المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌(14) الدفن وتوابعه

(14) الدفن وتوابعه

87 -

ويجب دفن الميت ولو كان كافرا، وفي حديثان:

الأول: عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو طلحة الانصاري، والسياق له: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش، (فجروا بأرجلهم) فقذفوا في طوى (1) من أطواء بدر خبيث مخبث (بعضهم على بعض)، (إلا ما كان من أمية بن خلف فإنه انتفخ في درعه فملاها، فذهبوا يحركوه فتزايل (2) فأقروه، وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة)، وكان صلى الله عليه وسلم إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة (3) ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد رحلها، ثم مشى واتبعه أصحابه، وقالوا: ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته، حتى قام على شفة الركي (4) فجعل ينادي بأسمائهم وأسماء آبائهم (وقد جيفوا):(يا أبا جهل بن هشام ويا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا وليد بن عتبة)، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ قال:(فسمع عمر قول النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! ما تكلم من أجساد لا أرواح لها، (وهل يسمعون؟ يقول الله عز وجل: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80])، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، (والله) (إنهم الآن ليعلمون أن

(1) هي البئر التي طويت وثبتت بالحجارة لتثبت ولا تنهار

(2)

أي تفسخ وتفرقت أجزاؤه.

(3)

هي كل موضع واسع لابناء فيه.

(4)

أي طرف البئر

ص: 132

الذي كنت أقول لهم لهو الحق)، وفي رواية، إنهم الآن ليسمعون) (غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا علي شيئا، قال قتادة: أحياهم الله (له) حتى أسمعهم قوله، توبيخا وتصغيرا، ونقمة، وحسرة وندما ".

قلت رواه جماعة من الصحابة، وهذه رواية بعضهم، وهم:

الأول: أبو طلحة الانصاري، يرويه قتادة قال: ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة به.

أخرجه البخاري (7/ 240 - 241) واللفظ له ومسلم (8/ 164) وأحمد (4/ 129) والزيادة الخامسة له، وهي على شرط مسلم، وأخرجه النسائي أيضا (1/ 293)، لكنه لم يذكر في سنده أبا طلحة، وهو رواية لمسلم (8/ 163) وأحمد (3/ 104)، 145، 182: 219 - 287) وعنده الزيادة الأولى والسابعة، وإسنادهما صحيح على شرط مسلم، وعندهم - أعني الثلاثة - الزيادة الرابعة والخامسة، إلا أنهم قالوا:" أمية بن خلف " بدل " وليد بن عتبة " وهو خطأ من بعض الرواة، لان أمية لم يكن في البئر كما تدل عليه الزيادة الثانية، وهي في حديث عائشة كما يأتي بسند حسن، وعندهم أيضا الزيادة السادسة والعاشرة، ولأحمد الحادية عشر.

الثاني: عمر بن الخطاب، رواه عنه أنس أيضا بنحوه، وفيه الزيادة الثانية.

أخرجه مسلم والنسائي وأحمد (رقم 182).

الثالث: عبد الله بن عمر، وله الرواية الثانية، وفيه الزيادة التاسعة.

أخرجه البخاري (7/ 242 - 242 - 243) وأحمد (رقم 4864، 4958، 6145) وفي رواية له: " فذكر ذلك لعائشة، فقالت: وهل - يعني ابن عمر -، انما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم،

إنهم الآن

" وإسنادها حسن، وفيها الزيادة الثانية أيضا كما تقدم.

واعلم أن العلماء صوبوا رواية ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنهم الآن ليسمعون "، وردوا قولها فيه " وهل "، لانه مثبت وهي نافية، ولانه لم يتفرد بذلك بل تابعة أبوه عمر وأبو طلحة كما تقدم، وغيرهما كما في " الفتح " فراجعه إن شئت

ص: 133

التفصيل.

والحق أن ما رواه الجماعة صواب، وما روته عائشة كذلك، وكل ثقة ولا تناقض بين الروايتن، فتضم إحداهما إلى الاخرى كما فعلنا في سياق الحديث.

ثم أخرجه أحمد (6/ 276) وابن هشام في " السيرة "(2/ 74) بسند حسن، وفيه الزيادة الثالثة.

الثاني: عن علي رضي الله عنه قال: " لما توفي أبو طالب، أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إن عمك الشيخ (الضال) قد مات (فمن يواريه؟)، فقال: اذهب فواره، ثم لا تحدث شيئا حتي تأتيني:(فقال: إنه مات مشركا (1)، فقال: إذهب فواره) قال: فواريته ثم أتيته، قال: إذهب فاغتسل ثم لا تحدث شيئا حتى تأتيني، قال: فاغتسلت، ثم أتيته، قال: فدعا لي بدعوات ما يسرني أن لي بها حمر النعم وسودها.

قال: وكان علي إذا غسل الميت اغتسل ".

أخرجه أحمد (رقم 807) وابنه في زوائد " المسند "(رقم 1074) من طريق أبي عبد الرحمن السلمي عنه.

قلت: وسنده صحيح.

وأخرجه أبو داود (2/ 70) والنسائي (1/ 282 - 283) والبيهقي (3/ 398) وأحمد أيضا (رقم 759) من طريق أبي إسحاق: سمعت ناجية بن كعب يحدث عن علي به نحوه.

والزيادات لاحمد إلا الثانية فللنسائي.

وإسناده صحيح أيضا، رجاله كلهم ثقات رجال الصحيحين غير ناجية بن كعب،

قال العجلي في " الثقات ": (2)

(1) هذا صريح في أن أبا طالب مات كافرا مشركا، وفي الباب أحاديث كثيرة، منها حديث سعيد بن حزن المتقدم في المسألة (60)، وقد قال الحافظ بن شرحه له:" ووقفت على جزء جمعه بعض أهل الرفض أكثر فيه من الاحاديث الواهية الدالة على إسلام أبي طالب، ولا يثبت من ذلك شئ، وبالله التوفيق، وقد لخصت ذلك في ترجمة أبي طالب من كتاب الاصابة ".

(2)

رتبه العلامة علي بن عبد الكافي السبكي على حروف المعجم، وعندنا منه نسخة منسوخة عن نسخة نسخت عن أصل محفوظ في مكتبة الاوقاف الاسلامية بحلب، ثم قابلت نسختي بالاصل ومنها نقلت.

ص: 134

" كوفي تابعي ثقة ".

وقال الحافظ في " التقريب ": ثقة ".

وأما قول النووي في " المجموع "(5/ 181): " رواه أبو داود وغيره، وإسناده ضعيف ".

فهو مردود، ولا ندري وجهه إلا أن يريد أنه من رواية أبي إسحاق وهو السبيعي، فإنه كان تغير لما كبر.

فإن كان هذا، فالجواب من وجهين: الأول: أنه من رواية سفيان الثوري عنه، وهو من أثبت الناس فيه، كما في " التهذيب".

الثاني: أنه لم يتفرد به، بل جاء من الطريق الأولى كما سبق، وكأن النووي رحمه الله لم يقف عليها أو لم يستحضرها حين تكلم على الحديث، ولعله اعتمد في تضعيفه على البيهقي، فقد قال الحافظ في " التلخيص "(5/ 149 - 150) بعد أن عزاه لاحمد وأبي داود والنسائي وابن أبي شيبة وأبي يعلى والبزار والبيهقي من طريق أبي إسحاق .. " ومدار كلام البيهقي على أنه ضعيف، ولا يتبين وجه ضعفه، وقد قال الرافعي انه حديث ثابت مشهور، قال ذلك في أماليه".

وعزاه في " الفتح "(7/ 154) لابن خزيمة أيضا وابن الجارود. (1)

(1) فائدة: هذا الحديث أورده البيهقي في باب المسلم يغسل ذا قرابته من المشركين ويتبع جنازته ويدفنه ولا يصلي عليه ".

وأنت ترى أنه ليس في الحديث ما ترجم له من الاغتسال فقال الحافظ تعليقا على كلامه: " تنبيه: ليس في شئ من طرق هذا الحديث التصريح بأنه غسله إلا أن يؤخذ ذلك من قوله: " فأمرني فاغتسلت فإن الاغتسال شرع من غسل الميت، ولم يشرع من دفنه.

ولم يستدل البيهقي وغيره إلا على الاغتسال من غسل الميت، وقد وقع عند أحمد أيضا وابنه كما تقدم، ويستغرب من الحافظ كيف خفي عليه ذلك، لا سيما وهو قد عزي الحديث لاحمد كما رأيت ثم إن قوله:" ولم يشرع الاغتسال من دفنه "، فيه نظر، لان لقائل أن يقول: أن الحديث ظاهر الدلالة على مشروعية ذلك، ولا ينافيه الزيادة التي وقعت في آخر الحديث، لانها جملة مستأنفة، لا علاقة لها بما قبلها، أعني أنه لا دليل في الحديث أن عليا إنما كان يغتسل من غسل الميت، لامره صلى الله عليه وسلم إياه بالغسل في الحديث بل هذا شئ =

ص: 135

88 -

ولا يدفن مسلم مع كافر، ولا كافر مع مسلم، بل يدفن المسلم في مقابر المسلمين، الكافر في مقابر المشركين، كذلك كان الامر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، واستمر إلى عصرنا هذا، ومن الادلة على ذلك حديث بشير بن الخصاصية قال: " بنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم (آخذا بيده).

فقال: يا ابن الخصاصية ما (أصبحت) تنقم على الله؟ (1) أصبحت تماشي رسول الله (قال: أحسبه قال: آخذا بيده)، فقلت:(يا رسول الله بأبي وأمي) ما (أصبحت) أنقم على الله شيئا، كل خير فعل بي الله.

فأتي على قبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء بخير كثير، وفي رواية: خيرا كثيرا) ثلاث مرات.

ثم أتى على قبور المسلمين، فقال: لقد أدرك هؤلاء خيرا كثيرا، ثلاث مرات فبينما هو يمشي إذ حانت منه نظرة، فإذا هو برجل يمشي بين القبور عليه نعلان، فقال: يا حاصب السبتيتين ويحك ألق سبتيتك، فنظر فلا عرف الرجل رسول الله

= وذاك شئ اخر.

نعم إن ثبتت الرواية الاتية فلا مناص من التسليم بما سبق عن الحافظ، فقد قال عقب كلامه المذكور:" قلت: وقع عند ابن أبي شيبة في مصنفه بلفظ: " فقلت: إن عمك الشيخ الكافر قد مات فما ترى فيه؟ قال: أرى أن تغسله وتجنه "، وقد ورد من وجه آخر أنه غسله، رواه ابن سعد عن الواقدي ".

قلت: أما الواقدي فمتروك متهم بالكذب، فلا قيمة لزيادته، وأما زيادة ابن أبي شيبة " أن تغسله " فهي منكرة أيضا لانه أخرجها (4/ 142) من طريق الاجلح عن الشعبي مرسلا.

وهو مع إرساله فإن الاجلح فيه ضعيف، فلا حجة في زيادته أيضا.

(1)

إنما قال له عليه السلام هذا لان بشيرا رضي الله عنه كان أظهر شيئا من التضجر بسبب بعده عن دار قومه فقد روى الطبراني في " الكبير " والاوسط " عن بشير نفسه قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فلحقته بالبقيع فسمعته يقول: السلام على أهل الديار من المؤمنين وانقطع شسعي، فقال: انعش قدمك، فقلت: يا رسول الله طالت عزوبتي ونأيت عن دار قومي فقال: يا بشير ألا تحمد الله الذي أخذ بناصيتك من بين ربيعة، قوم يرون لولا أنهم انكفت الارض بمن عليها.

قال الهيثمي في " المجمع "(3/ 60): ورجاله ثقات ".

ص: 136

صلى الله عليه وسلم خلع نعليه فرمي بهما ".

أخرجه أبو داود (2/ 72) والنسائي (1/ 288) وابن ماجة (1/ 474) وابن أبي شيبة (4/ 170) والحاكم (1/ 373) والسياق له ومن طريقه البيهقي (4/ 80) والطيالسي (1123) وأحمد (5/ 83، 83، 224) والزيادات له، والثانية للبيهقي وليست في المستدرك، وروي الطحاوي (1/ 293) منه قصة الرجل صاحب السبتيتين وقال الحاكم:" صحيح الاسناد ".

ووافقه الذهبي، وأقره الحافظ في " الفتح " (3/ 160) وروى ابن ماجه عن عبد الله عثمان وهو البصري شعبة أنه قال: حديث جيد ونقل ابن القيم في " تهذيب السنن "(4/ 343) عن الامام أحمد أنه قال: اسناده جيد.

وقال النووي في " المجموع ": (5/ 312): " اسناده حسن ".

واحتج به ابن حزم (5/ 142، 143) على أنه لا يدفن مسلم مع مشرك. وفي مكان آخر، احتج به على تحريم المشي بالنعال بين القبور كما سيأتي في التعليق على المسألة (126).

89 -

والسنة الدفن في المقبرة، لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن الموتى في مقبرة البقيع، كما تواترت الاخبار بذلك، وتقدم بعضها في مناسبات شتى، أقربها حديث ابن الخصاصية الذي سقته في المسألة السابقة، ولم ينقل عن أحد من السلف أنه دفن في غير المقبرة، إلا ما تواتر أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن في حجرته، وذلك من خصوصياته عليه السلاة والسلام، كما دل عليه حديث عائشة رضي الله عنها: قالت: " لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه، فقال أبو بكر: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ما نسيته قال: " ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه "، فدفنوه في موضع فراشه ".

أخرجه الترمذي (2/ 129) وقال: " حديث غريب، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي يضعف من قبل حفظه ".

قلت: لكنه حديث ثابت بما له من الطرق والشواهد:

أ - أخرجه ابن ماجه (1/ 498، 499) وابن سعد (2/ 71) وابن عدي في الكامل " (ق 94/ 2) من طريق ابن عباس عن أبي بكر.

ص: 137

ب - وابن سعد وأحمد (رقم 27) من طريقين منقطعين عن أبي بكر.

ج - ورواه مالك (1/ 230) وعنه ابن سعد بلاغا.

د - ورواه ابن سعد بسند صحيح عن أبي بكر مختصرا موقوفا، وهو في حكم المرفوع، وكذلك رواه الترمذي في " الشمائل "(2/ 272) في قصة وفاته صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر (1/ 420):" واسناده صحيح، لكنه موقوف، والذي قبله أصرح في المقصود، وإذا حمل دفنه في بيته على الاختصاص لم يبعد نهي غيره عن ذلك، بل هو متجه، لان استمرار الدفن في البيوت ربما صيرها مقابر، فتصير الصلاة فيها مكروهة " وقد استنبط البخاري الكراهة من قوله صلى الله عليه وسلم: " اجعلو في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورا ".

أورده في " باب كراهية الصلاة في المقابر " من حديث ابن عمر، فقال الحافظ:" ولفظ حديث أبي هريرة عند مسلم أصرح من حديث الباب، وهو قوله: " لا تجعلو بيوتكم مقابر "، فإن ظاهره يقتضي النهي عن الدفن في البيوت مطلقا ".

90 -

ويسثني مما سبق الشهداء في المعركة، فإنهم يدفنون في مواطن استشهادهم ولا ينقلون إلى المقابر لحديث جابر رضي الله عنه قال:" خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى المشركين ليقاتلهم، وقال أبي عبد الله: يا جابر ابن عبد الله لا عليك أن تكون في نظاري أهل المدينة حتى تعلم إلى ما يصير أمرنا، فإني والله لولا أني أترك بنات لي بعدي لاحببت أن تقتل بين يدي، قال: فبينما أنا في النظارين إذ جاءت عمتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضح، فدخلت بهما المدينة لتدفنهما في مقابرنا - إذ لحق رجل ينادي: ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلي فتدفنوها في مصارعها حيث قتلت فرجعنا بهما فدفناهما حيث قتلا ".

ص: 138

أخرجه أحمد (3/ 397 - 398) بسند صحيح، وبعضه عند أبي داود وغيره مختصرا وقد تقدم في المسألة (17 ص 14)

92 -

ولا يجوز الدفن في الاحوال الاتية إلا لضرورة:

أ - الدفن في الاوقات الثلاثة لحديث عقبة بن عامر المتقدم، (ص 130) بلفظ:" ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب ".

والحديث ظاهر الدلالة على ما ذكرنا، وقد ذهب لى ذلك ابن حزم في " المحلى "(5/ 114 - 115) وغيره من العلماء،.

ومن التأويلات البعيدة، بل الباطلة قول بعضهم:" قوله: (نقبر) أي نصلي " قال أبو الحسن السندي: " ولا يخفى أنه معنى بعيد، لا ينساق إليه الذهن من لفظ الحديث، قال بعضهم " يقال: قبره إذا دفنه، ولا يقال: قبره إذا صلى عليه ".

والاقرب أن الحديث يميل إلى قول أحمد وغيره أن الدفن مكروه في هذه الاوقات " (1)

ب - في الليل لحديث جابر رضي الله عنه:

(1) قلت: وقد رد ذلك التأويل الامام النووي أيضا، ولكنه في سبيل بيان ذلك وقع في تأويل آخر يشبه هذا وادعي دعوى غير ثابتة فقال في " شرح مسلم ": " قال بعضهم إن المراد بالقبر صلاة الجنازة، وهذا ضعيف، لان صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت بالاجماع، فلا يجوز تفسير الحديث بما يخالف الاجماع، بل الصواب أن معناه تعمد تأخير الدفن إلى هذه الاوقات، كما يكره تعمد تأخير العصر إلى اصفرار الشمس بلا عذر

فأما إذا وقع الدفن في هذه الاوقات بلا تعمد فلا يكره ".

قلت: وهذا تأويل لا دليل عليه، والحديث مطلق يشمل المتعمد وغيره، فالحق عدم جواز الدن ولو لغير متعمد، فمن أدركته فيها فليتريث حتى يخرج وقت الكراهة.

وأما ادعاؤه أن صلاة الجنازة لا تكره في مثل هذا الاوقات بالاجماع فوهم منه رحمه الله، فالمسألة خلافية والصواب فيها الكراهة خلاف الاجماع المزعوم، وقد سبق بيان ذلك في المسألة (89) تعليقا عليها (ص 130) =

ص: 139

" أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل وقبر ليلا، فزجر البني صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك "

أخرجه مسلم وغيره وقد سبق في المسألة (35 ص 56) والحديث ظاهر الدلالة على ما ذكرنا، وهو مذهب أحمد رحمه الله في رواية عنه ذكرها في " الانصاف " (2/ 547) قال:" لا يفعله إلا لضرورة، وفي أخرى عنه: يكره ".

قلت: والأول أقرب لظاهر قوله " زجر " فانه أبلغ في النهي من لفظ " نهى " الذي يمكن حمله على الكراهة، على أن الاصل فيه التحريم، ولا صارف له إلى الكراهة. (1)

(1) لكن يشكل على ما ذكرنا قوله في الحديث " حتى يصلى عليه ".

فإنه يدل بظاهره أيضا على جواز الدفن ليلا بعد الصلاة لانها هي الغاية من النهي، فإذا حصلت ارتفع النهي، لكن يرد عليه قوله " إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك " فإن إسم الاشارة فيه يعود إلى المنهي عنه وهو الدفن ليلا قبل الصلاة إلا عند الضرورة فيجوز.

وهذا بعيد جدا، لان من السهل أن نتصور اضطرار المشيعين للدفن ليلا لاسباب كثيرة كما سيأتي عن ابن حزم ولكننا لا نتصور في وجه من الوجوه أن يضطروا لدفنه دون أن يصلو عليه، ومما يزيده بعدا أن هذا المعنى يجعل قيد " الليل " عديم الفائدة، إذ الدفن قبل الصلاة، كما لا يجوز ليلا، فكذلك لا يجوز نهارا، فإن جاز ليلا لضرورة جاز نهارا من أجلها ولا فرق، فما فائدة التقييد ب " الليل " حينئذ. لا شك أن الفائدة لا تظهر بصورة قوية إلا إذا رجحنا ما استظهرناه أو لا من عدم جواز الدفن ليلا، وبيان ذلك: أن الدفن في الليل مظنة قلة المصلين على الميت، فنهي عن الدفن ليلا حتى يصلي عليه نهارا، لان الناس في النهار أنشط في الصلاة عليه، وبذلك تحصل الكثرة من المصلين عليه، هذه الكثرة التي هي من مقاصد الشريعة وأرجى لقبول شفاعتهم في الميت كما سبق بيانه في " المسألة (63)، (ص 96) قال النووي: في " شرح مسلم ":

"وأما النهي عن القبر ليلا حتى يصلى عليه، فقيل سببه أن الدفن نهارا يحضره كثير من الناس ويصلون عليه ولا يحضره في الليل إلا أفراد، وقيل لانهم كانوا يفعلون ذلك لرداءة الكفن، فلا يتبين في الليل، ويؤيده أول الحديث وآخره، قال القاضي: العلتان صحيحتان، قال: والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قصدهما معا، قال: وقد قيل غير هذا ".

قلت: فإذا عرف أن العلة قلة المصلين وخشية رداءة الكفن، ينتج من ذلك أنه لو صلي عليه نهارا، ثم تأخر دفنه لعذر إلى الليل أنه لا مانع من دفنه فيه لانتفاء العلة وتحقق الغاية وهي كثرة المصلين، وعليه فهل يجوز

التأخر بدفن الميت في النهار تحصيلا للغاية المذكورة، استحسن ذلك الصنعاني في " سبل السلام "(2/ 166)، ولست إرى ذلك لان العلة المذكورة مقيدة فلا يجوز تعديتها إلى النهار لوجود الفارق الكبير بين الظرفين، فإن =

ص: 140

92 -

فإن اضطروا لدفنه ليلا، جاز ولو مع استعمل المصباح والنزول به في القبر، لتسهيل عملية الدفن، والدليل حديث ابن عباس:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل رجلا قبره ليلا، وأسرج في قبره ".

أخرجه ابن ماجه (1/ 464) والترمذي (2/ 157) بأتم منه وقال: " حديث حسن ".

= القلة في الليل أمر طبيعي، بخلاف النهار فالكثرة فيه هي الطبيعي، ثم إن هذه الكثرة لا حد لها فكلما تؤخر بالميت زادت الكثرة، ولذلك نرى بعض المترفين الذين يحبون الظهور رياء وسمة، ولو على حساب الميت قد يؤخرونه اليوم واليومين ليحضر الجنازة أكبر عدد ممكن من المشيعين.

فلو قيل بجواز ذلك لادي إلى مناهضة الشارع في أمره بالاسراع بالجنازة على ما سبق بيانه في المسألة (17)(ص 13) بعلة الكثرة التي لا ضابط لها.

بعد هذا يتبين لنا الجواب عن الاشكال الذي أو ردته في قوله " حتى يصلى عليه " إذ أنه ظهر أن المراد حتى يصلى عليها نهارا لكثرة الجماعة، كي تبين أن إسم الاشارة في قوله " إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك " يعود إلى الدفن ليلا ولو مع قلة المصلين، لا إلى الدفن مع ترك الصلاة عليه إطلاقا، فليتأمل فإنه حقيق بالتأمل.

ثم قال النووي في " شرح مسلم ": " وقد اختلف العلماء في الدفن في الليل، فكرهه الحسن البصري إلا لضرورة، وهذا الحديث مما يستدل له به، وقال جماهير العلماء من السلف والخلف: لا يكره واستدولو بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وجماعة من السلف دفنوا ليلا من غير إنكار، وبحديث المرأة السوداء: والرجل الذي كان يقم المسجد فتوفي بالليل فدفنوه ليلا، وسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا: توفي ليلا فدفناه في الليل، فقال: ألا اذنتموني، قالوا: كانت ظلمة ولم ينكر عليهم، وأجابوا عند هذا الحديث أن النهي كان لترك الصلاة، ولم ينه عن مجرد الدفن بالليل، وإنما لترك الصلاة أو لقلة المصلين أو عن إساءة الكفن أو عن المجموع كما سبق ".

قلت: والجواب الأول وهو أن النهي كان لترك الصلاة، لا يصح، لانه لو كان كذلك لم يكن ثمة فرق بين الدفن ليلا أو نهارا كما سبق بيانه، بل الصواب أن النهي إنما كان للامرين اللذين سبقا في كلام القاضي، ولذلك اختار ابن حزم أنه لا يجوز أن يدفن أحد ليلا إلا عن ضرورة.

واستدل على ذلك بهذا الحديث، ثم أجاب عن الاحاديث الواردة في الدفن ليلا، وما في معناها من الاثار بقوله (5/ 114 - 115): وكل من دفن ليلا منه صلى الله عليه وسلم ومن أزواجه ومن أصحابه رضي الله عنهم، فإنما ذلك لضرورة أو جبت ذلك من خوف الحر على من حضر - وهو بالمدينة شديد - أو خوف تغير أو غير ذلك مما يبيح الدفن ليلا، ولا يحل لاحد أن يظن بهم رضي الله عنهم خلاف ذلك ".

ثم روى كراهة الدفن ليلا عن سعيد بن المسيب، وأقول: ومن الجائز أن بعض من دفن ليلا كانوا صلوا عليه نهارا، وحينئذ فلا تعارض على ما سبق بيانه، وذلك هو الواقع في حقه صلى الله عليه وسلم، فإنهم صلوا عليه يوم الثلاثاء ثم دفنوه ليلة الاربعاء كما ذكر ابن هشام في سيرته (4/ 314) عن ابن اسحاق.

والله أعلم.

ص: 141

قلت: يعني أنه حسن لغيره، وهذا اصطلاح خاص للترمذي أنه إذا قال:" حديث حسن " فإنما يريد الحسن لغيره كما نص عليه هو نفسه في " العلل "، المذكورة في آخر كتابه، وقد جاء له شاهد كما يأتي، وعليه فلا يرد على تحسين الترمذي نقد ابن القطان إياه الذي حكاه صاحب " تحفة الاحوذي ".

أما الشاهد فهو من حديث جابر بن عبد الله.

أخرجه أبو داود (2/ 63) والحاكم (1/ 368) والبيهقي (4/ 53) وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ".

ووافقه الذهبي وزاد عليهما النووي فقال في " المجموع "(5/ 302): " رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم " قلت: وكل ذلك خطأ، فإن مدار إسناده على محمد بن مسلم الطائفي، وهو وإن كان ثقة في نفسه، فقد كان ضعيفا في حفظه، ولذلك لم يحتج الشيخان به، وإنما روى له البخاري تعليقا، ومسلم استشهادا، ومن العجائب أن الحاكم والذهبي على علم ببعض هذا، فقد ذكر المزي أن الطائفي هذا ليس له في مسلم إلا حديثا واحدا، قال الحافظ ابن حجر:" وهو متابعه عنده، كما نص عليه الحاكم " وكذلك صرح الذهبي في ترجمته من " الميزان " أن مسلما روى له متابعة.

وله شاهد آخر من حديث أبي ذر نحوه.

أخرجه الحاكم بسند فيه رجل لم يسم، وبقية رجاله ثقات.

93 -

ويجب إعماق القبر، وتوسيعه وتحسينه، وفيه حديثان:

الأول: عن هشام بن عامر قال: " لما كان يوم أحد، أصيب من أصيب من المسلمين، وأصاب الناس جراحات، (فقلنا: يا رسول الله، الحفر علينا لكل إنسان شديد)، (فكيف تأمرنا)، فقال: احفروا وأوسعوا (وأعمقوا) (وأحسنوا)، وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر، وقدموا أكثرهم قرآنا، (قال: فكان أبي ثالث ثلاثة، وكان أكثرهم قرآنا، فقدم) ".

ص: 142

أخرجه أبو داود (2/ 70) والنسائي (1/ 283 - 284) والترمذي (3/ 36) والبيهقي (4/ 34) وأحمد (4/ 19، 20)، وابن ماجه مختصرا.

والسياق للنسائي، والزيادات كلها له في رواية، وكذا هي عند أحمد دون الأولى، ولابي داود والبيهقي الثالثة، وللترمذي وابن ماجه والبيهقي الرابعة، وللترمذي الخامسة وقال:" حديث حسن صحيح ".

قلت: ومدار سنده على حميد بن هلال، وقد رواه عنه أيوب السختياني على ثلاثة وجوه: الأول: عنه عن هشام بن عامر.

الثاني: عنه عن أبي الدهماء عن هشام.

الثالث: عنه عن سعد بن هشام عن أبيه هشام.

وقد تابعه على الوجه الأول سليمان بن المغيرة عن حميد به.

أخرجه تابعه على الوجه الأول سليمان بن المغيرة عن حميد به.

أخرجه النسائي والبيهقي (3/ 413) وأحمد.

وتابعه على الوجه الثالث جرير بن حازم ثنا حميد بن هلال عن سعد بن هشام بن عامر أخرجه الثلاثة المذكورن وكذا أبو داود وعنه البيهقي (3/ 414).

وهذا الوجه أرجح عندي لهذه المتابعة، وهي أرجح من المتابعة الأولى لوجهين: أولا: أن سليمان بن المغيرة احتج به مسلم دون البخاري، فروي له مقرونا بغيره، بخلاف جرير بن حازم فقد احتج به مسلم والبخاري.

ثانيا: أن فيه زيادة من ثقة، وهي معتبرة فكان من المرجحات.

وعلى هذا فإسناد الحديث صحيح كما قال الترمذي وهو على شرط الشيخين.

الثاني: عن رجل من الانصار قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الانصار، وأنا غلام مع أبي، فجلس

ص: 143

رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفيرة القبر، فجعل يوصي (وفي رواية: يوميء إلى) الحافر ويقول: أوسع من قبل الرأس، وأوسع من قبل الرجلين، لرب عذق له في الجنة " (1).

أخرجه أبو داود (2/ 83) والبيهقي (3/ 414)، والرواية الأخرى له وأحمد (5/ 408) والسياق له، وإسناده صحيح كما قال النووي في " المجموع "(5/ 286) والحافظ في " التلخيص "(5/ 201).

94 -

ويجوز في القبر اللحد (2) والشق لجريان العمل عليهما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الأول أفضل، وفي ذلك أحاديث:

الأول: عن أنس بن مالك قال:

" لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة رجل يلحد، وآخر يضرح، فقالوا: نستخير ربنا، ونبعث إليهما، فأيهما سبق تركناه، فأرسل إليهما، فسبق صاحب اللحد فلحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم ".

أخرجه ابن ماجه (1/ 472) والطحاوي (4/ 45) وأحمد (3/ 99).

قلت: وسنده حسن كما قال الحافظ في " التلخيص "(5/ 204).

وله شاهدان:

الأول: عن ابن عباس.

أخرجه ابن ماجه (1/ 298) وأحمد 39، 3358) وابن سعد (2/ 2 / 72) والبيهقي (3/ 407) والاخر: عن عائشة " رواه ابن ماجه وابن سعد، وإسناده كل منهما ضعيف كما قال الحافظ.

لكن للاول منهما طريق أخرى بلفظ:

(1) قلت: وظاهر الامر في الحديثين يفيد وجوب ما ذكر فيهما من الاعماق والتوسعة والاحسان، والمعروف عن الشافعية وغيرهم استحباب الاعماق، وأما ابن حزم فقد صرح في " المحلى "(5/ 116) بفرضيته، واختلفوا في حد الاعماق على أقوال تراها في " المجموع " أو غيره.

(2)

بفتح اللام وبالضم وسكون الحا هو الشق في عرض القبر من جهة القبلة، والشق هو الضريح وهو أن يحفر إلى أسفل كالنهر.

ص: 144

" دخل قبر النبي: صلى الله عليه وسلم العباس، وعليي والفضل، وسوى لحده رجل من الانصار، وهو الذي سوى لحود قبور الشهداء يوم بدر ".

أخرجه الطحاوي في " مشكل الاثار "(4/ 47) وابن الجارود (268) وابن حبان (2161) وإسناده صحيح، ولابن عباس حديث آخر في اللحد من قوله صلى الله عليه وسلم يأتي بعد حديث، وشاهد من حديث علي يأتي في المسألة (97)(ص 147).

الثاني: عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال: " ألحدوا لي لحدا، وانصبوا علي اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ".

أخرجه مسلم (2/ 61) والنسائي وأحمد (1489، 1601، 1602).

الثالث: عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللحد لنا، والشق لغيرنا ".

أخرجه أبو داود (2/ 69) والنسائي (1/ 283) والترمذي (2/ 152) وابن ماجه (4711) والطحاوي (4/ 48) والبيهقي (3/ 408) بسند ضعيف كما قال الحافظ (5/ 203) وصححه ابن السكن.

قلت ولعله لشواهده وطرقه التي منها: عن جرير مرفوعا مثله.

رواه ابن ماجه والطحاوي والبيهقي والطيالسي (669) وأحمد (4/ 357، 359، 362) عن عثمان بن عمير أبي اليقظان عن زاذان عنه.

وعثمان هذا ضعيف كما قال الحافظ، لكن رواه الطحاوي من طريق ثان وأحمد من طريقين آخرين، فهذه طرق أربعة لحديث جرير يقوي بعضها، فإذا ضمت إلى حديث ابن عباس شدت من عضده وارتقى إلى درجة الحسن بل الصحيح (1)

(1) قال النووي في " المجموع "(5 - 287): " أجمع العلماء أن الدفن في اللحد والشق جائزان، لكن إن كانت الارض صلبة لا ينهار ترابها فاللحد أفضل لما سبق من الادلة، وإن كانت رخوة تنهار فالشق أفضل ".

ص: 145

98 -

(1) ولا بأس من أن يدفن فيه اثنان أو أكثر عند الضرورة، ويقدم إلى أفضلهم، وفيه أحاديث:

الأول: عن جابر بن عبد الله قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين (والثلاثة) من قتل أحد في ثوب واحد (2) ثم يقول: أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد (قبل صاحبه وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة، وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا ولم يصل عليهم، (قال جابر: فدفن أبي وعمي (3) يومئذ في قبر واحد) ".

أخرجه البخاري (3/ 163 - 165، 169، 7/ 300) والنسائي (1/ 277) والترمذي (2/ 147) وصححه وابن ماجه (1/ 461) وابن الجارود (270) والبيهقي (4/ 14) وأحمد (5/ 431)، والزيادة الثالثة له، وللبخاري معناها، وله والبيهقي الثانية، ولابن ماجه الثالثة، وعزاها الشوكاني (4/ 25) للترمذي فوهم.

وفي الشطر الثاني من الحديث زيادة تقدمت في المسألة (32)، (ص 54)

الثاني: عن أبي قتادة أنه حضر ذلك، قال:" أتي عمرو بن الجموع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله حتى أقتل أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة؟ وكانت رجله عرجاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، فقتلوا يوم أحد: هو وابن أخيه ومولى لهم، فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما وبمولاهما، فجعلوا في قبر واحد".

أخرجه أحمد (5/ 299) بسند حسن كما قال الحافظ (3/ 168).

وفي الباب عن هشام بن عامر، ومضي حديثه في المسأله (93) الحديث الأول،

(1) لقد انتقل رقم المسائل من 94 الى 98 لاستدراك خطأ بالترقيم فعذرا.

(2)

يعنى في قطعة منه، ولو لم يستر جيمع بدنه، انظر التعليق (2) ص 60

(3)

ظاهر أنه يعني أخا أبيه، وليس كذلك بل أراد عمرو بن الجموح المذكور في الحديث بعده، وكان صديق والدجابر وزوج أخته هند بنت عمرو، وكأن جابرا سماه عمه تعظيما كما قال الحافظ في " الفتح " وساق اثارا تؤيد ذلك فراجعه (3/ 168).

ص: 146

(ص 141) وعن أنس بن مالك، وتقدم في المسألة (37)، (ص 59) - 60) (1)

99 -

ويتولى إنزال الميت ولو كان أنثى - الرجال دون النساء لأمور:

الأول: أنه المعهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وجرى عليه عمل المسلمين حتى اليوم ويأتي فيه حديث أنس في المسألة (99).

الثاني أن الرجال أقوى على ذلك، الثالث: لو تولته النساء أفضى ذلك إلى انكشاف شئ من أبدانهن أمام الاجانب وهو غير جائز.

100 -

وأولياء الميت أحق بإنزاله، لعموم قوله تعالى {وَأُولُو الْأَرْحَامِ (2) بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال: 75].

ولحديث علي رضي الله عنه قال: " غسلت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهبت أنظر ما يكون من الميت، فلم أر شيئا، وكان طيبا حيا وميتا، وولي دفنه وإجنانه دون الناس أربعة: علي والعباس والفضل وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحد لرسول الله لحدا، ونصب عليه اللبن نصبا ".

أخرجه الحاكم (1/ 362) وعنه البيهقي (4/ 53) بسند صحيح، وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

وله شاهد من حديث ابن عباس سبق ذكره في المسألة (94)، (ص 144 - 145) وشاهد آخر عن الشعبي مرسلا، ولم يذكر صالحا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخره أبو داود (2/ 69) بسند صحيح عنه.

وله عن مرحب أو ابن أبي مرحب " أنهم (يعني عليا والفضل وأخاه) أدخلوا معهم

(1) قلت: وفي هذه الحاديث فضيلة ظاهرة لقارئ القرآن، قال الحافظ في " الفتح (3 - 166):" ويلحق به أهل الفقه والزهد وسائر وجوه الفضل "، وقال الشافعي في " الام " (1 - 245):" ويدفن في موضع الضرورة من الضيق والعجلة الميتان والثلاثة في القبر، ويكون الذي للقبلة منهم أفضهلم وأسنهم، ولا أحب أن تدفن المرأة مع الرجل على حال، وإن كانت ضرورة ولا سبيل إلى غيرها كان الرجل أمامها، وهي خلفه، ويجعل بين الرجل والمرأة في القبر حاجز من تراب ".

(2)

وهم الاب وآباؤه، والابن وأبناؤه: ثم الاخوة الاشقاء، ثم الذين للاب، ثم بنوهم، ثم الاعمام للاب والام ثم للاب ثم بنوهم، ثم كل ذي رحم محرمه.

كذا في " المحلى "(5/ 143)، ونحوه في " المجموع "(5/ 290).

ص: 147

عبد الرحمن بن عوف، فلما فرغ علي قال: إنما يلي الرجل أهله ".

ومرحب أو ابن أبي مرحب مختلف في صحبته.

(1)

وعن عبد الرحمن بن أبزي قال: " صليت مع عمر بن الخطاب على زينب بنت جحش بالمدينة، فكبر أربعا ثم أرسل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: من يأمرون أن يدخلها القبر؟ قال: وكان يعجبه أن يكون هو الذي يلي ذلك: فأرسلن إليه: انظر من كان يراها في حال حياتها فليكن هو الذي يدخلها القبر، فقال عمر: صدقتن ".

أخرجه الطحاوي (3/ 304 - 305) والبيهقي (3/ 53) بسند صحيح.

101 -

ويجوز للزوج أن أن يتولى بنفسه دفن زوجته، لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت:" دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بدئ فيه، فقلت، وارسأه، فقال: وددت أن ذلك كان وأنا حي، فهيأتك ودفنتك، قالت: فقلت غيري: كأني بك في ذلك اليوم عروسا ببعض نسائك قال: وأنا وارأساه ادعي لي أباك وأخاك حتي أكتب لأبي بكر كتابا فإني أخاف أن يقول قائل ويتمنى متمن: أنا أولى ويأبى الله عز وجل والمؤمنون إلا أبا بكر ".

أخرجه أحمد (6/ 144) بإسناد صحيح على شرط الشيخين، وهو في "صحيح البخاري" بنحوه (10/ 101 /، 102)، ومسلم (7/ 110) مختصرا، وله طريق أخرى عن عائشة تقدم (ص 50)(2)

102 -

لكن ذلك مشروط بما إذا كان لم يطأ تلك الليلة، وإلا لم يشرع له دفنها، وكان غيره هو الأولى بدفنها ولو أجنبيا بالشرط المذكور، لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر فرأيته عينيه تدمعان

(1) قلت: وهو والذي قبله من مرسل الشعبي، شاهد قوي لحديث علي رضى الله عنه.

(2)

وقد ذهب إلى جواز دفن الرجل لزوجته الشافعية، بل قالوا: إنه أحق بذلك من أوليائها الذين ذكرنا وعكس ذلك ابن حزم فجعله بعدهم في الاحقية، ولعله الاقرب لما سبق من عموم الاية.

ص: 148

ثم قال: هل منكم من رجل لم يقارف (1) الليلة (أهله)؟ فقال أبو طلحة: (نعم) أنا يا رسول الله! قال: فانزل، قال فنزل في قبرها (فقبرها) ".

وفي رواية عنه: " أن رقية رضي الله عنها لما ماتت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يدخل القبر رجل قارف " الليلة) أهله، فلم يدخل عثمان بن عفان رضي الله عنه القبر ".

أخرج الرواية الأولى البخاري في " صحيحه "(3/ 122، 162) والطحاوي في " المشكل "(3/ 304) والحاكم (4/ 47) والبيهقي (4/ 53) وأحمد (3/ 126، 228) والسياق له، وعنده الزيادة الثانية في رواية له، وعند الطحاوي والحاكم الأولى، والبخاري الأخيرة.

وأخرج الرواية الثانية أحمد (3/ 229 - 270) والطحاوي (3/ 202) والحاكم (4/ 47) وابن حزم (5/ 145) من طريق أخرى عن أنس، والسياق لاحمد، والزيادة للحاكم وقال:" حديث صحيح على شرط مسلم ".

وهو كما قال، وأقره الذهبي، إلا أن بعض الائمة قد استنكر منه تسميته البنت " رقية " فقال البخاري في التاريخ الأوسط":"ما أدري ما هذا؟ فإن رقية ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم ببدر لم يشهدها ".

ورجح الحافظ في " الفتح " أن الوهم فيه من حماد بن سلمة، وأنها أم كلثوم زوج عثمان، فراجعه، وهو الذي جزم به الطحاوي في " المشكل " وقال " " وكانت وفاتها في سنة تسع من الهجرة " (2).

(1) أي يجامع كما في " النهاية "، واستبعد هذا التفسير الطحاوي بدون أي دليل، فلا يلتفت إليه.

(2)

قال النووي في " المجموع "(5/ 289):

" هذا الحديث من الاحاديث التي يحتج بها في كون الرجال هم الذين يتوا عن الدفن وإن كان الميت امرأة، قال: ومعلوم أن أبا طلحة رضي الله عنه أجنبي عن بنات النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه كان من صالحي الحاضرين، ولم يكن هناك رجل محرم إلا النبي صلى الله عليه وسلم، فلعله كان له عذر في نزول قبرها، وكذا زوجها، ومعلوم أنها أختها فاطمة وغيرها من محارمها وغيرهن هناك، فدل على أنه لا مدخل للنساء في إدخال القبر والدفن ".

وقال الحافظ في " الفتح ": =

ص: 149

103 -

والسنة إدخال الميت من مؤخر القبر، لحديث أبي إسحاق قال:" أوصي الحارث أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد، فصلى عليه، ثم أدخله القبر من قبل رجلي القبر وقال: من السنة ".

أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف "(4/ 130) وأبو داود (2/ 69) ومن طريقه البيهقي (4/ 54) وقال: هذا إسناد صحيح، وقد قال:" هذا من السنة " فصار من المسند ".

قلت: ثم روى له شواهد من حديث ابن عباس وغيره، وقال:" هذا هو المشهور فيما بين أهل الحجاز ".

ثم ساق حديثين في أن النبي صلى الله عليه وسلم أدخل من قبل القبلة، وضعفهما، وهو كما ذكر، وقد أعل الشافعي رحمه الله تعالى الحديث الثاني منهما من جهة متنه أيضا بحجة أنه غير ممكن عمليا، فقال في " الام " (1/ 241): " أخبرني الثقات من أصحابنا أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم على يمين الداخل من البيت لا صق بالجدار، والجدار الذي اللحد لجنبه قبلة البيت، وأن لحده تحت الجدار، فكيف يدخل معترضا واللحد لاصق بالجدار، لا يقف عليه شئ، ولا يمكن إلا أن يسل سلا، أو يدخل من خلاف القبلة، وأمور الموتى وإدخالهم من الامور المشهورة عندنا لكثرة الموت، وحضور الائمة، وأهل الثقة، وهو من الامور العامة التي يستغني فيها عن الحديث، ويكون الحديث فهيا كالتكليف بعموم معرفة الناس لها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والانصار بين أظهرنا بين أظهرنا بنقل العامة عن العامة لا يختلفون في ذلك أن الميت يسل سلا، ثم

= " في الحديث البعيد ايثار البعيد العهد عن الملاذ في مواراة الميت ولو كان امرأة على الاب والزوج، وقيل: إنما اثره بذلك لانها كانت صنعته، وفيه نظر، فإن ظاهر السياق أنه اختاره لذلك لكونه لم يقع منه في تلك الليلة جماع ".

قلت: والحديث ظاهر الدلالة على ما ترجمنا له، وبه قال ابن حزم رحمه الله (5/ 144 - 145)، ومن الغرائب أن عامة كتب الفقه التي كنت وقفت عليها، أو راجعتها بهذه المناسبة لم تتعرض لهذه المسألة، لا نفيا ولا إثباتا، وهذا دليل من أدلة كثيرة على أنه لا غنى للفقيه عن كتب السنة خلافا لما يظنه المتعصبة للمذاهب أن كتب الفقه تغني عن كتب الحديث بل وعن كتاب الله تبارك وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا، أنظر " سلسلة الاحاديث الصحيحة "(ج 1 ص 128 - 129 طبع المكتب الاسلامي).

ص: 150

جاءنا آت (1) من غير بلدنا يعلمنا كيف ندخل الميت (2) ثم لم يعلم (كذا الاصل، وفي " المجموع " نقلا عن " الام " (لم يرض)(ولعله الصواب) حتى روى عن حماد عن ابراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم أدخل معترضا ".

ثم ساق الشافعي حديث ابن عباس وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه.

قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير شيخ الشافعي وهو مجهول لم يسم، لان الشافعي قال:" أخبرنا الثقة عن عمرو عن عطاء عنه ".

وعن ابن سيرين قال: " كنت مع أنس في جنازة فأمر بالميت فسل من قبل رجل القبر ".

أخرجه أحمد ((4081) وابن أبي شيبعة (4/ 130) وسنده صحيح

104 -

ويجعل الميت في قبره على جنبه اليمين، ووجهه قبالة القبلة، ورأسه ورجاله إلى يمين القبلة ويسارها، على هذا جرى عمل أهل الاسلام من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وهكذا كل مقبرة على ظهر الارض، كذا في " المحلى "(5/ 173) وغيره.

105 -

ويقول الذي يضعه في لحده: " بسم الله، وعلى سنة رسول الله، أو: ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

والدليل عليه حديث ابن عمر:

(1) هو حماد بن أبي سليمان من شيوخ أبي حنيفة كما في " فتح القدير " وغيره، وأقول: بل الظاهر أنه أبو حنيفة نفسه بدليل قول الشافعي الاتي: " حتى روى عن حماد " فهذا صريح أنه غير حماد وإنما هو أبو حنيفة.

(2)

وما دل عليه هذا الحديث الموقوف ثم المرفوع قبله هو مذهب أحمد وعليه أكثر أصحابه كما في " الانصاف "(2/ 544) خلافا لحنفية ك ما سبق في كلام الشافعي، واحتج لهم ابن الهمام بحديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم دخل قبرا .. فأخذه من قبل القبلة

رواه الترمذي وقال: " حديث حسن ". قال ابن الهمام (1/ 470): " من أن فيه الحجاج بن أرطاة ومنها ل بن خليفة، وقد اختلفوا فيهما، قال: ذلك يحط الحديث عن درجة الصحيح، لا الحسن ".

قلت: بل ذلك يحطه عن درجة الحسن لان الحجاج مدلس وقد عنعنه، وحديث المدلس المعنعن غير مقبول عند العلماء وهو أحد الحديثين اللذين ضفهما البيهقي كما سبقت الاشارة الى ذلك في أول المسألة، ولذلك أنكر النووي (5/ 295) على الترمذي تحسينه إياه فقال:" لا يقبل قول الترمذي فيه: إنه حسن لان الحجاج بن أرطاة ضعيف باتفاق المحدثين ". وقال الزيلعي: =

ص: 151

" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع الميت في القبر قال: (وفي لفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أذا وضعتم موتاكم في القبور فقولوا): بسم الله، وعى سنة (وفي رواية: ملة) رسول الله ".

أخرجه أبو داود (2/ 70) والترمذي (2/ 152، 153) وابن ماجه (1/ 470) وابن حبان في " صحيحه "(773) والحاكم (1/ 366) والبيهقي (4/ 55) وأحمد (رقم 4990، 5233، 6111) من طريقين عن ابن عمر.

واللفظ الأول لابي داود وابن ماجه وابن السني، واللفظ الاخر للباقين، وأما الرواية الاخرى فهي للترمذي وابن ماجه والحاكم، ورواية لاحمد، ومعناهما واحد، وقال الترمذي:" حديث حسن ".

وقال الحاكم ووافقه الذهبي: " صحيح على شرط الشيخين ".

قلت: وهو كما قالا: ولا يضره رواية بعضهم له موقوفا لامرين: الأول: أن الذي رفعه ثقة، وهي زيادة منه، فيجب قبولها ويؤيده الامر الثاني: أنه روي مرفوعا من الطريق الاخر.

أو يقول: " بسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

لحديث البياضي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الميت إذا وضع في قبره: فليقل الذين يضعونه حين يوضع في اللحد: باسم الله، وبالله على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

إخرجه الحاكم شاهدا للحديث الذي قبله. وإسناده حسن

106 -

ويستحب لمن عند القبر أن يحثو من التراب ثلاث حثوات بيديه جميعا بعد الفراغ من سد اللحد، لحديث أبي هريرة:

= (2/ 300) بعد أن حكى قول الترمذي: " وأنكر عليه لان مداره على حجاج بن أرطاة، وهو مدلس ولم يذكر سماعا، ومنهال ضعفه ابن معين

" قلت: فهذا هو الحق عند من ينصف أن هذا الحديث ضعيف وحديث عبد الله بن يزيد صحيح، ومن الغرائب أن ابن الهمام سلم بصحته، ولكنه رده من أصله بحجة أنه فعل صحابي ظن السنة ذلك! يقول هذا مع أن مذهبه أن قول الصحابي، السنة كذا في معنى الحديث المسند كما نقلناه عنه في المسألة (77)(ص 120) وراجع المسإلة (73)(ص 109، 110) فقيه رد على نوع آخر من التعصب وتخطئة الصحابة بدون حجة!

ص: 152

" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ثم آتي الميت فحتى عليه من قبل رأسه ثلاثا ".

أخرجه ابن ماجه (1/ 474) بإسناد قال (5/ 292): " جيد ".

لكن قال الحافظ: " ظاهره الصحة ".

ثم ذكر أنه معلول بعنعقة بعض رواته كما بينته في " التعليقات الجياد "، لكن الحديث قوي بما له من الشواهد، وقد ذكرها الحافظ في " تلخيص الحبير "(5/ 222) فليراجعها من شاء، ثم تبى نلي أن الاعلال المشار إليه غير قادح، كما حققته في الارواء (743)(1).

107 -

ويسن بعد الفراغ من دفنه أمور: الأول: أن يرفع القبر عن الارض قليلا نحو شبر، ولا يسوى بالارض، وذلك ليتميز فيصان ولا يهان لحديث جابر رضي الله عنه:" أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحد له لحد، ونصب اللبن نصبا، ورفع قبره من الارض نحوا من شبر ".

رواه ابن حبان في " صحيحه "(2160) والبيهقي (3/ 410) وإسناده حسن.

(1) وأما استحباب بعض المتأخرين من الفقهاء أن يقول في الحثية الأولى (منها خلقناكم)، وفي الثانية (وفيها نعيدكم)، وفي الثالثة (ومنها نخرجكم تارة أخرى) فلا أصل له في شئ من الاحاديث التي أشرنا إليها في الاعلى: وأما قول النووي (5/ 293 - 294):

وقد يستدل له بحديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: " لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (منها خلقنا كم، وفيها نعيدكم، ومنها تخريجكم تارة أخرى) "، رواه الامام أحمد من رواية عبيد الله بن زحر عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم، وثلاثتهم ضعفاء لكن يستأنس بأحاديث الفضائل وإن كانت ضعيفة الاسناد، ويعمل ها في الترغيب والترهيب، وهذا مها، والله أعلم ".

فالجواب عليه من وجه: الأول: أن الحديث ليس فيه التفصيل المزعوم استحبابه فلا حجة فيه أصلا لو صح سنده.

الثاني: أن التفصيل المذكور لم يثبت في الرع أنه من فضائل الاعمال حتى يقال يعمل بهذا الحديث لانه في فضائل الاعمال، بل إن تجويز العمل به معناه إثبات مشروعية عمل بحديث ضعيف وذلك لا يجوز لان المشروعية أقل درجاتها الاستحباب: وهو حكم م الاحكام الخمسة التي لا تثبت إلا بدليل صحيح، ولا يجدي فيها الضعيف باتفاق العلماء.

الثالث أن الحديث ضعيف جدا، بل هو موضوع في نقد ابن حبان، فإنه في " مسند أحمد "(5/ 254) من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد، وهو الالهاني وقول النووي " علي بن زيد بن جدعان " خطأ، لمخالفته لما في " المسند " قال ابن حبان:" عبيد الله بن زحر، يروي الموضوعات عن الاثبات، وإذا روى عن علي بن يزيد أتي بالطامات، وإذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله وعلي بن يزيد والقاسم أبو عبد الرحمن لم يكن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم "! ابن حجر في " تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب ".

ص: 153

وله شاهد عن صالح بن أبي صالح قال، " رأيت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم شبرا أو نحو شبر ".

رواه أبو داود في " المراسيل ".

ويؤيده ما سيأتي من النهي عن الزيادة على التراب الخارج من القبر، فإن من المعلوم أنه يبقى بعد الدفن على القبر التراب الذي أخرج من القبر، فإن من المعلوم أنه يبقى بعد الدفن على القبر التراب الذي أخرج من اللحد الذي شغله جسم الميت، وذلك يساوي القدر المذكور في الحديث تقريبا. (1)

الثاني: أن يجعل مسنما، لحديث سفيان التمار قال:" رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم (وقبر أب بكر وعمر) مسنما ".

أخرجه البخاري (3/ 198 - 199) والبيهقي (4/ 3).

ورواه ابن أبي شيبة وأبو نعيم في " المستخرج " كما في " التلخيص " والزيادة لهما.

ولا يعارض ذلك ما روى عن القاسم قال: " دخلت على عائشة فقلت: يا أمة آكشفى لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما، فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئعة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء ".

أخرجه أبو داود (2/ 70) والحاكم (1/ 369) وعنه البيهقي (4/ 3) وابن حزم (5/ 134) من طريق عمرو بن عثمان بن هاني عن القاسم به، وقال الحاكم:" صحيح الاسناد "! ووافقه الذهبي! وأما البيهقي فقال: " إنه أصح من حديث سفيان التمار "!! وقد رد عليه ابن التركماني:

" هذا خلاف اصطلاح أهل هذا الشأن، بل حديث التمار أصح لانه مخرج في صحيح البخاري، وحديث القاسم لم يخرج في شئ من الصحيح ".

(1) قال الشافعي في " الام "(1/ 245 - 246) ما مختصره: " وأحب أن لا يزاد في القبر تراب من غيره، لانه إذا زيد ارتفع جدا، وإنما أحب أن يشخص على وجه الارض شبرا أو نحوه ".

ونقل النووي في " المجموع "(5/ 296) اتفاق أصحاب الشافعي على استحباب الرفع، بالقدر المذكور.

ص: 154

قلت: هذا الرد لا يكفي قد يكون إسناد الحديث المخالف لحديث البخاري أصح وأقوى من سند البخاري، فلا يتم ترجيح حديث التمار إلا ببيان علة حديث القاسم أو على الاقل بيان إنه دونه في الصحة، وهو الواقع هنا فإن علته عمرو بن عثمان ابن هانئ، وهو مستور كما قال الحافظ في " التقريب " ولم يوثقه أحد ألبتة: فتصحيح الحاكم لحديثه من تساهله المعروف، ومتابعة الذهبي له من أوهامه الكثيرة التي لا تخفى على من تتبع كلامه في " تلخيص المستدرك ".

ثم إنه لو صح فليس معارضا لحديث التمار لان قوله " مبطوح " ليس معناه مسطح بل ملقى فيه البطحاء وهو الحصى الصغيرة كما في " النهاية "، وهو ظاهر في الخبر نفسه:" مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء فهذا لا ينافي التسنيم، وبهذا جمع ابن القيم بين الحديثين فقال في " الزاد ": " وقبره مسنم مبطوح ببطحاء العرصة، الحمراء، لامبني ولا مطين، وهكذا كان قبر صاحبيه ".

الثالث: أن يعلمه بحجر أو نحوه ليدفن إليه من يموت من أهله، لحديث المطلب ابن أبي وادعة رضي الله عنه قال:" لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازته فدفن، أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا أن يأتيه بحجر فلم يستطع حمهل، فقام إلهيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسر عن ذراعية، قال المطلب: قال الذي يخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كأني أنظر إلى بياض ذراعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حسر عنهما، ثم حملها فوضعها عند رأسه، وقال: أتعلم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي ".

أخرجه أبو داود (2/ 69) وعنه البيهقي (3/ 412) بسند حسن كما قال الحافظ

(5/ 229)، والمطلب صحابي معروف أسلم يوم الفتح.

وله شاهدان ذكرتهما في " التعليقات الجياد ".

الرابع: أن لا يلقن الميت التلقين المعروف لايوم، لان الحديث الوارد فيه لا يصح (1)

(1) وكذا قال ابن القيم في " زاد المعاد "(1/ 206)، وضعفه النووي وغيره كما ذكرته في " التعليقات الجياد "، وقال الصنعاني في " سبل السلام " (2 - 161): ثم حققت القول فيه في " سلسلة الاحاديث الضعيفة "(599) =

ص: 155

بل يقف على القبر بدعو له بالتثبيت، ويستغفر له، ويإمر الحاضرين بذلك لحديث عثمان بن عفان رضى الله عنه قال:" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لاخيكم، وسلوا له التثبيت، فإنه الان يسإل ".

أخرجه أبو داود (2/ 70) والحاكم (1/ 370 والبيهقي (4/ 56) وعبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد "(ص 129) وقال الحاكم: " صحيح الاسناد "، ووافقه الذهبي: وهو كما قالا، وقال النووي (5/ 292:" إسناده جيد ".

108 -

ويجوز الجلوس عنده أثناء الدفن تذكير الحاضرين بالموت وما بعده، لحديث البراء بن عازب قال: " خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الانصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم (مستقبل القبلة)، وجلسنا حوله، وكأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عوده ينكت في الارض، (فجعل ينظر إلى السماء، وينظر إلى الارض، وجعل يرفع بصره ويخفضه، ثلاثا)، فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر، مرتين، أو ثلاثا، (ثم قال: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر) (ثلاثا)، ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الاخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط (1) من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيئ ملك الموت عليه السلام (2)

= " ويحتمل من كلام أئمة لا تحقيق أنه حديث ضعيف، والعمل به بدعة، ولا يغتر بكثرة من يفعله ".

ويعجبني منه قوله: " والعمل به بدعة "، وهذه حقيقة طالما ذهل عنها العلماء، فإنهم يشرعون بمثل هذا الحديث كثيرا من الامور ويستحبونها اعتمادا منهم على قاعدة " يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الاعمال " ولم يتنبهوا إلى أن محلها فيما ثبت بالكتاب والسنة مشروعيته وليس بمجرد الحديث الضعيف، وقد سبق لهذا مثال في التعليق (ص 153). وأذكر إن للامام الشاطبي في " الموافقات " كلاما جيدا حول هذه القاعدة فليراجع.

(1)

بفتح المهملة ما يخلط من لاطيب لاكفان الموتى وأجسامهم خاصة.

(2)

قلت: هذا هو اسمه في الكتاب والسنة (ملك الموت)، وأما تسميته (بعزرائيل) فمما لا أصل له، خلافا لما هو المشهور عند الناس، ولعله من الاسرائيليات!

ص: 156

حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة (وفي رواية: المطمئنة)، أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها، (وفي رواية: حتى إذا خرجت روحه صلى الله عليه كل ملك بين السماء والارض، وكل ملك في السماء، وفتحت له أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم)، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط، (فذلك قوله تعالى:(توفته رسلنا وهم لا يفرطون)، ويخرج منها كأطيب نفحة مسلك وجدت على وجه الارض، قال: فيصعدون بها فلا يمرون - يعني - بها على ملا من الملائكة إلا قالوا: ماهذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان ابن فلان - بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح لهم، فيشيعه م نكل سماء مقربوها، إلى المساء التي تليها، حتى ينتهي به إلى السماء السابعة، فيقول الله عزوجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، (وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ، كِتَابٌ مَرْقُومٌ، يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ)، فيكتب كتابه في عليين، ثم يقال): أعيدوه إلى الارض، فإني (وعدتهم أني) منها خلقتهم، وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: ف (يرد إلى الأرض، و) تعاد روحه في جسده، (قال: فانه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه) (مدبرين).فيأتيه ملكان (شديدا الانتهار) ف (ينتهرانه، و) يجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الاسلام فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعثت فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: وما عملك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به، وصدقت، (فينتهره فيقول: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، فذلك حين يقول الله عزوجل (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، فيقول: ربي الله، وديني الاسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فينادي مناد في السماء: أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة، قال: فيإتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، قال: ويأتيه (وفي رواية: يمثل له) رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: ابشر بالذي يسرك، (ابشر برضوان من الله، وجنات فيها نعيم مقيم)، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: (وأنت فبشرك الله

ص: 157

بخير) من أنت فوجهك الوجه يجيئ بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح (فوالله ما علمتك إلا كنت سريعا في إطاعة الله، بطيئا في معصية الله، فجزاك الله خيرا)، ثم يفتح له باب من الجنة، وباب من النار، فيقال: هذا منزلك لو عصيت، الله، أبد لك الله به هذا فإذا رأى ما في الجنة قال: رب عجل قيام الساعة، كيما أرجع إلى أهل ومالي، (فيقال له: اسكن)، قال: وإن العبد الكافر (وفي رواية: الفاجر) إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الاخرة، نزل إليه من السماء ملائكة (غلاظ شداد)، سود الوجوه، معهم المسوح (1)(من النار)، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: إيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفو (الكثير الشعب) من الصوف المبلول، (فتقطع معها العروق والعصب)، (فيلعنه كل ملك بين السماء والارض، وكل ملك في السماء وتغلق أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله ألا تعرج روحه من قبلهم)، فيأخذها، فإذا أخذها، لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، وبخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الارض، فيصعون بها، فلا يمرون بها على ملا من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان ابن فلان - بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا فيستفتح له، فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة، حتى يلج الجمل في سم الخياط)(2) فيقول الله عزوجل: اكتبوا كتابه في سجين، في الارض السفلى، (ثم يقال: أعيدوا عبدي إلى الارض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى)، فتطرح روحه (من السماء) طرحا (حتى تقع في جسده) ثم قرأ {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: 31]، فتعاد روحه في جسده، (قال: فإنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولو عنه)، ويأتيه ملكان (شديدا الانتهار، فينتهرانه، و) يجلسانه، فيقولان له: من ربك؟

(1) جمع المسح، بكسر الميم، وهو ما يلبس من نسيج الشعر على البدن تقشفا وقهرا للبدن.

(2)

أي ثقب الابرة، والجملى هو الحيوان المعروف، وهو ما أتى عليه تسع سنوات.

ص: 158

(فيقول: هاه هاه (1) لا أدري، فيقول له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا آدري)، فيقولان: فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم) فلا يهتدي لاسمه، فيقال: محمد! فيقول) هاه هاه لا أدري (سمعت الناس يقولون ذاك! قال: فيقال: لا دريت)، (ولا تلوت)، فينادي مناد من السماء أن كذب، فافشروا له من النار، وافتحوا له بابا إلى النار، فيإتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه (وفي رواية: ويمثل له) رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول (وأنت فبشرك الله بالشر) من أنت؟ فوجهك الوجه يجيئ بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث؟ (فو الله ما علمت إلا كنت بطيئا عن طاعة الله، سريعا إلى مصية الله)، (فجزاك الله شرا، ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة! لو ضرب بها جبل كان ترابا، فيضربه ضربة حتى يصير بها ترابا، ثم يعيده الله كما كان، فيضربه ضربة أخرى، فيصيح صيحة يسمعه كل شئ إلا الثقلين، ثم يفتح له باب من النار، يمهد من فرش النار).

فيقول: رب لا تقم الساعة ".

أخرجه أبو داود (2/ 281) والحاكم (1/ 37 - 40) والطيالسي (رقم 753 وأحمد (4/ 287، 288 و 288 و 295 و 296) والسياق له والاجري في " الشريعة "(367 - 370).

وروى النسائي (1/ 282) وابن ماجه (1/ 469 - 470) القسم الأول منه إلى قوله: وكأن على رؤوسنا الطير ".

وهو رواية لابي داود (2/ 70) بأخصر منه وكذا أحمد (4/ 297) وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ".

وأقره الذهبي، وهو كما قالا، وصححه ابن القيم في " إعلام الموقعين "(1/ 214)، " تهذيب السنن "(4/ 337)، ونقل فيه تصحيحه عن أبي نعيم وغيره (2)

(1) هي كلمة تقال في الضحك وفي الايعاد، وقد تقال للتوجع، وهو أليق بمعنى الحديث والله أعلم، كذا في " الترغيب ".

(2)

والزيادة الأولى لابي داود وابن ماجه والحاكم،، والثانية لاحمد والطيالسي، والثالثة له والحاكم، والرابعة لاحد، والخامسة، وله السادسة والثامنة، والسابعة للحاكم، والثامنة للطيالسي، والتاسعة لاحمد =

ص: 159

109 -

ويجوز إخراج الميت من القبر لغرض صحيح، كما لو دفن قبل غسله وتكفينه ونحو ذلك، لحديث جابر بن عبد الله قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعد ما أدخل حفرته، فأمر به فأخرج، فوضعه على ركبتيه، ونفث عليه من ريقه، وألبسه قميصه (قال جابر: وصلى عليه)، فالله أعلم، (1)(وكان كسا عباسا قميصا) " أخرجه البخاري (3/ 167) والسياق مع الزيادة الاخيرة له، ومسلم (8/ 120) والنسائي (1/ 284) والزيادة الأولى له، وابن الجارود (260) والبيهقي (3/ 402) وأحمد (3/ 381) من طريق عمرو بن دينار سمعه من جابر.

وله طريق أخرى: عن أبي الزبى عن جابر قال: " لما مات عبد الله بن أبي، أتي ابنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لم تأته لم نزل نعير بهذا، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فوجده قد أدخل في حفرته، فقال: أفلا قبل إن تدخلوه؟ فأخرج من حفرته فتفل عليه من قرنه إلى قدمه، وألبسه قميصه ".

أخرجه أحمد (3/ 371) والطحاوي في " المشكل "(1/ 14 / 15) بسند على شرط مسلم، لكن أبو الزبير مدلس وقد عنعه.

110 -

ولا يستحب للرجل أن يحفر قبره قبل أن يموت، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل

= والعاشرة لابي داود والحادية عشر والثانية عشر للطيالسي، والثالثة عشر لاحمد والرابعة عشر الطيالسي والخامسة عشر له وكذا أحمد، والسادسة عشر له أيضا ولاحمد نحوه، وله السابعة عشر والثامنة عشر والتاسعة عشر والعشرون والواحدة والعشرون، والحاكم الاخيرتان منها، والثانية والعرون لاحمد والثالثة والعشرون، والخامسة والعشرون للحاكم، والرابعة والشعرون للطيالسي والسادسة والعشرون لاحمد، والسابعة والعشرون للطيالسي، والثامنة والعشرون لابي داود، والتاسعة والثلاثون للطيالسي، ولاحمد الزيادات الباقية والثالثة والثلاثون منها للطيالسي ولفظها له.

وأما الرواية الثانية فهي للحاكم، ولاحمد الثالثة، وللحاكم والطيالسي الرابعة والخامسة والسادسة.

(1)

يعني بالحكمة التي من أجلها فعل صلى الله عليه وسلم ذلك بابن أبي مع كونه كان منافقا كما تقدم في المسألة (60)، والظاهر أن هذا كان قبل نزول قوله تعالى (ولا تصل عل يأحد منهم مات أبدا، ولا تقم على قبره) الآية، وحينئذ يمكن فهم الحكمة مما علقناه هناك.

ص: 160

ذلك هو ولا أصحابه، والعبد لا يدري أين يموت، وإذا كان مقصود الرجل الاستعداد للموت، فهذا يكون من العمل الصالح.

كذا في " الاختيارات العلمية " لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

= يعني العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك يوم بدر، لما أتي بالاساري، وأتى بالعباس، ولم يكن عليه ثوب، فوجدوا قميص عبد الله بن أبي، فكساه النبي صلى الله عليه وسلم إياه، فلذلك ألبسه النبي صلى الله عليه وسلم قميصه، هكذا ساقه البخاري في " الجهاد "، فيمكن أن يكون هذا هو السبب في إلباسه قميصه.

ويمكن أن يكون السببب ما أخرجه البخاري أيضا في " الجنائز " أن ابن عبد الله المذكور قال: يا رسول الله ألبس أبي قميصك الذي يلي جلدك، وفي رواية أنه قال: اعطني قميصك أكفنه فيه - ويمكن أن يكون السبب هو المجموع: السؤال والمكافاة، ولا مانع من ذلك، كذا في " نيل الاوطار " ويمكن أن يكون السبب هو المجموع: السؤال والمكافأة، ولا مانع ما ذلك. كذا في " نيل الاوطار "(4 - 97).

ص: 161