(1) قلت: ومن الغرائب موقف الحافظ البيهقي من هذه السنة أعني الصلاة على الجنازة في المصلى، فإنه لم يعقد لها في كتابه الكبير " السنن الكبرى " بابا خاصا مع كثرة الاحاديث الواردة فيه كما رأيت، مع انه عقد =

ص: 107

72 -

ولا تجوز الصلاة عليها بين القبور، لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

" أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى على الجنائز بين القبور ".

أخرجه الأعرابي في " معجمه "(ق 235/ 1) والطبراني في " المعجم الأوسط "(1/ 80 / 2) ومن طريقه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة "(79/ 2 - مسند أنس) وقال الهيثمي في " المجمع "(3/ 36): " وإسناده حسن ".

قلت: وله طريق أخرى عن أنس، عند الضياء يتقوى الحديث بها.

وروى أبو بكر ابن أبي شيبة في " المصنف "(81 65/ 1 - الكواكب) وأبو بكر بن الأثرم كما في " الفتح الباري " للحافظ ابن رجب الحنبلي (65/ 81 / 1 - الكواكب) عن أنس: " كان يكره أن يبنى مسجدا بين القبور " .. ورجاله ثقات رجال الشيخين ويشهد للحديث ما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن اتخاذ القبور مساجد، وقد ذكرت ما ورد في ذلك في أول كتابي " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد " وسأذكر بعضها في المسألة (128 فقرة 9)

73 -

ويقف الامام وراء رأس الرجل، ووسط المرأة، وفيه حديثان:

الأول: عن أبي غالب الخياط قال:

= بابا مفردا للصلاة عليها في المسجد مع أنه ليس في الا حديث عائشة، ثم جرى عل سننه بعض الشافعية في مختصراتهم فأغفلوا الصلاة عليها في المصلى، كالنووي رحمه الله في " منهاج الطالبين " (ق 34 - 2) فقال:" وتجوز الصلاة عليه في المسجد "، ولو أنه أضاف إلى ذك نحو قوله " وتسن الصلاة عليها في المصلى " لأصاب، وقد عكس ذلك الباجوري في حاشية على ابن القاسم فقال:(1 - 424): " ويسن أن تكون الصلاة عليه بمسجد "! ثم لم يذكر الصلاة عليها في المصلى!! والحق ما ذكرنا من السنية مع القول بجواز الصلاة عليها في المسجد لحديث عائشة وحمله على أنه لامر عارض بعيد، لأنه لو كان كذلك لما خفي على السيدة عائشة ومن ممها من أمهات المؤمنين، ولما طلبن إدخال الجنازة إلى المسجد دون عذر. وهذا بين إن شاء الله تعالى.

ص: 108

" شهدت أنس بن مالك صلى على جنازة رجل، فقام عند رأسه، (وفي رواية: رأس السرير) فلما رفع، أتى بجنازة امرأة من قريش أو من الأنصار، فقيل له: يا أبا حمزة هذه جنازة فلانة ابنة فلان فصل عليها، فصلى عليها، فقام وسطها، (وفي رواية: عند عجيزتها، وعليها نعش أخضر) وفينا العلاء بن زياد العدوي (1)، فلما رأى اختلاف قيامه على الرجل والمرأة قال: يا أبا حمزة هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم حيث قمت، ومن المرأة حيث قمت قال: نعم، قال: فالتفت إلينا العلاء فقال: احفظوا) أخرجه أبو داود (2/ 66، 67) والترمذي (2/ 146) وحسنه.

وابن ماجه والطحاوي (1/ 283) والبيهقي (4/ 32) والطيالسي (رقم 2149) وأحمد (3/ 118، 204) والسياق له، أخرجوه كلهم من طريق همام بن يحيى عن أبي غالب، غير أبي داود، فأخرجه من طريق عبد الوارث - وهو ابن سعيد - عنه، وكذا أخرجه الطحاوي في رواية له مختصرا.

وإسناده من الطريقين صحيح، رجالهما رجال الصحيحين غير أبي طالب وهو ثقة كما في " التقريب " للحافظ ابن حجر، فالعجب منه كيف ذكر في شرح الحديث الآتي عن سمرة من " الفتح "(3/ 157) أن البخاري أشار إلى تضعيف هذا الحديث، ثم سكت على ذلك ولم يتعقبه بشئ! والرواية الثانية للطيالسي والبيهقي من طريق أحمد.

والرواية الثالثة لأبي داود، وهي عند المذكورين بنحوها دون لفظ " أخضر "(2)

(1) كتبه أبو نصر. وهو من ثقات التابعين، وكان من عباد أهل البصرة وقرائهم مات سنة أربع وتسعين (2) قلت: وعند أبي داود زيادة أخرى لا بد من ذكرها وبيان حالها وهي: " قال أبو غالب: فسألت عن صنيع في قيامه على المرأة عند عجيزتها.

فحدثوني أنه إنما كان لأنه لم تكن النعوش، فكان يقوم الامام حيال عجيزتها يسترها من القوم ".

فهذا للتعليل مردود من وجوه:

الأول: أنه صادر من مجهول، وما كان كذلك فلا قيمة له.

الثاني: أنه خلاف ما فعله راوي الحديث نفسه وهو أنس رضي الله عنه، فإنه وقف وسطها مع كونها في النعش، ودل ذلك على بطلان ذلك التعليل. ويؤيده الوجه الاتي وهو: =

ص: 109

الثاني: عن سمرة بن جندب قال: " صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وصلى على أم كعب ماتت وهي نفساء، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليها وسطها ".

أخرجه البخاري (6/ 153 - 157) ومسلم (3/ 60) والسياق له وأبو داود (2/ 67) والنسائي (1/ 280) والترمذي (2/ 147) وصححه، وابن ماجه (1/ 455) وابن الجارود (267) والطحاوي (1/ 280) والبيهقي (4/ 34) والطيالسي (902) وأحمد (5/ 1914) والحديث واضح الدلالة على السنة أن يقف الامام حذاء وسط المرأة وهو بمعنى حديث أنس:" عند عجيزتها ".

بل هذا مما يزيده وضوحا فإنه أصرح في الدلالة على المراد من حديث سمرة.

= الثالث: أنه خلاف ما فهمه الحاضرون لصلاة أنس، ومنهم العلاء بن زياد العدوي، فإنه لما استفهم من أنس هذه السنة التفت إلى أصحابه وقال لهم:" احفطوا " فلو كانت معللة بتلك العلة التي تعود السنة بالابطال لما اهتم العلاء بها هذا الاهتمام البالغ - وأمر أصحابه بحفظها، وهذا ظاهر والحمد لله.

ولذك لم يلتفت جمهور العلماء إلى هذا التأويل، فذهبوا إلى ما دل عليه الحديث من الوقوف عند رأس الرجل، ووسط المرأة. ومنهم الامام الشافعي وأحمد وأسحاق كما في " المجموع " (5/ 225) قال الشوكاني (4 - 57):" وهو الحق ".

قلت: واختاره بعض الحنفية، بل هو قول لأبى حنيفة نفسه كما في " الهداية "(1/ 462) وأبي يوسف أيضا كما في " شرح المعاني "(1/ 284) للامام الطحاوي ورجحه على قولهما الاخر وهو " يقوم من الرجل والمرأة بحذاء الصدر "! وهو قول الامام محمد أيضا وعليه الحنفية، واحتج لهم في " الهداية " بقوله " لأنه موضع القلب، وفيه نور الأيمان، فيكون القيام عنده إشارة إلى الشفاعة لايمانه " ثم ذكر قول أبي حنيفة الأول وأنه احتج بقول أنس " هو السنة " فأجاب عنه صاحب " الهداية " بقوله: " قلنا تأويله: إن جنازتها لم تكن منعوشة فحال بينها وبينهم ".

قلت: قد عرفت مما سبق بطلان هذا التأويل، ثم لو سلم لهم " فما هي حجتهم في مخالفتهم الحديث في شطره الأول وهو الوقوف حذاء رأس الرجل، فقالوا هم: بل يقف حذاءه وليت شعري ما الذي يحملهم على الجهر بمخالفة السنة بمثل هذه التعليلات الباطلة وقولهم: " لانه موضع القلب .. ائتهم قالوا بها في قول لهم، أفلا اخذوا به كما فعل الطحاوي رحمه الله فيكونون اصابوا السنة واخذوا بقول الائمة في آن واحد ومع هذه المخالفة الصريحة لهذه السنة وغيرها مما ياتي التشبيه عليه ينسبون من يتمهم بانهم يقدمون الرأي على السنة إلى التعصب عليه!

ص: 110

74 -

ويكبر عليها أربعا أو خمسا، إلى تسع تكبيرات، كل ذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فأيها فعل أجزأه، والأولى التنويع، فيفعل هذا تارة، وهذا تارة، كما هو الشأن في أمثاله مثل أدعية الاستفتاح وصيغ التشهد والصلوات الابراهيمية ونحوها، وإن كان لابد من التزام نوع واحد منها فهو الاربع لان الاحاديث فهيا أكثر، وإليك بيان ذلك:

أ - أما الأربع ففيها أحاديث عن جماعة من الصحابة

الأول: عن أبي هريرة، وقد مضى حديثه في المسألة (59)(السابع) في الصلاة على النجاشي وأنه صلى الله عليه وسلم كبر عليه أربعاً (ص 89)

الثاني: عن ابن عباس، ومضى في المسألة المشار إليها في حديث الصلاة على الرجل الذي دفن ليلا.

في (السادس)، الحديث (1 - )(ص 87)

الثالث: عن يزيد بن ثابت في صلاته صلى الله عليه وسلم على مولاة لبني فلان في قبرها وهو في المكان المشار إليه بعد حديث ابن عباس بحديث.

الرابع: عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته صلى الله عليه وسلم على المرأة المسكينة في قبرها، وحديثها مذكور عقب حديث يزيد بن ثابت المشار إليه آنفا.

الخامس: عن أبي أمامة (1) رضي الله عنه قال:

"السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة، ثم يكبر ثلاثا، والتسليم عند الاخرة ".

أخرجه النسائي (1/ 281) وعنه ابن حزم (5/ 129) بإسناد صحيح كما قال الحافظ في " الفتح "، وسبقه النووي في " المجموع " (5/ 33) وزاد:" علي شرط الشيخين ".

وأخرجه الطحاوي (1/ 288) بنحوه وزاد في آخر الحديث:

(1) ليس هو أبو أمامة الباهلي، الصحابي المشهور، بل هذا آخر معروف بكنيته أيضا واسمه أسعد وقيل سعد بن سعد بن حنيف الانصاري معدود في الصحابة، له رؤية ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، فالحديث من مراسيل الصحابة، وهي حجة.

ص: 111

قال الزهري: فذكرت الذي أخبرني أبو أمامة من ذلك لمحمد بن سويد الفهري، فقال: وأنا سمعت الضحاك بن قيس يحدث عن حبيب بن مسلمة (1) في الصلاة على الجنازة مثل الذي حدثك أبو أمامة ".

وإسنادها صحيح أيضا، وهي عند النسائي، ولكن لم يجاوز بها الضحاك بن قيس، وكذلك رواه الشافعي بزيادة في متنه كما يأتي في المسألة (79) ص (121، 122).

السادس: عن عبد الله بن أبي أوفى قال " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعا " أخرجه البيهقي (4/ 35) بسند صحيح في أثناء حديث يأتي بتمامه في المسألة

ب - وأما الخمس فلحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: " كان زيد بن أرقم يكبر على جنائزنا أربعا، وإنه كبر على جنازة خمسا، فسألته فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها، (فلا أتركها (لاحد بعده) أبدا) " أخرجه مسلم (3/ 56) وأبو داود (2/ 67، 68) والنسائي (1/ 281) والترمذي (2/ 140) وابن ماجه (1/ 458) والطحاوي (1/ 285) والبيهقي (4/ 36) والطيالسي (674) وأحمد (4/ 367، 368، 372) عنه.

ثم أخرجه الطحاوي والدارقطني (191، 192) وأحمد (4: 370) من طرق أخرى عنه به نحوه، والزيادة لهم والتي فيها للدار قطني، وقال الترمذي:" حديث حسن صحيح، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، رأوا التكبير على الجنازة خمسا، وقال أحمد واسحاق: إذا كبر الامام على الجنازة خمسا فإنه يتبع الامام ".

ج - وأما لست والسبع، ففيها بعض الاثار الموقوفة، ولكنها في حكم الاحاديث المرفوعة، لان بعض كبار الصحابة أتى بها على مشهد من الصحابة دون أن يعترض عليه أحد منهم.

(1) هو حبيب بن مسلمة بن مالك الفهري المكي، وكان يسمى حبيب الروم لكثرة دخوله عليهم مجاهدا مختلف في صحبته، قال الحافظ " والراجح ثبوتها لكنه كان صغيرا ".

ص: 112

الأول: عن عبد الله بن معقل:

" أن علي بن أبي طالب صلى على سهل بن حنيف، فكبر عليه ستا، ثم التفت إلينا، فقال: إنه بدري "، قال الشعبي:" وقدم علقمة من الشام فقال لابن مسعود: إن اخوانك بالشام يكبرون على جنائز هم خمسا، فلو وقتم لنا وقتا نتابعكم عليه، (1) فأطرق عبد الله ساعة ثم قال: انظروا جنائزكم فكبروا علهيا ماكبر أئمتكم، لا وقت ولا عدد ".

أخرجه ابن حزم في " المحلى "(5، 126) بهذا التمام، وقال:" وهذا إسناد غاية في الصحة ".

قلت: وقد أخرج منه قصة علي رضي الله عنه أبو داود في مسائله عن الامام أحمد (ص 152) والطحاوي (1/ 287) والحاكم (3/ 409) والبيهقي (4/ 36) وسندهم صحيح على شرط الشيخين، وهي عند البخاري في " المغزلي "(7/ 253) دون قوله " ستا .. " وقصة ابن مسعود أخرجها الطحاوي والبيهقي (4/ 37) نحوه.

الثاني: عن عبد خير قال: " كان علي رضي الله عنه يكبر على أهل بدر ستا، وعلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خمسا، وعلى سائر الناس أربعا ".

أخرجه الطحاوي والدارقطني (191) ومن طريقه البيهقي (4/ 37) وسنده صحيح رجاله ثقات كلهم.

الثالث: عن موسى بن عبد الله بن يزيد.

" أن عليا صلى على أبي قتادة فكبر عليه سبعا، وكان بدريا "

(1) أي حددتهم لنا عددا مخصوصا، كما يستفاد من " النهاية " وعليه فقوله في آخر الاثر " ولا عدد " تفسير وبيان لقوله " لا وقت ".

ص: 113

أخرجه الطحاوي والبيقهي (4/ 36) بسند صحيح على شرط مسلم - لكن أعله البيهقي بقوله: " إنه غلط، لان أبا قتادة رضي الله عنه بقي علي رضي الله عنه مدة طويلة ".

ورده الحافظ في " التلخيص "(1665) بقوله: " قلت: وهذه علة غير قادحة، لانه قد قيل: إن أبا قتادة مات في خلافه علي، وهذا هو الراجح وسبقه إلى هذا ابن التركماني في " الجوهر النقي " فراجعه (1).

د - وأما التسع، ففيه حديثان:

الأول: عن عبد الله بن الزبير: " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة فكبر عليه تسع تكبيرات .. "(2).

وقد مضى بتمامه وتخريجه في (الثاني) من المسألة (59)(ص 82).

الثاني: عن عبد الله بن عباس قال: " لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة

أمر به فهيى إلى القبلة، ثم كبر عليه تسعا

" وتقدم أيضا في المسألة (69) الحديث الثاني، (ص 104).

(1) قلت: فهذه آثار صحيحه عن الصحابة تدل على أن العمل بالخمس والست تكبيرات الستمر إلى ما بعد النبي صلى الله عليه وسلم خلافا لمن ادعى الاجماع على الاربع فقط، وقد حقق القول في بطلان هذه الدعوى ابن حزم في " المحل "(5/ 124 - 125).

(2)

وهذا العدد هو أكثر ما وقفنا عليه في التكبير على الجنازة، فيوقف عنده ولا يزاد عليه، وله أن ينقص منه إلى الاربع وهو أقل ما ورد.

قال ابن القيم في " زاد المعاد " بعد أن ذكر بعض ما أوردناه من الاثار والاخبار: " وهذه آثار صحيحة، فلا موجب للمنع منها، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع مما زاد على الاربع، بل فعله هو وأصحابه من بعده ".

قلت: وقد استدل المانعون من الزيادة على الاربع بأمرين:

ص: 114

75 -

ويشرع له أن يرفع يديه في التكبيرة الأولى، وفيه حديثان:

الأول: عن أبي هريرة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة، ووضع اليمنى على اليسري ".

= الأول: الاجماع، وقد تقدم بيان خطأ ذلك.

الثاني: ما جاء في بعض الاحاديث " كان آخر ما كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجنازة أربعا ".

والجواب: أنه حديث ضعيف، له طرق بعضا أشد ضعفا من بعض، فلا يصلح التمسك به لرد الثابت عنه صلى الله عليه وسلم بالاسانيد الصحيحة المستفيضة، قال الحافظ في " التلخيص " (5/ 167) ومن قبله الحازمي في " الاعتبار " (ص 95) والبيهقي في " السنن " (74/ 3):" روى من غير وجه كلها ضعيفة ".

وأما ما جاء في " المجمع "(3/ 35): " وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد فكبر تسعا تسعا، ثم سبعا سبعا، ثم أربعا أربعا حتى لحق بالله.

رواه الطبراني في الكبير والاوسط وإسناده حسن ".

فهو مردود من وجهين: الأول: أنه مخالف لقول الحافظ ابن حجر ومن قبله من الائمة الذين صرحوا بأن طرق الحديث كلها ضعيفة الثاني: أن الحديث أخرجه الطبري في " المعجم الكبير (3/ 120 / 2) وإسناده هكذا: حدثنا أحمد بن القاسم الطائي بشر بن الوليد الكندي ثنا أبو يوسف القاضي حدثني نافع بن عمر قال سمعت عطاء بن أبي رباح عن يحدث ابن عباس به.

قلت: وهذا إسنداد لا يحسن مثله فإن فيه ثلاث فيه ثلاث علل: الأولى: أبو يوسف القاضي وهو يعقوب بن إبراهيم ضعفه ابن المبارك وغيره ووصفه القلاس بأنه كثير الخطأ.

الثانية: ضعف بشير بن الوليد الكندي، فانه كان قد خوف.

الثالثة: المخالفة في سنده فقد أخرجه الطبراني (3/ 119 / 1) والحازمي في الاعتبار " (95) عن جماعة قالوا عن نافع أبي هرمز عن عطاء عن ابن عباس به إلى أن قال: " أهل بدر " بدل " بدل " فتلى أحده، وهكذا أورده الهيثمي وقال: " وفيه نافع أبو هرمز وهو ضعيف ".

قلت: بل هو ضعيف جدا، كذبه ان بن معين، وقال أبو حاتم:" متروك، ذاهب الحديث ".

قلت، فهو آفة الحديث، وهو الذي رواه عن عطاء، وما وقع في الطريق الأول أنه نافع بن عمر - وهو ثقة - وهم من بعض رواته والراجح أنه الكندي الذي كان خرف كما عرفت.

ص: 115

أخرجه الترمذي (2/ 165) والدارقطني (192) والبيهقي (284).

وأبو الشيخ في " طبقات الاصبهانيين "(ص 262) بسند ضعيف، لكن يشهد له الحديث الاتي وهو

الثاني: عن عبد الله بن عباس " أن رسول الله كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة، ثم لا يعود ".

أخرجه الدارقطني بسند رجاله ثقات غير الفضل بن السكن فإنه مجهول، وسكت عنه ابن التركماني في " الجوهر النقي " (4/ 44)! ثم قال الترمذي عقب الحديث الأول: هذا حديث غريب، واختلف أهل العلم في هذا، فرأى أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن يرفع الرجل يديه في كل تكبيرة، وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.

وقال بعض أهل العلم: لا يرفع يديه إلا في أول مرة، وهو قول الثوري وأهل الكوفة، وذكر عن ابن المبارك أنه قال في الصلاة على الجنازة: لا يقبض بيمينه على شماله، ورأي بعض أهل العلم أن يقبض على شماله كما يفعل في الصلاة ".

وفي المجموع " للنووي (5/ 232): " قال ابن المنذري في كتابه " الاشراف والاجماع ": أجمعوا على أنه يرفع في أول تكبيرة، واختلفوا في سائرها " (1).

(1) قلت: ولم نجد في السنة ما يدل على مشروعية الرفع في غير التكبيرة الأولى، فلا نرى مشرعية ذلك، وهو مذهب الحنفية وغيرهم، واختاره الشوكاني وغيره من المحققين، وإليه ذهب ابن حزم فقال:(5/ 128): " وأما رفع الأيدي فإنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع في شئ من تكبيرة الجنازة إلا في أول تكبيرة فقط، فلا يجوز فعل ذلك، لانه عمل في الصلاة لم يأت به نص، وإنما جاء عنه عليه السلام أنه كبر ورفع يديه في كل خفض، ورفع، وليس فيها رفع وخفض، والعجب من قول أبي حنيفة برفع الايدي في كل تكبيرة في صلاة الجنازة، ولم يأت قط عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنعه من رفع الايدي في كل خفض ورفع في سائر الصلوات، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ".

قلت: وما عزاه إلى أبي حنيفة روى في كتب الشراح من الحنفية، فلا تغير بما جاء في الحاشية على " نصب الراية (2/ 285) من التعجب من هذا .. العزو وهو اختيار كثير من أئمة بلخ منهم كما في " المبسوط " للسرخسي (2/ 64)، لكن العمل عند الحنفية على خلاف ذلك، وهو الذي جزم به السرخسي، ولكنهم يرون =

ص: 116

76 -

ثم يضع يده اليمني على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد، ثم يشد بينهما على صدره، وفي ذلك أحاديث لابد أن أذكر بعضها: الأول: عن أبي هريرة مرفوعا في حديثه المتقدم آنفا: "

ووضع اليمني على اليسري ".

وهو وإن كان ضعيف الاسناد، فإن معناه صحيح بشهادة الاحاديث الاتية فإنها بإطلاقها تشمل صلاة الجنازة كما تشمل كل ما سوى المكتوبات من الصلوات كالاستسقاء والكسوف وغيرها.

الثاني: عن سهل بن سعد قال: " كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد على ذراعة اليسري في الصلاة " أخرجه مالك في " الموطأ "(1/ 174) ومن طريقه البخاري (2/ 178) والسياق له، وكذا الامام محمد في " الموطأ "(156) وأحمد (5/ 336) والبيهقي (2/ 28).

الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنا معشر الانبياء أمرنا بتعجيل فطرنا، وتأخير سحورنا، وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة ".

أخرجه ابن حبان في " صحيحه "(885 - موارد) والطبراني في " الكبير " وفي " الاوسط "(1/ 10 - 1) ومن طريقهما الضياء المقدسي في " المختارة "(63/ 10 / 2). (1/ 174).

وله طريق أخرى عن ابن عباس.

= رفع الايدي في تكبيرات الزوائد في صلاة العيدين مع أنها لا أصل لها أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم! وانظر " المحلى "(5/ 83).

نعم روى البيهقي (4/ 44) بسند صحيح عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه على كل تكبيرة من تكبيرات الجنازة. فمن كان يظن أنه لا يفعل ذلك إلا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، فله أن يرفع، وقد ذكر السرخسي عن ابن عمر خلاف هذا، وذلك مما لا نعرف له أصلا له أصلا في كتب الحديث.

ص: 117

أخرجه الطبراني في " الكبير " والضياء المقدسي بسند صحيح، وله شواهد ذكركتها في تخريج كتابنا " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ".

الرابع: عن طاووس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع اليمني على يده اليسري، ثم يشد بهما على صدره وهو في الصلاة ".

أخرجه أبو داود (1/ 121) بسند جيد عنه.

وهو وإن كان مرسلا فهو حجة عند الجميع، أما من يحتج منهم بالمرسل إطلاقا فظاهر - وهم جمهور العلماء، وأما من لا يحتج به إلا إذا روى موصولا، أو كان له شواهد، فلان لهذا شاهدين:

الأول: عن وائل بن حجر:، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يضع يمينه على شماله ثم وضعهما على صدره ".

رواه ابن خزيمة في صحيحه كما في " نصب الراية "(1/ 314)، وأخرجه البيهقي في سننه (2/ 30) من طريقين عنه يقوي أحدهما الاخر.

الثاني: عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه وعن يساره، ورأيته - قال - يضع هذه على صدره، وصف يحيى (هو ابن سعيد) اليمني على اليسري فوق المفصل ".

أخرجه أحمد (5/ 226) بسند رجاله ثقات رجال مسلم غير قبيصة هذا، وقد وثقه العجلي وابن حبان، لكن لم يرو عنه، غير سماك بن حرب وقال ابن المديني والنسائي " مجهول " وفي " التقريب " أنه مقبول قلت: فمثله حديثه حسن في الشواهد، ولذلك قال الترمذي بعد أن خرج له من هذا الحديث أخذ الشمال باليمين:" حديث حسن ".

فهذه ثلاثة أحاديث في أن السنة الوضع على الصدر.

ولا يشك من وقف على مجموعها في أنها صالحة للاستدلال على ذلك.

ص: 118

وأما الوضع تحت السرة فضعيف اتفاقا كما قال النووي والزيلعي وغيرهما، وقد بينت ذلك في التخريج المشار إليه آنفا.

77 -

ثم يقرأ عقب التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب وسورة (1) لحديث طلحة بن عبد الله بن عوف قال:

صليت خلف ابن عباس رضي الله عنه على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب (وسورة، وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذت بيده، فسألته؟ ف) قال: (إنما جهرت) لتعلموا أنا سنة (وحق) ".

أخرجه البخاري (3/ 158) وأبو داود (2، 68) والنسائي (1/ 281) والترمذي (2/ 142) وابن الجارود في " المنتفى "(264) والدارقطني (191) والحاكم (1/ 358 - 386).

والسياق للبخاري، والزيادة الأولى للنسائي، وسندها صحيح، ولابن الجارود منها ذكر السورة، ولهما الثالثة بالسند الصحيح، وللحاكم الثانية من طريق أخرى عن ابن عباس بسند حسن.

وفي الباب عن جماعة من الصحابة، يأتي حديث أحدهم في المسألة التي بعد هذه ثم قال الترمذي عقب الحديث: " هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، يختارون أن يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم: لا يقرأ في الصلاة على الجنازة، إنما

(1) فيه إشارة إلى عدم مشروعية دعاء الاستفتاح، وهو مذهب الشافعية وغيرهم، وقال أبو داود في المسائل " (153).

" سمعت أحمد سئل عن الرجل يستفتح على الجنازة: سبحانك

! قال: ما سمعت ".

ص: 119

هو الثناء على الله: والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، والدعاء للميت، وهو قول الثوري وغيره من أهل الكوفة ". (1).

(1) قلت: وهذا الحديث وما في معناه حجة عليهم، لا يقال: ليس فيه التصريح بنسبة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم لاننا نقول: أن قول الصحابي من السنة كذا.

مسند مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم على

أصح الاقوال حتى عند الحنفية، بل قال النووي في، " المجموع " (5/ 232):" إنه المذهب الصحيح الذي قاله جمهور العلماء من أصحابنا في الاصول وغيرهم من الاصوليين والمحدثين ".

قلت وبهذا جزم المحقق ابن الهمام في " التحرير "، وقال شارحه ابن أمير حاج (2/ 224):" وهذا قول أصحابنا المتقدمين، وبه أخذ صاحب الميزان والشافعية وجمهور المحدثين ".

قلت: وعليه فمن العجائب أن لا يأخذ الحنفية بهذا الحديث مع صحته ومجيئه من غير ما وجه، ومع صلاحيته لاثبات السنة على طريقتهم وأصولهم! فقال الامام محمد في " الموطأ " (ص 175):" لا قراءة على الجنازة، وهو قول أبي حنيفة ".

ومثله في " المبسوط " للسرخسي (2/ 64).

ولما رأي بعض المتأخرين منهم بعد هذا القول عن الصواب، ومجافاته عن الحديث، قال بجواز قراءة الفاتحة بشرط أن ينوي بها الدعاء والثناء على الله! وإنما اشترطوا ذلك توفيقا منهم - بزعمهم - بين الحديث وقول إمامهم، فكأن قوله حديث آخر صحيح، ينبغي قرنه مع الحديث الصحيح ثم الجمع بينهما! ومع أن هذا الشرط باطل في نفسه لعدم وروده، فإنه يبطله ثبوت قراءة السورة مع الفاتحة في الحديث وهي مطلقة لا يمكن اشتراط ذلك الشرط فيها أيضا! وعندهم عجيبة أخرى! وهي قولهم " أن قراء سبحانك - بعد التكبيرة الأولى من سنن الصلاة على الجنازة "! مع أنه لا أصل لذلك في السنة كما تقدم التنبيه على ذلك في الحاشية (ص 119)، فقد جمعوا بين إثبات مالا أصل له في السنة وإنكار مشروعية ما ورد فيها!! فإن قلت: قد قال المحقق ابن الهمام في " فتح القدير "(1/ 459): " قالوا: لا يقرأ الفاتحة، إلا أن يقرأها بنية الثناء، ولم تثبت القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

فأقول: وهذا القول من مثل هذا المحقق أعجب من كل ما سبق، فإن ثبوت القراءة عنه صلى الله عليه وسلم مما لا يخفى على مثله مع وروده في " صحيح البخاري " وغيره مما سبق بيانه، ولذلك فإنه يغلب على الظن أنه يشير بذلك إلى أن الحديث لا ينهض دليلا على إثبات القراءة لقوله فيه " سنة " بناء على الخلاف الذي سبق أن ذكرناه، فإن كان الامبر كما فهذه عجبية أخرى، فإن مذهبه أو قول الصحابي سنة في حكم المسند المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما تقدم نقله من كتابه " التحير "، وقد جروا على ذلك في فروعهم، فخذ

مثلا على ذلك المسألة الاتية.

قال في " الهداية ".

" إذا حملوا الميت على السرير أخذوا بقوائمه الاربعة، بذلك وردت السنة، وقال الشافعي: السنة أن فقال ابن الهمام في صدد الرد على ما نسبوه إلى الشافعي: =

ص: 120

ثم إن الزيادة الأولى في الحديث قد رواها أبو يعلى ايضا في " مسنده " كما في " المجموع " للنووي (5/ 234) وقال: " إسناده صحيح ".

وأقره الحافظ في " التلخيص "(5/ 165).

واستدل النووي بهذه الزيادة على استحباب سورة قصيرة، وليس في الحديث ما يدل على كونها قصيرة، فلعل الدليل على ذلك ما تقدم من طلب الاستعجال بالجنازة إلى قبرها، والله أعلم.

78 -

ويقرأ سرا، لحديث أبي أمامة بن سهل قال: " السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة.

ثم يكبر ثلاثا، والتسليم عند الاخرة ".

أخرجه النسائي وغيره بسند صحيح كما تقدم في المسألة (74) الحديث الخامس من الفقرة (أ)، (111).

79 -

ثم يكبر التكبيرة، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، لحديث أبي أمامة المذكور أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:" أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الامام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات (الثلاث)، لا يقرأ في شئ منهم، ثم يسلم سرا في نفسه (حين ينصرف (عن يمينه)، والسنة أن يفعل من وراءه مثلما فعل إمامه) ".

= " قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما ذهبوا إليه ".

ثم ساق من طريق أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود قال: " من اتبع الجنازة فليأخذ بجوانب السرير كلها فإنه من السنة ".

رواه ابن ماجه (1/ 451) والبيهقي (194 - 20)، قال ابن همام:" فوجب الحكم بأن هذا هو السنة، وإن خلافه إن تحقق من بعض السلف فلعارض ".

فانظر كيف جعل قول ابن مسعود " من السنة " في حكم المرفوع، ولم يجعل قول ابن عباس كذلك! فهل مصدر هذا التناقض السهو أم التعصب للمذهب عفانا الله منه؟! وهذا على فرض صحة ذلك عن ابن مسعود، فكيف وهو غير صحيح، لانه منقطع، أبو عبيدة لم يدرك أباه كما في " الجوهر النقي " للتركماني الحنفي ولذلك أعرضت عن إيراد هذه السنة المزعومة في كتابنا هذا، كما أعرضنا عن مقابلها المنسوب للشافعي لعدم وروده.

ص: 121

أخرجه الشافعي في " الام (1/ 239 - 240) ومن طريقه البيهقي (4/ 39) وابن الجارود (265) عن الزهري عن أبي أمامة وقال الزهري في آخره: " حدثني محمد الفهري عن الضحاك بن قيس أنه قال مثل قول أبي أمامة ".

قال الشافعي رحمه الله: " وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولن بالسنة والحق إلا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى ".

وأخرجه الحاكم (1/ 360) وعنه البيهقي إلا أنه قال: " أخبرني رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ".

والباقي نحوه، وفيه الزيادتان.

وزاد في إسناده الثاني " حبيب بن مسلمة " كما تقدم في رواية الطحاوي في المسألة المشار إليه آنفا (74).

ثم زاد الحاكم: " قال الزهري: حدثني بذلك أبو أمامة وابن المسيب يسمع فلم ينكر ذلك عليه " وقال: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي وهو كما قالا.

وظاهر قوله بعد أن ذكر القراءة " ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم إنما تكون بعد التكبيرة الثانية لاقبلها، لانه لو كان قبلها لم تقع في التكبيرات بل قبلها، كما هو واضح، وبه قالت الحنفية والشافعية وغيرهم، خلافا لابن حزم (د / 129) والشوكاني (3/ 53).

وأما صيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الجنازة فلم أقف عليها في شئ من الاحاديث الصحيحة، (1) فالظاهر أن الجنازة ليس لها صيغة خاصة، بل يؤتى فيها بصيغة من الصيغ الثابتة في التشهد في المكتوبة (2).

(1) روى عن ابن مسعود صيغة قريبة من الصلاة الابراهيمية، لكن سندها ضعيف جدا، فلا يشتغل به، وقد ساقها السخاوي في " القول البديع " ص (153 - 154) وابن القيم في " جلاء الافهام "، وقال (255):" فالمستحب أن يصلي عليه صلى الله عليه وسلم في الجنازة كما يصلي عليه في التشهد لان النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك أصحابه لما سألوه عن كيفية الصلاة عليه ".

(2)

وهي سبع صيغ أوردتها في " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ".

وقد طبعه المكتب الاسلامي، الطبعة الثالثة وفيها زيادات هامة.

ثم طبع الطبعة الرابعة.

ص: 122

80 -

ثم يأتي ببقية التكبيرات، ويخلص الدعاء فيها للميت، لحديث أبي أمامة المتقدم انفا، وقوله صلى الله عليه وسلم:" إذا صليتم على الميت، فأخلصوا له الدعاء "(1) أخرجه أبو داود (2/ 68) وابن ماجه (1/ 456) وابن حبان في " صحيحه " و (754 - موارد) والبيهقي (4/ 40) من حديث أبي هريرة وصرح ابن اسحاق بالتحديث عند ابن حبان.

81 -

ويدعوا فيها بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: " اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت (وفي رواية: كما ينقي الثوب الابيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا (وفي رواية: زوجة) خيرا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، ومن عذاب النار، قال: فتمنيت أن أكون أنا ذلك الميت ".

أخرجه مسلم (3/ 59 - 60) والنسائي (1/ 271) وابن ماجه (1/ 4256) وابن الجارود (264 - 265) والبيهقي (4/ 40) والطيالسي (999) وأحمد (6/ 23 و 28) والسياق لمسلم، والرواية الثانية له في رواية، وهي لسائرهم إلا أحمد، وله والبيهقي الرواية الثالثة.

(1) قال السندي: أي خصوه بالدعاء، وقال المناوي:" إي ادعوا له بإخلاص وحضور قلب، لان المقصود بهذه الصلاة إنما هو الاستغفار والشفاعة للميت، وإنما يرجي قبولها عند توفر الاخلاص والابتهال، ولهذا شرع في الصلاة عليه من الدعاء ما لم يشرع مثله في الدعاء للحي، قال ابن القيم: هذا يبطل قول من زعم أن الميت لا ينتفع بالدعاء ".

قلت: وفي رواية الحاكم من حديث أبي أمامة المتقدم " ويخلص الصلاة في التكبيرات الثلاث " فالصلاة هنا بمعنى الدعاء بدليل الرواية الأولى " ويخلص الدعاء " لان أصل معنى الصلاة في اللغة الدعاء، فمن غرائب التفسير ما في " القول البديع "(ص 152)" ويخلص الصلاة أي يرفع صوته في صلاته بالتكبيرات الثلاث "

ص: 123

وفي رواية ابن ماجه والطيالسي أن الميت كان رجلا من الانصار، لكن في سندها فرج بن فضالة وهو ضعيف عن عصمة بن راشد وهو مجهول.

والحديث أخرجه الترمذي (2/ 141) مختصرا وقال: " حديث حسن صحيح، وقال محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - أصح شئ في هذا الباب هذا الحديث ".

الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان إذا صلى على جنازة يقول:

اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الاسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الايمان، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده ".

أخرجه ابن ماجه (1/ 456) والبيهقي (4/ 41) من طريق محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عنه، وأبو داود (2/ 68) والترمذي (2/ 141) وابن حبان في صحيحه (757 - موارد) والحاكم (1/ 358) والبيهقي أيضا وأحمد (2/ 368) من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة به نحوه، دون قوله " اللهم لا تحرمنا

" فهي عند أبي داود وحده، وصرح يحيى بالتحديث عند الحاكم ثم قال: " صحيح على شرط الشيخين ".

ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وأعل بما لا يقدح.

وليحبي فيه إسناد ان آخران، عند أحمد (4/ 170، 308) والبيهقي.

وللحديث شاهد من حديث ابن عباس نحوه.

رواه الطبراني في " الكبير ".

الثالث: عن واثلة بن الاسقع قال: " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين، فأسمعه يقول:

ص: 124

اللهم إن فلان ابن فلان في ذمتك وحبل جوارك، فقه فتنة القبر، وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، فاغفر له وارحمه، إنك الغفور الرحيم ".

أخرجه أبو داود (2/ 68) وابن ماجه (1/ 456) وابن حبان في صحيحه (758) وأحمد (3/ 471) بإسناد صحيح إن شاء الله تعالى، وقد أورده ابن القيم فيما حفظ من دعائه صلى الله عليه وسلم، وسكت عليه النووي في " المجموع ".

الرابع: عن يزيد بن ركانة بن المطلب قال:

" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للجنازة ليصلي عليها قال: " اللهم عبدك وابن أمتك احتاج إلى رحمتك، وأنت غني عن عذابه، إن كان محسنا فزد في حسناته، إن كان مسيئا فتجاوز عنه ".

(ثم يدعوا ما شاء الله أن يدعو) ".

أخرجه الحاكم (1/ 359) وقال:

" إسناده صحيح، ويزيد بن ركانة وأبو ركانة صحابيان ".

ووافقة الذهبي، ورواه الطبراني في " الكبير " بالزيادة كما في " المجمع "(4/ 33 / 34) وابن قانع كما في " الاصابة ".

وله شاهد من طريق سعيد المقبري أنه سأل أبا هريرة: كيف تصلي على الجنازة فقال: أنا لعمر الله أخبرك، أتيعها من أهلها، فإذا وضعت كبرت وحمدت الله، وصليت على نبيه، ثم أقول: اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك: كان يشهد أن لا إله ألا أنت، وأن محمدا عبدك ورسولك، وأنت أعلم به، اللهم إن كان محسنا فزد في حسناته، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته، اللهم لا تحرمنا أجرة، ولا تفتنا بعده ".

أخرجه مالك (1 - 227) وعنه محمد بن الحسن (164 - 165) وإسماعيل القاضي في " فضل الصلاة صلى الله عليه وسلم " رقم 5 (93) 27 وسنده موقوف صحيح جدا، وقد ساق الهيثمي منه الدعاء مرفوعا من حديث أبي هريرة وقال:

(1) صدر حديثا بتحقيقنا، طبعه المكتب الاسلامي.

ص: 125

رواه أبو يعلى ورجاله ورجال الصحيح ".

وقد تقدم بلفظ آخر فيه الجملة الاخيرة منه، وهو النوع (الثاني)(ص 124).

82 -

والدعاء بين التكبيرة الاخيرة والتسليم مشروع، لحديث أبي يعفور عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال:

" شهدته وكبر على جنازة أربعا، ثم قام ساعة - يعني - يدعوا، ثم قال: أتروني كنت أكبر خمسا؟ قالوا: لا، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعا ".

أخرجه البيهقي (4 - 35) بسند صحيح.

ثم أخرجه هو (4/ 42، 43) وابن ماجة (1/ 457) والحاكم (1/ 360) وأحمد (4 - 383) من طريق إبراهيم الهجري عن أبن أبي أوفي به، إلا أنه أنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم (، وزاد بعد قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعا: ثم يمكث ساعة فيقول ما شاء الله أن يقول، ثم سلم " وقال الحاكم:" هذا حديث صحيح، وابراهيم لم ينقه عليه بحجة ".

قلت: بلي، ولذلك تعقبه الذهبي بقوله: قلت ضعفوا ابراهيم ".

قلت: وذلك لسوء حفظه، وقد أشار إلى ذلك الحافظ بقوله في " التقريب " لين الحديث، رفع موقوفات " (1).

(1) فوائد: الأولى: قال الحافظ في " التلخيص "(1825): " قال بعض العلماء اختلاف الاحاديث في الدعاء على الجنازة محمول على أنه كان يدعو على ميت بدعاء، وعلى آخر بغيره، والذي أمر به أصل الدعاء ".

الثانية: قال الشوكاني في " نيل الاوطار "(55 4): " إذا كان المصلي عليه طفلا استحب أن يقول المصلي: اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وأجرا، روى ذلك البيهقي من حديث أبي هريرة، وروى مثله سفيان في " الجامعة " عن الحسن ". =

ص: 126

83 -

ثم يسلم تسليمتين مثل تسليمه في الصلاة المكتوبة إحداهما عن يمينه، والاخرى عن يساره لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:" ثلاث خلال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهن تركهن الناس، إحداهن التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة ".

أخرجه البيقهي (4/ 43) بإسناد حسن، وقال النووي (5/ 239):" إسناد جيد ز وفي " مجمع الزوائد " (3/ 34): " رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله ثقات ".

وقد ثبت في " صحيح مسلم " وغيره عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمتين في الصلاة، فهذا يبين أن المراد بقوله في الحديث الأول:" مثل التسليم في الصلاة " أي التسليمتين المعهودتين.

= قلت: حديث أبي هريرة عند البيهقي إسناده حسن، ولا بأس في العمل به في مثل هذا الموضع، وإن كان موقوفا، إذا لم يتخذ سنه، بحيث يؤدي ذلك الى الظن إنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي أختاره أن يدعو في الصلاة على الطفل بالنوع (الثاني) لقوله فيه: " وصغيرنا

اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده ".

وقد ذهب الامام أحمد إلى استحباب الدعاء في هذا الموطن، كما رواه أبو داود في " المسائل "(153) عنه، وهو مذهب الشافعية، واستدل لهم النووي في " المجموع "(5/ 239) بحديث الهجري المذكور أعلاه، والاستدلال بما قبله أقوى، وهو حجة على الحنفية حيث قالوا:" ثم يكبر الرابعة ويسلم من غير ذكر بينهما ".

الثالثة: وذهبت الشافعية أيضا الى وجوب مطلق الدعاء، للميت لحديث أبي هريرة المتقدم:" .. فأخلصوا له الدعاء ". وهذا حق، ولكنهم خصوه بالتكبيرة الثالثة واعترف النووي بانه مجرد دعوى فقال (5/ 236):

" ومحل هذا الدعا التكبيرة الثالثة، وهو واجب فيها، لا يجزي في غيرها بلا خلاف، وليس لتخصيصه بها دليل واضح، واتفقوا على أنه لا يتعين لها دعاء ".

قلت: لكن إيثار ما تقدم من أدعيته صلى الله عليه وسلم على ما استحسنه بعض الناس، مما لا ينبغي أن يتردد فيه مسلم، فان خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم.

ولذلك قال الشوكاني (4/ 55): " واعلم أنه قد وقع في كتب الفقه ذكر أدعيه غير المأثورة عنه صلى الله عليه وسلم والتمسك بالثابت عنه أولى ".

قلت: بل اعتقد أنه واجب على من كان على علم بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم، فالعدول عنه حينئذ يخشي أن يحق فيه قول الله تبارك وتعالى:(أتستبد لون الذي هو ادني بالذي هو خير)؟

ص: 127

ويحتمل أنه يعني بالاضافة إلى ذلك أنه كان يسلم تسليمة واحدة أيضا، بالنظر إلى أن ذلك كان من سنته صلى الله عليه وسلم في الصلاة أيضا، أي أنه صلى الله عليه وسلم كان تارة يسلم تسليمتين وتارة تسليمة واحدة لكن الأول أكثر، غير أن هذا الاحتمال فيه بعد لان التسليمة الواحدة وإن كانت ثابتة عنه، صلى الله عليه وسلم لكن لم يروها ابن مسعود فلا يظهر أنها تدخل في قوله المذكور " مثل التسليم في الصلاة ". والله أعلم.

وللحديث شاهد، يرويه شريك عن إبراهيم الهجري قال: " أمنا عبد الله بن أبي أوفى على جنازة ابنته فمكث ساعة، حتى ظننا أنه سيكبر خمسا ثم سلم عن يمينه وعن شماله، فلما انصرف قلنا له: ما هذا؟ قال: إني لاأزيدكم على ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع، أو هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه البيهقي (4/ 43) وسنده ضعيف من أجل الهجري كم تقدم في المسألة السابقة وقد صح عنه من طريق أخرى بعضه مرفوعا، وبعضه موقوفا، كما ذكرنا هناك، وروى أحمد في " مسائل أبي داود عنه " (153) عن عطاء بن السائب قال:" رأيت ابن أبي أوفى صلى على جنازة فسلم تسليمة (واحدة) " لكن إسناده ضعيف فيه أبو وكيع الجراح بن مليح، وهو يضعيف واتهمه بعضهم.

وقد ذهب لى التسليمتين الحنفية كما في " المبسوط "(2/ 65)، أحمد في رواية عنه كما في " الانصاف " (2/ 525) (1) والشافعية كما في " شرح ابن قاسم الغزي " (1/ 431 - باجوري) وقال:" لكن يستحب زيادة ورحمه الله وبركاته ".

85 -

ويجوز الاقتصار على التسليمة الأولى فقط، لحديث أبي هريرة رضي الله

تعالى عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة، فكبر عليها أربعا، وسلم تسليمة واحدة ".

أخرجه الدارقطني (191) والحاكم (1/ 360) وعنه البيهقي (4/ 43) من طريق أبي العنبس عن أبيه عنه.

ومن المبالغات قول ابن المبارك: " من سلم على الجنازة بتسليمتين فهو جاهل جاهل.

رواه أبو داود في " المسائل "(154) بسند صحيح عنه.

ص: 128

قلت: واسناده حسن كما بينته في " التعليقات الجياد ".

ويشهد له مرسل عطاء بن السائب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم على الجنا " تسليمة واحدة.

أخرجه البيهقي معلقا.

ويقويه عمل جماعة من الصحابة به، فقد قال الحاكم عقبه:" قد صحت الرواية فيه عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وعبد الله ابن عباس، وجابر بن عبد الله، وعبد الله، وعبد الله بن أبي أوفى، وأبي هريرة أنهم كانوا يسلمون على الجنازة تسليمه واحدة ".

قلت: وقد وافقه الذهبي، وأسند البيهقي غالب هذه الاثار، وزاد فيهم " واثلة ابن الاسقع وأبي إمامة وغيرهم ".

وفي اطلاق الصحة على رواية ابن أبي إوفى نظر عندي، لان في سندها الجراح بن مليح وهو ضعيف كما سبق قريبا، إلا أن يكون وقع للحاكم من طريق أخرى، وذلك مما لا أظنه، وإلى هذه الاثار ذهب الامام أحمد في المشهور عنه، وقال أبو داود (153):" سمعت أحمد سئل عن التسليم على الجنازة؟ قال: هكذا، ولوى عنقه عن يمينه (وقال: السلام عليكم ورحمة الله) ".

قلت وزيادة " وبركاته " في هذه التسليمة مشروعة خلافا لبعضهم، لثبوتها في بعض طرق حديث ابن مسعود المتقدم في التسليمتين في الفريضة، ومثلها في هذه المسألة صلاة الجنازة كما سبق، وذكر ابن قاسم الغزي في شرحه استحبابها هنا في التسليمتين، ورد ذلك عليه الباجوري في حاشيته (1/ 431) فذهب إلى عدم مشروعيتها هنا ولا في الفريضة والصواب ما ذكرنا.

85 -

(1) والسنة أن يسلم في الجنازة سرا، الامام ومن وراءه في ذلك سواء، لحديث أبي أمامة المتقدم في المسألة بلفظ:

(1) إن المسألة السابقة برقم 85 في ص 128 هي المسألة رقم 84

ص: 129

" ثم يسلم سرا في نفسه حين ينصرف، والسنة أن يفعل من وراءه مثلما فعل إمامة ".

وله شاهد موقوف، أخرج البيهقي (4/ 43) عن ابن عباس أنه:

" كان يسلم في الجنازة تسليمة خفية ".

وإسناده حسن.

ثم روى عن عبد الله بن عمر أنه:

" كان إذا صلى على الجنائز يسلم حتى يسمع من يليه ".

وإسناده صحيح. (1)

86 -

ولا تجوز الصلاة على الجنازة في الاوقات الثلاثة التي تحرم الصلاة فيها إلا لضرورة، لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال:

" ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب ".

أخرجه مسلم (2/ 208) وأبو عوانة في صحيحه (1/ 368) وأبو داود (2/ 66)

والنسائي (1/ 283) والترمذي (2/ 144) وصححه، وابن ماجه (1/ 463) والبيهقي (4/ 32) والطيالسي (رقم 1001) وأحمد (5/ 152) من طريق علي بن رباح عنه.

وزاد البيهقي:

(1) قلت: وكأنه لاختلاف هذين الاثرين اختلفت اقوال الحنابلة في هذه المسألة، فجاء في الانصاف (5/ 523):

" قال في " الفروع ": ظاهر كلام الاصحاب أن الامام يجهر بالتسليم، وظاهر كلام ابن الجوزي أنه يسر ". ثم نقل عن " المذهب " و " مسبوك الذهب " ما يشهد لكلام ابن الجوزي.

وهو الارجح لحديث أبي أمامة.

ص: 130

" قال: قلت لعقبة: أيدفن بالليل؟ قال: نعم، قد دفن أبو بكر بالليل ".

وإسنادها صحيح. (1)

(1) الحديث بعمومه يشمل الصلاة على الجنازة، وهو الذي فهمه الصحابة فروي مالك في " الموطأ "(1/ 228) ومن طريقه البيهقي عن محمد بن أبي حرملة أن زينب بنت أبي سلمة توفيت وطارق أمير المدينة، فأتي بجنازتها بعد صلاة الصبح، فوضعت بالبقيع قال: وكان طارق يغلس بالصبح، قال ابن أبي حرملة: فسمعت عبد الله بن عمر يقول لاهلا إما أن تصلوا على جنازتكم الان، وإما أن تتركوها حتى ترتفع الشمس، وسنده صحح على شرط الشيخين. ثم روى مالك عن ابن عمر قال: يصلى على الجنازة بعد العصر وبعد الصبح إذا صليتا لوقتهما. وسنده صحيح أيضا. وروى البيهقي بسند جيد عن ابن جريج أخبرني زياد أن عليا أخبره أن جنازة وضعت في مقبرة أهل البصرة حين اصفرت الشمس، فلم يصل عليها حتى غربت الشمس: فأمر أبو برزة المنادي ينادي بالصلاة ثم أقامها، فتقدم أبو برزة فصلى بهم المغرب، وفي الناس أنس بن مالك، وأبو برزه من الانصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم صلوا على الجنازة.

قال الخطابي في " المعالم "(4/ 327) ما ملخصه:

واختلف الناس في جواز الصلاة على الجنازة والدفن في هذه الساعات الثلاث، فذهب أكثر أهل العلم إلى كراهة الصلاة عليها في هذه الاوقات، وهو قول عطاء والنخعي والاوزاعي والثوري وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق، والشافعي يرى الصلاة والدفن أي ساعة من ليل أو نهار، وقول الجماعة أولى لموافقته الحديث ".

قلت: ومنه تعلم أن دعوى النووي جواز هذه الصلاة بالاجماع. وهم منه رحمه الله.

ص: 131