الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكاتب: محمد رشيد رضا
الشروع في عمارة الحرم القدسي الشريف
تسلم المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في فلسطين زمام إدارة الأوقاف
والمحاكم الشرعية الإسلامية عام 1340 هجرية ووضع نصب عينيه منذ ذلك العام
أمر الشروع في تعمير بنيان الحرم القدسي الشريف المشتمل على المسجد الأقصى
أول القبلتين وثالث الحرمين وقبة الصخرة الشريفة، الدرة اليتيمة بين المباني
الشرقية النفيسة والآثار الإسلامية الخالدة، وما يتبعها من الأبنية الأثرية المختلفة
التي أحاطها المكان المقدس ببركاته، ومسح عليها الفن من نتائج القرائح المتوقدة
ببدائعه؛ وذلك لأن هذا الآثار القيمة قد أحاطها البلى من كل جانب، فتصدع بعض
أقسامها، وتآكل بعض آخر من عوالم الجو المستمرة، حتى كاد معظمها يشرف
على الاندثار لا سمح الله؛ لأن هذه الأبنية النفيسة لم تتناولها يد الإصلاح الجدي
منذ أجيال عديدة، وجُلُّ ما كان يجري فيها من العمارة ينحصر في ترميم سطحي
بسيط لا أثر للمتانة ولا للفن فيه.
فلما أخذ المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى على عاتقه شرف القيام بهذا
المشروع فكَّر في تسليم إدارته الفنية إلى المهندس القدير المرحوم كمال الدين بك
وهو أشهر المهندسين المتخصصين في المباني الإسلامية ففاوضه في هذا الأمر
كتابة ثم استدعاه من مقره في الآستانة ففحص هذه الأبنية فحصًا فنيًّا دقيقًا وقرَّر أن
مشروع التعمير يحتاج إلى ما لا يقل عن (150000) على أن يقوم بالعمل هيئة
فنية مؤلفة من عدد من المهندسين برياسته، ثم رجع إلى الآستانة وعاد منها
مستصحبًا ثلاثة ممن يعتمد عليهم من المهندسين القديرين، وأضاف إليهم مهندسًا
آخر من القدس الشريف وأخذ يضع الخطط الفنية للقيام بهذا العمل الكبير، فلما تم
ذلك، عقد المجلس الإسلامي الأعلى، وثلاثة مهندسين من حكومة فلسطين
ومهندسي الهيئة الفنية المذكورة فبحثوا هذه الخطط الموضوعة وختموا اجتماعهم
باتخاذهم القرار الآتي:
بعد الفحص والتدقيق في حالة قبة المسجد الأقصى، والجزء السفلي منه،
والمشاريع الثلاثة التي قدمها كمال الدين بك، والتقرير الذي قدمه المندوبان
المصريان مصطفى حمدي بك القطان ومحمود أفندي أحمد، وبعد البحث الوافي،
تقرر بالإجماع قبول المشروع الثاني، وأساسه تقوية البناء مع المحافظة عليه جهد
المستطاع.
أما تفاصيل هذا المشروع فهي كما يلي:
صلب المجموع، تقوية الأسس، تقويم الأعمدة، تجديد الأوتار الخشبية
(الشدادات) حفظ العقود والمقرنصات ورقبة القبة (الكرسي) وبقدر المستطاع حفظ
القبة نفسها وبالإجمال كل ترميم أو تجديد يجده كمال بك ضروريًّا ومستطاعًا فيما
عدا ما ذكر.
(وتزيد الهيئة على ذلك أنه وإن كان المشروع الأول المتعلق بالتجديد،
والذي اختاره المعمار كمال الدين بك هو ذا نتيجة أقوى وأجمل إلا أنها تؤثر
بالإجماع المشروع الثاني المذكور أعلاه، والموافق لتقرير المندوبين المصريين،
لاعتبارات أثرية ودينية واجتماعية) .
وبهذه المناسبة ترى الهيئة أنه يستحسن أن يعطى كمال الدين بك الحرية
التامة في اختيار الوسائل التي ستُتَّبَعُ، وتقرير الإجراءات التي ستُتَّخَذُ لتنفيذ
الأعمال المقرَّرَة في المشروع المذكور أعلاه وإنهائها على أحسن وجه.
(وترى الهيئة أن هذا العمل ضروري ودقيق وأنه لا بد من إعطاء كمال
الدين بك الذي سينفذه الحرية في أن يختار كل ما يحتاج إليه من العمال الفنيين،
وأن يتخذ كل التدابير الاحتياطية الخاصة التي يقتضي اتخاذها في مشروع دقيق
كهذا) .
(ثم تود الهيئة أن تبدي عظيم ارتياحها لما رأته من الدقة والمهارة اللتين
أظهرهما الأستاذ المعمار كمال الدين بك وهيئته الفنية في درس المسألة والمشاريع
التي هيأها، وأن تظهر أيضًا ثقتها مجمعة بذلك التحضير الدقيق المحكم، ومنه
تبدو بجلاء تام الأهمية الكبيرة التي تشتمل عليها هذه القضية الدقيقة وتفاصيلها
وفروعها، وعلى هذا وضعت هيئة المؤتمر هذا القرار النهائي بكل ثقة (في 23
شباط سنة 1924) .
***
جمع نفقات العمارة
أيقن المجلس الإسلامي الأعلى أنه لا يتأتى القيام بمشروع هذه العمارة إلا إذا
قام المسلمون عامة ملوكهم وأمراؤهم وشعوبهم بمساعدته مساعدة جدية لما يتطلبه
من النفقات الكبيرة، فقام بإذاعة دعوة عامة وجهها إلى مسلمي العالم كافة
يستصرخهم باسم الإسلام والحضارة الإسلامية والفن الإسلامي أن يقبلوا على
مؤازرة هذا المشروع، وقد نشرت الدعوة باللغات الإسلامية في أنحاء العالم
الإسلامي، ثم أوفد الوفود إلى مصر والحجاز أولاً وثانيًا، والآستانة والهند
والعراق، وجمع الأموال من هذه البلاد بمقادير مختلفة، ووردت إليه الإعانات من
بلاد أخرى تتضح مبالغها جميعًا من مطالعة البيان المالي الآتي:
***
بيان الواردات باعتبار الأقاليم
مليم جنيه مصري
…
... الجهة المتبرعة
248 6478
…
من صندوق المجلس الإسلامي بفلسطين والواردات المحلية
375 4231
…
من أهالي فلسطين.
733 38761
…
من الحجاز
608 23788
…
من الهند
322 6206
…
من العراق
520 1362
…
من الكويت
780 2681
…
من البحرين
635 612
…
من المحمرة
700 338
…
من سورية
440 19
…
من تركيا
860 306
…
من مصر
920 48
…
المهاجرين في أمريكا
ــ
141 94837
***
طريق الإنفاق
اقتضى المشروع أن يكون له في القدس لجنة مركزية تشرف على سيره
وتتولى إدارة شئونه المالية إدارة منظمة حسب الأصول الفنية والمالية فعيَّن المجلس
الإسلامي لجنة مؤلفة من نخبة من أعيان البلاد الخبيرين الموثوق بهم لهذا الغاية
سميت لجنة عمارة الحرم الشريف، وطلب المجلس الإسلامي الأعلى إلى جميع
الأقطار الإسلامية التي اشتركت في نفقة العمارة أن ترسل كل منها عضوًا من قِبَلها
يمثلها في هذه اللجنة.
وقامت هذه اللجنة بواجباتها وأعمالها حق القيام، فوضعت السجلات والدفاتر
المنظمة لجميع المعاملات الحسابية وضبطت قيود أعمالها حق القيام، فوضعت
السجلات والدفاتر المنظمة لجميع المعاملات الحسابية وضبطت قيود أعمالها ضبطًا
محكمًا وراقبت شراء المواد المقتضاة وأشرفت على أهم الأمور الإدارية في هذا
المشروع.
ويتضح للقارئ من البيان التالي مجمل الواردات والنفقات لغاية 13 ذي
الحجة سنة 1346 الموافق غاية مارس سنة 1928 التي كان المجلس الإسلامي
الأعلى يرسل بيانات بتفاصيلها إلى كبار المتبرعين والصحف المختلفة في كل شهر:
***
الورادات السنوية
مليم
…
جنيه
43 20386 عن 14 جمادى أول سنة 41 لغاية23 جمادى أول سنة 42
…
... الموافق سنة 23
396 56604 عن 24 جمادى أول سنة 42 لغاية 5 جمادى ثاني سنة 43
…
... الموافق سنة 24.
21 11160 عن 6 جمادى ثاني سنة 43 لغاية 16 جمادى ثاني سنة 44
…
... الموافق سنة 25.
445 3021 عن 17 جمادى ثاني سنة 44 لغاية 26 جمادى الثاني سنة 45
…
... الموافق سنة 26.
952 3317 عن 27جمادى ثاني سنة 45 لغاية 8 رجب سنة 46 الموافق
…
... سنة 27.
311 357
…
عن 9 رجب 46 لغاية 13 ذي الحجة الموافق سنة 28
ــ
41 94837 المجموع
نفقات عمارة المسجد الأقصى
367 7168 المصروف من صندوق الأوقاف لغاية 19 محرم سنة 342
…
الموافق غاية آب سنة 23 قبل تشكيل لجنة عمارة المسجد الأقصى
724 3242 نفقات عن 20 محرم لغاية 23 جماد أول الموافق عن أيلول لغاية
…
كانون أول سنة 1923.
615 17403 نفقات عن 24 جماد أول سنة 1342 لغاية 5 جماد ثاني 1343
…
الموافق سنة 1924.
828 11380 نفقات عن 6 جماد ثاني سنة 1343 لغاية 16 جماد ثاني سنة
…
1344 الموافق سنة 1925.
193 6412 نفقات عن 17 جماد ثاني سنة 1344 لغاية 26 جماد ثاني سنة
…
1345 الموافق سنة 1926.
62 15926 نفقات عن 27 جماد الثانية سنة 1345 لغاية 8 رجب سنة 1346
…
الموافق سنة 1927.
764 6196 نفقات عن 9 رجب سنة 346 لغاية 13 ذي الحجة سنة 346
…
الموافق غاية مارس سنة 1928.
ــ
443 67730 المجموع
***
إتمام عمارة قبة المسجد الأقصى
وقد تمت بتوفيقه تعالى عمارة المسجد الأقصى وما يحيط بها من المباني
المتداعية على أكمل وجه حتى إن زلازل فلسطين الأخيرة على شدتها لم تُحْدِث في
الأمكنة التي عمرت تأثيرًا ما على حين أن جملة من الأبنية الكبرى في القدس
تصدعت مما دل دلالة صريحة على أن العمارة الجديدة قد جرت على الأصول
الفنية بحيث أصبح البناء يتحمل صدمات العوامل الطبيعية وقد شهد بذلك
المهندسون الذين زاروا المكان فشاهدوا متانة عمارته واتفقوا على أنه لو لم يبادر
المجلس إلى عمارة قبة المسجد لدمرها الزلزال تدميرًا.
***
حفلة افتتاح عمارة المسجد الأقصى
ومما نحمد الله تعالى عليه أن يتم هذا المشروع على يد المجلس الإسلامي
الأعلى الذي رأى من الحق عليه أن يفتتح هذا القسم من العمارة بحفلة حافلة يدعو
إليها عظماء العالم الإسلامي ومن آزره في إتمام هذا المشروع مؤازرة مادية أو أدبية،
وقد اختار لذلك يوم مولد سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم من هذا العام
الموافق 12 ربيع الأنور سنة 1347.
وتعد الهيئة لهذه العمارة تقريرًا فنيًّا وافيًا عن هذا المشروع إجمالاً وتفصيلاً،
وستوزعه على المحتفلين، وتنشره بعدئذ في العالم الإسلامي بمختلف اللغات، والله
ولي التوفيق.
((يتبع بمقال تالٍ))
_________
الكاتب: محمد رشيد رضا
اختيار الشيخ محمد مصطفى المراغي
شيخًا للأزهر والمعاهد الدينية
مرت بضعة أشهر على وفاة المرحوم الشيخ أبي الفضل الجيزاوي والحكومة
في حيرة في اختيار خلف له وقد جعل القانون أمره إلى الوزارة حتى وفق صاحب
الدولة مصطفى النحاس باشا إلى اختيار هذا الرجل ولعمري إنه لم يكن في البلد من
يصلح لهذا المنصب في هذا الوقت غيره حتى احتيج إلى هذا الوقت الطويل
لمعرفته - وهو رئيس المحكمة الشرعية العليا أي أكبر رجال القضاء الشرعي
ولكن اختياره على أولئك النفر من المرشحين للمنصب على المعهود في التقليد بين
كبار الشيوخ هو الذي اقتضى طول الروية والبحث من قبل، وللوزراء أهواء
مختلفة ولكل من أولئك المرشحين انتماء إلى وزير كبير أو ضلع مع حزب من
الأحزاب السياسية التي يُعَدّ أولئك الوزراء من زعمائها، فكانت آية إخلاص
مصطفى النحاس باشا في اختياره للشيخ محمد مصطفى المراغي أنه فضَّله على
بعض الشيوخ الموالين للوفد المصري المعدودين من حزب السعديين، وذلك بعد أن
أخبره بمزاياه من ثقات الأزهريين المستنيرين من لا يمتري في معرفتهم وحسن
نيتهم، وهو يعلم مع هذا أنه أعطَى منصبه الشرعي حقه فلم ينتم إلى حزب من
الأحزاب ولم يتزلف إلى وزير من الوزراء كما أنه لا يعادي حزبًا ولا وزيرًا من
الوزراء وأنه مرضي لدى جلالة الملك.
إن بيان ما أجملته من الحكم بأن هذا المنصب لا يصلح له في هذا الوقت إلا
هذا الرجل يتوقف تفصيله على بيان حالة الأزهر من نواحيها المتعددة، وبيان
مزايا الشيخ العقلية والإدارية ومعرفته لحالة العصر من نواحيها المختلفة، وما
يحتاج إليه الإسلام من التجديد والإصلاح، وفوق هذا كله استقلاله في فهم الدين
والعلم فهو في الذروة العليا من نجباء تلاميذ الأستاذ الإمام رحمه الله، فعسى أن
يجعله الله هو المتمم لما بدأ به أستاذه وأستاذنا من إصلاح الأزهر.
كنت أود أن مكنتني صحتي من التفصيل الذي أشرت إليه ولكنني لا أزال
مريضًا، وقد كتبت هذه الكلمة، وأنا مستلق في سريري، وإلى الله المشتكى،
وهوالمسئول بتعجيل الشفاء.
***
اعتذارنا للقراء بمرضنا ومصائبنا
قد علم القراء ما كان من أمر مرضنا، وما كان لنا أن نكتمه عنهم، وقد
كانت وطئة الحمى خفت حتى قلما تتجاوز الدرجة 38 فكتبنا تفسير هذا الجزء
وباب الفتاوى وباب الانتقاد على التفسير، وعرض لنا بعد ذلك التهاب شديد في
اللوزتين فارتفعت الحمى زهاء أسبوع ثم خفت بزواله ثم عادت إلى الارتفاع حتى
منعنا الأطباء من الخروج إلى المكتب ومن مقابلة الناس.
وكنا جعلنا تاريخ هذا الجزء سلخ المحرم من السنة الجديدة 1347 ولكن كاد
شهر صفر أن ينتهي ولم نستطع كتابة شيء آخر مما كان في النفس فأذنا الإدارة
بإتمام الجزء ببعض المختارات المفيدة من الصحف والرجوع في هذه الفرصة إلى
تقريظ الكتب التي تأخر تقريظها وإصدار الجزء، وسنجعل تاريخ الجزء الذي بعده
سلخ ربيع الأول، وما ندري هل يقدرنا الله تعالى على كتابة شيء منه أم لا،
والرجاء بفضله عظيم.
***
وفاة فاضلة
ابتلينا في 30 ذي الحجة سنة 1346 بوفاة شقيقتنا البارة الفاضلة العاقلة
السيدة الحاجة حفصة رحمها الله تعالى، ولله ما أخذ ولله ما أعطى وما أبقى، وإنا
لله وإنا إليه راجعون.
***
كلمة إلى حضرات المشتركين
إن دَخْلَنَا في هذه البضعة الأشهر التي تضاعفت فيها نفقاتنا بسبب المرض
وغيرها كان أقل مما كان في مثلها من كل عام فنستنجد الوفاء والمروءة من
المدينين لنا باشتراك المنار أو أثمان الكتب أن يعجلوا بإرسال جميع المتأخر لنا
عندهم، ونحن نعده لهم في هذا الوقت كأنه إعانة منهم، ومن لم يؤثر فيه هذا القول
في أداء الحق الذي عليه فهو أعرف بقيمة نفسه وعليه ما يستحق من جزاء الدنيا
والآخرة.
_________