الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(15) التعزية
111 -
وتشرع تعزية أهل الميت (1)، وفيه حديثان:
الأول: عن قرة المزني رضي الله عنه قال:
" كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس، يجلس إليه نفر من أصحابه، وفيهم رجل له ابن صغير، يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه، (فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تحبه؟ فقال: يا رسول الله أحبك الله كما أحبه!)، فهلك، فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة، لذكر ابنه، فحزن عليه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: مالي لا أري فلانا؟ فقالوا: يا رسول الله بنية الذي رأيته هلك، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم: فسأله عن بنيه؟ فأخبره بأنه هلك، فعزاه عليه، ثم قال يا فلان؟ أيما كان أحب إليك: أن تمتع به عمرك، أو لا تأتي غدا إلى باب من أبواب الجنة إلى وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟ قال: يا نبي الله! بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها إلى، لهو أحب إلى، قال: فذلك لك، (فقال رجل (من الانصار): يا رسول الله (جعلني الله فداءك ة أله خاصة أو لكلنا؟ قال: بل لكلكم) ".
أخرجه النسائي (1/ 296) والسياق له، وابن حبان في " صحيحه "، والحاكم (1/ 384) وأحمد (5/ 35) وقال الحاكم:
" صحيح الاسناد "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
(1) وهي الحمل على الصبر بوعد الاجر، والدعاء للميت والمصاب.
وأخرج النسائي أيضا (1/ 264) نحوه، وكذا البيهقي (4/ 59 و 60) إلا أنه لم يسبق أوله بتمامه، وعنده الزيادات كلها إلى الأولى.
وللحديث شاهد في " المجمع "(3/ 10).
الثاني: عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من عزي أخاه المؤمن في مصبته كساه الله حلة خضراء يجبرها بها يوم القيامة، قيل: يا رسول الله ما يجبر؟ قال: يغبط ".
أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد "(7/ 397) وابن عساكر في " تاريخ دمشق "(15/ 91 / 1).
وله شاهد عن طلحة بن عبيد الله بن كريز مقطوعا.
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف "(4/ 164)، وهو حديث حسن بمجموع الطريقين كما بيته في " إرواء الغليل في تخريج احاديث منار السبيل " رقم (756).
واعلم أن الاستدلال بهذين الحديثين - لا سيما الأول منهما - على التعزية أولى من الاستدلال عليها بحديث: " من عزى مصابا فله مثل أجره "، وإن جرى عليه جماهير المصنفين، لانه حديث ضعيف من جميع طرقه كما بينه النووي في " المجموع "(5/ 305) والعسقلاني في " التلخيص "(5/ 251) وفي " إرواء الغليل "(رقم 757).
112 -
ويعزيهم بما يظن أنه يسليهم، ويكف من حزنهم، ويحملهم على الرضا والصبر، مما يثبت عنه صلى الله عليه وسلم، إن كان يعلمه ويستحضره، وإلا فبما تيسر له من الكلام الحسن الذي يحقق الغرض ولا يخالف الشرع، وفي ذلك أحاديث: الأول: عن أسامة بن زيد قال: " أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض، بناته: أن صبيا لها، أبنا أو ابنة، (وفي رواية: أميمة بنت زينب) (1) قد احتضرت، فاشهدنا، قال فأرسل إليها يقرأها السلام ويقول:
(1) قلت: ثم عاشت أميمة هذه (ويقال: أمامة) حتى تزوجها علي بعد فاطمة رضي الله عنهم.
" إن لله ما أخذ، و (لله) ما أعطي، وكل شئ عنده إلى أجل مسمى فالتصبر، ولتحتسب ".
فأرسلت تقسم عليه (ليأتينها)، فقام، وقمنا، فرفع الصبي إلى حجر - أو في حجر - رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفسه تقعقع (كأنها في شنة) وفي القوم سعد بن عبادة، (ومعاذ بن جبل:) وأبي (بن كعب) أحسب (وزيد بن ثابت، ورجال) ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله (وقد نهيت عن البكاء)؟ قال: (إنما) هذه رحمة يضعها الله في قلوب من يشاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ".
أخرجه البخاري (3/ 120 - 122) ومسلم (3/ 39) وأبو داود (2/ 58) والنسائي (1/ 263) وابن ماجه (1/ 280) والبيهقي (4/ 65 - 68 - 69) وأحمد (5/ 204 206 - 207) والسياق له وكذا الرواية الثانية، والزيادة الأولى والسابعة والثامنة، وهي جميعا عند البيهقي، والزيادة الثانية للشيخين والنسائي والبيهقي والثالثة لهم، وكذا الرابعة والخامسة جميعا إلا مسلما، والسادسة للبخاري والنسائي.
قلت: وهذه الصيغة من التعزية وإن وردت فيمن شارف الموت فالتعزية بها فيمن قد مات أولى بدلالة النص، ولهذا قال النووي في " الاذكار " وغيره:" وهذا الحديث أحسن ما يعزي به ".
الثاني: عن بريدة بن الحصيب قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعهد الانصار، ويعودهم، ويسأل عنهم، فبلغه عن امرأة من الانصار مات ابنها وليس لها غيره وأنها جزعت عليه جزعا شديدا، فأتاها النبي صلى الله عليه وسلم (ومعه أصحابه، فلما بلغ باب المرإة، قيل للمرأة: إن نبي الله يريد أن يدخل، يعزيها، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما إنه بلغني أنك جزعت على ابنك، فأمرها بتقوى الله وبالصبر، فقالت: يا رسول الله (مالي لا أجزع و) أني امرأة رقوب لا ألاد، ولم يكن لي غيره؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرقوب: الذي يبقى ولدها، ثم قال:
مامن امرئ أو امرأة مسلمة يموت لها ثلاثة أولاد [يحتسبهم] إلا أدخله الله: بهم الجنة، فقال عمر [وهو عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم]: بأبي أنت وأمي واثنين؟ قال: وأثنين).
أخرجه الحاكم (1/ 384) وقال: (صحيح الاسناد)، ووافقه الذهبي.
قالت: بل هو على شرط مسلم فان رجاله كلهم رجال صحيحه، لكن أحدهم فيه ضعف من قبل حفظه.
لكن لا ينزل حديثه هذا عن رتبه الحسن.
والحديث أورده الهيثمي في (المجمع)(3/ 8) بنحوه والزيادات منه وقال: (رواه البزار ورجاله رجال الصحيح).
الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم حينما دخل على أم سلمة رضي الله عنها عقب موت أبي سلمة: (اللهم اغفر لابي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونور له فيه) أخرجه مسلم وغيره، وقد مضى بتمامه في المسألة (17)(ص 12).
الرابع: قوله صلى الله عليه وسلم في تعزيته عبد الله بن جعفر في أبيه: (اللهم اخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه، قالها ثلاث مرات).
أخرجه أحمد بسند صحيح في أثناء حديث يأتي بتمامه في المسألة التالية (1).
113 -
ولا تحد التعزية بثلاثة أيام لا يتجاوزها، بل متى رأى الفائدة في التعزية أتى بها، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه عزى بعد الثلاثة في حديث عبد الله بن جعفر رضي الله ثعالى عنهما قال:
(1) وفي التعزية أحاديث أخرى، ضربت صفحا عن ذكرها لضعفها، وقد بينت ذلك في (التعليقات الحياد) منها حديث كتابة النبي صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل يعزيه بوفاة ابن له وهو موضوع كما قال الذهبي والعسقلاني وغيرهما، وذهل عن ذلك الشوكاني وتبعه صديق حسن خان فحسناه تبعا للحاكم! فلا يغتر بذلك، فإن لكل جواد كبوة بل، كبوات.
(بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا استعمل عليهم زيد بن حارثة وقال: فإن قتل زيد أو استشهد فأميركم جعفر، فإن قتل أو استشهد فأميركم عبد الله بن رواحة، فلقوا العدو، فأخذ الراية زيد فقاتل حتى قتل، ثم أخذ الراية جعفر فقاتل حتى قتل، ثم أخدها عبد الله فقاتل حتى قتل، ثم أخذ الراية خالد بن الوليد ففتح الله عليه، وأتى خبرهم النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إلى الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال: إن اخوانكم لقوا العدو، وإن زيدا أخذ الراية فقاتل حتى قتل واستشهد، ثم
…
ثم
…
ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليه، فأمهل، ئم أمهل آل جعفر ثلاثا أن يأتيهم، ثم أتاهم فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ادعوا لي ابني أخي، قال: فجئ بنا كأنا أفرخ، فقال: ادعو لي الحلاق، فجيئ بالحلاق، فحلق رؤوسنا ثم قال: أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب.
وأما عبد الله فشبيه خلقي وخلقي، ثم أخذ بيدي فأشالها فقال: اللهم اخلف جعفرا في أهله، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه، قالها ثلاث مرات.
قال: فجاءت أمنا فذكرت له يتمنا، وجعلت تفرح (1) له، فقال: العيلة تخافين عليهم وأما وليهم في الدنيا والاخرة!؟).
أخرجه أحمد (رقم 1750) بإسناد صحيح على شرط مسلم، ومن طريقة الحاكم (3/ 298) قطعة منه، وروى أبو داود والنسائي منه قصة الامهال ثلاثا مع الحلق، وتقدم بعضه في المسألة (18)(ص 21)، وقال الحاكم:(صحيح الاسناد)، ووافقه الذهبي.
وللحديث شاهد ذكره في المسند (3/ 467) وفيه ضعف.
وقد ذهب إلى ما ذكرنا من أن التعزية لا تحد بحد جماعة من أصحاب الامام أحمد كما في (الانصاف)(2/ 564) وهو وجه في المذهب الشافعي، قالوا: لان الغرض الدعاء والحمل على الصبر والنهي عن الجزع، وذلك يحصل مع طول الزمان.
حكاه إمام الحرمين وبه قطع أبو العباس ابن القاص من أئمتهم، وإن أنكره عليه بعضهم فإنما ذلك من طريق المعروف من المذهب لا الدليل.
انظر (المجموع)(5/ 306).
(1) أي تغمه وتحزنه من أفرحه إذا غمه وأزال عنه الفرح، وأفرحه الدين أثقله.
114 -
وينبغي اجتناب أمرين وإن تتابع الناس عليهما:
أ - الاجتماع للتعزية في مكان خاص كالدار أو المقبرة أو المسجد.
ب - اتخاذ أهل، الميت الطعام لضيافة الواردين للعزاء.
وذلك لحديث جرير بن عبد الله البجلى رضي الله عنه قال: (كنا نعد (وفي رواية: نرى)(1) الاجتماع إلى أهل الميت، وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة).
أخرجه أحمد (رقم 6905) وابن ماجه (1/ 490) والرواية الاخرى له وإسناده صحيح على شرط الشيخين في، وصححه النووي (5/ 320) والبوصيري في (الزوائد)
115 -
وإنما السنة أن يصنع أقرباء الميت وجيرانه لأهل الميت طعاما يشبعهم، لحديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال:(لما جاء نعي جعفر حين قتل قال النبي صلى الله عليه وسلم: اصنعوا لال جعفر طعاما، فقد أتاهم أمر يشغلهم، أو أتاهم ما يشغلهم).
أخرجه أبو داود (2/ 59) والترمذي (2/ 134) وحسنه وابن ماجه (1/ 490)، وكذا الشافعي في (الام)(1/ 247) والدارقطني (194، 197) والحاكم (1/ 372) والبيهقي (4/ 61) وأحمد (1/ 175) وقال الحاكم:
(1) قال النووي في (المجموع)(5/ 306): (وأما الجلوس للتعزية، فنص الشافعي والمصنف وسائر الاصحاب على كراهته، قالوا: يعني بالجلوس لها أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم من أراد التعزية، قالوا: بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم فمن صادفهم عزاهم، ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها)
ونص الامام الشافعي الذي أشار إليه النووي هو في كتاب (الام)(1/ 248): (وأكره المآتم، وهي الجماعة، وإن لم يكن لهم بكاء، فإن ذلك يجدد الحزن، ويكلف المؤنة، مع ما مضي فيه من الاثر).
كأنه يشير إلى حديث جرير هذا، قال النووي:(واستدل له المصنف وغيره بدليل آخر وهو أنه محدث).
وكذا نص ابن الهمام في شرح الهداية (1/ 473) على كراهة اتخاذ الضيافة من الطعام من أهل الميت وقال: (وهي بدعة قبيحة).
وهو مذهب الحنابلة كما في (الانصاف)(2/ 565).